عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-03-2013, 04:07 PM
 
آلام من نــوع آخــر...




د. عمر المقبل


بسم الله الرحمن الرحيم


الألم معنى غير محبب للنفوس، لكن من نظر في بعض المواقف التي حفظتها كتب السُنّة وكتب التراجم وبعض قصص المعاصرين، وجد أن الألم يمكن أن ينتقل إلى معنى شريف، وحالةٍ يرجى لصاحبها المكانة العالية عند مولاه.
والمعنى الجامع لهذا الألم مردّه إلى الحسرة على فوات طاعة، أو الألم على وقوع ذنب!

يصور لنا القرآن مشهداً من مشاهد الألم الذي يعتصر القلوب على فوات طاعةٍ هم فيها معذورون، إنهم الذين جاءوا في ساعة العُسرة، راغبين في أن يحملهم النبي صلى الله عليه وسلم على أي راحلة أو أي دابة! لكن الحال لم تكن لتسعف بشيء من ذلك .. هنا يأتي دور الدموع؛ لتعبر عما يختلج في النفوس، ويتردد في الصدور من حسرةٍ على فوات هذه الفرصة: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92]! موقفٌ لا تصنّع فيه، بل هو موقف صدقٍ وإيمان، سجّله علاّم الغيوب، المطلع على ما في الضمائر، وما تكنّه الأفئدة!
هذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر، حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» ... الحديث ([1]).

تأمل في هذا المشهد الذي يوضح لك الألم والحزن الذي اعتصر قلبه، والذي ترجمه الفاروق ـ رضي الله عنه ـ بسبّ الكفّار الذين تسببوا في تأخير الصلاة عن وقتها([2])، مع أن عمر لم يكن إلا في شغل شاغل، وجهدٌ وجهادٍ في معركة وصف علاّم الغيوب حال أهلها بقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10]، فيا ترى، ما الذي يحدث لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها والشغل الشاغل لهم دون هذا بمراحل! هذا إن سلم من محذور شرعي!



ومشهد آخر له صلة بالتحسر على فوات الطاعة، في ترجمة سعيد بن عبدالعزيز ـ إمام أهل الشام في زمانه ([3]) ـ الذي كان إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.
ومن المتألمين المعاصرين، من ظلّ يبكي من الفجر حتى المغرب لأن صلاة الفجر جماعةً فاتته.

ويأخذ الألم والتحسر صورةً أخرى، فثمة ألمٌ شريف الغاية، حسنُ العاقبة، وهو التألم على الوقوع في المعصية، والتحسر على ارتكاب الذنب، وفي قصة الغامدية ـ رضي الله عنها ـ نموذج ناصع على ذلك!
إنك لتعجب من استمرار جذوة الألم في قلب الغامدية مدةً تقارب ثلاث سنواتٍ ـ وهي مدة الحمل والفطام ـ وهي تعلم أن عاقبة هذا الاعتراف الموتُ رجماً!

جاءت هذه المرأة التائبة النادمة، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى! قال: «إمّا لا، فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ... الحديث([4]).

وثمة أسئلة تتبادر هنا: على ماذا نبكي نحن؟ وما الذي يوجب هذه الحال؟ ولماذا لا نجد هذه الحال الإيمانية ـ إلا من رحم الله ـ ونحن الذين نخطئ كثيراً؟





لعل الأسباب التالية تكشف عن الجواب:

1. ضعف العلم بالله: وقد قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وإن من أعظم الأبواب التي تعرّفنا بربنا أكثر: التدبر في كتابه، والتأمل في معاني أسمائه وصفاته، والنظر في ملكوته الكوني، يوضح هذا السبب الثاني، وهو وثيق الصلة بهذا السبب:

2. ضعف التدبر للقرآن، فإن تدبره كفيل بملء القلب من خشية الله، والاطلاع على أسرار وأسرار من معاني كلام الله، وحقائق أسمائه وصفاته، ودلائل العبودية، التي تقود القلب إلى الانكسار، فما الذي يتوقعه المؤمن من تدبر أمثال هذه الآيات؟ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 60، 61]، {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } [المعارج: 27، 28]، {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26].

3. الإصرار على الذنب، وعدم الاقلاع عنه، حتى تتراكم عليه أوضار السيئات، وتبعات المعاصي، وفي الصحيح: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه»([5]).

4. ضعف المحاسبة: فإن المحاسبة دليل على حياة القلب، وقائدةٌ لتمحيصه مما علق به من أوضار الذنب، وبقايا المعصية، فكم من دمعة سالت من قلبٍ نادم غسلت ذنوباً كثيرة! فعاد القلب مصقولاً كأنما خلق اليوم! يقول أبو داود الحفري: دخلتُ على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: إن بابي مغلق، وإن ستري لمسبل، ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة، وما هو إلا من ذنب أحدثته([6]).

5. الغفلة عن استحضار أثر الصلاة، التي قال الله فيها: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، فلو صحّت لنا صلاتنا على الوجه الذي يريده الله، لبكينا على ما يفوتنا من بركتها وخيرها، والله المستعان.


--------------------------------
([1])البخاري ح(596) مسلم ح(631).
([2]) لم تكن صلاة الخوف شرعت حينئذ.
([3]) تنظر ترجمته: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (8 / 32).
([4])مسلم ح(1695).
([5]) مسلم (231).
([6]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5 / 79).

-----
اتمنى لكم الفائدة
__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-03-2013, 07:39 PM
 
طرح فى غاية الروعة
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
اختى الغالية لون السحاب
__________________
".. لست الأفضل ولكن لي أسلوبي


سأظل أتقبل رأي الناقد والحاسد


فالأول يصحح مساري


والثاني يزيد من اصراري
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-04-2013, 07:44 AM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احلام و البحر مشاهدة المشاركة
طرح فى غاية الروعة
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
اختى الغالية لون السحاب
جزاكِ الله خيرا على مروركِ الندي اختي احلام
__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-09-2013, 02:13 PM
 
نعم معكِ حق اختي
ربما يأتي الالم من تلك الاشياء
ونحن لا نشعر
واكثر شئ يجعلنا نحزن ولا ندري من اين ياتي هذا الحزن
هو عدم التقرب من الله تعالي
بسببه نشعر بالحزن الشديد
وما ان نتقرب من الله عز وجل حتي نشعر بالسعادة تغمرنا وكأنه سحر
شكرا علي هذا الموضوع الرائع
تقبلي مروري اختي .
__________________
بما انه لا احد يحتاج وجودي .. والدليل علي وقفي مؤقتا
سارحل بهدوء

انا فعلا اسفه جدا

سوف تكمل رواياتي صديقتي المقربه اوركا

http://vb.arabseyes.com/members/882753.html

وساعلم منها اخباركم
وداعا بلا عودة
قضيت معكم اجمل الاوقات
واتمني اني قد طبعت في قلوبكم اشياء جميلة

اعتزااااااااااااااااال نهائي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-12-2013, 03:43 PM
 
اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
..[ آخــر شتـ’ـآء ].. |عندما تعلم أن أيامك معدودة | ❤❤الاحساس المرهف❤❤ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 11-07-2012 10:09 AM
سَجِلـيْ دخـُولَكِ بـِ " نــوع بَشَرتِكْ " .. Ťέέηα ♪ حواء ~ 4 10-21-2012 03:37 PM
متــى آخــر مــره || . أثير المشاعر@ نكت و ضحك و خنبقة 0 02-18-2011 04:32 PM
【♥,.: اخـتـاروا من 1 إلى 12 و اعــرفــوا نــوع قـلوبــكـم :., ..!؟ ♥】 abuhamdanah نكت و ضحك و خنبقة 17 08-30-2010 10:28 PM


الساعة الآن 11:51 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011