انغمست في حيرة سببها زِحام المشاعر الغير مفسره و قد اقريت الآن بحقيقة اني لم اعد اعرف كيف اتعامل مع مفهوم الاحاسيس , وربما لن افعل ابداً .
شعرت بالاختلاف بطريقة ما وادركت ان " إيزابيل جونز " الفتاة المرتبكه التي تمتلكـ فضولاً لا يمكن كبحه بشكل ظريف حتماً قامت بتحريكـ شيء داخلي , شيء كنت اظن منذ وقت طويل انه قد تجمد حتى الموت , وفكرة اني قد ارسلتها للهلاكـ تجعلني اوشكـ على الصراخ ..
كنت اسمع صوت العزاء الصادر من اعماق عقلي الباحث عن راحة الضمير الذي يقول " لقد حاولت " , الا ان الاحساس بالذنب لم يتوقف عن غزوي بشكل موجع و لم يخف على الاطلاق , اردتها ان تتراجع اردت لذاكـ الخوف الذي رأيته واضحاً فوق معالم وجهها ان يقنعها بالتوقف , انا فقط لم ارد ان اواجه مخاطرة خسارتها .
مع تعالي صوت الخطوات توقفت عن الدوران في الدائرة المفرغه التي تقودني للتفكير مجددا بإيزابيل واعدت تركيزي التام على الموقف الذي قمت بوضع نفسي به , اصغيت الى صدى خطواتهم وعندما احتسبت عدد ضربات الخطوات على الارض خمنت انهما رجلان اذاً الامر لن يكون صعباً ..
قمت بتشغيل نظارات الرؤيه الليليه و استطعت مشاهدة جسمان يشعان باللون الاحمر فنظارات الرؤيه الليليه تقوم بإلتقاط حرارة الاجسام واظهارها بلون احمر , فرغت رصاصتان مخدرتان مباشرة نحوهم ثم سمعت اصوات التأوهات التي اصدراها قبل ان يسقطا على الارض كأحجار لعبة " الدومينو " , تقدمت بخطوات خفيفه وتأكدت من سريان مفعول المخدر في من افترضت انهما كلفا بالحراسه , ان المخدر سيدوم فترة خمس ساعات انها مدة كافيه حتى أتابع الاقتحام وأخلص الرهينه ثم أخرج .
لم يكن يفترض بي ان اكون هنا فبحسب اقوال " باتريك " إنقاذ الرهائن العشوائين ليس عملنا وانما عمل الشرطه , لكن الفكره بدت لي غير منطقيه ولا يعود الامر فقط لكون الشرطه قد فقدت كفائتها هذه الايام وانما الامر اني اعلم انه يفترض بنا انقاذ اي شخص ان اتيحت لنا فرصه لا التغاضي عن البعض وانقاذ البعض الاخر بحجة واهية كالعمل ليس عملنا , ومن هذا المبدأ وجدت نفسي اقوم بمهمه لا يفترض برجل واحد ان يؤديها , رجل لا يمتلكـ اي دعم في حالة وقوعه في مأزق .
سحبت نفساً ضجراً اخر بينما فكرت بلا مبالاة اني قد اقحمت نفسي في مواقف اسوأ من قبل , وفي الحقيقه اسوأ الامور التي قد تجري هي ان اتسبب في ضرر للرهينه وذلك مالن اسمح به , او ان يعلم " باتريك " بما افعله الآن متأكد انه سيفقد عقله وما تبقى من خصلات شعره الرماديه كذلك ..
اقريت للخاطفين ببعض الذكاء فالمبنى خارجياً يبدو قديماً وغيرمستخدم بحكم كونه مبنى مخزن تابع لشركة اقفلت منذ اعوام ومنظره المنفر يبعد المتطفلين كما انه بعيد بعض الشيء عن بقية المباني مما يجعله افضل مكان لمقرهم , ربما احسنوا ايجاد مكان الاختباء ولكن لابد وان يكونوا مبتدئين ساعين للمال بشكل يائس لدرجة انهم لم يفكروا جيداً بشأن كيفية تنفيذ عملية الاختطاف نفسها حتى يستخدموا سيارة " ميني فان " تحتوي لوحة ارقام يمكن تتبعها عبر الاقمار الإسطناعيه والاكثر غباءاً من ذلك انهم تركوا السيارة خارج المبنى ! .
تابعت التقدم وانا انظر الى جميع الإتجاهات قبل كل خطوه فأنا بالتأكيد لا اريد اي مفاجأة غير مرغوبه وسرت ببطىء اتفقد المكان ..
سمعت صوت همهمه صادرة من خلف باب لم اكن منتبهاً لوجوده , ادركت انها اصوات بقية الخاطفين ولابد ان الرهينة معهم في الداخل مما يعني انه كي انقذ الفتى علي اقتحام غرفه من المحتمل ان بها اكثر من رجل ومن المحتمل ايضاً انهم مسلحون وذلك يقلل نوعاً ما من فرص نجاحي ..
فكرت بسرعة بطريقه ما لحل هذه العقده , اعلم بما انهم فرضياً مبتدئين ان تشتيت ذهنهم واخافتهم ستكون مهمة سهله وعندما يدخل شخص في نوبة ذعر اما تصبح هزيمته اسهل او اكون على وشك رفع نسبة وفاتي بسبب رصاصة طائشه , ولكن الامر يستحق المخاطره ..
نزعت النظارات الليليه وقمت بإخراج قلم من جيبي يحتوي على مصباح يدوي صغير وقمت بمجازفة اشعاله وجهته الى السقف وانا ابحث عن جهاز انذار الحرائق ,اطفأت الضوء بعد ان حددت مكانه , نظراً لمدى قدم المبنى لست متأكداً ان كان الجهاز يعمل ام لا كل ما اعرفه هو ان الكهرباء تصل لهذا المبنى , تأكدت اولاً ان من في الغرفه لايبدون اي رغبة في الخروج عبر اصغائي جيداً للاصوات القادمه من هناك , ثم جررت احد الصناديق التي تملأ المخزن ببطىء حريصاً على ان لا اصدر صوتاً , وصعدت فوقه حتى اصبحت قريباً من السطح , احياناً اتمنى حقاً لو كنت بطول " فيك " كان ذلك ليكون مفيداً الآن .
بعد ان اتزنت على الصندوق قمت بإخراج القداحة من جيبي اشتعل اللون البرتقالي المتوهج الخاص بالنار مضيئاً المكان قليلاً بينما احرقت ورقة ما كانت في جيب بنطالي كذلك , تصاعد خيط الدخان نحو جهاز الانذار وانا ادعو بصمت ان يعمل الجهاز قبل ان يقرر احد الخروج من تلك الغرفه او ان يشتموا رائحة الدخان ..
اصدر الجهاز صوت صافرة عاليه لوهلة قصيره ثم انطلقت مرشات المياه من كل مكان معلنة عن فعاليه الجهاز , اطفأت المياه الورقه المشتعله بينما قفزتُ من على الصندوق و إختبأت خلف كومة صناديق مصفوفه فوق بعضها مشكلة جدار و اعدت تشغيل نظارات الرؤيه الليليه وانتظرت خروجهم .
فور سماعي لصوت انفتاح الباب وجهت المسدس نحوهم مستغلاً حقيقة اني استطيع رؤيتهم بينما هم لا يستطيعون ذلك حتى الآن , ظهرت لي هيئة ثلاثة اجسام مشعة باللون الاحمر صدح صوت احد الرجال : مامن حريق لا تشعل الضوء , المبنى قديم لابد ان جهاز الانذار معطل او ما شابه لنطفئه قبل ان يسترعي انتباه المطافىء .
التوت شفتاي بإبتسامة سريعه بينما قلت بهمس لا يُسمع : حمقى ! .
اطلقت الرصاصة الاولى نحو الجسم الاحمر الاول الذي سقط بعد ان صرخ صرخة خافته ..
صاح احدهم بفزع : " بوب "
قال الأخر بنبرة مهتزه بشكل واضح : ما الامر , ماذا يجري ؟ .
ومع احتدام الموقف اطلق احدهما بشكل اخرق رصاصة في الهواء اخترق صدى دويها المبنى كاملاً مما جعلنيي ادرك دخولهما في حالة ذعر , لم ارد اضاعة المزيد من الوقت فاطلقت رصاصتين نحوهما ولم يطل الامر حتى لحقا بصديقهما " بوب " الى عالم الاحلام .
رغم صوت الرصاصه والصراخ لم يخرج احد اخر من الغرفه مما جعلني افترض وانا اتقدم نحوها اما ان هناك شخص في الداخل ولكنه اجبن من ان يخرج او اني قد انتهيت من الخاطفين كلهم , فتحت الباب ولم تكن غرفة كما ظننت بل كان باب يقود لدرج ادركت انه يمتد نحو قبو المبنى ..
لم يكن هناك حراره المكان بارد تماماً مما جعل نظارات الرؤيه الليليه بلا فائده اشعلت المصباح اليدوي الخاص بالقلم مجدداً ونزلت اول درجة وانا احسب نسبة المخاطره فان كان هناك رجال ينتظرونني تحت فأنا ميت لا محاله , ذكرت نفسي وانا انزل الدرجة الثانيه " ان الامر يستحق " ..
وصلت لأخر الدرج حيث يوجد باب القبو فكرت في مفاجئة من في الداخل فتراجعت الى الوراء وركلته بقدمي بقوه مسقطاً الباب الخشبي ابعدت النظارات الليليه واقفلت المصباح اليدوي بعد ان ادركت ان القبو مضاء بشكل خافت نظرت حولي الى ان استقر نظري على الطفل المربوط على الكرسي تقدمت بحذر نحوه ورأيت بوضوح عيناه الزرقاء تتسعان بذعر شديد بينما همهم بشيء غير واضح بسبب قطعة القماش التي ربطت على فمه وهو يتلوى على الكرسي وادركت بندم ان ركلي للباب قد اخافه بشده , قلت بنبرة ثابته كي ابدد القليل من خوفه : لا تقلق كل شيء سيكون على مايرام , اتيت لإنقاذك .
ارتخى جسده الصغير المتصلب مما اعلن عن راحته الجزئيه ولكني لحظت نظرة الشك البسيطه التي رمقني بها قمت بفك الرباط من حول الكرسي ثم قمت بفك الكمامة من على فمه , تجمعت الدموع فوق عينيه وبدأ بالبكاء بنشيج عالي وكان يرتعش من الخوف والبرد بسبب المياه لم يكن لدي وقت لمواساته فيجب ان اخرجه من هنا بسرعه خلعت سترتي ووضعتها عليه رغم انها مبتله فهي ستمنحه بعض الحمايه من المياه حتى نخرج , حملته وانا اعلم من هيئته الضعيفه الغير متماسكه انه ليس قادراً على السير , مشيت به الى خارج المبنى ..
اثناء حملي له احسست بأصابعه تشتد على قميصي المبتل , باغتتني الذكريات وقد لمحت صورة من طفولتي في هذا الفتى كلانا عانينا بسبب امتلاكنا للمال من دون ارداتنا , بالطبع وضعي كان اكثر تعقيداً نظراً لكون ما حدث لي لم يكن اختطافاً وانما عملية قتل دبرها من كان اقرب الناس لي , ولكن الخوف الطفولي والحاجة للتمسك بأقرب شخص للتأكد بكونكـ بأمان هي نفس المشاعر التي اجتاحتني قديماً .
ربت على ظهره بحركة مطمئنه وانا اتجه نحو سيارتي و قلت : سأعيدك للمنزل .
راقبت طلوع اول اشعة الشمس وانكسارها على زجاج نافذه غرفة الجلوس خاصتي , لم استطع النوم البارحه ليس وانا اعلم انها لابد وان تكون قد وصلت للجزيرة ..
تصاعد صوت جرس الباب مقاطعاً لحظة الصمت التي كنت انعم بها , تقدمت بكسل متذمر نحوه , لم اكن في مزاج ملائم للرفقه ولكني فتحت الباب على كل حال , حدقت بوجه العجوز " باتريك " وخلفه " فيك " ودون اي حديث دخلا و فور اغلاقي للباب صرخ العجوز : في ما كنت تفكر ايها المتهور , لما ذهبت هناك هل اردت ان تتعرض للقتل ..
ادعيت البلاهه وقلت : اتعني الذهاب للمقهى , لم اكن اعلم ان الذهاب هناك خطِر .
قال بحده بنفس الاسلوب الذي كان يخاطبني به عندما كنت صغيراً تحت رعايته : توقف عن السخرية , اتحدث عن ذهابك الاحمق لإنقاذ ابن المليونير الذي خُطف .
ضيقت عيناي ثم قلت بذات نبرة اللامبلاة : لقد أُنقذ اذاً ذلك خبر جيد , ولكن لما تفترض اني من فعل ذلك , اتعلم لست البطل الخارق الوحيد الذي ينقذ الجميع في سياتل ربما يكون هناك شخصاً اخر يتمتع بنفس النبالة التي املكها .
جمع شفتاه المحاطه بالتجاعيد بزمة غاضبه ثم اردف بحده تكاد تصبح صراخاً : انت نبيل ! , أتسخر مني .
تابع بنبرة اكثر جديه : عُثر على الخاطفين نائمين بعد ان خدروا واغرقوا تماماً بالماء وقد ابلغ عن مكانهم شاهد مجهول , الخاطفين لم يروا من قام بتخديرهم وهم حتى الآن واقعون في حالة صدمه , و حسب اقوال الطفل من اعاده للمنزل هو رجل اشقر اخضر العينين , واتباعاً لإحصائياتي لا يوجد الا مجنون واحد اشقر الرأس مستعد للمخاطرة بالهجوم وحده على خمسة رجال مسلحين في منتصف الليل .
قلت بعد ان ادركت ان ان الادعاء لم يعد مفيداً فقد كشفت : " باتريك " لابد وانك ادركت اني كنت سأتدخل .
نظر الي بنفس النظرة اللامباليه التي وجهتها له ثم قال : بلا فعلت , وذلك بالضبط ما جعلني اطلب من " فيكتور " تركيب جهاز تعقب في سيارتك ..
اخذت ثانية كي اتشرب الخبر ثم قلت بحده : فعلت ماذا ؟ .
تابع وهو يخرج هاتفه من جيبه بعد اصدر صوت يعلن عن تلقيه لرساله : لم اكن سأتركك تخاطر هكذا دون ان يكون لديك دعم , والآن ركز على قضيتنا الاساسيه وحتى نتخلص من المنظمه ابقي انفك الحشري بعيداً عن باقي الامور لقد سئمت من الركض وراءك لاتأكد من كونك حياً ..
حولت نظري منه الى " فيك " وانا اتوعده بشكل صامت حين اردف " باتريك " : علي الذهاب الآن , يجب ان اخبر " هنري " بالمستجدات .
أومأت بصمت وفتحت له الباب وخرج وعندما اغلقت الباب التفت نحو " فيك " ثم صرخت بغضب : لا اصدق انك تضامنت معه ضدي اي نوع من الاصدقاء انت ؟ .
اجاب وهو يهز كتفاه : كان لديه لديه وجهة نظر , شخص ما عليه مراقبة فاقدي العقل مثلكـ .
فتحت فمي كي ارد عليه حين قاطعني وهو يقول : انت لا تبدو بخير .
اجفلني السؤال لوهله اجبت بحدة وانا التفت بعيداً : الم تسمع العجوز لقد هجمت على مبنى به خمس رجال مسلحين وانا لم انم حتى الآن بالطبع لن ابدو بخير , وبالحديث عن النوم الن تعود لشقتك فإن لم تلحظ انا لدي موعد مع الوسادة .
لم يقل شيء توقعت اجابة ساخره عن مدى انعدام لباقتي او شيء من هذا القبيل حين اتاني صوته وهو يقول بنبرة هادئه : اذاً لا علاقة لـ إيزابيل بلأمر صحيح ؟ .
لم ارد ان اكون شفافاً , تنشقت الهواء بعنف وانا احاول ابعاد حالة الاختناق التي تصعب عملية تنفسي ثم اردفت وانا اتبع اسلوب النبرة الكسوله التي تنم عن انعدام الاكتراث : وما علاقة " إيزابيل " بذلك ..
اجاب ببطىء : لقد افترضت امراً فحسب ولكن لابد اني مخطىء , لا بأس ان لم تكن مهتماً بها فذلكـ يخلي الطريق لي , ان الفتاة ذكية جداً وجمـ ....
تصاعدت موجة غضب غير مبرره داخلي بينما قلت بحده مقاطعاً حديثه قبل ان اتمكن من كبح نفسي :اصمت " فيكتور " .
نطقت اسمه الكامل , لطالما كانت مناداتي له بإسمه كاملاً اشارة من نوع ما لإيقاف الحديث , لحظت بغضب متزايد البريق الذي يتراقص في عينيه وابتسامته الجانبيه التي تعلن عن النصر .
لقد اثبتت سنوات معرفتي بفيك انه افضل صديق يمكن ان يحظى به اي احد ولكن لديه عيب واحد مزعج الى حد لا يحتمل انه يميل لتمثيل دور المعالج النفسي الذي يتدخل في حياتك وينتزع كل مكنوناتكـ بطريقته الملتويه الخاصه , وانا كالاحمق دائماً اقع في فخاخ العابه الذهنيه تماماً كما الآن .
رمى لي شيء ما وبرد فعل ألي امسكته , حدقت بمفتاح سيارة الـ " فورد " ثم رفعت نظري الى فيك الذي قال وهو يستدير نحو الباب : لم اقم بتركيب جهاز تعقب في سيارة الفورد ستكون ملائمه لتفيذ عملياتك الجانبيه .
توقف عن السير والتفت الي ثم اردف وهو ينظر الي بعينين ضيقتين : احذر صديقي , لا اريدك ان تتعلق بالضباب .
تابع السير بعد ان القى بنصيحته تلكـ علي ثم خرج واغلق الباب وراءه مررت اصابعي بين خصلات شعري ثم القيت بجسدي المنهك على الاريكه وانا غارق بالتفكير .
اهذا ما انا افعله بإهتمامي الغير اعتيادي بإيزابيل , أتعلق بالضباب الذي سيزول سريعاً ويخلف وراءه ندوباً مؤلمه وفجوات من الفراغ ؟ ..
" نهاية الجزء العاشر "
رجاء عدم الرد