جلسنا جميعاً على الكرسي، بينما ذلك الذئب ظل جالساً بالقرب من ديانا، إلى ان جائت تلك الفتاة مرة اخرى و هي تحمل صينية فيها أكواب شاي، وضعتها على الطاولة التي امامنا ثم قالت: أنا كريستا، سعيدة بمقابلتكم.
فسألها اوز فجأة: عذراً، ماذا تقربين لسام؟
إلا أن تلقى اوز لطمة من عند إيزابيل على رأسه، ثم همست له: لا تكن وقحاً هكذا..!
كتف ستيفان ذراعيه و قال بهدوء: بالفعل..
اوز بغضب: أنت اخرس! لم يطلب أحد رأيك!
و هما يتجادلان، سألت ديانا ذلك الشاب المدعو سام: المعذرة، لكن هل يمكنك أن تبعد هذا الذئب عني؟
فأجابها بهدوء: لا داعي لهذا، لم يفعل بك شئ لذا لا تقلقي..
فقالت له و قد علا وجهها ملامح التوتر: ليس هذا ما اقصده..
عندها تناول هذا الشاب أحد اكواب الشاي و اخذ رشفة منه، ثم وضعه مرة اخرى على الطاولة..
هذا الشاب غريب عجيب، اقصد.. لماذا هو بارد الاعصاب و هادئ هكذا؟!
قطع حبل افكاري صوته و هو يقول لي: ألا تتذكرين؟
عندها اطلق زفرة طويلة، و قال: لا ازال اتذكر، عندما تم تبناني السيد ألين-
فقاطعته إيزابيل فجأة: لحظة! هل تعرف شخصاً اسمه توما؟
فنظر لها، و قال:وجهك مألوف قليلاً، ما اسمك؟
فأجابته: إيزابيل، كنت انا و المدعو توما في "ملجأ أيتام سوفيا"، هنا في امريكا.
ظل فترة من الزمن و هو صامت ،و كأنه يسترجع ذكريات الماضي، ثم قال: لا، أنا كنت في ملجأ مختلف.
لوكا: المعذرة، لكنني لم اعد افهم شيئاً مما تقولان! اصبح الامر معقدا!
كريس و هو مكتف يده بجدية: إيزابيل و ذاك المدعو توما قد جاؤوا من ملجأ ايتام، عندما تم تبني إيزابيل، تركت توما و لم تعرف عنه شيئ إلى حين أن قابلناه في المطار ذلك اليوم..
فأكمل ستيفان كلام كريس: أما سام الذي هو أخ ماريا بالتبني، و الآخر المدعو "جاك"، فهما من ملجأ آخر.
شين: بمعنى آخر، ليس لهم علاقة ببعضهما.
أوز بإستغراب: لديكم قدرة عجيبة للتحليل..!
على كل، بعدها اكمل سام قصته التي تم قطعها: عندما تم تبني من قبل السيد الين ،أنا و جاك، حسناً، بكلمة اخرى جاك تم تبنيه بعدي بأيام من قبل السيدة ساكوراكو، التي هي ام ماريا.
ثم اردف: قبل أن يتم تبني جاك، ذهب السيد الين و زوجته و ماريا في رحلة إلى اليابان، رحلة في الغابة..
عندها امسك كوب الشاي مرة اخرى و تابع كلامه: اتذكر بأنني انا و ماريا خرجنا من المنزل الصيفي لنتجول في الغابة قليلاً، و نحن و وسط الغابة، إلتقينا بذئب..
ثم أشار على الذئب الذي لا يزال جالساً قرب رجلي، و قال: هذا هو..
ثم اردف: حسناً، لم اكن اعرف ماذا افعل في تلك اللحظة، فدرت و ركضت و أنا اقول لماريا بأن تركض بسرعة! و نحن نركض، تعثرت هي ووقعت على الارض..
ثم اعاد كوب الشاي مرة اخرى، وقد كاد ان يسقط من يده هذه المرة، و قال: فتوقفت لكي ارجع لماريا في تلك اللحظة، لكنني جمدت في مكاني كالتمثال الاصم عندما وصل ذلك الذئب لماريا، كنت اريد ان اساعدها، لكنني كنت خائفاً.. إستولى الخوف علي و منعني من الحراك..
ثم مسح عرقه من على جبينه، و قال: لكن لحسن الحظ، بأن في تلك اللحظة وصل ستيفان و اطلق النار في الهواء لكي يبعد ذلك الذئب عن ماريا، و بالفعل ابتعد!
قطعت كلامه كريستا و هي تقول له: سام! هل انت بخير؟
فأخذ نفساً عميقاً، و عاد لوضعه الهادئ، و قال: كنت اشعر بالندم طول حياتي للأنني لم استطع حماية ماريا في تلك اللحظة، حتى لو اننا قد تم اخراجنا لهذا العالم من ارحام مختلفة، لكن منذ ان خرجت من الملجأ و عشت معها، عرفت جمال هذا العالم..
فقال: في تلك الرحلة ، التي سافر فيها السيد الين و زوجته و ماريا لليابان، حيث تم إحراق القصر الذي كانوا يعيشون فيه، كنت أنا خارج القصر بعدما اخذتني السيدة ساكوراكو إلى متنزه أنا فقط، بينما السيد الين و ماريا و ستيفان كانوا في القصر..
ثم قال بحدة: أخذتني، و كلمتني، قالت لي بأن اقتل ماريا، مقابل بأنها سوف تجعلني اعيش في رفاهية للآخر نفس في حياتي هذه، كنت في ذلك الوقت في عمر 15 سنة، بينما هي في عمر 10 سنوات، مما يعني بأنني كنت عاقلاً و استطيع أن اختار قراراتي بنفسي..
بعدها اردف: سوف اكذب عليكم لو قلت بأنني لم استغرب، كان كل ما اريده هو العيش مع شخص احبني و علمني معنى الحياة، و هي ماريا، حتى لو رجعت لذلك الملجأ المرعب، لكنها كانت معي، فأنا لا امانع.
ثم قال: ما كان بوسعي في تلك اللحظة سوى انني امسكت كأس العصير الذي كان امامي، و سكبته على السيدة ساكوراكو، و أنا اقول لها " اعرفي مكانك "، في تلك اللحظة لم تغضب، لم تبدي أي ردة فعل، فقط قالت شيئاً واحداً ، و هو "سمعت بأن هنالك فتى في نفس ملجأ الايتام الذي اخذناك منه اسمه جاك، ايها اللقيط"..
ثم واصل كلامه: فجأة احسست بأن هناك شئ اطبق على فمي جعلني افقد وعيي، تلك الوغدة لديها اعوان، على كل، فتحت عيني للأرى نفسي في تلك الغابة مرة اخرى، لا شئ حولي سوى الاشجار، و لحسن الحظ بأنني كنت احمل حقيبة فيها بعض الطعام و عدة اسعافات اولية، فيبدو بأن تلك المرأة قد رمتني في الغابة و هربت..
ثم قال و هو ينظر للذئب: بدأت مشي لكي ابحث عن المخرج من هذه الغابة، إلى ان رأيت "وولف" مرة اخرى، لكنه كان يتلوى من الالم، فإقتربت منه رويداً رويداً، إلى ان احسست بأنه لا يشكل خطراُ، جلست قربه للأرى جرحا قد نصب اعمدته على جسمه، ماكان امامي سوى انني قد عالجته، لماذا؟ للأنني كنت اعرف بأن الحيوانات تكون احياناً اوفى من البشر..
ثم واصل: و بالفعل، عالجته و بت معاه ليلة واحدة في العراء، في اليوم الثاني عاودت مشيي إلى المدينة، للأراه يلحق بي، حسناً، لم اكن امانع مجيئه معي في تلك اللحظة لكي لا اكون وحيداً، و بالفعل وصلت للمدينة، عدت حيث القصر ليجن جنوني عندما رأيته رماداً!
بحثت عن احدهم، السيد الين، ماريا، ستيفان، اي شخص! لكنني لم القى احداً منهم، فتوجهت حيث حديقة عامة و جلست على الكراسي هناك بخيبة امل، حل الليل وانا على حالي هناك جالس بدون حراك، أنا و ذئب قد تبعني للأنني انقذت حياته، لم اكن املك و لو ورقة نقدية وحيدة ، و الحديقة قد فرغت من الحياة..
ثم واصل كلامه: إلى ان سمعت صوت خطوات اقدام سريعة، عندما نظرت حيث الصوت، رأيت كريستا حيث كنت لا اعرفها في ذلك الوقت، كانت تركض و في حوزتها حقيبة ، عندما وصلت إلي، قالت لي بأن اساعدها، عندما سألتها من ماذا؟ رأيت رجلان قد اتى و هما يحملان سكين و انبوب حديدي..
ثم اردف: لم اكن اعرف قصة كريستا او حتى اسمها في تلك اللحظة، كانت مجرد شخص عشوائي، لم اكن ملزوماً حتى بأن اساعدها، كنت استطيع فقط تركها ،لكن لم يكن لدي شئ لكي اخسره في تلك اللحظة، حتى حياتي كانت رخيصة في حالة اليأس تلك، فلم تمر حتى 10 دقائق و الرجلان فرا هاربان عندما إنقض عليهما وولف..
بعدها واصل: بعدما ذهبا، عرفت قصة كريستا، و هي انها فتاة من والد امريكي قد جاء ليعمل في اليابان و هي معه، إلى ان استنفذ ماله في القمار، و هرب تاركاً ابنته، و قد كانت تهرب من رجال الذين لهم دين على والدها..على كل! عشت معها منذ ذلك الحين، إلى ان جمعنا مالاً كافياً و رجعنا للأمريكا حيث كنا في اليابان، و ها نحن ذا، لكن من كان يتوقع بأنني سوف اقابلكم جميعاً هنا.
اوز و هو يضرب رأسه بضربات خفيفة: آآه، قصتك طويلة قليلاً.
فجأة ، نظرت إيزابيل لساعتها، ثم قال بتعجب و استعجال: لقد تأخرنا عن موعد التسجيل ايها الحمقى!
فوضع سيشل يده على رأسه و قال: هذا سئ..!
فتلقى لطمة من عند ايزابيل على رأسه، ثم قالت: اسرعوا هيا!
بعدما اخرجتهم ايزابيل، دارت لنا و قالت : آسفة على هذا!
ثم قالت لي أنا و البقية: سوف نأتي لكي نصطحبكم إلى المنزل بعدما ننتهي من التسجيل! اعتقد بأننا سوف ننتهي مع حلول الليل.
ثم خرجت بإستعجال، فظللنا نحن وحدنا، إلى ان سأل سام شين و اوز: لم تقدما نفسكما، صحيح.
فأجاب اوز: أنا مجرد حارس شخصي، اسمي اوز.
شين: اسمي شين، انا.. انا..
أوز و هو يضع يداه خلف رأسه: "أنا حبيب ديانا"، هذا ما يحاول قوله.
فتلقى لطمة على رأسه من عند ستيفان، فقال له اوز بغضب: لماذا تضربني؟!
قطع الجدال صوت كريستا و هي تقول: على كل! بما انكم سوف تظلون هنا لحد الليل، ما رأيكم بأن نتناول العشاء معاً؟
ثم قالت: لكن ليس لدينا مكونات كافية لعمل وجبة كاملة لستة اشخاص..
ثم نظرت إلي و قالت لي بشغف: ديانا! دعينا نذهب و نشتري من السوق!
ماهذه المرأة؟ إنها سريعة التكيف مع من حولها بسرعة! على عكسي أنا..
قطع حبل افكاري ستيفان و هو يقول: إذن سوف ارافقكم.
قاطعه سام و قال بهدوء له و لاوز: لا، فأنا اريد التحدث معكم اكثر، بجانب ان ستيفان كاف للذهاب.
و نحن في السوق، ظلت الآنسة كريستا، لا، بل "كريستا" فقط، ظلت تمسح كل شئ في الرفوف و تضعه في السلة، من خضروات و لحوم و توابل، بينما ستيفان هو من يحمل اكاوم السلال التي ملأتها هي..
فجأة توقفت ، ثم قالت لي و هي تواصل التجول في السوق: لا اعرف إن كان سام سوف يغضب مني أم لا إذا قلت لك، لكن إن كنت حقاً اخته بالتبني السابقة ماريا، يجب عليك ان تعرفي ..
ثم اردفت: بعدما رجعنا لامريكا أنا و هو، أصاب سام بالسكر..
عندها قال ستيفان: إذن هذا يفسر ما رأيته.
فإلتفت له و قلت له: ماذا تقصد؟
أكملت كريستا كلامها و قالت: أصاب بسكر حاد جداً مما ادى إلى بتر ساقيه، و الآن هو يستعمل أرجل اصطناعية.
ثم اردفت: أنا اكبرك بهذا للأنني اشعر بالشفقة عليه، فقد كان قبل بتر ساقيه مفعم بالحيوية و يحب الحركة، لكن بعد العملية، اصبح حذراُ في مقدار حركته، و يرفض مساعدة الناس له، ربما لا يريد ان يظهر ضعفه في عالم لا يسمح له بهذا.
نعم، هي على حق، فهذا العالم لا يسمح لنا بإخراج ضعفنا، لا يجب أن تري وجهك للناس سوى بالقوة! لكن ..
بعدما خرجنا من السوق، صاحت كريستا بصوت عالي:آآه! نسيت المشروبات!
تنهد ستيفان ،و قال: لعلمك، نحن لسنا في وليمة-
قاطعته و اخذت الاكياس من عنده، ثم وضعت نقوداً في يده و قال بإبتسامة كبيرة: أعتمد عليك!
ثم انصرفت و هي تحمل الاكياس معها، بينما قال ستيفان بغضب: هذه المرأة..
فقلت له: لا تقلق، لا تقلق..!
فجأة، احسست بيد اطبقت على فمي و سحبتني معها إلى الخلف! و هي تسحبني رأيت رجل ذو ملابس سوداء يقف خلف ستيفان و قد وجه مسدساً له من الخلف و غطاه بثيابه، فنحن في مكان عام، أما أنا فقد تم سحبي نحو سيارة سوداء قريبة!
أكاد اسمع محادثة ستيفان مع ذلك الرجل، و هو يقول له: لا تتحرك، و إلا سوف اقتلك.
و في اللحظة التي فتح ذلك الرجل باب السيارة، في نفس الوقت، رفع كوعه و ضرب به وجه الرجل، ثم اخذ يده التي بها المسدس و امسك رقبته و رفعه للهواء! فإذا به يبطحه ارضاً في لحظات!
ثم تناول مسدسه و اطلقه على ناحية قدم الرجل! ما إن تركني حتى امسكني رجل آخر داخل السيارة بيده، فغرست اسناني في يده بقوة لدرجة انني احسست بأن جلده قد تمزق! هذا مقرف! خرجت من السيارة عندها!
أمسكني ستيفان من يدي، و ظل يجري بي، بينما ثلاثة رجال آخرون يلحقون ورائنا، كم عددهم يا ترى؟! و ستيفان يركض بي بسرعة، مررنا نحو شاحنة كاد راكبها أن ينزل منها، ما إن مررنا حتى فتح ستيفان باب الشاحنة بأكمله، مما جعل احد الرجال يصطدم بالباب بعدما كان يلحق بنا بأقصى سرعته!
ثم قال لي ستيفان بعجلة: سوف نرجع حيث شين و البقية!
ثم ظل يركض بي من خلال الازقة ، و الرجلان الباقيان يلحقان بنا، احس بأن نفسي سوف ينقطع! لكن إذا توقفت هنا.. ماذا سوف يحصل لي؟ لا! لا استطيع التوقف.
فجأة! سمعنا صوت إطلاق النار! طلقتين بالضبط! توقف ستيفان عن الركض، نظرنا خلفنا لنرى الرجلان ملقيان على الارض، و بحر من الدماء قد فجر من اسفلهما..
نظرت للأمام، للأرى.. للأرى.. ذلك الرجل ذو الشعر الاسود المخملي، و الكتفان العريضان! و تلك الاعين الذهبية.. الذي ظننته شيطاناً عندما قابلته اول مرة.. السيد جون.. والد ريفين.. و قاتل "أمي"..
وقف ستيفان امامي، و قال بحدة: ماذا تفعل هنا، جون؟
فقال له: لا تسئ فهمي، لقد رأيتكما تركضان فقط انت و ديانا، لذا قررت مساعدتكما.
ثم اردف: لكن لحسن الحظ بأنهم لم يمسكونك يا ديانا، لو امسكوك سوف تكون تكون سعيدة؟
فسألته: من؟ من التي سوف تكون سعيدة؟
رفع صبعته السبابة للهواء و اخذ يحركها على شكل دوائر و هو يقول: كريستا.. كريستا.. كريراكو.. كريسا.. ساكوراكو..!
ظل يقول تلك الاسماء، حاولت فهم الموضوع تدريجياً، "كريستا" ،اسم حبيبة سام، لكنني سمعته من قبل.. أين ؟أين يا ترى؟!
ظللت اعتصر عقلي للأخرج زوايا الماضي، تذكرت!