-لماذا لم تستلم قضية المدعوة بالسيدة "جولد " ..تبدو سيدة تعيسة وملكومة بوفاة زوجها.
كانت كلمات الشاب "جرايفيد كلوندين" تدّل على أحساسه بمشاعر تلك السيدة ذات الوجنه المتناثر عليها النمش والفم المفتوح قليلاً .
هزّ السيد "نيكول كلاويس" كتفيه بلا مبالاة فقال وهو يتثاءب :-
-هذه الجرائم من النمط المملل المتكرر سوف أجعلك تحلّها بنفسك ياعزيزي .
جلس كلوندين على الكرسي فنظر الى السيد كلاويس وهو يسحب عدّة أوراق ويتفحصها فقال له ساخراً :-
-أم أن عقلك الفولاذي قد أنهار بعد جريمة "خلف القصر " ؟!
لم يكنّ السيد كلاويس من النوع الذي يتأثر بهذه الكلمات البسيطة فقد توفيت زوجته ولم يقطرّ دمعاً عليها حتى وإن فعل هذا سراً فإن هذا يكون بسيطاً ..رمقه كلاويس قليلاً وعاود تفحص الأوراق ..
مرّت فترة صمت ...اخترقها صوت الخادمة الصغيرة وهي تقول لهما :-
-أيها السيدان هناك برقية لكما !! .
-أحضريها .
قالها كلوندين وهو يتأمل قامة الآنسة "ماري" القصيرة الرشيقة وهي تغادر باب الحجرة فوجه حديثه الى كلاويس الذي كان ينقب بحقيبته عن لفافة التبغ :-
-لقد أحسنت أختيارها بعناية ..فهي شابة يافعة فاتنة .
نهض كلاويس وهتف :-
-آه لقد نسيتها بمكان ما لا أتذكره !!.
جحدّه كلوندين بحدّة وقال له :-
-علاقتك مع لفافة التبغ كعلاقة أي حبيب مع حبيبته !!.
تمعنّ كلاويس بأجابة كلوندين ولم يعلّق لدخول "ماري" وهي تحمل بيدها الطويلتين الناعمتين البرقية وقد ختم عليها بطابع قديم فوضعتها على الطاولة بأحترام وقالت بصوت رقيق :-
-عن إذنكما!!.
أحمرّت وجنتيها عندما كان كلوندين يحملّق بها بطريقة مزعجة فأمسك كلاويس بالبرقية وقال وهو يطلق صفيراً مزعج :-
-مثير،هناك من يتحداني !! .
أجفل كلوندين وصاح بذعر :-
-أوه ،إنه أشبه بتلك الجريمة التي حصلت في محطة القطار !!.
تطلع كلاويس الى النافذة وأستدار بطريقة درامية وقال بلهجة متناغمة :-
-المستهدف هو "السيد مادولين مارشلو" !!
نهض كلوندين على قدميه وهو يراقب كلاويس من خلال نظارته فأمسك كلاويس الورقة التي كان يتصفحها ودفعها بحركة سريعة فأنتعشت ذاكرة كلوندين وهو ينظر الى الصورة من ركن عينيه ومضى يفكر بعمق قبل أن يربت كلاويس على كتفه وكأنه يتعامل مع طفل في سن الخامسة وليس مع شاب يبلغ الخامسة والعشرين من عمره...
لم يكن كلوندين من النوع الذي يحب هذه الأعمال ولكنّ لأن والده دفع به الى كلاويس مقابل التحقيق بقضية صغيرة لم تكن بالشيء الكبير إلا أنها مهمة بالنسبة لوالد كلوندين ومالبث كلوندين أن أعتاد هذه الحياة البوليسية الحافلة بالمخاطر والأشواك وأعتاد الجلوس مع الرجل العسكري العجوز فقد أمضى السيد كلاويس ثلاث سنوات في الخدمة العسكرية قبل أن يصبح محققاً من الطراز البارع.
خرج كلوندين وهو يدفن بالبرقية بجيبه ..فالتقت عيناه بعيني ماري التي كانت تحمل قدحان من الشاي أبتعد كلوندين وهو يرقبها من طرف عينيه فأستدار ناحيتها وقال بصوت حان :-
-لقد خرج ،ربما ذهب ليحضر لفافة التبغ .
فأستطرد وهو يحمل الطبق عنها :-
-إنه يعشقها لدرجة الجنون !!.
أومأت ماري وهي تخفض عينيها حياءاً فتمتمت بسعادة :-
-لكنه لطيف معي لأبعد الحدود !! . فاسترسلت بالحديث قائلة :-
-كم أنه قد قال لي قبل قليل : بإنه بأمكاني المغادرة والذهاب الى الراحة
لمس كلوندين رقة في صوتها وخامره شك بأنها قد أحبت كلاويس ..تلاشت هذه الفكرة عن رأسه عندما صلصل جرس الهاتف من غرفة كلاويس فدفع كلوندين الطبق لماري وأعتذر بطريقة سريعة ومضى الى الغرفة فأمسك سماعة الهاتف ورفعها وهو يسند يده اليسرى على المكتب فبدأ المتكلم حديثه بهدوء :-
-المحقق "نيكول كلاويس" .
ردّ كلوندين بتذمر ..لأن المتصل نسي وجود المساعد الشاب في المكان:-
-مساعده يتحدث !!.
سعل المتحدّث فقال :-
-أودّ أن أحدّث السيد "نيكول كلاويس " .
كره كلوندين تلك النبرة المزعجة ولكنه أخرج نبرته بنكهة محببة فقال وهو يتناول حزمة من الأوراق :-
-هل بأمكاني معرفة أسمك ؟!
توتر وجهه وهو يصغي الى المتحدّث ففتح فمه ليقول شيئاً ولكنه أغلق الخط فتنفس بصعوبة وعمق ووضع السماعة في مكانها فأرتعش جسده وهو يتطلع على أحدى الأوراق الموجودة وقد كتب عليها
"ساعة الصفر قريبة جداً "
نظرّ أليها بفزع وأمتقع وجهه فمضى يفكر بخوف كيف وصلت هذه الى هنا ؟! فهو لم يسمع أي خطوات خلفه ولم يسمع حسيس شخص يقترب من الطاولة أو حفيف أوراق الشجرة إذا كان شخص قد تسلقها فهو على الأقل سوف يصدر صوتاً
تنفس الصعداء عندما دخل كلاويس فأندفع ناحيته وتشبثت بمعطفه كطفل صغير وقال له بذعر :-
-لقد وجدّت هذه !! .
قالها وهو يشير الى ناحية الورقة السحرية مضى كلاويس فأمسك الورقة بحذر وقلبها عدة مرات فقال وهو يتفحصها :-
-توجد آثار دم طازجة !! .
إقترب كلوندين بخوف فأطل من خلف كلاويس وهو يتطلع الى الورقة البيضاء وقد خطّ بمنتصفها وبخط كبير ورديء "ساعة الصفر قريبة جداً" .
أستدار كلاويس ناحية كلوندين بجدّية فقال له وهو يخلع معطفه :-
-يجب أن تجيبني على أسئلة بسيطة !! .
جلس كلوندين وقد بدا الخوف والقلق عليه فانحنى كلاويس قليلاً وهمهم بكلمات غير مفهومة وأرجع جسمه الى الخلف وأرخاه بشكل مريح .
حدّق كلوندين بفزع واضح وهو يتأمل تلك العينان البيتين العابستين قليلاً أخذ كلاويس نفساً عميقاً قبل أن يصلصل جرس الهاتف مرة أخرى فأمتقعت أسارير كلوندين وقال بصوت مرتجف وهو يشير ناحية الهاتف :-
-يبدو بأنه السيد مارشلو .
تمعنّ كلاويس في ذلك الردّ ونهض ليجيب على الهاتف
فروعه صراخ كلوندين وهو يقول :-
-إنها الورقة الثانية وبنفس الخط أيضاً !! .
أرجع كلاويس السماعة الى مرقدها وأنتزع الورقة من كلوندين بهدوء وهو يركزّ نظراته على الجمل التي كتبت بشكل باهت
"وراء مقهى بروتيفول..رصاصة في الظلام".