[الفصل الثالث] -- ثلاثة ! , إثنان ! , واحد ! , إفتح عينيك! , فتح عينيه التيفانيتين البراقتين , وما أن فتحهما حتى شقت الابتسامة وجهه شقاً . _ " أصدقائي! " قالها بصراخ , و ما لبث أن هرع إلى أصدقائه يضمهم سعيداً , وأمه واقفةُ تدمع عينيها فرحاً , فبعد عامٍ من فراقها لابنها , عادَ مرة أخرى ! , يبدو أن القدر بدأ يحني ثغره لها , تحاول أن تسعده بشتّى الطرق , فاليوم أول يوم له خارج تلك المصحة اللعينة , التي لم تتمنَ مطلقاً أن تراها يوماً , ولكن لا مشكلة , فقد انتهى عَصرها , وحان وقت التفاؤل مرة أخرى . _"هيا يا أمي تعالي حتى تلتقطي لنا بعض الصور" قالها مبتسماً بصوت يبدو عليه السعادة والإشراق , ابتسمت الأخرى بسعادة والتقطت الكاميرا من على الطاولة وأسرعت إلى الحديقة خارج المنزل لالتقاط صور لهم , ابنها واصدقاؤه , كم كانت سعيدة أثناء رؤيتها ابنها في الصور , مبتسماً , مبتهجاً , ضاحكاً , إنها اليوم تعتبر نفسهآ أسعد امرأة في العالم , كم كانت تتمنى لو أن زوجها المشغول كان موجوداً اليوم , ليس حتى يسعد لابنه , بل حتى تريه كم هي قوية , وتستطيع تحمل أي عبء يلقى على كاهلها , التقطت بعض الصور الجميلة رغم قلة خبرتها في التصوير إلا ان وجود ابنها في الصور جعل الصور في عينيها أروع من أي صور قد تراها , اعادت الكاميرا الى الطاولة وتركت ابنها قليلاً مع أصدقاءه , يخبرونه عن إنجازات فريقه المفضل وانتصاراته , يخبرونه عن اعتزال أحد المغنيين المشهورين , تلك المواضيع التي تشغل الشبان في هذه المرحلة من العمر , عادت هي للمنزل لتحضر لهم بعض المقبلات حتى يتسلوا بها أثناء الحديث , حملت المقبلات من المطبخ وهي شاردة الذهن , فقد مرّ أمام عينيها طيفُ ابنتها التي يعتصر الشوق قلبها لرؤيتهآ , فهي رغم أنها ذهبت بالأمس , إلا أنها تشعر بأن ابنتها قد هاجرت منذ زمن بعيد , ليس بجسدها ولكن بروحها الدعابية التي كانت تملأ المكان قبل أن تدخل في حالة العزلة هذه , هناك سؤال محير يجول في رأسها ( ما السبب وراء حالة العزلة تلك ؟ ) , تريد ان تعرف الجواب , تتمنى ذلك , ولكن "وما نيل المطالب بالتمني" , ولو كان كل ما نتمناه يتحقق , لما كان للسعادة طعم , بل يجب أن نذوق طعم الحزن حتى نشعر بلذة السعادة , فبالضد تعرف الأشياء , عادت لتلقي نفسها في دوامة الوهم تلك , ولكن قبل أن تدخل في تلك الفوهة , شعرت بأن شيئاً دفعها بقوة للخلف , سقطت على الأرض موقعةً صحن المقبلات الذي انكسر , صرخت متأوهه , ماهذا الشيء ؟! , ماذا يحدث ؟ من دفعني! , نظرت حولها , لا يوجد أي شخص , الباب مغلق كالعادة , ولا يوجد أي أثر لأي شخص كان هنا , نظرت ليدها بسرعة بينما رأت الدماء تسيل قليلا من جرح تسببت به قطع الزجاج الناتج عن تحط الطبق , سارعت بمسح الدماء في الارض و لم يعد لها اثر بعد هذا , ما الذي يحدث بحق السماء ؟! , دخل عليها ابنها سريعاً بعد سماعه لصرختها الأولى , وجدها ملقاة على الأرض وبجانبها صحن المقبلات المنكسر , صاح قائلا بدهشة :- " أمّي !! " أسرع إليها فقامت هي بدورها بالوقوف سريعاً قائلة :- _ "بني , هه , يبدو انني اصطدمت بالباب أثناء سيري , هه أعتذر على إفزاعك " قام هو بجمع بقايا ذلك الصحن , غير مصدق لما قالت , ولكنه لم يشأ تكذبيها , لذا جمع الصحن وألقى بها في القمامة وطلب منها الارتياح قليلاً , فيبدو عليها الإرهاق , خاصةً وقد اعتذرت اليوم عن العمل الصباحي حتى تقيم تجمعاً لأصدقاء ابنها , وستقوم بجلِ عملها مساءاً , وافقت على اقتراحه وصعدت لغرفتها علّها ترتاح قليلاً , ولكن بالها المشغول يأبى إلا أن تبقى مستيقظة , تفكر , ما الذي يحدث ؟ , هل هذه تهيئات ! , لا يعقل أيةُ تهيئات تلك التي تتسبب بتأذيها جسدياً ؟ , حاولت جاهدةً تناسي الامر , لا شيء على ما يبدو انها تضخم الامور كثيرا , استلقت على ذلك السرير الضخم , الذي اعتادت أن تنام عليه وحدها , نادراً ما ينام عليه زوجها الذي اعتاد النوم في الفنادق من كثر سفره , تتنهد بألم , ولكنها لازالت مبتسمة , فسعادتها بابنها تغنيها عن الحياة بأكملها , تنظر للسقف , تتفحصه وكأنها تراه لأول مرة , فحينما يكون المرء حائراً , يحدق في أي شيء , حتى الفراغ يحدق فيه , فجأة شعرت بأنها تعجز عن الحركة مرة أخرى , يبدو انها اصيبت بمرض ما , بتحاول فتح فمها لتصرخ ولكنها تعجز عن فعل أي شيء سوى ذلك الألم الخانق , بدأت في العجز عن التنفس , تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة , لا تستطيع تحريك بؤبؤ عينيها المرتجف عن السقف , انها تشعر بأنها مشلولة الحركة تماماً , مرت ثوانٍ عدة قبل أن تتمكن من الحركة , صرخت صرخةً مدوية ثم التقطت انفاسها سريعاً , قام ابنها بفتح الباب سريعاً وهرول إليها قائلاً :- "ماذا يحدث أميّ!!" ابتسمت ابتسامة مرتجفة قائلةً :- "لقد حلمت بكابوسٍ مزعجٍ بشدة , أعتذر على إزعاجك للمرة الثانية بني" _ "هه , حسناً , ولكن أخلي بالك من أي شيء ونامي حتى لا تصابي بكابوسٍ آخر" واتبع كلامه بضحكة صغيرة وخرج من الغرفة , وما إن خرج حتى أسرعت لترتدي ملابسها , ارتدت أحد ملابسها ذات الطابع الرسمي , وخرجت من منزلها ذاهبةً إلى طبيب ابنتها النفسي , ليس لتسأل عن ابنتها , بل لتسأله عمّا يحدث معها , في طريقها إلى الطبيب سمعت صوت نغمة رنين هاتفها ذات الطابع الموسيقيّ الهادئ , الذي يحرك في قلبها ذكريآت قد طويت , أسرعت بالرد قبل أنا تدخل في فوهة الحزن تلك :- "مرحباًّ!" قالتها برسمية _ "أمّي أين ذهبتي !" تذكرت أن ابنها ورفاقه لازالو بالمنزل _ "أنا ذاهبة لمهمة سريعة وعائدة مرة أخرى قريباً , لن أطيل صدقني" _"حسناً أمي ولكن لا تتأخري" _ "بالتأكيد بني" أغلقت الخط واكملت قيادتها نحو الطبيب النفسي الذي تتمنى ان يفسر ما يحدث لها , وصلت لتلك العيادة التي كلما رأتها ارتاحت نفسياً , فهي محاطة بزهور الكاميليا والكادي , مع خليط عطر من الأشجار المزهرة أيضاً , دخلت لتلك العيادة فوجدت زبونةً لدى الطبيب _ "سيدة آيفير , ألديك موعد !" _ "لا ولكنه أمرُ طارئ طبيب" _ "ماذا هناك؟" _ "أترككم" وخرجت الزبونة , نظرت على إثرها آديلآيد قليلا للتأكد من ذهابها و اعادت نظرها مباشرةً للطبيب قائلةً :- _ "طبيب لويس , يحدث معي أشياء غريبة!" _ "هدئي من روعك سيدة إيفير وأخبريني ماذا يحدث معك" . حكت آدي للطبيب لويس جميع ما يحدث معها , وكلما قالت له شيئاً تتغير تعابير وجهه للاستغراب والتعجب أكثر , وعندما انتهت قال لها :- _"إنها هلوسات بالتأكيد , يجب عليك النوم أكثر" _ "صدقني ليست بهلوسات" _ "ما رأيك أن تذهبي إلى طبيب روحاني أفضل" _ "إن كان لديك رقمُ له لا تبخل عليّ" _ "تفضلي" واعطاها بطاقةً .. و بداخله لا يأمل حقاً ان تلتجئ لهكذا اطباء , فهو شخصياً لا يقتنع بهم مطلقاً . خرجت من العيادة سريعاً متجهةً نحو العنوان في البطاقة , "126 شارع واشينجتون قطعة12" , تحاول البحث عن ذلك المكان بسيارتها سريعاً , وجدت أخيراً لافتة مكتوبُ عليها "الطبيب الروحي : جوزيف كلارك .. عالج روحك" , شعرت بأن الكلام غريبُ قليل ولكنها اسرعت لداخل البناية , صعدت للدور الثاني عبر سلمٍ قديم , تشعر أنها داخل إحدى البنايات التي بنيت إبان الحرب العالمية الثانية , فهي قديمة جداً وتخلو من السكان , وجدت باباً كبيراً حديدياً وكأنه باب قصر قديم من قصور الفرسان , ثم دفعت الباب فوجدته يفتح , دخلت ووجدت رجلاً عجوزاً مغمض العينين ويجلس كما المتأملون _ "سيد كلارك !" ألاح يبده مشيراً لها بالجلوس , ولكن لا يوجد كراسي , فجلست على الأرض كما كان يجلس , نطق بصوت عميق بدا و كأن له صدىً مريب . _ "ماذا هناك سيدة آديلايد"! صدمت , فكيف عرف هذا الغريب اسمها ! _ "كيف عرفت اسمي يا سيد كلارك؟" _ "هناك روحٌ تريد الانتقام منكِ , لذا تفعل ما تفعل معكٍ" شعرت بأن هذا الرجل العجوزُ بدأ بالهذيان _ "اعتقد اني اخطأت العنوان" خرجت من تلك البناية سريعاً وهي تقرّ بأنها هي المخطأة بعدم تصديقها للسيد لويس , فهي بالتأكيد هلوسات عدم النوم , عادت للمنزل سريعاً لترتدي زي العمل وتذهب لمكتبها .. لأن الساعة قاربت السادسة مساءً و عليها الذهاب في السادسة والنصف .. ارتدت ملابسها الرسمية ذات اللون القرمزي وهرعت للخارج , فيجب عليها التواجد سريعاً حتى لا يسجل غيابها . وصلت للمكتب ومن شدة سرعتها كادت أن تسقط , فتحت باب المكتب ثم تنهدت مرتاحة فالساعة الآن السادسة والثلث فقط _ "مساء الخير رون"
=قالتها بمرح وهي في طريقها لمقعدها , تنهد بيأٍ واضعاً يده على رأسه محاولاً التماس حل لمأزقه معها منذ رؤيتها . نطق بملل و هو مدرك تماما بانه يحدث الريح :- _ "رونالدو سيدتي" و عقب بعدها بجفاء :- _ "مساء الخير" _"رون رونالدو لا اهتم" قالتها بلا مبالاة وقد بدأت في القيام ببعض الأعمال الورقية , مرت ساعتان قبل ان تنتهي من اعمالها "واخيراً انتهيت !" قالتها بسعادة _ "بما أنه لدي نصف ساعة قبل رحيلنا , أود أن أسألك سؤالاً يا رون.." رفع عينيه من على حاسوبه المحمول الذي بدا انه كان يقوم بعمله عليه , كانت نظراته بلهاء بعض الشيء يغلب عليها الملل الشديد , نطق ببطء :- _ "تفضلي سيدتي" _ "إحم , رون .. أخبرني عن السبب وراء كونك بلغت السادسة و العشرين من عمرك , ولم ترتبط.. او حتى تكون لديكَ صديقة" ؟ " قالتها وهي تعلم ردة فعله , تغيرت تعابير وجهه وتجهمت قليلاً , ابتلع ريقه باختناق , ارتفعت يده ببطء لتمسك بربطة عنقه تحلها قليلا , الا انه عاد يتجهم من جديد , القى نظرة سريعة عليها و عاد به الى حاسوبه , استكمل عمله بينما يتحدث بحنق :- " عانيت و لازلت اعاني بحياتي بما يكفي و ليس لدي القدرة مطلقاً على تحمل اعباء فتاة كذلك , انا لا اجيد مطلقا التعامل معهن , سريعات البكاء و كثيرات الكلام و ان افنيت عمري كله لاحداهن و اتى يوماً رفضت طلباً من مطالبهن يقلن ( لم ارى منك خيراً قط ) , ثم انه لدي انتِ , صدقيني انتِ تكفيني جداً جداً و ربما فوق طاقتي , يكفي ان التعامل معكِ يثير بي مشاعراً لم اعرفها قبل رؤيتك , انت تبدين ... تبدين كما لو انك سُم وُضِع بقلة ضمير في قطعة من الحلوى , و يجب علي تحمل السم لآكل الحلوى كلها , و بالطبع تدركين بان الحلوى تلك هي عملي , و ها هو سبب اخر يمنعني عن الارتباط او مصادقة احادهن و لو سمحتِ سيدتي لا تفتحي الموضوع مجدداً , و لا اريد لحديثنا ان يتعدى نطاق العمل ! " هتفت به :- "يالكَ من غريب!" وعادت للتفكير بحياتها هي .. مرت نصف ساعة ثم خرج الاثنان من المكتب عآئدين لمنزلهما , بينما كان رون يفكر بسؤال آدي , ووجهه لا يتوقف على التقلص بغضب , ما شأنها هي بحق الجحيم ! |
التعديل الأخير تم بواسطة Aωαу ; 02-19-2013 الساعة 10:16 PM |