|
قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
السياج الاخضر << كاملة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من الملل الـي انا فيه قلت خلني أحط لكم لكم رواية قريتها من فترة للكاتب ايرومي (IRuMI) الروايه اسمها " السياج الاخضر " و هي كاملة معلومات عن الرواية : شابُ كالنسيم العليل، ابتسامتة دافئة ونبرتة هادئة ، ولكن خلف هذا الوجه المطمئن يكمن سرُ ما! يحدث شيء ما يودي بحياته ، وبعد أربعة عشر عاماً تبدأ المشاكل للشاب الذي يحمل نفس اسمه ودمه! السنة : 2007 النوع : خيال ، دراما ، غموض الحالة : مكتملة روابط الفصول :
__________________ الى اللقاء التعديل الأخير تم بواسطة أخت أم خالد ; 02-27-2015 الساعة 07:49 PM سبب آخر: وضع روابط الفصول |
#2
| ||
| ||
السياج الأخضر استيقظ ((آدم)) من نومه فجأة ونظر إلى ساعته المنبهة فوجدها قد تجاوزت الرابعة صباحا .. لم يتعجب كثيرا من استيقاظه في ذلك الوقت، تجهز وتناول حبوبه المغذية .. ثم نزل إلى الحقل الذي يحوط بمنزله الريفي الصغير وقام بفتح الاصطبل وأخرج جواده البني " سريع" ،، مسح على جبهته بلطف ثم اعتلاه وركض به خارجا من الحقل إلى الطريق الصغير الذي يفصل بين الحقول .. سار يتأمل شروق الشمس وبديع صنع الإله في ذلك المكان الجميل حتى خرج من قريته إلى نطاق الغابة وظل متابعا سيره حتى طلع النهار وتوقف آدم أمام منظر بديع ... الخضرة تحيط بالبحيرة الصافية الزرقاء، هناك أشجار خضراء عملاقة تحيط بالمكان ومرتفعات تواريها .. هو فقط من يعرف هذا المكان وهو الذي يزوره ليتأمل الطبيعة الساحرة وينسى آلامه لبعض الوقت .. ربما ... يستطيع أن ينسى آلامه، ترجل من فوق جواده وسار حتى وصل إلى البحيرة التي أطلق عليها اسم "وشاح الأمل الأزرق" .. انحنى بهدوء ولمس بأطراف أصابعه مياهها الدافئة واستنشق من الهواء الذي يحمل رائحة الورود البرية وتأثر كثيرا وهو يحاول النسيان .. قال مخاطبا البحيرة الزرقاء بخفوت: بحيرتي يا وشاح الأمل ... سأفتقدك كثيرا لأنني ربما لن أعود غدا ... ثم وقف وهو ينظر إلى المكان و اغرورقت عيناه بالدموع وهو يودع أصدقائه من الأشجار العملاقة ولكنه تماسك حتى لا تشعر أشجاره بدموعه ثم اعتلى جواده سريع وعادا معا إلى القرية .. كانت القرية قد استيقظت والناس يذهبون ويجيئون وكل مشغول في عمله بالبيع أو الشراء أو حراثة الحقول أو حتى التحديق بـ آدم بدون سبب يعرفه ... عاد آدم إلى حقله وأدخل جواده إلى الاصطبل وعندما خرج شاهد شابا يقترب مبتسما وقال : مرحبا آدم؟؟ كيف تشعر ... آمل أنك في تحسن .. ابتسم آدم وتمتم : أجل ... متى سوف تعود للجامعة؟؟ لن .. أعود .. صمت آدم قليلا بعد تلك الجملة ولكنه أردف: لن أعود أبدا .. حاول الشاب أن يبعد شبح اليأس عن آدم وقال وهو يضرب كتفه مازحا: هيا يا رجل!! المدينة ليست بعيدة إلى هذا الحد .. لم يعقب آدم على تلك الكلمة ونظر خلف الشاب فالتفت الشاب وشاهدا شقيقة آدم الكبرى "منى" وهي تصطحب معها طبيب القرية متوجهة نحوه فابتسم آدم تلك الابتسامة الجميلة التي تعطي الحياة لكل شخص يراها، واقتربت منى مبتسمة ثم قالت وهي توبخ آدم بلطف: آدم! كم مرة علي أن أخبرك بأن لا تجهد نفسك ... أليست هذه وصية والدك رحمه الله التي لا تنفذ شيئا منها! تنحنح الشاب وقال: سوف أزورك قريبا آدم ... و ... اسمع كلام شقيقتك! إنها طبيبة وتفهم ذلك! ابتسم آدم وقال وهو يراقب صديقه الوحيد يرحل: حاضر يا أيمن، اسمع كلام والدتك واشرب الحليب!! ضحك أيمن ولوح بيديه ثم خرج من بوابة الحديقة،، فقالت منى: آدم! لا تعجبني تمضية أيامك في العمل وإرهاق نفسك ... يمكننا تولي أمر الحقل!! ظل آدم مبتسما وهو يقول بهدوء: دعيني أمضي ما بقي من أيام حياتي القليلة كما أريد ... توقفت منى عن الكلام وهي تشعر بالأسف ثم تلكأت وهي تقول: - لا .. لا تقل ذلك أبدا ... سـ .. سوف تكون بخير .. تدخل الطبيب في تلك اللحظة قائلا بخبث: انظري إلى وجهه الشاحب إنه يشرف على الموت، دعيه يفعل ما يريد .. نظرت منى إلى الطبيب بغضب فقال الطبيب مبتسما وهو يتدارك كلمته الأخيرة: الأعمار بيد الله ولكن لا تنسي أنه من وافق عمه المجنون على وضع ذلك الشيء داخل جسده.. حلت فترة صمت قصيرة وبدا التأثر على وجه منى ولكن آدم وضع يده على قلبه وتكلم بهدوء كعادته: لا أحب أن أتشاءم ولكن، أشعر بأن تلك القطعة في صدري تؤلمني بشدة .. لقد مللت من الحقن المضادة لأنه لا داعي لها أبدا .. فأنا سأموت بأي حال ... احتقن صوت منى وتجمعت الدموع في عينيها وهي تقول: أرجوك يا أخي ... خذ الحقن لأرتاح! قال الطبيب بعد أن تنحنح : إنه محق،، لا داعي للحقن لأنه سيمـ ... نظرت منى للطبيب نظرة حادة فتوقف عن الكلام وهو يبتلع لعابه بصعوبة ويحاول نسيان الأمر .. قبل أن يدخل آدم إلى منزله توقف لحظة ثم قال: كنت أود رؤية "آدم" الصغير اليوم ... إذا سمحت طبعا يا أختي، ولا تنسي أنني خاله .. أومأت منى موافقة و حاولت أن تبتسم ولكن دموعها ملأت عينيها الجميلتين واستدارت حتى لا يلحظ آدم تلك الدموع المخفية ثم قالت بصوت مرتعش: أرجوك .... خذ الحقن ... توقف آدم واتسعت عيناه ثم استدار وهو يقول بدهشة: هل تبكين يا أختي؟؟ هل تخافين من الموت؟؟ استدارت منى ودموعها تسيل على خديها ثم ضمت آدم بقوة وهي تقول: أخشى أن أفقدك فعلا ... أرجوك!!! لن استطيع أن أتخيل حياتي وأنت لست فيها !!! ابتسم آدم تلك الابتسامة الهادئة جدا ثم قال: إن حياتك جميلة .. وهناك من يحتاجك جدا،، زوجك يوسف الذي تحبينه،، وآدم ابنك .. آدم الصغير ... سوف تكونين بخير، أنا مطمئن عليك .. انهمرت دموع منى بشدة وشهقت محاولة التقاط أنفاسها ثم قالت بخفوت: خذ الحقن ... أرجوك! أجاب آدم: حسنا ... السياج الأخضر استيقظت منى في اليوم التالي وأعدت الفطور بسرعة فسألها زوجها قائلا: كيف حال آدم الكبير الآن ؟؟ لم تجب منى وظلت تطعم طفلها آدم بصمت فشعر زوجها يوسف بحزن يعتلي ملامحها فلم يكرر السؤال وقال بلطف: ما رأيك أن نأخذه في رحلة؟ ربما تغيير المكان يجعل حاله أحسن .. نظرت منى بسرعة نحو يوسف وتمتمت: حقا .. هل سنقوم برحلة .. أ ..أقصد هل تعتقد أن تغيير المكان سيفيد حقا؟؟ أجل! أنا مؤمن بذلك .. لكن .. أنت لا تأخذ إجازة وعملك مرهق .. هذا لن يصلح .. توقفي عن هذا يمكنني أن آخذ إجازة .. دمعت عينا منى وتحشرج صوتها ولكنها انتبهت لآدم ذلك الطفل الذي لم يتم الثلاثة أعوام وهو ينظر إليها بحزن ويشعر بحزنها العميق فوقفت وقالت وهي تتوجه إلى الأعلى وتمسك دموعها: سأعود بعد دقائق .. تمتم آدم بلهجة الأطفال البسيطة: - أمي تبكي.. نظر يوسف إلى ولده الصغير وابتسم بصعوبة قائلا: لقد دخلت بصلة في عينيها ... ضحك آدم وردد: تبكي من البصلة ؟ أجل .. أنت ولد ذكي .. ترك يوسف الطاولة وصعد خلف زوجته بسرعة .. وعندما وصل إلى الدور الثاني رأى منى تبكي قرب النافذة وتحاول تجفيف دموعها التي لا تريد التوقف فقال يوسف بهدوء وهو يمسك بكتفيها بحنان : أعلم أنه شقيقك الأصغر الذي أحببته أكثر من نفسك، لكن .. أرجوك تماسكي قليلا .. قالت منى بألم : كل ما يحزنني أن جميع الناس يتمنون موته ... لماذا!!! صمت يوسف قليلا ثم قال وهو يناول زوجته منديلا آخر : كل ما أعلمه أن عمه خبأ في صدره سرا ما ... يريد الجميع معرفته ... وهناك من يعرفه بالفعل ويريد الاستيلاء عليه .. زادت دموع منى وصاحت منفعلة: وهل هذا السر أغلى من حياة إنسان ... ربت يوسف على كتفها برقة وقال: لا تنسي أن ذلك الشيء أثر على صحته وتصرفاته منذ طفولته ، وجعله منطويا ووحيدا ... إنه قوي حتى يتحمل ذلك الشيء حتى الآن ... قوي جدا .. نظرت منى لزوجها وقالت: هل تقصد أنك تتمنى موته؟؟ تفاجأ يوسف من كلامها وقال بسرعة: بالطبع لا ... ولكن .. ولكن ما من طبيب يستطيع إخراج ذلك الشيء .. إن حالته ميئوس منها وهو يعاني ليلا ونهارا من آلام مبرحة .. يجب أن لا تكوني أنانية .. الموت أفضل له ... صرخت منى باكية: أنتم تكرهونه لأنه أرق وأجمل شخص في الوجود ... تحقدون عليه لأنه أفضل منكم .. لأنه مختلف ولأنه وسيم وذكي ... أنتم حقدة .. ثم تركته وركضت نحو غرفتها فسار يوسف خلفها وهو يقول: صدقيني أنا لم أقصد تمني الموت له ... لم اقصد كل هذا الكلام .. أنت تعرفين أنني أحبه مثل أخي وأكثر .. لا يمكنني أن أحقد عليه أبدا .. أنـ .. أنا .. التفتت منى ثم ارتدت معطفها ومسحت دموعها و قالت: أنا آسفة .. لم أقصد الكلام الذي وجهته إليك ... لا بأس .. أنا أيضا آسف .. سأسرع الآن لأنه لا يأخذ دواءه إلا بعد إلحاح مضنٍ .. كما أنه علي التوجه إلى المستشفى بسرعة لأن هناك حالة ولادة بانتظاري .. تابع يوسف زوجته الجميلة وهي تنزل درجات السلم ثم هتف: فكري بأمر الرحلة .. أنا مستعد لكم .. لوحت منى بيدها باسمة ثم أمسكت بيد آدم الذي كان يلعب وقالت: آدم .. ستذهب معي إلى خالك اليوم .. نظر آدم ببراءة نحو أمه وقال: هو ذهب .. لن أراه .. اتسعت عينا منى مفزوعة وأمسكت بآدم من يده وركضا معا إلى الخارج .. ركضت منى وركضت ولكن آدم الصغير تعب فحملته حتى وصلت إلى المنزل ... كان باب الحقل مفتوحا وتركت منى طفلها ليسير ثم شاهدت سريع يركض في الحقل كالحصان البري فانطلقت نحوه وأمسكت بلجامه وهي تقول: ما الأمر يا سريع .... لماذا تبدو خائفا .. أم إنها أنا الخائفة؟؟ ظل الحصان يصهل ويتحرك يمينا ويسارا فتركته منى وهي تسحب آدم خلفها ودخلت إلى المنزل وهي تنادي بهستيريا: آدم ... آآدم أجبني بالله عليك... بحثت منى في كل ركن ... ولكنها لم تجد أثرا لـ آدم .. فعادت إلى الحقل وقالت تحدث حصان آدم : سريع ... خذني إلى آدم بسرعة ... أين هو ..؟؟ ---------------------------------------------------------- اعتلت منى الحصان وحملت صغيرها أمامها فركض بها الحصان وعبر القرية .. ثم خرج ودخل إلى الغابة المهجورة .. فبدأت منى تشعر بالخوف ... ظل سريع يركض ويركض حتى وصل إلى غابة آدم ذات الأشجار الملتفة والبحيرة الزرقاء النقية .. سارت منى منبهرة بجمال ذلك المكان وعندما نظرت إلى البحيرة شاهدت آدم هناك .. ملقى على شاطئ البحيرة وإحدى يديه تنغمس في المياه الدافئة ... هل مات آدم ؟؟؟ ركضت منى مفزوعة نحو أخيها الملقى بلا حراك ولكنها عندما اقتربت سمعت صوت أنفاسه المتلاحقة .. فتنفست الصعداء .. وعندما اقتربت أكثر شاهدت الكثير من الدماء على شفتي آدم وجسده وعلى حشائش الغابة، كانت الدموع تملأ عينيه فأمسكت به ووضعت رأسه على حجرها وقالت : آدم ... ماذا تفعل هنا... لماذا لم تهدأ وترتاح ... لم أنت مجروح هكذا؟؟ لم يستطع آدم الكلام ونزلت دموعه ، فبكت منى وقالت: أنت قوي ... لم أرك تبكي هكذا من قبل .. بماذا تشعر؟؟ تمتم آدم بصعوبة : لـ .. لقد .. حزن أصدقائي .. لقد رأوا دموعـ .. ـي .. التي خبأتها عنهم ... لسنين ... كان آدم الصغير يراقب ذلك بصمت وتساءلت منى: أصدقاؤك؟؟ تنفس آدم بصعوبة وتكلم ودموعه تسيل على وجهه: عندما أموت ... لا تدعيهم يعبثون بجثتي أرجوك ... إ .. قاطعته منى وهي تبكي هي الأخرى : لن تموت يا آدم أرجوك .. تابع آدم : ادفنيني .. هنـا .. بـ . ... بالقرب من أصدقائي .. و ... أرضـ ... ـي ... ثم مـدّ يده ببط وكان ممسكا بشيء ما وقال: - أعطي لأيمن هذه! و ... خذي حذرك على آدم الـ .. الصغيـ .. ـر .. لم تستطع منى قول أي شيء وابتلعت دموعها وبكت حتى لم تعد ترى وجه آدم بوضوح ولكنها أمسكت بتلك العلبة الصغيرة ... مد آدم يده الأخرى بصعوبة نحو آدم الصغير فاقترب وأمسك بها .. ابتسم آدم الكبير فخرجت بعض الدماء الأخرى من فمه وسالت على وجنته .. ثم .. سكنت أنفاسه ومالت رأسه ... مسحت منى دموعها ونظرت إلى وجهه وهي لا تصدق أنه توفي .. لقد مات آدم بهدوء ... بعيدا عن القرية .. وبعيدا عن كل الناس .. بكت كثيرا عندما تذكرت الرحلة التي كان يوسف ينوى إعدادها من أجله ... لكنها تلك المرة كانت أكبر قوة وشجاعة .. خلعت معطفها المليء بدماء آدم ووضعته على وجهه، ومن ثم عادت إلى المنزل واتصلت بزوجها ليأتي ... لم يتأخر يوسف كثيرا، لأن بكائها كان يوحي بأن مصيبة حدثت .. كان يوسف مفزوعا عندما دخل من باب البيت ولم تستطع منى الكلام بينما قال آدم ببراءة الأطفال: آدم الكبير مات ... نظر يوسف نحو منى مصدوما وتكلم بخفوت: هل هذا صحيح ؟؟ أومأت منى بالإيجاب فضمها يوسف إلى صدره وتمتم: إنا لله وإنا إليه راجعون ... ثم نظر إلى وجه منى وقال: أين هو الآن ... في مكان بعيد .. قال يوسف بسرعة: يجب ألا يعلم أي شخص بمكانه حتى لا يحاول العبث بجثمانه .. ساعدني على دفنه .. دمعت عينا يوسف وضم منى مجددا وهو يحاول التخفيف من ألمها .. جففت منى دموعها حتى لا يلحظ السكان،، وتركوا آدم الصغير عند جده والد يوسف، ثم توجهوا إلى الغابة الملتفة .. كان المكان كئيبا وكأنه حداد على موت آدم .. كان آدم مستلق إلى جانب البحيرة ، بدأ يوسف بحفر قبر في ذلك المكان البديع، كانت الرمال رطبة .. ظل يوسف يحفر وهو يمسح عرق جبينه .. ودموعه التي سالت على خديه على الرغم منه .. قبل أن يدفنه، لاحظ يوسف أن هناك جرحا بليغا أحدثه آدم في صدره ولكنه لم يقل شيئا خشية أن تعتقد منى أنه قتل نفسه ... وتعيش في ألم طوال حياتها .. دفناه والألم يعتصرهما وقبلت منى جبينه قبل أن يهلوا عليه التراب ،، ثم بنا يوسف حول قبره سياجا من خشب الأشجار حتى يوحي للرائي بأنه لا يوجد قبر هنا .. كانت منى تعتبر موت آدم .. هو موت قلبها الصغير ، ومرت الليالي تعيسة .. حتى بدأ أهالي القرية يلاحظون اختفاء آدم ... السياج الأخضر بعد مرور أسبوع على وفاة آدم استيقظت منى من النوم بسرعة ووضعت الفطور لزوجها كالعادة .. كان الحزن مازال يخيم على أرجاء المنزل .. واستيقظ آدم الصغير وابتسم بلطف فحل جو من الألفة قليلا وبينما يتناولون إفطارهم سمعوا طرقا على باب منزلهم .. ذهب يوسف ليفتح الباب وفوجئ بطبيب آدم يقف أمامه ومعه بعض من أهالي القرية وقال الطبيب متسائلا: أين آدم ..؟؟ صمت يوسف للحظات ثم قال: لقد مات ... ماذا .. ؟؟ وأين وضعتم جثته .. أجاب يوسف ببرود: لقد أحرقناها .. ثم أغلق الباب بعنف في وجوههم .. عاد يوسف إلى طاولة الإفطار وقد عفت نفسه الطعام بسبب البشر الذين لا رحمة في قلوبهم .. تساءلت منى: من كان هناك؟؟ فنظر لها يوسف ولم يقل شيئا فعادت متسائلة: من كان بالباب يا عزيزي؟؟ لا شيء مهم .. لا تشغلي بالك .. تساءلت مجددا: متى سيمكنني زيارة آدم ؟؟ تمتم يوسف: ليس الآن .. لا أريدهم أن يعرفوا مكانه .. صمتت منى وخرج يوسف متوجها إلى عمله، سار بضعة أمتار خارج المنزل حتى ابتعد عنه وقبل أن يركب سيارته ، خرج عليه رجال ملثمون وقاموا بضربه بعنف بالعصي و البنادق حتى فقد وعيه .. عندما بدأ يوسف يفيق شعر أنه مبلل وأن هناك رائحة .. بنزين .. فتح عينيه جيدا وهو يشعر بألم رهيب في رأسه،، ثم نظر حوله فرأى عدة رجال من بينهم طبيب القرية ورجل يرتدي قميصا أسود غريب الشكل ، وسأله الرجل : أين جثة آدم يا سيد يوسف؟ ابتسم يوسف ساخرا وقال: لقد أحرقتها .... عاد الرجل يقول وكأنه لم يسمع رد يوسف: البلورة التي وضعها عمه العالم في صدره ... لي .. وأود استعادتها ... نظر يوسف للرجل ولم ينبت ببنت شفة .. فتابع الرجل: بصريح الكلام أستطيع أن أقول أنني من وضع تلك البلورة في صدر آدم، لكنني لم أقصد قتل الفتى، وإذا كنت قد أحرقت جثته فأظن أن أخذ البلورة قد أصبح يسيرا .. لأنها لا تحترق .. تنفس يوسف بصعوبة فأمسك الرجل قميصه بعنف وصاح: أين رماده إذن؟؟ لم يتكلم يوسف .. فأخرج الرجل قداحة من جيبه وتمتم: لست الشاهد الوحيد ... ربما عندما أحصل على البلورة، يمكنني زرعها بصدر ابنك آدم ... صاح يوسف: وماذا تستفيد من ذلك ؟؟ لماذا؟؟ ابتسم الرجل بخبث وضحك الطبيب وتمتم الرجل مجددا: هناك امرأة جميلة تعرف مكان آدم سواء أكان جثة أم كان رمادا .... الوداع أيها الحقير .. قبل أن يقوم يوسف بفعل أي شيء أشعل الرجل قداحته وقذف بها إلى صدر يوسف ليشتعل بكل ما حوله وسمع الرجال صراخ الموت من خلف النيران وهم يخرجون من المكان ببرود وكأنهم لم يفعلوا شيئا ... ******* ركض آدم الصغير حول والدته بمرح فابتسمت قائلة : انت تشبه والدك حقا ... ظل آدم يلعب حول والدته التي كانت تغسل الأطباق وسمعا فجأة طرقا على باب المنزل فغسلت منى يديها وتركت صغيرها خلفها يلعب ثم توجهت لفتح الباب، ورأت عند الباب شابا صغيرا كان صديق شقيقها آدم وهو في مثل سن آدم ويدعى أيمن .. عندما رأت وجهه تذكرت العلبة التي وصاها آدم أن تعطيها لأيمن قبل وفاته ولكن يبدو أنها فقدتها مع الحزن أو أنها سقطت في مكان ما من الغابة الملتفة .. كان أيمن شابا لطيفا، لديه عينان سوداوين وشعر بني داكن .. وكان قصيرا بعض الشيء ولديه شخصية مرحه وعفوية .. تكلم أيمن قائلا بخفوت: سيدة منى، يبدو أن عليك أخذ حذرك ... ظهر الاستغراب على وجه منى وتابع الشاب بنفس نبرة الصوت: هذا الصباح رأيت زوجك وقد أخذه رجال أشرار يبحثون عن آدم .. شهقت منى مفزوعة وهي تحاول كتم خوفها وقبل أن يقول أيمن أي شيء آخر توقفت ثلاث سيارات أمام منزل منى فسحبها الشاب بسرعة إلى الداخل وركضا معا ومنى تصرخ مفزوعة ،، حمل أيمن آدم الصغير وهتف بسرعة: يجب أن تهربوا ... إنهم أشرار .. صرخت منى وهي تفتح باب المنزل الخلفي: ماذا يريدون منـّا ؟؟ عندما فتحت باب المنزل وجدته أيضا محاصرا مما دفعها للصراخ ،، ولكن بعض الرجال أمسكوا بها فصرخت منى: أيمن ،، ولدي يا أيمن!! أرجوك ... فهرب أيمن إلى الأعلى وهو يحمل آدم ... اختبأ أيمن ومعه آدم وكان آدم سيبكي ولكن أيمن أشار له بالصمت، وكان طفلا ذكيا فاستجاب لذلك وصمت .. السياج الأخضر مضت أربعة عشر عاما ... تحولت في تلك الأعوام القرية إلى مدينة .. مدينة صاخبة بالناس بعد أن توحدت القرى التسع لكن ظلت الغابات الملتفة كما هي ... لم تتغير ولم تمس ... سرت الإشاعات بأن من يدخلها يكون الموت والضياع من نصيبه، وأطلق عليها اسم الغابات المحرّمة .. اليوم،، هو يوم ميلاد آدم السابع عشر .. لقد أصبح آدم شابا وسيما وقويا،، وقف أيمن يتطلع إلى تلك الحفلة الصغيرة التي دعا آدم إليها أصدقائه من المدرسة الثانوية ... انتهت الحفلة في وقت متأخر ... وجلس آدم يشاهد الهدايا التي أحضرها له أصدقائه،، فخرجت فتاة صغيرة من أسفل الطاولة وأطاحت بجميع هدايا آدم على الأرض فقال آدم ضاحكا: لماذا لم تحضري الحفل يا شروق؟ هل انت خجلة؟؟ الخجل ليس من طبعك أبدا ... وقفت شروق وعدلت من وضعية فستانها ثم قالت بغرور: لم احضر حفلتك لأنني دخلت إلى الصف الخامس هذا العام ، وأصبحت آنسة رقيقة ولا أستطيع أن أدخل إلى غرفة مليئة بالأولاد كما تعلم ... ضحك آدم وقال : تريدين أن تصبحي آنسة عنوة؟؟ مازلت في العاشرة من عمرك ... شعرت شروق بالغيظ وقالت بغضب: أولا أنا في الحادية عشرة من عمري .. ثم .. أنت أيضا لست شابا ... مازلت ولدا، سأقول لـ ياسر يا أخي الغالي .. مع أنه أقصر مني .. ولن أقول لك يا أخي الكبير لأنك أصغر مني .. حقا؟؟ لكنني أطول منك بكثير .. أجل .. ليس مهما فأنت أطول من أمي ومع ذلك هي أكبر منك ... ضحك آدم وصفق لها وهو يقول : انت ذكية لكن لماذا لا يكون ياسر أكبر منك مع أنك أطول منه؟؟ تركت شروق المكان وانصرفت غاضبة وهي تقول: لن أعطيك الهدية التي أحضرتها لك،، سآخذها لنفسي مع أنها سوف تكون كبيرة عليّ ومع أنها لن تلائمني كآنسة و ... شروق فتاة صغيره في الحادية عشرة من عمرها تمتلك ملامح أمها الجميلة وشعر والدها البني الناعم،، وهي قصيرة بعض الشيء وتبدو أصغر من عمرها الحقيقي بكثير .. واختفى صوتها وهي تبتعد ودخل أيمن مبتسما وقال: كل عام وأنت بخير يا عزيزي .. ابتسم آدم وعانق أيمن وهو يقول: شكرا يا أبي ... مضت فترة صمت قصيرة، فدخلت زوجة أيمن السيدة نوال .. ثم اقتربت مقبلة جبين آدم وقالت بسعادة: أتمنى لك عمرا مديدا وعيشا سعيدا بني .. ابتسم آدم بسعادة فسلمته السيدة نوال علبة صغيرة فتمتم آدم: ما هذا يا أمي ..؟ قالت السيدة نوال: افتحها يا آدم .. فتح آدم تلك العلبة الصغيرة برفق فوجد خاتما فضيا يعتريه لون أسود وكأنه احترق، أخرج الخاتم ونظر به جيدا ثم قال: إنه خاتم زواج قديم .. قال أيمن بهدوء : إنه خاتم والدك الحقيقي .. وكأن آدم تذكر شيئا فجأة فقال: لقد سألتك عنهم،، قلت لي أنهم ماتوا في حادثة .. و .. وأنا أتذكر أمي وهي ترتدي ثوبا أحمر .. ربت أيمن على كتف آدم وقال: لقد أعطيتك إياه ليكون ذكرى ! ابتسم آدم وقال: نعم .. شكرا لك يا أبي .. سار آدم نحو غرفته وهو يحدق بالخاتم ولكنه انتبه وتوقف ثم استدار قائلا: تصبحون على خير .. ابتسم الوالدين وقالا: تصبح على خير يا آدم! دخل آدم وأغلق خلفه الباب ثم فتح إحدى أدراج مكتبه ووضع الخاتم فسقط الخاتم على صورة قديمة ... إنها صورة زواج أيمن ونوال وآدم يجلس أمامهما عندما كان طفلا صغيرا لم يتم الخامسة من عمره،، ابتسم آدم والتقط الصورة وحدق بها جيدا،، وهو يتذكر معاملة أيمن الحسنة له وتربيته له حتى أصبح شابا يعتمد على نفسه ... تمنى لو يرى والديه،، إنه لا يتذكر سوى الفستان الأحمر .. ترتديه امرأة لا يستطيع تذكر وجهها بوضوح .. كان لديه خال يدعى آدم .. أين هو ؟؟ بدل آدم ملا بسه وارتدى ثياب النوم وهو مازال يفكر في ذلك، لا بد إن كان خاله على قيد الحياة أن يبحث عنه أو يخبره أيمن عن مكانه حتما .. حاول آدم النوم ولكنه لم يستطع، بدأ ذلك الشيء يشغل تفكيره حتما .. أليست لديه عائلة، عم أو عمة ... هل هو "آدم يوسف" هل هذا كل ما يعرفه عن نفسه وعن والديه ... وقف مجددا وعاد إلى درج مكتبه ثم أخرج خاتم زواج والده،، كان اسم منى ما يزال محفورا بداخله على الرغم من الحريق الذي أصابه .. تساءل آدم ما إذا قضى والده في حادث سيارة؟؟ لقد احترق حتما ، وهذا هو الدليل .. في الصباح استيقظ آدم مبكرا كعادته مع أنه يوم العطلة ورأي شقيقته الصغيرة شروق تجلس على الطاولة وترسم و إلى جوارها علبة مغلفة بورق تغليف رائع فاقترب آدم بدون أن تشعر واقترب كثيرا ثم قال بخفوت: شروووووووووووووووووووق! صرخت شروق فزعة وسقط القلم من يدها بينما ارتمى آدم على الأرض من الضحك .. فنظرت شروق وقالت غاضبة وهي تلملم أوراقها وأقلامها: حسنا!! أقسمت أنني لن أعطيك الهدية التي أعددتها لك لأنك لا تستحقها! قال آدم وهو يخطف العلبة: سأفتحها .. صرخت شروق ووقفت على الكرسي وهي تحاول أن تمسك بالعلبة قبل أن يعرف آدم ما بداخلها ولكنها سقطت فجأة من فوق الكرسي ووقعت على وجهها ... سقطت العلبة من يد آدم وركض مفزوعا نحو شروق التي وقعت على الأرض بلا حراك وحملها آدم وهو ينظر إلى وجهها برعب ثم حركها بلطف وقال: شروق، هل أنت بخير .. أرجوك! إن كانت هذه لعبة من ألاعيبك فلا داعي لأن تطول لأنني على وشك أن أصاب بـ .. توقف آدم على الكلام وهو ينظر إلى الدم الذي يسيل من أنفها، وعينيها المقفلتين بلا حراك فلا يبدو أنها تمثل أبدا ... صرخ آدم: شروق ... أجيبي بالله عليك ... أجيبي!! لم تتحرك شروق وحاول آدم أن يسمع دقات قلبها ولكن توتره أثر عليه فلم يسمع شيئا .. دمعت عيناه وحملها بسرعة وهو يصرخ: أبي ... أبي ي ي ي ي ي ي .. ثم خرج من المنزل وهو يحملها وركض بها نحو المستشفى القريبة ... كان مستشفى صغيرا ولكنه أفضل من لا شيء، دخل بسرعة حاملا أخته فالتقطتها الممرضات النشيطات على سرير متحرك إلى الداخل ووقف آدم عند رأسها والطبيب يفحصها، فنظر الطبيب وقال: ماذا حدث؟ لقد .. لقد سقطت من فوق الكرسي وهي تحاول أخذ شيء من يدي .. صمت الطبيب قليلا .. ثم تابع: أخشى أننا مضطرون لنقلها إلى المستشفى الكبير في شرق المدينة لأن الحالة ...... خطيرة. بهت آدم ونظر إلى أخته وهو يكاد يبكي ... السياج الأخضر في داخل الإسعاف، استغرق الطريق النصف ساعة، وكان هناك ممرض بداخل العربة يقوم بإعطاء شروق الأكسجين عن طريق أنبوب للأنف، أما آدم فكان يراقب ذلك بصمت وحزن عميق ... لم يدخل آدم المستشفى الكبير من قبل، كان كبيرا حقا ويستحق ذلك الاسم عن جدارة ، دخلت أخته إلى الطوارئ بينما جعلوه ينتظر خارجا، تحرك آدم بقلق ولكنه رأى من الواجب أن يتصل بوالده .. لكن .. ماذا سيقول له ؟؟ سار آدم واقترب من إحدى الطبيبات ثم قال: مرحبا ... مـ .. من فضلك .. كانت الطبيبة تبدو في أوائل العقد الرابع من عمرها،، ابتسمت وقالت: نعم؟ هل يمكنني إيجاد هاتف هنا؟؟ نظرت الطبيبة إلى آدم جيدا ثم قالت: لم أنت متوتر هكذا يا بني؟؟ تنهد آدم وتجمعت الدموع في عينيه ثم قال: أخشى أن يصيب أختي مكروه ، لأنني السبب فيما حصل لها .. ابتسمت الطبيبة بهدوء وربتت على كتف آدم وهي تقول: أشعر بشعورك،، إنها أختك بأي حال ... لكن أدعو الله أن يشفيها .. شكرا يا سيدتي .. لقد سألتني عن الهاتف؟ انتبه آدم وقال: أجل .. اتبعني إذن .. سارت الطبيبة وصعدت الدرج فصعد آدم خلفها فتساءلت الطبيبة: لم تخبرني عن اسمك .. آدم .. توقفت الطبيبة عن السير ونظرت في وجهه جيدا ثم قالت: آدم؟؟ آسفة لأنني تفاجأت ولكن هذا الاسم يبعث ذكرى غريبة في نفسي .. كـ .. كما أن اسم آدم غريب بعض الشيء .. فهو نادر قليلا هنا، والكثير من الناس يعتبره لعنة .. لم يقل آدم شيئا وتابع السير ودخلت الطبيبة إلى عيادتها وأشارت إلى الهاتف وقالت: تفضل .. نظر آدم وقال ممتنا: شكرا يا سيدتي .. رفع آدم سماعة الهاتف وطلب رقم منزلهم ورفع أخوه الأصغر ياسر سماعة الهاتف: مرحبا .. ياسر! أريد أبي حالا .. أبي يبحث عنك .. إذن أين أمي؟ قبل أن يكمل السؤال سمع آدم صوت والدته التي قالت مفزوعة: آدم يا عزيزي هل أنت بخير .. تلكأ آدم قليلا ثم قال: لقد سقطت أختي من فوق الكرسي لكن لا تقلقي أنا هنا في المستشفى وأخبروني بأن حالتها ليست خطيرة .. أي مستشفى؟؟؟ المستشفى الكبير في شرق الـ .. آدم .. هل هي بخير؟؟ أجل يا أمي لا تقلقي .. سيكون والدك عندك بعد قليل .. حسنا، مع السلامة أغلق آدم السماعة ونظر إلى الطبية ثم قال: شكرا يا سيدتي .. قالت الطبيبة وهما يسيران بهدوء عائدين: ما هو اسمك بالكامل؟؟ أ .. أقصد أريد أن أعرف اسم والدك .. صمت آدم قليلا ثم قال: أدعى آدم يوسف ولكن والدي يدعى أيمن ..
__________________ الى اللقاء |
#3
| ||
| ||
_ الفصل الثاني _ تعجبت الطبيبة فقال آدم مستدركا: لقد مات والدي ... فـ .. قام السيد أيمن بتربيتي فأصبح والدي .. أنت تفهمين ذلك صحيح؟ أجل .. أجل .. نزلا درجات السلم فقالت الطبيبة : أخشى أن تكون والدتك هي منى وائل؟؟ هل هي كذلك حقا؟ نظر آدم إلى الطبيبة جيدا وقال: نعم هذا صحيح ... هل تعرفينها؟ ذهلت الطبيبة ووقفت تتأمل آدم لبعض الوقت ثم قالت: كان صديقتي في الماضي ، لقد كانت طبيبة في قسم النساء و الولادة، لكنني لا أعلم أين هي الآن .. قال آدم بانفعال: هل تذكرينها، هل لديك صورة لها؟ تمتمت الطبيبة : ربما أملك واحدة .. قفز آدم سعيدا ولكن الطبيبة أمسكت بكتفيه وقالت: اهدأ ... لا يجب أن يعرف أحد أنك ابن أخت آدم وائل ... وإلا أصبحت لعنة أيضا مثل خالك .. تساءل آدم باستغراب: لعنة؟ مثل خالي؟ في مكبر الصوت كان هناك صوت رجل ينادي على أسماء بعض الأطباء .. استمعت الطبيبة ثم قالت وهي تهز رأسها: إنها قصة طويلة، ويبدو أنك لا تعرفها ، الآن يجب أن أذهب لأنهم ينادون اسمي ... خذ هذا ... مدت الطبيبة يدها ببطاقة مكتوب عليها اسمها ورقمها .. وقالت وهي تبتعد : اتصل بي .. وضع آدم البطاقة في جيبه وتوجه إلى قسم أخته مجددا، كان الباب مفتوحا فدخل ورأي أخته مسجاة على السرير وممرضة تضع إبرة موصولة بمحلول في ذراعها .. اقترب وهو يقول: كيف حالها الآن؟ نظرت الممرضة بعد أنهت عملها وقالت: إنها بخير .. الحالة ليست خطيرة كما ظننت .. ثم خرجت واقترب آدم وتحسس شعر أخته بحنان ثم تمتم : لا تخافي يا أختي الغالية أنا إلى جانبك ... ثم أمسك يدها وظل يراقب حركة عينيها الخفيفة وهي تحاول فتحها، فضغط على يديها برفق وقال: شروق .. فتحت شروق عينيها ببطء ونظرت ثم قالت ودمعة تنزل من عينيها: آدم .. هل أنا في المستشفى؟ انحنى آدم وقبل جبينها وهو يقول: أنا آسف ، لم أتخيل أنك ستسقطين .. لن أغضبك مجددا هذا وعد .. ابتسمت شروق وقالت: وأنا سأعطيك الهدية .. في تلك اللحظة دلف السيد أيمن إلى الغرفة ومعه إحدى الممرضات فابتسم آدم وهو يرى أيمن وقال: إنها بخير ... حمدا لله ! السياج الأخضر عاد الجميع إلى المنزل وكان آدم يحمل شروق وهو يضحك ويقول: من الجيد انه لم يصبك تخلف عقلي ... صاحت شروق بغيظ : إنه عندك بدون أن تسقط ... وضع آدم شروق على السرير واقترب ياسر وهو يحمل كتب الصف الابتدائي الأول وقال: شروق .. هيا علميني حرف الميم، حتى يقول لي الأستاذ أنني ممتاز .. زفرت شروق بضيق وبدأت بالصياح في وجه ياسر .. ضحك آدم وهو يتمتم: فتاة فظيعة! تأمل المعركة الصغيرة وقال: ياسر،، سأعلمك إياه بعد الإفطار .. ثم خرج فرأى والديه يتحدثان فتوجه إلى غرفته ،، وهناك أخرج البطاقة ونظر بها جيدا : " الطبيبة : نهى رباح عيادة النساء والولادة رقم الهاتف ............... " ثم تمتم : لعنة ؟؟ خرج مجددا وكانت والدته تضع الطعام على السفرة وكان والده يجلس وحيدا فانطلق نحوه وجلس عند قدميه وهو يقول: أبي ... أخبرني أرجوك!! تعجب السيد أيمن من ذلك التصرف وقال: أخبرك بماذا؟ كيف مات والدي، و .. آدم .. آدم خالي، لماذا كان لعنة .. ؟؟ تفاجأ أيمن من تلك الأسئلة وقال: من أخبرك بهذا الكلام؟ عرفته وحسب! وضع أيمن يديه على رأسه مخفيا ألما قديما، فقال آدم: أرجوك يا أبي .. أخبرني .. ماذا حدث؟؟ ******* جلس السيد أيمن بعد الغداء في الغرفة وجلس أمامه آدم فقال أيمن: لقد كنت صديق خالك آدم، كان معنا في الجامعة وكان ذكيا، لكنه كان مريضا دائما وشاحبا ولا يتكلم مع أي شخص .. هناك من كان يظن أن في صدره قنبلة من يقترب منها تنفجر فيه .. صمت قليلا ثم تابع: تبدأ القصة عندما كان خالك آدم طفلا،، أخذه عمه في رحلة .. عاد آدم بعدها مريضا وكان يضع يده على صدره مما تسبب في خلاف بين والده وعمه فباح العم بأنه زرع شيء في صدره لكي يصبح ولدا خارقا، ولكن جسده لم يتقبل ذلك الشيء أيا كان ،، مر الوقت والأطباء عاجزين عن إخراج ذلك الشيء وتعب آدم جدا وأصبح يعيش على الحقن المضادة والمسكنة ... كان يزحف أحيانا حتى يصل إلى المكان الذي يريده،، لقد كان الألم يقطعه كل يوم ................. لكنه كان قويا جدا، هكذا عرفته، ابتسامته لا تفارق شفتيه ومن المستحيل أن تشعر بألمه إن كنت لا تعرفه، هذا هو آدم الذي عرفته حقا ... توقف أيمن وهو يتذكر فقال آدم: ما الذي حدث بعد ذلك؟ كانت والدتك تتردد عليه كثيرا وخاصة بعد أن تزوجت والدك مما اضطرها إلى أن تبتعد عنه قليلا .. لا أعرف حقيقة ما الذي حدث، كل ما عرفته بعد ذلك أن آدم مات وأحرقت جثته حتى لا يجده أي شخص من الذين يريدون الجهاز الذي كان في صدره .... ظل أيمن يحكي لآدم قصة موت والده ووالدته .. أخبره أنهم وجدوا جثة والده في مبنى مهجور، و لم يجدوا جثة والدته أبدا، وربما تكون دفنت أو حصل لها أي شيء، لكنها ماتت بالتأكيد، أما أيمن فقد هرب إلى القرية الشمالية وبقي هناك حتى تلك اللحظة .. كأن آدم تذكر خاله عندما مد يده ليمسك بها .. لقد تذكر أشياء شوشت على تفكيره .. وفي اليوم التالي توجه إلى مدرسته وهو يفكر،، لم يركز في دروسه وجلس إلى جواره صديقه "أسامة" الذي تساءل باسما: أين آدم؟؟ تفاجأ آدم من السؤال وقال: ماذا؟ أين آدم؟ إنه ليس معنا اليوم .. إنه في واد آخر؟؟ ما بك؟ لم يقل آدم شيئا فعاد أسامة وقال: أرجو أن لا تنسى أنه عامنا الأخير في تلك الثانوية العتيقة .. ثم وقف واستدار في الفصل وقال وهو يطلق يديه في الجو: وأخيرا سنصبح رجال حقيقيين ونذهب للجامعة، ونصبح أطباء ومهندسين ومدرسين ... و كل ما نتمناه .. ابتسم آدم على الرغم منه وقال وهو يضع كتبه في حقيبته: طموحك كبير! جلس أسامة مجددا ووضع كتبه وقال باسما: آدم، يجب أن يكون طموحك كبيرا حتى تحقق ما تريده .. قال آدم بخفوت: أسامه .. أنا مشتت الذهن، أنا ... ما بك؟ هل تحب فتاة ما؟؟ من هي سعيدة الحظ ؟؟ هز آدم رأسه بيأس وقال: لا! أسامة كف عن هذا .. أنا حقا أفكر .. صمت أسامة قليلا ثم قال وهو ينظر إلى وجه آدم جيدا: ما بك؟ لا تبدو بخير .. نظر آدم حوله وقال مفزوعا: لقد انصرف الجميع ونحن هنا بمفردنا .. أسرع قبل أن يغلقوا الباب علينا .. ركض الاثنان في الممرات حتى خرجا من المدرسة ،، كان لآدم شعر بني وعينان زيتيتان واسعتين، وكان يشبه والده يوسف كثيرا ويمتلك عيني والدته وخاله آدم، أما أسامة فكان شابا طويلا يفوق آدم طولا بقليل ويقترب من 180 سنتيمترا وكان لديه شعر أسود وعينان خضراوان ووجه أسمر مرح .. أصبحا صديقين حميمين من المرحلة الابتدائية، لم يخفيا أمرا على بعضهما منذ صغرهما، مما جعل آدم يحكي لأسامة كل شيء عرفه عن موضوع والديه .. نظر أسامة لآدم وهما يسيران وقال مذهولا: لا أصدق أن (آدم وائل) الأسطورة هو خالك!! ولا أصدق أكثر أنك لا تعرف أي شيء عن ذلك الأمر .. لأنني أعرف تقريبا نصف تلك القصة .. ظننت .. ماذا؟ ظننت أن تلك القصة حدثت منذ زمن بعيد جدا .. السياج الأخضر شغل آدم تفكيره بتلك القصة، كان يريد أن يعرف كل شيء عنها ... في ذلك اليوم أخرج خاتم زواج والده وقرأ اسم "منى" ثم ارتداه في يده اليسرى .. وابتسم يتمتم لنفسه: لقد أصبحت متزوجا .. ارتمى على سريره بدون أن يبدل ملابسه وذهب في نوم عميق .. فتحت شروق الباب بعنف وقالت : إن الـ .. قبل أن تكمل شاهدت آدم وهو ينام على السرير بإهمال فوق الغطاء وهو يرتدي حذاؤه، اقتربت وفتحت أحد أدراج دولابه الكبير وأخرجت غطاء آخر ثم وضعته بلطف فوق آدم ، وقبل أن تخرج نظرت إلى مكتبه فوجدت إحدى كتبه مكتوب عليه: " آدم يوسف " .. لفت ذلك انتباهها وخرجت وأغلقت الباب خلفها بهدوء وتوجهت من فورها إلى المطبخ وكانت والدتها هناك فتساءلت ببراءة: أمي .. ما هو اسمي؟ ابتسمت الأم وأجابت: شروق .. أ .. تقصدين .. شروق أيمن؟ صحيح؟ لم تفهم الأم المغزى من ذلك السؤال وقالت: أجل .. حسنا، وياسر؟ نظرت الأم إلى ابنتها لدقيقة وهي متعجبة من تلك التصرفات فتابعت : ياسر أيمن .. أليس كذلك ؟ بلى..! حسنا .. لماذا يكون آدم .. آدم يوسف؟ وليس آدم أيمن؟ صمتت الأم لدقيقة وقد دهشت من هذا السؤال ولكنها قالت وهي تضع بعض الآنية داخل حوض الغسيل: لست صغيرة يا شروق، وسأخبرك بأن آدم ليس ولدنا .. لقد ربيناه لأنه فقد والديه عندما كان طفلا .. ظلت شروق تنظر بصمت وذهول ولم تفتح فمها .. تابعت الأم أعمالها فقالت شروق بعد صمت دام ما يقرب الدقائق العشرة: أتعني أنه ليس أخي؟؟ إنه يعتبر كذلك .. يعتبر؟ لكنني أحبه !! وأريده أن يكون أخي .. ********* كان آدم يحلم ... يحلم بالغابة المحرمة .. وهناك بحيرة زرقاء .. و .. سياج .. سياج من الأخشاب ترتفع الأعشاب الخضراء .. إنه سياج أخضر جميل .. سياج أخضر .. فتح آدم عينيه فشاهد سقف غرفته .. جلس ونظر حوله وهو يتذكر ذلك الحلم الجميل الذي لم يفارق خياله،، نظر إلى خاتم زواج والده في يده اليسرى ثم ابتسم .. نظر إلى الغطاء الإضافي؟ من فعل ذلك ... لا أحد يدخل غرفته عادة، خاصة وإن كان نائما بداخلها إلا إذا كانت متطفلة صغيرة .. خرج آدم وهو يتثاءب ودخل إلى المطبخ فوجد شروق تجلس بمفردها وفي عينيها حزن كبير وتساؤلات، قال آدم بعد أن تذوق الطعام الذي أعدته والدته : ما بك يا شروق؟ هل مزق ياسر دميتك؟ نزلت شروق وأمسكت بيد آدم فتعجب آدم ونظر نحوها فشاهدها تبكي .. اندهش آدم وقال بخفوت: ما الأمر؟؟ احتضنت شروق آدم ، وكانت رأسها تصل إلى صدره فانحنى آدم ليصبح في مستواها وقال: ما بك؟ أخبريني ... لماذا الدموع؟؟ رفعت شروق رأسها وقالت وهي تتكلم بصعوبة: لـ .. لا .. تقل .. لـ .. لي أنـ .. ـك .. أنك .. لست أخي! لم يفهم آدم شيئا وقال: لا أستطيع فهمك وأنت تتكلمين هكذا .. لقد أخبرتني .. أ .. أمي أنك لست أخي .. رفع آدم حاجبيه مذهولا ثم قال وهو يحملها ويجلسها على طاولة المطبخ: هذا غير صحيح .. أنا شقيقك بالتأكيد، لقد حملتك عندما ولدت ولعبنا معا كثيرا، ألا تذكرين .. ابتسمت شروق ودموعها تنهمر وأومأت بالإيجاب فتابع آدم : سأظل شقيقك مدى الحياة، لا تدعي أي شخص يقنعك بغير ذلك .. اتفقنا؟ أومأت بالإيجاب مجددا فناولها آدم منديلا ثم صاح مناديا: أمي .. هل أعد السلطة؟ سمع صوت والدته : حسنا بني .. أمسك آدم بالسكين وأدارها دورة كاملة في الهواء ثم قال: بدأنا العمل .. أعلم أن الطعام رائع من يدي .. ضحكت شروق وقالت: مجددا .. أرجوك .. أدار آدم السكين مجددا في الهواء وأمسك بها فقالت شروق: مجددا! قام آدم بفعل ذلك مجددا فضحك الاثنان وبدأ آدم عندها بتقطيع الخضراوات وشروق تتأمل ذلك ثم قالت فجأة: أنا احبك يا آدم .. ابتسم آدم وقال: أنا أيضا .. ********** استيقظ آدم في اليوم التالي وهو ينظر حوله ليتأكد انه استيقظ حقا، لقد حلم بذلك الحلم مجددا .. إنه يحلم دوما بالغابة المحرمـّة .. لماذا؟ في المدرسة قابل صديقه أسامة وقال آدم وهما يصعدان إلى الفصل: ذكرني أن أخبرك بشيء مهم .. حسنا .. انتهى الدوام الدراسي وانتظر أسامة آدم حتى خرج من المدرسة وسارا قليلا قبل أن يقول أسامة: كنت تريد أن تقول لي شيئا مهما، جعلني لا أركز على الدروس طوال اليوم .. ابتسم آدم وقال: ليس شيئا مهما جدا! تبا لك يا آدم! ضحك الاثنان وضرب أسامة كتف آدم بقبضة يده فقال آدم: إنني أحلم بحلم متكرر .. عن من ؟ أنت تحلم بي صحيح .. ابتسم آدم وقال: في الحقيقة، أنا لا أحلم بأي شخص،، أحلم فقط بمكان .. مكان؟ أجل .. لا تقل لي أنك تحلم بالمدرسة .. لا .. ماذا؟ الغابات المحرمة ... أنا أرى في الحلم دوما بحيرة جميلة وسياجاً أخضرا جميلا يلتف حول مكان ما .. توقف أسامة عن السير وقال: ولماذا تحلم بهذا المكان؟ لماذا؟ أنت لا تعرف الغابات المحرمة .. أليس كذلك؟ نعم ، لم أفكر بها حتى .. ربما يدعوك هذا المكان لزيارته .. لوح آدم بيده في وجه أسامة وهو يقول: هل تتكلم حقا؟ هل هناك مكان يدعوا شخصا لزيارته .. ربما .. أسامة .. نعم يا آدم .. هل تذهب معي ؟؟ نظر أسامة وقال بشجاعة: متى ستذهب؟؟ لا أعلم .. ولكن علينا أن نأخذ حذرنا .. أكمل أسامة كلام آدم: لأنه لا أحد يخرج من الغابة الملعونة .. لم يقولا شيئا آخر وسارا معا مكملان الطريق للمنزل .. السياج الأخضر إلى أين .. ؟؟ قال آدم وهو يحمل حقيبته : لم أنت خائفة هكذا يا أمي؟ لقد وافق أبي .. وأخبرتك أنها رحلة عادية إلى الحدائق الشمالية .. الحدائق؟ أجل .. هل ستتأخر ... إنه يوم وحسب .. توجه آدم وارتدى حذاءه الرياضي وقام بإحكام رباط الحذاء وعندما رفع رأسه شاهد شروق وهي تمد يديها بالعلبة وقالت: هدية عيد ميلادك .. أخيرا رضيت عني ... بعد أن مضى أسبوعان من عمري .. آدم! حسنا .. شكرا يا أختي الحبيبة .. نزل آدم درجات سلم منزلهم وكان أسامة بانتظاره بالأسفل ، سلام وابتسامات وقال أسامة وهو يركب سيارته وآدم يركب إلى جواره: إنها رحلة الموت .. حقا! ليست بهذا السوء .. كانت شروق تراقب من النافذة وقالت : لقد ذهب آدم في سيارة أسامة .. بدأ القلق يراود الأم ونظرت إلى أيمن وقالت: أيمن؟؟ لقد قال أنها رحلة مدرسية ... قلبي ليس مطمئنا .. ظل أيمن يتصفح الجريدة ثم قال: لم يعد صغيرا .. إنه شاب قوي يعتمد على نفسه .. كما أنه لم يكذب علينا من قبل ، ولن يكذب علينا الآن .. عادت شروق تنظر من النافذة ولكن آدم في ذلك الوقت كان قد رحل ... ********** اقتربت الشمس من الغروب وتمتم آدم بكسل بعد أن شرب قليلا من العصير: لم أكن اعلم أنها بعيدة هكذا .. أجاب أسامة وهو يركز عينيه على الطريق: إنها تبعد عن المدينة كثيرا .. جلس آدم جيدا وقال: هل أقود بدلا عنك قليلا .. أخشى أن نموت قبل أن نصل .. ضحك آدم وقال: هيا ما بك! أنت حتى لا تحمل رخصة قيادة .. هل تظن نفسك محترفا؟ هذا لأنه غير مسموح لأقل من ثمانية عشرة عاما بقيادة السيارات .. شرب آدم ما تبقى من العصير دفعة واحدة ثم قال: أظن إذا أنك ضللت الطريق .. مستحيل! تعجبني ثقتك! من حول الطريق الترابي الصغير الذي سلكه أسامة، بدأت تظهر أشجار عملاقة فقال أسامة مستعرضا: مدخل الغابة المحرمة ... مرحبا بكم في موطن الأشباح .. نتمنى لكم موتا سريعا .. ابتسم آدم وهو يقول: لا بأس يا أسامة سوف أزوجك بفتاة ولكنها ستكون هيكلا عظميا .. قلب أسامة شفته السفلى وتمتم: أهم شيء أن تكون سمراء مثلي .. قال آدم وهو يتأمل الطبيعة الساحرة: وعينيها خضراء كعينيك .. انتهى الطريق الترابي وبدأ حاجز الأشجار الكثيفة مما أضطر أسامة وآدم للترجل منها والسير على الأقدام ونبه آدم أسامة قائلا: لقد نسيت حقيبة ظهرك يا صاح! عاد أسامة ليحضر حقيبته وسمع آدم صهيل حصان اختفى بسرعة .. كان له صدى وكان صهيلا مرعبا .. فنادى آدم: أسامة .. هل سمعت ذلك؟ لم يجب أسامة فنظر آدم خلفه فوجد أسامة يبحث عن حقيبته داخل السيارة، يبدو أنه لم يسمعه .. هبت رياح قوية حركت أوراق الأشجار العملاقة وتساقطت الأوراق الجافة على الأرض .. اقترب أسامة وهو يحمل حقيبته وقال: هل أنت مستعد لتبحث عن المكان؟ نعم .. سارا ببطء داخل الغابة قرابة الخمس عشرة دقيقة .. وتمتم أسامة: لقد كنا محرومين من الحياة! أنظر على روعة هذا المكان .. تأمل آدم المكان الذي يقصده أسامة فشاهد بحيرة زرقاء بديعة تلتف حولها الأشجار ... وعندما اقتربا أكثر كان هناك سياج خشبي يحيط بقطعة مرتفعة من الأرض، نمت فوقها أعشاب خضراء ندية وارتفعت أعشاب متسلقة فوق السياج فأكسبته منظرا بديعا .. وقف أسامة وآدم مشدوهين فاغرين أفواههم منبهرين ... اهتزت الأشجار بسبب الريح وشعر آدم أنها معترضة على وجودهم ، مد أسامة يده فلمس مياه البحيرة الزرقاء الدافئة وقال: إنه أروع مكان رأيته في حياتي ... نظر آدم إلى السياج وقال: هل تعتقد أن هذا قبر شخص ما؟ قبر؟ أجل أنظر .. إنه مرتفع عن الأرض .. تأمل أسامة المكان قليلا وقال: أنت تخيفني يا آدم! اهتزت الأشجار وعصفت الرياح عندما نطق أسامة اسم آدم .. فتمتم آدم وهو يحمي وجهه بيديه ليتفادى التراب وأوراق الأشجار: صدقني إنه قبر .. إنه المكان الذي أحلم به .. نظر أسامة بعيداً .. فرأى كوخا صغيرا وقال وهو يشير إليه: ربما يقودك الحلم إلى هذا المكان .. التفت آدم ليشاهد الكوخ الصغير ثم قال: أظن أنه مهجور .. هيا أنظر جيدا أيها الأعمى هناك ضوء يخرج منه، وقريبا ستغرب الشمس .. في رأيي لن يعيش في هذا المكان سوى أشخاص طيبو القلب .. سارا معا حتى وصلا إلى باب الكوخ وتنصت أسامة فهمس آدم: هييييه! ماذا تفعل .. هل تتجسس على أهل المنزل .. رفع أسامة أذنه ونظر لآدم فطرق آدم الباب طرقة واحدة، لكن أحدا لم يفتح فتولى أسامة طرق الباب بطريقته الخاصة .. كان آدم محرجا جدا من طريقة "الضرب" التي استخدمها أسامه مع الباب حتى كاد أن ينخلع من مكانه .. وبدأ الظلام يرخي سدوله على المكان وانفتح الباب أخيرا بحذر،، كانت هناك سيدة تقف خلف الباب وقالت بصوت خائف: من هناك .. همس أسامة: إنها لا ترانا جيدا .. قال آدم: مرحبا يا سيدتي، لقد ضللنا الطريق ونود أن نسأل عن هذا المكان .. فتحت السيدة الباب قليلا وسلطت كشافا كهربائيا على وجهيهما لتراهما جيدا ثم قالت: أنتما صغيران .. هل يبحث عنكما أي شخص ..؟؟ همس أسامة مجددا: هل هي هاربة من العدالة ؟؟ كاد آدم أن يضحك ولكنه ضبط أعصابه وأجاب على سؤال السيدة وقال: لا .. لقد جئنا بمفردنا .. تفضلا .. فتحت الباب ودخل الاثنان وهما يتأملان تلك السيدة الجميلة ، قال آدم: منزل جميل .. أجابت: شكرا .. كانت السيدة جميلة جدا رغم أنها تجاوزت الأربعين من عمرها، لديها عينان عسليتان واسعتين وترتدي ثوبا واسعا .. جلسا على أريكة قريبة ووضعا حقائبهما على الأرض وتساءلت السيدة: ألن تعرفاني بنفسيكما ..؟ ولماذا جئتما هنا؟ قال أسامة وهو يشير نحو آدم: في الحقيقة ... ذلك الولد هو السبب فقد كان يخدعني طوال الوقت ويقول لي أنه حلم بأنه يسير هنا .. نظر آدم لأسامة مستغربا لماذا يقول هذا فهمس أسامة مجددا: ربما تكون من آكلي لحوم البشر فتأخذك وتتركني .. ضحك آدم فنظرت السيدة ببعض الخوف وقالت: لماذا تهمسان هكذا ؟؟ قال آدم: لا بأس يا سيدتي .. إنه محق، لقد كنت أحلم بهذا المكان .. و .. بدا الضيق واضحا على السيدة وقالت مقاطعة: ماذا تريدان؟ أنتما شيء من اثنين .. إما أنكما أتيتما لمطاردتي، وإما أنكما هنا لإزعاجي .. تمتم أسامة: يبدو أننا هنا لإزعاجك .. كتم آدم ضحكته وهو يسمع كلمة أسامة الأخيرة وقال: أرجوك لا تغضبي يا سيدتي .. سوف نرحل لكنني كنت أريد أن أعرف ما إذا كان هذا الشيء الذي يغلفه السياج الأخضر قبرا؟؟ بدا الفزع على وجه السيدة وقالت بسرعة: لا أعرف شيئا عن ما تتكلم عنه .. وقف آدم وحمل حقيبته ثم قال بابتسامة: شكرا لك أيتها السيدة على استضافتنا لكننا نريد أن نخرج الآن من الغابة ... كيف نسير؟ تساءل أسامة قبل أن تجيب السيدة: لماذا تعيشين في هذا المكان الموحش بمفردك؟؟ أجابت السيدة بنبرة حزن: أنا أعيش بالقرب من أسرتي .. أردف أسامة: إذا كان كذلك فلا بأس .. لا تمانعين أن انضم لأسرتك صحيح .. دمعت عينا السيدة ثم قالت وهي تنظر إلى آدم وأسامة: بالطبع ، أبقيا معي حتى الصباح لأن المكان يصبح خطيرا في مثل هذا الوقت .. قال آدم: لكن يا سيدتي .. قاطعته: أرجوكما ، لن يزورني أي شخص من أسرتي اليوم .. كما إنكما تذكرانني بأولادي .. تساءل أسامة مجددا: أين هم؟ إنهم في رحلة صيد .. قال آدم وهو يضع حقيبته : حسنا، أنا موافق .. ردد أسامة: أنا أيضا .. السياج الأخضر جلس أسامة وآدم حول طاولة دائرية ووضعت السيدة الطعام على السفرة فقال آدم: لقد أتعبناك كثيرا، ليتنا لم نجيء .. ابتسمت السيدة وقالت وهي تجلس: لم ألتق بضيوف منذ ما يزيد على العشرة سنوات ، كما أن الإنسان لا يلتقي بأشخاص لطفاء هكذا دوما .. عقب أسامة : لقد أخبرت آدم أننا سنجد حتما أناسا طيبون في هذا المكان الجميل .. تمتمت السيدة باندهاش: آدم؟؟ رفع آدم يده قليلا بحركة مضحكة وقال: إنه أنا .. أدعى آدم .. ثم أشار نحو أسامة وقال: وهذا أسامة .. نحن ندرس في آخر عام لنا بالمدرسة الثانوية .. كانت السيدة تنظر إلى آدم وهي غارقة في التفكير ثم انتبهت فجأة وقالت: تفضلوا، سيبرد الطعام .. بدءوا بتناول الطعام وكانت السيدة تنظر لآدم كثيرا، لاحظ أسامة ذلك ثم تساءل قائلا: ما الذي يجبرك على العيش هنا؟ تمتمت السيدة : أنا أعيش هنا لأن هذا المكان قريب من أسرتي .. أجل .. لم يتكلم أحد مجددا ولكن أسامة قال: إنه مكان جميل .. لكنه منعزل .. بعد انتهاء العشاء قالت السيدة: أنا السيدة أمل .. إذا احتجتم إلى أي شيء .. ثم صعدت بهم إلى الطابق الثاني وأدخلتهم إلى غرفة بها فرش وأغطية على الأرض ثم قالت: آسفة، إنه منزل متواضع، لكن نوم الأرض صحي .. قال آدم: لا بأس أنا أحب ذلك .. وقال أسامة وهو يضع حقيبته على الأرض: هكذا سنشعر أننا قمنا بمغامرة حقا!! أغلقت خلفها الباب وهي تقول : تصبحون على خير يا أبنائي إن احتجتم أي شيء نادوا علي فقط وسوف أسمعكم .. في الصباح .. استيقظ آدم أولاً وأيقظ أسامة الذي قال بتذمر: دعيني يا أمي قليلا !! تمتم آدم وهو يضحك من قلبه على أسامة .. أمي؟؟ تركه ونزل درجات السلم إلى الطابق الأرضي ودهش لما رآه .. كانت طبقات الغبار تملأ المكان ،، هناك آنية مكسورة والمدفأة مطفئة وحتى الشموع متسخة وملقاة على الأرض بإهمال .. وقف آدم مذهولا لبعض الوقت، وخرج من الكوخ الصغير فشاهد من بعيد السياج الأخضر الذي يحيط بالقبر .. وسمع صهيل الحصان مجددا .. عاد آدم بسرعة ورج أسامة بعنف: أسامة ... استيقظ .. بسرعة ... جلس أسامة وقال بعصبية: ما بك يا آدم! لم يتبق سوى أن تسكب فوقي الماء البارد! قال آدم بخوف: لقد استضافنا شبح يا أسامة ... إنه كوخ مهجور كما قلت .. انظر .. تعال انظر .. هبط أسامة درجات السلم بكسل ولكنه أفاق على المنظر الذي رآه .. لم تمض ثوان أخرى حتى كان أسامة وآدم يحملان حقائبهما ويركضان مبتعدان عن المكان ، وصرخ أسامة بذعر: لا أصدق أن هذا يحصل لي .. نظر آدم خلفه إلى السياج الأخضر وهو يبتعد فتعثر وسقط .. تدحرج آدم بعنف على الصخور المنحدرة بجانب الطريق الترابي وحاول أسامة اللحاق به وصاح بخوف: آدم .. آآآآدم! ظل آدم يتدحرج مسافة كبيرة وبدأت آثار دماءه تصبغ بعض الصخور وأجزاء من النباتات وأسامة ينزل خلفه بأسرع قدر يمكنه ،، توقف آدم فجأة عند نهاية الطريق الترابي المنحدر وبدا بلا حراك حتى وصل أسامة وهو يلتقط أنفاسه ورفع آدم بسرعة فوجد الجروح تملأ جسده وكدمات أصابت ذراعيه ووجه ، عوضا عن ملا بسه الممزقة .. وسعل آدم وهو يقول بتعب : أنا بخير .. بخير .. قال أسامة مفزوعا وهو يسند آدم : لا تبدو كذلك .. لا تخف يا أسامة سوف أكون بخير .. نظر أسامة حوله وقال: هل مشينا هنا من قبل؟ تأمل آدم المكان حوله وقال: لا .. لأننا لم نصعد أي مرتفعات .. عقب أسامة: صحيح لقد كان طريقنا مستويا! علينا إذن أن نعود ونحاول تذكر الطريق الذي جئنا منه .. نعم! ولكنك مجروح يا آدم! لا تخف أنني بخير .. سار آدم بصعوبة وأسامة يمسك به حتى استطاعا صعود المنحدر الترابي المليء بالصخور ومجددا،، عادا إلى الطبيعة الخلابة وبدأ أسامة السير تلقائيا فقال آدم بتعب بعد وقت قصير: أسامة! يبدو أننا ضللنا الطريق .. قال أسامة : مستحيل! لم نضل الطريق، أنا أتذكر ذلك المكان جيدا ... كـ .. كل الأماكن في الغابة متشابهة .. ولكن، تعجبني ثقتك! توقف أسامة عن السير وأجلس آدم ليرتاح قليلا وهو يقول: آدم .. أنت مرهق جدا .. كما أن ذراعك ينزف علينا تضميد ذلك الجرح .. أنظر، إن قميصك ممزق! وسروالك أيضا .. قال آدم وهو يلتقط أنفاسه: لا تخف .. أنا بصحة جيدة .. أخرج أسامة بعض الضمادات من حقيبته وقال وهو يضمد الجرح : لقد ضحكت على نفسي وأنا أضع علبة الإسعافات الأولية لذلك فقد أخرجتها وأبقيت بعض الضمادات وحسب .. لم أحضر مطهرا يا لغبائي! نظر آدم بعيدا وقال: لدينا بعض الأمل، أليس هذا هو حاجز الأشجار الذي منعنا من الدخول بسيارتك إلى داخل الغابة؟ انتهى أسامة من تضميد جرح آدم وسار الاثنان ببطء حتى وصلا إلى الحاجز وبدأ أسامة برؤية السيارة فصاح قائلا: أحبك يا صديقي .. ضحك آدم وحاول السير بمفرده وظل أسامة يصيح بفرحة حتى قطعا حاجز الأشجار وشاهدا السيارة بوضوح، وكانت الصدمة عنيفة .. السياج الأخضر وقف الاثنان مبهوتان وهما يحدقان بالسيارة .. لقد خدش طلاؤها الأسود، وتحطمت نوافذها بلا استثناء ، أما المصيبة الأكبر فكانت في عجلات السيارة .. لقد نفذ الهواء من إطاراتها جمعاء! تمتم أسامة: لدي إطار احتياطي، ووضعت آخر توقعا لعطل جسيم ولكن .. لكن ليس إلى هذا الحد .. اقترب آدم من السيارة وهو يعرج ونظر من الداخل فوجد التراب يغطي المقاعد فقال: أسامة، يجب أن نخرج من هذا المكان بأي ثمن .. إنها حقا ملعونة! بدأ أسامة بتبديل أحد الإطارات وهو يقول: إطارين أفضل من لا شيء، على الأقل ستتحرك السيارة ولو ببطء .. سأبدل الإطارين الخلفيين ...
__________________ الى اللقاء التعديل الأخير تم بواسطة أخت أم خالد ; 02-27-2015 الساعة 07:08 PM سبب آخر: لوضع رقم الفصل |
#4
| ||
| ||
اعترض آدم: لماذا؟ بدل الأماميين حتى نتخطى الصخور .. ولا تنس أن التحكم فيهما أيضا .. حسنا! أعترف ببراعتك .. بدأ أسامة بتخويف آدم الذي جلس على مقربة منه يحاول تنظيف جروحه ببعض المناديل الورقية قائلا: آدم! لقد تحطمت أنت وسقطت، هل تشعر بأن قدمك مكسورة، أنت تعرج! رفع آدم طرف سرواله الأزرق وقال: إنها منتفخة وزرقاء اللون وتؤلمني جدا .. ألقى أسامة نظرة سريعة ثم عاد إلى إطاراته وقال: حتى السيارة لم تسلم من تلك الغابة، لم يتبق سواي! هل أنت مجنون! لا تقل ذلك لن يحصل لك شيء .. يجب أن يحصل لي شيء! أساااامة! هذا يكفي .. لا أعرف كيف تمزح ونحن في تلك الظروف العصيبة .. قبل أن ينطق أسامة سمعا صوت صهيل جواد .. كان صهيلا عاليا وله صدى وكأنه يأتي من مكان قريب، وقال آدم بخوف: إنها المرة الثالثة التي أسمع فيها ذلك الصهيل .. قال أسامة بلا مبالاة وهو يربط آخر مسمار في الإطار الأول: الغابة تحتوي أيضا على الخيول البرية مثل بقية الحيوانات الأخرى .. تمتم آدم وهو ينظر حوله : لكن ذلك الصوت ... يشعرني بالخوف! ضحك أسامة وقال ساخرا: لم أكن أعلم أنك تخاف من الخيول ... إنها أروع المخلوقات على الكرة الأرضية! قال آدم بضجر: أظن أنك أروع منه! أنظروا من يمزح! أنا لا أمزح .. توقف الاثنان عن الكلام لفترة طويلة، حتى انتهى أسامة من تركيب الإطار الثاني وعندها قال: لقد انتهينا، على الأقل سنصل إلى أقرب وكالة تصليح غدا .. أفضل من أن لا نصل بتاتا! تساءل آدم وهو ينفض التراب إلى الخارج: هل سنتأخر كل هذا الوقت؟ أنا أمزح ... سنصل في المساء، أتمنى أن نخرج من هنا بسلام .. تغيرت نبرة صوت آدم إلى نبرة هادئة وهو يقول: سيقلق علي والدي كثيرا .. قال أسامة وهو يخرج مفاتيح السيارة من حقيبة الظهر خاصته: أتظن أنه ليس لدي والدان يقلقان علي؟ ابتسم آدم وقام أسامة بتشغيل السيارة ، عاد أسامة إلى الخلف ثم ألتف بها وعادا من نفس الطريق ببطء .. بطء شديد .. كانت الصخور تعيق حركتهما أكثر وتبادلا الأحاديث عن المدرسة حتى بدأ الظلام بالهبوط على المكان وهتف أسامة بفرحة : حمدا لله ، لقد خرجنا أخيرا من نطاق الغابة .. نحن الآن على الطريق السريع... ثم أردف بأسلوبه الاستعراضي المعتاد: مرحبا بكم على الطريق السريع، لقد تجاوز البطء الذي تسيرون به المقدار المسموح، ألا وهو مقدار السلحفاة ، نرجو منكم زيادة السرعة لتجنب حوادث الاصطدام بالأرانب، وشكرا! ضحك آدم وقال: أراهن بأنك ستصبح ممثلا يوما ما! قال أسامة ضاحكا: ذكرني بذلك حتى أدفع رهانك! ********* طلع النهار وتوقفت العربة العرجاء كما أطلق عليها أسامة أمام أول وكالة تصليح سيارات تقابلهم على أول خط المدينة .. كان العامل مذهولا وهو يحدق بكم الأضرار الهيكلية التي لحقت بالسيارة وترجل آدم بصعوبة وجلس على إحدى الكراسي فقال أسامة مازحا: ألا نجد من يصلح الأضرار الخارجية التي لحقت بهذا الشاب؟ و .. عطل داخلي عند عجلته السفلية .. ابتسم آدم وقال: أرجوك! هناك من يأخذ المزاح على محمل الجد! ماذا سيفعل؟؟ سيعتبرك مجنونا .. هتف أسامة وهو يراقب سيارته: إنني كذلك يا صديقي! لا تتحاذق علي يا أسامة! ظل الصديقان الصغيران يراقبان السيارة وهي تعود كما كانت، أخذ الإصلاح وقتا كثيرا ومالا أكثر، ولم يتبق سوى خدوش الطلاء، بالطبع استغنى أسامة عن ذلك لأنها ستحتاج وقتا .. توجه أسامة من فوره إلى المستشفى رغم اعتراض آدم الشديد وإصراره، ولكن أسامة كان أكثر عنادا وإصرارا منه .. وسار آدم يعرج وأسامة يسنده حتى دخلا من باب الطوارئ ، وعند فحص الأشعة وجد الطبيب أن آدم مصاب بكسر في ساقه اليسرى فقال أسامة بلؤم: مرحبا يا صاح! ثم تابع وهو يقلد آدم بتصغير الصوت ساخرا: إنني بخير، إنه ليس كسرا سوف أسير على قدمي غدا ونحن ذاهبان للمدرسة .. وطوال الطريق إلى منزل آدم ظل أسامة يضحك ويسخر عليه وهو مجبس ووجه مليء باللاصقات الطبية وكان آدم يصطنع الضجر من نكات أسامة التي لا تتوقف .. وصل آدم أخيرا إلى منزلهم وساعده أسامة على الصعود ثم طرق أسامة الباب بطريقته الخاصة، التي تصيب آدم بالخجل دائما .. فتحت شروق الباب وشهقت وهي تنظر إلى آدم المتسخ والذي امتلأ باللاصقات الطبية وسروال من الجينز الممزق ورجله المجبسة تظهر من تحته مشرقة ..صاحت شروق : أمي ى ى ى ى ى ى ى ى ى ى ى فأمسك آدم بفمها وقال: لا داعي للإعلانات أرجوك! قال أسامة وهو يترك آدم: أعتقد أنك الآن بخير .. سأتركك .. على الأقل والدتك إلى جانبك! ضحك آدم وهو يقول: ألا تخرس قليلا .. مستحيل! تعجبني ثقتك! السياج الأخضر مضت عدة شهور على ذلك .. كان على آدم وأسامة أن ينشغلا في اختبارات نهاية العام، لذلك فقد بدأ آدم بتناسي الأمر حتى لا يؤثر على علاماته .. مرت فترة الاختبارات بصعوبة شديدة وببطء كالعادة ولكنها انتهت بأي حال .. ركضت شروق بفرحة وهي تحمل شهادتها وتريها لآدم، نظر لآدم إلى علاماتها الممتازة وقال: أنت رائعة يا شروق .. مبارك! استدارت شروق حول نفسها بسعادة وهي تلحن ثم بدأت تغني: سأدخل إلى المتوسطة، بعدها الثاااااااااانوية .. بعدها الجـ ... قبل أن تكمل شروق دخل ياسر وضحك متابعا بألحان شروق: سوف أدخل إلى الصف الثاني ..... ضحك آدم وصفق لهذا العرض الرائع فتساءلت شروق: متى ستظهر نتيجتك يا آدم؟ نظر آدم قليلا للسقف وتنهد قائلا: لا أريدها أن تظهر .. لن تكون جيدة جدا .. هيا آدم! متى؟؟ بعد أسبوعين من الآن .. همس ياسر: سمعت أبي يقول لأمي .. أنه يريد عمل حفلة تخرج لك .. ضحك آدم وقالت شروق بغيظ: أيها النمّـام! تفسد كل شيء دائما .. رد ياسر وهو يقذفها بعبوة البسكويت الورقية التي كان يحملها: أنت النمامة! في تلك اللحظة ضغط أحدهم جرس الباب فقال ياسر: أنا سأفتح .. ركض ياسر مسرعا وبدأت شروق بتناول بسكويته ، وسمع آدم صوت ياسر يصيح: آدم .. إنه أسامة! ذهب آدم مسرعا وقابل أسامة فقال أسامة وهو يصافحه: لدي أخبار سيئة .. تعال! جذب أسامة آدم من يده فقال آدم بسرعة: ياسر، أغلق الباب ولا تفتح للغرباء وأخبر أمي وأبي بأنني لن أتأخر إذا جاؤوا قبلي فهمت ؟ لم ينتظره أسامة حتى يسمع رد أخيه الأصغر وخلال دقائق كانا يمشيان إلى جوار بعضهما في الشارع وقال أسامة بجدية: آدم .. لقد عرف أبي النتيجة قبل ظهورها في المدارس .. نتيجتك؟ بل نتيجتك أنت .. نظر آدم باندهاش وقال: ماذا؟ لقد قلت أخبارا سيئة .. هل تمزح؟ لقد رسبت يا آدم .. ضحك آدم باستخفاف وقال: هيا .. لا تفعل ذلك أعلم أن علاماتي ستكون جيدة! قال أسامة وهو مصرّ على موقفه: صدقني! توقف آدم مشدوها وتمتم : بالتأكيد هناك خطأ ما، لقد حصلت على علامات كاملة في النصف الأول .. أيعقل هذا؟ قال أسامة وهو يلوح بيده المنبسطة أمام وجه آدم: هيييه! هل تحدث نفسك؟ انتبه آدم ونظر لأسامة الذي بدأ في ضحكة خبيثة ثم قال: كنت أمزح معك! تغيرت ملامح آدم إلى الضجر وبدأ بضرب أسامة فركض أسامة وهو يضحك بشدة وتبعه آدم وهو يزمجر: سأقتلك أيها الشرير الكاذب !! لن أصدقك أبدا .. ******* حفلة تخرج آدم وأسامة وأصدقائهم كانت أكثر من رائعة تجلى فيها حبهم لبعضهم، وظهرت فيها فرحتهم، كان آدم سعيدا برفقة أصدقائه وأسامة خصيصا، لقد تخرج الجميع بتفوق، وهاهي الحفلة التي أقامها الجميع في حديقة منزل أسامة! وفي نهاية الحفل المسائي، أشعل آدم المفرقعات فأضاءت السماء بألوان مبهجة وتعالت الصيحات والهتافات والتصفيق .. قام البعض بإطلاق صفارات عالية من أفواههم وضحك آدم وقام أسامة بضرب ظهره بقبضة يديه وقال في أذن آدم حتى يسمعه من الضجيج المحيط: أحبك يا صديقي! مع أنك معتوه! ضحك آدم وابتسم بامتنان وهو ينظر إلى أسامة ثم أشار إليه وقال: أنت أيضا يا صاح! الطيور على أشكالها تقع! التف باقي الأصدقاء حول آدم وأسامة في الحديقة ليقطعوا معا كعكة النجاح المزينة بالشموع الملونة على عدد الناجحين في الحفل وشوكولا على شكل قبعات تخرج .. بعد انتهاء الحفل كانت شروق قد تناولت جرعة زائدة من الشوكولا مما أصابها بالإعياء وحملها آدم إلى داخل المنزل وهو يضحك ويسخر منها .. بعد مضي أسبوع من الإجازة، كان آدم قد بدأ يشعر بالملل .. مضى يومين آخرين يعتبران أجازة من كل شيء وقال آدم يخاطب والده وهو يتثاءب : لا أحب الإجازات الطويلة، لأنني أتثاءب طوال الوقت وأنام كثيرا! أجاب أيمن وهو يرشف رشفة من قهوته : ما رأيك في رحلة ؟ قال آدم وهو يقوم واقفا: وإلى حين الرحلة ، سأبدأ بترتيب غرفتي ، فربما يشعرني ذلك ببعض التحسن .. دخل آدم ليغير من روتين يومه الممل، وقف ونظر إلى غرفته الغير مرتبة وقال: ستبدأ المهمة المستحيلة ... في البداية حمل كل كتبه وأدواته القديمة ووضعها في أدراج مكتبة والده الكبيرة، كأنه أضاف نقطة إلى بحر في لم تؤثر على كم الكتب الموجود في المكتبة .. قال وهو يضحك: تخلصت منك! دخلت شروق وقالت: هل أساعدك يا آدم .. كان آدم يخرج أغراض الغطس من أسفل سريره وبدا صوته مكتوما وهو يقول: شكرا! يمكنني تدبر الأمر ... ابتسمت شروق وفتحت أدراج آدم بتطفل وقالت: إذن سأهتم بالمكتب ... ثم أخفضت صوتها وهي تكمل كلامها: فأنا في شوق لمعرفة كل مقتنياتك ... و كشف أسرارك! أخرج آدم رأسه من أسفل السرير بعد أن اصطدمت بقوة بطرفه الخشبي وقال وهو يضغط عليها متألما : شروق ... ابتعدي عن مكتبي أرجوك! أريد أن أرتب شيئا! كما أنه ليس مكتب الوزير!! قال آدم وهو يناولها معدات الغطس: ساعديني على توصيل هذه إلى المخزن، هيا .. هزت شروق رأسها نفيا وقالت: سأرتب مكتبك .. قال آدم بتثاقل: أعرف ما سيحصل ، ستجدين ألبوم صوري الكبير وتشاهدينه للمرة الألف! تبا لك يا آدم ... لن أساعدك! خرجت شروق من الغرفة غاضبة فنادى آدم: هيييه شروق! حسنا لا تحزني، اهتمي بالمكتب .. عادت شروق مبتسمة فقال آدم وهو يحمل معدات الغطس ويخرج: وأرجوك، أتوسل إليك! أنجزي عملك! هزت شروق رأسها موافقة وتحركت خصلات شعرها الناعمة فابتسم آدم وخرج .. أخرجت شروق جميع الأدراج وسكبتها على السرير .. نظفت المكتب جيدا ومسحته بقماشه مبللة، ثم نظفت جهاز الحاسوب الخاص بآدم وهي تلعن إهماله ... عاد آدم ونظر إلى أغراضه المسكوبة على السرير بألم وهو حزين على ما آلت إليه ثم تنهد وفتح دولابه وبدأ بترتيب ملابسه المبعثرة .. بدأت شروق بإعادة الأدراج وتمتمت بسعادة: بدأ العمل الأجمل، ترتيب أغراض آآآدم! ضحك آدم وقال وهو يعلق ملابسه الرسمية برتيب : كأنها ستزين كعكة العيد! فتحت الأدراج الستة وبدأت بتصنيفها فقال آدم : ضعي أوراقي وكتبي الخاصة في الدرج الأول .. أجابت شروق ببرود: لاحظ أنني من يرتب هذا! زفر آدم بضيق وتمتم: لم تجد سوى المكتب! احمد الله أنك وجدت من يرتب لك هذا الـ ... التفت آدم ينظر إلى شروق الغاضبة وهي تبحث عن كلمة مناسبة .. وقالت فجأة: هذا السوق الذي كأنما أصابته قنبلة فبعثرت خضرواته! تمتم آدم وهو يفكر: سوق؟؟ قنبلة؟؟ لم تعلق شروق وبدأت بوضع الأغراض داخل الدرج فقال آدم: يبدو سوق خضروات كبير .. لم تعلق شروق مجددا ولكنها بدت مستفزة جدا من آدم ثم أمسكت ببطاقة وهي تقرأ: ما هذا؟؟؟ لماذا تحتاج إلى بطاقة لطبيبة نساء وتوليد؟؟؟ أنت رجل!!! تفاجأ آدم ولكنه سرعان ما تذكر ذلك واقترب من المكتب وتطلع إلى البطاقة : " الطبيبة : نهى رباح عيادة النساء والولادة رقم الهاتف ............... " عادت إلى ذهن آدم ذكريات مضى عليها عام تقريبا .. وبما أنه سيتم ثمانية عشرة عاما بعد شهرين .. فقد مضى عام تقريبا..... وتذكر شيئا واحدا فقط وهو ينظر إلى يده اليسرى ... بالأخص إلى خاتم زواج والده الذي لم ينزعه يوما .. تذكر فقط ..... السياج الأخضر ... السياج الأخضر رفع آدم سماعة الهاتف بتردد وقام بطلب الرقم ... انتظر ثوان حتى سمع صوت فتاة: مرحبا؟ مرحبا، أهذه عيادة الطبيبة نهى؟ أجل وبم أساعدك؟ كنت أود التحدث إليها .. أنا آسفة جدا، ولكنها الآن في المستشفى الرئيسي ... إنها تداوم في العيادة من السادسة صباحا وحتى الواحدة ظهرا .. يمكنك موافاتها غدا وسأسجل لك موعدا .. شكرا سيدتي .. حسنا .. الاسم لو سمحت؟ آدم يوسف .. آدم؟ أجل.. هل قلت آدم يا سيدي؟ أ ... أجل أجـل .. آسفة ظننت أنني سمعت خطأ .. لا بأس .. حسنا لديك موعد غدا في الثامنة صباحا .. شكرا جزيلا .. إلى اللقاء .. إلى اللقاء .. أعاد آدم سماعة الهاتف إلى مكانها ،، إنه حتما يتوق إلى رؤية والدته، وهذه الطبيبة أخبرته من قبل أنها ربما تملك لأمه صورة .. استيقظ في اليوم التالي مبكرا على غير العادة ورتب سريره، لأنه قرر أخيرا المحافظة على نظافة غرفته من الإهمال .. كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف، تجهز آدم سريعا وطرق باب غرفة والديه .. فتحت والدته الباب وكان ظاهرا على وجهها أنها لم تستيقظ بعد وغمغمت: ياسر؟ هل أحضر لك الإفطار ؟؟ ابتسم آدم وقال: أمي، سأخرج في مهمة سريعة، لا تقلقي علي .. أنا آدم ولست ياسر!! هزت الأم رأسها موافقة ثم دخلت إلى الغرفة وعادت إلى سريرها وسحبت البطانية عليها، كان والده نائما ولم يشعر بذلك، فأغلق آدم الباب الذي نسيته أمه مفتوحا وقال ضاحكا يحدث نفسه: أشك أنها علمت أصلا مع من تتكلم، السهر ليس عادة حسنة! خرج آدم بسرعة، كان سيتصل بأسامة ليذهب معه إذا كان هنا، ولكنه كان مسافرا منذ بداية إجازة نهاية العام، ولذلك فقد بدا آدم وحيدا .. وصل آدم إلى العيادة في الثامنة إلا خمس دقائق، كان إيجاد العنوان سهلا جدا، ودخل إلى العيادة وكانت هناك ثلاث سيدات وقالت مساعدة الطبيبة: هل أنت آدم يوسف؟ حدقت السيدات بآدم مستغربات وأجاب آدم وقد توردت وجنتاه خجلا: أ .. أجل! أعطته رقما وقالت: انتظر دورك! جلس آدم على آخر كرسي في مقاعد الانتظار وكانت السيدات يتهامسن وينظرن إليه ... كاد أن ينفجر خجلا ولكنه حاول تناسي الأمر .. بعد فترة خرجت الممرضة وقالت وهي تقرأ باستغراب: .. آ .. آدم .. يوسف؟ دخل آدم إلى الطبيبة، كانت مبتسمة وقالت وهي تصافحه: هل أستغرب أنك مازلت تتذكرني، أم أشكر الظروف التي جعلتني أراك مجددا؟ ابتسم آدم وقال خجلا: إنه شرف لي يا سيدتي أن أقابلك مجددا .. أشارت الطبيبة بحركة من يدها إلى أحد المقعدين أمام مكتبها وقالت: تفضل .. جلس آدم فجلست على المقعد المواجه له ، وبدأت بالموضوع قائلة: أعلم لما جئت، أنت تريد صورة والدتك أليس كذلك؟ وتريد أن تعلم عنها أي شيء .. بلى .. ابتسمت الطبيبة وقالت: لدي أجازة يوم الجمعة دائما .. سأنتظرك في منزلي .. لأن العيادة مزدحمة ولن استطع أبدا أن أحكي لك عن والدتك ... ما رأيك؟ موافق.. سأراك الجمعة القادمة إذا؟ إن شاء الله .. حسنا خذ رقم هاتفي المحمول، وسأصف لك العنوان .. أخذ آدم الرقم من الطبيبة نهى ومن ثم عاد إلى المنزل، كانت الساعة تقترب من التاسعة والنصف وكان والديه يدوران في المنزل قلقا وقال السيد أيمن وهو ينظر إلى ساعته: لقد تأخرت عن عملي ... قالت السيدة نوال بقلق: أين هو يا ألهي!! لم يخبرنا حتى إلى أين سيخرج مبكرا هكذا!!!! أتمت السيدة نوال جملتها وسمعا صوت الباب، كان آدم عائدا وهو يهز مفاتيحه فتحدث صوتا،، نظر فرأى القلق على وجه والديه وقال السيد أيمن غاضبا: كان على الأقل يمكنك أن تترك لنا رسالة هنا .. قال آدم وهو يلقي بمفاتيحه على الطاولة: صدقني يا أبي لقد أيقظت أمي وأخبرتها، إنها لا تتذكر شيئا ، كانت نائمة .. قال أيمن وهو يخرج : لقد تأخرت إلى اللقاء .. أجاب آدم ووالدته في نفس الوقت: إلى اللقاء .. بعد أن خرج السيد أيمن تساءلت السيدة نوال بحدة: أين كنت يا آدم؟؟ صمت آدم قليلا وقال: كنت مع أسامة ... في هذا الوقت؟؟ كان مريضا .. تنهدت الأم ودخلت إلى المطبخ وهي تقول: أيقظ أخوتك لأنني شرعت في إعداد طعام الإفطار .. كان آدم يحب إيقاظ إخوته، وخاصة ياسر عندما يمرر آدم قطعة ورق صغيره فوق أنفه فيظل ياسر يبعدها ظنا منه أنها ذبابة .. ويشتم ويزمجر منها وهو مازال نائما .. استيقظ الجميع وتناولوا طعام الإفطار .. كان آدم حائرا .. ولكنه كان سعيدا لأنه سيعرف أي شيء عن والدته، سيرى صورتها أخيرا .. ربما يتوصل إلى شخص ما يعرف والده أيضا .. كم سيكون هذا رائعا! اليوم هو يوم الثلاثاء .. يتحرق آدم شوقا إلى يوم الجمعة .. وأخيرا صباح الجمعة استيقظ آدم مبكرا، تناول إفطاره مع والديه وتوجه والده إلى المكتبة ليحضر كتابا فقال آدم مخاطبا والدته: أمي ... سأذهب اليوم إلى أسامة .. حسنا؟ نظرت له والدته وهي تشعر بشعور غريب وقالت: حسنا .. خرج آدم إلى الشارع واتصل بالطبيبة من هاتف عمومي .. أجابت: نعم؟ مرحبا .. أنا آدم يوسف! آه .. مرحبا يا آدم .. يسرني أنك مازلت تتذكر ميعادنا، خشيت أن أراك الجمعة من العام المقبل .. ضحك آدم وقال: إنني هنا يا سيدتي لا تخافي! حسنا خذ عنوان المنزل .. وصل آدم إلى المنزل في تمام العاشرة والربع صباحا، بعد قليل من البحث .. فتح له رجل فقال آدم بتلكؤ: هل هذا هـ .. هو منزل الطبيبة ...... نهى؟ أجل؟ أ .. لقد .. ابتسم الرجل وسأل: هل أنت آدم؟ أجل! صافحة الرجل وقال: تفضل يا بني .. تبدو أكبر من سنك .. جلس السيد رامي زوج السيدة نهى والسيدة نهى أيضا وآدم .. قالت السيدة نهى: لقد كنت صديقة أمك الوحيدة، هي أيضا كانت صديقتي الوحيدة والمفضلة، تعارفنا عندما كنا ندرس في جامعة الطب .. وعينا فيما بعد في نفس المستشفى فزدنا قربا وصلة .. كان خالك آدم، مصدر حزن كبير لها وكانت تسعى دائما إلى إيجاد علاج يريحه، عندما تزوجت والدك، تزوجت أيضا في العام نفسه، وقد أنجبتك عندما كنت حاملا في ابنتي " ندى" وعندما أطلقت منى عليك اسم آدم، كنت الطفل الوحيد بهذا الاسم .. لم يشأ والدك أن يعارضها بشأن اسمك، كان يحبها كثيرا .. وكان يريد أن يفعل أي شيء حتى يرفع من معنويات خالك آدم المريض .. كان آدم يستمع باهتمام وقال السيد رامي : سأستأذن منكم الآن لأن لدي موعدا مهما .. وقف السيد رامي وصافح آدم ثم توجه إلى خارج غرفة الجلوس .. ابتسمت السيدة نهى وقالت: ومع كل هذا فأنا لا أمتلك صورة شخصية لها .. تفاجأ آدم وأصابه نوع من الإحباط وخيبة الأمل ولكن السيدة نهى أردفت مبتسمة : ولكن يمكننا أن نحصل على صور كثيرة لوالديك .. أين؟ تساءل آدم بلهفة ، فأجابت السيدة نهى: في منزلكم ... منزلنا؟ أجل لقد مررت به عدة مرات، إنه مغلق، لأنه "ملعون" كما يقولون .. ، وأن تلك القرية ملعونة كما يزعمون .. وبالطبع فأنت الشخص الوحيد الذي يحق له دخول المنزل .. وقف آدم وقال: حسنا ... سنذهب .. السياج الأخضر استغرقت الرحلة حوالي الساعة والنصف وقال آدم متسائلا: إن المنزل قريب من الغابات المحرمة .. أجابت الطبيبة : هذا صحيح ... كانت قريتنا الجنوبية تقع قريبة من الغابات المحرمة ، لقد أصبحت مهجورة الآن .. إلا من بعض السكان القدامى .. قال آدم : يبدو أن الجميع انتقل منها .. لماذا؟ صمتت الطبيبة قليلا وبدا أنها تركز قيادتها على الطريق ولكنها قالت بهدوء: لقد بطش " هارون" بكل أهالي القرية الجنوبية ليحصل على معلومة تفيده عن مكان خالك آدم ولكنه .. لم يفلح .. تساءل آدم باستغراب: ومن هو؟ شخص ذو نفوذ ، ثري، ادعى أنه من ضغط على عم آدم .. ليضع له البلورة في صدر آدم .. وسمعت أنه كان يخفيها في صدر آدم عن عصابات أجنبية ولذا لم يكن من المتوقع أن تكون في صدر فتى قروي .. صمت آدم يفكر في ذلك متألما وقالت الطبيبة: يبدو أننا وصلنا .. كان المكان أشبه بالمدينة المسكونة .. أشجار جافـّة، طرقات رملية قديمة وبيوت مهدمة أو مهجورة تلفها الأتربة أو القاذورات وتحيط بها خيوط العنكبوت وتعبث بها الحشرات والحيوانات الصغيرة .. تمتم آدم بذهول: لا أخال أن أحدا يعيش هنا! أنا أيضا أظن ذلك .. ولكن هناك فعلا من يقدس ذلك المكان .. من؟ الأشباح! ابتسمت الطبيبة وقالت: كلامك منطقي .. ويصيبني بالخوف .. توقفت الطبيبة بسيارتها أمام منزل قديم .. ثم قالت وهي تطفئ محرك السيارة: كنت تعيش في هذا المنزل الجميل عندما كنت ولدا في الثانية من عمرك .. ترجل آدم من السيارة وتوجه إلى باب المنزل ببطء تتبعه السيدة نهى .. وقف آدم أمام الباب فقالت: هيا ... إنه مفتوح بأي حال .. كل المنازل مفتوحة .. وضع آدم يده على مقبض الباب البارد والمتسخ جدا، فتحه بهدوء فأصدر صريراً مزعجاً، نظر جيدا إلى خيوط العنكبوت التي ملأت أرجاء المنزل .. كان كل شيء في مكانه، الأثاث القديم المهتريء والآنية المكسورة .. تمتمت الطبيبة بألم: رحمكما الله منى ويوسف .. قال آدم: آمين .. صعدا الدرج فأصدر صوتا غريبا،، وتحطمت إحدى درجاته الخشبية بينما كانت الطبيبة تتبع آدم .. سارا في الممر العلوي ببطء حتى وصلا إلى غرفة النوم .. الملابس، والفرش، والسجاد .. كل شيء قديم و متهرئ ... بالإضافة إلى الأتربة وطبقات الغبار المكومة والصرير الذي تصدره الأرضيات الخشبية عند المشي فوقها .. هناك بعض الأثاث الخشبي قد تآكل وسقط .. فتش آدم الأدراج، كانت هناك الكثير من الأشياء المختلفة،، هناك نقود، ومساحيق تجميل والدته ... و.. ألبوم صور كبير .. فتش آدم مجددا عله يجد صورا أخرى ولكنه لم يجد شيئا وقالت السيدة نهى: أتذكر ذلك الألبوم .. كان المفضل لدى والدتك .. تساءل آدم: هل هناك غيره؟ لا أعلم صدقني .. أنا أتذكر هذا وحسب .. توقفت السيدة عن الكلام فقال آدم: إنه مغبر جدا .. هيا بنا نعد إلى السيارة وننظفه ثم نشاهده بتأنٍ .. عاد آدم برفقة السيدة نهى إلى السيارة بسرعة،، ولكنهما توقفا مذهولين أمام باب المنزل وهما يحدقان بالسيارة .. حدث ذلك الشيء مجددا،، الطلاء الأبيض مخدوش خدوش مؤذية وكثيفة تحتاج وقتا،، العجلات الأربع مفرغة من الهواء كشافات الإضاءة وزجاج السيارة بالكامل كان محطما .. والتراب يملأ المقاعد وكأن السيارة كانت جزءا من تلك المدينة المهجورة،، قالت الطبيبة بهلع: مستحيل، هذه ليست سيارتي!!! همس آدم يكلم نفسه: مستحيل أن يكون حدث ذلك مجددا!! تمتمت السيدة نهى وهي تحملق بآدم مندهشة : مجددا؟؟ ******** شعر السيد أيمن بقلق عارم، ونظر إلى الساعة التي تشير إلى الثالثة بعد الظهر،، قال والعائلة تلتف حول مائدة الغداء: لماذا تأخر آدم؟؟ قالت السيدة نوال وهي تضع الأطباق مع ابنتها شروق على السفرة: قال أنه سيذهب إلى أسامة ... ربما سيتناولان الغداء معا .. انتصب الأب في جلسته فجأة وقال بسرعة: هل هو من أخبرك بهذا؟؟ نعم؟ ما بك ...؟؟ يا إلهي! إن أسامة في إجازة مع عائلته لزيارة أهلهم في مدينة أخرى،، إنهم مسافرون ومن بداية العطلة ... تطلعت الأم مذهولة وتمتمت: لقد أخبرني في المرة التي سبقت تلك أنه كان مع أسامة لأنه كان مريضا .. قالت شروق بقلق: لماذا كذب علينا؟؟ هل يقوم بأمر خاطئ؟؟ وقف السيد أيمن وارتدى معطفه وهو يقول بانفعال وخوف : سأبحث عنه ... أمسكت السيدة نوال بيده وقالت : إلى أين .. انت حتى لا تعرف أين هو .. ولم تتناول غداؤك ..!! سوف أسأل أصدقاءه أين يمكن أن يكون .. قالها واندفع خارجا من الباب .. فقال ياسر بخوف وبراءة الأطفال تملأ كلماته: أتمنى أن يكون بخير وان لا يفعل شيئا سيئا أو يدخن!! ******* بدأ آدم بربط مسامير الإطار الوحيد الذي يوجد له بديل .. كانت السيدة نهى تمسك بالألبوم وهي مرتعبة وقال آدم : أخشى أننا لن نسير بسرعة ... سنتأخر .. كان هاتف السيدة نهى الخليوي لا يعطي إشارة لوجود شبكة الاتصالات في المنطقة وقالت بيأس وهي تحاول تدفئة نفسها بضم الألبوم إلى صدرها: إننا في مكان مهجور .. أتمنى أن يمر ذلك على خير .. ومازلت أتساءل .. من يمكنه فعل ذلك؟؟ بدأ آدم بإزالة الأتربة من فوق المقعدين وركب أمام المقود وقال: ربما الأشباح .. قالت السيدة نهى مرتعبة: كلامك منطقي!! ويصيبني بالرعب .. بدأ آدم بتشغيل السيارة ودار بها عائدا من نفس الطريق وببطء شديد ... أمسكت السيدة نهى بألبوم الصور جديا وتساءلت بقلق واضح في صوتها : هل سيخيم علينا الليل في هذا المكان؟؟ الساعة تقترب من الرابعة .. سنكون قد خرجنا من هنا! تقارب حاجبي السيدة نهى وقالت وهي تنظر إلى الطريق الذي يمر ببطء وبكل تفاصيله المخيفة: سنكون في نطاق الغابة المحرمة .. لا تخافي .. سنكون بخير .. أنظروا من يصبـّر من!! ابتسم آدم محاولا إخفاء قلقه وكان يحدث نفسه: " إنها مفزعة بما يكفي صباحا،، ماذا سيحصل عند المساء؟؟ لقد خرجت أنا وأسامة من هذا النطاق قبل أن تظلم علينا .. يا رب ارحمنا" مضى قليل من الوقت فقالت السيدة نهى: دعني أتولى القيادة لبعض الوقت وتعال لتشاهد الصور ... قال آدم بشهامة: سوف يكون لدي متسع من الوقت فيما بعد لرؤيتها ... إن شاء الله! أنت فتى عاقل! وهذا ما يطمئنني وأنا برفقتك!! شكرا سيدتي .. السياج الأخضر لم تفتح السيدة نهى ألبوم الصور حتى لا تشغل آدم عن القيادة في ذلك المكان الخطير .. بعد مضي ساعة ونصف من الوقت راحت السيدة نهى في نوم عميق جدا،، حتى إن الألبوم تزحزح وسقط مائلا إلى جانبها .. ألقى آدم نظرة على السيدة وتابع تلك القيادة المملة جدا .. اقتربت الشمس من المغيب،، وبعد قليل أظلمت السماء إلا من لون الشفق الأحمر فقال آدم وهو يحدث نفسه وينظر إلى الأشجار الملتفة: " أخشى حتى أن أتوقف وأصلي المغرب ... هيا .. كن شجاعا يا آدم!!" نزل آدم من السيارة ووقف على الطرق الترابي ثم استدار عند نافذة السيدة نهى وقال بلطف: سيدتي ,,, آ .. كنت .. سيدتي؟؟ لم تستيقظ السيدة نهى .. بتردد كبير وضع آدم إصبعه السبابة على كتفها الأيمن وقام بنقرها وهو يقول مجددا: سيدتي .. لقد توقفت لكي أصلي و .. أريدك أن تستيقظي ..؟ لم تجب السيدة نهى .. بدأ آدم يشعر بالقلق ورفع صوته قليلا و بدأ بتحريك السيدة نهى : سيدة نهى؟؟ أيتها الطبيبة؟ ما الأمر؟؟ بدا أن السيدة نهى ميتة .. فهي لا تتكلم ولا ترمش ولا تتنفس ... سقط آدم على الأرض وتعرق رغم برودة الجو خوفا والصدمة تعتري ملامحه البريئة .. كان ذراعاه يرتجفان وتمتم آدم بعينين دامعتين: سيدة نهى؟؟ سـ .. سيدتي أرجوك!!! وبسرعة أمسك بهاتفها الخليوي .. كان آخر رقم اتصلت به هو " ندى" .. قام آدم بالاتصال ولكن الهاتف أعطى رسالة بأنه خارج حدود الشبكة .. سمع آدم أصوات خطوات بين الأشجار، كان آدم يمسك بالهاتف و يهتز.. إنه يرتجف من الخوف والوحدة .. أغلق أبواب السيارة جيدا،، وكانت النوافذ محطمه ،، وأمسك بالمقود يتابع الطريق لكن الرؤية كانت مستحيلة في ذلك الظلام وبدون مصابيح السيارة أو أي مصدر ضوء .. حتى القمر لم يخرج للوجود ذلك اليوم،، لا يعرف آدم إن كان في آخر الشهر الهجري لأن حظه عاثر ... مضت عشر دقائق وآدم ممسك بالمقود وهو متأكد تماما أنه ضل الطريق في ذلك المكان الترابي المبهم .. فهو لم يعد يرى آثار الطريق الحقيقي ... حبك الليل ظلمته،، وأصبح الوضع لا يحتمل بالنسبة لآدم ،، فهو تائه و بجانبه جثة ويقود خردة لا تريد السير وهو في مكان خطير ويشعر بالبرد والوحدة والخوف والجوع ... ظل يدعو الله في قلبه أن يكون هذا هو الطريق الصحيح .. أمسك بالهاتف الخليوي وأعاد المحاولة، ولكنها فشلت مثل سابقتها فهذا المكان مقطوع عن العالم الخارجي .. من بعيد بدأ آدم يلمح ضوءا .. إنها على الأرض؟؟ أحدهم يشعل نارا في ذلك المكان ... من يكون هنا؟؟ من يبقى في هذا المكان بمفرده أو حتى مع مجموعة ويشعل نارا .. ارتعب آدم ولكنه واصل السير نحو الضوء مخاطرا بكل شيء وقال لنفسه: " ربما هم فرقة كشـّافة ... لا يمكن للأشباح أن تشعل النار" عندما اقترب من النار مسافة كافية شاهد شخصا واحدا هناك، وعندما سمع ذلك الشخص صوت السيارة وهي تقترب ببطء التفت إلى الخلف ثم أسرع يركض نحوها ملوحا .. كان شابا وسيما يقترب من السابعة والعشرين من عمره وكان قوي البنية،، كان يحاول إخفاء خوفه الشديد .. وهو وحيد في ذلك المكان ويبدو أنه تائه أيضا .. لديه ملامح هادئة ووجه لطيف معبر .. قال الشاب وهو يمد يده لمصافحة آدم من النافذة المحطمة: أشكر الله على مجيء شخص في هذا المكان .. ابتسم آدم وقال وهو يصافحه: وأنا أشكرا لله أيضا على أنني وجدتك .. هل تعرف الطريق؟ لو كنت اعرف الطريق لما بقيت هنا .. ترجل آدم من السيارة .. وقال والخوف باد على صوته : أنا تائه،، سيارتي معطلة و .. يبدو أنني خرجت عن الطريق لأنني لا أرى شيئا بسبب الظلام ... نظر إلى السيارة فشاهد السيدة نهى وهي لم تتحرك قيد أنملة فدمعت عينيه وقال: و.. لقد توفيت .. لم يستطع آدم تمالك نفسه ونزلت دمعة من عينيه وتحشرج صوته فربت الشاب على كتفه وقال: اهدأ يا صديقي .. هل هي والدتك؟؟ أ .. أجل .. هل توفيت؟؟ ربما تكون في غيبوبة؟؟ لـ .. لا أعلم .. كان آدم يبكي فعلا وقال بيأس: لم أعد أعرف شيئا أنا يائس حقا!! ما كان علي أن آتي إلى هنا مجددا! هل جئت إلى هنا من قبل؟؟ أجل .. وحدث معي ذلك .. ولكن كان الوقت والحال أفضل بكثير .. ألقى الشاب نظرة على السيدة نهى ثم قال: هل تعاني من السكر أو الضغط أو أي مرض؟؟ لم يعرف آدم كيف يجيب ولكنه قال: لا ... لا أعلم تماما !! حسنا .. دعني أتفقدها فقد أفهم قليلا في الإسعافات الأولية .. فتح آدم الباب من جهة السيدة نهى،، واقترب الرجل ممسكا بمعصمها ثم ابتسم قائلا: إنها على قيد الحياة، لا تخف .. ابتسم آدم وهو يمسح دموعه وقال: حقا؟؟ يبدو أن الخوف جعلني لا أدرك ذلك!! قال الشاب وهو يفتح الباب الخلفي للسيارة: ربما هي مصابة بغيبوبة،، ربما ارتفع السكر أو زاد الضغط فجأة فهذا يحدث غالبا مع كبار السن .. سنحملها الآن ونمددها على المقعد الخلفي هيا .. حملاها إلى المقعد الخلفي،، لم تكن ثقيلة جدا وضع آدم معطفه ليغطيها فقال الرجل: أنت ولد بار فعلا .. هيا بنا سنحاول الاسترشاد بالنار .. وكيف سنفعل ذلك؟ ******** عاد السيد أيمن من رحلة البحث الطويلة عند الساعة السابعة مساء ... ارتمى على المقعد وكان يبدو غاضبا وقلقا بطريقة غير طبيعية، ولذلك فلم يسأله أي أحد عن آدم، لأنه لم يجده ولم يعرف مكانه .. كان ذلك بديهيا وقالت شروق لوالدتها: أمي .. أين يكون آدم قد ذهب؟؟ كانت السيدة نوال تشعر بقلق كبير وقالت: لا أعلم ... لا أعلم حقا!!! أسندت شروق ظهرها على الأريكة ونظرت إلى الساعة وتمتمت: يا رب أحفظ آدم!! ******* سار آدم بالسيارة مجددا وقال الشاب وهو يخرج يده بشعلة خشبية كبيرة من النار محاولا إضاءة الطريق: حاول الخروج من نطاق الأشجار يا .. صمت للحظات فقال آدم وهو يركز نظره على الطريق الترابي: آدم .. ابتسم الشاب وقال: آدم؟؟ أجل ،، لا تضحك أعلم أنه غريب .. لم يقل الشاب شيئا وتابع الطريق فتساءل آدم: وأنت ما اسمك؟ يوسف! ابتسم آدم ونظر له جيدا ثم قال: يوسف؟؟ إنه اسم والدي؟؟ حقا،، هذا رائع .. تساءل الشاب المدعو يوسف قائلا: أهذا لك؟ هل أنت متزوج؟ فهم آدم أنه يقصد خاتم الزواج فقال: لا ... إنه خاتم والدي ارتديته لأنه توفي منذ زمن وهذا يذكرني به دائما فأدعو له بالرحمة .. لم يقل الشاب شيئا وظل يمسك بالشعلة جيدا ويتابع الطريق فتساءل آدم: لم تخبرني كيف ضللت الطريق هنا؟، إنه مقطوع وبعيد جدا ... هتف يوسف قبل أن يجيب على السؤال: إننا نسير على الطريق الصحيح ... إنني أرى الشارع الممهد السريع يبدأ من بعيد ... نظر آدم جيدا ولكنه لم ير شيئا وأجاب: يوسف! انت مخطئ أنا لا أرى سوى الأشجار ... قبل أن يجيب يوسف انطفأت الشعلة الكبيرة فجأة،، سمع آدم صوت طرق على معدن السيارة من الخارج وصاح بذعر وهو لا يرى يده في الظلام الحالك: يوسف،، هل أنت بخير؟؟ لم يسمع آدم سوى صوت الطرق وهتف مجددا: يوسف .. أين أنت؟؟ حاول آدم أن يمسك بيوسف ليتأكد أنه بخير ولكنه تحسس الكرسي فوجده فارغا .. أصابه الذعر وتشنج في مكانه وهو يصرخ: يوسف!! أين أنت .. توقف الطرق على معدن السيارة ولم يعد آدم يسمع أي شيء سوى صوت الريح القوي ... ارتجف آدم من برودة الجو وكان يريد أن يتأكد من أن السيدة نهى بخير ... ولكنه لم يستطع .. كان مذعورا وشعر بالتجمد في كل أطرافه .. نظر بعدوانية حوله وهو يحاول معرفة ما الذي يجري فعلا .. إنه الرعب الحقيقي .. حينما ينظر حوله فلا يجد سوى الظلام .. وهناك شيء غريب يحدث .. السياج الأخضر فتح آدم عينيه .. كان واضعا رأسه على المقود وشعر بألم شديد في جسده ورقبته بسبب تلك الطريقة الخاطئة في النوم .. انتبه فجأة ليجد نفسه في المكان الذي توقف فيه ليلة الأمس .. كان النهار قد طلع والساعة تشير إلى السابعة وخمس دقائق صباحا .. لقد مر وقت طويل جدا .. " هذا غير صحيح،، كان ذلك حلما .. " كان آدم يحدث قلبه وهو يريد تصديق أنه حلم لكن الباب المجاور له كان مفتوحا،، الشعلة الخشبية مطفأة وملقاة على بعد متر واحد تقريبا من السيارة والسيدة نهى مستلقية بالخلف .. وهي بخير وتتنفس بانتظام .. أصبح آدم يصاب بالذعر كلما تذكر ما حدث ليلة الأمس ... أين ذهب ذلك الشاب؟؟ من الذي خطفه؟؟ لا يمكن أن يكون أطفأ الشعلة وركض في ذلك المكان المهجور بمفرده من دون سبب معقول .. نظر آدم إلى أخشاب الشعلة بحزن وتساؤل، وقبل أن يعود إلى السيارة أنتبه إلى خاتم الزواج الخاص بوالده .. لم يكن في يده اليسرى كالعادة .. لقد أٌخذ منه ... اندفع آدم نحو السيارة يفتش عن ألبوم الصور لكنه لم يجده .. لقد ضاع!!! كيف حدث ذلك ..!!؟؟ أغلق آدم الأبواب وبدأ يقود السيارة بيأس وهو يدرك أن كل تلك الصعوبات لم تجد نفعا فقد ضاع الهدف الذي جاء من أجله وهاهو تائه لا يجد تفسيرا لبعض الألغاز وهناك مريضة تستلقي في الخلف .. بعد مضي دقائق شاهد آدم الطريق الترابي السريع المؤدي للطريق الممهد ... لم يصدق عينيه وحدق جيدا عله يكون سرابا، وتذكر فجأة كلمات الشاب الذي كان معه بالأمس .. عندما قال أنه يشاهد الطريق الترابي السريع .. كان من المستحيل رؤيته من داخل الغابة .. ماذا يكون ذلك الشاب؟؟ تنهد آدم بتعب وهو يحاول نسيان ذلك وبدأت السيارة تمشي أسرع قليلا على الطريق الترابي ، وعندما اقتربت الساعة من التاسعة صباحاً سمع آدم صوت السيدة نهى تغمغم بشيء .. أوقف آدم السيارة بجانب الطريق وترجل منها ثم توجه للمقاعد الخلفية،، تحركت السيدة نهى وفتحت عينيها،، كانت تبدو مريضة جدا وقالت بصوت ضعيف منخفض : آدم .. أين نحن .. أريد أن أعود إلى منزلي .. قال آدم مرتبكا: إننا نقترب يا سيدتي .. ارتاحي فقط سوف آخذك للمستشفى .. لا ... أريد أن أعود إلى منزلي وحسب .. حسنا كما تشائين .. عندما اقترب آدم من الطريق الممهد كانت شجرة ضخمة ملقاة بعرض الطريق الترابي تسد المخرج إلى الطريق الممهد ، ترجل أدم محاولا زحزحته ولكنه لم يستطع كانت الشجرة ضخمة حقا!! تمزقت ثيابه واتسخ قميصه وهو يحاول زحزحة الشجرة بأية طريقة بلا فائدة،، سقط مرات متتالية وجرح في يده ودخلت الأخشاب الصغيرة تحت جلد أصابعه .. كان ذلك مؤلما جدا .. ولم يكن أمامه سوى التفكير في البحث عن طريق آخر وهو يخرج تلك الأخشاب الصغيرة من يده وقد تقارب حاجبيه وهتف متألما بعد أن انتهى : حمدا لله! إنها مؤلمه!! صعب جدا وجود طريق آخر فنهاية الطريق الترابي متصل ببداية ذلك الطريق الممهد، فكر آدم في طريق جانبي لكن كان ذلك بمثابة توغل جديد داخل الغابة وربما لن يستطع إيجاد الطريق السريع تلك المرة أبدا .. مزق آدم نهاية قميصه الكحلي في شريط طويل وربط بها أصابع يديه الداميتين ثم توجه مجددا نحو الشجرة،، حاول زحزحتها بعد أن أزال كل الحشائش والصخور الصغيرة ولكن ذلك كان بمثابة زحزحة نملة لفرع ساقط على الطريق .. مضى وقت طويل وانتصفت الشمس في كبد السماء وأصبح الجو حارا جدا،، أصيب آدم بالعطش وقد نفذت المياه التي لم يضع خطة لشرائها لأنه لم يعتقد أنه سيبقى في ذلك المكان حتى ظهيرة اليوم التالي .. فجأة سمع صوت صهيل حصان بعيد .. دب الخوف في قلبه مجددا وتذكر ذلك الصوت جيدا،، وبدون سابق إنذار خرج حصانٌ بني اللون من وسط الأشجار ومر من خلف السيارة بسرعة ورشاقة .. تصلب آدم في مكانه وهو يراقب الحصان يبتعد من الجهة الأخرى ويركض إلى داخل الغابة الموازية للطريق الممهد .. اختفى الحصان بين الأشجار، والتقط آدم أنفاسه وقال في نفسه: " ليس من الجيد أن تكون جبانا لهذا الحد .... إنه مجرد حصان!" لم تمض ثوان حتى شاهد آدم الحصان يركض عابرا الطريق الممهد إلى الجهة الأخرى من الغابة .. علم آدم بطريقة غير مباشرة أن هناك طريقا جانبيا قريبا يستطيع آدم الخروج منه إلى الطريق السريع، تساءل فجأة في نفسه عن ذلك الجواد الذي ظهر من العدم ليريه طريقا آخر ثم اختفى !!!! ترك آدم التفكير في ذلك حتى لا يشعر بالخوف وقاد السيارة ليعثر فعلا على الطريق الآخر ... بعد مضي ساعة، كان آدم قد وصل إلى أول محطة تصليح سيارات، هي نفسها التي وقف فيها مع أسامة من قبل .. مضت ساعة أخرى في تصليح السيارة ولكنها على الأقل ستسير مجددا لم يفعل آدم شيئا للطلاء كالعادة وكان المصباحان الخلفيان معطلان ولكنه أهمل ذلك ... وبسرعة الريح .. انطلق آدم أخيرا على الطريق السريع وبعد أن اقتربا من المدينة اتصل مجددا من الهاتف الخليوي الذي عمل تلك المرة .. سمع آدم جرس الطلب وبعدها سمع صوت فتاة تهتف بلهفة: أمي ... أين أنت؟؟ تلكأ آدم قليلا ثم قال: آ.. مرحبا؟؟ من أنت؟؟ أين أمي؟ إنها بخير .. سنصل بعد قليل ولكنها توعكت قليلا أثناء سيرنا .. ماذا؟؟ أين هي أود محادثتها!! إنها نائمة لبعض الوقت .. كان صوت تنفس الفتاة في الهاتف مضطربا جدا وقالت بخوف: أين أنتم؟!؟ ... لماذا تأخرتم كل هذا الوقت، لقد بلغنا الشرطة عن اختفائكم .. إنه حادث بسيط!! حادث!! ياللهول!! يا ألهي .. أ .. هل أمي بخير .. لا تخافي .. إنها بخير .. نحن نقترب من المنزل .. حسنا سأخرج على الباب أنا في انتظاركم .. حسنا .. أغلق آدم سماعة الهاتف ... وبعد عشر دقائق كان آدم يقف بالسيارة التي تغيرت معالمها أمام المنزل .. لمح آدم فتاة جميلة ومذعورة تنزل الدرجات القليلة أمام منزلهم .. خرج آدم من السيارة مرهقا وقال مخاطبا الفتاة وهو يفتح باب السيارة الخلفي: لا تخافي إنها بخير .. اعتقد أن حرارتها مرتفعة قليلا .. نظرت الفتاة لآدم للحظة مصعوقة من منظره وانتبهت إلى أصابعه المربوطة بأجزاء من قميصه ثم دخلت إلى السيارة وحركت والدتها بلطف: أمي .. هل انت بخير؟؟ فتحت السيدة عينيها ببطء وتمتمت: ندى! أمي انت بخير، حمدا لله! حاولت ندى إسناد والدتها فقال آدم: دعيني أساعدك، يمكنني حملها .. نظرت ندى بحدة إلى آدم فقال آدم: إنها مثل أمي .. ابتعدت ندى فحمل آدم السيدة نهى بصعوبة وساعدته ندى على حملها ثم دخلا إلى المنزل ووضعها آدم على أقرب أريكة في الردهة .. أحضرت ندى غطاءا من الأعلى ووضعته على والدتها فقال آدم وهو يخرج من المنزل: يسرني أنها بخير .. كان آدم مرهقا جدا وسلم ندى مفاتيح السيارة فقالت: ألن تخبرني ما الذي حدث؟ إنه مجرد حادث بسيط،، و .. كانت هنالك .. شجرة ضخمة اعترضت طريقنا.. ثم أشار إلى ملابسه وقال: لم استطع إزاحتها، وبحثت عن طريق آخر ولذا تأخرنا .. ابتسمت ندى وقالت: لقد تحملت المسؤولية إذا .. ابتسم آدم وقال بعجلة من أمره: لست شجاعا جدا إذا ظننت ذلك ،، لقد ارتعبت على والدتك!! حمدا لله أن هذا الأمر مر على خير .. إلى اللقاء .. قالت ندى : حسنا .. مع أنه من المفترض أن أدعوك لترتاح قليلا و... قاطعها: لن أوافق ،، لا بد أن عائلتي قلقة عليّ .. إلى اللقاء .. حسنا كما تشاء ،، إلى اللقاء .. انصرف آدم وأغلقت ندى خلفه الباب،، ابتسمت للحظة وهي تفكر فيه،، إنه حقاً شاب مميز .. انتبهت فجأة فركضت عائدة إلى والدتها ورفعت سماعة الهاتف لتحدث والدها وتطمئنه على عودة أمها متوعكة لكنها سالمة ... السياج الأخضر عاد آدم إلى المنزل مرهقا،، فتح السيد أيمن الباب وحدج آدم بنظرة قاسية ثم قال: ادخل .. دخل آدم ووقف، لم يفكر ماذا سيقول أو كيف سيبرر موقفه، وخاصة أن مهمته باءت بالفشل .. فزعت السيدة نوال وهتفت : ما الذي جرى لك بني ... ؟؟؟ قاطعها السيد أيمن: نوال من فضلك!! دعينا الآن .. بقيت السيدة نوال تنظر بقلق ودخلت شروق وهي تختلس النظرات من خلف الباب وياسر يقف خلفها .. قال السيد أيمن بصرامة : أين كنت؟؟ ولماذا كذبت علينا .. نظر آدم حوله،، كان مرهقا جدا، كأن المكان يلتف ويدور حول رأسه وقال محاولا الاعتذار: لم أقصد الكذب عليك يا أبي .. كنت أعلم أنني لو أخبرت فإنك لن توافق علـ ... توقف آدم عن الكلام فجأة وهو يشعر بالدوار فاختل توازنه واستند على الجدار .. وقفت السيدة نوال بسرعة وأمسكت به وهي تقول بهلع : أيمن إنه ليس بخير ...!! حاول السيد أيمن أن يكون قاسيا ولكنه لم يستطع وأمسك بذراع آدم الذي بدا تائها في عالم آخر، وأسنداه حتى سريره ... أغمض آدم عينيه ورأى نفسه يركض ويركض .. اقترب آدم كثيرا من الأشجار الملتفة شاهد شخصا هناك يعطيه ظهره،، إنه يقف أمام السياج الأخضر،، توقف آدم ينظر إلى ذلك الشخص .. التفت الشخص إليه، كان شاباً وسيما يبدو هادئا جدا .. قال بهدوء ولصوته صدى غريب: مرحبا يا آدم الصغير .. إنه أنا .. خالك، لقد كبرت وأصبحت شابا رائعا .. ظل آدم مبهورا ولم يقل شيئا وسمعا صوت صهيل،، له ذلك الصدى وكأنهم يقفون في مربع فراغ ،، اقترب من بعيد حصان بني يحمل علامة بيضاء على جبهته ،، ركض حتى توقف وأمسك آدم الكبير بلجامه وتحسس رأسه بحنان وهو يقول: وهذا جوادي،، سريع .. إنه اسم على مسمى .. ما رأيك فيه؟ تمتم آدم الصغير بتلكؤ: إنـ .. إنه رائع!! انحنى آدم الكبير على الأرض وقال وهو يمسك بشيء ما: هذا الشيء مضى على وجوده هنا أكثر من ثمانية عشر عاماً ،، إنه مفقود..
__________________ الى اللقاء |
#5
| ||
| ||
ثم اعتدل وهو يمسك بعلبة صغيرة مغطاة بالأتربة والحشائش وتابع: طلبت من منى أن توصله لأيمن،، ولكن يبدو أنها نسيت .. اسمع يا آدم الصغير،، لا تتخلى عن والدتك يوما ما .. هل تسمعني .. ثم .. تخلص من ذلك الشيء بأي طريقه .. ظل آدم ينظر بدهشة وعرف مكان العلبة جيدا فهي مدفونة بالقرب من السياج ،، وردد آدم الكبير: هل تسمعني يا آدم الصغير؟؟ رفع آدم عينيه لينظر إلى خاله ولكنه لم يجده .. لقد اختفى .. *********** فتح آدم عينيه مفزوعاً، كان النهار قد طلع،، ونظر آدم حوله فوجد نفسه في غرفته .. لقد كان يحلم،، ابتسم آدم لأنه رأى خاله لأول مرة في حياته .. إنه يتذكره جيدا فقد كان حلما واضحا .. قبل أن ينهض آدم تشنج في مكانه وهو يتذكر شيئا .. الحصان .. الحصان الذي دله على الطريق بشكل غير مباشر، لم يكن حصانا برياً، كان حصانا بنياً لديه علامة بيضاء جميلة على جبهته .. الأهم من ذلك .. كان لديه سرج ولجام،، إنه ملك لشخص ما،، إنه حتما سريع .. قال آدم يحدث نفسه كالمجنون: يجب أن أكف عن التفكير في ذلك حتى لا أجن!!! نظر إلى نفسه وملابسه المتسخة بقرف ثم دخل ليأخذ حماماً ،، كان عليه أن يستعد للاستجواب الذي سيعرض له بعد قليل .. خرج آدم نظيفا، ويشعر بالقليل من البرد وقابل شروق أولا التي تساءلت بقلق: آدم .. هل أنت بخير؟؟ أجل يا عزيزتي! لقد قلقت عليك أين كنت ..؟ ستسمعين القصة كلها الآن .. في الاستجواب الصباحي .. ضحكت شروق وسارت خلف آدم حتى وصلا إلى غرفة المعيشة الكبيرة،، كان السيد أيمن يجلس بمفرده وقال آدم بحيوية : صباح الخير يا أبي؟؟ نظر السيد أيمن وبدا حزينا ولم يرد فجثا أمام والده على ركبتيه وقال: سأحكي لك الآن ما حدث معي،، لأن ذلك بدأ منذ العام الماضي .. بدأ آدم يحكي ذلك للسيد أيمن،، كان السيد أيمن مشدودا ومتعجبا وهو يسمع ذلك،، لم يسمح لآدم طوال سنين أن يبحث عن شيء أو يعرف أي شيء يتعلق بوالديه أو بخاله حتى لا يؤثر ذلك عليه .. وقد جاء الوقت الذي خرج فيه آدم عن السيطرة .. انضمت السيدة نوال إلى القصة وكانت شروق موجودة من قبل .. لم يحك آدم التفاصيل، أو الأحلام أو ما لاحظه واكتشفه،، اكتفى فقط بسرد القصة ببساطة وبنصف أضرارها وأحداثها فقط .. قال السيد أيمن بقلق: آدم يا بني أرجوك، لا داعي لكل هذا، لقد مضت تلك القصة وانتهى عهدها منذ زمن ... الغابة خطيرة، وأنت أدركت ذلك جيدا ... أجاب آدم ... بعد فترة صمت قصيرة: أجل يا أبي، فقط ، .. كان لدي شوق لمعرفة ما جرى، وتلك المرة أحببت رؤية صورة أمي .. ابتسمت السيدة نوال بحزن فقال آدم: لم أعد بحاجة إلى ذلك الآن .. فأنا هنا بينكم .. وقف السيد أيمن وربت على ظهر ابنه وعلى شفتيه ابتسامة مطمئنة... ************ مر يومين بطيئين ومملين كالعادة، كانت شروق ترمي نكاتها على آدم وتضايقه طوال الوقت أما ياسر فكان مشغولا بدراسة الحروف الأبجدية والكلمات وبدا أنه فتى مجتهد من صغره ... توجه آدم إلى أقرب هاتف عام وطلب الرقم،، بعد سماعه رنين الانتظار سمع صوت ندى التي أجابت: من المتصل؟ مرحبا.. أنا آدم ... من؟ آدم؟ من أنت؟ آه .. حسنا، أنا الشخص الذي أحضر والدتك منذ يومين، كنت فقط أود الاطمئنان على صحتها.. تغيرت نبرة صوت ندى وقالت بلطف: مرحبا آدم، لم أكن أعرف اسمك .. أمي .. إنها بخير، كانت تسأل عنك .. حسنا أبلغيها سلامي الحــار، وأخبريها أني آسف على كل شيء .. سأخبرها، عليك أن تذهب لزيارتها مجددا فقد كانت تبحث عنك .. سأفعل.. حسنا يا آدم يسرني التعرف إليك.. وأنا أيضاً . إلى اللقاء. إلى اللقاء. شعر آدم بالارتياح بعد أن اطمأن على السيدة نهى، وعاد إلى منزله مجددا، مضى يومين آخرين وآدم وشروق يتنافسان في لعبة على جهاز الألعاب الالكترونية ،، كانت شروق تفوز دائما لأنها معتادة على اللعب أكثر من آدم.. كان يمتلك روحا رياضية لكن شروق كانت على عكسه تماما فعندما تخسر مرة لا يعوضها أي شيء عن ضرب آدم بقوة وركله وكان آدم يضحك عليها دائما ويسخر منها ويغيظها ... فجأة ارتفع رنين الهاتف وانطلق ياسر كالعادة وهو يصيح: أنا سأجيب! تكلم آدم وشروق في نفس الوقت قائلين وهما يمسكان بأذرع التحكم في اللعبة: نعرف! وأردفت شروق وهي تركز على اللعبة : أنت من يجيب ومن يفتح الباب دائما ..لا أحد ينافسك في هذا! أجاب ياسر ثم وضع سمـّاعة الهاتف، وصاح: إنه أسامة! ترك آدم الذراع الالكترونية وركض وهو يصيح: لا تغشي! أوقفت شروق اللعبة بعد أن ركلت لاعب آدم ركلتين قاضيتين وانتظرت،، أما آدم فقد ركض نحو الهاتف والتقط السماعة من يد ياسر وقال مسرعا: مرحبا أسامة! أهلا آدم، لقد اشتقت إليك! أنا أيضا أيها الفالح! هاهاهاهاها، شكرا، ما أخبار النتائج؟ قبلت في أي جامعة؟! أطمئن لم تظهر بعد ... هذا جيد .. هيه أسامة! متى سترجع مع أن الحياة حلوة من بعدك! آهآآ هكذا إذاً؟ سأرجع اليوم حتى تصبح الحياة مرة في عينك! لاأأ .. أسألك فعلا! لماذا؟ هل اشتقت إليّ إلى هذا الحد؟ لدي مغامرة أحكيها لك عن الغابة المحرمة .. هل تمزح؟ لا صدقني ... حسنا أمامي أسبوعا واحدا .. وسآتي لأريك !! كيف تجرؤ على القيام بمغامرات وأنا لست معك!؟ لن انتظرك يا صاح! انت من سافر وليس أنا ... سأريك! صدقني! هذا رائع سأنتظر هاتفا منك تخبرني فيه أنك عدت.. مستعد لك! احذر أن تضل طريق العودة! مستحيل! تعجبني ثقتك! مجنون! سأنتظرك! موافق .. أراك لا حقا! إلى اللقاء . انتهت المكالمة بين الصديقين وعاد آدم إلى شروق ونظر في الشاشة إلى خط حياته الذي هبط للحضيض قائلا بدهشة وشروق تبتسم بمكر: لقد غششت يا فتاة!!! السياج الأخضر بعد امتحانات القبول للجامعة، كان أسامة وآدم يتشاجران على اختيار الجامعة، كتب آدم الهندسة فمزق أسامة الورقة ... صاح آدم بضجر: انت أيها المشاغب!! دعني أركز ..!! تمتم أسامة وهو يبتسم ابتسامة شريرة: لا داعي للتفكير،، لقد قررت وأنت ستقرر ما أقرره أيها الذكي .. نظر آدم إلى الورقة التي يدون فيها أفكاره وقال بلا اهتمام: ماذا قررت يا صاح؟ صاح ، صـاح!!! ما حكايتك؟؟ ماذا لو كنت نائما مثلا!! ابتسم آدم وقال: تبدو صاحيا! وعيناك مفتوحتان كالدينار الفضي القديم! ضحك أسامة بعفوية وقال بحماس زائد: ولهذا سننضم أنا وأنت إلى جامعة المغامرين، الأقوياء، سننضم إلى المسيطرين الذي يدفعون حياتهم فداءا لأرواحهم أحيانا .. و .. قاطعه آدم قائلا بسخرية: أنت تحلم بأن تصبح معلما طبيبا كيميائيا فيزيائيا ميكانيكيا مهندسا منذ كنت تعد على أصابعك! من الجيد أن تجد جامعة تحتوي كل هذا دفعة واحدة ... صمت أسامة وقال بجدية: إنها كلية الشرطة يا عزيزي! الشرطة! ضحك آدم ساخرا وقال: تريدني أن أصبح شرطيا بعد كل تلك السنوات في الدراسة!! سنكون ضابطين قويين وتحت أمرتنا جنود، وجيش ... أنت تحلم! أنا جاد يا آدم! حسنا إذن ... أدخلها وحدك فأنت لن تتحكم في أفكاري! سأقبض عليك! لن تستطيع! بلى! توقف الاثنان فجأة عن ذلك الشجار الذي لا يحمل أي معنى وتمتم آدم قائلا: هل أنت جاد؟ أجل، أريد أن أصبح ضابطا! صمت آدم للحظة وقال وهو يستند بظهره ليريحه على الأريكة: لن أكذب عليك إن قلت لك أنني فكرت في ذلك كثيرا، سيكون لدينا مؤهلات لان ندخل مواقع محظورة على الآخرين! مثل الغابة المحرمة .. أو التحقيق في قضايا أغلقت .. أسند أسامة ظهره أيضا بجانب آدم وقال: سنكشف الخبايا ونقبض على المجرمين! سنحل الألغاز وستكون كلمتنا مسموعة، سنصبح شخصين مهمين جدا! أجل يا آدم! وسنكون ضابطين وسيمين جدا! ضحك آدم باستخفاف وقال: هذه المعلومة ليست صحيحة جدا! من الواضح أنك تأخذ فكرة خاطئة عن نفسك! وعنك أيضا! ********* مضت ستة أشهر طويلة،، ندم فيها أسامة وآدم على ذلك القرار الفظيع الذي اتخذاه معا في لحظة طيش كما كانوا يسمونها،، فهم في جولات ميدانية يتدربان طوال الوقت أو إنهما يدرسان استراتيجيات صعبة ... كان الضباط، قاسين جدا على الطلاب المبتدأين .. وضجر أسامة من ذلك وقال وهو يأخذ حماما ويصرخ من داخل الحمام: ما الذي أصابني بالجنون وجعلني أفكر في السيطرة! عاااااه!!! الجميع يسيطر عليّ هنا!! ضحك آدم الذي كان يجلس في الغرفة وهتف بصوت مرهق: لقد كانت فكرتك السوداء يا حضرة الملازم! ظل أسامة يصرخ ويقول: سأقطع جلدي من الغيظ!! الصابون لا يقطع الجلد! سأقطعه بأظافري!! عاد أسامة إلى الصراخ فقال آدم: الصراخ في دورات المياه لا يعود بنتيجة إيجابية حتما! كف عن هذا!! خرج آدم مرهقا بسترته العسكرية يسير في إحدى الحدائق ويحاول أن يخلو بنفسه مثل السابق، لم يعد يستطيع فعل ذلك بعد أن تسارع رتم حياته بتلك الجامعة الصعبة والمرهقة جدا! أمسك بقبعته وظل يطوحها في الهواء ويمسك بها قبل أن تسقط،، كان آدم وسيما جدا في تلك السترة العسكرية البيضاء ، هبت نسمة هواء قوية فطارت القبعة ولم تسقط رأسا، ركض آدم خلفها ولكن شخصا ما امسكها عندما اصطدمت بمقدمة حذاءه .. رفع آدم عينيه، كانت فتاة جميلة رقيقة، لكنه كان يعرفها .. لقد رآها من قبل .. ابتسم آدم وهو يلتقط القبعة بخجل وقالت الفتاة: مرحبا يا آدم، أنت رائع بهذه السترة! شششـ .. شكرا يا ندى.. من الجيد أنك مازلت تتذكر اسمي ..! ابتسم آدم وقال بارتباك: بالتأكيد أتذكره، فـ ... من الصعب نسيانك! ضحكت ندى برقة وقالت: لم تعلم كم بحثنا عنك طوال العام الماضي،، لقد سألت عنك أمي كثيرا! حقا؟ لكن .. لماذا؟ لقد نسيت شيئا مهما عندنا .. صمت آدم للحظات ثم قال: وما هو؟ إنه ألبوم صور عائلتك.. لقد وجدناه أسفل المقاعد الخلفية، لقد بحثت أمي عنك حتى تعيده إليك .. وقف آدم وقد اختلط شعوره بين الفرحة والانبهار والإثارة ولم يستطع قول أي شيء .. ابتسمت ندى وقالت: أظن أنك مازلت تذكر طريق منزلنا، أم ماذا؟ بـ .. بالتأكيد .. حسنا إذا، سنراك قريبا؟ إن شاء الله! ابتسمت ندى مجددا وقالت بلطف: إذا سمحت لي بمديحك، فأنت تبدو رائعا، لم أتخيل أنك ستصبح ضابطا! قال آدم مازحا وهو يحاول أن يخفي خجله: أحاول أن أثبت نفسي! ثم انتبه آدم وقال: آآه! لم أسألك عن جامعتك .. أنت بالجامعة أليس كذلك؟ أجل، سوف أصبح كيميائية قريباً، بعد فترة مدتها أربع سنوات! ضحك آدم بعد الدعابة التي أطلقتها ندى وقال آدم: أتمنى لك التوفيق، وأبلغي سلامي إلى والدك ووالدتك! حسنا يا آدم! إلى اللقاء إذا! لوحت بيدها ثم استدارت وابتعدت، وظل آدم يراقبها وهي تبتعد وفي عينيه بدت نظرة إعجاب، كانت ندى فتاة رشيقة وجميلة، لديها شعر بني قصير وعينان واسعتان داكنتان،، إنها رقيقة بقدر ما هي قوية ... في إجازة نهاية الأسبوع، اتصل آدم بالسيدة نهى حتى يمكنه أخذ ميعاد معها، أجابت ندى على هاتف والدتها وقالت: مرحبا؟ مرحبا .. أنا آدم! آه أجل، كيف حالك؟ إنني بخير .. من الجيد أن أسمع صوتك بسرعة ... أنت تخجلينني بهذا الكلام .. حسنا لحظة واحدة وسوف تكون أمي معك! انتظر آدم لحظات على سمـّاعة الهاتف وبعد قليل سمع صوت السيدة نهى العميق: مرحبا يا آدم! ألم أقل لك إنني أراك مرة كل عام!! أنا آسف جدا، لم أرد أن أكون شخصا ثقيلا .. حسنا، ماذا إذا كنت أود رؤيتك؟ اختفيت كالطيف، كما ظهرت!! لقد كنت بدأت أظن أنك شبح .. ضحك آدم وقال بتهذيب: أنا آسف جدا، لا أحب أن أفرض نفسي على الآخرين، وخصوصا إذا تسببت لهم في مشاكل كفاية! قالت السيدة نهى بعتاب: أنت أكثر من شخص عادي، أنت مثل أولادي يا آدم! شكرا سيدتي .. متى ستأتي لأخذ ألبوم صورك؟ في أي وقت تشائين .. حسنا يا عزيزي، سأنتظرك يوم الجمعة .. بعد انتهاء المحادثة، تمدد آدم على الأريكة قليلا، وبعد قليل سمع بكاء شروق وهي تصيح بحدة وتقول شيئا وقف آدم واتجه إلى غرفتها ثم أنصت من خلف الباب المغلق فسمعها تتشاجر وتبكي والسيدة نوال تقول: هذا يكفي، إن هذا لمصلحتك! صاحت شروق مجددا: لكنني لا أريد ذلك!! لا أرييييييد!! لن أناقش هذا الأمر معك مجددا، هل سمعت! طرق آدم الباب بهدوء فتوقفتا عن الكلام وقالت السيدة نوال: تفضل! دخل آدم وعلى وجهه ابتسامة هادئة، وشاهد شروق تبكي فقال وهو ينظر إلى السيدة نوال: أمي؟ ما الأمر؟ بدت السيدة نوال متضايقة وتركت الغرفة وخرجت , فنظر آدم تلقائيا نحو شروق وقال: ما الأمر؟؟ أخبريني.. التقطت شروق أنفاسها وكفكفت دموعها وقالت بحزن: أبي وأمي يريدان أن أنضم إلى المدرسة الداخلية لأنها أفضل من المدارس الأخرى .. ابتسم آدم وهو يجلس إلى جانبها وقال: أنت قلتها بنفسك، إنها الأفضل! أجابت شروق بانفعال: أعلم ولكنني سأكون بعيدة عن المنزل طوال الأيام كلها!! لا أريد أن أبقى هناك! ضم آدم شروق بحنان وقال وهو يمسح على شعرها : ستكون فترة مؤقتة، أما والداي فإنهما لن يفعلا شيئا إلا إذا كان في صالحك، لقد كبرت الآن وأريدك أن تتقبلي الأمر بهدوء وتكملي المرحلة المتوسطة بلا تذمر فأمامك عام واحد جديد .. وبعدها ستكونين في المرحلة الثانوية وتصبحي شابة جميلة ... ظلت شروق معانقة آدم وقالت وعينيها تترقرق بالدموع مجددا: آدم .. ماذا؟ لقد حلمت بأنك تموت وكنت لا أستطيع إنقاذك .. كنت محبوسة داخل المدرسة الداخلية وأراك من خلال زجاج النافذة ... أفلت آدم شروق ونظر لوجهها دقيقة ثم قال باستنكار: لا تخافي، إنه مجـرد حلم سيء! لقد حلمت به مرات كثيرة .. مسح دمعة تسللت على خدها ثم ابتسم وقال: يقولون، إذا حلمت بشخص يموت فاعلم أن عمره طويل! ابتسمت شروق أيضا وقالت: أتمنى ذلك يا أخي الحبيب! السياج الأخضر استيقظ آدم صباح الجمعة بنشاط يدفعه التشوق والأمل ... عند الساعة الرابعة مساء، كان آدم يطرق باب السيدة نهى،، واستقبلته استقبالا حافلا مع بعض ضربات التأنيب على كتفه وهي تقول: لقد تنازل حضرة الضابط وجاء إلى بيتنا أخيرا ... كان آدم سعيدا جدا وقال: خشيت أن أكون شخصا مملا .. حقا؟؟ كدنا نصبح عائلة، وخاصة بعد أن تشاركنا معا أوقاتا عصيبة!! الحق معكِ يا سيدتي .. خرجت السيدة نهى من الغرفة وهي تقول: سأتأخر لدقائق وحسب .. بدا آدم متشوقاً جداً لرؤية صور والديه ... وعادت السيدة نهى سريعا وهي تحمل الألبوم الكبير وقالت باسمة: لقد نظفته ندى بعناية! اشكريها بالنيابة عني .. موافقة، مع أن ذلك حدث منذ فترة طويلة .. ابتسم آدم وجلست السيدة نهى إلى جواره ثم سلمته ألبوم الصور بهدوء .. تساءل آدم في نفسه وهو يهتز: " لماذا أرتجف!!" فتح آدم الألبوم بعد برهة قصيرة من التردد ... نظر في الصورة الأولى بعناية وكانت باللونين الأبيض والأسود، كانت لفتاة صغيرة جميلة وإلى جانبها فتى يصغرها سنا،، وكانا في حوالي السادسة والثامنة من العمر وقالت السيدة نهى: إنها والدتك .. وخالك آدم، قبل حادثة وضع الشيء أيا كان في صدره طبعا .. نظر آدم إلى الصورة الأخرى كانت ملونة، وهي لشابة في العشرينات، وكأنه رآها من قبل وقالت السيدة نهى: إنها والدتك عندما كنـّا معا بالجامعة .. تمتم آدم: كأنني رأيتها من قبل .. قلب آدم صفحات الألبوم وشاهد والدته تحمله،، كان صغيرا جدا، ربما في شهوره الأولى تذكر تلك النظرة جيدا في عينيها وتلك الابتسامة فانتفض فجأة مذعورا وسقط الألبوم مقلوبا على الأرض .. وضعت السيدة نهى يدها على قلبها مفزوعة بالمثل وهي تنظر إلى آدم الذي يلتقط أنفاسه بصعوبة وقال وقد تقارب حاجبيه وبدا متأثرا جدا: إنها أمي ... أجل .. ربتت السيدة نهى على كتفه بهدوء وقالت: نعم .. إنها والدتك .. تأزم وضع آدم وصاحت السيدة نهى: ندى، احضري كوبا من الماء بسرعة يا ابنتي .. دمعت عينا آدم وتمتم بصعوبة: لقد قابلتها، إنها شبح .. قالت السيدة نهى: ما هذا الكلام يا آدم؟ .. لا تزعج نفسك .. أعرف كم هو من الصعب فقـ .. قبل أن تكمل السيدة نهى لاحظت أن آدم يتابع التحدث وهو ينظر أمامه بعينين زائغتين تنظران في كل الاتجاهات وكأنه يرى شيئا وكان يقول: إنها السيدة في الكوخ .. لقد استضافتنا .. أنا وأسامة .. , و .. و .. حضرت ندى بسرعة وهي تمسك بإبريق زجاجي مملوء بالماء، وكوب وجلست إلى جوار والدتها وقالت مستاءة وهي تنظر إلى وجه آدم: ما به؟؟ أخذت السيدة نهى كوب الماء وقربته من آدم وهي تقول: آدم، هيا اشرب يا عزيزي انت متوعك ... كان آدم يقول وهو في نفس الحال وقد و اغرورقت عيناه بالدموع: لقد كذبت عليّ ، قالت لي ... إن اسمها السيدة أمل ..!!! قالت السيدة نهى وهي تعيد الكوب إلى ابنتها كما هو : متى حصل ذلك يا آدم ..؟؟ منذ عامـ .. عامين تقريبا .. وأين رأيتها؟؟ اتسعت عينا آدم ونظر أمامه، كان يرى نظره يسير مسرعا مقتربا من السياج الأخضر وقال: عند السياج، السياج الأخضر ... شعرت السيدة نهى بألم آدم الكبير وقالت وهي لا تفهم شيئا: أرجوك أهدأ يا بني!ّ أغمض آدم عينيه فجأة وهو منتصب الجلسة وآثرت السيدة نهى الصمت فهمست ندى: ما الذي حصل له!! كان على ما يرام عندما وصل ..؟ نظرت السيدة نهى إلى ابنتها وقالت بصوت منخفض: ومتى رأيته عندما وصل ؟ عضت ندى شفتها السفلى بخيبة أمل بعد أن كشفت والدتها أمر التجسس وقالت : لقد خمنت هذا! فتح آدم عينيه والتقط الألبوم من على الأرض وهو يقول بلهجة اعتذار: آسف جدا، لقد تخيلت أشياء غريبة .. لا بأس يا بني .. نظر آدم إلى السيدة نهى فشاهد ندى تجلس إلى جوار والدتها فصمت وهو ينظر إليها، كانت ندى مبتسمة وقالت: مرحبا آدم! مرحبا .. آسف، لم ألاحظ وجودك! ابتسم آدم ولاحظت الأم تلك النظرات فقالت بسرعة : أكملي عملك يا ندى بسرعة .. هيا .. فهمت ندى ذلك وابتسمت ثم وقفت وخرجت من الغرفة بينما كان آدم يتابعها بنظراته ثم انتبه وقال: هل تخبرينني عن باقي الصور؟ بالتأكيد .. بدأ آدم بمتابعة الصور من جديد، وفي الصفحة الثانية، صادفته صورة والده، فتمتم: يوسف ... أجل إنه والدك، لقد عرفته من تلقاء نفسك، إنك تشبهه كثيرا .. عدا بعض الأشياء التي ورثتها عن والدتك وخالك آدم .. لم يسمع آدم ما قالته السيدة نهى وظل محدقا بالصورة لثوان وهو يتذكر الشاب صاحب الشعلة في الليل .. لقد كان والده .. نزلت دمعة من عينيه وسقطت على الصورة وقال: لم أعرف ذلك أبدا .. حزنت السيدة نهى وهي تنظر إلى وجهه وقالت: بلى أنت تشبهه حقا .. ثم انتبه إلى يده اليسرى وقال في نفسه: " لقد استعاد خاتم زواجه ... ولكنه ترك لي ألبوم الصور، ولو لم يظهر في ذلك الوقت، لكنت مت من الخوف واعتراني اليأس ... " بدأ آدم يتصفح باقي الصور وتعرف إلى جده وجدته وبعض من عائلته التي توفى جميع أفرادها .. وشاهد صورة لخاله آدم مع السيد أيمن .. كان أيمن شابا مبتسما وممتلئا بالحيوية بينما كان آدم صامتا نحيلا وفي عينيه نظرة غريبة، لا حظ آدم تلك النظرة الغريبة وكانت عيناه تلمعان بشدة وقال آدم وهو يحك الصورة بأصبعه برفق: ما هذا؟ إنها تلمع .. ابتسمت السيدة نهى وقالت: لاحظت ذلك .. أخرج آدم الصورة من خلف العازل البلاستيكي ووضع يده على وجه خاله آدم وهو يقول: ظننت أنه انعكاس ضوء ما من هنا .. لا، ربما انعكس وميض آلة التصوير على عينيه .. رفع آدم إصبعه من فوق وجه خاله وهمّ بإعادة الصورة إلى مكانها ولكن وجه خاله في تلك اللحظة كان قد اختفى تماما وكأن شخصا ما قام بكشط الصورة .. فزع آدم وسقط الألبوم مجددا من يده ووقف قائلا: ما هذا .. أنا لم أفعل شيئا!! م .. ما الـ ..!! كانت السيدة نهى تشعر بفزع مماثل ولكنها حاولت التماسك وقالت: لا بأس إنها صورة قديمة بأي حال بني! هز آدم رأسه نفيا وقال: لا يمكن، هناك شيء ما يحصل معي .. أهدأ يا بني .. حاول آدم الحفاظ على رباطة جأشه وحمل ألبوم الصور بعد أن أدخل صورة خاله والسيد أيمن وقال : سأذهب الآن .. لكنك لم تكمل ما تبقى من الصور .. على الأقل أمسيت أعرفهم!! نظرت السيدة نهى بقلق إلى نظرات آدم الشاردة وقالت: هل أنت بخير يا آدم، أنا قلقة بشأنك .. قال آدم وهو يضم الألبوم إلى صدره بيده اليسرى ويمسح عينيه بيده اليمنى: أنا على ما يرام .. آمل ذلك .. إلى اللقاء سيدة نهى، وآسف على كل ما سببته لك من متاعب .. قالت السيدة نهى بحنان: آدم، لو كنت تعتبرني والدتك حقا، لما قلت ذلك، صدقني أنا أحبك مثل أبنتي ندى وأكثر .. تعرف أنني لم أرزق بالصبية واعتبرك ابني .. أشكرك يا سيدتي .. ستطمئن على والدتك نهى إذا؟ أم إنك لن تسأل عنها حتى العام المقبل؟ سأفعل .. أوصلت السيدة نهى آدم حتى بوابة المنزل وركب آدم سيارته ثم ألقى التحية العسكرية للسيدة نهى مبتسما وانطلق .. دمعت عينا السيدة نهى وهي تودعه واكتشفت أن آدم كان يمتلك قلوب المحيطين به دائما، ومن أول نظرة .. وكانت ندى تراقب آدم وهو يبتعد من نافذة غرفتها ثم ابتسمت وهمست لنفسها: بالتوفيق آدم! ******** عاد آدم إلى المنزل مرهقا، بدا ذلك على عينيه ونظرت شروق إليه ولم تقل شيئا .. دخل إلى غرفته ووضع ألبوم الصور أمامه وهو ينظر بتثاقل ... أعاد مشاهدة الصور مجددا، ثم بدأ رؤية الصور الجديدة .. كانت هناك صور أخرى لخاله آدم وكل الصور بها لمعة في عينيه ، بدا فيها حزينا ومتألما على الرغم من الابتسامة التي يرسمها على شفتيه .. وكانت آخر صورة لخاله آدم يقف في مكان جميل، وهو يمسك بلجام حصانه البني "سريع" وكان هناك بروز عليها فعلم آدم أن هناك شيئا كتب خلفها ولذلك فقد أخرجها ونظر خلفها وقرا: بحيرتي ( وشاح الأمل الأزرق) للذكرى الخالدة. عاد آدم ونظر في الصورة جيدا ثم أدرك شيئا واحدا فقط .. أن خاله يقف في تلك الصورة مكان السياج الأخضر،، وخلفه تبدو بحيرة الغابة المحرمة .. اكتشف آدم أن هناك علاقة لخاله آدم بهذا المكان، وكل ما حدث .. كان محاولة ما، من شخص ما .. لكي يكتشف آدم السر وراء كل ما حصل،، وكل ما تسبب في مقتل والديه، وموت خاله .. يجب أن يثأر لهما .. كان على آدم في تلك اللحظة أن يجمع أفكاره وأن يقرر .. وكان القرار حاسما ... جدا ... السياج الأخضر في صباح اليوم التالي كان آدم في كلية الشرطة ولكنه كان مشتت الذهن على غير العادة،، وفي المحاضرة الفنية ،، لم يستطع التركيز .. كان يتساءل في قلبه .. هل يخبر أسامة .. أم لا؟ بعد انتهاء المحاضرة سار أسامة بجانب آدم – التائه- تقريباً وقال: مرحبا يا صاح!! كيف كانت عطلتك؟؟ نظر آدم إلى وجه أسامة لثوان ثم قال: كانت مرعبة، ومخيفة أكثر مما تتخيل!! ******** أنهى أسامة تصفح ألبوم الصور ونظر إلى وجه آدم وهو يقول بخوف: هل حقا حدث ما تحكيه عن صورة خالك؟ أتعني أن وجهه كان موجودا هنا عندما رأيته؟؟ نعم .. صدقني .. أمسك آدم الألبوم وقام بتصفح بعض الصور ثم توقف عند إحداهن وقال: أسامة أنظر إلى المكان الذي يقف فيه خالي آدم .. نظر أسامة جيدا ثم قال بعد برهة : إنه المكان الذي كان به السياج الأخضر .. وكوخ السيدة "أمل" التي اتضح فيما بعد بأنها شبح وأنه لا "أمل" لنا ألبته .. قال آدم بحزن: إنه شبح أمي بأي حال ... ضغط أسامة بيده على كتف آدم مواسيا ثم قال: آدم، ماذا يريدون منك؟؟ أخرج آدم من جيبه ورقة وسلمها لأسامة وهو يقول: هذا كل ما حصل معي وما رأيته، وحتى ما حلمت به ... حاولت جمعه وتدوينه في ورقة علي اكتشف شيئا أو أربط أحداثا ببعضها ... فتح أسامة الورقة وقال وهو يلقي نظرة: ما هذه الورقة الكئيبة!! قال آدم مدافعا: ما بك يا صاح! إنها رائعة لقد أهدتها شروق لي ذات يوم .. أهدتها لك فارغة؟ نعم .. هل ارتحت الآن .. لم أرتح .. خطك سيء جدا .. على الأقل واضح!! ليس مثل خطك فهو سيء ومبهم .. لن يهدأ لي بال حتى أتمكن من قراءة تلك الألغاز .. حسنا اقرأها حتى يهدأ قرارك! سأناقش ذلك معك يوما ما!
__________________ الى اللقاء |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
صياد ضد صياد (الصياد كليلوا ضد الصياد كورابيكا) | Anime 4 Ever | صور أنمي | 23 | 06-30-2014 09:40 AM |
صور ديكورات باللون الاخضر , مجموعه ديكورات باللون الاخضر منوعه 2013 | هبه العمر | إقتصاد منزلي | 1 | 09-05-2012 10:46 PM |
ديكورات اللون الاخضر 2013 , ادخال اللون الاخضر في ديكورات المنزل 2013 | هبه العمر | إقتصاد منزلي | 1 | 09-05-2012 10:42 PM |
عالم انمي باللون الاخضر لكل محبس اللون الاخضر@ | اميرة زغلول | صور أنمي | 6 | 09-02-2012 11:32 PM |
سحر السجاد +كيفية تنظيف السجاد+انواع السجاد+كيف تختار/ي السجاده | أشواق وحنين | إقتصاد منزلي | 9 | 04-23-2008 01:28 AM |