عندما يشعر الشخص بالعجز ... عندما يشعر بالظلم
والقهر والهوان ... سيبدأ بالبحث عن طرق للتحرر من
هذا العدوان ... تماما كما فعل أهل فرنسا في ذلك الزمن فقد قرروا التخلص
من الأسرة الحاكمة أولاً لقد أعدوا العدة لذلك ورسموا خطة متقنة !
وبالفعل كادت خطتهم في الهجوم على القلعة وتحطيم أسوارها أن تنجح ولكن المفاجأة
بل الصاعقة التي لم يتوقع أي أحد أن تحصل هو هجوم رجال الكنيسة لمؤازرة
أسرة الحاكم !
ليتحول ذلك الإنتصار إلى هزيمة منكرة وما إن إنسحب عامة الناس حتى تبعهم الجنود على أحصنتهم كالبرق وبدؤوا بإلقاء السهام عليهم حتى قتلوهم جميعاً !!!
ولم يبقى من المواطنين إلا القلة التي خافت الخروج ومواجهة هذا الظلم
والأطفال بل مئات من الأطفال الذين تشردوا نتيجة لهذه المعركة الدموية !!
ومن هنا تبدء روايتنا ... لنرى معاً ونعيش مع أحد الأطفال الذي فقد والداه في المعركة ! ولولا الحظ لكان هو وشقيقه الأصغر ميتان أيضاً .
............
في تلك الأحياء الفقيرة كان ذلك الطفل ذو الأربعة أعوام يتشبث بقميص شقيقه
ذو الثامنة أعوام وهو يرى شقيقه يبكي بحرقة وهو ملطخ بدماء والديه والقليل
من الجروح إثر إصابته بالسهام التي كانت تطلق بعشوائية !
_ أخي دانيل هل تتألم ؟
نظر دانيل إليه والدموع تسيل من عينيه كالنهر ليضم شقيقه الأصغر إليه
بحنان فبالرغم من صغر سنه إلا أنه يعلم تماماً ما سيواجهانه منذ هذه اللحظة
لاسيما وأن والداهما كانا قائدين هذه الثورة فلا بد أن الحاكم سيجعلهما عبيداً له
أو ربما يقضي عليهما أمام الجميع ... كرر ذلك الطفل الخائف عبارته
إلا أن دانيل قد مسح على شعره بحنان وقال له :
دانيل : لا تقلق يا أخي الصغير أنا بخير ..ك .. كل شيء سيكون بخير
لن أسمح لهم يإيذائك أبداً .
أدريان ببكاء : لماذا قتلوا أمي وأبي يا دانيل ؟
أخفض دانيل رأسه فهو حقا يرغب في أن يتوقف عن البكاء فقط من أجل
أدريان شقيقه الأصغر ... يريد أن يمسح له دموعه ولكنه غير قادر على
أن يتوقف هو عن البكاء.
دانيل : أدريان هيا علينا الرحيل من هنا .
أدريان : لماذا إلى أين سنذهب ؟
دانيل : لا يهم علينا الذهاب الآن !
لم دانيل يكمل جملته حتى كُسر باب منزلهم ليدخل من بعدها رجال الحاكم
دانيل وقد نهض وهو يخفي أدريان خلفه : ماذا تريدون ؟
- هيا ستأتيان معنا إلى قصر الحاكم .
دانيل : لا .. لن نفعل .
إبتسم ذلك الجندي ليقترب من دانيل بهدوء كي يمسك به من شعره
ويلقيه على جندي آخر ليحكم ذلك الجندي قبضته عليه بينما توجه الأول
للإمساك بأدريان الذي بدء بالبكاء بصوت مرتفع من كثرة خوفه !
دانيل : دع أخي وشأنه ... أرجوك .
الجندي بعد أن أمسك بأدريان : سيكون بخير إن تصرفت بطريقة عاقلة !
دانيل : كما تريد .
قام الجنود بتقيدهما بسلاسل سميكة ووضعوا على أعينهما غطاءاً ما لمنعهما
من الرؤية وساروا بهما إلى قصر الحاكم .
في القاعة الرئيسية للحاكم حيث كانت مملؤة بالتحف الفنية والتماثيل
المصنوعة من الذهب الخالص .
أزالوا الغطاء عن أعينهما حتى يجدوا أنفسهم في وسط تلك الغرفة الواسعة
ويجلس أمامهما على ذلك العرش الحاكم وبجانبه البابا لقد كانا يبتسمان معاً !
الحاكم : شكرا جزيلاً لك
البابا : لم أفعل هذا لأجلك ولكن لو إستطاعوا هزيمتك لكانوا تشجعوا
وخططوا لهزيمتنا نحن أيضاً.
الحاكم : أنت محق .. وهذان الإثنان هما أبني قائدا الثوار صحيح ؟
الجندي : أجل سيدي .
الحاكم : أتسائل ماذا نفعل بهما ؟
البابا : هل تسمح لي بأخذ الشقيق الأصغر ؟
الحاكم : أخذه !
البابا : أجل يا عزيزي إنه طفل بكل حال ولن يذكر أي شيء
عندما يكبر ولهذا لن يسعى للإنتقام .
الحاكم : كما تشاء ستأخذ أنت الطفل ذو الأربعة أعوام وأنا
سيكون لي الطفل الآخر ذو الثماني أعوام .
دانيل بحدة : لا لن أبتعد عن أخي أتفهمون ؟
أمسك دانيل بيد أدريان الذي كان يبكي بخوف بقوة شديدة وهو يحاول التمسك به على الرغم من الحرس الذين كانوا يضربونه على يديه ومعدته حتى يتركه ولكنه وللأسف لم يستطع أن يحافظ على تمسكه بأدريان فأخذه البابا وذهب بالرغم من بكاء أدريان وصراخه
دانيل : لااا . أعدوه الآن أرجوكم أعيدوا أخي لي أرجوكم .
ليبدء بالبكاء مجدداً ... نهض الحاكم من مكانه ليمسك بذقن دانيل وهو يبتسم بسخرية شديدة .
الحاكم بسخرية : عليك أن تقلق على نفسك ومن ثم سيأتي يوم ما ستقتلان به
بعضكما البعض .
دانيل : أنت واهم !
الحاكم : الآن هو عبد عدوي وأنت عبد لي أنا .... أعدك ستتقاتلان ويقضي أحدكما على الآخر في إحدى المعارك .
دانيل بغضب : أنا لن أقاتل أخي أبداً .
الحاكم : ربما ولكنه لن يذكرك ... بل لن يذكر أنه يمتلك أخاً
ولهذا لن يتردد في قتلك أبداً .
هز دانيل رأسه سلباً قبل أن يمسك أحد الحراس بذراعه بقوة شديدة ويلقيه
داخل زنزانة مظلمة صغيرة ليبدء بالبكاء مرة أخرى .
دانيل بألم : هذا يكفي .. أنا لم أفعل شيئا سوى البكاء منذ موتهما
كان علي أن أحمي أخي منهم .. ولكنني غير قادر على ذلك
أمي .. أبي لماذا رحلتما وتخليتما عنا ؟
...............
في الكنيسة :
البابا : إذن ما هو إسمك ؟
أدريان : إسمي هو أدريان .
البابا بغضب بعد أن لكمه على معدته وأمسك ورفع وجهه بيده :
إجابة خاطئة إسمك لم يعد أدريان ... وليس لديك أي شقيق بل أنت الآن
كلاريس خادمي الشخصي أتفهم ؟
خذوه من هنا وأمنعوا عنه الطعام والشراب لمدة يومين فقط
ولنرى بعدها إن كان قد تروض أم لا ؟
.............
بعد مرور يومان في قصر الحاكم :
دانيل بألم : يكفي هذا سيدي أرجوك .
الحاكم : لا ليس بعد عليك أن تتدرب أكثر حتى تكون قادرا على حمايتي .
دانيل بصعوبة : لكنني غير قادر على صد ضرباته .
الحاكم : لا يهم ... كل ما أعرفه هو أنك إما ان تستمر في التدرب أو أن
تتعرض للعقوبة .
عض دانيل على شفته السفلى فهو يعلم أن كلا الخيارين صعب وكلاهما
يعتبر تعذيبا له فقط !
..............
أما في الكنيسة :
أدريان : إسمي هو كلاريس وأنا خادمك الشخصي سيدي .
ابتسم كل من في الكنيسة برضى وبدؤوا بإخضاعه لتدريبات
أخرى من أجل تثبيت شخصية كلاريس في ذهنه ! .
..........
دعونا نتخطى بضع أعوام تحديداً بعد إثنى عشر عاماً :
كلاود : سيدي دانيل لقد أنجزت المهمة .
دانيل : جيد ... هل واجهك أيٌ من رجال الكنيسة أو الحاكم ؟
كلاود : لا يا سيدي لم يجرأ أي منهم على ذلك عندما عرفوا أنني
تحت أمرتك سيدي .
دانيل بإبتسامة : رائع ومن ثم إسمي هو دانيل لا سيدي يا كلاود .
كلاود : ولكنك من أنقذني من التهلكة يا سيدي قبل إثنى عشر عاماً
أنا مدين لك بحياتي .
دانيل : ولكنك أصبحت صديقي الحميم فلا داعي لمثل هذه الرسمية .
كلاود : ولكني لست أعز بقلبك من لويس صحيح سيدي ؟
إبتسم دانيل عند سماعه لإسم لويس ليغلق عينيه ثم يفتحهما مجدداً
ليقول : أتسائل إن كان بخير أم لا ؟ هل لازال طيب القلب كما كان
لولا مساعدته لما وصلت إلى هنا اليوم يا كلاود ... لما تمكنت من الهرب
من ذلك القصر .. بل الجحيم الذي كنت به سابقاً إن طلب مني أن أعطيه
روحي فسأفعل ذلك .
كلاود : وأنا أيضاً على الرغم أنني بل أنا لا أعلم من يكون ولكن
إن كان قد فعل هذا لك فأنا سوف أكون هناك من أجله دائما يا سي ... أقصد
يا دانيل .
دانيل : شكرا جزيلا لك يا كلاود .
جوليان : سيد دانيل لقد عدت .
دانيل بتنهد : انتم يا رفاق ميؤوس منكم هل ترغبون حقاً بجعلي قائدا لكم
فحسب دونما ان أكون صديقكم أيضاً .
جوليان : آنا آسفة دانيل لكنني غير معتادة على منادتك هكذا .
كلاود : ههههههه .. أنت من إختارنا للبقاء بجانبه وعليك أن تتحمل
نتائج هذا القرار !
لورا : من أغضب دانيل مجدداً ؟
دانيل : أنتي هي الوحيدة التي تفهمني يا لورا .
جين : بكل حال أنت غاضب فقط لإننا نحترمك .
دانيل : وأنا لا اريد هذا الإحترام منكم .
جولييت : كما تشاء يا سي ... أقصد يا دانيل
لتبدء بالضحك بعدها بخفة ... ومن ثم يتبعها الجميع بالضحك
إلا دانيل الذي كان على وشك الإنفجار بسببهم .
فريدريك بحيرة : ماذا يحدث هنا هل هو إجتماع سري ؟
دانيل : فريدريك هل أنهيت المهمة ؟
فريدريك : أجل يا دانيل لقد أنهيتها بنجاح .
دانيل بطريقة مضحكة : لقد حسم الأمر لورا و فريدريك أنتما المفضلان
عندي .
لم يتمالك الجميع أنفسهم من الضحك إلا فريدريك الذي لم يفهم مالذي يحدث
في هذه الغرفة .
..............
في مكان آخر بعيد عن هذه المنطقة الصغيرة في فرنسا تحديدا في الكنيسة :
البابا : إذن يا كلاريس ماذا حدث ؟
كلاريس بإبتسامة واثقة : لقد تم تدمير الحصن الأول للحاكم يا سيدي
البابا : راائع أحسنت .
كلاريس : ولكن لماذا لا تسمح لي بمهاجمة تلك المنطقة التي يحتلها ذلك
المدعو بدانيل ... فهو قد يبدء بثورة عليك يا سيدي .
البابا : وهل أنت متشوق لقتاله ؟
كلاريس : أكثر مما تتصور يا سيدي أتمنى أن أرى جثته
أمام عيناي وهو مضجع بالدماء .
إتسعت إبتسامة كل من في الكنيسة لإنهم يعلمون تماماً أن
دانيل يستحيل له أن يواجه كلاريس وبهذا يكون النصر لهم ولذلك تجاهلوا
أمره وقد أبقوا على الحرب قائمة بينهم وبين الحاكم وأسرته .
..........
في قصر الحاكم :
الحاكم : كيف يجرؤون على مهاجمتنا مرة أخرى ؟
جهزوا لي جيشاً ساحقاً وأجمعوا الضرائب من الناس حتى نقوم
بتجهيز أنفسنا لهذه المعركة !
دوروثي : ولكن يا أبي ألم تجمع منهم الضرائب قبل مدة ؟
الحاكم بغضب : إياكِ وأن تتدخلي في أمور حكمي يا دوروثي هل تفهمين ؟
دوروثي وقد أخفضت رأسها بأسى : أمرك أبي .
لتغادر بعدها تلك القاعة وهي في طريق الذهاب إلى غرفتها لولا
ذلك الشخص الذي صدم بها وبدء يمسح على شعرها بحنان .
دوروثي : لماذا يفعل أبي ذلك يا أخي ؟ لماذا يعامل العامة بهذه الطريقة
السيئة .. سيأتي يوم ما وسيقضون عليه وعلينا ونحن لن نتمكن من
لومهم بل ..... لم تستطع أن تكمل بل أجهشت في البكاء حتى
نامت بين أحضان شقيقها الأكبر ليحملها بدوره إلى غرفتها
ثم يقبلها على جبينها وهو يبتسم لها بحنان وبود وأيضاً بأسى على
حال والده وشعبه !
.........