عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #46  
قديم 06-29-2013, 08:59 AM
 

الأقلية المسلمة في موزمبيق
14/03/2012
البيان العد95
******

تقع جمهورية موزمبيق على الشواطئ الشرقية لجنوب إفريقيا.

يحدها المحيط الهندي شرقاً، وتنزانيا ومالاوي وزامبيا شمالاً، وزيمبابوي وجنوب إفريقيا غرباً وسوازيلاند جنوباً. العاصمة مابوتو وعدد السكان 20 مليون نسمة.

الجماعات الإثنية: الماكوا والتوسونجا والماكوندي والشانجوان والشونا والنداو.
الأديان: مسيحيون (30 %)، مسلمون (17 %)، معتقدات تقليدية (45 % )

اللغات: البرتغالية (لغة رسمية) مع وجود عدة لغات محلية

يتمركز المسلمون في الولايات الشمالية، (تمبولا، وزمبزيا، ونياسا)، ويعملون بالزراعة (جوز الهند والقطن والسكر) وصيد الأسماك والتعدين في مناجم الفحم والذهب والماس والمنغنيز واليورانيوم.
******
كان وصول الإسلام إلى موزمبيق مرتبط بوصوله إلى شرقي إفريقيا، فلقد ازدهرت التجارة بين العرب وشرقي إفريقيا، وحدثت هجرات عربية إلى المدن الساحلية على طول الساحل الإفريقي، فكان للمسلمين نقاط ارتكاز على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية، وعرف المسلمون هذه المنطقة بجزيرة موسى السمبيق، وزادت الهجرات الإسلامية إلى بر الزنج، ونشط المهاجرون المسلمون في تشييد المدن الساحلية؛ ولم يكد القرن السابع الهجري ينتصف حتى كانت المدن الإسلامية قد انتشرت على طول الساحل الشرقي لإفريقيا من سواكن في الشمال حتى موزمبيق في الجنوب.
******
يتلخص تاريخ انتشار الإسلام في موزمبيق في ثلاث مراحل:
*****************************
المرحلة الأولى: بدأت من انتشار الإسلام في موزمبيق بتأسيس المسلمين لمدينتي موزمبيق وسفالة، وكانت سلطنة كلوة الإسلامية صاحبة نفوذ على هذه المدن الإسلامية، وهكذا كان نفوذ بني نبهان أصحاب السيادة على سواحل شرقي إفريقيا طيلة القرنين السادس والسابع الهجريين.
******
المرحلة الثانية: بدأت بظهور البرتغاليين أمام سواحل شرقي إفريقيا، فشنوا بتعصبهم الصليبي حرباً ضد الإمارات والمدن الإسلامية.

ودمروا مدينة كلوة ومساجدها الثلاثمائة، ومدن لامو، وباتي. واستمر الصراع قرابة قرنين.
واستطاع العُمانيون وقف التقدم البرتغالي؛ بل أنهوا نفوذ البرتغال في معظم سواحل شرقي إفريقيا، وأسس أحمد بن سعيد سلطنة عُمانية ضمت معظم شرقي إفريقيا؛ إلا إن البرتغاليين تمسكوا بموزمبيق، ودام احتلالهم من القرن العاشر الهجري حتى الاستقلال في سنة 1395هـ.
******
المرحلة الثالثة: بدأت هذه المرحلة مع استقلال موزمبيق بعد احتلال طال أمده، وتمثَّل في صراع المسلمين مع الأنظمة الاستبدادية الشيوعية التي حكمت البلاد منذ تاريخ الاستقلال واضطهدت المسلمين وعاملتهم معاملة مواطنين من الدرجة الثالثة.
******
مشكلات المسلمين:
********

- الفقر والتخلف نظراً لعدم اهتمام الحكومة بهم، فلا يوظفون في وظائف الدولة، ولا يحصلون على المميزات التي يحصل عليها غيرهم من باقي الديانات.
******
- نقص المدارس العامة والمدرسين في جمع المراحل التعليمية، والذين يتخرجون على قلتهم يعانون من عدم وجود فرص مناسبة لإكمال التعليم والاستمرار فيه، وهو ما يعني قلة الخريجين من المسلمين الحاصلين على مؤهل عالٍ.
******
- المستشفيات قليلة جداً، والكثير من السكان يعتمد على الوصفات الشعبية لعدم قدرته على الذهاب إلى المستشفيات.
******
- المساجد بسيطة متواضعة، ألحقت بها مدارس يدرس الدين الإسلامي بها معلمون غير مؤهلين لذلك، ويتلقون أجوراً زهيدة.
******
متطلبات العمل الإسلامي في موزمبيق:
*****************
- تشكيل هيئات إسلامية في مناطق تجمعات المسلمين.

- إنشاء معهد لإعداد المدرسين والدعاة.

- تأمين الاحتياجات المادية للدعاة والمدرسين وتأمين الكتاب المدرسي باللغة البرتغالية.

- تأمين الكتب الدينية، وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية.

- العناية بالمدارس القرآنية.

- مشروع للتعليم المتوسط العالي والمهني.

- مِنَح دراسية بالجامعات الإسلامية لأبناء المسلمين.

******
*إسلام ويب*


__________________
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 07-04-2013, 12:39 PM
 

وسطية الحضارة الإسلامية
08/03/2012
د. راغب السرجاني
******
التوازن والوسطية من أبرز خصائص الحضارة الإسلامية، وتعني هذه الخاصية التوسُّط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادَّيْن؛ بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حَقِّه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه.
ذلك التوازن والاعتدال الذي يليق برسالة عامة خالدة، جاءت لِتَسَعَ أقطارَ الأرض وأطوارَ الزمن.
فترى حضارة الإسلام تجمع بين الروحية والمادية، أو مُتَطَلَّبَات الرُّوح ومتطلبات المادَّة، وتجمع بين علوم الشرع وعلوم الحياة، وتهتم بالدنيا كما تهتم بالآخرة، كما تجمع بين المثالية والواقعية، ثم إن فيها توازنًا بين الحقوق والواجبات.
******
ومعنى التوازن بين هذه المتضادَّات أن يُفْسَح لكل طرف منها مجاله، ويُعْطَى حقَّه بالقسط؛ فلا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار، كما أشار إلى ذلك كتاب الله سبحانه بقوله: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا في الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}
وإذا ما أردنا توضيح ذلك، فإنه قد تبيَّن من تاريخ الحضارات السابقة أن كلاًّ من الجوانب الرُّوحيَّة البحتة أو المادية البحتة وَحْدَها لا تَصْلُح أن تكون سبيلاً لسعادة الإنسان، فليس في مسلك الروحية البحت سوى التخلُّف، وتعطيل الإرادة والتفكير وطاقات العمل، وقتل آدمية الإنسان، وخسارة منافع الكون، وكذلك ليس في مسلك المادية البحتة سوى الطغيان والظلم والاستعباد والذلِّ، والتحكم الغاشم بالأرواح والأموال والأعراض.
******
وهنا جاءت حضارة الإسلام الخالدة لتُزَاوج وتوازن بين مُتَطَلَّبَات الرُّوح ومتطلبات المادَّة، أو بين الماديَّة والرُّوحية الإنسانية؛ فتصبح الرُّوحية المهذَّبة أساس المادِّية المهذَّبة، وعندها ينعم الإنسان بالإرادة والحرية والتفكير وثمرة الجهود والعمل، في إطار من الإيمان والأخلاق القائمة على العدل والأمن والاستقرار والرحمة والمحبَّة
فمن شأن ذلك التوازن إذن أن يُحَقِّق الانسجام والتوافق بين الفطرة الإنسانية والغاية العقلية، وكذلك التجاوب والانسجام الشامل في أفكار الإنسان وخيالاته، وإراداته ونياته.
******
الجمع بين علوم الشرع وعلوم الحياة
********************
وبالنسبة للجمع بين علوم الشرع وعلوم الحياة؛ فقد أقام الإسلام حضارته الرفيعة على منهج العلم والمعرفة والعقل، والبحث والتجربة والاستنباط؛ تقديرًا منه لحيوية العلوم في بناء الدولة والمجتمع، وفي ذلك أشاد الإسلام بالعلم والعلماء في مختلف الاختصاصات، الشاملة لكل إدراك يفيد الإنسان في القيام برسالته في الحياة، وهي تعمير الأرض والاستفادة من خيراتها وكنوزها، وأعني بذلك الجمع بين علوم الشرع وعلوم الحياة.
******
ويكفينا ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي: " فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم وإلى ما هو مباح؛ فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب، وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة. أما فرض الكفاية فهو علم لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما، وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمَّنْ يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين. فلا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات -أيضًا- من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحجامة والخياطة".
******
وقد جاءت كلمة (العلم) في كتاب الله تعالى وفي سُنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم مطلقة، دونما تقييد أو تحديد؛ فهي تشمل كل علمٍ نافعٍ يهدف إلى خير الدنيا وعمارة الأرض.. وكل علمٍ يهدف إلى صلاح الناس، والقيام السليم بواجبات الخلافة البشرية على هذا الكوكب، فهي تعني -في أكثر الأحيان- العلم بشقيه الشرعي والحياتي.. وكل ما جاء من مدحٍ للعلماء، فهو لكل عالمٍ نفع الناس بعلمه، سواء كان شرعيًّا أم حياتيًّا، وإن تاريخ الحضارة الإسلامية قد عَبَّر عن ذلك أصدق تعبير، من إسهامات وإبداعات المسلمين في العلوم الحياتية أو علوم الحياة، لخير شاهد وأفضل مُعَبِّر عن هذا الجمع
وإن هذا المنهج المتوازن مغاير لتلك الحضارات التي سيطر فيها الدين على القوى الفكرية والعملية، وبات يمنع العلم ويكبل التفكير وإعمال العقل.
******
الجمع بين الدنيا والآخرة
***********
وبالنسبة للتوازن بين الدنيا والآخرة، فلعلَّ أوضح دليل نذكره هنا تلك الآيات التي جاء الأمر فيها بصلاة الجمعة، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
******
فهذا هو شأن الحضارة الإسلامية في الجمع بين الدنيا والآخرة؛ فالآية السابقة تُوَضِّح أنه حتى في يوم الجمعة: بيع وعمل للدنيا قبل الصلاة، ثم سعى إلى ذكر الله وإلى الصلاة، وتَرْكٌ للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة، ثم انتشارٌ في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرًا في كل حال، فهو أساس الفلاح والنجاح، وفضل الله هنا هو الرزق والكسب.
وفي آية أخرى تدلُّ على الاعتدال بين العمل لهذه الحياة، والعمل لما بعد الحياة، يقول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} .
******
فلم يطلب الإسلام من المسلم أن يكون راهبًا في دَيْر، أو عابدًا في خلوة قائمًا ليله صائمًا نهاره، لا حظَّ له في الحياة ولا حظَّ للحياة فيه، وإنما طلب من المسلم أن يكون إنسانًا عاملاً في الحياة، يعمرها ويسعى في مناكب الأرض، ويلتمس الرزق في خباياها
وهكذا يكون أبناء الحضارة الإسلامية، طُلاّب دنيا وآخرة، يطلبون الحسنة في الحياتين، والسعادة في الدارين.
لذلك جاءت الحضارة الإسلامية وسطًا بين إغراق اليهود في العَبِّ من متع الدنيا، حتى جنحوا إلى كل ما يرتبط بالحياة الدنيا وأفرطوا فيه حتى خالفوا أوامر الله -جل وعلا- والتمسوا الحرام في الربا وغيره من المنكرات، وبين انسحاب رهبان المسيحيين من الحياة وعمارتها، وتركها للمفسدين يعيثون فيها فسادًا ضد منهج الله تعالى.
******
الجمع بين المثالية والواقعية
**************
ومن التوازن -أيضًا- الذي تميزت به الحضارة الإسلامية، ذلك الجمع بين المثالية والواقعية في شكل محكم رائع؛ فالإسلام دين مثالي وفي الوقت ذاته واقعي؛ فهو ينشد لمعتنقه الكمال والمثل العليا دائمًا، لكنه يطلب بأسبابه ويسعى إليه من بابه، ولا يُكَلِّف الناس شططًا؛ ولذلك كان من الصعب فصل المثالية عن الواقعية في الإسلام، وإنما هما شرعة للبشر متكاملة تُنِيرُ لهم سبل الخير، وترسم لهم قواعد السلوك وقوانين المعاملات
ففي المثالية تحرص حضارة الإسلام على إبلاغ الإنسان أعلى أفق ممكن من المستوى العالي الرفيع، في يُسْرٍ وراحة وطمأنينة، وفي الواقعية تراعي حضارة الإسلام ظروف الإنسان وفطرته، وحدود طاقته، وطبيعة تكوينه، وواقع حياته.
وليس في حضارة الإسلام تلك المثالية الخيالية التي لا وجود لها إلا في عالم الأحلام، مثل التي أنشأها أفلاطون في المدينةِ الفاضلة، والتي هي بعيدة كل البعد عن واقع الإنسان وما ركّب فيه من غرائز ونزعات، وما يعتريه من نقص وقصور.
******
كما أنه ليس في حضارة الإسلام تلك الواقعية التي تعني الرضا بالواقع، أيًّا كان وضعه أو صورته، أو أن تُطَوِّعَ حضارة الإسلام مبادئها لتوافق الحياة على أي لون، أو لتساير الواقع على أي شكل؛ فلم تأتِ حضارة الإسلام لتُرَبِّت على شهوات الناس وأنظمتهم، أو لتَرْضَى بأوضاعهم المختلَّة وتقاليدهم المعوجَّة..
******
إنما جاءت لتلغي كل أشكال الجاهلية ونُظُمِهَا، ولتنشِئ من ذات نفسها نظامًا خاصًّا بها، قد يتشابه في جزئيات مع واقع الناس وقد لا يتشابه؛ فقد جعل الإسلام مثلاً إنكار المنكر فريضة، ولكنه فريضة متدرِّجة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ". فأعلى درجة في إنكار المنكر تمثل المثالية، وهي لمن كان قويَّ الإيمان، ثم تنزل الدرجات مراعية ضعف قدرات البعض وتفاوتها.
وفي التوازن بين المثالية والواقعية جعل الإسلام حدًّا أدنى أو مستوى أدنى من الكمال لا يجوز الهبوط عنه؛ لأن هذا المستوى ضروري لتكوين شخصية المسلم على نحو معقول، ولأنه أقلُّ ما يمكن قبوله من المسلم ليكون في عداد المسلمين، وقد شرع هذا المستوى على نحو يستطيع بلوغه وأداءه أقلُّ الناس استعدادًا لفعل الخير وابتعادًا عن الشر، وهذا المستوى يتكون من الفرائض الواجبة، والمحرمات المنهي عنها، وهذه الفرائض والمحرمات جُعِلَتْ بحيث يستطيع كل واحد الوفاء بمقتضاها، وعند الضرورات تراعيها الشريعة وتُقَدِّرُها قدرها.
******
وبجانب هذا المستوى الإلزامي الواجب بلوغه على كل مسلم وضعت الشريعة مستوى آخر أرفع منه وأوسع، ورَغَّبَتْ فيه الناس وحَبَّبَتْ إليهم بلوغه، وهذا المستوى العالي يشمل المندوبات وأنواع القربات التي ترغب الشريعة في القيام بها، ويشمل -أيضًا- المكروهات والمشتبهات التي ينبغي تنزُّه المسلم وابتعاده عنها.
لكن الوصول إلى ذلك المثل أو المستوى الأعلى يحتاج إلى جهد ضخم لا يتيسَّر لكل الناس، بل هو رهين بمواهب خاصة، واستعداد خاصٍّ يتميز به القلَّة النادرة من الناس؛ لذلك لا يفرض الإسلام هذا المثل الأعلى على الجميع فرضًا، لا يُلزمهم جميعًا به، بل يرسمه أمامهم، ثم يتركهم لطاقاتهم {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} ، ويتقبل من كلٍّ ما يتقدَّم به على قدر جهده {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} .
وكذلك نلمح توازن الإسلام ووسطيته في العبادات فيما شرعه من العزيمة والرخصة؛ فالعزيمة كأداء الصلوات الخمس في السفر في أوقاتها بأعداد الركعات نفسها، ولكن لأن الإسلام يعلم أن في السفر مشقة تجهد الكثيرين من الناس؛ فقد خفف عنهم برخصة الجمع والقصر.
******
الحقوق والواجبات
*******
أما التوازن الأخير الذي أردناه فهو الذي بين الحقوق والواجبات؛ فالحضارة الإسلامية ترى أنه ما من حق لفرد أو جماعة إلا كان واجبًا على غيره؛ فحقوق المحكومين إنما هي واجبات على الحُكَّام، وحقوق المستأجرين إنما هي واجبات على المالكين، وحقوق الأولاد إنما هي واجبات على الوالدين.. وهكذا، ومن خلال أداء الواجبات تُراعى الحقوق.
******
وقد اتجه الإسلام إلى تحقيق التوازن في الحقوق والواجبات بين الفرد والجماعة؛ ليوازن بين النزعة الفردية والمصلحة الاجتماعية؛ فالإنسان ليس وحدة حياتية مستقلة عن بقية أفراد المجتمع، بل لا بُدَّ له أن يعيش ضمن دائرة المجتمع، ويتبادل المنافع والمصالح، وينشئ العلاقات، ومن تلك الروابط نشأت الحقوق والواجبات، التي نَظَّمتها الشريعة الإسلامية.
وهكذا اتسمت حضارة الإسلام من بين كل الحضارات السابقة واللاحقة بالتوازن والوسطية.
******
*إسلام ويب*


__________________
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 07-07-2013, 02:00 PM
 

الأدب والتغيير
08/02/2012
مجلة البيان العدد294
******

لعب الأدب – بأجناسه المختلفة – منذ نشأته عند جميع الأمم والشعوب دوراً مؤثراً وفعالاً في غرس القيم والأفكار والمفاهيم التي تساهم في بناء النفوس وتغييرها، أو حفزها – على الأقل – لاتخاذ مواقف معينة تجاه كثير من القضايا الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو غير ذلك.
بدا الأدب دائماً – وبصور مختلفة إيجابية أو سلبية - سلاحاً من أسلحة التحفيز والتحريض اللذين ينتهيان بالنفوس إلى التغيير، واتخاذ مواقف مغايرة.
******
وما كانت هذه القوة للأدب إلا بسبب ما يمتلكه من التأثير والجاذبية؛ إذ ليس هو كلمة عادية، ولكنه كلمةُُ منمَّقة جميلة، كلمة تشبه السحر. وهذا ما عبَّر عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن من الشعر لحكمة، وإنَّ من البيان لسحراً".
وفي تراثنا العربي الإسلامي كان الأدب (بشعره ونثره) دائماً سلاحاً في الدعوة، وخدمة الجماعة، والتعبير عن قضاياها وهمومها.
ومنذ نشأة الشعر عند العرب كان له الأثر الفعال في تحفيزهم وتحريضهم على العفو أو الثأر، على الحرب أو السلم، على الشجاعة أو الجبن. وكان صوت الشاعر مسموعاً مدوياً يصوغ وجدان الناس ومشاعرهم على نسق ثقافيٍّ معيَّن.
******
وما كان الحثُّ الدائم على حفظه إلا من قبيل الإيمان بدوره التربوي والنفسي، وبقدرته على التغيير، ونقل النفوس من حال إلى حال.
فهذا معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – يشير إلى دور الشعر، عندما يكتب إلى واليه زياد معاتباً؛ لأنه لم يعلِّم ابنه الشعر قال له: "ما منعك أن تُروِّيَه الشعر؛ فوالله إنْ كان العاقُّ ليرويه فيبرَّ، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل".
ويتحدث معاوية كذلك عن تجربته الشخصية، وما أحدثه الشعر من تغيير في موقفه حتى انقلب إلى النقيض؛ من الفرار إلى الثبات.
يقول معاوية: "اجعلوا الشعر أكبر همِّكم، وأكثر دأبكم؛ فلقد رأيتني ليلة الهرير بصفين، وقد أُتيتُ بفرس أغرَّ محجَّل بعيد البطن من الأرض، وأنا أريد الهرب من شدَّة البلوى، فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة:
أبتْ لي همتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الرَّبيحِ
وإقحامي على المكروهِ نفسي وضربي هامة البطلِِ المشيحِ
وقولي كلما جشأت وجاشت مكانَك! تُحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثرَ صالحاتٍ وأحمي بَعْدُ عن عرضٍ صحيحِ

وفي الإسلام جُنِّدَت الكلمة الأدبية المؤثرة منذ انطلاق دعوته، في الدعوة والتغيير، وفي الإثارة والتحريض. كانت سلاحاً جهادياً قوياً. كان صلى الله عليه وسلم يقول لشعرائه المنافحين عن الإسلام: "إن المؤمن ليجاهد بسيفه ولسانه".
وكان الشعراء والخطباء وأرباب الكلمة المعبرة ينطلقون مع الجند في ساحات المعارك، فيشجعون المجاهدين، ويبثون فيهم روح الحماسة والعزيمة والإيمان، فينطلقون غير هيابين ولا وجلين.
في معركة القادسية جمع سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – طائفة من الشعراء والخطباء والحكماء والقراء، ثم خطبهم يحثهم على أداء وظيفتهم في هذا اليوم الحاسم. قال لهم: "انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم، ويحق لهم عند مواطن البأس. إنكم شعراء العرب وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم، فسيروا في الناس فذكِّروهم وحرضوهم على القتال".
******
وأشار صلاح الدين الأيوبي (بطل الحروب الصليبية) إلى دور الأدب في المعركة، فبعث برسائل القاضي الفاضل والعماد الأصبهاني، التي وصفت للمسلمين الأخطار التي تتهدد الدين والبلاد على يدي الغزاة الصليبيين، وحثتهم على الجهاد، وبذل المال، والانضباط والطاعة للسلطان. وقد بلغ من تأثير هذه الرسائل في تغيير النفوس وحشدها أن يقول صلاح الدين الأيوبي – رضي الله عنه – إنه فتح البلاد برسائل القاضي الفاضل.
******
تجنيد الأدب:
*******
وبسبب قدرة الأدب على التغيير، ودوره المؤثر الفعال في حفز النفوس على الثورة والعمل وتبنِّي المواقف، اصطنعته الطوائف المختلفة في القديم والحديث سلاحاً هاماً من أسلحتها في الدعوة وصياغة الأحاسيس والوجدانات؛ فكان واحدٌُ مثل ستالين يقول: "الأدباء مهندسو البشرية".
وأشار أحد النقاد الغربيين إلى اصطناع الطوائف المختلفة من سياسية، وفكرية، وأيديولوجية للأدب في حمل رسالتها، وتغيير المجتمع والناس إلى الصورة التي يريدون، يقول ريا نوف: "إن التاريخ لم يعرف طبقة واحدة سيطرت في المجالات السياسية والاقتصادية وأهملت مسألة الفن، فإن كل واحدة من الطبقات التي سيطرت – اقتصادياً وسياسياً – سعت بالسبل كلها إلى الاستفادة القصوى من ثمار ونتائج الإبداع الفني، خدمة لمصالحها الطبقية... إنَّ الفنَّ أصبح سلاحاً للسياسة والأيديولوجيا، كما أن السياسة بدورها صارت مادة لكثير من الأعمال الأدبية والفنية...".
******
دور القصة في التغيير:
************
وإذا كان دور الشعر في التأثير والتغيير قد تراجع كثيراً في العصر الحديث عمَّا كان عليه في القديم لأسباب كثيرة لا مجال لتفصيل القول فيها؛ فإن الأدب ما يزال مؤثراً فعَّالاً، و ذلك بكل أشكال الأدب ومن ذلك القصَّة.
إنَّ القصَّة اليوم – بأشكالها المختلفة - هي سيِّدة الفنون الأدبية الحديثة، حتى حمل ذلك بعض النقاد على أن يسمِّي هذا العصر بـ "عصر الرواية".
إن القصة اليوم لم تعد مجرَّد كلام أدبيٍّ يُقرأ بين دفتيْ كتاب، بل تحوَّلت – بما هيأته لها التقانات الحديثة - إلى أشكال فنية مختلفة.
إنَّ القصة تدخل اليوم إلى كل بيت؛ وذلك لأنها قد تحولت إلى فيلم ومسلسلة ومسرحية و تمثيلية، فصارت شديدة الإغواء والإغراء، ومضت - بسبب ما تملكه من التشويق والإمتاع، ومن الجاذبية والإثارة - ترسِّخ كثيراً من المبادئ والأفكار والقيم: عن الدين والأسرة والسياسة والعادات والتقاليد وما شاكل ذلك. وقد كان بعض تأثيرها إيجابياً قاد إلى تغيير حميد، فوعَّى الجماهير، وفتح عيونهم على كثير من سلبيات مجتمعهم، والخلل في حياتهم السياسية والاجتماعية، وأيقظ فيهم روح الثورة والتحدي، والمطالبة بالحرية والعدالة، مما نشهد بعضاً من ثمراته في هذا الربيع العربيَّ الذي نعيش خضرته.
******
ولكنَّ القصَّة لم تكن دائماً ذات دور في تغيير حميد، بل كثيراً - وكثيراً جداً - ما حملت القصة قيماً سلبية، مسَّت العقيدةَ والدينَ، ومسَّت ثوابت فكرية تمثِّل هوية الأمة وشخصيتها، فصاغت وجدان كثير من طوائف المجتمع على نسق ثقافيٍّ معيَّن.
إنَّ الأدب فنٌّ غير محايد، ومهما حاول أن يتجرَّد من انتمائه السياسي أو العقدي أو الأيديولوجي؛ فإنه غير قادر على ذلك. إنه دائماً تعبير عن رؤية فكرية، عن تصور للكون والإنسان والحياة، وهو دائما طموح إلى ترسيخ مفاهيم أو تغيير مفاهيم، مستغلاً قدراته النفسية والجمالية لإحداث هذا التغيير.
******
ولكن التغيير نحو الأرقى والأسمى هو مطمح كل أدب عفٍّ نظيف، كالأدب الإسلامي، الذي هو نتاج الكلمة الطيبة التي ذكر الله - تعالى - أن أثرها لا ينتهي، ونفعها لا ينقضي، وهي خالدة ما بقي الزمان.
{ألمْ تر كيْف ضرب اللّهُ مثلاً كلِمةً طيِّبةً كشجرةٍ طيِّبةٍ أصْلُها ثابِتٌ وفرْعُها فِي السّماءِ}

******
*إسلام ويب*

__________________
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 08-09-2013, 07:06 AM
 
__________________
رد مع اقتباس
  #50  
قديم 08-09-2013, 07:12 AM
 
المبدأ القرآني في بناء الإنسان والحضارة
29/12/2011

د. عبد الحليم عويس رحمه الله

ذات يوم كان المسلمون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقيم حياتها على أساس الإيمان بالله، ودعوة الناس إلى الإيمان قولاً وفعلاً بالحكمة وبكل وسائل الدعوة الحسنة.

وكان المسلمون في ذلك يستجيبون لأمر الله الذي يخاطبهم كأمة تمثل الوسطية والشهادة على الناس، ولم يُعرف في تاريخنا أن الخطاب الإسلامي اتجه لجماعة أو هيئة أو جامعة أو مدرسة...

كما لم يعرف أن هناك طبقة بعينها تتخصص في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام، وأن الطبقات الأخرى لا علاقة لها بالدعوة ونشرها.. بل الذي عُرف وآمن به الناس أن هناك متخصصين في العلوم الشرعية يسمون (العلماء) أو (الفقهاء) وهم الذين يملكون مؤهلات التعليم المستوعب لعلم من العلوم لا سيما الفتوى في الفقه، والتبصير بحقائق التفسير، وتوجيه الأمة إلى الحديث الذي صحَّ عن رسول الله، أو الحديث الذي لم يصح، أو الحديث الذي صح رواية وسندًا ولم يصح دراية ومتنًا، أو العكس.
أما شأن الهّم الدعوى الإسلامي فهو شأن الأمة كلها، وهو هَمُّ مهندسها وطبيبها وعالمها الاجتماعي والنفسي، بل هو كذلك همّ الزراع والصناع والتجار كل حسب طاقته من الفقه بالإسلام، والقدرة على تمثيله قولاً وعملاً؛ فالدعوة بالقول والعمل، والنفس والمال والعلم.

ولم يعرف كل هؤلاء أن همّ الدعوة إلى الله ونشر الإسلام هو شأن خاص بالرجل، أو المرأة، أو المثقف وغير المثقف بالمعنى الثقافى المعروف. كما لم يعرف هؤلاء أن نشر الإسلام ودعوة الناس إليه إنما يعنى فقط تربية الناس على العبادة لله والإخلاص لدينه، والتوحيد الكامل به والالتزام بعقائده وأخلاقه!!
وإنما عرفوا أن كل ذلك تندمج فيه هذه القيم الربانية والأخروية بوسائل تؤدي إلى بناء الحياة الدنيا، وتفعيل جوانبها المختلفة وفق منهج الله للحياة.. فما يقوم به المسلم من تحقيق (الصلة بالله) إلا ليحسن تحقيق (الصلة بين الناس) أفرادًا وجماعات، وبذلك تصبح التعليمات المتصلة بالآخرة تنظيمًا وتكييفًا للتعليمات التي يجب أن تسود في الدنيا؛ وذلك كي يبني الناس منهاج حياتهم بناءً تمتزج فيه الدنيا بالآخرة، وتنجح تعليمات الآخرة في تكييف أركان الدنيا تكييفًا إيمانيًّا، وتمدها بالوقود الذي يحقق لها الصلة المثلى بالله، والسعادة وبناء الحضارة الإنسانية القويمة اللائقة بإنسانيته في هذه الدنيا!!

فما جاء الإسلام (لاهوتًا) يُريد من الناس أن ينسوا دنياهم، وأن يعيشوا في (ملكوت السماء)، وإنما جاء الإسلام مُعلِّمًا للناس كيف يعيشون في الدنيا بقيم السماء، محققين التواصل الكامل (الذي عجزت عنه كل الأديان) بين الدنيا والآخرة، وهذا يتجلى في قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} .
وحتى المساجد (وهي بيوت الله) التي ينصرف الذهن إلى أنها متخصصة في العبادة.. حتى هذه البيوت (بيوت الله) اجتمعت فيها التربية الإيمانية الأخروية الروحية والوجدانية، والتربية العملية الدنيوية القائمة على حُسن التكامل مع التربية الأخروية.

ولهذا رأينا في بيوت الله عالم التفسير، وعالم الحديث، وعالم الفقه والأصول، يتجاور في بيت الله نفسه مع عالم الفيزياء والفلك والطب والهندسة وغيرها.. وكل من هؤلاء وأولئك من علماء الدين وعلماء الدنيا يؤمنون بأنهم يتعبدون لله بكل ما يقدمونه من علوم دينية ودنيوية وطبيعية في سبيل بناء حياة يرضى الله عنها، وتتحقق للمسلمين بها آفاق التقدم والنهضة والحضارة التي تضمن لهم السعادة في الدارين، وتحقق القدرة على منافسة القوى العالمية في عصورهم.

الفصام المدمر:
ثم وقعت الواقعة، فظهرت عصور غلبت فيها العلوم التي تسمى (بالعلوم الأخروية)، وانسحبت -تقريبًا- العلوم التي أطلقوا عليها -ازدراءً لها وحطًّا من شأنها- مصطلح (العلوم الدنيوية).
وعندما جاء عصرنا الحديث ظهر قادة النهضة وهم يحملون هذه الأفكار المزدرية للعلوم الدنيوية، والتي تنصرف فيها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} إلى العلوم العسكرية، وما يتصل بالجهاد من قوة نفسية ومعنوية.
بل اتجه بعضهم إلى أن نصر الله ورضاه يتحققان -فقط- بالجهاد الحربي وتحصيل العلوم الشرعية، لدرجة أننا منذ نحو خمسين سنة تفشت في شبابنا ظاهرة سلبية أسيفة.. فقد وجدنا بعض الشباب المتدين يجنح إلى العلوم الشرعية، بعد أن يكون قد تفوق في تخصص من التخصصات العلمية مثل الصيدلة والكيمياء والطب والفيزياء والهندسة، ومع ذلك يترك كل ذلك، وينصرف إلى دراسة العلوم الشرعية مدَّعيًا أنها التي ستنصر الإسلام، وتحقق رضا الله وحدها، مُهمِلاً ما حصل عليه من شهادات في النواحى العلمية. وقد أصبحت هذه الظاهرة السلبية في فترة ما، أفيونًا مخدرًا مبددًا لطاقة الأمة.

تجربة شخصية:
ويحكى الأستاذ الدكتور (سيد دسوقى حسن) أستاذ هندسة الطيران بجامعة القاهرة (كلية الهندسة) تلك التجربة الشخصية الخاصة به فيقول:
كانت تتملكني الرغبة للدراسة في كلية الحقوق أو دار العلوم حين حصلت على الثانوية العامة، حتى لقيت أستاذًا لي في مجال الدعوة هو الأستاذ محمد يونس (رحمه الله تعالى)، فقال لي: نحن في حاجة إلى مهندسين يصنعون لنا طائرات وصواريخ.. فكِّر في الهندسة، فذلك خير لك ولأمتك.
وكان أن توجهتُ إلى الهندسة التي لم تخطر لي على بال قبل ذلك، ثم إلى الطيران والصواريخ..!!
ويقول الدكتور أيضًا: نحن في حاجة ماسة إلى استنارة بطبيعة (الفروض الحضارية) حتى يتدافع إليها الناس، وحتى لا يتدافع ذوو التوجهات الإصلاحية والدعوية في بلادنا إلى أعمال تأتي في نهاية الخريطة، وينسون أعمالاً تأتي في أعلاها؛ لأنها فرض الكفاية الذي تحول فأصبح (فرض عين) في ظل الواقع المريض!!

المبدأ القرآني للنهضة:
ونحن نجد بين أيدينا نماذج لمواقف بعث حضاري إسلامي قام بها علماء (شيوخ) ودعاة مصلحون.. مهندسون ومربون.. عرفوا كيف يمزجون في بعثهم للأمة، وإحيائهم لها، وإخراجها من مرحلة الاستعمار أو القابلية للاستعمار إلى مرحلة القيادة الحضارية التي تمزج بين العمل الحضاري والتوجيه القرآني..
ففي مواجهة إعلان الحاكم الفرنسي العام للجزائر (موت الإسلام في الجزائر) بمناسبة مرور مائة سنة على احتلال فرنسا للجزائر، وترويعه للشعب الجزائري بقوله: لقد حمل محمد عصاه من الجزائر ورحل إلى الأبد..

في مواجهة هذا الإعلان المشبع بروح الحقد الصليبي قام الشيخ عبد الحميد بن باديس بإنشاء حركة إصلاح من العلماء الجزائريين.. وبدأها بتلقين الشعب الجزائري دروس تفسير القرآن في مسجد قسنطينية، وأتم تفسير القرآن المسمى (مجالس التذكير)، قاصدًا بعث الشعب الجزائري بالتربية القرآنية القائمة على العلم والعمل..
وقد كانت حركة الإصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون أقرب حركات الإصلاح والنهضة في الجزائر إلى النفوس وأقواها في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وأدخلها في القلوب؛ إذ كان أساس منهاجهم الأكمل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}

فأصبحت هذه الآية شعار كل من ينخرط في سلك الإصلاح في مدرسة الشيخ عبد الحميد بن باديس.. وكانت أساسًا لكل تفكير وتغيير ونهضة... فظهرت آثارها في كل خطوة، وفي كل مقال، حتى أُشرب الشعب في قلبه نزعة التغيير، بدءًا من تغيير النفس.. وصولاً إلى تغيير الواقع.. تطبيقًا للمنهج القرآنى في التاريخ.

وبالتالي أصبحت أحاديث الشعب، تتخذ الآية القرآنية ومنهجها الإسلامي شرعة ومنهاجًا.
فهذا يقول: لا بد من تبليغ الإسلام إلى المسلمين. وذاك يعظ قائلاً: فلنترك البدع الشنيعة البالية التي لطخت الدين، ولنترك هذه الأوثان. وذلك يلح: يجب أن نعمل.. يجب أن نتعلم... يجب أن نجدد صلتنا بالسلف الصالح، ونحيي شعائر المجتمع الإسلامي الأول.. الذي أقام حضارة إنسانية عالمية، ونشر دينًا.. وصنع خير أمة.
لقد انطلقت الأفكار، ثم تلاقت وتصارعت... وظهرت آثارها في صورة مدرسة، أو مسجد، أو مؤسسة إصلاحية.

معادلة مالك بن نبي :
ويعلق المهندس الجزائري مالك بن نبي على الطرح الذي طرحته أفكار ابن باديس وقيمتها في إحداث التحول الحضاري في الجزائر، فيقول:
لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات "الشيخ عبد الحميد بن باديس"، فكانت تلك ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدَّر يتحرك.. ويا لها من يقظة جميلة مباركة.
وهكذا استيقظ المعنى الجماعي، وتحولت (مناجاة الفرد) إلى (حديث الشعب)، فتساءل الناس: كيف نمنا طويلاً؟ وهل استيقظنا حقًّا؟ وماذا يجب أن نفعل الآن؟
لقد فهم ابن باديس -وخلفه الشعب الجزائري- معادلات التغيير الأساسية الصالحة لبناء مجتمع حر متحضر.. لقد فهموا أن الحقوق نتيجة حتمية للقيام بالواجبات.. والواجبات أولاً.. والتلازم قائم لا ينفصل بين الواجبات والحقوق.. والحقوق تُؤخذ ولا تمنح، وتفرض بالإرادة القرآنية الحضارية ولا تُتسول ولا تُهدى.. ولا تُغتصب كما تغتصب الغنائم والأشياء، بل هي نتيجة طبيعية للقيام بالواجب.. مثلما أدى المسلمون واجبهم في مكة خير قيام، فظهرت دولة الواجبات والحقوق في المدينة.

إن الشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عَدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي.. وإنها لشرعة السماء وقانون الله وسنته الاجتماعية: (غيِّر نفسك.. تغيِّر التاريخ).
فهل استوعب الدعاة والمصلحون هذه القوانين؟ وهل يجاهدون في سبيل تغيير النفوس وصولاً لتغيير المجتمع وبناء الحضارة؟ هل يدركون ضرورة المزج بين الفقه بالعلوم الشرعية والإنسانية والكونية؟

وبالتالي هل يقومون بهذه الوظيفة المزدوجة من خلال منابر التربية والتأثير المختلفة، فيعلّمون الأمة العلوم الشرعية والإنسانية والكونية انطلاقًا من أن كتاب الله يتضمن تعليم العلوم الشرعية والتوجيهات الواضحة إلى القوانين النفسية والاجتماعية، كما أن القرآن بسط القول في الحديث عن آيات الله في الكون والآفاق في عشرات من سور القرآن.
يا أيها الدعاة، ويا معلمي الأمة في بيوت الله، قدموا القرآن كله للناس، وعلِّموهم ما فيه من شريعة الله ومن آيات الله في الأنفس والآفاق... فهذه هي تحديات العصر، وعليكم أن تواجهوها بما يناسبها.. والله معكم.


إسلام ويب


__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:39 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011