الذي اصبح المعضلة التي لا تزول تفاصيلها المعقده عن رأسي
بعد ساعة يفترض اني سأطلق رصاصة مباشرة نحو صدر السيد " هسكت " مفسدة حفل الشواء .
حدقت بالمسدس الأسود المزود بأنبوب لإطالة مدى التصويب وكاتم صوت , المسدس متطور و معد جيداً انه ليس سلاح القناصين المعتاد حيث انهم يستخدمون البنادق ولكن " بيت الدمى " استطاع صنع هذا النوع من الاسلحه المصمم للاصابة عن بعد كما البندقيه ولكنه اصغر اخف ودقيق لدى التصويب ببساطة مثالي , تنهدت متذكرة جملة " الليدي إيم " ولوهلة تمنيت لو انها صحيحه تمنيت لو كنت دمية مثاليه ربما كان ذلكـ ليعطيني تأكيداً اني لن ارتكب أخطاءاً الليله .
اغمضت عيناي بقوه مبعدة كل افكاري المظلمه ومحتفظة فقط بتفاصيل خطة " مارش " و " فيك " خطتهما تكاد تكون جنوناً صرفاً ولكنه جنون ربما يجدي , ان نجح الامر ستزيد فرصتنا لتدمير المنظمه وحينها فقط قد اجرؤ على الحلم بحياة خارج هذا الكابوس .
طرق على الباب اخرجني من شرودي التفت اليه بتوجس , تقدمت ببطىء نحوه وفتحته بحركة سريعه , حدقت مطولاً بدايفيد ثم قلت بنبرة خافته : " مارش " ما الذي تفعله هنا , ربما كان النزل مراقباً وان شاهدك احد عملاء ...
قال مقاطعاً حديثي بسخريه لاذعه وهو يبعدني ويدخل : انتِ ألآن تهينينني فقط , لست غبياً كما تعلمين استطيع تدبر امر الدخول والخروج من هذا النزل من دون ان اشاهد , لقد فعلتها من قبل ألم افعل ؟ .
انه يشير الى الليلة التي خدرني بها واخذني الى ذاكـ المنزل , كنت اشعر كما لو انه قد مر وقت طويل منذ تلكـ الليله رغم انها كانت قبل اربعة ايام فقط و تمنيت بيأس لو ان الوقت قد يبطىء اكثر حتى يقف كلياً عن المضي ..
رفعت نظري اليه كي اسأله عن سبب وجوده هنا ولكني صمتُ حين وجدته يحدق بالاغراض المنتشرة على الطاولة الخشبيه " الكاميرا و السلاح " و تقطيبة مخيفه تجمع حاجبيه , قال : "إيزابيل " .
طريقة نطقه لإسمي كانت مختلفه بدت جديه و صارمه , نظرت اليه متسائله حين اكمل : تعلمين مايزال هناك وقت لتغير رأيكـ .
تقدم بضع خطوات نحوي وهو يتابع بينما كنت صامتة بذهول : يمكنني ان أستأجر طائره الى " أفريقيا " او " نيو ماكسيكو " الاختباء هناك لبعض الوقت سيكون افضل من تنفيذ عملية انتحاريه صحيح ؟ .
توسعت عيناي الى الحد الاقصى فور انتهاءه من الحديث قلت بحدة : مابالكـ " مارش " أتحاول جعلي أتراجع ؟ .
اجاب بهمس وهو يشيح بنظره بعيداً : وهل نجحت ؟ .
توترت اعصابي كنت اعلم اني احتاج دفعة بسيطه حتى اتراجع عن قراري لذلكـ احتجت قوة كبيره كي ارفض , اردفت بصوت متهدج : لابد انك تمزح , ماذا ستفعل ان تراجعت ؟ .
التفت الي مجدداً وقد برقت عيناه ببريق جديد لم استطع فهمه : سأجد خطة أخرى لا تتضمن اعادتكـ الى جزيرة الجحيم تلكـ او ربما اجد شخصاً اخر لتنفيذ الخطه .
قلت بنبرة سريعه وانا اشعر بالغضب من " مارش " الذي لم يفعل اي شيء حتى الآن سوى تدمير خلاياي العصبيه بتصرفاته ذات التوقيت الغريب والغير مناسب إطلاقاً : كلانا ندرك ان الخطة ناجحه ومن الغباء تغيرها الآن , ثم ما الفرق بيني وبين شخص اخر إلا ان كنت تعتبر اني لست جيدة كفايه , وهلا اجبتني لما بحق الله تحاول جعلي اتراجع ؟ , لما الآن ونحن على بعد خطوات من تحقيق ما نريد الم تكن انت صاحب الخطه وانت من اوصلني الى هنا ؟ .
مضت بضع لحظات صمت بينما راقبت وجهه وهو يكتسي تعبيراً مظلماً لوهلة ثم اجاب اخيراً : لا اعلم , انا فقط لم اتوقع ان تصبح الامور هكذا ..
تركـ جملته من دون نهايه معلقة في الهواء سألت : ماذا تعني بتصبح هكذا ؟.
اجاب وهو يدخل اصابعه داخل خصلات شعره الذهبيه : فقط هكذا ..
تنهدت يبدو اني لست الوحيده التي لا تستطيع فهم " مارش " فهو لا يستطيع فهم نفسه , اكمل : فور انطلاق تلك الرصاصه سيبدأ كل شيء ولن يعود هناك مجال لتراجع , ان حدث واكتشفت المنظمة ما يحدث ما تحولين فعله فرص نجاتكـ ستكون شبه معدومه , انا ارجوك اعيدي التفكير" إيزابيل " .
اجفلت قليلاً فهو قد لخص جميع افكاري منذ ان علمت بالخطه , صمتُ بإرتبكـ وقد دخلت في احدى لحظات الضغف , جزء مني اراد اعادة التفكير ولكن السؤال الذي يمنعني تماماً عن التراجع هو ماذا بعد ؟ .
رفعت نظري الى " دايفيد " الذي برقت عيناه بخيبة امل كما لو انه علم قراري , اردفت بنبرة خافته علمت انها تظهر نوع البؤس الذي اعيشه ولأول مره منذ زمن لم امانع ان اتركـ مشاعري وافكاري مكشوفه تماماً : ماذا بعد ان اتراجع ؟ , اعيش طوال حياتي اهرب من " بيت الدمى " اترقب الموت في كل دقيقه تلك ليست حياة اريد ان اعيشها الآن او غداً , انا اريد فعل ذلكـ " دايفيد " .
مضى صمت ثقيل بينما كنت انظر الى ملامح وجهه المشتده وأحسست بتسارع وتيرة انفاسي التي تحاول مجاراة دقات قلبي , قبل ان يردف : إذا كان ذلكـ ما تريدين لا اظن ان هناك ما استطيع فعله لإقناعك بالعدول صحيح ؟ .
هززت رأسي نفياً وادركت ان على " دايفيد " الرحيل فوراً قبل ان انهار , انا على وشك ان افقد كل ما تبقى من قوة المقاومه التي تسيطر على خوفي وطبيعتي البشريه الجبانه , قلت وانا احاول طرده بلباقه زائفه بشكل واضح : والان أعذرني يجب ان استعد .
التقت نظراتنا في نوع من الحديث الصامت بدا كما لو انه وداع اخير لم يُقل بعد , حاولت كبح جماح انفاسي المتسارعه التي اصبح التقاطها مستحيلاً وابعدت نظري بسرعة هاربة من عينيه الخضراء المليئة بالمعاني التي لا استطيع فهمها بينما سار هو نحو الباب توقف عن السير وقال دون ان يلتفت : اسدني خدمة وابقي حية هلا فعلتِ ..
وخرج مقفلاً الباب وراءه تحت ظل نظراتي التائهه .
لا اظن اني و " دايفيد " قد حظينا من قبل بحديث طبيعي ولكن الحوار الذي جرى قبل قليل كان اغرب من جميع محادثاتنا حتى ..
ذاكـ النوع من التفاهم الروحي مع شخص لم تعرفه الا منذ بضعة ايام غريب جداً ومخالف لقوانين المنطق وللحقيقة انه يخيفني , ولكن لا استطيع ان انكر انه شعور مريح كذلكـ .
كنت اشعر بالتناقض ومع امتزاج المشاعر المختلفة داخلي لا شيء عاد ليصبح واضحاً بالنسبة لي , الامر الوحيد الذي كنت اكيدة منه الآن هو اني ربما لم اعرف " مارش " لمدة طويله ولم استطع ازالة هالة الغموض التي تحيطه و لم افهمه ابداً ولكني سأفتقده كثيراً ربما الى حد الآلم , وفكرة اني قد لا استطيع رؤيته مجدداً تركت لبرودة الخوف التي تحيط قلبي سبباً أخر كي تعود لتستولي عليه .
أنزلت وجهي حدقت بالارض وشعرت بغشاء الدموع يكون طبقة محرقه فوق عيناي بينما تساقطت القطرات الشفافه التي اعلنت عن بداية تكون شق اخر داخلي
شق قد يقود الى الإنكسار التام .
لم اكن قد تخلصت من تأثير زيارة " دايفيد " التي خلفت المزيد من التشويش والتعقيد في مدار افكاري واقحمتني في حالة هائمه غير مفسره , ولكن كان يجب ان اتمالكـ نفسي واعود الى ارض الواقع فقد حان وقت الخطوة الاولى من الخطه .
حملت حقيبتي ووضعت الرصاصات داخل المسدس ثم ادخلته في حقيبة يدي ارتديت السترة ذات القلنسوه التي تخفي الرأس ثم انطلقت خارجة من النزل .
لم يمضي الكثير حتى وجدت نفسي اقف مجدداً امام نفس المبنى الذي كنت به في اول لقاء مع " دايفيد " صعدت سلم الحريق نحو السطح وقفت في نفس البقعة التي اخذت بها صور منزل " هنري " .
نظرت الى الاسفل نحو المنزل الفخم الذي يبدو واضحاً جداً من هنا وبتوتر اخرجت المسدس وقمت بالنظر عبر زجاجة المنظار المستديره الموجود اعلاه , جلت بنظري عبر المنظار على حديقة المنزل الاماميه المضائه بأنوار خافته بسبب اقتراب غروب الشمس بحثت بين المدعوين عن " هنري " الذي كان يقف قرب المسبح الازرق ادركت انه ينتظر , ينتظر رصاصتي .
إلتوت معدتي بشكل مؤلم من القلق بينما وجهت المسدس بحيث يصيب صدره مباشره وبقوة يعلم الله من اين اتت تحكمت بإرتعاش يداي , عَددتُ الى الرقم ثلاثه ثم قمت بإرجاع الزناد الى الخلف اهتزازة خفيفه مرت بالمسدس وانطلق العيار الناري .
تابعت النظر عبر المنظار , ولوهلة لم اعد اسمع شيئاً سوى ضربات قلبي السريعه والقويه حبست انفاسي حين تهاوى "هنري " على ركبتيه واضعاً يده على قلبه وبدأت الجموع في حديقة المنزل الاماميه بالركض في حالة ذعر , اطلقت انفاسي بإرتياح و ادركت ان دوري قد انتهى هنا , والآن فقط سنعتمد على ان يكون " هنري " ممثلاً بارعاً .
نزلت السلم بسرعه وبدأت بالسير مبتعدة عن المبنى ومع تعالي صوت صافِرات سيارات الشرطه وسيارات الإسعاف المستخدمه من قبل " مارش " و " فيك " لإكمال التمثيليه بدأ ارتياحي يزيد اكثر .
بعد نصف ساعة كنت قد استطعت العودة الى النزل من دون اي مشاكل حيث وجدت ورقة على فراشي كتب عليها " لقد نجحتِ "
انها موقعه بإسم " فيك " , ابتسمت بشكل باهت بينما طويتها بفوضويه داخل قبضتي ثم رميتها في سلة القمامه القيت نفسي على الفراش , حان وقت تنفيذ الخطوة الثانيه التي لا تقل ارهاقاً للاعصاب عن الآولى , تنهدت طويلاً ثم امسكت هاتفي النقال وضغطت على الرقم الوحيد الموجود به .
رن الجرس لمده ثم اتاني صوت تنفسها الاقرب لفحيح الافعى حين قلتُ بصوت خالي من الملامح : لقد تمت اطاحة الهدف .
أجابت بعد ان اطلقت ضحكة نصر قصيره أصابتني بالإشمئزاز : رائع " ثلاثة وسبعون " , لقد علمت انك ستنجحين فأنت الدمية التي تقتل بمثاليه .
قلبت عيناي بملل بينما تابعت هي بنبرة صارمه : سيأتي سائق أجرة لأخذك الى المطار بعد قليل , هنيئاً لكـ عزيزتي ستعودين الى المنزل أخيراً .
وانتهت المكالمه , رميت الهاتف بعنف على الفراش مدركة اني يجب ان ابعد افكاري ذات الطبيعه العنيفه التي تستقصد " الليدي إيم " جانباً فقط للوقت الحالي , فالآن علي الاستعداد للعودة الى المعتقل الاستوائي حيث ستبدأ الخطوة الثالثه و المخاطرة الاكبر .