01-09-2013, 12:47 AM
|
|
فضيلة كتمان السر فإن لآولى ما ابتدئ به كتاب وافتتح به خطاب، حمد الله على جزيل آلائه، وشكره لجميل بلائه، ثم الصلاة على خاتم أنبيائه وعافب رسله، صلوات الله عليهم أجمعين، وسلام عليهم في العالمين وبركاته. والحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفضلنا على جميع الأنام، وجعلنا من أمة محمد نبيه عليه الصلاة والسلام. و بعد جاء في بهجة المجالس في المجلس التاسع مؤرق وفضيلة كتمان السر للعلامة الفقيه الحافظ القاضي المتفنن عالم عصره المعافى ابن زكريا بن يحيى بن حميد رحمه الله قال
حدثنا محمد بم مخلد بن حفص العطار، قال: حدثنا حاتم بن أبي الليث الجوهري، قال: حدثنا علي بن مهران الداري، قال: حدثنا أبو زهر عبد الرحمن بن مغربي، قال: حدثنا المفضل بن فضالة، عن بكر بن عبد الله، وثمامة بن عبد الله بن أنس، قالا: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كان فيمن سلف من الأمم رجل يقال له مؤرق وكان متعبداً، فبينما هو قائم في صلاته إذ ذكر النساء فاشتهاهن وانتشر حتى قطع صلاته، فغضب فأخذ قوسه فقطع وترها فعقده بمذاكيره وشده إلى عقبيه، ثم مد رجله فانتزعها، ثم أخذ طمرية ونعليه حتى أتى أرضاً لا أنيس بها ولا وحش، فاتخذ عريشاً ثم قام يصلي، فجعل كلما اصبح انصدعت له الأرض، فخرج خارجة منها ومعه إناء فيه طعام فيأكل حتى يشبع، ثم يدخل وتلتئم عليه الأرض، فإذا أمسى فعل مثل ذلك، ومر ناسٌ منه فأتاه رجلان من القوم فمرا تحت الليل فسألاه عن قصدهما فسمت لهما بيديه، فقال: هذه قصد كما حيث تريدان، فسارا غير بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: ما يسكن هذا الرجل ها هنا؟ أرض لا أنيس بها ولا وحش، ولو رجعنا إليه حتى نعلم علمه، فرجعا فقالوا له: يا عبد الله ما يقيمك بهذا المكان، بأرض لا أنيس فيها ولا وحش؟ فقال: امضيا لشأنكما ودعاني، فألحا عليه قال: فإني مخبركما على أن من كتم على منكما أكرمه الله في الدنيا والآخرة، ومن أظهر منكما أهانه الله تعالى في الدنيا والآخرة، قالا: نعم قال: أنزلا فلما أصبحا خرج من الأرض الذي كان يخرج من الطعام ومثلاه معه فأكلوا حتى شبعوا ثم دخل فخرج عليهم شراب فيه إناء مثل الذي كان يخرج في كلي يوم ومثلاه معه، فشربوا حتى رووا ثم دخل فالتأمت الأرض، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال: ما يعجلنا؟ هذا طعام وشرابٌ وقد علمنا سمتنا من الأرض، امكث إلى العشاء فمكثا فخرج إليهما في العشاء من الطعام والشراب مثل الذي خرج أول النهار، فقال أحدهما لصاحبه: امكث حتى نصبح، فمكثا فلما أصبحا خرج إليهما مثل ذلك، ثم ركبا فانطلقا، فأما أحدهما فلزم باب الملك حتى كان من خاصته، وأما الآخر فأقبل على تجارته وعمله، وكان ذلك الملك لا يكذب أحدٌ في زمانه من أهل مملكته كذبة تعرف إلا صلبه، فبينما هو ليلة في السمر فحدثوا ما رأوا من العجائب أنشأ ذلك الرجل يحدث، فقال: لأحدثنك أيها لملك بحديث ما سمعت بأعجب منه قط، فحدثه بحديث الرجل الذي رأى من أمره، قال الملك: ما سمعت بكذب قط أعظم من هذا، والله لتأتيني على ما قلت ببينة وإلا صلبتك، فقال: بينتي فلان، فقال: رضاً ائتوني به، فلما أتاه، قال الملك: إن هذا حدثني أنكما مررتما برجل كان من أمره كذا وكذا، قال له الرجل: أيها الملك: أو لست تعلم أن هذا كذب، وهذا مما لا يكون، ولو أني حدثتك بهذا لكان عليك من الحق أن تصلبني، قال: صدقت وبررت، فأدخل الذي كتم في خاصته وسمره وأمر بالآخر فصلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأما الذي كتم عليه فقد أكرمه الله في الدنيا وهو مكرمه في الآخرة " ثم نظر بكر بن عبد الله المزني إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس فقال: يا أبا المثنى: أسمعت جدك أنساً يحدث هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. |