عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي

روايات و قصص الانمي روايات انمي, قصص انمي, رواية انمي, أنمي, انيمي, روايات انمي عيون العرب

Like Tree1646Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #111  
قديم 04-23-2013, 11:03 AM
 
Cool










.
.



*الفصل الثالث*






أدارت ويلو المفتاح في قفل الباب الصدئ ،
و دفعته لتفتحه متجاهلة الصرير المزعج الذي أصدرته حركتها هذه ،
تحركت أصابعها تتلمس الحائط بجوار الباب حتى عثرت على زر تشغيل الإضاءة ، فأشعلت الضوء ، و جالت ببصرها في المكان ..

غرفة الجلوس الصغيرة لمنزلها كانت خالية إلا من مقعدين خشبيين قديمين و أريكة مهترئة ،
الصمت التام في معالم البيت الكئيب كان الشيء الوحيد في استقبالها ،
تساءلت إذا ما نام والدها المريض و أختها باكرا هذه الليلة ؟!

تحركت بخطى بطيئة صوب أحد المقعدين .. خلعت قبعتها الصوفية ، و مررت يدها في شعرها الذي إنساب حتى كتفيها بنعومة.
ثم ألقت جسدها المنهك فوق المقعد .. تطلق تنهيدة متعبة.

لقد كانت ليلة طويلة مرهقة بالنسبة لها ... اختتمت بمفاجأة مازالت غير قادرة على استيعابها.
أغلقت عينيها في محاولة للإسترخاء .. فقفزت صورة وجهه الوسيم -يعلوه تعبير دهشة مكتوم- إلى ذهنها !
ابتسمت وهي تتذكر كيف انتزعت نظارته على ذلك النحو الفظ !!
لاتزال لا تعلم ما الذي دهاها لتفعل ما فعلته ؟!

فكرت كم ستسعد صديقتها بسماع هذا ،
لقد قابلت ذلك المغني الشهير من فرقتها المفضلة ..
جلست تتجاذب أطراف الحديث معه ..
انتزعت نظارته ..
ثم أراقت القهوة على قميصه و معطفه الفاخرين !!
بالطبع حدث الجزء الأخير نتيجة خطأ ، لكن رئيسها في العمل كان لديه رأي آخر !
هزت رأسها حنقا ...
لقد وبخها بانفعال مبالغ .. متجاهلا إعتراض أليستر الذي أصر بأن الأمر مجرد حادث بسيط لا يستحق الذكر !
ثم طالبها بالاعتذار إليه .. كما لو أنها لم تفعل عند اللحظة الأولى .. فور أن استفاقت من ذهولها إثر انسكاب كوب القهوة الذي صدمته بيدها دون قصد !!

و مع هذا اعتذرت إليه ثانية ... دون أن تعني ذلك هذه المرة ،
و هي تنظر شزرا إلى زميلتيها -النادلتين الوحيدتين بالإضافة إليها في ذلك المقهى- و هما تلتفان حول أليستر مع العدد القليل من الزبائن يطالبونه بالتواقيع و التقاط الصور معه بهواتفهم المحمولة فور أن اكتشفوا هويته !
اعتذرت منه ... لكنه لم يكن يصغي إليها حتى ، فقد كان مشغولا بمعجبيه !!
شعرت حينها بالغضب يجتاحها بينما تنسحب من المكان و كأنها شيء صغير مهمش !!


هتفت ويلو بصوت مسموع و قد استعادت غضبها مجددا :
_تافه و مغرور ... لا يرى سوى نفسه !!

_عمن تتحدثين ويل ؟!

التفتت إلى صاحبة العبارة ، لترى شقيقتها الصغرى ذات التسع أعوام .. تقف أمام الباب المتهالك لغرفة النوم الصغيرة الخاصة بهما !

_أمازلت مستيقظة ساشا ؟! تعلمين أن غدا يوم دراسي !

هزت الصغيرة رأسها نفيا ، ثم ركضت نحو ويلو و وجهها الجميل يشع شقاوة طفولية :
_ليس صحيحا ... فغدا لدينا عطلة ، لكن هذا لا يهم ... هيا أخبريني من كنت تقصدين بكلامك ؟!

ابتسمت ويلو سائلة :
_و لما كل هذه الحماسة ؟!

_لأني واثقة أنه شاب معجب بك ... و أنت رفضته كالعادة ، أريد أن أعرف التفاصيل .. كلها !!

تطلعت ويلو إلى وجه شقيقتها الصغرى التي ما كانت تشبهها -بشعرها الأسود الناعم و عيونها الزرقاء الكبيرة- كانت ساشا تشبه والدتها .. بينما ويلو كانت أكثر شبها بأبيها !
بريق الحماس في عيني الصغيرة و تورد وجنتيها جعلاها تهز رأسها بيأس :‏
_هل أخبرك أحد أنك لاتزالين صغيرة على هذه الأمور ساشا ؟!

وكزت بسبابتها جبين أختها الذي تغضن بعبوس الأطفال ، ثم تابعت :
_على العموم .. أنت مخطئة ، إنه ليس معجبا بي .. و أنا لم أرفض شيئا ، و مع ذلك طردت من عملي بسببه !!

ثم أطلقت تنهيدة جديدة و أسندت رأسها بظهر المقعد الخشبي ، تمتمت بأسى و كل الأفكار المقلقة التي حاولت تجنبها تضج في رأسها الآن :
_ماذا سأفعل ؟! لقد كنت أعتمد على الأجر الذي سأحصل عليه في تسديد أجار الشقة ! سنحتاج معجزة لتجاوز هذا !

شعرت بذراعي أختها الصغيرتين تطوقان عنقها ، ففتحت عينيها لتنظر إليها بابتسامة صغيرة حزينة :
_ساشا .. لا أريدك أن تذكري شيئا عن هذا لأبينا ، هل فهمت ؟!

أومأت ساشا موافقة ثم قالت بعزم لم يتناسب و سنوات عمرها :
_لا تقلقي أختي ستجدين عملا أفضل من ذاك ... و أنا سأساعدك أيضا ، سيكون كل شيء بخير !

أحاطتها ويلو بذراعيها تبادلها عناقها ... شعرت أنها كانت بحاجة لذلك لتستعيد شيئا من قوتها.

ما كانت الظروف التي تمر بها أسرتهما الصغيرة المكونة منهما فقط إضافة إلى والدهما المقعد .. ظروفا يسيرة أبدا.
منذ الحادث الذي تسبب بوفاة والدتهما و عجز أبيهما .. و أحوالهما المادية في تدهور مستمر ،
و رغم كل الجهود المستميتة التي تبذلها ويلو ، و العمل المكتبي البسيط الذي يزاوله والدهما من البيت .. يظل الوضع صعبا و عسيرا !

خيم الصمت للحظات .. قبل أن تعاود ساشا الحديث بنبرة حالمة :
_لا تيأسي أختي .. قد يحدث معنا مثل الحكايات و يقع شاب غني و لطيف في حبك ، فيأتي و يهتم بنا جميعا ... و نعيش بسعادة إلى الأبد !!

ضحكت ويلو ضحكة باهتة ، ثم مسدت شعر أختها وهي تتمتم بحزن :
_ليت الحكايات تصير حقيقة .. عزيزتي !

ابتسمت ساشا و عادت تعانقها هاتفة :
_ستصير حقيقة .. من الذي يستطيع أن لا يحبك ، أنت جميلة و طيبة للغاية !!

ضيقت ويلو عينيها بتساؤل ماكر :
_هممم .. ماذا تدبرين يا ترى ؟!

اعترضت ساشا :
_لما تقولين هذا .. أنا أقول الصدق فقط !

_و هذا الصدق .. هو أنني جميلة و طيبة مثل الفتيات في الحكايات ؟!

أومأت ساشا برأسها تؤكد بإصرار !

_أتحتاجان شهادتي في هذا ؟!

صوته الدافئ وصلهم بنبرة مرح محببة ، قبل أن يسمعا صرير عجلات الكرسي المتحرك ،
دفع نفسه إلى داخل الغرفة بسهولة بدت مستغربة نظرا لهيئته ،
لم يكن ضعيف البنية .. لكنه بدا متعبا و مريضا !

شعره الداكن تخلله بعض الشيب ، و وجهه الشاحب امتلك لمحة وسامة .. تشي بأيام كان فيها ذا منظر يأسر القلوب !!
فقط تلك العيون الزمردية اللون .. احتفظت ببريقها رغم كل المصاعب التي واجهها و لايزال يكافح ضدها حتى الآن !

ابتسم .. ثم مد يده نحو ويلو بدعوة صامتة كي تأتي إليه !
تحركت الأخيرة نحوه .. قبلت وجنته وهي تردد تحية المساء ،
ثم قرفصت إلى جوار مقعده تسأل :
_هل تناولت دواءك أبي ، إن لم تكن قد فعلت فسأذهب لتحضير العشاء .. لا يجب التأخر في ..

وضع يده على كتفها يمنعها عن النهوض ، مقاطعا بلطف :
_دعك من هذا .. لقد طهوت الطعام وهو معد ... أخبريني ، لما يعلو هذا التجهم وجهك الجميل ؟!

زمت ويلو شفتيها :
_لا تقل "جميل" أبي .. انظر تأثير ذلك على ساشا ، إنها تراني ملكة جمال من نوع ما !

_يحق لساشا أن ترى أختها كما تشاء ..

قالها ثم ضحك ضحكة صغيرة .. وهو يرى عبوس ساشا قد إنفرج بابتسامة كبيرة بعد عبارته ،
ثم عاد ينظر لويلو مردفا بنبرة حانية و حازمة في ذات الوقت :
_كما و أن محاولاتك هذه للتهرب من إجابتي لا تنطلي علي ، ماذا هناك يا ابنتي .. أحد ما يزعجك ؟!

هزت ويلو رأسها نفيا ، لم تكن تريد تكدير والدها بإخباره عن خسارتها لعملها .. لكنها لم تحتج لقول شيء حتى يعلم عن وجود خطب ما !
والدها .. دائم الإحساس بها هي و أختها ، و يغدقهما بحنان لا حدود له !

ربت "دون" على رأس ابنته الذي أخفضته بحركة اعتادت عليها منذ الصغر .. كلما أرادت إخفاء شيء عنه.
رغم كل ما فقده في حياته و رغم كل ما يعاني منه ... كان ثمة تلك الفسحة العظيمة في قلبه و ذهنه لا يحتلها سواهما ... ابنتيه .. آخر ما بقي لديه ،
و السبب الوحيد في تمسكه بهذه الحياة !

_لا بأس عليك ، هيا لنتناول الطعام .. أنا واثق بأنكما جائعتان !

ابتسم لها مطمئنا ..
و حتى دون أن يعرف ما يشغلها .. كانت هذه مؤازرة أكثر من كافية بالنسبة لويلو ،
دفعت به الكرسي المتحرك قائلة بمرح :
_أنت محق تماما .. أكاد أموت جوعا و أتحرق شوقا لتناول وجبة من صنع يديك ، ماذا عنك ساشا ؟!

لحقت بهما ساشا إلى المطبخ الصغير ، و هي تتوعد أن أكبر حصة من الطعام ستكون لها !
ما جعل ويلو و والدها يضحكان ..

أجواء من السكينة المؤقتة خيمت على ذلك المنزل القديم .. البائس الحال ،
و أفراد الأسرة الثلاث .. كل منهم كان يعمل على أن يستمتع بالحاضر فقط .. و لا يقلق نفسه بما هو آت !






أدار أليستر رأسه جانبا وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ، كاتما زفرة شكوى أوشكت أن تفلت منه.
التفت إلى ليو الجالس في الطرف البعيد عنه داخل سيارة الليموزين ، و الذي كان يحملق بإهتمام في مجموعة أوراق بين يديه ،
ثم حرك بصره إلى رايان الماكث بجانبه يتظاهر بالانشغال التام بالتحديق خارج النافذة .. كما لو أنه يجد شيئا لافتا جدا في المنظر المتكرر للسيارات و معالم الطريق السريع !

تنهد أليستر .. و عاد بنظراته إلى مارتيل الذي بدا مكتئبا و ساخطا في ذات الوقت ، بجلسته المتوترة في المقعد المقابل له داخل السيارة الفارهة ،
عيناه الغاضبتان -من خلف النظارة الطبية- كانتا ترفضان إعتاقه لثانية !!
مارتيل كان لا يطاق منذ الصباح ... و رايان و ليو -الذين يعتبرهما أليستر الآن دون جدوى- تركاه ينفجر في وجهه طيلة الساعة الماضية دون أن يتدخلا !

عليه الاعتراف .. لقد كان يعلم أنه سيكون بهذه العصبية بعد ليلة الأمس ،
بعدما اتصل به طالبا قدومه إلى ذلك المقهى.
لم يملك خيارا .. كان قد حوصر تماما في المكان الصغير الذي امتلأ عن آخره بالناس فجأة !!
تجمهر الجميع حوله ..
معجبون ..
عشرات الصحفيين ..
و المزيد من الأشخاص .. لم يدري هل تساقطوا من السماء فجأة حال أن صرخ أحدهم "أليستر شون هنا" ؟!
كل ما علمه أنه كان ليقضى عليه لا محالة .. إن بقي على تلك الحال !!

بالكاد استطاع استخدام هاتفه ... لاعنا غباءه الذي وضعه في هذا الموقف ،
و لم تمضي نصف ساعة حتى كان مارتيل يدخل من باب المقهى المزدحم مع مرافقين من النوع الضخم ،
أزاحو له طريقا ليتمكن من الوصول إلى سيارة ليموزين أوقفت خارج المقهى بإنتظاره ،
انقضى كل شيء بسلام .. و هو من مر بهذه التجربة الخانقة لذا يرى غضب مارتيل غير مبرر البتة !!

هز رأسه .. و ثمة تلك النادلة العجيبة أيضا ... فقط إذا تسنى له رؤيتها مجددا ، لقد كانت السبب في كل شيء !!


أخرج من جيب بنطاله علبة السجائر خاصته ، التقط واحدة تحت نظرات مارتيل المستهجنة و وضعها بين شفتيه ثم أشعلها.

_ماذا ؟!

سأل أليستر حين رأى نظرات مارتيل نحوه تزداد حدة ،
أجابه الأخير وهو يهز رأسه بغضب :
_شاب بذكائك يجب أن يعرف أن التدخين مضر للصحة ، أنت مغني .. و التدخين سيؤذي حبالك الصوتية !

نفث أليستر الدخان ببطء قائلا :
_بربك مارتيل .. لا تبدأ من جديد ، يكفي أنني قضيت الساعة الماضية استمع إلى تأنيبك ، أنت حقا تنقل وظيفة مدير الأعمال هذه إلى مستوى آخر !!

عدل مارتيل نظارته الطبية أمام عينيه بينما يجيبه :
_أنا لا أفكر في نفسي كمدير أعمالكم فقط ، بل أعتبر نفسي مسؤولا عنكم و عن تصرفاتكم !!

التفت رايان إليه ليرمقه بحاجب مرفوع ... و قد أثارت العبارة الأخيرة إهتمامه ،
فيما هز أليستر رأسه وهو يتمتم بابتسامة متعجبة :
_هذا شيء مفاجئ !

عقد مارتيل حاجبيه أكثر :
_أنا جاد تماما أليستر !

أومأ أليستر موافقا و قال محاولا كبح ابتسامته :
_حسنا .. تتحدث كما لو كنا أطفالا ، مارتيل .. أنت فقط تشغل نفسك بنا أكثر من اللازم !

قال مارتيل مستاءا :
_هذا محور عملي ، إن كنتم نسيتم كيف بدأنا من الصفر قبل عام فقط .. فأنا لم أنسى ، لقد بدأتم تتراخون مخدوعين بالنجاح السريع الذي حققتموه منذ أعلن عن كونكم الفرقة الأفضل لهذا العام !
أخبرني أليستر .. ألم تعد "السيلفري سبيرتز" تعني لك شيئا حتى ترتجل في الحفلات و تتسكع في أحياء و مقاهي لا تليق بك ؟!!

سحب أليستر نفسا آخر من سيجارته ثم أطلقه .. أغلق عينيه للحظة و قال :
_ليس الأمر هكذا مارتيل .. لا تجعلني أبدو سيئا ، أخبرتك أنني آسف فتوقف عن التدقيق في كل ما أفعله ... أكاد أختنق !!!

زفر مارتيل ساخرا :
_تختنق بسبب سجائرك .. أيها المتحذلق !

نظر أليستر إليه بوجوم :
_أنت لن توقف هذا ، أليس كذلك ؟!

تحدث رايان بضجر ليوقف هذا الجدال :
_دعه و شأنه و لا تكن مزعجا مارتيل ، لما لا تخبرني بما لدينا لجدول اليوم ؟!

قطب مارتيل حاجبيه للحظة مفكرا في إلقاء عبارة غاضبة ما في وجه رايان ،
لكنه عدل عن ذلك .. سحب مفكرته الإلكترونية من جيبه ،
تصفحها سريعا و راح يقرأ المهام على مسامعهم :
_حسنا رايان .. موعد تصوير إعلان العطر المقرر سيكون بعد ساعة من الآن فكن جاهزا ،
أليستر .. لديك جلسة تصوير متأخرة اليوم ، لذا سأحاول تأجيل موعدنا مع "مليندا" حتى الغد ..
أما تسجيل الأغنية الجديدة فسيكون عند السادسة مساءا !

ردد أليستر الاسم بإستياء مكبوت :
_مليندا !!

بينما سأل رايان دون أن يبذل جهدا لإخفاء استيائه :
_و بما تأمر صاحبة السمو هذه المرة ؟!

عدل مارتيل نظارته مجيبا :
_لست أدري .. قالت ثمة بضع تعديلات تراها ضرورية و تريد إضافتها للأغنية !

قال رايان مضيقا عينيه بانزعاج :
_و لما لم تخبرها أننا نرفض ؟! إما أن تغني معنا الأغنية كما هي .. و إما أن تنسى الأمر برمته ، لقد كانت فكرة الأغنية المشتركة معها غباءا أصلا !!

هز مارتيل رأسه غير مكترث بغضبه :
_لهذا السبب بالذات لا أريدك أن تأتي معنا ، أنا و أليستر سنتفاهم مع مليندا .. أنت ركز فقط في تصوير الإعلان ، سنلتقي عند استديو التسجيل هذا المساء !

أعاد مفكرته الإلكترونية إلى جيبه وهو يقول :
_و بالنسبة لك ليو .. ستأتي السيارة لتقلك فور إنتهاء الدروس لتنضم إلينا !

لم يبدو على ليو -الذي كان صامتا منذ بداية الحوار- أنه سمعه حتى ،
فكرر مارتيل عبارته بصوت أعلى .. ما جعل ليو يهمهم دون أن تتحرك عيناه عن أوراقه ، و دون أن يستمع فعليا :
_أجل .. حسنا .. مهما كان !

_ما بال "الطالب المجتهد" هذا الصباح ؟!

سأل رايان بتعجب ساخر ،
و قوبل بتجاهل تام من ليو على غير العادة !
أطفأ أليستر السيجارة في منفضدة زجاجية كانت معدة في الركن الجانبي داخل السيارة ،
ثم نظر إلى ليو الغائب تماما بأوراقه و تمتم بابتسامة :
_هل يجب أن نبدأ بالقلق ؟!

لم يرد ليو أيضا ، فنادى مارتيل بنفاذ صبر :
_ليو .. ما الأمر ، ماذا لديك في هذه الأوراق ؟!

رفع ليو رأسه إليهم بتقطيبة منزعجة :
_ماذا تريدون ؟! ألا يستطيع المرء الحصول على خمسة عشرة دقيقة ليذاكر لاختبار سخيف نسيه طيلة العطلة ؟!

_إذا أنت مجتهد بالفعل .. كدنا نظلمك للحظة !

قالها رايان متهكما ، فمنحه ليو نظرة عدائية :
_إليك عني !!
إنها غلطتي على أي حال .. كان علي ترك الدراسة كما فعلتما !

هز أليستر رأسه و ابتسم له بتفهم :
_نحن لم نترك الدراسة .. لقد أجلناها العام الماضي فقط حتى نستطيع التركيز مع الفرقة ، على كل .. لا تقلق نفسك ، أنت تبذل جهدا كبيرا و ستنجح حتما !

رمق ليو رايان بنظرة عنت "لما لا تكون مثله" ، قبل أن يرد على أليستر بهدوء :
_شكرا ... لكني لا أظن ذلك ممكنا ، ستكون مشكلة إن حصلت على علامة "جيد" وهو أقصى ما أستطيعه حاليا !


توقفت السيارة في محطتها الأولى ،
أمام المدرسة الثانوية حيث يدرس ليو ..
فرتب الأخير أوراقه و التقط حقيبة ظهره قائلا :
_شكرا على التوصيلة ... ذكروني أن أشتري سيارة فور أن أجد وقتا ، أراكم لاحقا !

ترجل من السيارة ، و سمع ردودهم المتفاوتة عليه قبل أن يغلق الباب !

تابعت الليموزين البيضاء طريقها ،
و وقف ليو أمام الساحة المفتوحة لمواقف السيارات .. حيث كان الطلاب لايزالون يتوافدون إلى المدرسة ، جميعهم مثله بالزي المدرسي الرمادي.
الأبنية الثلاثة المرتفعة و الحديثة الطراز .. أوضحت ببساطة كون هذه مدرسة خاصة لا يملك الكثيرون رفاهية ارتيادها.

و دون أن يكترث بما حوله ... عاد ليو ينظر في الأوراق التي بيده ، يقرأ المقطع الأخير في الرسالة الطويلة التي وجدها فجأة بين كتبه هذا الصباح ..




النهاية التي حظيت بها لنهاري يوم أمس كانت شيئا جميلا ، أكثر مما توقعت و انتظرت.
رأيتك عند الغروب في الساحة الخارجية للمدرسة ، تستند على سيارة صديقك .. و حولك عدد من الأصحاب ،
بالطبع لم يكن ممكنا لي سماع ما كنتم تتحدثون عنه ،
لكنني تساءلت كما فعلت مرات عديدة .. عن قدرتك الخاصة في جمع الناس من حولك .. أكاد أقسم أن كل واحد منهم يهتم لأمرك صدقا ،
ليس كما أفعل أنا .. لا تخطئ .. فلا أحد يشعر نحوك كما أشعر !
لكنهم .. ككل من يعرفك ، لديهم شعور بالود و المحبة إتجاهك.

ابتسمت يومها .. رغم شعوري بالأسى لأني لا أجرؤ أن أقترب منك إلى ذلك الحد !
لكن شعوري الأناني هذا .. اختفى حال رأيتك تضحك على شيء قاله أحد رفاقك !
هل تعلم ما تأثير تلك الحركة البسيطة على قلبي ؟!
أراك ترجع رأسك إلى الخلف ، و تضحك بشفافية و صفاء !
فأشعر بأن الحياة أفضل .. و أن يومي بات منيرا بشكل ما ،
قد أبدو مجنونة ... و قد تبدو عباراتي اعتيادية .. مبتذلة حتى لم يعد لها بريق ،
لكنها حقيقة بالنسبة لي .. لا يهمني شيء قدر أن تصدقني !
و أنا أعلم أنك ستفعل ... حتى لو لم تكن قد مررت بذلك من قبل ، لأنك إنسان جميل الروح .. ليونيل !

ك.م





طوى ليو الرسالة و أعادها مع الظرف الزهري اللون إلى حقيبته ، تنهد .. ثم تمتم و يده تعبث بشعره بارتباك :
_هذا .. كان شيئا .. مختلفا !

لم يجد تعبيرا حقيقيا عن ما أثارته تلك الرسالة في داخله ،
كما لم يستطع منع نفسه من التفكير في صاحبتها رغم محاولته لتجاهل الأمر !

ما كانت هذه أول مرة يحصل فيها على رسالة من معجبة غامضة .. فحتى قبل أن يصبح مشهورا ، كان ثمة اثنتان أو ثلاث من الفتيات في مدرسته القديمة ممن وجدن هذه الطريقة أسهل للتعبير عن مشاعرهن !

لكن هذه الرسالة كانت مختلفة .. يكاد يشعر بصاحبتها خلف سطورها ،
حزينة .. لطيفة .. صادقة إلى درجة تثير اضطرابه !
لكن الشيء الذي لم يفهمه بعد .. كان سبب عدم تطرقها لحظة لذكر أي شيء عن غنائه ،
لقد ذكرت كل تفصيل يخصه .. على مدى الرسائل الثلاث التي وجدها بين كتبه في الفترة الماضية ،
ذكرت كل شيء .. كما لو أنها تمضي جل وقتها بمراقبته في المدرسة ،
لكنها لم تذكر شيئا عن نجوميته !
كما و أنها .. -و بالرغم من المشاعر الكبيرة المختفية خلف كلماتها- لم تكتب له كلمة اعتراف مباشرة بحبها !!


_ليو .. صباح الخير ، ما بك واقف هكذا ؟!

التفت ليو إلى صديقه ثقيل الظل ، الذي أرفق تحيته تلك بضربة قوية على ظهره ،
و أجابه بشرود :
_ما من شيء .. هيا بنا لندخل !


لم يكد ليو يخطو بضع خطوات مقتربا من مدخل المدرسة حتى كان تجمهر صغير من رفاقه ملتفا حوله ،
يبادلونه التحية .. و يتحدثون بصخب عن الحفل الغنائي الذي حضروه .. و كم كان أدائه مبهرا فيه !

راح ليو يومئ برأسه لهم بابتسامة .. رغم أنه لم يكن منتبها إلى حديثهم فعلا ،
كان مازال يفكر في تلك الرسائل و صاحبتها الغامضة ..
إذا كانت طالبة هنا فهو على الأرجح سيكون قادرا على تعرفها بطريقة أو بأخرى.

نظر إلى العدد الغير قليل من الفتيات حوله .. و تساءل ماذا قد يمنع تلك الفتاة من أن تقترب منه مثلهن ؟!!

تقدم يعبر البوابة الكبيرة للمبنى الأول من المدرسة .. حيث كان رجلان ضخمان يقفان كحارسين على كلى جانبي البوابة ،
و هما يحاولان قدر الإمكان البقاء بعيدا عن الأنظار ...
كون هذه مدرسة يتعلم فيها أبناء الأغنياء و الأشخاص المهمين .. فقد كانت مؤمنة و مجهزة بعناية !


لقد كانت هذه المدرسة إختيار والديه المبالغين دوما في حمايته و الخوف عليه ،
و لو لم يوافق ليو على إكمال عاميه الأخيرين في الثانوية هنا .. لما تركاه يعيش بعيدا عن البيت !
‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏لقد كان اتفاقا لا بأس به في الحقيقة ..‏‏‏
لم يواجه أي مشاكل في التأقلم مع الطلاب هنا .. هم ربما مدللون و مغرورون قليلا .. لكنهم أشخاص جيدون !
و لا واحد منهم يفتقر إلى الثقة ... فماذا قد يجعل طالبة هنا تكتب مثل تلك الرسائل الخجولة له ،
فالمتوقع عادة .. أن تأتي إليه بجرأة لتقول ما بجعبتها بوضوح !!


كان مازال يقلب الأمر في رأسه .. حين قطعت أفكاره إحدى الفتيات وهي تقول بإمتنان :
_لقد كان حفلا رائعا ليو ، شكرا على إذن المرور لخلف الكواليس .. لا أكاد أصدق أنني قابلت رايان وجهها لوجه ، أشعر أنني سأصرخ من الحماس كلما فكرت في ذلك !

_لقد صرخت بالفعل ... و في وجهه !!

ضحك ليو على العبارة التي قالها واحد من الفتية بسخرية.
و قال وهو مازال يضحك :
_لا عليك .. فقد أحب رايان ذلك !

اتسعت عينا الفتاة بأمل :
_فعلا ؟!

هز ليو رأسه نفيا ، و قال بابتسامة ماكرة :
_كلا ... لكن أنا فعلت ، لطالما رغبت في أن أرى من يصرخ فيه و إن كان بهذا المعنى !

_كم أنت مغيظ .. عجيب كيف تبدو بريئا و لا يظهر عليك كل هذا اللؤم !!

هز ليو رأسه دون أن يعلق على عبارة الفتاة ،
فتح خزانة كتبه .. و توقفت يده قبل أن تلتقط الكتاب الذي هم بأخذه ..
ارتفع حاجباه دهشة حال أن رأى ذلك الظرف الزهري المألوف مع علبة صغيرة مغلفة بورق هدايا أحمر جميل .. قابعين في الخزانة فوق كتبه !!

صفر أحد أصدقائه من خلفه :
_رائع .. لديك هدية من معجبة ليو !!

أشاعت تلك العبارة موجة من التعليقات الصاخبة بين أصدقائه جعلته يرغب في إختفائهم في هذه اللحظة !

_هدية و رسالة حب .. لما لم أفكر في ذلك من قبل ؟! ترى هل فات الأوان كي أفعل المثل ؟!

_لا تمزحي ... أنت لن تفعلي شيئا لأن دوري هو التالي !

_ماذا في العلبة يا ترى ؟! حلوى ؟!

_اقرأها .. هيا اقرأ الرسالة و أخبرنا ممن هي ليو !!

_ليو .. لما لا تتوقف عن احتكار قلوب فتيات المدرسة ، إن صحبتك معذبة بالفعل !!

أعاد ليو إغلاق باب خزانته .. بعد أن أخرج الهدية و الرسالة ،
استدار دون أن يرد على أي منهم ... و تحرك مبتعدا في الممر !

هتف أحد أصدقائه من خلفه :
_هيه ليو ... أين تذهب ، ألن تدعنا نرى ماذا لديك ؟!

قالت أخرى :
_دعه .. أظنه محرجا !

_تبا .. أنا لا يهمني .. أريد أن أعرف ماذا في الهدية !!


بعيدا عن صخب أصدقاء ليو و تذمرهم .. وقفت تلك الفتاة بركن غير ظاهر .. بابتسامة هادئة سعيدة و وجنتين محمرتين ..
لقد عنى لها تصرفه هذا الكثير ..
أن يمنح مشاعرها المتمثلة على هيئة تلك الرسائل .. إهتماما كافيا ليعتبرها شيئا شخصي ، هو أكثر مما حلمت به يوما !
و أملت فقط .. أن تعجبه الهدية التي أنهكت نفسها في إختيارها !










xX تحذير .. يرجى رجاءا حارا عدم الرد ~


__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس
  #112  
قديم 04-23-2013, 11:19 AM
 
Cool








_أنا لا أصدق هذا !!

أعربت "جودي" -صديقة ويلو- عن استنكارها وهي تلتف لتواجهها ، و قد كانتا تسيران جنبا إلى جنب على الرصيف ،
في جولة للبحث عبثا عن عمل جديد ، و برفقتهم ساشا التي أصرت على الذهاب معهما !
لم تعلق ويلو بشيء .. فأردفت صديقتها بخيبة :
_أتعلمين ما فرصة أن يحدث ذلك ... مرة واحدة فقط في الحياة ، و أنا و أنت أضعنا هذه الفرصة ... لا أصدق أن كلتينا تغيبتا عن العمل في اليوم الوحيد الذي قرر فيه نجم كأليستر شون زيارة المقهى السخيف حيث نعمل !!

هزت ويلو رأسها بعدم مبالاة ،
فشدت ساشا طرف كمها وهي تهمس لها بعيون متسعة حماسا :
_هل هو أليستر ؟! ذلك الشاب الذي قصدته مساء أمس يا ويل !

أشارت لها ويلو بأن تلزم الصمت و هي تتمتم :
_سأخبرك لاحقا .. اهدئي الآن !

تقدمتهما جودي حتى توقفت أمام واجهة متجر للأدوات الإلكترونية ،
حيث كانت أعداد من أجهزة التلفاز الحديثة معروضة على الواجهة .. و كلها تعمل ،
هتفت بحماس :
_تعالي و انظري ويل !

خطت ويلو نحوها و خلفها شقيقتها ، ثم نظرتا إلى الشاشات.
كانت إحدى محطات الأغاني تعرض أغنية "للسيلفري سبيريتز" .. نفس المحطة على جميع الشاشات !

سمر مرأى الشاب المألوف على الشاشة ويلو في مكانها ، سمعت صديقتها تقول بينما عيناها مثبتتان على الشاشات :
_انظري .. أستطيع إعتبار هذه إشارة ، أليس كذلك ؟!
يوما ما سأجتمع بأليستر شون .. أنا واثقة .. هذا تخطيط القدر !!

ضحكت ساشا وهي تتمتم بخبث أكبر من عمرها :
_لست أظنك المقصودة بهذا القدر عزيزتي !

لم تكن ويلو تستمع إليهما ، كان ذهنها يستعيد حديثها مع ذلك النجم الذي تراه الآن على الشاشات .. أليستر !!
ربما هي غاضبة بسبب خسارتها لعملها .. و لأنها تكره كل الأثرياء الذين يجعلون حياتها أصعب ،
لكن كان عليها الاعتراف ... أليستر لم يفعل لها شيئا يدفعها إلى الغضب منه ..
لم يتعامل معها بتكبر أو عجرفة ..
لم يكن كالأغنياء الحمقى الذين كان ليصر أي منهم على أن تطرد لمجرد أنها أراقت القهوة عن طريق الخطأ !!
حتى أنه دعاها لتجلس معه و هي مجرد نادلة !!
و أخبر مديرها الأحمق بعدم وجود مشكلة رغم أنها أفسدت له ثيابه الفاخرة ...
لكن رئيسها الغبي هو من كان سعيدا بإيجاد عذر لطردها !!‏

هي تعلم الآن بالرغم من قصر معرفتها به .. أن أليستر شاب مختلف عن البقية .. لطيف و متواضع رغم كونه ثريا ، تعترف بهذا حتى وهي تحاول عدم تصديقه !!


استمرت صديقتها تثرثر دون توقف عن تلك الأغنية ،
تشير كم يبدو رايان جذابا وهو يغني جالسا على مقدمة سيارته المكشوفة ..
و كم يبدو ليو وسيما و كم حركاته الراقصة بارعة ..
كيف أن هذه الأغنية من تأليف أليستر كالعادة ... تثرثر و تثرثر دون توقف !

بينما عينا ويلو كانتا تركزان فقط على أليستر ،
لما يبدو حزينا حتى عندما يبتسم ؟!
لديه كل شيء في حياته حتما ... فلماذا لمحة الحزن الخفية هذه في عينيه ؟!
و لماذا هي مهتمة بأمره ؟!!

هزت رأسها بعنف عند تساؤلها الأخير ، كما لو أنها تطرد عنها هذه الأفكار.
لديها ما هو أهم من شاب غريب تحدثت إليه لعدة دقائق لتفكر فيه ..
لديها مسألة البحث عن طريقة لدفع اجرة البيت .. فلتقلق بشأنها الآن !

قبضت على كف ساشا و سحبتها خلفها وهي تقول بشيء من الحدة .. كانت موجهة إلى نفسها في الحقيقة :
_هيا بنا ساشا .. نحن نضيع الوقت !

_ماذا هناك .. انتظري ويل ؟!

هتفت جودي من خلفها ، ألقت نظرة أخيرة على تلك الشاشات ،
قبل أن تلحق بها مستغربة مزاج صديقتها هذا اليوم ..


بعد تجوال دام ساعتين ..
كان الثلاثة جالسين في مقاعد خارجية لكافيتيريا صغيرة .. و أمام كل منهم مخفوق شوكولا ساخن.
وحدها ساشا من كانت مستمتعة بتناوله ،
بينما ويلو لم يفارقها القلق للحظة كون بحثها لم يثمر عن شيء ، أما صديقتها فقد كانت تلهو بهاتفها الصغير ..

هتفت فجأة :
_ها هي .. لقد وجدتها ، كنت أعلم بأنني احتفظ بها هنا !

تطلعت إليها ويلو بتساؤل ، و قالت ساشا :
_ماذا وجدت ؟!

ابتسمت جودي مجيبة :
_الأغنية التي رأيتماها قبل قليل ... إنها من أغاني المفضلة ، استمعي إليها ويلو و أنكري كما تفعلين دوما أنهم الأروع !!

همهمت ويلو :
_عما تتحدثين الآن ؟!

ضغطت جودي على أزرار هاتفها .. فبدأت موسيقى جميلة لإفتتاحية أغنية ما تنبعث منه ،
وضعت ساشا الكوب الكبير على الطاولة وهي تهتف بحماس :
_أنا أعرف هذه الأغنية .. "قصتي أنا و أنت" !

_السيلفري سبيريتز من جديد .. ها ؟!

تمتمت ويلو بضجر و هي تسند وجنتها بكفها دون مبالاة ...
لكنها مع ذلك كانت تصغي بانتباه لم تستطع منعه للأنغام السريعة الراقصة ، و الكلمات العذبة في آن معا !
الأصوات الساحرة كانت تغني بانسجام بديع ، كانت قد سمعتهم ما يكفي من المرات لتستطيع أن تميز صوت كل واحد من الثلاثة.

توقفت عن القلق ... توقفت عن التفكير بأي شيء عدا الأغنية الجميلة التي تسمعها ،
و سرعان ما غامت عيناها بمشاعر بعثتها بها كلمات تلك الأغنية ..


لو فقط أستطيع ، لجمدت الزمن على تلك اللحظة ،
لحظة تحتضن عيناي عيناك .. في غفلة ،
أبدا لست أنسى ..

كانت نظرة ..
بسمة ..
ثم نبضة ..
قصتي أنا و أنت ..

أين رأيتك ؟! عرفتك لأزمان ..
متى التقيتك ؟! انتظرتك أعوام ..
و رغم أني لم أعرفك ..
وهبتك ثقة لم يهبها لك إنسان ..
رغم أني لم أعرفك ..
أتيتك بحثا عن الأمان ..
فكنت لي بلسما لكل الأحزان ..



لم تستطع أن تمنع ذهنها من جلب الصور المناسبة في مخيلتها لكل صوت تسمعه يغني ،
كما لم تستطع منع الحمرة الطفيفة التي زحفت لوجنتيها .. ما إن ميزت صوت أليستر ،
ليكون مرافقا في خيالها و هيئته التي تعرفتها عن قرب ..


كلمة ..
ضحكة ..
ثم قبلة ..
حكاية صفاء و نقاء ..

تائه كنت في وحدتي
حتى التقيتك ..
يلفني صقيع ..
لم يزله سوى دفء يديك ..
لا تتركني .. و قد وجدتك أخيرا ..
لا تتركني .. أصارع الموج كسيرا ..



خطفت الهاتف من يد صديقتها حين بدأت تشعر بعدم الارتياح لتلك الخيالات في رأسها ،
و أطفأته بحدة وسط ضحكات جودي و ساشا ، قالت تجاهد للحفاظ على قناع من الجدية و اللامبالاة :
_هذه تفاهة .. لا أدري لما أنتما تبذلان كل هذا الجهد لاقناعي بشيء لا يعجبني ؟!

_أتقصدين أنك لا تحبين السيلفري سبيريتز أختي ؟!

ضيقت ويلو عينيها :
_تماما ساشا ... و الآن .. هذه الاستراحة قد طالت أكثر من اللازم ، دعانا نذهب !

تبادلت ساشا و جودي النظرات بابتسامات متعجبة ..
و من ثم نهضتا لتلحقا بها ..







في أستديو التصوير الصغير .. المعد ليبدو كجزء من شقة ، حيث أحاطت به عشرات الآلات ..
وقف رايان متأنقا بوسامة .. بتيشيرت أبيض و جينز أزرق بدا بهما مميزا .. رغم بساطة مظهرهما ،
وقف ينتظر كلمة البدء ليؤدي الدور القصير له في هذا الإعلان .. بينما يحاول قدر وسعه أن لا ينعته بالسخف بصوت مسموع !!


_ابدأ !!

جاءت تلك الصيحة من الرجل الملتحي و النزق بشدة .. الجالس في الخلف ،
و كانت إشارة البدء المنتظرة للجميع ..
شغل هذا الإضاءة .. و حرك ذاك الكاميرا .. بينما انسابت موسيقى إحدى أغنيات السيلفري سبيرتيز في الأستديو.

خطى رايان بحركة أنيقة .. تحت ملازمة الكاميرات ،
حتى يضع زجاجة العطر ذات الزرقة الضبابية .. و الشكل الهندسي ، فوق المنضدة المجهزة مسبقا لهذا الغرض ،
ثم التف جانبا ينظر إلى الكاميرا ..
بينما يلتقط معطفا جلديا أسود ليرتديه .. وهو يبتسم ابتسامة بطيئة ساحرة !
كان على وشك نطق العبارة التي يتوجب عليه قولها ...
لكن فجأة ..

ارتفعت نغمة بيانو عاطفية ، جعلت الكل يتلفت حوله باحثا عن مصدرها !!
أغلق رايان عينيه هامسا لنفسه أن هذا ليس وقته !
قبل أن يخرج هاتفه النقال الذي كان يرن بصخب من جيبه ..

_اقطع !!!

صرخ بها الرجل الملتحي عبر مكبر صوت ما كانت ثمة حاجة حقيقية له نظرا لصغر حجم المكان !!

_هاتف محمول .. لماذا ثمة هاتف محمول يرن في الأستديو خاصتي ؟!!!

قالها ذلك المخرج النزق وهو مازال يصرخ عبر مكبر الصوت ،
موجها المكبر نحو مساعده الواقف بجواره .. يصيح فيه و كأنها غلطته هو !

تحرك رايان مبتعدا عن تلك الضوضاء دون أن يبالي .. ثم ضغط زر الإجابة في هاتفه ، قال :
_ماذا هناك سارة ؟!

أتاه صوتها مغلفا برقة أخفت وراءها غضبا :
_ماذا عن .. كيف حالك سارة ، اشتقت إليك سارة ، سعدت بإتصالك سارة !!
ألا تستطيع أن ترد مرة دون أن تشعرني بالتطفل ؟!

زفر رايان :
_أخبريني أنك لم تتصلي من أجل أن نتشاجر ؟!

ضحكت بخفة :
_بالطبع لا .. لقد ازعجتني تحيتك الفاترة فحسب ، تبدو كما لو أنني قطعت عليك شيئا مهما ، ماذا كنت تفعل ؟!

_أصور إعلانا !

نظر رايان خلفه .. حيث كان المخرج مايزال يصيح ، يتهمه بنقص الاحترافية في العمل .. و بتضييع الوقت ،
تمتم رايان قبل أن يبعد السماعة عن أذنه :
_لحظة عزيزتي ...

ثم ابتسم للرجل النزق ، قائلا بصوت مرتفع :
_خذ استراحة لخمس دقائق و اشرب شيئا غير القهوة .. رباه كم أنت متشنج يا رجل !!

تجاهل رد الرجل الغاضب الذي صدح عبر مكبره بشكل مضحك ،
ثم عاد يضع الهاتف على أذنه :
_معك سارة ...

سمعها تسأل بسرعة :
_مع من تصور هذا الإعلان ؟!

لم يفته المغزى من وراء هذا السؤال ، لكنه أجابها بهدوء :
_لا أحد .. أنا فقط ... سارة هل من أمر مهم ، إنه حقا ليس وقتا مناسبا ؟!

ترددت :
_الحقيقة .. هناك حفلة كبيرة ستقام نهاية هذا الأسبوع ، و .. إنها من تنظيم تيريزا .. هل تذكرها ؟!

_هل علي أن أفعل ؟!

بدا عليها الاستياء و هي تجيبه :
_ليس حقا ... إنها تلك الفتاة اللاتينية التي تدرس معي في الجامعة ، أنت التقيتها قبل أسبوعين ...

قاطعها رايان متذكرا :
_آه .. السمراء الجميلة ؟!

ارتج الهاتف في يده لصراخ سارة العصبي ، فأبعده عن أذنه قليلا !!

_لا تقل عنها جميلة .. رايان براندون سأحيل اليوم إلى أسوأ كوابيسك إن فعلت .. يمكنك أن تتغزل في أي فتاة .. أي فتاة لكن ليس تلك التيريزا ، هل تفهم هذا ؟!!!

_حسنا .. حسنا فهمت ، لقد ثقبت طبلة أذني ... لا تنسي أنك من جاء على ذكرها أساسا ، إذا ... هلا اختصرت ما تحاولين قوله بشأن الحفلة و تيريزا "الغير" جميلة ؟!

_لا تسخر مني .. الأمر أنني حصلت على دعوة للذهاب إلى الحفلة ، و .. كنت أريدك أن ترافقني ... هذا مهم بالنسبة لي !

_أود ذلك عزيزتي .. لكن أنا لا ..

قاطعته بخيبة أمل :
_أعرف .. أعرف .. لن تأتي .. أنت لا تهتم بأي شيء يخصني على أي حال !

_سارة ..

فاجأه سماع غصة بكاء في صوتها بينما تضيف :
_لطالما كنت هكذا .. تشعرني دوما أني شيء مزعج و متطفل على حياتك !!

تمتم رايان بشيء من الارتباك :
_هذا ليس صحيحا ... هل أنت تبكين ؟!!

_أنا أعلم .. أعلم أنه صحيح .. أنت تكرهني !!

تضاعف إرتباك رايان حال أن سمع شهقاتها الباكية عبر الهاتف ،
ماذا دهاها ؟!
تلفت حوله كما لو أنه يبحث عن خلاص :
_لا تبكي سارة .. حسنا لا تبكي أنا آسف ، سأذهب معك إلى الحفلة .. و سنغيظ تيريزا معا .. فقط توقفي عن البكاء !

_هل حقا ما تقول ؟!

إرتاب رايان من الطريقة المفاجأة التي توقفت فيها عن البكاء ، لكنه أكد لها قائلا :
_بالطبع .. سأتفرغ تماما هذه العطلة حتى نكون معا ، أنا أعدك !

أطلقت صيحة سعيدة :
_أحبك رايان !!

ابتسم رايان ابتسامة كبيرة ماكرة :
_يمكنك قولها ثانية !

_آه .. أ .. أنا آسفة علي الذهاب ، لقد عطلتك ما يكفي ... إلى اللقاء !!

ضحك رايان حال أن أغلقت الخط محرجة ،
تمتم لنفسه ... مجنونة .. لكنه لا يستطيع الابتعاد عنها !!







أعادت سارة الهاتف إلى حقيبتها .. وهي تضحك بمكر ، قالت :
_و هذه ... تكون أفضل طريقة للحصول على اعتذار و موافقة .. و من ثم تشتيت كل ذلك بكلمة أخيرة !!

نظرت إلى ساعة معصمها وهي تتمتم :
_حان الوقت لإنهاء جولة التسوق هذه .. إنها بإنتظاري حتما !

ثم تحركت في طريق العودة و هي تدندن مسرورة ..

ما كان رايان وحده من يلعب بشكل غير عادل ..
فمعرفتهما التي تمتد إلى سنوات طويلة .. مكنتها هي أيضا من اكتشاف نقطة ضعفه .. دموعها .. و إن كانت دموع تماسيح ، دائما ما تؤثر في رايان فتمنحها النتيجة المرجوة !!

لطالما كانا ثنائيا منذ الصغر ، رغم تفاوت شخصياتهما ..
حتى كبرا ليكونا خطيبين برغبة من كلى عائلتيهما ،
هما يحبان بعضهما .. كما تعتقد !
لأن التغييرات التي حدثت السنوات الأخيرة في حياة رايان ... جعلت تلك الحقيقة موضع تشكيك و قلق بالنسبة لها !!


خطت متجاوزة السياج الأبيض لذلك المنزل الأنيق دون تكلف ،
قطعت الحديقة التي غطتها الثلوج فبدت حالها محزنة.
هي تذكر كيف كانت هذه الحديقة مزهرة و معتنى بها طوال العام ،
تذكر كيف كانت السيدة صوفيا -والدة رايان- توبخها هي و رايان .. عندما كانا يلعبان فيها صغيرين ... فيفسدان لها الزهور و البراعم التي تتعب في الإهتمام بها !

لكن السيدة براندون لم يعد لديها رغبة في العناية بأي شيء مؤخرا !
إن الحال التي انتهت عليها تحزنها بشدة ..

كانت على وشك أن تضغط على جرس الباب ..
حين فوجئت به يفتح .. ليظهر من خلفه ذلك الرجل الأربعيني الأشقر ذي النظارات الطبية ،
بدا هو الآخر متفاجئا .. مفاجأة دامت للحظة فقط ، كان يبتسم بعدها قائلا بلهجة أبوية :
_أهلا سارة ... كيف حالك ؟!

ابتسمت له :
_بخير .. و أنت كيف صحتك تيري ؟!

هز تيري رأسه متظاهرا بالإستياء :
_لا يعجبني هذا السؤال ، تشعرينني بأني عجوز !!

ضحكت سارة قائلة :
_لست كذلك أبدا ... ليس و أنت متأنق هكذا !

عدل تيري ربطة عنقه الرمادية بيد .. بينما كان يحمل حقيبة عمله بالأخرى ، قال بمزاح :
_شكرا ... هذه شهادة عظيمة من شابة صغيرة و جميلة مثلك !

ضحكت سارة من جديد ...
ما كان ثمة أي تكلف بينها و بين أفراد أسرة براندون بحكم الصداقة المتينة التي تربط بين عائلتيهما !
لطالما كانت تشعر معهم و كأنها بين أهلها ... السيد تيري براندون بمزاحه الودود ،
و السيدة صوفيا بمحبتها و رقتها الدائمة ..
جوني .. الشقيق الأكبر الغائب ..
و رايان ...


_هل رأيته مؤخرا ، كيف حاله ؟!

انتزعها سؤال تيري من أفكارها .. قبل أن تصل إلى النقطة التي تقلقها و تحزنها في آن معا ،
لم يعد هناك أي تواصل بين رايان و أفراد أسرته ...
منذ اليوم الذي اكتشف فيه رايان واقع أنه ليس ابن آل براندون فعليا ... و قد رفض أي اتصال بهم ،
ظل بعيدا و غاضبا ... يحاول أن يبدو غير مبالي بأمرهم !

_إنه بخير ... هو .. منشغل كثيرا مؤخرا !

آلمها الحزن الذي أطل من عيني تيري وهو يقول :
_ألا يسأل عن والدته على الأقل ، إنها تكاد تموت حزنا عليه ؟!!

أطرقت سارة برأسها بأسف وهي تتمتم :
_ليس لأنه لا يهتم تيري ، أنت تعرف رايان ... إنه مكابر جدا و عنيد ، أنا واثقة بأنه قد اشتاق إليكم كثيرا !

أطلق تيري تنهيدة عميقة :
_لا بأس ... تفضلي بالدخول بنيتي ، آسف لأنني أوقفتك عند الباب !

_لا عليك ..

ودعها تيري كونه مستعجلا للحاق بإجتماع عمل ،
بينما دخلت هي حتى تلتقي بالسيدة صوفيا ..
كما تفعل في كثير من الأحيان ، حيث تطلب منها الأخيرة أن تحدثها عن أخبار ابنها !!







_عفوا أيها السيد ...

هتفت جيني بالرجل النحيل الذي أوشك على صعود سيارته التي فتح بابها ،
و تابعت و هي تخطو بسرعة مقتربة منه :
_أنت الصحفي "نيومان" صحيح ؟! أحتاج للتحدث إليك.

رمقها الرجل بلامبالاة ثم جلس في سيارته خلف المقود قائلا :
_ماذا تريدين يا فتاة ، أنا رجل منشغل ؟!

ابتسمت جيني بمكر :
_و أنا أتيتك بخبر حصري عن أليستر شون ... ألا تمضي وقتك بملاحقة أخبار المشاهير ؟!

منحها نظرة أكثر إهتماما ، فأرجعت خصلات شعرها البني الجميل خلف أذنها بتفاخر ،
لكن ظنها خاب عندما قال لها :
_لا وقت لدي للألاعيب يا فتاة ، غادري !

قطبت جيني حاجبيها بانزعاج ، قالت بينما تفتش في حقيبة يدها الكبيرة :
_انتظر لحظة ، سأريك ما سيثير إهتمامك !

ابتسمت مجددا حال أن أخرجت بضع صور من حقيبتها ، و مدتها للرجل قائلة :
‏_هذه الصور أكثر من كافية لكتابة مقال عريض عن حياة أليستر قبل النجومية !

قلب الرجل الصور بين يديه بإهتمام ،
ينظر إلى الفتى المعروف الذي تحويه جنبا إلى جنب و هذه الفتاة !!

_هل كنت تعرفين أليستر .. نجم السيلفري سبيريتز ؟!

ازدادت ابتسامة جيني الماكرة اتساعا :
_هل تمزح ؟!

شدت قامتها بغرور و هي تضيف :
_كنا متحابين ، و لولا أنه قد تغير بعد أن فاز بمسابقة الغناء تلك و أصبح مشهورا لكنا خطيبين الآن !

_تقولين تغير ، بمعنى تخلى عن علاقتكما ؟!

قالها الصحفي و قد بدأ يشعر بإهتمام كامل فيما يمكن أن يكون قصة جيدة ليكتبها !
فكبتت جيني ابتسامة مسرورة ..
الساعتان التين وقفت خلالهما أمام مبنى هذه الجريدة المعروفة ،
تنتظر هذا الصحفي ليخرج لم تضيعا هباءا !

سرعان ما كسى ملامحها الجميلة تعبير أسى مصطنع وهي تقول :
_لما لا تدعني أخبرك القصة كاملة ؟!







قميصه الرمادي مفتوح الأزرار راح يرفرف مع هواء البحر البارد ،
مثلما كان شعره الأسود يتطاير بفوضى و قد بدا لامعا تحت أشعة الشمس.
بنطاله الداكن كان مطوي الطرفين حتى منتصف ساقيه بتجعيدتين غير متساويتين !

سار على حافة الشاطئ و قدماه مغمورتان بالمياه ... يغني بنبرة متألمة .. ينشد مع ألحان الطبيعة من حوله ،
و صوته المخملي يداعب قلب كل من يسمعه !
ملامحه الجذابة كانت تعكس انسجام أحاسيسه التام مع الكلمات ، عيونه الرمادية تبرق بشجن ..
و يداه تتحركان بصورة تعبيرية .. كما لو كان يخاطب شخصا غير مرئي !!

بدا أليستر كملاك مجروح بمظهره الجميل و صوته الرخيم الذي شكا غدر الحياة ،
كان كلوحة خرافية بديعة بتلك الهالة المتألقة التي تتبعه أينما ذهب !

لوحة .. لم يفسدها سوى الكم الهائل من الآلات و الأدوات و كذلك الأشخاص الملتفين حوله !!‏
ارتفع أمر المخرج بقطع التصوير ...
فساد الصخب مرتفعا بعد الهدوء السابق .. و ضجت تلك البقعة الصغيرة بالحركة.
أطلق أليستر تنهيدة متعبة عندما أعلن عن إنتهاء التصوير ..

أسرع نحوه اثنان من العاملين المنتفضين بالنشاط حوله ، وضع أحدهما معطفا على كتفيه ،
بينما جلب له الآخر خفين من النوع الذي يستعمل في نزهات الشواطئ ، لينتعلهما و قد كان حافي القدمين !
كان ذلك بينما يستمع إلى المخرج الذي أثنى على أدائه الممتاز هذا اليوم و شرح له بعض التفاصيل الأخرى لباقي العمل الذي سيكون غدا و مع رفيقيه !

تنهد للمرة الثانية وهو يدخل إلى مقطورته الصغيرة ،
ألقى بالمعطف على مقعد خشبي صغير كان عند زاوية المقطورة مع أنه لايزال يشعر بالبرد ، و قد كاد يتجمد هناك .. مرتديا فقط قميصا خفيفا مفتوحا .. واقفا وسط هواء البحر البارد !
على الأقل هو صور هذا المشهد فوق الشاطئ ،
بينما رايان المسكين كان عليه النزول في المياه !!
هز رأسه وهو يغلق أزرار القميص .. متمتما لنفسه أن المخرجين لديهم دائما أغرب الأفكار عند تصويرهم الإبداعي كما يسمونه !

لكنه أرهق اليوم .. إرهاق ما كان ليوجد لولا أنه واجه مشكلة في التركيز ،
صورة تلك النادلة لا تفارق ذهنه .. و لا ينفك يفكر فيها ،
لا يدري لما هو مهتم .. ليس من عادته أن يقلق على شخص بالكاد يعرفه ،
لكن تلك الفتاة ...
لقد أعادت إليه ذكرى لصبي صغير كان قد نسيه ... بدت شبيهة بذلك الطفل الذي كان يناضل وحده ضد صعوبات الحياة دون أن يحرز شيئا !!

أغلق أليستر عينيه للحظات ...
طفت رغبته إلى السطح .. حتى غدت قرارا حاسما سيقوم به ،
و لم تمضي دقائق حتى كان يغادر موقع التصوير ذاك بسيارته السوداء ...
متجها إلى المقهى ، ملبيا رغبته ببساطة ... و متجاهلا أي شيء آخر عداها !
كثيرا ما حركت أليستر نزعات تبدو غريبة و ربما غير منطقية للآخرين ،
لكنه بفضل إنقياده خلف نزعات كتلك .. أصبح مغنيا و حقق النجاح الذي يحظى به الآن !

كان أكثر حذرا هذه المرة وهو يدخل من باب المقهى المتواضع ،
ملتفا بوشاح رمادي و أسود .. فوق معطف بلون مشابه .. دون أن ينسى نظارته الداكنة ،
لم يكن سهلا أن يدرك أحد هويته الآن .. بدا مجرد شاب يشعر بالكثير من البرد ، و قد كان يشعر به فعلا بعد جلسة التصوير تلك !!

المدير البدين كان في استقباله فور أن دخل ،
لم تخطئ عيناه العلامة الفاخرة لتلك الثياب التي يلبسها ..
تجاهل أليستر ترحيب الرجل خاصة و أنه عرفه بطريقة ما ، قال :
_شكرا .. لكنني لست هنا لأطلب شيئا ، أتيت لأرى ويلو !

ظهر الاستياء واضحا على معالم الرجل الجشع ، قال متخليا عن نبرة الترحيب و الابتسامة الكبيرة :
_تقصد تلك الفتاة فانينغ .. لم تعد تعمل هنا ، لقد طردتها البارحة !

_لماذا ؟!

لوح الرجل بيده دون مبالاة :
_لا يمكن أن تظل تعمل لدي بعد ما فعلته ، مثل تلك الأخطاء لا يمكن أن أقبل بها في مقهاي .. و تلك الفتاة لا تنفك تكرر الخطأ تلو الآخر !!

عقد أليستر حاجبيه :
_ألست تبالغ في هذا ، ما حدث لم يكن يستحق ...

_إنه يستحق بنظري .. الزبائن لن يأتوا لمكان سيئ الخدمة.

تمتم أليستر :
_لا عجب و أنها تنعتك بالمدير الغبي !

_تنعتني بماذا ؟!

_أريد عنوان إقامتها من فضلك !!

طالب أليستر مقاطعا استنكار الرجل البدين أمامه ،
العبارة التي قالتها له ويلو تلك الليلة كانت تطوف في ذهنه الآن ... تمنح قراره السابق تغييرا جذريا .. و اندفاعا متجددا !

"و أنا علي أن أعمل بجهد كي أوفر لي وجبة طعام متواضعة !"



_سأدفع لك !

قالها أليستر حال أن رأى تعبير الرفض في وجه الرجل ،
تعبير .. سرعان مازال لتستبدله ابتسامته الجشعة :
_حالا سيدي .. لك ذلك !


جلس أليستر في أحد مقاعد المقهى الفارغ تماما في هذه الساعة من النهار ... بينما غاب الرجل في حجرة ما في الداخل ليجلب له العنوان من بيانات العاملين لديه !


سيقتله مارتيل حتما !!
فكر في ذلك بإدراك متأخر .. لكنه لا يستطيع منع نفسه الآن ،
تبا لمثل هذه النزعات الجنونية التي تتلبسه فلا يستطيع الفكاك منها ..
تبا للإهتمام الغير مبرر الذي يشعر به تجاه تلك الفتاة منذ رآها أول مرة ...
لقد أقسم أن لا يهتم بأي فتاة مجددا !

تجهم وجهه بشدة عند الفكرة الأخيرة ...
هذا حتما ليس ذلك النوع من الإهتمام ، إنه شيء يعيد له ذكريات قديمة فحسب .. مجرد حنين إلى الماضي !!

جلب الرجل له العنوان مدونا بورقة ..
أخذها منه أليستر و ناوله بضع ورقات نقدية في المقابل .. ثم خرج مغادرا المكان ...


صدم الهواء البارد وجهه فور أن خرج إلى الطريق ..
رغم أن الشمس كانت مشرقة اليوم .. إلا أن الجو ظل باردا.
الأشعة الباهتة لشمس الشتاء كانت تنعكس فوق الثلوج .. على أسطح المنازل الصغيرة المتقاربة ، و الأشجار اليابسة الخالية من الحياة !

لم يكن بحاجة للعودة إلى سيارته فالعنوان الذي حصل عليه لم يكن يبعد كثيرا عن ذلك المقهى ، كان على بعد شارعين فقط !

الأحياء هنا كانت سيئة الحال ، كانت منطقة لأناس يشقون طوال النهار من أجل لقمة العيش كما قالت ويلو ،
لم يكن عالما جديدا عليه .. لقد سبق و كان واحدا من هؤلاء ، بل و ربما أسوأ حالا !!
لكنه عالم ابتعد عنه تماما خلال السنة الماضية من حياته ..

صعد أليستر الدرجات الثلاثة لمنزل صغير بطلاء أزرق باهت .. كان يبدو محشورا بين منزلين أخرين .. بحيث أن حجم المنازل الثلاثة معا لا يكاد يساوي حجم بيت واحد عادي !!

أعاد نظارته إلى جيب معطفه ..
و رفع قبضته ليطرق الباب .. لكن يده ظلت معلقة في الهواء دون أن يفعل ..
شعر بتردد مفاجئ .. ماذا بعد ؟!
كل ما يراه الآن يثبت صحة اعتقاده ؟!
لكن ... بأي صفة سيظهر للفتاة ملوحا برزم نقدية ؟!!
هز رأسه بعزم و طرق الباب .. إذا كان ثمة شيء تعلمه جيدا عن هذه الحياة ،
فهو أن الكبرياء لا يطعم جائعا !!

فتح الباب بعد عدة دقائق .. ليظهر من خلفه رجل في أواسط العمر بكرسي متحرك !
تبادل هو و أليستر النظرات للحظة ، تأمل الرجل مظهره خلالها بعيونه الزمردية الهادئة .. عيون ذكرته فورا بويلو رغم أنها بدت أكثر وقارا و نضجا.
ثم كان الرجل الغريب يسأل :
_هل أخدمك بشيء .. أيها الشاب ؟!








xX تحذير .. يرجى رجاءا حارا عدم الرد ~


‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس
  #113  
قديم 04-23-2013, 11:29 AM
 
Cool





لو فقط أستطيع ، لجمدت الزمن على تلك اللحظة ،
لحظة تحتضن عيناي عيناك .. في غفلة ،
أبدا لست أنسى ..[
RAYAN]


كانت نظرة ..
بسمة ..
ثم نبضة ..
قصتي أنا و أنت ..[
silvery spirits]


أين رأيتك ؟! عرفتك لأزمان ..
متى التقيتك ؟! انتظرتك أعوام ..
و رغم أني لم أعرفك ..
وهبتك ثقة لم يهبها لك إنسان ..
رغم أني لم أعرفك ..
أتيتك بحثا عن الأمان ..
فكنت لي بلسما لكل الأحزان ..[
LEO]


كلمة ..
ضحكة ..
ثم قبلة .. (قبلة .. قبلة .. قبلة)
حكاية صفاء و نقاء .. (نقاء) ..[
silvery spirits]


تائه كنت في وحدتي
حتى التقيتك ..
يلفني صقيع .. لم يزله سوى دفء يديك ..
لا تتركني .. و قد وجدتك أخيرا ..
لا تتركني .. أصارع الموج كسيرا ..[
ALISTER]

كنا قد بدأنا ...
بنظرة ..
بسمة ..
ثم نبضة ..[silvery spirits]
(نبضة .. نبضة .. نبضة) ..[RAYAN]
قصتي أنا و أنت .. (أنت) .. [silvery spirits]


لنختمها كما ينبغي ..
و كما يقرر هذا الحب ..[LEO]

لا تتعجل أيامنا السعيدة ..
ستأتي .. أؤمن أنها ستأتي في نهاية المطاف .. [silvery spirits]

حبي ..
شمسي ..
حياتي ..[ALISTER]

(حياتي .. حياتي .. حياتي ) ..[silvery spirits]

ربما لا أستطيع تجميد الزمن على تلك اللحظة ،
لحظة تحتضن عيناي عيناك .. في غفلة ،
لكني أقطع وعدا ..
أبدا لن أنسى ..[RAYAN]

و معا سنبقى ..
حتى نهاية المطاف ،،[silvery spirits]

كانت نظرة .. بسمة .. ثم نبضة ! [LEO]
أبدا لست أنسى ! [RAYAN]
قصتي أنا و أنت ..[
ALISTER]


.
.

*كلماتي*‏









أهلا بكم ...
أحببت أن أوجه الشكر لكل من ترك تعليقا بين صفحات روايتي .. أنرتموني فعلا !


الفصل اهداء لمتابعتي الأولى .. يوكي تشان .. لتعليقاتها التي لطالما أسعدتني و حمستني في رواياتي السابقة ، لك شكر من القلب عزيزتي !


و مهدى كذلك لماما تيما .. لسؤالها الدائم عني .. و تشجيعها و دعمها الكبير لي ،،
تيماري ... أنت صديقة لا أعرف ماذا فعلت لاستحقها !!

.
.

و الآن ... كما رأيتم جميعكم فإن الفصل طويل جدا ،،
آمل أن يكون خفيفا على قلوبكم فحسب ...
لي الحق بعد هذا الجهد العظيم الذي تكبدته في أن أعرف رأيكم فيه ... أليس كذلك ؟!
عبروا عن كل ما يجول في خاطركم ..
و لدي سؤال واحد فقط :


~ما هو أكثر مقطع أعجبك في الفصل .. و لماذا ؟!


<< ليس ضروريا أن تقتبسوا المقطع .. فقط أشيروا إليه !

و ختاما .. أريد ردود تفتح النفس ،،:looove:

لا تسامح مع أحد ...

انطلقوآ << أحب هالكلمة ..:baaad:






__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس
  #114  
قديم 04-23-2013, 12:35 PM
 
اكثر مقطع عجبكم؟؟
عندما كان رايان يتحدث مع سارة
الباااااااااااااااااااااااااارت كتيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير رااااااااااااااااااااااائع
اشكرك على مجهودك وحظل دائما اتابع هاي الرواية الرائعة
تاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااابعي ابداعاتك:kesha: :coolcool:
TэmαŖi and Prismy like this.
رد مع اقتباس
  #115  
قديم 04-23-2013, 12:58 PM
 
أهلا فتاة الريح ،،

سعيدة إن البارت عجبك .. شكرا لك أنتي الأروع ..

و إن شاء الله تظل تعجبك الرواية لآخر مقطع

دمتي بخير
haibara_san and TэmαŖi like this.
__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لم الحزن و أنا معك حبيبتي؟ Say Fallata أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 40 08-24-2014 04:59 PM
ستديو musical sound للانتاج الفني والتسجيلات الصوتيه مصعب ولويل إعلانات تجارية و إشهار مواقع 1 05-18-2010 03:20 AM
صور ممثلين high school musical miley cyrus أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 06-29-2008 09:25 AM


الساعة الآن 09:28 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011