عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 03-16-2013, 01:34 AM
 
حولت نظرها عن العربة الأمامية ، محدقة الى الصحراء الصامتة ، وتساءلت بإمتعاض : هل كانت مجنونة وهي تدخل هذه المغامرة ؟ من الصحيح ان قلب والدها يتقطر حزنا على رسوم الحيوانات ، ولكنه لم يرها في حياته ، كل ما في الأمر ان الوقائع التي يستند اليها جاءت نتيجة محادثة مع أحد المغامرين ذوي الخبرة الضئيلة ، سيفرح كثيرا لو عادت اليه بصور الرسوم ، التي طالما دغدغت احلامه ، وجعلته يؤجل نشر كتابه الذي شغل معظم عمره.
والان بعد أن سبق السيف العذل ، ويتعذر عليها التراجع ، إنحنت كوري باللائمة على نفسها لأنها سمحت لمشاكلها أن تدفعها الى الإلتحاق بالرحلة وفق أعذار كاذبة ، فهي كانت ستتغلب على غدر اريك آجلا أم عاجلا ، أما بالنسبة الى عرض الأزياء ، فكان من الفضل التخطيط لمهنة جديدة في أجواء أقل خطرا من الصحراء.
إنها تتبع نزواتها عادة ، لكن ليس الى هذا الحد المتهور ، إجتاحتها رغبة لتغيير مجرى حياتها فلم تتمعن في نتيجة قرارها المتسرع ، إختالت إعتزازا بقناعها الجديد ، فلم تحسب حساب مدى إمكانية نجاحها في لعب دور رجل لعدة أسابيع.
إن التحول الى الى رجل يتطلب أكثر من شارب ونظارات مظللة ، سيكون عليها قضاء الليالي في خيمة مشتركة ، حيث يخلع الرجال ثيابهم أمامها ، وينطلقون في أحاديثهم البذيئة ، وكيف ستخلع ثيابها هي وتستحم ، وتهتم بنظافتها كأنثى ؟ هل تحلم أن تعيش وسط كل هؤلاء الرجال ، وتخفي عنهم حقيقتها؟
نعم.... ومضت عيناها ببريق عزم مفاجىء ، إنها قادرة على إنهاء مهمتها ، وكما فات أوان التراجع ، تبخرت كل البدائل ايضا ، ستنهي مهمتها ولن يكشف أمرها احد.
توقفت القافلة بجانب منخفض طبيعي يشكل حوضا مليئا بالمياه ، وإنتصبت بعض الشجيرات الذابلة في الجهة المقابلة ، موفرة شبه ظل لإتقاء الحر ، والهم من ذلك تؤمن الشجيرات ملجأ من البرد الصحراوي حيث تفقد الصحراء حرارتها بسرعة مع غروب الشمس كما حدثها والدها ، ويصبح الليل قارسا كالجليد.
ولاحظت كوري أن الشمس توشك على المغيب ، بدت كتلة كروية مشتعلة ، تحضن الأفق المترامي ، ورغم رؤيتها المتكررة لجمال الغروب الأفريقي وجدت نفسها امام منظر اخاذ لا مثيل له ، إكتنفها بهاء الفضاء الرحب ، فلم تنتبه الى الرجال وهم ينصبون الخيم.
وسمعت صوتا يهتف وراءها :
" إنه منظر اخاذ اليس كذلك؟".
إستدارت كوري ورفعت نظرها لترى رجلا ينتصب شامخا أمامها كتمثال قديم ، تتدفق حرارة الشمس العارية في ملامحه الصخرية ، تجمد الدم في عروقها ، وحل في حلقها جفاف رهيب ، بلعت ريقها ، وهي تلمس أهمية إجابتها لئلا تثير الشبهات :
" إنها حقا أخّاذة".
رأت عيناه تتقلصان ، وكأنه ادرك مأزقها ، لكن صوته ظل عاديا :
" ماذا دهاك يا كولن؟".
وقفت وقفة ثابتة لأخفاء إضطرابها الشديد ، وتمتمت بصوت عميق منخفض النبرة:
" لا شيء البتة ، كنت أتخيل نفسي ألتقط صورة هذا المشهد الرائع".
" إنه مشهد يستحق لوحة زيتية ، وليس مجرد كاميرا ، علينا الإسراع في نصب الخيام يا كولن ، ما أن تغيب الشمس حتى تنتشر الظلمة بسرعة".
" طبعا".
وعندما إنضمت الى الرجال المتحلقين حول العربات ، أدركت كوري أنها إرتكبت أول أخطائها ، وخطأ بالغ البساطة أيضا ، إعتادت في حياتها القصيرة ان ترى الرجال ينصبون الخيام والنساء يتولين شؤون الطهي ، ولكنها تخلت الآن عن مهماتها كرجل ، وبدون وعي منها .
لا بد من الإحتراس الدائم ، خاطبت نفسها ، وهي تتقدم لتساهم في أداء دورها ، وطرق مسامعها صوت اجش:
" هل بدأنا بالتهرب من واجباتنا؟".
لم ترفع كوري عينيها ، عرفت ان صاحب الصوت يدعى بويد خبير الحوال الجوية ، ويكاد يضارع فريزر طولا ، وهو فظ وخشن الملامح ، وكانت عندما تعرفت اليه في الصباح لمست بعض الإزدراء في سلوكه ، حاولت آنذاك طرد هذا الإنطباع ، معللة نفسها بتوقع معاملة أفضل بعد زوال قلقها ، لكن لهجته الهازئة هذه المرة بانت واضحة لا شك فيها ، وأعاد الكرة:
" ما بالك أيها الرجل الهزيل؟".
ونتيجة خبرتها بالرجال ، فهمت كوري انه يتعمد إستفزازها ، قالت باعصاب هادئة:
" لم يخطر ببالي التهرب من واجبي".
فتابع إستهزاءه بفظاظة:
" إنك مغرم بمغيب الشمس ؟ اعرف نوعيتك يا لاسن ، لن يمكنك تحمل الصحراء طويلا".
وإقترب منها ، أحست بطبيعته العدوانية ، المجسدة في منكبيه العريضين ، وصفات الشقي المتنمر ، إستطرد ينفث كلماته:
" كيف حصلت على هذا العمل ؟ هل إنعدم وجود مصورين آخرين ام ماذا؟".
كان من السهل الظهور بمظهر رجل ، أما إنتحال جوهر شخصية الذكر ، فتلك مسألة أخرى ، ما هي ردة فعل رجل حقيقي على هجمات بويد ؟ تساءلت كوري بياس قاتل ، هل يخرسه بكلمات محكمة ؟ ام أن هذه طريقة إمرأة في مواجهة وضع كهذا ؟ ربما كان يعمد الى لطمه على وجهه بجماع قبضته ؟ حتى ولو خسر العراك الذي لا بد من نشوبه ، يكون أثبت مقدار شجاعته ، كان ذلك خيارا يستحيل عليها إنتهازه ، قالت بحذر:
" لماذا لا تبحث الموضوع مع فريزر ؟ إنه خير من يشفي غليلك ".
وبصق بويد بقرف:
" يا لك من احمق مغفل".
أصاب بعض الرذاذ خد كوري ، إستشاطت غيظا ، نسيت تلك اللحظة من هي ، وكيف عليها أن تكون ، ورفعت يدها ، غير عابئة بالعواقب لتصفع وجه بويد عندما قال صوت هادىء:
" دع الولد وشانه ".
كان الصوت صوت مارك ، لم تره كوري يقترب منها ، وهي تتأجج غضبا ، وإنتبهت الى يدها المرفوعة ، فأرختها ببطء ، محاولة كبت إضطرابها وقد صدمها الواقع الأليم.
كادت تصفع وجه بويد ، فيظنها صفعة رجل ، ويضطر لرد الصاع صاعين ، وكان إفتضح أمرها خلال ثوان معدودة .
إستدار بويد نحو مارك يتهدده:
" لا تتدخل فيما لا يعنيك".
ورد مارك العالم الهادىء ، الدمث ، بلهجة جازمة ، مما أثار دهشة كوري :
" كلا ، لا يجوز السماح لكما بالعراك في يومنا الأول ، وإفساد معنويات الجميع".
ظل بويد في ثورة من الغضب :
" هذا الولد معتوه ، يتيّمه غروب الشمس ونحن نقوم بكل الشغل ، لا مكان له بيننا ".
أجاب مارك بدون تردد :
" فريزر إختاره ، دعه وشأنه يا بويد ، لا يزال في مطلع العمر ، وسيتعلم شيئا فشيئا ".
نظر بويد الى كوري التي ظلت صامتة طوال الوقت :
" إياك أن تقترب مني أيها المغفل".
وعلّق مارك عندما هم بويد بالتحرك :
" إنه راي حكيم ، لا تقترب منه ، إنه يتقن عمله ، ولذلك تجده هنا ، ولكنه يحب إثارة المشاكل للآخرين ".
ووجدت كوري صعوبة في السيطرة على صوتها وهي تقول :
" ولكن لماذا لا يزعج أحدا سواي ؟".
طمانها مارك بنظرات ذات مغزى :
" لأن احد أصدقائه الأعزاء اراد الحصول على عملك ، ولكنك سبقته اليه ، ولا بد من الإعتراف أن بنيتك لا تساعدك كثيرا ، فتشجع اشخاصا مثل بويد لعرض عضلاتهم".
قالت كوري بإعتداد لا يمت اليها بصلة:
" إن ضربة واحدة كانت كافية للقضاء عليه ، ولكن أعتقد انك على حق يا مارك ، من الأفضل تجنبه قدر المستطاع".
  #7  
قديم 03-16-2013, 01:36 AM
 
البارت الثالث
3-ثلاثة ايام في المخيم علّمتها كيف تتغلّب على الصعوبات وتجد متعة في عملها ، ولكن فريزر يفقدها توازنها ، إنه نقطة ضعفها الوحيدة.

أخذ الليل يرخي سدوله عندما أنهى ارجال نصب الخيام ، جمعوا بعض الأغصان اليابسة والأعشاب الجافة ، واضرموا فيها النار ، وذلك من اجل طهي الطعام وصد حيوانات الصحراء المفترسة .
جلست كوري مسترخية بجانب السنة اللهب المضطرمة ، تتنشق رائحة الطعام الشهية ، وتصغي الى أزيز حشرات الليل تختلط بهسهسة تقطّر اللحوم المشوية في قلب النيران ، وطافت على فمها إبتسامة حائرة وهي تفكر في زميلاتها وزملائها ، وردة فعلهم إذا ما رأوها الآن ، مقرفصة فوق الرمل بلباس الرجال ، تزدرد طعامها من صحن يثير إشمئزاز عارضات الأزياء ، ذوات الأنفة والناقة.
وادركت كوري ان عشاء الليلة سيكون إستثنائيا ، لن يدخل فمها بعد الآن سوى المآكل المعلبة ، وبكميات قليلة ، وستصبح قطرة ماء أغلى من الذهب في أرض تندر فيها مياه الشرب العذبة.
وإرتفعت حولها أصوات همهمة ، ذات رنين عميق ، رجولي اجش ، كانت هذه هي المرة الأولى التي تجد نفسها فيها بين مجموعة من الرجال ولا تشكل محط الإهتمام والإطراء ، أما الآن فكل رجل يرخي العنان للسانه ، ويتفوه بما يطيب له ، دون رقيب أو رادع ، ترى كيف كانوا سيتصرفون لو عرفوا أنها انثى إقتحمت حياتهم الخاصة؟
كان مارك يجلس بجانبها ، غارقا في حديث مع عالم جيولوجي ، وترامى صوته اليها هادئا ، خفيضا ، بارعا ، شعرت بالسعادة لكونه صديقا له.
وها هو بويد ، يجلس بعيدا عنها ، يروي نكتة بذيئة ، ويقهقه من أعماق قلبه.
زمت كورس شفتيها ، تضاءلت صورة بويد ، خبير الأحوال الجوية ، في ذهنها ، لتحل محلها صورة فريزر ملوري ، رأته ينتقل من مكان الى آخر ، يتبادل أطراف الحديث مع فريق عمله ، ولاحظت التجاوب الودي الذي يحظى به ، حتى بويد تصرف بإحترام فائق ، وفجأة سمعته يقول بصوت أقرب الى الهمس:
" سمعت أنك تورطت في مشكلة مع بويد".
وافقت بهز الرأس ، مبدية إمتعاضها ، فتابع:
" إنه فظ المسلك ، ولكنه طيب القلب ، حاول أن تتفهم طبيعته يا كولن".
" حسنا سأحاول ".
تمتمت عبارتها ، ونبضات قلبها تزداد خفقانا ، متمنية لو يدنو منها أكثر فأكثر ، ماذا دهاها ؟خاطبت نفسها ...هل فقدت صوابها ؟ الم تلتحق بهذه الرحلة لأنها أرادت الإبتعاد عن احد الرجال وكل ما يمثله ؟ اتت الى هنا لحاجتها الى العزلة ، والتروي ، وإستعادة ثقتها بنفسها ، لم يخطر ببالها الإلتقاء بشخص يؤثر على مشاعرها الى هذا الحد الهائل المخيف.
تابع فريزر حديثه ، مشيرا الى إختصاص كل فرد من أفراد الفريق ، كانت لهجته ودية ، حميمة ، تهدف الى تهدئة أعصابها ، وحملها على العمل بإنسجام مع بقية المجموعة.
لكنها كانت في عالم آخر ، فلم تفقه شيئا مما قاله ، ومع أن الظلام الدامس حجب عنها ملامح وجهه ، لم تجد صعوبة في رؤيتها كما هي بعين خيالها ، وأحاسيسها ، وكل خفقة في عروقها ، كان يتكىء على مرفقيه ، مادا امامه ساقيه الطويلتين ، يكلمها دون تكلف او إستهجان ، أما تلك الهالة الباهرة فظلت تحيط به ، مضاعفة إستسلام كوري لخيالها وأحلامها.
هل كان إهتم بها لو تعرف اليها ككوري لاتيمر ، فتاة يتدلى شعرها الأسود فوق كتفيها وينعكس مزاجها في عينيها البنفسجيتين الواسعتين ؟ هل ينجذب نحوها مثلما إنجذبت نحوه هي؟
يا للهول ، قطعت شريط أحلامها ، مدركة أنها ترتكب حماقة مميتة ، يجب عليها الإحتراس الدائم ، وعدم السماح لنفسها بالتورط في علاقة عاطفية وحيدة الجانب تزيد شقاءها شقاء ، أن فريزر ملوري لا يحترم النساء ، رغم تمتعه بهن عندما تسنح له الفرصة.
من المحتمل أن تنشأ بينهما علاقة عاطفية ، لو إلتقيا في ظروف عادية ، لكنها ستكون حتما علاقة محددة بمفاهيم فريزر ، ولن يكون لها مستقبل ، إنها عارضة ازياء ، وإبنة جون لاتيمر ، مما يعني إحتقار هذا الرجل لها أكثر من إحتقاره لغيرها من النساء.
سرت رعشة باردة في جسم كوري رغم دفء السنة اللهب ، وغمرتها السعادة عندما نهض فريزر وإبتعد عنها ، ثم حدقت في الظلمة الداكنة منقبضة القلب ، يمزقها صراع عنيف.
كانت النجوم الساطعة تضيء السماء الصافية بوهج باهر ، ولامست وجنتيها نسمات الليل المنعشة، وهي تصغي الى اللغط المتواصل حولها ، وفرقعة النيران وطقطقتها ، وفجاة إرتفع في البعيد صوت اشبه ببوق عميق ، هل هو صوت فيلة ؟ خيم الصمت على الجميع للحظات قليلة كانهم تنبهوا الى وعورة الصحراء ووحشتها.
نهضت كوري ومشت مبتعدة عنهم عندما إستأنفوا أحاديثهم المتنوعة ، وتوجهت بحذر وبطء الى الخيم المخصصة لها ، وقع نظرها على اسرّة داخل الخيمة ، لم يكن بإستطاعتها طلب خيمة خاصة بها وحدها ، إذ كانت ستثير الشكوك لو تقدمت بطلب كهذا ، عن فريزر وحده كقائد الرحلة يتمتع بهذا الغمتياز.
لم يكن امامها إلا طريقة واحدة لخلع وإرتداء ملابسها ، لا بد لها من معاينة عادات رفاقها واوقات دخولهم وخروجهم ، وقررت أن افضل حل هو أن تأوي الى النوم قبل الآخرين بقليل.
كانت كوري لا تزال مستيقظة عندما تفرّق الرجال بإتجاه خيامهم ، ظلت ساكنة تتنفس ببطء وإنتظام ، وعرفت أن بويد ومارك من الذين سيشاطرونها الخيمة ، وسمعت بويد يعلق بمرارة:
" يحتاج هذا الحقير الى النوم باكرا ليحافظ على جمال وجهه".
ورد عليه مارك بحدة لم تعهدها من قبل:
" دعه وشأنه ، إن فريزر لاحظ مضايقتك له".
" كان بإمكانه إختيار شخص أقل حقارة".
وإزدادت لهجة مارك حدة:
" ان لفريزر اسبابه الخاصة ، بالله عليك ، لا تفسد كل شيء يا بويد ، إنها رحلة شاقة وطويلة ولا يمكننا تحمل خلافات كهذه".
وتمتم بويد :
" الويل لك ايها الحمق".
وركل سريرها بغلاظة ، فحبست كوري أنفاسها ، ثم أحست به يبتعد عنها.
أغمضت عينيها بإحكام وهي تصغي الى احاديث الرجال ، وترامى الى مسامعها حفيف الثياب وإرتطام الأحذية المخلوعة ، وفكرت ان ما يمر بها الان سيكون اغرب حدث في حياتها .
وإمتلأت الخيمة ، بعد برهة قصيرة ، بشخير متواصل ، منتظم ، حال بينها وبين ملاك النوم رغم تعبها وإرهاكها ، إستلقت في الظلام تسترجع احداث يومها المثيرة .... مفارقة والدها ، وصولها الى ميوفونتين ، المواظبة على تمثيل دور الرجل ، التحليق بالطائرة الى الصحراء ومواجهة بويد المزعجة ، إستعادتها حادثة حادثة الى أن توقفت طويلا عند صورة رجل طويل ، ضامر القوام أسمر الوجه ، صارم الملامح ، تدفعها جاذبيته الى كشف هويتها كإمراة متيّمة.
بعد مرور ثلاثة أيام في الصحراء ، احست كوري بإرتياح وهدوء الأعصاب ، وكان ايامها الأولى سحابة صيف عابرة.... ثلاثة ايام قضتها تعيش وسط المخيم ، تلتقط الصور وتستمتع بعملها ، ثلاثة ايام في صحبة مجموعة من الرجال ، حيث توطدت صداقتها بمارك ، وتعلمت كيف تتفادى شراسة بويد ومراسه العنيد.
وحده فريزر يفقدها توازنها ، هذه نقطة ثابتة ، كانت تمنّت أن تعتاد على شخصيته الجذابة ، أما ما حدث فكان العكس تماما ، بل إزدادت الأمور سوءا ، ظلت ردة فعلها أزاءه غريزية عفوية ، تبذل جهدها في كبتها ، والإحتفاظ بموقف حيادي عادي.
أما مسرحيتها الخادعة فصارت الآن مسألة طبيعية ، سهلة التنفيذ ، وواظبت بعد الليلة الأولى على الإيواء الى الفراش قبل الآخرين ، وتظاهرت في الصباح بالإستيقاظ متاخرة ، لا ترتدي ملابس عملها إلا بعد مغادرة رفاقها الخيمة، أما الإغتسال فكان مشكلة حقيقية ، إذ لا تتوفر الحمامات هنا ، ولكنها مشكلة إستطاعت التغلب عليها ، تعلمت إستغلال الوقت وإنتهاز الفرصة المناسبة ، ولأنها هادئة الطباع ، محتشمة المسلك ، لم يعرها الاخرون إهتماما.
منتديات ليلاس
لم يكونوا قد قطعوا مسافة طويلة حتى الان ، إختار فريزر مكان المخيم قرب كومة من الصخور تمت بصلة الى أبحاث الرحلة العلمية ، لم تتصور كوري انها ستنكب على عملها بهذا الشغف ، كانت دراسات والدها قد قادتها الى الألمام ببعض تفاصيل الجيولوجيا ، ووجدت نفسها وهي تلتقط صور نماذج صخرية تتوق شوقا الى الإطلاع أكثر على أصولها وكيفية تركيبها
إنها تجد متعة غريبة في عملها ، حدثت كوري نفسها وهي ترقب رمال الصحراء الحمراء المتوهجة ، ها هي تقوم بمهمة مختلفة ، لم يسبق لها القيام بها ، وتعيش في صحبة رجال ، لا علاقة لهم بمن عرفتهم في عالم الأزياء ، إنهم اشد جدية ومباشرة ، باطنهم كظاهرهم ، لا خداع ولا تكلف ، كأن إنعدام الإناث ، ومستلزمات الصحراء الصارمة ، ومتطلبات العمل مرآة سحرية تكشف طبيعتهم الأصيلة وشخصيتهم الفعلية ، طارحة جانبا كل زيف أو مظهر كاذب ، إنها من وراء قناعتها تشاهد منظرا نادرا سقطت فيه كل الأقنعة التقليدية وأعراف المجتمع المفيدة.
إنها تحيا لحظات مليئة بالمفاجآت السارة ، كانت تتوثع صحراء قاحلة تعج بحر قاتل ورمال لا حد لها ، ولا شك ان الحر متوفر ، والرمال كذلك ، رمال حمراء كأنها تستمد لونها من لهب الشمس ، لكن الصحراء ليست مجرد رمال ، كانت هناك أغوار مليئة بالماء ، تنمو على أطرافها شجيرات صغيرة الحجم ، ومساحات واسعة من النباتات القاسية العنيدة المتشبثة بالحياة في أرض تندر الأمطار وموارد الطبيعة الخصبة.
وصلوا الى نهر يتماوج فيه القصب الطويل الغليظ ، وإرتعدت فرائص كوري عندما رأت أول تمساح ، أغبر اللون ، بشع المنظر ، يتمد كأنه يغط في نوم عميق فوق ضفة الرمل الحارة ، وعاجل مارك الى تهدئة روعها ، وتحذيرها من مغبة الإغتسال او السير في مجرى الماء الموحل.
كانت السهول المحيطة بالنهر تعج بالحيوانات ، وفي الليل ترامت الى مسامع كوري اصوات بعض الفيلة ، لكنها لم تدرك مدى أعدادها الكبيرة ، وفاتها ان الغابة المجاورة تزدحم بالنمور والأسود التي تتغذى بما تصطاده من الظباء والحمير الوحشية عندما ترد النهر لإطفاء عطشها.
حتى الان لم تعثر على أثر للحياة البشرية في هذه البقاع ، مع ان والدها حدّثها مرارا عن وجود بعض الجماعات ذوي القامة الضئيلة واللون الضارب الى الصفرة ، جماعات تتمتع بقدرة عجيبة على العيش في قلب هذه الأرض القاسية المعادية ، كما ان كوري لم يقع نظرها حتى الان على رسوم صخرية ، وهي أساس ابحاث والدها ، لكنها بعد مضي ثلاثة ايام فقط أصبحت تفهم ولعه بهذه الأرض الشاسعة ذات الشمس الحارقة ، والحياة الخشنة.
سرت في شرايينها موجة من الحر اللاذع ، وهي تجلس في سيارة الجيب التي أخذت تشق طريقها الى الأمام دون ان تعرف وجهتها المحددة ، كانت المشاهد الصحراوية حولها تستقطب إهتمامها ، فلم تنتبه كثيرا الى أي إزعاج اومشقة ، وبينما هي غارقة في افكارها ، توقفت سيارة الجيب فجأة ، وسمعت كوري عويلا حادا اليما ، نظرت الى السائق مرتاعة ، ثم قفزت من العربة لتلتحق بالرجال الذين تجمعوا على حافة الطريق.
  #8  
قديم 03-16-2013, 01:38 AM
 
رأت صبيا جاثيا في الغبار ، يتمد أمامه كبش ماعز هامد الجثة ، وأدركت ما جرى ، كان الصبي يسوق قطيعا من الماعز ، عندما إندفع الكبش نحو منتصف الطريق ، فدهسته العربة الأمامية وقضت عليه.
راح بويد ، سائق السارة ، يؤنب الصبي ، ويوبخه على إهماله وطيشه ، فأجهش بالبكاء وهو يسمع هذه اللهجة القاسية ، وهنا تدخل فريزر ، دافعا بويد جانبا ، ومتوليا زمام الأمور ، إنحنى ارضا ومر بيده فوق جثة الكبش ، ثم اشار لأحد الرجال بجره الى حافة الدرب ، وركز إهتمامه على الولد .
طغى على الصبي حزن عارم ، وكان عويله الذي إخترق أذني كوري حادا يشق الفضاء ، وعمد الى لطم راسه بالأرض مرتين ، وبقوة مؤلمة.
وقف الرجال حائرين ، مكتوفي الأيدي ، وتكلم فريزر الى الصبي ، حاول مخاطبته بالإنكليزية ولغة أفريقيا الجنوبية ، وبلهجتين عامتين ، لكن كلماته ذهبت سدى ، وإسترسل الصبي في عويله.
صاح بويد يتوقد غيظا:
" إنه يحاول إستدرار الشفقة ، والحصول على حفنة من الدراهم".
إستدارت كوري نحوه وقد إستبدت بها غريزتها:
" هل أنت عديم الإحساس الى هذا الحد؟".
ورد بضراوته المعتادة:
" هذه مسألة لا تعنيك أيها المغفل".
وبادر فريزر بالقول:
" إنه مجرد حادث ليس إلا ".
ورأته كوري يمد يده الى جيبه ، ويمسك بكف الصبي ويعطيه بعض الأوراق النقدية.
رفع الصبي الصغير وجهه الذي يكسوه الوحل والغبار ، وحدج النقود برهة ، ثم راح يعول مجددا ، قال فريزر باسى:
" أنا آسف لهذا الحادث ، ولكنني اعطيته أكثر مما يحتاج لشراء كبش آخر".
وإزداد بويد شراسة:
" الأفضل أن تتجاهله دعه يعول الى أن تجف دموعه".
ودفع فريزر بورقة نقدية الى اخرى الى يد الصبي معلقا:
" لا بد من إستئناف الرحلة ، ليرجع كل منكم الى عربته ".
" كلا ( صرخت كوري محتجة ، مستهجنة ) لا يمكننا ترك الولد في هذا الوضع".
ووجدت نفسها ، وبدون إنعام النظر ، تنحني لتضم الصبي الى صدرها غير عابئة بالاوساخ تلطخ ثيابها ولا بتاثير تصرفها على رفاقها ، لم تفكر إلا بذلك الولد البائس ، وحاجته الى العطف والطمأنينة ، أخذت تهدىء من روعه ، وتهمس في اذنه كلمات الحنان والشفقة ، ولا يهم انه لا يفهم معنى كلماتها ، فهو سيفقه نيتها وإهتمامها به.
وما لبث الولد ان سكن روعه ، وتوقف عن البكاء والعويل ، إنه مجرد طفل ، فكرت كوري ، طفل صدمته خسارة أعز ما لديه ، ولا شك ان الدراهم تمكنه من شراء كبش آخر ، لكن الوقت وحده والحب يشفيان الجرح الذي فتحه الموت المفاجىء في قلب ولد صغير.
إعتقدت كوري أنها قامت بواجبها نيابة عن الجميع ، فليتوجهوا الآن الى السيارات لمتابعة الرحلة.
رفعت بصرها ، كان الصمت يخيم على الجميع ، صمت غريب ، أليم ، مترقب ، جالت بنظرها من وجه لوجه ، فإنتابها إضطراب شديد ، كان الرجال يحدجونها بتمعن ، وعلت وجوههم إمارات الحذر والتساؤل ، وعلى نحو مباغت ، زم بويد شفتيه بخبث مخيف ، وبدا مارك عصبي المزاج ، اما ملامح فريزر فكانت كالحة قاتمة ، كان وجه فريزر يثير فيها الرعب أكثر من أي شيء آخر.
وقفت على قدميها ، متلعثمة ، تحاول إخفاء إضطرابها :
" يمكننا الذهاب الآن".
لم يجبها أحد ، ولم تبدر اية إشارة من احد ، اصيب راسها بالدوار وكررت كلماتها بلهجة اقل إقناعا:
" يمكننا الذهاب الان ".
رنّ صوت فريزر في أذنيها :
" بعد قليل ، تعال معي".
نظرت كوري الى مارك نظرة إستجداء ، لم ينبس ببنت شفة ، وخالته يهز برأسه مبديا اسفه ، وعجزه عن مساعدتها.
لم يكن امامها خيار سوى السير وراء فريزر ، وشعرت فجأة بالرعب الشديد ، ومع ذلك صممت على كبت مشاعرالخوف امام المجموعة ، مشت وراء فريزر برأس مرفوع ، كانت كل الأنظار مركزة عليها ، وهي تخطو خطواتها الوثيدة ، المرهقة.
جلست بجانبه في سيارة الجيب ، وإستعدت كوري للمعركة الحاسمة ، تتجاذبها مشاعر خفية ، غامضة اتجاه فريزر ، وكل ما يمثله من قوة ورجولة وجاذبية.
وأخيرا فتح فاه قائلا بتمهل مقصود:
" نعم يا سيد كولن لارسن !".
وتمتمت كوري :
" نعم يا سيد ملوري!".
وخرج صوته رقيقا ، ناعما ، ومغلفا بالخطر:
" أعتقد أن عليك إيضاح موقفك".
وسألته بخفة ، وكانها احست بإقتراب ساعة الإنفجار :
" تقصد تعويقي للرحلة ؟ لم يكن في اليد حيلة ، والولد في تلك الحالة السيئة".
وهز رأسه :
" حسنا".
" لم نتاخر كثيرا ( ردت متلعثمة ) وعزّ عليّ التخلي عن الصبي يعتصره الألم".
" ليس هذا هو الموضوع الرئيسي ، وأنت تعرف في أي مكان هنا ....".
وعاد يسالها مشددا على السم الول:
" هيا يا كولن .... هل ستخبرني الحقيقة أم تضطرني لإنتزاعها منك بالقوة؟".
رات في عينيه قساوة مدمرة تخمد النفاس ، فقالت متوسلة :
" إنك تسيء الفهم ".
ورد بفم ممتعض:
" اسيء الفهم ؟ لنتحقق من ذلك...".
ومد يده الى وجهها ، ونزع الشاربين بحركة سريعة.
لمست كوري شفتها العليا بانامل مرتجفة ، شاعرة بإنهيار حصنها المنيع.... حاولت أن تتكلم فخانتها قواها.
وإزداد فريزر غيظا.
" والان الى القناع الاخر ، هل تنزع النظارات ام أنزعها أنا؟".
وجدت نفسها تتضرع قائلة:
" سانزعها ،سانزعها".
وها هي الان تبدو على حقيقتها ، تلتهمها عينا فريزر بوقاحة ، وإنتقام ، وسمعته يبدي إعجابه:
" يا للجمال ، يا للجمال ، ما هذه الأفكار الجهنمية يا كولن؟ ( وبلع ريقه ) ولكنك لست كولن طبعا ، ما هو الإسم الحقيقي .... كارلا؟".

  #9  
قديم 03-16-2013, 01:40 AM
 
البارت الرابع
4- بعد أن إنفضحت اللعبة ، أحست كوري أن عليها الفرار من هذا المكان ، ولكن فريزر قال لها : " فات أوان العودة الآن ، لقد توغلنا كثيرا في الصحراء".

وقالت بصوت هامس:
" إسمي كوري".
" إسم عائلتك ؟ اريد أسم العائلة".
وإستطاعت لفظ إسم العائلة بشق النفس.
" لا تيمر ".
جحظت عيناه ، خالته متوتر الأعصاب ، كان صدمة عنيفة أصابته ثم علت وجهه إبتسامة هادئة ، واعلن بصرامة :
" إبنة جون لاتيمر ، والدك خطط كل ذلك ، يا للغرابة ، اذكر أنه شيطان خبيث ، ولكن لم اتوقع خدعة كهذه.
وإنفجرت كوري :
" لا ، والدي لا علاقة له".
ورد فريزر بإشمئزاز :
" إذن ما هذه المسرحية؟ .... اليست خدعة؟".
إعترفت كوري:
" نعم إنها خدعة ، ولكنك تظلم والدي بدون مبررر ".
" انا .... أظلمه؟".
" نعم ( أكدت له كوري ) إنها خطتي وحدي ، ولا علاقة لأي شخص بها".
" ان والدك يريد الحصول على صور الحيوانات الصخرية.... تلك الحيوانات اللعينة التي لم يتاكد من وجودها حتى الان".
كان فريزر ثاقب البصيرة ، متقد الذكاء ، وأدرك في ثوان معدودة هدفها من إنضمامها الى الرحلة ، ولم تجد كوري مهربا من الموافقة على رايه ، فصاح بها:
" إذن لماذا لم يأت هو بنفسه؟".
عضت كوري على شفتيها مستجمعة شجاعتها :
" لأنك كنت سترفضه وتخيّب آماله ، اليس كذلك؟".
واجاب متملصا من إبداء راي قاطع :
" ليست المسالة بهذه البساطة ، كان بإستطاعته إخباري".
إستردت كامل ثقتها وهي تؤكد له:
" كلا ، إن والدتي معتل الصحة ، ولم يعد قادرا على تحمل حياة الصحراء".
لم تثر كلماتها أي تعاطف مع وضعها ، بل إزداد فريزر ملوري حدة:
" إذن قرّر أن تحلّي محله".
" لا ، قلت لك أن القرار قراري أنا".
" قرارك الذي وافق عليه بحرارة".
وتشبثت كوري برايها :
" على العكس من ذلك ، إن والدي لم يعرف شيئا عن الموضوع".
خيّمت لحظة من الصمت ، كان فريزر يدرس وجهها بتململ وتساؤل ، وخالت كوري ان هذا الرجل العنيد يمسك مصيرها بين يديه ، وقرأت في ملامحه علامات الشك والإرتياب في كل كلمة تفوهت بها ، وسمعته يقول:
" إنك نادرا ما تلتقين بوالدك ، ولذلك يمكنك الإختفاء من دون ان يدري اين انت؟".
تلقّت كوري الطعنة بأنف شامخ:
كنت أعرف انك رجل متحجر القلب ، متغطرس ، عديم الرحمة ، لكن فاتني انك ايضا رجل خسيس وضيع".
وزم شفتيه:
" خسيس؟".
" ما معنى هذا الغمز واللمز إذن ؟ إن علاقتي بوالدي علاقة وثيقة ، وكلها حب وحنان ، والدي يعتقد انني أقضي إجازتي السنوية ولا يتوقع عودتي قبل بضعة اسابيع".
" الم يخامره الشك حول نواياك الحقيقية؟".
ذكّرها السؤال بآخر لقاء لها مع اريك ، وكل التعاسة التي تخللته ، أحست بإنقباض ، فإبتعدت عن فريزر قائلة:
" والدي فهم حاجتي الى قضاء بعض الوقت وحيدة".
وتمنت في اعماق نفسها لو يخلي فريزر سبيلها ، ويدعها وشانها ، لو يتوقف عن إستجوابها وينهي عذابها وقلقها ، وهي تحس بتلك القوة الخفية التي ما زالت تشدها اليه.
منتديات ليلاس
لم تلمح اليد التي إمتدت صوبها ، طوّق عنقها بأصابعه الطويلة ، فكاد وجهها يصطدم بوجهه وهو يجبرها على النظر اليه ، خفق قلبها في قفص صدرها كعصفور وجل ، وخاطبها بلهجة هادئة مختلفة:
" بذلت جهودا كبيرة للإنضمام الى هذه الرحلة، هل تعني لك الشيء الكثير؟".
حاولت التملص من قبضته دون جدوى ، أحست بوخز غريب في وجنتيها وعنقها ، وظل يراقبها بدقة ، ترى هل يدري مدى تاثير شخصيته عليها ؟ نعم ، إنه يعرف كل شيء ، وهو يجد متعة في ذلك ، كان حلقها جافا ، فوجدت صعوبة قصوى وهي تتابع الحديث:
" هل لك معرفة بأبحاث والدي العلمية ؟ لقد وضع كتابا حول شعوب افريقيا القديمة ، وهو يتوق للحصول على صور الرسوم الصخرية منذ فترة طويلة".
سحب فريزر يده:
" إن لديه صورا اخرى".
اقرّت بهدوء:
" هذا صحيح ، ولكنه يريد هذه الصور مهما كلّف الأمر".
أجاب فريزر بصوت يخالطه الغضب والإعجاب الدفين :
" يا له من كهل عنيد".
وظنت أن التفاهم معه بات محتملا:
" هكذا تفضّل ان تراه ، ظل والدي يحلم بالرسوم سنوات وسنوات ، وهو يعرف انها هناك ، يؤمن أنها موجودة ، ولو كان اصلب عودا لخرج الى الصحراء منذ زمن طويل ، ولكن ليس في الأمر حيلة ولهذا السبب قمت بالمهمة نيابة عنه لو كان لديك حلم يا فريزر ، ألا ...".
ولم تكمل عبارتها ،، مدركة أن عواطفها إستبدت بها ، لاحت في ذهنها صورة عجوز خائر القوى ، ستمر على قيد الحياة لتحقيق حلم واحد ، والى جانبها رجل شاب بلحمه ودمه إفترضت أنه سيقدر معنى هذا الحلم ، ولكنه خيب أمالها ، لم تحركه كلماتها المتوقدة عاطفة ، بل أن بريق عينيه يروي لها قصة أخرى ، إن الموقف يزداد سوءا مع كل كلمة تنطق بها.
قالت وهي تنفجر غيظا:
أنت لا تفقه شيئا ، أو انك تتظاهر بالغباء".
ومضت عيناه ، وطاف شبح إبتسامة فوق شفتيه:
" أنا افهمك تماما ، ولكن أعتقد ان والدك سيكون في وضع أفضل لو رزقه الله إبنا عوض هذه الإبنة ".
فتطاير الشرر من عينيها:
" إذن والدي على حق ، أنت تحتقر النساء ، إنك تكرهنا ".

ضحك قائلا:
" أكرهكن ؟!! انا لا أكره النساء يا عزيزتي ، إنني اتمتع بصحبتهن كثيرا في بعض الحيان ( ونظر نظرة ذات مغزى ) أما من حيث إحتقارهن ، أكتفي بالقول أنني حتى الان لم أجد إمرأة تحوز على إحترامي".
حدقت فيه كوري لحظة صامتة ، إجتاحتها رغبة عارمة لأثبات مدى خطأه ، قالت بصوت مرتفع:
" واضح، إذن ، إنك كنت سترفضني لو عرفت انني إمرأة ".
ورد ببرودة تامة:
" طبعا ، ولهذا السبب إنتحلت شخصية رجل".
تنهدت بعمق ، إنه رجل صعب المراس ، يرد على كل تهمة ، ومهما كانت محقة ، بإعتداد وهدوء ، حاولت ثانية:
" أنت تعتبر النساء ناقصات العقول".
" أنا لم اقل ذلك".
سمعته يكبت ضحكة خافتة ، إن جوابه واضح ، لا يحتاج الى تفسير ، فرغت جعبتها من العبارات الملائمة ، لم تعد تفكر إلا في الإبتعاد عنه والإنضمام الى الآخرين.
همّت بفتح باب السيارة ، لكنه سارع الى جذبها نحوه ، وشعرت بيديه الكبيرتين تطوفان فوقها وكاد يسحقها بجسمه الثقيل ، راحت تقاومه بكل ما تملك من قوة ، لا لن تدعه يعبث بها مهما بلغ إعجابها به ، إنه يحاول إذلالها وتحطيم كبريائها ، فلتدافع عن نفسها ، وتلقّنه درسا لن ينساه.
وأخيرا أطلق سراحها ، ودفعها بعيدا عنه بحركة مفاجئة ، فرفعت يدها ولطمته على وجهه بعنف ، جاءت صفعتها تعبيرا عن حنقها لاسلوبه في معاملتها ، وإنتقاما من نفسها لإعجابها به في المقام الأول ، وقال يؤنبها :
" إياك أن ترتكبي هذه الحماقة مرة ثانية ".
وصرخت في وجهه:
" كيف تسوغ لك نفسك إهانتي ؟ يا للجسارة !".
وهدّدها :
" إن جسارتي تسوغ لي كل شيء ، وإياك ان تنسي ذلك ، والآن تعرفين دور النساء الوحيد في حياتي".
أحست كوري بالغثيان في داخلها ، ولكن ماذا تفعل في هذه اللحظة؟ عليها الفرار من هذا المكان ، بعيدا عن هذا الرجل الذي لا يعرف حدا للإذلال والإهانة ، لم تعد تفكر في الرحلة ، أو الرسوم الصخرية ، ولا باحلام والدها ، كل ما تتمناه هو الفرار ، وإنقاذ نفسها ، وتمكنت بعد لحظات من التفوه بسؤالها:
" هل تدلني على طريق العودة؟".
أجابها بلهجة جافة:
" فات أوان العودة الان".
حملقت في وجهه ، وهي تدرك معنى كلماته:
" فات الأوان؟ ولكن... أعني ... إنك ستدعني امضي في سبيلي الان".
فإبتسم بخبث:
" يستحيل علي ذلك ، لقد توغلنا كثيرا في الصحراء ، ولو كان هناك مهبط طائرات قريب من هنا لوضعتك في أول طائرة".
إستفسرت بصوت مضطرب:
" تعني المهبط الذي حطت فيه الطائرة التي اقلتنا الى هنا؟".
فنظر اليها بإشمئزاز :
" إبتعدنا كثيرا عن تلك البقعة ، إننا نحسب مسافة كل يوم نقطعها ، ولكن لا أتوقع منك إدراك كل هذا ، علينا القيام بأمور عديدة إستعدادا لتقلبات الطقس يا كوري ، ولن أسمح لنزوات إمرأة طائشة بإفساد برنامجي".
سألته والغصة تعض حلقها:
تعني.... تعني أنك تريدني ان أستمر في عملي؟".
إلتوت شفتاه تأففا:
" أريدك! أنا لا اريد وجودك البتة ، ولكن لم يعد أمامي خيار".
كان الإحتقار يفوح من ملامحه ... إحتقار الغرور والإعتداد بالنفس... لم يكن فريزر ملوري راضيا عن الوضع أكثر من كوري ، ولكنه وجدها فرصة سانحة للتمتع بمنظر تخضع لظرف قاهر غصبا عنها ، وكرهته كوري في تلك اللحظة كما لم تكره أحدا من قبل.
خاطبته بصوت منخفض:
لن اذهب معك، افضل ان اعود أدراجي ، إن مهبط الطائرات لا يبعد كثيرا".
فرفع حاجبيه بإستهزاء:
" تعودين بدون ماء الشرب؟ لا تتوقعي ان نمنّ عليك بقطرة ماء واحدة يا عزيزتي ، مع ذلك ، أنت حرة ، إذا كنت تريدين العودة سيرا على الأقدام ، فعلى الرحب والسعة".
أدركت كوري أنها لن تستطيع السير أكثر من ساعات قليلة في هذه الأرض الحارة الجافة ، وستخور قواها ، وستصبح فريسة سهلة للحيوانات الشرسة ، وسألته بكآبة:
" إذا وافقت على البقاء ، هل تضمن لي إستمراري في عملي؟".
قال بلهجة جازمة:
" أضمن لك ذلك ، إستأجرتك كمصورة ، وهذا ما ستقومين به ، لا مانع لديّ شخصيا ، ولكن الآخرين سينظرون اليك نظرة مختلفة الان".
قالت كوري بثقة غير مقنعة:
" أستطيع تدبر امري ، ولا أعتقد أنني ساتعرض للاذى وسط مجموعة من العلماء ذوي اخلاق عالية ".
سألها بخفة:
" وماذا عن بويد؟".
" إنه فظ وجلف ولا يرتاح الى وجودي ، وعلى الأقل هذه كانت مشاعره عندما ظن أنني مجرد ولد".
" وتظنين ان مسلكه سيتغير بعد أن يعرف أنك فتاة؟".
أجابت كوري بحزم:
" طبعا ، كان عداؤه نتيجة عدم تمتعي برجولة كافية ، وسيبتهج الان بصواب رايه".
قال فريزر ملوري بنعومة:
" لا أظن أنك ساذجة الى هذا الحد ، انصحك بالإبتعاد عن بويد".
سألته كوري بوقاحة:
" تعني أنك تقلق علي؟".
ونظر اليها بعينين جامدتين كالجليد:
" على العكس ، أنت تتحملين مسؤولية أعمالك ، انا لا يهمني إلا راحة رجالي ، ولا اسمح عادة للنساء بالإنضمام الى رحلات كهذه( وتابع مشددا على كل كلمة ) إن معاملتنا لك ستظل كما كانت ، فلا تحسبي أن أنوثتك تؤهلك لإمتيازات خاصة".
" أنا لم اتوقع إمتيازات خاصة ".
قررت كوري أنها حلّت كل الإشكالات ، وبدات بفتح الباب ، فسمعته يحذرها مرة أخرى:
" دعي رجالي وشأنهم ! إن اية مشكلة تثيرينها بأسلوب النساء المعروف ، ستضطرني لجلدك جلدا موجعا".
وبعينين يتطاير منهما الشرر ردت كوري:
" أنك ستجد متعة في جلدي ، تماما كما إستمتعت بإبراز عضلاتك أمامي ، أليس كذلك؟".
ووافق بهدوء:
" بالضبط ، يسعدني أننا نفهم بعضنا الآن ".
ساد المخيم جوجديد تلك الليلة ، لاحظت كوري هذا الإختلاف منذ ان ترجلت من سيارة الجيب بعد حديثها الطويل مع فريزر ، تبدلت نظراتهم ، وتغيرت أصواتهم ، فكرت كوري ان الرجال اصيبوا بصدمة مفاجئة وهم يكتشفون هويتها على هذا النحو .
إعتقدت أن الأمور ستعود الى مجراها الطبيعي بعد مرور ساعات قليلة ، ما أن تغيب الشمس ويباشرون بشيّ اللحوم فوق ألسنة اللهب حتى تكون قصتها الغريبة في خبر كان.
كم كانت مخطئة ، إزدادت قصتها مع مرور الوقت غرابة وحدّة ، ظل الرجال يتصرفون ظاهريا بأسلوب متّزن وودي ، لكن لم يفتها التحفظ وبعض التكتم ، بعد أن كانوا يطلقون العنان لألسنتهم ، ويتندرون بشتى النكت البذيئة لا يقيّدهم وجود أنثى تعكر صفو أحاديثهم .
لم تعد تبدر عن أي منهم كلمة نابية أو إشارة جارحة ، حملوا اليها طعامها ، وكل ما تحتاج اليه لتناول وجبتها ، ثم تركوها بمفردها وكانها لا تنتمي الى عالمهم.
إنها سحابة صيف عابرة ، خاطبت نفسها ، ما زالوا يعانون من الصدمة ، ويصعب عليهم التكيف معها ، ولا بد لهم أن يتجاوزوا ردة فعلهم الأولى ،
لم تعد تبدر عن أي واحد منهم كلمة نابية أو إشارة جارحة ، حملوا اليها طعامها ، وكل ما تحتاج اليه لتناول وجبتها ، ثم تركوها بمفردها وكأنها لا تنتمي الى عالمهم.
إنها سحابة صيف عابرة ، خاطبت نفسها ، ما زالوا يعانون من الصدمة ، ويصعب عليهم التكيف معها ، ولا بد لهم أن يتجاوزوا ردة فعلهم الأولى ، ويصبح وجودها مسألة طبيعية ، كم ستكون حياتها حرجة وموحشة إذا رفض الرجال قبولها كواحد منهم ؟ تمنت ان يكون صباح الغد التالي عاديا ، وتمر الأزمة بسلامة ، لكنها كانت بالغة التفاؤل.
وحده فريزر ملوري ظل كما هو ، وكان شيئا لم يكن ، ظل يخاطبها بلهجته المعتادة ، مثبتا لها ان آراءه وتصرفاته لا تؤثر فيها انثى خبيثة.
إنها في ورطة حقيقية ، إمرأة وحيدة وسط مجموعة من الرجال في صحراء نائية ، إلتحقت بالرحلة للإبتعاد عن تعقيدات العلاقات العاطفية ، ولا ترغب في تقييد حياتها ثانية ، إن فريزر ملوري لا يدرك مدى تصميمها على التمسك بحريتها ، وحتى مارك مع إعجابها به ، لن تتعجل في التورط معه.
وإرتسمت صورة فريزر في مخيلتها ، بوجهه الأسمر وملامحه الخشنة ، وبكل سطوته وقوة رجولته ، وفجاة سرت في جسمها قشعريرة غريبة ، فكادت تنفجر غيظا ، وإزدادت إلتصاقا بموقد النار.
" هل تشعرين بالبرد؟".
إستدارت كوري ، وصوت مارك يرن في أذنيها ، إبتسمت :
" قليلا".
" يجب أن تلتفّي بسترة الصوف".
" اعرف ، سامضي وأجلبها ".
" لا حاجة لذلك ، خذي سترتي".
وقبل ان تبدي أي إعتراضها ، كان مارك يلف كتفيها بسترة صوفية سميكة ، قالت محتجة:
" لا تتعب نفسك ، من السهل علي جلب سترتي من الخيمة".
ورد بصوت بالغ العذوبة:
" اريدك ان ترتديها".
فكرت كوري قليلا ، قررت عدم المضي في الإعتراض ، إن مارك صديقها الوحيد في المخيم ، لم تشأ جرح مشاعره ، فقالت ممازحة :
" هل كنت تعرض عليّ سترتك ليلة امس؟".
سمعته يشرح بصوت مداعب:
" ليلة أمس كنت كولن ، كنت فتى لطيفا ، ولكن هذا كل شيء ( تابع بجدية) هل صحيح ما قاله لنا فريزر يا كوري؟ انك أتيت للحصول على بعض الصور لوالدك ؟".
" نعم ، هل تدينني من أجل ذلك ؟".
وأجاب بصوت اجش:
" أدينك؟ لا يمكنني إدانتك لأي سبب ( وإنحنى يحضن يدها بين كفيه ) أعتقد انك اشجع فتاة عرفتها ، واشدهن جمالا ".
كان عمل كوري قد اتاح لها الإحتكاك بعدد من الرجال ذوي المسلك الراقي والمظهر الانيق ، ولم يكن اريك اول رجل صادفته ، ولكنه صدف ان حاز على إهتمامها اكثر من الآخرين ، وطالما تغزل بها الرجال ، وتغنوا بجمالها ، ومع ذلك وجدت هذه الكلمات البسيطة التي نطق بها عالم في قلب صحراء افريقية ، أعذب وأرق ما سمعته .
وصوت رقيق دافىء قالت:
" لماذا يا مارك ؟ ما أعذب كلماتك".
" وما هي الكلمات المعسولة التي يهمس بها صاحبنا مارك في اذن سيدة؟".
لم يشعرا ببويد وهو يقترب منهما ، أحست كوري بإشمئزاز وهو ينحني مقرفصا بجانبها ، وخاطبته محاولة تجاهل عبارته:
" مرحبا يا بويد ، كنت ومارك نتبادل أطراف الحديث".
وقال بلهجة مبطنة :
" اعرف ، وأحاديث حميمة على ما يبدو، ما رأيك بنزهة قصيرة يا ملاكي؟".
احست كوري بمارك يحبس انفاسه ترقبا ، فقالت بتمهل:
" لا ، شكرا، تبا للكسل ".
وإزداد بويد وقاحة:
" يا للكسل ! لا باس ، يمكننا التوجه الى الخيمة ".
وصاح مارك بحدة وغضب:
" إخرس يا بويد ، كيف تجرؤ على مخاطبة كوري بهذه اللهجة؟".
قهقه بويد بفظاظة:
" لا تحتد كثيرا يا عزيزي! إن كوري فتاة ناضجة ، وتعرف كيف تتصرف ، ما رايك يا ملاكي الطاهر؟".
إذن لم يطرا أي تغيير على بويد ، فكرت كوري ، لم تصدق فريزر عندما حذّرها منه ، وارادت ان تكلمه ، وتشرح له عدم رغبتها في التورط معه ، ولكن مارك سبقها بقوله:
" لن اسمح لك بمخاطبة إمرأة محترمة بهذا الأسلوب".
وضحك بويد:
" إمرأة محترمة؟ ما هذا الهراء يا مارك؟ إنها إمرأة لعوب تحب أن يشاطرها الرجال خيمتها".
فقد مارك أعصابه:
" إنني أحذرك ، دعها وشانها".
" وماذا ستفعل إذا عصيت أوامرك؟".
وضعت كوري يدها على ذراع مارك تتوسل اليه ليخفف حدة غضبه ، وقد خافت عليه من بويد وقبضته الحديدية.
وانقذ الموقف صوت فريزر وهو يصيح:
" كوري ، بيتر أعد لك طبقا شهيا ، هيا الى هنا".
رفعت بصرها ونظرت اليه ، لم تلمح تعابيره في الظلام ، ولكنها تبينت شموخ رأسه المتغطرس ، وقررت كوري أن فريزر تعمّد التدخل في هذه اللحظة ، ويجب عليها وضع حد لهذه العجرفة ، فأجابت:
" اشكر بيتر عني ، لست جائعة الآن ".
هز فريزر رأسه علامة السخرية ، ثم خاطب بويد:
"هل تسمح بكلمة معك على حدة ؟".
رد بويد بشراسة:
هل تحاول فض المشكلة؟".
" لا أبدا ، اريد مناقشة بعض الشؤون المتعلقة ببحثنا العلمي ( وتابع مؤكدا سلطته )، بويد... اريد أن اراك ".
وهرول بويد وراءه ، لا يلوي على شيء.
إعتذر مارك لكوري من فظاظة بويد ، فقالت:
" لا تهتم، أستطيع تدبر أمري".
وتوجها الى المخيم حيث تحلق الآخرون ينشدون اغنية مسلية.



  #10  
قديم 03-16-2013, 01:43 AM
 
البارت الخامس
5- حدّقت في الظلام الدامس قلقة ، لم يكن يتبادر الى ذهنها انها معرّضة لأي خطر حقيقي عندما رنّت كلماته في أذنيها ثقيلة ، مخيفة :" الى اين تذهبي؟".

عندما إنضم مارك وكوري الى المجموعة، كان احد الرجال يعزف القيثارة ، مداعبا أوتارها بحنان ، أبدى الرجال ترحيبهم بكوري متهللي الأسارير ، مخلّين لها أقرب بقعة من كومة الحجر لتوهجة ، ولاحظت أنهم كانوا يناقشون امرا ما ، وتوقفوا عن الكلام فجاة مع وصولها ، لكنها لم تمتعض وبدا عليها الإرتياح وهي تلمس وجود جو طبيعي ، لا توتّر فيه.
بدأ لاعب القيثارة يعزف لحن عادي ، وإنطلق الرجال يغنون اغاني بسيطة ، طالما سمعتها كوري حول مواقد النار وفي العشايا ، غمرتها موجة من السعادة وهي تصغي الى الأصوات المتناغمة، إنها تحب طريقة العيش هذه ، بعيدا عن جلبة المدينة ، والأجواء المزيفة التي عملت فيها.
بدت الحياة في المخيم الصغير ،على أطراف صحراء كلهاري الشاسعة ، اصيلة ذات جوهر واضح ، ما أروع منظر النار الدافئة ، وما أشهى نكهة اللحم المشوي وعبق الفحم المتوهج ، ويا لروعة الفضاء يتلألأ بالنجوم اللامعة ، ثم تلك المصابيح الخافتة تتوزع هنا وهناك ، مرسلة نورا يضيء جنبات المخيم ، وتمتد بعد ذلك ستائر الظلام ، يغلفها سر غامض ، فتلفّ اقاصي الصحراء النائية.
إن لنار المخيم سحرا عجيبا ، يدب في قلوب الرجال وعقولهم ، ياسرهم ويولد فيهم حنينا لا ينطفىء ، فكرت كوري في والدها يجلس وحيدا مع كتبه وأوراقه في ذلك المنزل الصغير فوق منعطف الجبل ، فإجتاحها حزن كئيب.
منتديات ليلاس
جلس مارك بقربها ، ن وجوده قربها يريحها ويدخل الطمأنينة الى قلبها ، تمت بينهما أواصر الصداقة عندما كانت لا تزال كولن ، ولم تتبدل صداقتهما بعد أن أصبحت كوري ، لم يشعر بالإهانة لتسترها وراء قناع خادع ، إنه صديق مخلص ، يعتمد عليه ، تأكد لها وهي تراقب وجهه الذي تضيئه النار أنه اقرب شخص الى نفسها من بين المجموعة كلها.
ثم عاودتها الشكوك ، وما هي مشاعرها أزاء فريزر ؟ إنها لا تنكر إعجابها به في البداية ، أما الآن فتغير الوضع ، إنه يتمتع بشخصية فاتنة ، ولكنه متعجرف وعديم الرحمة ، لا ، إن فريزر ملوري لا يحوز على إعجابها بعد تجربتها المريرة معه.
تنبهت الى نسيم الليل البارد يغزو مسامها ، فأدركت أن ساعة النوم قد إقتربت.
فكرت في مشكلاتها العملية الراهنة ، إستطاعت حتى الآن تدبر أمرها وهي تشاطر الخيمة مع ثلاثة رجال ، ولكن الوضع يختلف في هذه اللحظة ، كيف ستصرفون بعد أن إكنشفوا هويتها الحقيقية؟ خالت مارك يغرق في حيرة مماثلة ، وهناك بويد وبيتر ، شريكها الرابع في الخيمة، ماذا يدور في مخيلة كل منهما؟
وما أن نهضت تريد الإنسحاب الى الخيمة ، حتى سرت الهمهمات بين الرجال يبدون تمنياتهم لها بقضاء ليلة سعيدة والتمتع بنوم هنىء.
لم يتبادر الى ذهنها أنها معرضة لأي خطر كبير ، لن يجرؤ أحد على لمسها ، حتى بويد نفسه ، وأخيرا خاطبت مارك:
" أعتقد أنه حان وقت النوم".
وبدا مارك متوتر الأعصاب ، وسمعته يردد إسمها:
" كوري.... كوري".
حبست أنفاسها تحسبا لأمر طارى:
" نعم؟".
" لا شيء البتة .... لا شيء".
وإضطرب صوتها:
" مارك... ما بالك؟ لم يتغير شيء".
وتلعثم:
" كوري...".
قاطعته بسرعة:
" من فضلك يا مارك دعني أوضح موقفي ، بالنسبة الي ، كنت اعرف طوال الوقت أنني إمرأة ، وأنكم رجال ، وإستطعت تدبر أمري ،ولم أتعرض للإهانة أو لصدمة ( وخانتها الكلمات فإكتفت بالقول) أعترف أنه وضع غير طبيعي".
وعلق مارك بجفاف:
" وبأقل تعديل".
خالت ان مارك يتحول ضدها ، وهذا يعني وقوفها وحيدة ، لا بد لها من إكتسابه الى جانبها ، وقالت بعد لحظات مشحونة بالتوتر:
" ما أحاول قوله هو أن الأمور ما زالت كما هي ، قضينا معا ثلاث ليال ، ولم يعبأ بي أحد لأن هويتي كانت سرية ، ولا اجد أي سبب للتصرف بشكل مختلف ، أنا لست كولن ، ولكن لم ازل انا نفسي الشخص عينه الذي شارك الخيمة معكم سابقا".
وإستطرد مارك بلهجته الجافة:
" تريدين منا أن ننظر اليك وكانك كولن وليس كوري".
" أريدك ان تحافظ على موقفك مني".
ومر مارك بأصابعه فوق وجنتها:
" انا افهم ما تعنين ولكن لا اخالك تفهمين نفسك يا كوري".
" أنا أفهم نفسي تماما".
قاطعها:
" أنا رجل ، وكذلك بويد وبيتر ، وأنت إمرأة ، إمرأة جميلة للغاية، ولا يمكن لك تجاهل مشاعرنا عندما ننام وإياك تحت سقف واحد".
وقالت متمهلة:
" اعترف أنني كنت غبية ".
فداعب وجنتها قائلا:
" غبية؟ قلت لك من قبل أنك شجاعة".
" كان عليّ التصرف بطريقة مختلفة".
أجاب بهدوء:
" هذا صحيح ، ولكنك لم تفعلي ، أؤكد لك أن ضغط دمي الليلي سيرتفع كثيرا".
تأوّهت باسى:
" ما هذا الهراء يا مارك ؟ إنك ستظل صديقي الوفي ".
وإرتسمت ملامح الإستغراب على محياه:
" صديقك؟ أنت في واد وانا في واد يا كوري ، مع ذلك ، اعدك بانني سأظل صديقا لك".
واطرق مارك راسه متجهم الوجه ، شعرت كوري أنها تجلس قرب إنسان غريب ، غامض ينذر مظهره بالخطر.
حدقت في الظلام الدامس حزينة ، قلقة ، لم تكن تتوقع كل هذه التعقيدات ، وصارت عاجزة عن التصرف بحكمة ، وتكوين راي واضح حول ما يجري.

ربما كانت الأمور أقل تعقيدا مما تصورت ، الم تقرر تجاهل بويد ، والإحتفاظ بهدوء أعصابها امامه ؟ فلتتعامل مع فريزر بالأسلوب نفسه ، وتتغاضى عن غروره الطائش ، ولتجد طريقة معقولة للتفاهم مع مارك ، إنه يختلف عن الآخرين ، وهي لا ترغب في إيذاء مشاعره.
نظرت الى مارك وهو يغرق في صمت عميق ، كان صمته ينبىء بتوتّر دفين ، وأزمة حادة تضج في فؤاده ، ما اصعب هذا الموقف ، إنعقد لسانها فلم تنطق بكلمة واحدة.
تمنت ان يزول التوتر مع صباح اليوم التالي ، فلتذهب الى الخيمة الآن ، وتاوي الى فراشها قبل غيرها ، إستدارت وتوجهت صوب خيمتها.
" والى اين تذهبين ؟".
رنّت الكلمات في أذنيها ثقيلة ، مخيفة ، كان فريزر يقف وراءها بقامته الشامخة.
قالت بعجلة :
" الى الفراش".
" اعتقد أنك تسيرين في إتجاه خاطىء".
أجابت بحذر:
" لا ، لا أظن ، هل نسيت أن هذه هي الخيمة التي أتقاسمها مع مارك وبويد وبيتر؟".
خالت كوري أنها في كابوس رهيب وهي تصغي الى جوابه:
" أنا لا أنسى شيئا ، تلك كانت خيمة كولن ، وليست خيمة كوري".
بدا فريزر في تلك الظلمة الداكنة شبحا مخيفا ، يبيّت نوايا خبيثة ، إن كلماته المبطنة تنذر بخطر داهم ، ولكن لن تدعه ينجح في تنفيذ خطته ، عليها الإحتفاظ برباطة الجأش ، وإفشال مؤامرته الجديدة.
سالته بهدوء:
" هل لديك خيمة أخرى؟".
" نعم".
" أية خيمة؟".
تعمد تأجيل جوابه ، ليختلق جوا من الترقب والقلق ، جمدت في مكانها ، مصممة على عدم التفوه بحرف واحد لئلا تحقق مأربه.
وما لبث أن قال بسخرية لاذعة:
" خيمتي بالطبع".
أجاب بوقار وكياسة:
" شكرا على تلطفك وكرمك".
وجلجل مقهقها :
" تلطفي وكرمي؟".
" لا شك أنك تضحي كثيرا عندما تقرر النوم مع الآخرين، وإخلاء خيمتك من اجلي".
بلغت سخريته حدا لا يطاق :
" يا عزيزتي كوري ، من قال لك انني أنوي التخلّي عن خيمتي ؟".
إصطكت أسنانها ذعرا:
" لأنك ..... لأن المسألة واضحة ، أنت قلت....".
قال بعنجهية:
" انا قلت أنك ستنامين في خيمتي ، وسأكون أنا هناك ايضا ".
وصاحت بإضطراب:
" كلا".
فردّ بلهجة الآمر الناهي:
" نعم ".
" لا ، لن أنام في خيمتك".
حاولت أن تفر منه وتلجأ الى مارك ، صديقها الذي سيدافع عنها ويحميها .
قبضت على معصمها اصابع فولاذية ، وخالتها تكاد تمزق جلدها الطري وهي تنتفض محتجة:
" دعني وشاني".
" ستاتين معي".
تملكها الغضب الشديد ، ولم تعد تبالي بشيء ، فصاحت:
" لا يمكنك إجباري على الذهاب".
فشدّ على معصمها بقوة:
" يمكنني إجبارك على فعل أي شيء ".
وراح يجرّها من يدها ، فلم يعد أمامها غلا طريقة واحدة لإنقاذ نفسها ، سيهرع مارك الى نجدتها إذا ما صرخت بأعلى صوتها ، وكذلك بيتر ، وربما بعض الرجال الآخرين.
همّت بالصراخ ، ولكنه أحبط محاولتها ، مطبقا بيده الغليظة على فمها الصغير ، والحّ قائلا:
" هلا اتيت معي بهدوء؟".
هزت رأسها بعنف ، فعلّق واجما:
" سأجبرك بطريقتي الخاصة ، وإياك ان تحتجي بعد ذلك".
أرخى قبضته عن معصمها ، وإنحنى يرفعها عن الأرض كدمية خفيفة ، كان مفتول العضلات صلب الصدر ، عريض المنكبين ، أصيبت كوري بالدوار من الرجولة الخارقة، وسحر البطش الماحق ، ولم تلبث ان إستردت وعيها ، مدركة معنى ما يجري.
فتحت فمها مرة اخرى تهم بالصراخ ، ولكنه خنق صوتها بقبضته العنيفة السريعة ، قاومته بكل قواها ، راحت تلكم بيديها ، وترفس يقدميها دون فائدة ، شدّها الى صدره ، فهبط قلبها في داخلها ، وهي تراه يهصر جسمها الطري هصرا ، وكأنه يريد أن يؤلمها ويعانقها في آن معا.
وتمكنت أخيرا من عضّه ، فصاح:
" يا لك من قطة شرسة!".
امسك اطرافها بإحكام وحملها الى خيمته الغارقة في العتمة ، أغمضت عينيها وجلست مذهولة لا تقوى على الحراك ، القى بها ارضا ، كخرقة ممزقة ، وسمعته يقول:
" حقا إنك إبنة جون لايتمر ، تصارعين حتى النفس الأخير ".
إرتسمت إبتسامة شاحبة فوق شفتيها:
" لا أعتقد أن والدي نال شرف عضك مثلي".
أجاب بمرارة:
" لا لم يعضّني باسنانه ، لكن لسانه عضّني مئات المرات ، لم يكن يتراجع عن رأيه حتى ولو أدرك أنه مخطىء".
إرتسمت أمام كوري ، لبرهة خاطفة ، صورة والدها الهزيل ، تحيط به كتبه ، لقد فاته القطار الان ويعجز عن مواجهة رجل شاب قوي ، يفور نشاطا هكذا ترسخت قناعتها بضرورة تنفيذ مهمتها .
قالت:
وانا لا أتراجع عن رايي كذلك!".
فكر فريزر مليا ، ثم إنحنى ورفعها على قدميها ، وصاحت:
" دعني وشاني".
" سمعا وطاعة ، ولكن بعد أن اوضح بعض الأمور".
قرات في صرامة صوته عقلية لا تقبل أقل من الخضوع التام ، إنها تدرك مدى تطفّلها ، وفرض نفسها على شخص لديه مفاهيم محددة حول دور النساء ، ولكن لا يحق لفريزر إهانتها على هذا النحو ، لا لن تدعه يدوس على كرامتها ، وأكدت له:
" أريد الحصول على صور الرسوم مهما كلف الأمر".
" لا مانع لدي ، هذا إذا ما حسّنت سلوكك ... وإذا كانت الرسوم الصخرية موجودة".
شمخت بأنفها:
" أنا متأكدة من وجودها ".
" لا شيء يثبت وجودها سوى عناد والدك ، وشهادة أحد عابري السبيل".
" إن والدي يثق بعابر السبيل ، الرسوم الصخرية موجودة ولن أعود قبل تصويرها".
قال بإمتعاض :
" إنك اسوأ من والدك ، كم هو عمرك يا كوري؟".
" إثنان وعشرون عاما".
" أكبر مما توقعت".
وسالته وقد هدأ روعها قليلا:
" إذن لديك فكرة عني؟".
وإستانف لهجته الساخرة:
بكل تأكيد ، أعرف عنك الشيء الكثير يا كوري لايتمر ".
قضمت شفتها حائرة ، ها هو يعود الى الغمز واللمز ، لتغيّر مجرى الحديث :
" كنت تنوي مناقشة مسالة معينة معي؟".
ضحك هازئا :
" أناقش؟ ليس عندأي مناقشة يا كوري ، بل مجرد أوامر ، أوامر نافذة ، نهائية".
قالت بمرارة:
" تعتقد أنك تستطيع معاملتي كيفما تشاء".
فإنفرجت اساريره :
" بالضبط ، إصغي اليّ جيدا يا كوري لايتمر ، والويل لك إذا رفضت ، سأعاملك مثل أي شخص آخر ، لا يهمني انك أنثى كما سبق لي القول ، وسوف تدعين رجالي وشأنهم ، وهو ما قلته لك أيضا ، إياك إستغلال عواطفهم ، يكفي ان مارك وبويد يتنافسان عليك".
فضّلت تجاهل إستفزازاته:
" ألهذا السبب نقلتني من خيمتهما ؟ لا شك أنك مهتم بسلامتي؟"
فإستطرد ساخرا:
" لا تكوني ساذجة ، إن لهما مطلق الحرية ، ولن اتدخل في شؤونهما الخاصة ، إن فتاة تلتحق برحلة كهذه لا تستحق تأمين سلامتها ".
لاحظت أنه يتعمد جرح كبريائها بإستمرار ، نظرت اليه متعجبة :
" ماذا إذن ؟ ما هو مبرر إخراجي من الخيمة؟".
" إنتظر قليلا وقال:
" لم أكن مهتما بسلامتك ، كل ما يهمني تامين راحة رجالي ، علي إتخاذ الإجراءات اللازمة قبل أن ينفجر الوضع بين بويد ومارك".
ردت بإستهجان :
" انت لا يمكنك تخيّل رجل بدون غرائز وضيعة مثل غرائزك ".
" غرائز وضيعة ؟ لا يا عزيزتي ، إنها غرائز الرجولة ، وكلنا سواسية الحمد لهل".
إلتهب الغضب في جوارحها :
" أنت ابغض رجل رايته في حياتي ، ولا توجد قوة في الأرض تجبرني على النوم في خيمتك الليلة".
هدّدها بفظاظة:
" تعرفين ان لا فائدة من عصيان أوامري".
" لا ، ليس هذا صحيحا".
خطت الى الوراء مذعورة ، عازمة على الفرار ، سدّ باب الخيمة ، لا مجال للهرب ، قال لها:
" لا مانع لدي ، من إثبات رأيي ثانية".
كانت هذه المرة على اهبة الإستعداد عندما تقدّم نحوها ، قاتلت بشراسة القطة المحاضرة ، خمشت ، خدشت ، وكشفت عن أنيابها ، ولكن دون فائدة ، ظل كالطود الشامخ ترتطم فيه موجة ضعيفة .
وسالها :
" لماذا تقومين هكذا ؟ انصحك بالرضوخ وإطاعة اوامري ".
فصاحت رافضة:
" آه كم أكرهك ".
" تكرهينني ؟ ما هذه المسرحيات ؟ هل عدنا الى عالم الأزياء ؟ أهكذا كنت تتصرفين مع أريك هوغن؟".
رمت كوري براسها الى الوراء:
" أريك ؟ من أخبرك عن أريك؟".
" إن صحف مدينتكم ليست غريبة عليّ رايت بعض الصور المثيرة لكما معا".
بلعت كوري ريقها ، إذن لقد رأى صورتها مع اريك ، في المطعم ، كم كانت حياتها آمنة آنذاك ، يا لسخرية الأقدار كيف تبدّل كل شيء ! وظل فريزر يحملق في عينيها وهي في حالة من الإرتباك الشديد.






 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يستحق المشاهدة : سَجّلْ حَظِو~رك باسم رواية انمي احببتها من روايات عيون العرب ..~ ᴙǫȥαᶅч Mahou The Aotako 577 12-19-2018 05:40 AM
سلسله روايات عبير فتاه ابكت القمر أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 5 06-19-2012 11:58 AM
رواية نور الكون رواية جديدة من روايات سعوديه رواية نور الكون الحب الساكن أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 13 07-03-2011 03:30 PM
روايات اجاثا كريستي / رواية الطائرة المفقودة شاهي تحميل كتب مجانية, مراجع للتحميل 7 12-09-2008 03:19 PM


الساعة الآن 06:12 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011