عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

Like Tree75Likes
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-02-2013, 10:21 AM
 
Cool الثلــ‘ـج الملطــ‘ـخ بالــدم \\ مشاركة بالمسابقة ,,, رومانس و ظلام و غموض











هذه الرواية مشاركتي في مسابقة أفضل رواية رومانسية ..
يا رب تكون بالمستوى المطلوب ,,
راح انزل عدد الفصل المكتوبة عندي دفعة واحدة عشان المسابقة ,,,,















[§]الثلــ‘ـج الملطــ‘ـخ بالــدم [§]




ملخص:
يجد زين نفسه أشبه بإنسان نصف حي !
غارقا في الإحساس الرهيب بالضياع و التفرد ...
يفتش عن إجابات ... بروح متخبطة ضائعة .. فاقدة لشخصها ، و هويتها!
روح مجهولة حتى لنفسها ، هكذا عاش زين السنوات الأخيرة من حياته ..
حتى جاء ذلك اليوم الذي كشف له عن أسرار .. و أقدار .. و مصير يقرر تفريقه عن الحب الوحيد الذي وجد طريقه لقلبه .. مصير لن يرغب به ... لكن هل يكون لديه الخيار عندما لا يعود جزءا من العالم الذي عاش فيه طيلة حياته ؟!









*يتبعـ .. الرجــأء عدم الرد ..


__________________




افتَقِدُني
music4

  #2  
قديم 01-02-2013, 10:26 AM
 
1


-1-



غرقت معالم الغرفة بالظلام ، الجو الغائم هذه الليلة جعل رؤية أي شيء خارج النافذة مستحيلا. كانت تمطر أيضا ، و لا شيء إلى جانب ومضات البرق السريعة التي تشق السماء الداكنة كان يساعد ذلك المصباح المكتبي الصغير على إنارة المكان.
بدا جسده جزءا من ذلك الظلام الذي يلفه ، و بثيابه السوداء كان لا يختلف كثيرا عن ظله الطويل الممتد على الجدار ، يتمايل مع كل حركة يبديها و يعكسها على نحو مبالغ فيه. وجهه فقط كان واضحا إلى حد كاف لتبين ملامحه ، انحناءت وجهه المتناسقة و أنفه المستقيم رسموا صورة ظل رائعة على الحائط بجانبه ، عيونه الزرقاء المنهكة كانت تلتمع بسبب انحناءه فوق الطاولة المكتبية قريبا من المصباح، و إن بدت رزقتها الغنية داكنة و ضبابية الآن ، ارتفع فوق حاجبيه المثاليين شعر حالك السواد تتلوى خصله الحريرية حول وجهه. لا تعبير مرتسم على ذلك الوجه الوسيم ، ليس بالأمر الغريب عنه. لم تكن هذه إحدى أفضل اللحظات بالنسبة لـ"زين سوينر" ، إنه الوقت حيث خطط للبدء بتلك الطقوس الخاصة به ، يحاول فيها التغلغل عميقا في ذاكرته ، و تجاوز تلك الأسوار المنيعة التي أقيمت دون أن
يعرف كيف أو لماذا حول ذكريات العام الضائع من حياته ، ذلك العام الذي قضاه في المجهول و لا يذكر عنه تفصيلا واحدا ، العام الذي يعده السبب في اختلافه عن الناس من حوله !
و كما اكتشف زين مؤخرا فإن جلوسه على هذا النحو محاطا بالظلام و السكون يغلفه ، قد ساعد ذهنه على استحضار لمحات صغيرة من ذكريات تلك السنة الغامضة ، اسم شارع غريب .. عنوان على شاخصة .. اسم شخص غير واضح الملامح ، ذلك كان كل ما استطاع التوصل اليه حتى الآن.
لكنه كان عازما على الاستمرار في المحاولة ، كان عليه أن يمسك بقلم كما يفعل الآن كي لا يفوته تدوين أي تفصيل صغير قد يقفز إلى ذهنه ، كما و كان عليه أيضا التركيز في آخر ذكرى لديه عن يوم اختفاءه.
ذهنه الغريب يذكر تفاصيل ذلك اليوم حتى نقطة بعينها ، كان ذلك قبل أربع سنوات ، و كان صغيرا آنذاك ، ارتفعت الحرارة أكثر من المعتاد في ذلك النهار الصيفي ، و عدا ذلك كان يوما عاديا تماما ، يذكر انه خرج من البيت قاصدا الشاطئ القريب ليسبح كما كانت عادته ، كان يسير قاطعا المسافة القصيرة نحو البحر و بعدها .... لا شيء ، تتوقف الصورة في عقله هنا ، لا يستطيع تذكر شيء بعدها مهما عصر دماغه في المحاولة.
إن الشيء التالي الذي يذكره هو استيقاظه في سريره في غرفته ، على صياح أمه و بكائها وهي تحتضنه بفرحة و عدم تصديق دون أن يستوعب هو أي شيء !
لقد قالت انه ظل مختفيا طيلة عام كامل و كانت مفاجأته كبيرة حين تيقن من صحة ذلك.
كان الأمر الأشد غرابة حتى من ظهوره المفاجئ ذاك هو جهله لمكانه خلال تلك الفترة ، بل عدم تذكره لأي تفصيل مهما كان صغيرا.
كان ذلك كفيلا بإصابة أي إنسان بارتباك و حيرة جنونيين. لم يكن أي من الأطباء الذين عرض عليهم ذوي عون حقيقي !
و الآن و بعد مضي سنوات على تلك الحادثة و تجاهله لها ، قرر زين اكتشاف لغز الماضي ذاك ، مدفوعا برغبته لمعرفة سر اختلافه عن الناس من حوله ، عل ذلك يمنحه إجابة شافية أو حلا لمشكلته الغريبة.
لكن فقط الآن و الرعد يقصف بقوة بينما ومضات البرق التي تلتمع من النافذة القريبة تعكس ظلالا مهيبة على وجهه ، بدا الوقت مثاليا لنوبة أخرى من _مشكلته الغريبة_ !
صوت زخات المطر و هي ترتطم بنافذة غرفته كان الصوت الوحيد الحقيقي في المنزل الفارغ ، إلى جانب دقات قلبه التي بدأت تخفق على نحو غير منتظم ، لكنه أيضا بدأ يسمع هسهسة لا وجود لها قادمة من بعيد ، و ها هي الأصوات الشبيهة بمزيج من الهمسات و هدير عجيب لا يمكن للمرء تبينه ترتفع في أذنيه و تغدو أوضح فأوضح
(لقد بدأت تلك النوبة اللعينة !)
أدرك "زين" بيأس و يده اليسرى ترتفع سريعا إلى رأسه متخللة شعره الكثيف ضاغطة عليه بقوة ، بينما يده الأخرى التي كانت تمسك القلم قد صنعت ثقبا في الورق أمامه. كان قد خطط _عالما أن لا جدوى من ذلك_ باشغال نفسه و ارهاقها طوال اليوم سواء في كتبه و واجباته المدرسية أو في نشاطات جسدية شاقة كالجري و السباحة ، عل التعب يمنع هذا الإحساس المخيف من الزحف اليه من جديد ، فذلك كان آخر ما يريده في جلسة استعادة الذكريات الضائعة هذه ، لكن هيهات !
(سحقا .. كلا !)
هتف من جديد و تلك الأصوات تملأ أذنيه صاخبة مرتفعة و كأنها صادرة من هذه الغرفة الصغيرة الخالية الا منه. كانت واضحة جدا و لو لم تكن أشبه بحديث عشرات الاشخاص في الوقت ذاته لكان بوسعه تبين الكلمات التي بدت كلغة لم يسمع بها هذا العالم ! لكن الإحساس المرافق لهذه الحالة التي يمر بها الآن قد بدأ و هو الأسوأ.
فراغ .. هوة .. ثقب عظيم كامن بصدره يحاول ابتلاعه ، و شيء ما مدفون عميقا في قاع تلك الهوة يتحرك محاولا الخروج ، يحاول أن يطفو إلى السطح مطالبا بمكانه لملء ذلك الفراغ ،
و كلما تحرك تناضل تلك الهوة بقوة عظيمة لابقائه حبيسا في قعرها .... صراع عجيب غامض الأطراف يدور في داخله ، يتركه مشتتا ضائعا في شعور بغيض أليم .... سيجن ! قبضت يد زين اليسرى على صدره هذه المرة لتضغط بقوة و كأنه يدفعها لأن تصل عميقا في صدره حيث ينبع هذا الإحساس الخانق لينتزعه خارجا.
زفر زين و أسند جبهته بطاولة الكتابة التي يجلس أمامها دون أن يعي يده الممسكة بالقلم التي استمرت ترسم خطوطا عشوائية على الورقة البيضاء و على سطح الطاولة حولها أيضا.
ظل على هذه الحال لفترة ، إنفرجت شفتاه و راح يتنفس بشكل مضطرب ، لايزال يسمع تلك الأصوات الهامسة و التي بدأ يميز فيها رنة عذاب من نوع ما ، إنها تبدو كأنين مستنزف من أرواح ما لكنها لا تشبه أي صوت بشري ... يا للبؤس و العذاب الذين تحدثهما تلك الأصوات !
مضى شهران و هو على هذه الحالة ، هو ليس مجنونا لكنه لا يعرف ما الذي يصيبه ؟ فلطالما كان بخير لا يشكو من شيء ، و مؤخرا فقط بدأت هذه النوبات الجنونية ، كانت تباغته مرة كل يومين أو ثلاث ، لكن المدة الزمنية الفاصلة بينها راحت تتقلص حتى أصبحت تنتابه أكثر من مرة في اليوم الواحد.

فكر زين كثيرا خلال الشهرين الماضيين انه بدأ يفقد صوابه ، خاصة فيما يتعلق بالأصوات ، فسماع ما لا وجود له ليس مؤشرا جيدا أبدا ! لكن الإحساس بذلك الصراع الدائر داخله لا يمكن أن يكون وهما ، انه حقيقي جدا ، و قوي جدا و لم يعرف زين إذا ما كان مؤلما أيضا ألما جسديا ، لكنه كان شيئا قاسيا ممزقا و لو كان الصراخ أو التوسل لإيقاف هذا العذاب مفيدا لكان يصرخ و يتوسل الآن ، لكنه لم ينطق حرفا أو يصدر أي صوت فقد كان يعرف أن ذلك سيكون دون جدوى.
ما كان زين قادرا على إخبار أحد عن ما يعاني منه ، فلطالما كان تواصله مع محيطه منعدما لسبب ما ، ناهيك عن عدم اكتراثه بهذا الوضع رغم صعوبته ، لم يكن مهتما في هذه اللحظة سوى في فك اللغز المحيط بغموض حياته و شخصيته !
كان إنسانا استثنائيا لا شيء في هذه الحياة يثير اهتمامه ، بل لا شيء يمكن أن يجعله يتفاعل معه كما الشخص العادي قد يفعل ، هو ليس شخصا عاديا .. هذه الحقيقة كانت تتضح في عينيه أكثر فأكثر حتى صار موقنا من صحة الأمر !خف ذلك العذاب الغامض شيئا فشيئا ، و بدأ زين يتنفس براحة و هو يحرك أصابع قبضته التي تيبست فوق صدره ، ثم رفع رأسه عن الطاولة ليتراجع و يسنده بظهر
مقعده ، عادت يده إلى جانبه تاركة تجعيدة كبيرة على
قميصه حيث كانت تقبض. لقد مرت ماذا ؟ عشرون دقيقة .. نصف ساعة و هو بهذه الحال ، لكنها بدت كدهر كامل. بدا وجهه الأبيض الوسيم شاحبا شحوب يكاد يوازي شحوب الموتى ، عب الهواء ملء رئتيه ثم راح يزفره ببطء. مما لا شك فيه أن تلك النوبات تصبح أشد عنفا في كل مرة ، و الراحة التي تعقبها رغم كل شيء تبقى غير كاملة ، فما تحرك داخله لايزال يهدر و يموج على نحو اهدأ فحسب ، اما الأصوات فقد تلاشت تماما ! أطلق زين تنهيدة عميقة و فكر لو أنه كان إنسانا عاديا لما تجاهل هذا الأمر أكثر من ذلك ، ففي أفضل الحالات قد تكون هذه بداية لمرض مقلق من نوع ما كما تشير اعراضه الشديدة ، لكن إحساسه تجاه تلك الأفكار القلقة منعدم تماما ، كحال أي أحاسيس قد تنتاب شخصا آخر في محله .. حدسه ينبئه بأن الأمر أكبر من ذلك بكثير ، ثم هناك هذا ... هذا الشيء الغامض الذي لا يستطيع وصفه ، هذه القوة القسرية التي تدفعه للابتعاد عن الآخرين ، أنها أيضا تمنعه من تجربة أي شعور طبيعي لفتى مثله ! فهو لا يعرف الغضب .. الحزن .. الفرح .. الخوف .. المرح و المتعة أو أي حالة شعورية يحس بها الإنسان !
حسنا .. هو كلما تعمق في الأمر اكتشف كم هو بعيد عن الإنسانية ، أقرب إلى الرجل الآلي !
اعتدل زين في جلسته فوقع بصره على الخطوط التي رسمها قلمه على الورق و على سطح الطاولة ، اتسعت عيناه بصدمة فتلك الخطوط كانت تشكل عبارتين واضحتين تتكرران مرارا ، و رغم خطه المشوه إلا انه كان بالإمكان قراءة "ساعدنا" و "نحن نموت" التي ملأت الورقة و سطح الطاولة بأحجام مختلفة !
بقي زين يتأمل تلك الكتابة و شعوره بعدم الارتياح يتصاعد ، إنه لا يذكر أنه كتب هذا ، لم يكن واعيا لذلك ، لكن هاتين العبارتين ... هاتين العبارتين ... نظر من جديد إلى الطاولة و إلى التكرار الملح :
"ساعدنا" "نحن نموت" ، "ساعدنا" "نحن نموت" ،"ساعدنا" "نحن نموت" !
لماذا يشعر هكذا ؟! لماذا لديه هذا الإحساس بأن لهذه الكلمات علاقة بتلك الأصوات التي يسمعها ؟! أهي رسالة استنجاد فعلا ؟! و لماذا يهمه ذلك ؟! لماذا الآن عندما كون نظريات يسد بها ثغرات الغموض في حياته ؟! ألم يتوصل بعد زمن من التفكير و المراقبة إلى كونه فاقد للمشاعر و الانفعالات ؟ كي تأتي بعدها هذه النوبات الغريبة لتخالف كل تخميناته السابقة !
هو لم يعد يفهم شيئا ، هذا التيه الذي هو فيه ، إنه أسوأ عذاب ممكن ... سيختنق !
قلب زين الأوراق ليغطي تلك الاحرف التي تنادي عليه ، ثم نهض و تحرك نحو النافذة ، لينظر من خلف زجاجها إلى منازل الحي التي طمس الظلام معالمها ، كانت تمطر بشدة و الوقت متأخر ، لكنه شعر برغبة عارمة في الخروج عله يتخلص من شعور الاختناق هذا !
انعقد حاجباه و التقط معطفه الداكن الثقيل تنفيذا لرغبته ، الجو كان باردا و فصل الشتاء على وشك البدء ، لكن أيا من ذلك لم يهم زين الذي غادر الغرفة عازما التنزه تحت المطر الغزير



*يتبعـ .. الرجــأء عدم الرد ..

__________________




افتَقِدُني
music4

  #3  
قديم 01-02-2013, 10:41 AM
 
2



-2-





كان يغلق آخر أزرار معطفه بيد ، و يدير بالأخرى مقبض الباب الخارجي عندما انتبه فجأة إلى صوت التلفاز الذي يعمل. كان قد نزل الدرج و خطى بسرعة متجاوزا غرفة المعيشة نحو الباب ، و لكنه انتبه الآن فتوقف قليلا في الردهة الصغيرة أمام الباب الخارجي ليصغي إلى صوت التلفاز الذي يصله.

كان متأكدا من انه ترك التلفاز مطفأ طيلة اليوم ، و لا أحد غيره في المنزل فوالدته مسافرة منذ يومين ، لكنه عاد يهز رأسه بلا اكتراث متمتما شيئا ما عن كونه ربما يتوهم.

أطل زين على غرفة الجلوس ليفاجأ بشاب في مثل سنه تقريبا يجلس على الأريكة وسط الغرفة طاويا ساقيه ، يهز جهاز التحكم في يده و يقلبه متفحصا و كأنه شيء عجيب ، ثم يعود و ينظر إلى التلفاز و شاشته بإنبهار كلما تغيرت المحطة إثر عبثه بجهاز التحكم.

مال الفتى الغريب برأسه إلى الأمام نحو شاشة التلفاز ، ليعود فيرتد للخلف بحركة متحمسة جدا عندما عرضت الشاشة مشهدا لانفجار أحد المنازل ، اتسعت عيناه و بدا في غاية الإندهاش !

و بينما زين يقف خلفه و يداه في جيبه يحاول اكتشاف الخطأ في هذه الصورة ، انتبه اليه الفتى فجأة و دار برأسه نحوه ، ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه و ألقى بجهاز التحكم ليستدير بجسده و يواجهه من خلف ظهر الأريكة ، حياه بصوت مرح مشاغب :

(مرحبا !)

ارتفع أحد حاجبي زين مستنكرا هذا الشاب المرتاح جدا في بيته كما لو كان أحد قاطنيه ، لم يبد كلص وهو يشاهد التلفاز في غرفة المعيشة ، ما الذي يفعله هنا بحق السماء ؟

(أي سحر هذا الذي لديك أيها الأمير ؟)

سأله الشاب بصوته المرح الشقي و هو يثب من فوق الأريكة حتى يقف بمنتصف المسافة بينهما ، و أشار برأسه ناحية التلفاز موضحا حين رأى التساؤل في ملامح زين.

و للحظات بقي زين صامتا و هو يتأمل زائره العجيب و دهشته تتضاعف.

كان الفتى طويل القامة بمثل طوله تقريبا ، و كان له شعر مموج كثيف بلون أحمر داكن و عيون ذهبية تبدو لمعتها متناقضة مع بشرته البيضاء و حمرة شعره الشديدة ، بدت ثيابه فريدة أيضا كثيرة الألوان ، كتلك الملابس التي تراها في عروض الازياء الأكثر جموحا و ابداعا فتتساءل هل قد يرتدي أحد ذلك فعلا ؟ لكن الشاب الغريب كان وسيما جدا رغم كل تلك الألوان المتناقضة !

(لما لا تتكلم أيها الأمير ؟)

خاطبه الشاب من جديد و هو يحرك رأسه و يتطلع اليه باهتمام.

(من أنت ؟!)

سأله زين بهدوء و كأنه لا يخاطب شخصا غريبا تسلل إلى بيته بعد منتصف الليل.

(اوه ...)

هتف الشاب الغريب و كأنه انتبه إلى نقطة هامة ، وضع يده اليمنى على جانب صدره الأيسر ، ثم احنى رأسه قليلا كما اعتاد بعض الناس أن يفعلوا قديما عند التحية ، و بدا ذلك متكلفا لا يناسب مظهره الحيوي الشقي ، ثم قال معتدلا في وقفته :

(اعذرني لأني لم أقدم إليك نفسي ، أنا "إيلاي بيتاليان" أيها الأمير !)

(إيلاي بيتاليان ؟!)

ردد زين عاقدا حاجبيه و قد لاحظ لهجته الغريبة في الحديث ، ثم واصل :

(حسنا يا إيلاي ... و ماذا تفعل في منزلي ؟)

(لم أطق أن أكون بالقرب من هنا و لا آتي لأرى أين تعيش !)

(أين بالقرب من هنا ؟ المدينة ؟!)

ابتسم إيلاي و راح يجول في الغرفة متأملا ارجائها كما لو كان يشاهد متحفا شيقا :

(أقصد ... هنا في عالم الأرض !)

هز زين رأسه ببطء وهو يتتبعه بنظراته :

(عالم الأرض ؟! همممم .. و من أين أنت إذا ؟)

عاد التلفاز يسترعي اهتمام إيلاي من جديد فانحنى ينظر إليه ، مجيبا ببساطة :

(أنا من "زيركان" !)

(و هذه "الزيركان" تقع في .. ؟!)

(في عالم آخر أيها الأمير ، إن شرح ذلك يطول و أنت .... كما هو واضح ليس لديك علم بأي شيء !)

قال إيلاي الجزء الأخير ضاحكا بمرح.

رمقه زين و أحد حاجبيه مرفوع _التعبير الوحيد الذي يظهر عليه_ و سأله :

(هل أنا أعرفك ؟)

كان إيلاي غريب الاطوار مبهورا بإعلان لسائل تنظيف الصحون ، ينظر في شاشة التلفاز عندما أجابه :

(كلا.)

(لماذا أنت هنا إذا ؟)

سأله زين بكلمات بطيئة واضحة. أجاب إيلاي :

(لقد أخبرتك ، كان لدي فضول شديد فأتيت أرى أين تعيش ، لن تروق هذه الفكرة لـ"فان" حتما ، أريد رؤية وجهه عندما يعلم !)

إلتمعت عيناه الذهبيتان بخبث بعد عبارته الأخيرة قبل أن يضحك على نحو مشاكس من جديد.

أخذ زين نفسا عميقا ، هذا ما كان يحتاجه ..

شخص مجنون كليا يتسكع في منزله في الوقت الذي يشعر فيه انه سينفجر من الضيق. المشكلة أنه لا يبدو مجنونا ، لقد قضى وقتا طويلا يراقب سلوك الناس ، يتعلم الكثير عن الطريقة الصحيحة للتعامل و التصرف كإنسان عادي ، و أصبح بوسعه معرفة متى يحاول أحدهم اخباره أكاذيب خيالية ، لم يبدو أن إيلاي هذا يقول ترهات غير معقولة ، هو يبدو صادقا فيما يقول.

و إن يكن ، لايزال مجنونا ، فقط مجنون واثق جدا بما يقوله ! وهو لا يختلف عنه إن فكر في الأمر ، المرء لا يقوم بحوار هادئ مع شخص وجده يعبث في بيته بعد منتصف الليل ،

قد لا يصدر عنه أي من ردود الفعل الطبيعية ، لكنه يمتلك نظرة إلى الناس لا تخيب ... و هذا الشاب الغريب الاطوار _أيا كان ما يعنيه ذلك_ جاد تماما في حديثه !

(علي الإنصراف الآن !)

قاطعت جملة إيلاي أفكاره ، فانتبه اليه بينما واصل الأخير بجدية أظهرته بمظهر مختلف :

(لا يفترض بي ازعاجك فلم يحن الوقت بعد ، و الآن من بعد إذنك أيها الأمير.)

أومأ زين برأسه موافقا دون أن يستفسر عما يعنيه بكلامه :

(بالطبع ... بالطبع تفضل !)

قالها وهو يشير إلى باب الخروج ، فتقدم إيلاي إلى حيث يشير و تجاوزه وصولا إلى الباب ، تبعه زين بهدوء و يداه ماتزال في جيوب بنطاله بإسترخاء ، ربما ظنه مختلا لكنه كان واثقا من كونه غير مؤذي.

فتح إيلاي الباب و تحرك خارجا ، ثم توقف فجأة و استدار يقول :

(لا أنصحك بالخروج في مثل هذا الوقت أيها الأمير ، الجو ليس لطيفا.)

مط زين شفتيه و قال بلا اكتراث :

(لن أقول الشيء ذاته لك ، سأكون ممتنا إن غادرت الآن و لم تعد ثانية.)

(عليك أن تكون أكثر حذرا و انتباها لنفسك.)

(أنا حقا لست في مزاج ملائم لحديث كهذا خاصة مع شخص مثلك !)

هز إيلاي رأسه و مازال تعبير الجدية مرتسم عليه ، قال :

(حسنا .. أنت شخص مختلف آه .. أقصد مختلف بشكل .. مهم ، لكن عليك الانتباه لنفسك فعلا .. ستفهم ما أعنيه فيما بعد !)

(وداعا !)

هتف زين بنفاذ صبر ، ثم صفق الباب في وجه إيلاي الذاهل ، لقد ازعجه هذا المجنون بكلامه العجيب الغامض أكثر مما كان منزعجا في البدء.

تنهد بضيق وهو يعود لغرفة المعيشة و يلتقط جهاز التحكم ليطفئ التلفاز.


¤ ¤ ¤




__________________




افتَقِدُني
music4

  #4  
قديم 01-02-2013, 10:46 AM
 
3





-3-




في صباح اليوم التالي ، كان زين يقطع الشارع نحو مدرسته و قد نسي كل شيء عن إيلاي.

كان مايزال مرهقا و مشتتا بسبب إحدى النوبات التي إنتابته باكرا هذا الصباح ، كانت الشمس مشرقة و السماء صافية تبشر بيوم صحو خالي من المطر.

توقف زين قليلا أمام مبنى المدرسة ، أغمض عينيه و رفع وجهه إلى الشمس ، هبت الرياح محملة ببرودة أعلنت قرب فصل الشتاء ، لكن الهواء كان منعشا تحت أشعة الشمس الدافئة ، و شعر به يساعده على الإسترخاء.

تراقصت خصلات شعره الأسود المبعثرة فوق جبهته مع الهواء ، وهو يأخذ نفسا عميقا و يملأ رئتيه ، ثم فتح عينيه زافرا ببطء ، أدخل يديه في جيوب بنطاله كعادته قبل أن يواصل طريقه إلى داخل المبنى.

لم ينتبه زين إلى فتاتين كانتا تقفان قريبا من البوابة ، تحملان تعبير الإنبهار و هما تتبعانه بأعينهما ، لقد بدا قبل لحظة ، و وجهه البالغ الوسامة مرفوع نحو السماء معقود الحاجبين و مغمض العينين بتأمل هادئ لطيف ، بينما الهواء يلهو بخصل شعره الكثيف الناعم حول وجهه ، لوحة جسدت جمالا خياليا مهيبا ، إنسانا ملتفا بهالة من الغموض الآسر.

و لم تستطيعا تحويل عينيهما عنه حتى توارى داخل المبنى.

قالت إحداهما ما إن استعادت قدرتها على الحديث ، كما لو أنها تبرر خطأ تضيع وقتها بمراقبته :

(زين سوينر حسن المظهر كثيرا !)

لكنها ارتاحت عندما أجابتها صديقتها بتنهيدة ثقيلة و هي تردف :

(نعم ساحر جدا ... لكن .. إنه .. أقصد هو ... !)

قاطعتها الأخرى ضاحكة و هما تواصلان طريقهما :

(أعرف .. إنه كذلك بالفعل ، لا أحد بوسعه تفسير السبب لكنه رغم وسامته يجعلكي تشعرين بإختلافه عن الآخرين ، إنه غامض مهيب و ... لا أدري ماذا أيضا !)

ضحكت الفتاة ثم قالت :

(صحيح ... لكن جاكسون من الناحية الأخرى حقيقي تماما !)

(عليك الإعتراف أن زين أوسم منه بأضعاف !)

(لقد قلت إنه حقيقي ، لا يمكنك التعلق بزين إن الفتى مريب كليا !)

أوقفت الفتاتان ثرثرتهما حين إنظمت زميلة أخرى اليهما و حولتا الحديث إلى موضوع آخر.

كان هناك هذا التفكير الذي يشترك فيه الجميع دون أن يعلموا بخصوص زين ، الشاب الذي يثير الإهتمام بقدر ما يثير الريبة التي تجبرهم على انتزاعه من أذهانهم ، تفكير سخيف ... في نظرهم يجب أن يبقوه لأنفسهم !


لكنه كان أمرا واقعا حاضرا في تعامل الناس مع زين ، و في تعامله هو نفسه معهم كأن طاقة عليا تمنع أي تواصل بين الطرفين.

سار زين بين الطلاب نحو خزانة كتبه ، ثم توجه إلى درسه الأول لم يكن الأستاذ قد وصل بعد ،

جلس بهدوء فيما دارت الأحاديث و الضحكات من حوله ، كان زين جادا و هادئا أغلب الوقت ، و كان يبدو شديد النضج و المسؤولية و رغم كونه مراهقا في السادسة عشرة ، إلا انه كان رزينا و ما كنت لتراه يوما يضحك أو يلهو بعبث صبياني.

ما كان المرح أو العبث يستهويه ، فكر أنه لا يذكر آخر مرة ضحك فيها أو حتى ابتسم مجرد ابتسامة ، لكنه شعر وهو يسمع ضحكات زملائه الآن انهم لا شك ينعمون بحياة طبيعية خالية من أي تعقيدات هم سعداء في الغالب ، و هذه صفة أخرى لا يعرف كيف يكون الشعور بها.

أحس زين أن هناك شخصا يراقبه ، فأدار رأسه لتلتقي عيناه بعيون خضراء واسعة و مألوفة ، "لايزا" تمتم لنفسه ، و هو يرى الفتاة تبعد عينيها بسرعة.

لم تكن المرة الأولى التي ينتبه فيها إلى تحديقها به ، لكنها المرة الأولى التي يهتم فيها بذلك.

هذه الفتاة تخفي سرا ما ، هناك تفسير حتما لنظراتها التي تحمل معنى أعمق من أي نظرة سطحية يراها في عيني أي فتاة أخرى تنظر اليه.

راحت تقرأ في كتاب بين يديها بارتباك ، كانت تجلس على بعد مقعدين إلى يمينه و حولها مجموعة صغيرة من الأصدقاء ، فتاتان و شاب و كانوا يتحدثون و يتمازحون.

لايزا كانت أيضا جارته ، و تسكن في المنزل المجاور لبيته هي و جدتها العجوز الغريبة التي ترمقه بنظرة ثاقبة مزعجة حين تراه ، لقد انتقلوا إلى جوارهم منذ ثلاث سنوات ، ذلك حدث في العام الذي غاب فيه كما يعتقد.

انتبه من أفكاره على صوت الأستاذ و هو يلقي التحية و يعلن بدء الدرس ، فإلتفت اليه يحاول الانتباه.

ما كان التركيز على الدرس سهلا ، فبغض النظر عن كونه غير مهتم به ، لقد اختارت لايزا هذا اليوم لتستحوذ على تركيزه ، فقد ظلت _على نحو غير معهود منها_ تراقبه بإستمرار بينما يتشاغل هو بالدرس أو بكتابة الملاحظات محاولا تجاهلها.

بدأ يشعر بنفاذ الصبر .. ما خطب هذه الفتاة ؟! التفت إليها يرمقها بحدة ، لكن لايزا لم تهرب ببصرها كما في المرة السابقة !

تعلقت عيناه بتلك العيون الخضراء ذات النظرات الحانية و البريئة لثوان أحسها زمنا طويلا ، كيف يكون هناك دفء بهذا القدر في نظرة ؟! كيف تحمل عينين لا يربطه بصاحبتها سوى المعرفة السطحية إهتماما خالصا كالذي يراه ؟!

رأى عينيها تتوسعان و حمرة طفيفة تلون وجنتيها قبل أن تنتزع عينيها عنه انتزاعا لتطرق برأسها إلى طاولتها بخجل.

مجددا ... ما خطب هذه الفتاة ؟!

من غير المعقول أن يكون ما يقرأه في تعبير وجهها إعجابا !

لكنه بدا كذلك ، ليس مثل ما يظهر على باقي الفتيات من نظرات سطحية حين يرمقنه ، نظرات جوفاء تقدر جمال تحفة فنية من نوع ما !

أما لايزا فهي تنظر اليه كما لو كان إنسانا لا تحفة !

اللعنة .. ما هذا الذي يفكر فيه ؟ إنه يفقد صوابه ، و كيف له ألا يفعل مع كل ما يصيبه ؟ تنهد ببؤس.

..

مر بقية ذلك النهار مملا و رتيبا ، لم يرى لايزا بعد انتهاء الدرس الأول الذي يتشاركانه ، و حتى موعد الدرس الثاني الذي يجمعهما وهو الدرس الأخير لليوم ، أما هي فلم تنظر بإتجاهه ثانية.

عند وقت الإنصراف ، و بينما يسير بتباطؤ مبتعدا عن مجموعات التلاميذ ملتفا عند زاوية الطريق عبر التقاطع ، أحس بشخص يتبعه ، لم يعر ذلك أهمية في بادئ الأمر ، حتى لاحظ عند وصوله لشاطئ البحر_ الذي لا يبعد عن بيته كثيرا_ أن الخطوات الخفيفة المستعجلة خلفه لازالت تطارده ، لقد شعر بها تتوقف مع كل وقفة أو إلتفاتة يقوم بها ثم تواصل حركتها عندما يواصل هو السير.

كان هذا غريبا و ما كان لدى زين أي فكرة عن السبب الذي قد يجعل أحدهم يلاحقه ،

ظل زين عند الشاطئ يتأمل البحر لبعض الوقت منتعشا بنسماته الباردة ، كان قد ألقى بحقيبته و جلس ثانيا إحدى ساقيه فاردا الأخرى على الرمال الذهبية ، الجو كان باردا إلى حد يمنع الناس من التفكير في التواجد هنا خاصة و قد اقترب الوقت من المغيب ، لكن هذه البرودة هي ما جاء ينشده فهو يحسها كالبلسم لصراعاته الداخلية الملتهبة.

مستندا على إحدى يديه أرجع زين رأسه إلى الخلف سامحا للنسيم بتخلل شعره الأسود الكثيف و بعثرته ، ضيق عينيه و هو ينظر إلى خط الأفق يتلون بألوان الغروب.

لقد جلس أطول مما أراد ، هل مازال ذلك الشخص يراقبه ؟ سيعرف الجواب حالا.

حين بدأ ضوء الشمس ينحسر ، و بأكثر طريقة طبيعية استطاع تمثيلها ، إعتدل واقفا و رمى حقيبته المدرسية على كتفه ثم و بدلا من التوجه إلى المنزل ، سار نحو الغابة التي تحف بالشاطئ من جهة الشرق.

ما كانت أشجار الغابة كثيفة عند هذا الجزء القريب من المدنية ، تهادى الكم الباقي من ضوء الشمس أمامه راسما ظلالا طويلة متداخلة للأشجار و الأغصان.

واصل زين السير وهو يحاول الاصغاء لوقع الخطوات من خلفه ، جعل هدير البحر القريب من ذلك مهمة شاقة ، لكن الشخص كان هناك فقد كان يرى حركة ظله الطويل بين بقية ظلال الأشجار الممتدة أمامه ، أما تبين هويته فما كان أمرا ممكنا !

توقف زين حين وصل إلى وجهته و تأمل المكان من حوله.

كانت بقعة شبه دائرية مكشوفة و خالية من الأشجار تصل مساحتها إلى عدة أمتار ، تقف في منتصفها صخرة حادة ضخمة. كانت الأرض خالية من الأعشاب بشكل لافت للنظر ، ذلك التباين بين التربة البنية هنا و بين الأرض الخضراء تحت الأشجار البعيدة كان عجيبا فالنباتات لا تنمو في هذا الجزء من الغابة !

وقف زين أمام الصخرة الضخمة البيضاء المنتصبة في منتصف هذه البقعة دون أن تجاورها أي صخور أخرى ، و راقب كيف جعلها الشفق تتلون بلون بنفسجي باهت ، لقد كان يأتي إلى هنا كثيرا وهو صغير ، مضى زمن لكنها ماتزال على حالها هذه الصخرة العجيبة الملساء.

قال زين بصوت مرتفع لكن بنبرة هادئة و دون أن يستدير :

(لما لا تظهر يا هذا ؟)

لم يلقى جوابا ، لكنه سمع بوضوح حركة قدمي ذلك الشخص وهو يخرج مقتربا من هذه البقعة.استدار زين بهدوء نحوه و ارتفع أحد حاجبيه حين حددت عيناه هوية ذلك الجسد الانثوي الصغير ، و وجد نفسه يهتف :

(أنت !)

كانت لايزا تقف أمامه و رأسها شبه منخفض ، لم يكن قادرا على رؤية وجهها جيدا فقد كانت تولي ظهرها ناحية الضوء الذي يغدو أكثر خفوتا في كل لحظة.

رآها تأخذ نفسها عميقا ثم تطلقه ، فعلت ذلك ثلاث مرات.

(لماذا تتبعينني ؟)

(اسمع ... !)

قالت و هي تتحرك بخطوات خفيفة سريعة بإتجاهه ، وقفت أمامه تفصلهما خطوة وهي تواصل :

(عليك أن لا تكون هنا.)

كانت المرة الأولى التي تخاطبه فيها ، صوتها كان ناعما مناسبا لرقتها لكنه كان مشوبا بشيء من التوتر و العصبية ، مال زين برأسه جانبا ينظر إليها وهو يقول :

(عما تتحدثين ؟!)

رفعت رأسها إليه ، وجنتاها متوردتان و حاجباها معقودان بدت متوترة و محرجة أيضا ، همت بالإجابة لكن فجأة .. اتسعت عيناها و هما معلقتان بشيء ما خلفه ..

شيء أطلق ذلك الزعيق المدوي ..

و كانت صدمته كبيرة عندما التفت و رأى ماذا كان ... ذلك الشيء أرعبها !






__________________




افتَقِدُني
music4

  #5  
قديم 01-02-2013, 10:49 AM
 
4




-4-



تقدمت لايزا من زين بخطوات مرتبكة ، كانت غاضبة لأنها وضعت نفسها في موقف كهذا ، لأنها كانت تطارد شابا غريبا لسبب خارج عن إرادتها ، و لأنها لا تستطيع أن تكون على سجيتها حين يتعلق الأمر بهذا الشاب.

(عليك .. أن لا تكون هنا.)

خاطبته محاولة إخفاء إحراجها قدر الإمكان و التحدث بصوت طبيعي ، كان هذا ناجحا إلى أن رفعت رأسها لتنظر في وجهه الوسيم و تسمع جوابه ، لقد تشتتت كل أفكارها لحظة اصطدامها بتلك العيون الزرقاء الجذابة .. كانت عيناه مثقلة بهم كبير .. باردة و خالية من الحياة على نحو عجيب ، و مع هذا تملك سحرا غامضا عظيم التأثير !

ظلت تغرق في ذلك البحر اللازوردي لعينيه و أنفاسها تضطرب ، حتى إنتشلها من حالة اللاوعي تلك قائلا بصوت واضح على الرغم من خفوته :

(عما تتحدثين ؟!)

(هاه !)

قالت لايزا و هي ترمش ، لكنها استعادت انتباهها سريعا و همت بإجابته حين وقع بصرها على الشيء الذي تحرك خلفه فابتلعت كلماتها !

جسم أسود كبير تزامنت رؤيتها له مع زعيق رهيب صدر منه .. فاتسعت عيناها مذعورتين !

إلتفت زين خلفه و فوجئ بكائن أسود ينقض عليهما من الأعلى ، امتدت ذراعه بحركة تلقائية سريعة لتطوق لايزا و لينخفضا معا جاثمين على الأرض ، تجنبا لهجوم الكائن الذي تبينا من خلال خفقات جناحيه وهي تمر من فوق رأسيهما انه نوع من الطيور الكبيرة ، الكبيرة جدا !

رفع زين رأسه و رأى الطائر الأسود المنعدم التفاصيل في الأعلى يضرب الهواء بجناحيه و يدور في دوائر. أطلق زعقة مدوية أخرى تردد صداها في أرجاء الغابة كلها و اندفع ينقض عليهما ثانية ، أخفض زين رأسه مجددا و تحرك ليغطي لايزا المرتعبة بجسده مدفوعا برغبة غريبة لحمايتها.

ارتفع الطائر الضخم من جديد و قد لامس هذه المرة شعرات من رأس زين ، أثار انقضاضه السريع الهواء من حولهما فتطاير شعرهما ثائرا و رفرفت ملابسهما ، يالضخامة جناحيه ! انتفضت لايزا تهتف وهي تتعلق به :

(يا إلهي .. يا إلهي ما هذا ؟!)

بدا الطائر العملاق الغير واضح المعالم مخيفا بسواده الشديد وهو يحلق في هذه الفسحة الدائرية التي تطل من خلالها السماء و قد بدأت تظلم شيئا فشيئا ، لم يفهم زين من أين جاء هذا الشيء فجأة.

(لنهرب !)

هتفت لايزا بذعر فالتفت إليها ، كان مايزال يحتضنها بذراعه ، رأسها على صدره مرفوع لأعلى ، عيونها الواسعة الخضراء غدت أكثر اتساعا حتى و هي تتابع حركة الطائر الضخم ، النظر إليها جعل أفكار _لا علاقة لها بالموقف الذي هو فيه_ تقفز إلى رأسه الغير طبيعي ، جميلة هذه الفتاة ... بل إنها تبدو أكثر جمالا وهو يراها من هذا القرب و إن كان ذلك تحت هذا الضوء الخافت ، توقفت عيناه الحائمتان في ملامحها البريئة عند شفتيها الناعمتين و المثاليتين ... و دون أن يدري لماذا ، شعر بحلقه يجف !

ماذا الآن ؟! ما الذي يصيبه في وقت كهذا ؟!

(انظر علينا .. علينا حقا أن نغادر هذا المكان !)

عادت لايزا تحدثه ، فأومأ برأسه ببطء ، وهو يرقب أي حركة ستصدر من الطائر الضخم العجيب اعتدل واقفا ففعلت مثله بتردد و دون أن تبتعد عنه. أصدر الطائر زعيقا آخر قبل أن يندفع نحوهما من جديد ، صاحت لايزا بذعر :

(لنجري !)

و أتبعت صيحتها بالفعل فسحبته من ذراعه و بدآ يركضان بين الأشجار عائدين إلى الشاطئ عبر الطريق الذي أصبح أكثر ظلمة ، كان الطائر الأسود المخيف في إثرهما و خفقات جناحيه الضخمين تملأ المكان صخبا فتجعلهما يبذلان جهدا أكبر ليسرعا.

أبطأ زين من سرعته عندما أصبحا بعيدين عن الغابة مسافة كافية ، لقد اقتربا كثيرا من الطريق الذي يفصل الشاطئ عن منازل حييهم ، سحب زين ذراعه من يدها بلطف ليمسك بكفها :

(اهدئي ..)

استجابت لايزا إلى صوته الخافت و لمسته اللطيفة سريعا فتوقفت وهي تلهث ، نظرت خلفهما ثم إلى السماء دون أن تجد أثرا لذلك الطائر.

(أين اختفى ؟!)

همست لايزا بتوتر وهي تلتفت حولها ، ثم أخذت نفسا عميقا لتهدأ و التفتت إلى زين ، كان أطول منها بمقدار الكتف و توجب عليها رفع رأسها لتستطيع النظر في وجهه الوسيم ، شعرت بشيء من الارتياح و هي ترى وجهه كما العادة خالي من التعابير.

(لا أعلم .. لقد بقي في الغابة ... كما أظن !)

أجابها زين بصوته الخافت ، ما كان أمر الطائر يشغله فعلا لكنه سأل :

(ماذا كان ذلك ؟)

(لا أعرف .. أعني هل رأيت حجمه ؟! لقد كان مرعبا.)

قالت لايزا بعفوية و تلونت عبارتها الأخيرة بنبرة ذهول و هي تتذكره ، لكنها هتفت فجأة :

(أنت لم تكن خائفا أو متفاجئا !)

قالتها وهي ترمقه بإبتسامة متعجبة لكن مسرورة ، و كأنها تحققت الآن فقط من معلومة غاية في الأهمية.غادرتها آخر ذرة خوف و هي تنظر في وجهه و عيناها الخضراوان تفضحان اهتمام صاحبتها العظيم.

غير معقولة .. تلك الخفة التي يشعر بها حين ينظر في عيني هذه الفتاة ، هز زين رأسه و قال بصوته الخافت :

(لم يكن سوى طائر !)

ما كان زين راغبا في شرح كيف أنه لا يعرف شيئا عن الخوف أو أيا ما كانت تلك المشاعر الإنسانية التي قد يشعر بها المرء ، لكن ... ألا يعرف فعلا ؟! ألا يعيشها الآن ؟!

شعر بذلك الدفء الذي يشع من هذه الفتاة يتسرب إلى أعماقه .. ذلك فقط لأنه يمسك بيدها الصغيرة الناعمة بين أنامله ، إنه مجنون فعلا !

كاد ينسى ما الذي أراد قوله وهو يتأمل ملامحها الخجلة و يقرأ في عينيها الواسعتين الجميلتين ذلك الإهتمام الدافئ الموجه نحوه ، مزيد من الجنون !

ترك زين يدها بهدوء ليسأل :

(قبل أن يظهر ذلك الطائر كنت تقولين أن .. )

قاطعته :

(لم يكن طائرا فحسب ... أعني ما من طائر بهذا الحجم ، أنت رأيته !)

(إنها غابة و تحوي الكثير من الحيوانات لذا فالمهم هو ..)

(و لكن .. جناحاه فقط كانا بطول ثلاث أو أربع أقدام ، إنه مخلوق ضخم و ليس مجرد حيوان عادي !)

(ما المغزى من هذا ؟)

(أنت تستمر بالتحدث كما لو أنه مجرد حمامة صغيرة ، لقد جعلني أرتعب و أنا لا أرتعب من حمامة صغيرة !)

عقد زين حاجبيه وهو يرمقها ، بدا هذا سخيفا ، لكن كان بوسعه رؤية أن للايزا طريقتها في تقرير الأمور.

تنهد زين قائلا :

(لقد كان طائرا متوحشا ضخما و عملاقا .. هل هذا أفضل ؟!)

نظرت لايزا اليه للحظة متحيرة فيما قال ، كلماته كانت ساخرة لكن صوته الخافت و تعبير وجهه الجامد أظهراه جادا. ثم قررت أن كلماته هي ما يهم فعلا فزمت شفتيها و هتفت بتحدي :

(بالطبع .. الدقة أفضل بكثير !)

مال زين برأسه جانبا و قال :

(جيد .. إذا هلا أخبرتني الآن لماذا كنت تلحقين بي طوال اليوم ؟)

اتسعت عينا لايزا و هتفت بارتباك و قد احمر وجهها :

(أنا .. لقد .. أنت لن تفهم !)

(ربما .. حاولي فقط !)

ترددت لايزا ، ثم تنهدت باستسلام قائلة :

(إنها جدتي !)

ارتفع أحد حاجبي زين وهو يردد :

(جدتك ؟!)

اندفعت لايزا تقول بشيء من الانزعاج ملوحة بيدها :

(لقد طلبت مني مراقبتك و أن أمنعك من الذهاب إلى الغابة لأن خطرا كبيرا ينتظرك هناك ، أنت لا تعرفها .. إن ما تقوله يكون حقيقيا دائما !)

هي صادقة ! .. كان بوسعه أن يعرف ذلك من خلال نظرته الخبيرة لكنها تخفي شيئا أيضا ، تمتم متسائلا بهدوء :

(غريب و لكني ما كنت لأذهب إلى الغابة لو لم أشعر أن شخصا يتبعني ؟!)

أطرقت لايزا بوجهها دون أن تجيب فقال زين :

(كما و لا أظن أن ذلك الطائر شكل تهديدا على حياتي.)

(كان بوسعه قضم رأسك ... أليس هذا تهديدا كافيا !)

(صحيح و أنت ..)

بأطراف أنامله و بلطف رفع ذقنها المنخفض ليستطيع النظر في تلك العيون الخضراء الدافئة من جديد ، غير مبالي بالدهشة التي علت وجهها من حركته ، قال :

(و أنت نفذتي تماما ما طلب منك و قمتي بحمايتي بشكل رائع هناك !)

(ليس .. ليس هذا ما عنيته !)

اضطربت لايزا و راقب كيف توردت وجنتاها بحمرة زادتها جمالا ، لقد تأكد من النظر في عينيها أنها تخفي نصف الحقيقة ، و هذا النصف الباقي من الحقيقة ما يجب عليه أن يعرفه ، فهذا الأمر متعلق به ، و هو ما عاد قادرا على تحمل المزيد من الألغاز حوله ، في الوقت الذي سيجن فيه للحصول على إجابة واحدة تخفف من حدة هذا الشتات الذي هو فيه.

أخذت لايزا خطوة للوراء و تحررت من دوامة المشاعر التي سببتها لها لمسته البسيطة ، قالت و ارتباكها الخجل لم يغادرها :

(أنا .. سأعود إلى المنزل الآن فقد تأخر الوقت !)

تمتم زين و هو يدس يديه في جيوبه و حاجباه معقودان بشدة :

(ليس قبل أن تشرحي لي بعض الأشياء ، مثلا .. كيف تعلم جدتك عن وجود خطر يتقصدني في هذه الغابة و تقرر أن ذلك سيحدث اليوم بالذات ؟ و ما معنى علمها بهذا الأمر ؟ لقد لاحظت أنك و رغم خوفك هناك إلا أنك لم تكوني متفاجئة ، فهل لهذا علاقة بما أخبرتك به جدتك و تصرين على إخفائه ؟!)

ظلت لايزا تنظر اليه بإرتباك متردد للحظات ، لكنها عقدت حاجبيها فجأة و بدت حازمة واثقة و هي تقول :

(آسفة .. أنا لا أستطيع إجابتك فلست أملك الحق في ذلك ، لكنك ستريد الأخذ بتحذير الجدة "مارغريت" و الانتباه لنفسك !)

(لماذا يصر الجميع على ترديد كلمات مبهمة و يتبعونها بعبارة "انتبه لنفسك" ؟ بحق الجحيم ما الذي علي أن انتبه منه ؟! ثم من يكون هذا الذي يملك الحق بالإحتفاظ بإجابات تخصني و جعل الآخرين يخفونها عني ؟!)

هتف زين بنفاذ صبر ، و لما لم يجد عند لايزا _التي عضت على شفتها السفلى مشيحة بوجهها_ أي استعداد للإجابة استدار بجسده جهة البحر و هو يصر على أسنانه راغبا بالإنفجار غضبا دون أن يستطيع !

(أنا آسفة !)

همست لايزا بحزن ، لم يلتفت أو يجبها ، و بقي واقفا بكدر شديد يسمع وقع خطواتها الخفيف و هي تبتعد ...



¤ ¤ ¤

__________________




افتَقِدُني
music4

 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ألـم اخـبركِ .... اريــدكِ انتِ Ặñâ EšRąâ CO0L ^_^ روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة 560 01-01-2019 10:05 PM
( غيرت مدرستي فتغيرت حياتي ! ) Aj Lee روايات و قصص الانمي 329 08-23-2017 04:20 PM
{ذا الرداء الأسود} (رومانس&غموض) تأليفي gravitation أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 228 01-24-2013 01:03 AM
(الّ مكسيمليان) (رومانس , غموض ) تأليفي gravitation أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 899 11-06-2012 08:12 PM


الساعة الآن 11:02 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011