03-09-2013, 09:06 PM
|
|
-1- ~[ سيُغادِر ! ]~ - .. تنهدَ بِمللٍ وَأسندَ جسدهُ على المقعدّ الخشبيّ ؛ ليُلقيّ بِبؤبؤيّ عينيه الرماديتينّ الناعِستينّ خارِجَ النافِذة بِهدوء ، وَمع النسيمّ الخفيفّ وَالجوّ الهادِئ أغمضَ عينيه ليحصُلَ على قسطٍ مِنَ الراحة بعدما سهِرَ طوالَ الأمسّ ؛ كيّ يتعلمَ معزوفةً جديدّة .. ما زالَ صوتُ الأُستاذّ يتخبطُ في ثنايا أُذنيّه ؛ ليُقطبَ حاجبيه بانزِعاجّ ،" ما الذي مع هذا الشخص اللجوجّ ؟ ألا يخرسُ ولو قليلاً !؟ " .. فجأةً !!، ثارتّ الرياحُ بِشدّة لتقلِبَ كُلَّ شيءٍ رأساً على عقِبّ بعدما اندفعتّ عبرَ النافِذة المفتوحة .. وَبطيرانّ قُبعتِه المُحببة اندفعَ هوَ عنْ مِقعدِه ليُحاوِلَ التقاطِها فيما يتخبطُ بِتلكَ المقاعِدّ وَالطاوِلاتّ التيّ تملئُ الصفّ ، أخيراً ؛ قفزَ مُمسِكاً القُبعة ليقعَ على الأرضِ بِشدّة ، شعرَ بِألمٍ خفيفٍ في صدرِه فانقلبَ ؛ ليستلقيّ على ظهرِه حاضِنّاً قُبعته .. تنهدَ بِراحة ، ثُمَ نصبَ ظهرهُ واقِفاً ؛ ليُلقيّ نظرةً عبرَ النافِذة كمَّ فعلَ بقيّة الطلبة ، كانَ الجميعُ مُتفاجِئاً مِنْ المروحيّة الضخمة التي حطتّ في حرم الأكاديمية .. فُتِحَ بابُها مُصدِراً ضوضاءَ عاليّة بعدما هدأتْ الرياحُ مع ثباتّ المروحّة العلويّة .. وَترجلَ مِنها رجُلانِ بِبذلٍ سوداءَ رسميّة ، بالإضافة إلى السماعات الصغيرة وَالنظارات الشمسيّة ، ذو بنياتٍ جسديّة ضخمة وَمفتولة بالعضلاتّ ، خلفهُما خرجَ شابٌ في نهاية العشريناتّ بشعرٍ أصفرَ مُتمرِدّ وَفوضويّ ، فيما زادتّ عينيه الزمرديتينّ مِنْ جمالِه الذي يجعلُ العقلَ مُشربّ ، كانَ طويلاً وَذو جسدٍ مُعتدِلّ لكِنهُ يخطِفُ الأبصارَ فِعلاً .. ألقى الشابُ نظرةً نحوَ النافِذة باستغراب ، ثُمَ ابتسمَ فيما تهاتفت الفتيات وَتشاجرنّ عمنّ كانت صاحِبة الابتِسامة مِنْ ذاكَ الشابّ .. سُرعانَ ما ملَّ الجميع مِنْ التحديقّ بهِ وَإن كانَ وسيماً ليعودوا إلى مقاعِدِهم بينما ضلتّ الفتيات المُغرماتّ واقِفاتٍ يُحملِقنَّ عبرَ النافِذة .. لكِنّ الأُستاذ ما كانَ ليسمحَ بِهذه الفوضى فأمرَ الجميع بالعودة حيثَ بدأُُ يجمعونَ أدواتهُم المُتناثِرة هُنا وَهُناكّ ليعودوا إلى مقاعِدِهم .. مِنْ بينهُم كانَ بطلُنا الذي وضعَ رأسهُ على الطاوِلة ليُتابِعَ نومه ليُحاوِلَ الاستغراقَ في قيلولتِه مُجدداً ؛ حيثُ حاولَ جعلها سُباتاً لِشدّةِ إرهاقِه .. :" [ شو ] ! " وَضربَ بِكُلِ ما أوتيَ مِنْ قوة طاوِلته بِتلكَ المسطرة الحديدة الطويلة ليدويّ الصوتُ عاليّاً في الصفّ ، تأوه [ شو ] بِمللٍ اختلطَ بنبرةٍ ناعِسة ، ثُمَ رفعَ رأسهُ مُحدِقاً بالأُستاذِ الماثلِ أمامه بِطولهِ الفارِع ، وَمنكبيه العريضينّ .. ابتسمَ بِخفّة ؛ حيثُ أنهُ أدركَ مصيره .. :" إلى الخارِجّ ! " . تنهدَ بارهاقّ وَحاولَ البحثّ عن جانبٍ مُشرِقٍ في هذا .. حتى وَإن تمكنَ مِنَ النومِ في الخارِج .. فهذا لا يعنيّ بِأنّ الدرجاتَ ستعودُ بِنومِهِ إطلاقاً .. سيوبخُ بِشدّة مِنْ قِبل والديهِ المُبجلينّ ! استندَ بِجسدِه على الحائِطِ مِنْ خلفِه مُفكِراً .. " ماذا سأفعلُ الآن ؟ " .. كانَ الرِواقُ الطويلّ هادِئاً للغاية .. حتى إنهُ لا يسمعُ صوتَ الطلبة ..! انزلقَ بِبطءٍ على الحائِط حتى جلسَ على الأرضّ تقوقعَ حولَ نفسِه وَاستلقى جانِباً ؛ ليضعَ قُبعته على وجهِه منعاً مِنْ تدفقّ الضوءِ إلى عينيه .. حاليّاً ، سينظُر إلى الجانِبّ المُشرِق بالنسبّة له ، النوم ! ، حتى وَإن عنى هذا أنّ من سيراهُ هكذا لا بُدّ ! ، سيلتقطّ لهُ صورةً وَيسخرُ مِنه .. لمْ يحتجّ إلا لِبعضِّ ثوانٍ كيّ يستغرِقَ في النومِ مُجدداً .. وَرُبما لو لمْ يكُن نومهُ مِنَ النوعِ الخفيفّ لمَ ثقبتّ أصواتُ الخطواتِ ، وَالهمساتِ المُقترِبة أُذنيّه .. قطبَ جبينهُ مُتكدِراً .. لا رغبةَ لهُ في الاستيقاظِ بتاتاً !!.. ليسَ الآن على الأقلّ ! وضعَ يديهِ على أُذنيه وَحاولَ العودة إلى النومْ .. وَعِندما ظنَّ أنهُ سيعودُ لنومِه الجميلّ ضربَ أحدُهم على رأسِهِ بِخفّة .. آن بانزِعاجّ وَحاولَ التجاهُل لِمُتابعة نومِه فلا شكَّ وَأنهُم بعضُ الطلبةِ المُزعجينّ .. رفعَ القُبعةَ ليُباغِتهُ الضوء لكِنهُ لمْ يكترِثّ لهُ في تلكَ اللحظة ، إنما انتفضَ مِنْ مكانِه مُمسِكاً القُبعةَ مُجدداً .. ظلَّ بضعَ دقائِقّ ينظُر إلى ما حولِه أُستاذُه كانَ واقِفاً أمامه بِرفقّة الشابّ صاحِبّ المروحيّة فيما كانَ بعضُ الطلبةِ يتهامسونَ فيما بينهُم وَهُم يُطِلونَ عبرَ البابّ .. لمْ ينطقّ ببنتِّ شِفّة إنما انتظرَ جوابهُم حتى تحدثَ الأُستاذّ لحظتها : [ شو ] .. ستخرُج الآن بِرفقة السيدّ [ دونلد ] .. أسرِع بجمعِ أغراضِكَ مِنَ الصفّ ! ضيقَ عينيه ليُحاوِلَ الفهمّ .. فبالإضافة إلى أنهُ لمْ يستيقظّ تماماً بعدّ .. هذا ليسَ بالشيء المُعتادّ وَ ... " من هوَ دونلدّ هذا !؟ " .. حولَ نظراتِه نحوَ ذاكَ الشابِ بِشكٍ وَريبّة وَتساءل إنّ كانَ هذا هو [ دونلد ] المزعومّ ! ، لحظتها ، حكّ رقبته بِكسلّ وَ :" تص " هيَ الشيء الوحيد الذي خرجَ مِنْ فمِه لينهضَ متوجِهاً نحوَ الصفّ .. وضبَّ أغراضهُ كُلها ليحمِلَ حقيبته وَالسوءُ واضِحٌ على محيّاه .. لطالما كرِهَ أن يكونَ محطَّ الأنظارّ وَالآن الجميعُ يُحملِقُ بهِ وَهمساتُهم تصِلُّ إلى مسامِعِه .. " ما علاقةُ [ شو ] بِذاكَ الوسيم ؟ " ، " هل هُما أقرِباء ؟ " ، " لا بُدَّ وَأنهُما شقيقانّ لامتِلاكُهما مستوى الوسامةِ نفسِه " ، " منْ كانَ يظُنّ بِانَّ هذا الكسولّ سيجذبّ الإنتباه هكذا ! " .. تمتمَ وَهوَ يُحاوِل تجاهُلهُم :" ليسَ وَكأننيّ أردتُ أن أكونَ محطَّ الأنظارّ !! " .. :" تجاهلهُم [ شو ] ! ، لا يُمكِنّ لكلامِهمّ أن يرفعَ أو يُهبِطَ شيء ! " .. حاولَ [ شو ] أن يبتسمّ إلا أنهُ غيرَ رأيهُ سريّعاً فضحكَ صاحِبُه [ هارولدّ ] وَاستطردَ قائِلاً :" ألِهذه الدرجةِ يصعبُ عليكَ الابتِسام ؟ ". تابعَ [ شو ] ترتيبَ أغراضِه في الحقيبة وَكأنّ [ هارولدّ ] لمْ يتحدثْ أصلاً ! ، تلا ذلِكَ حملُ [ شو ] لحقيبته وَمعطفِه المرميّ على مسندَ المقعدّ .. :" إذاً ، أراكَ غداً ! " قالَ [ شو ] وَاتجه إلى خارجّ الصفّ فيما تبِعهُ [ هارولد ] :" لا تنسى بِأنني سأتي إلى منزلِك اليوم ! ، فقد دعتنيّ السيدة [ جونز ] ..! ". ألتفت [ شو ] بِجسدِه فيما تابعَ السيرّ إلى الخلفّ رافِعاً أحدَ حاجبيه ساخِراً :" أتحتاجُ دعوةً أصلاً ؟ ". ضحِكَ [ هارولد ] ثُمَ سُرعانَ ما توقفّ وَهوَ يلمحُ نظراتّ [ دونلد ] له .. شعرَ بالضيقّ وَهوَ يتذكرُ الحديثّ الذي أجرياه فيما كانَ [ شو ] يجمعُ أغراضه .. { [ شو ] لن يعود إلى هُنا مُجدداً ! ، ودعهُ جيّداً !! } .. مع ذلِكّ ، فضلَ أن يبقى مُبتسِماً لعلّ [ شو ] يتذكرُه بِهذه الابتِسامة .. أو هذا ما خططَ لهُ على الأقلّ ! ، سُرعانَ ما شعرَ بِأنَّ جسدهُ يتحركُ مِنْ تلقائيّ نفسِه ! ، صديقة الأقربُّ إليه .. سيُغادِرُه منْ دونِ أن يعلمَ حتى !.. لحظتها احتضنَ [ شو ] ؛ حيثُ تركتّ الدهشةُ معالِمها على وجهه .. لم ينطقّ بشيءٍ وظلَّ وقِفاً بِلا حراكّ .. " ما الذي يجري معه !!؟ " حدثَ نفسهُ بِذهولّ ! ، عندما تدفقَ صوتُ [ هارولد ] إلى أُذنيه :" أسِفّ ! " . لمْ يفهمَ المعنى مِنْ ذلِك لكِنهُ دفعهُ عنهُ بِسُرعة حتى كادَ [ هارولد ] أن يقع ليصيحَ بِوجهٍ مُحمرّ وَحاقِدّ :" أتمزحُ معيّ !!؟ من سيرانا سيظُنُنا نوعاً مِنَ الشاذّينّ !!! " . حكَّ [ هارولد ] مؤخِرة رأسه بِسذاجة وَابتِسامة بلهاء .. :" لمْ أقصِدّ ذلِكّ !! " . ثُمَ أردفَ وَهوَ يلتفُ عائِداً إلى الصفّ :" إذاً ، أراكَ لاحِقاً ! " .. :" آه " . قالَ [ شو ] وَألتفَ ليُكمِلَ طريقهُ نحوَ الخارِجّ .. رمى حقيبته السوداء الثقيّلة بِجانِبّ البابْ الأخر للمروحيّة لِتُصدِرَ صوتاً لِتكسُرِ شيءٍ ما ، لكِنهُ لم يُباليّ وَجلسَ بِتعبّ ، فبالنسبة له ، أيُّ حركةٍ صغيرّة تُعدُّ مجهوداً كبيراً ؛ لِهذا كانَ يسخرُ [ هارولدّ ] مِنهُ كثيراً ، مِنْ ثُمَ ، نظرَ إلى [ دونلد ] الذي صعِدَ توّاً ليجلِسَ بجانبِه ، كانَ هادِئً مع ابتِسامة لطيّفة على شفتيه ، ظلَّ [ شو ] يرمقهُ بِنظراتٍ مُتفحِصّة ، وَحذِّرة ! ، وَسُرعانَ ما لاحظَ [ دونلد ] ذلِكَ سريّعاً .. وَبالرُغمّ مِنْ ذلِك !، هوَ لمْ يُبدِّ أيَّ تفاعُل ، فعندما رأى [ شو ] ذلِك .. قررَ أن يُبادِرَ هوَ .. :" إذاً ، من تكون يا سيد [ دونلد ] ؟ أأنتَ مِنْ طرفّ أمي ، أم أبيّ !؟ ". :" يُمكِنُكَ أن تُناديني [ بيتر ] ! ". ثُمَ أردف بعدَ صمتٍ دامَ لأقلَ مِنْ ثانيّة :" لنرى ، إن نظرتَ إلى الأمرِ بشكلٍ عامّ .. فأنا مِنْ طرفِ والِدتكّ ! ، لكِنْ ، إذا أردتهُ بِشكلٍ خاصّ .. فأنا منْ طرفِ جدِّك !! ". :" جديّ !؟ " . بالنسبة لِـ[ شو ] فهذه المرة الأولى التي يسمعُ فيها عن جدِّة ! ، على أيةِ حالّ .. بالنسبة لِمنّ هُم في وضعِه .. إنهُ أمرٌ طبيعيّ أن لا يعرفَ جده ! ، أردفَ قائِلاً :" وَماذا يُريدُ جديّ مني ؟ وَلِمَ أحضرنيّ بِهذا الشكلْ المُفاجِئ ؟ وَكيفَ عرفَ مكانيّّ ؟ ". حكَّ [ بيتر ] مؤخِرةَ رأسِه وَأخذَ يأنُّ مُفكِراً حتى قال :" لستُ أدري ماذا أقولُ لكّ ! ، بِشأن ما يرغبّ بهِ السيدّ [ ويليامز ] جدُكّ .. فهوَ شيءٌ لا يحقُّ لي الحديثُ بِشأنِه .. ستعرِفُ عندما نصِلّ ! ، أمَ الأسئِلة الأُخرى .. فمهما نظرنا إلى الأمر .. كُلها مُرتبِطة بِذاكَ السؤال ! " . أسندَ [ شو ] رأسهُ إلى النافِذة الزُجاجيّة ، وَعلى الرُغمّ مِنّ أنها بارِدة ، إلا أنهُ لمْ يُباليّ بِها حقاً ! . تواثبتّ العديدُ مِنَ الأفكارُ إلى رأسِه في تلكَ اللحظاتّ ؛ حتى لمْ يعُدّ يُدرِكّ بِمَّ يجِبُ أن يُفكِرّ ، وَشعرَ كمَّ لو أنَّ أرنباً يثِبُّ في رأسِه لِشدّةِ الصُداعّ ، وَفي لحظةٍ مُباغِته .. أللقى نظرةً عبرَ النافِذة ، وَتدريجياً ، بدأ يشعُر بالغثيانّ الشديدّ ، بالإضافة إلى التوتر ، القلقّ ، وَالهلعّ .. وَقدْ ازدادتّ حِدّة الصُداعّ ، وَبدأت أنفاسُه تتسارع كمَّ لو أنهُ يحتضِرّ ! ، ضغطَ بيديه على معِدتِه بِشدّة وَأخذَ يعُضُّ ترقوةَ قميصِه الأبيضّ بِكُل ما أوتيَ مِنْ قوة .. بالطبعّ ، كانَ [ بيتر ] قد لاحظَ وضعهُ السيئ ، وَحاولَ أن يسأله عمَّ أصابه .. لكِنهُ لمْ يُجِبّ عليه إنما وضعَ يديهِ على أُذنيّه وَهوَ يهمسّ مُكرِراً :" إهبطّ ! إهبطّ ! " . |
|