الجزء الثالث من الفصل الأول
جلدي أبيض باهت بلون العاج؛ وليس لدي حتى عينان زرقاوان أو شعر أحمر رغم الشمس الدائمة. كان جسمي رشيقا على الداوم. لكنه كان رخوا على نحو ما؛ مؤكد أنه ليس رياضيا. ولم يكن لدي التنسيق الضروري بين اليد و العين الذي لا بد منه حتى أستطيع ممارسة الألعاب الرياضية دون إذلال نفسي أو دون إيذاء نفسي و كل من يقف قريبا مني.
عندما أنهيت وضع ملابسي في خزانة خشب الصنوبر القديمة أخذت حقيبة ضروريات الحمام وذهبت إلى الحمام المشترك حتى أنظف نفسي بعد السفر. نظرت إلى وجهي في المرآة ومررت أصابعي في شعري المبلل المتشابك. لعل الضوء هو السبب. لكنني بدوت أكثر شحوبا و أقل عافية . يمكن أن يكون جلدي جميلا فهو نقي جدا, بل يبدو كأنه شفافا, لكن الأمر يعتمد كله على اللون. لم يكن لجلدي لون.
كنت مضطرة و أنا أواجه صورتي الشاحبة في المرآة إلى الاعتراف بأنني أكذب على نفسي. لا تنحصر مشكلتي في المظهر الجسدي وحدة؛ إن كنت غير قادرة على العثور على ملاذ لي في مدرسة فيها ثلاثة آلاف طالب, فما هي فرصي هنا؟
لم اكن اجيد التواصل مع الذين في عمري. بل لعل الحقيقة هي انني لم اكن اجيد التواصل مع الناس من مختلف الاعمار. حتى امي نفسها التي كنت اقرب اليها من اي شخص آخر في العالم لم تكن على وفاق معي؛ و كأننا لم نكن على الموجة نفسها تماما. كنت أتساءل أحيانا ما كنت أتساءل أحيانا ما إذا كانت عيناي تريان الامور ذاتها التي تراها عيون بقية الناس. لعل ثمة خلل في دماغي. لكن السبب ليس هو المهم! ما يهم هو الأثر. وسوف يكون الغد نقطة البداية.
لم انم جيدا طيلة الليل حتى بعد أن انتهيت من البكاء. ولم يتلاشى صوت المطر و الريح على السطح. غطيت رأسي باللحاف القديم الباهت ثم أضفت إليه الوسادة أيضا بعد قليل. لكنني لم أستطع النوم حتى تجاوزت الساعة منتصف الليل و تحول المطر أخيرا إلى رذاذ هادئ.
لم أستطع ان ارى غير الضباب الكثيف من نافذتي في الصباح و بدات أشعر برهاب الاماكن الضيقة يتسلل إلي شيئا فشيئا. لا يمكن ابدا رؤية السماء هنا؛ إن المكان أشبه بقفص مغلق.
كان تناول الفطور مع تشارلي حدثا هادئا. تمنى لي حظا طيبا في المدرسة فشكرته عارفة أن أمنيته هذه امر مستحيل. كان الحظ الطيب يميل إلى تجنبي. انطلق تشارلي قبلي ذاهبا إلى قسم الشرطة الذي كان بمثابة زوجة و أسرة له. بعد ذهابه جلست إلى طاولة خشب البلوط العتيقة المربعة على واحدة من الكراسي الثلاث غير المتشابهة ورحت أتفحص مطبخ تشارلي الصغير بجدرانه الخشبية القاتمة و خزائنه الصفراء اللامعة و أرضه السيراميك البيضاء. لم يتغير في هذا المطبخ شيء. لقد قامت أمي بطلاء خزائنه قبل ثمانية عشر عاما محاولة إضفاء لمسة من أشعة الشمس على هذا المنزل. وفي غرفة المعيشة المجاورة الضئيلة كان فوق الموقد الصغير صف من الصور. في البداية صورة زفاف تشارلي و أمي في لاس فيغاس, ثم صورة لنا نحن الثلاثة التقطتها ممرضة خدومة في المستشفى عقب ولادتي, ثم تأتي سلسلة من صوري المدرسية حتى آخر عهدي هنا. كان النظر إلى هذه الصور محرجا. . . علي التفكير فيما يمكن أن أفعله حتى أجعل تشارلي يضعها في مكان آخر. . . أثناء إقامتي هنا على الأقل.
بوجودي في هذا المنزل كان من المستحيل أن لا ألاحظ أن تشارلي لم ينس أمي أبدا. وقد جعلني هذا غير مرتاحة.
لم أكن أرغب في الوصول إلى المدرسة أبكر مما يجب, لكني لم أعد أطيق البقاء في المنزل أكثر. ارتديت معطفي الثقيل الذي يشبه المعاطف المستخدمة عند الكوارث البيئية و انطلقت تحت المطر.
كان مطرا ناعما لا يكفي لإغراقي ريثما أجد مفتاح المنزل الذي نخبئة دائما تحت إفريز الباب. و كان صوت حذائي الجديد المقاوم للماء مزعجا. لقد افتقد صوت قرقعة الحصى تحت قدمي عندما أمشي. لم أستطع التوقف قليلا حتى أتأمل شاحنتي الجديدة رغم رغبتي في ذلك. كنت أتعجل الهرب من ذلك البلل الضبابي الذي يتطاير حول رأسي و يعلق بشعري تحت القبعة.
كان الجو لطيفا جافا داخل السيارة. من الواضح أن بيلي أو تشارلي قد نظفها, لكن المقاعد المدبوغة المنجدة لا تزال تفوح برائحة خفيفة من التبغ و البنزين والنعنع الحار. ارتحت لأن المحرك اشتغل سريعا, لكن صوته كان عاليا فقد زمجر أولا ثم هدأ قليلا إنما ظل يدور بأقصى سرعة. لا بأس, لا بد من وجود عيب في شاحنة بهذا العمر. اشتغل الراديو العتيق ايضا فكان مفاجأة لطيفة لم أتوقعها.
لم يكن العثور على المدرسة صعبا مع أني لم أذهب إليها من قبل. فالمدرسة تقع على الطريق العام مثل معظم الأشياء. لم يكن ظاهرا عليها أنها مدرسة, لكن لافتة أعلنت أنها مدرسة فوركس الثانوية, فجعلتني أتوقف عندها. بدت المدرسة مثل مجموعة من البيوت المتشابهة المبنية بالقرميد الأحمر. و كانت الأشجار و الأجمات كثيرة إلى حد منعني من رؤية حجم المدرسة في البداية. تساءلت و الحنين إلى مدرستي القديمة يغمرني: أين هو الإحساس بالمؤسسة؟ أين هي الأسيجة المصنوعة من السلاسل الحديدية, و أين هي أجهزة كشف المعادن؟
أوقفت السيارة أمام المبنى الأول الذي فوق بابه لافتة كتب عليها المكتب الأمامي. لم أرأي سيارة واقفة هناك مما جعلني متأكدة من أن هذا المكتب خارج حدود المدرسة. لكنني قررت أن أستفهم في الداخل عن كيفية التحرك بدلامن التجول هنا و هناك تحت المطر مثل الحمقى. خرجت من السيارة غير راغبة في مغادرة المقصورة الدافئة. مشيت عبر ممر صغير مرصوف تحف به أحجار داكنة. أخذت نفسا عميقا ثم فتحت الباب.
الجزء الرابع من الفصل الاول
كان المكان شديد الاضاءة من الداخل و أكثر دفئا مما كنت أتوقع. و كان المكتب صغيرا مع فسحة بسيطة للانتظار فيها مقاعد قابلة للطي وسجادة تجارية منقطة بالبرتقالي. وعلى الجدران تناثر عدد من الاوراق و الملاحظات و ساعة جدارية ضخمة تصدر تكتكة مسموعة. وكانت النباتات تنمو ضمن أوعية بلاستيكية ضخمة موزعة في كل مكان كما لو أن الخضرة في الخارج لا تكفي. كانت طاولة طويلة تقسم الغرفة نصفين عليها سلال شبكية مملوءة بالاوراق و على مقدمة كل منها لصاقة ملونة. أنا خلف الطاولة الطويلة فكانت ثلالثة مكاتب موزعة تجلس إلى احداها امرأة ضخمة حمراء الشعر تضع نظارات و ترتدي قميصا قرمزيا قصير الأكمام جعلني أشعر أن ملابسي أكثر مما يجب.
رفعت المرأة حمراء الشعر رأسها و نظرت إلي:" هل أستطيع خدمتك؟".
"اسمي إيزابيلا سوان".
فهمت من عينيها أنها تعرف اسمي. كانوا يتوقعون قدومي فلا شك في أنه موضوع جيد للقيل و القال هنا. ابنة زوجة رئيس الشرطة السابقة, الطائشة, تعود أخيرا.
قالت المرأة:" طبعا!" ثم راحت تقلب كدسا من الوثائق على مكتبها حتى وجدت ما تبحث عنه وقالت:" لدي برنامج دروسك هنا إضافة إلى خريطة المدرسة".
وضعت على الطاولة عددا من الأوراق حتى أراها.
قرأت لي برنامج دروسي كله و علمت على الخريطة أفضل السبل للذهاب إلى كل قاعة ثم أعطتني بطاقة حتى يوقع عليها جميع المدرسين. وكان علي إعادتها إلى المكتب في نهاية اليوم. ابتسمت لي تمنت. مثل تشارلي, أن أكون مرتاحة و مسرورة هنا في فوركس. رديت على ابتسامتها بابتسامة مقنعة قدر ما استطعت.
كان بعض الطلاب قد بدأوا يصلون إلى المدرسة عندما عدت إلى شاحنتي. قدت الشاحنة حول المدرسة خلف رتل من السيارات. سررت إذ رأيت أن معظم السيارات قديمة مثل سيارتي و لم يكن بينها أي سيارة تلفت الأنظار. لقد كنت أعيش في واحد من الأحياء القليلة منخفضة الدخل المتضمنة في منطقة باراديس فالي. ومع ذلك كان شيئا عاديا أن ترى سيارة مرسيدس أو بورش جديدة في موقفسيارات الطلاب. أما أفخم سيارة هنا فكانت سيارة فولفو لامعة؛ و كانت تقف بعيدا عن غيرها. رغم ذلك كله أطفأت المحرك بمجرد وصولي إلى منطقة الوقوف حتى لا يجذب هدير المحرك الشديد الأنظار إلي.
نظرت إلى خريطة المدرسة و أنا أدخل السيارة محاولة أن أحفظها غيبا الآن. و كنت آمل أن لا أضطر إلى السير هنا و هناك و أنا أحملها أمام أنفي طيلة النهار. وضعت كل شيء في حقيبتي وعلقت الحقيبة على كتفي و استنشقت نفسا عميقا. أستطيع أن أفعل هذا! كذبت على نفسي بضعف. لن يعضني أحد. زفرت أخيرا و نزلت من السيارة.
أبقيت وجهي مشدودا إلى الخلف حتى يختبئ داخل قبعتي بينما مشيت إلى الرصيف المزدحم بالمراهقين. لاحظت براحة أن معطفي الأسود العادي لم يكن متميزا عن غيره.
عندما انعطفت حول الكافيتريا كان من السهل علي تحديد المبنى رقم ثلاثة. كان الرقم (3) مكتوبا بالدهان على مربع أبيض عند زاوية البناء الشرقية. شعرت أن تنفسي تسارع كثيرا عندما اقتربت من البوابة. حاولت أن أحبس أنفاسي بينما كنت أعبر البوابة في إثر معطفين مطريين.
كانت غرفة الصف صغيرة. وقف الشخصان السائران أمامي داخل الباب حتى يعلقا معطفيهما على صف طويل من المشاجب. فعلت كما فعلا. كانا بنتين إحداهما شقراء, بشرتها بيضاء كالبروسلين والثانية شاحبة أيضا لها شعر بني فاتح. على الأقل لن يكون لون جلدي مستغربا هنا.
أخذت البطاقة إلى المدرس الذي كان رجلا طويلا بدأ الصلع يغزو رأسه. كانت على مكتبه بطاقة باسم السيد ماسون. حدق إلي بطريقة بلهاء عندما ذكرت له اسمي. . . ليس هذا برد فعل مشجع. . . و بالطبع احمر وجهي فجاة مثل البندورة. لكنه أرسلني لأجلس على مقعد فارغ في آخر الغرفة من غير ان يقدمني إلى الصف. كان من الصعب على زملاء صفي الجديد أن يحدقوا إلي وانا خلفهم, لكنهم نجحوا في ذلك بطريقة من الطرق. أبقيت عيني مسبلتين أنظر في قائمة المواد المطلوبة قراءتها التي أعطاني إياها المدرس. كانت أعمالا كلاسيكية فعلا: برونتي و شكسبير و تشوسر و فولكنر. لقد سبق لي ان قرأتها كلها. كان هذا مريحا . . . ومملا أيضا. فكرت فيما إذا كانت أمي يمكن ان ترسل لي ملف المواضيع القديمة التي كتبتها, او لعلها تعتبر ذلك نوعا من الغش. دارت في رأسي جدالات كثيرة بيني و بينها في حين كان المدرس يتحدث و يتحدث.
عندما قرع الجرس, وكان صوته مثل أزيز صادر من الأنف, انحنى نحوي عبر الممر بين المقاعد ولد يشبه شكله أفراد العصابات بشعره الأسود الناعم و جلده ذي البثور.
"أنت إيزابيلا سوان, صحيح!".
لقد بدا لي مثل الاولاد الخدومين اكثر مما يجب في نادي الشطرنج فصححت قائلة:" اسمي بيلا".
استدار كل من كان ضمن دائرة قطرها ثلاثة مقاعد ناظرين إلي
الجزء الخامس من الفصل الاول
سالني الولد:" أين هي حصتك التالية؟".
كان علي أن أنظر في حقيبتي:"همم, إنها حصة سياسية مع جيفرسون في المبنى رقم6".
لم اكن لأستطيع النظر في أي اتجاه دون أن تصادف عيناي أعينا فضولية.
كان بالتاكيد خدوما أكثر مما يجب:" أنا ذاهب إلى المبنى رقم 4. أستطيع أن أريك الطريق. اسمي إريك".
ابتسمت مترددة وقلت:" شكرا".
أخذنا معاطفنا و خرجنا إلى المطر الذي زادت شدته. أستطيع أن أقسم أن عدة أشخاص كانوا يسيرون خلفنا على مقربة شديدة تسمح لهم باستراق السمع. رجوت أن لا تكون الهواجس قد استولت علي.
سألني:" إذن, الأمر هنا مختلف كثيرا عن فينيكس, هاه؟".
"كثيرا".
"إنها لا تمطر كثيرا هناك, صحيح؟".
"ثلاث أو أربع مرات في السنة".
تساءل متعجبا:" واو! ما عسى ذلك ان يكون؟".
"كثير من الشمس".
"لا يبدو عليك أن الشمس قد لوحتك كثيرا".
"أمي من أصول انكليزية!".
نظر إلى وجهي نظرة متفحصة, فأطلقت زفرة. يظهر أن الغيوم و المزاج الفكاهي لا يجتمعان. يكفيني عدة أشهر على هذا النحو حتى أنسى كيف أتحدث بخفة و بسخرية.
سرنا حول الكافتيريا و مررنا بجانب الصالة الرياضية متجهين إلى المباني الجنوبية. أوصلني إريك إلى الباب تماما مع أن رقم المبنى كان مكتوبا عليه بوضوح.
عندما لمست مقبض الباب قال إريك:" حظا طيبا! ثم أضاف بصوت بدا عليه الأمل: ربما يكون لدينا دروس مشتركة أخرى".
ابتسمت له ابتسامة شاردة و دخلت المبنى.
مضت بقية ذلك الصباح على النحو نفسه. كان مدرس مادة المثلثات, السيد فارنر الذي كنت ساكرهه على أي حال بسبب المادة التي يدرسها, الشخص الوحيد الذي جعلني أقف أمام الصف كله لأقدم نفسي. تعلثمت واحمر وجهي و تعثرت بحذائي و أنا أعود إلى مقعدي.
بعد حصتين بدات اتعرف على عدد كبير من الوجوه في كل صف. كنت أرى دائما شخصا أكثر شجاعة من الآخرين يقدم نفسه و يسألني أسئلة عما إذا كنت أحب فوركس. حاولت أن أكون دبلوماسية, و كذبت كثيرا في معظم الحالات. لكنني لم أكن بحاجة إلى استخدام الخريطة على الأقل.
جلست إحدى الفتيات بجانبي في درسي المثلثات و اللغة الإسبانية. و سارت معي إلى الكافيتريا وقت الغداء. كانت ضئيلة؛ اقصر مني بنحو عشرة سنتيمترات مع أن طولي لم يكن يتجاوز 162 سنتيمترا, لكن شعرها الداكن المجعد عوض عن قدر كبير من فارق الطول بيننا. لم أستطع تذكر اسمها, لذلك ابتسمت و أومأت لها برأسي وهي تثرثر عن المعلمين و الصفوف. . . لم أحاول متابعة ما تقول.
جلسنا إلى طرف طاولة عليها عدد من أصدقائها الذين قدمتني إليهم. نسيت أسماءهم جميعا بمجرد أن انتهت من تعدادها. بدا أصدقاؤها متأثرين بشجاعتها في التحدث معي. أما ذلك الصبي من صف اللغة الانكليزية, إريك, فقد لوح لي بيده من الناحية الأخرى للقاعة.
هناك حيث كنت أجلس في غرفة الطعام محاولة فتح حديث مع سبعة أشخاص غرباء. . . هناك رأيتهم للمرة الأولى.
كانوا يجلسون في زاوية الكافيتريا, أي في ابعد مكان عن النقطة التي كنت أجلس فيها. كانوا خمسة. وما كانوا يتحدثون أو ياكلون مع أن صينية من الطعام كانت أمام كل واحد منهم. وما كانوا يحدقون إلي خلافا لمعظم التلاميذ الآخرين. لذلك كان من الآمن أن أنظر إليهم دون خوف من ملاقاة أعين تبدي اهتماما مفرطا. لكن ما جذب اهتمامي لم يكن أي شيء من هذا كله.
ما كانوا متشابهين أبدا. فمن بين الاولاد الثلاثة كان صبي ضخم مفتول العضلات مثل رباع حقيقي و له شعر داكن مجعد. كان الثاني أطول منه و أرشق جسدا لكنه مفتول العضلات أيضا وكان شعره أشقر بلون العسل. وكان الثالث طويلا نحيلا له شعر برونزي كشعث. كان شكله أكثر صبيانية من الآخرين اللذين يمكن أن يوحي شكلهما بأنهما في الجامعة, أو حتى بأنهما معلمين لا طالبين.
كانت الفتيات عكس الاولاد تماما. كانت الطويلة اشبه بتمثال. . . قوام جميل من ذلك النوع الذي تراه على غلاف مجلات ملابس السباحة أي من النوع الذي يجعل كل فتاة من حولها تفقد جزءا من ثقتها في نفسها لمجرد وجودها معها في غرفة واحدة. كان شعرها ذهبي اللون تمتد تموجاته الناعمة حتى منتصف ظهرها. و كانت الفتاة القصيرة ذات مظهر عابث. . . شديدة النحول دقيقة القسمات لها شعر أسود فاحم قصير يشير في كل اتجاه.
لكنهم كانوا جميعا متشابهين تماما. كانوا شاحبي اللون كالطبشور, بل كانوا اكثر شحوبا من جميع الطلاب في هذه البلدة التي لا تعرف الشمس. كانوا أكثر شحوبا مني, أنا البريطانية! كانت عيونهم داكنة رغم تفاوت الوانها. و كانت لهم جميعا ظلال تحت اعينهم. . . ظلال مزرقة قليلا كأنها كدمات. كانوا مثل من يعاني آثار ليلة من الأرق أو من يتماثل أنفه المكسور للشفاء. لكن أنوفهم وملامحهم كلها كانت جميلة متناسقة تامة.
الجزء السادس من الفصل الأول ....
لكن هذا كله لم يكن هو ما جعلني لا أستطيع رفع أنظاري عنهم.
كنت أحدق إليهم لأن وجوههد المختلفة جدا, المتشابهة جدا, كانت كلها جميلة جدا على نحو غير بشري. وجوه لا يتوقع المرء أن يراها إلا على صفحات مجلات الأزياء أو في صور الملائكة التي رسمها فنانون كبار قدماء. كان يصعب تحديد الاجمل بينهم. . . لعلها تلك الشقراء الرائعة أو الصبي ذو الشعر البرونزي.
كانت أبصار كل منهم تتجه بعيدا. . .بعيدا عن بقية المجموعة. . . بعيدا عن بقية الطلاب. . . بعيدا عن أي شيء محدد. هذا ما رأيته على الأقل. فيما كنت أنظر إليهم نهضت الفتاة القصيرة حاملة صينيتها. . . علبة صودا لا تزال مغلقة, وتفاحة لا تزال سليمة. . . وسارت بعيدا بخطوات سريعة متبخترة كمن يمشي على خشبة مسرح. ظللت أنظر إليها مدهوشة بخطواتها الراقصة الرشيقة حتى وضعت صينيتها و خرجت من الباب الخلفي بأسرع مما تخيلت ذلك ممكنا. عادت عيناي إلى بقية المجموعة فوجدتهم جالسين كما كانوا تماما.
سألت الفتاة التي من صف اللغة الإسبانية. . . نسيت اسمها:" من هم؟".
وبينما كانت تنظر لتعرف من المقصود. . . الأرجح أنها عرفت ذلك من نبرة صوتي. . . نظر إلي فجأة. . . الشاب النحيل ذو الملامح الصبيانية. . . لعله أصغرهم. نظر إلى جارتي لجزء من الثانية ثم اتجهت عيناه الداكنتان إلى عيني.
أشاح بنظره سريعا. ..أسرع مني . . .رغم أنني أسبلت عيني محرجة من فوري . لم يظهر على وجهه أي اهتمام في تلك النظرة الخاطفة . . . كان الأمر كأن جارتي نادت باسمه فنظر عفويا مقررا ألا يجيب.
ضحكت جارتي محرجة وهي تنظر إلى الطاولة مثلي و قالت بصوت خفيض:" إنهم إدوارد و إيميت كولن و روزالي و جاسبر هيل. أما التي ذهبت فهي أليس كولن. إنهم يعيشون كلهم مع د. كولن و زوجته".
ألقيت نظرة جانبية على الصبي الجميل الذي كان ينظر إلى صينيته الآن و يفتت كعكة مستديرة بأصابعه الشاحبة الطويلة. كان فمه يتحرك سريعا جدا من غير أن يفتح شفتيه الرائعتين إلا قليلا جدا. ظلت أنظار الثلاثة الآخرين متجهة بعيدا لكنني شعرت أنه كان يحدثهم بصوت خافت.
قلت في نفسي إنها أسماء غريبة غير شائعة . . . أشبه بأسماء الاجداد و الجدات. لكن لعلها أسماء شائعة هنا . . . في البلدات الصغيرة! أخيرا تذكرت أن جارتي تدعى جيسيكا, وهذا اسم شائع تماما. كانت معي فتاتان باسم جيسيكا في صف التاريخ في أريزونا.
قلت جاهدة في جعل تعبيري أقل مما شعرت به فعلا:" إنهم . . . لطيفوا المظهر جدا".
ضحكت جيسيكا ثانية وقالت:"نعم . . . لكنهم كلهم معا. . . أقصد إيميت و روزالي و جاسبر و أليس. وهم يعيشون معا أيضا".
قلت لنفسي إن صوتها حمل كل ما في هذه البلدة الصغيرة من صدمة و إدانة. لكن, لكن صادقة, علي أن أعترف أن من شأن هذا أن يثير القيل والقال حتى في فينيكس نفسها.
سألتها:" من هم أبناء كولن؟ إنهم لا يبدون إخوة. . ."
"أوه! إنهم ليسوا إخوة. د. كولن ما يزال شابا. إنه في العشرينات أو في أوائل الثلاثينات. إنهم متبنون جميعا. جاسبر و رزالي هيل. . . الأشقران. . . شقيق و شقيقة. . . إنهما توأم. أمهما أخت زوجة د. كولن أو شيء من هذا القبيل. . . لقد عاشا في بيت كولن".
"لكنهما كبيران".
"إنهما كبيران الآن. جاسبر و روزالي في الثامنة عشر. لكنهما يعيشان مع السيدة كولن منذ كانا في الثامنة".
"هذا لطيف حقا. . . لطيف منها أن تهتم بهذين الطفلين على هذا النحو عندما كانا صغيرين جدا".
قالت جيسيكا من غير اهتمام:" أعتقد هذا".
شعرت أنها لا تحب الدكتور ولا زوجته. . . لسبب من الأسباب. لكن كان بوسعي الافتراض من النظرات التي كانت تلقيها على أبنائهما بالتبني أن السبب هو الغيرة. أضافت جيسيكا و كان هذا يقلل من لطافة الأمر:" اعتقد أن السيدة كولن لا تستطيع الإنجاب".
خلال هذا الحديث كله كانت عيناي تلقيان من حين لآخر نظرة خاطفة إلى الطاولة التي جلست إليها تلك العائلة الغريبة. كانوا مستمرين في النظر إلى الجدران دون أن يتناولوا الطعام.
سألتها:" هل كانوا يعيشون في فوركس دائما؟".
لو كانوا في فوركس دائما لرأيتهم بالتاكيد ذات صيف.
قالت جيسيكا بصوت يوحي أن الأمر يجب أن يكون واضحا حتى بالنسبة لقادم جديد مثلي:" لا! جاؤوا من مكان ما في ألاسكا منذ عامين فقط".
غمرتني موجة من الاشفاق. . . ومن الراحة. إشفاق لأنهم كانوا دخلاء ولأن من الواضح أنهم غير مقبولين. . . رغم جمالهم. وراحة لأنني لم اكن الوافد الجديد الوحيد هنا و لأنني لم أكن إثارة للاهتمام. . . بكل تأكيد. . . و بكل المقاييس.
بينما كنت أنظر إليهم التقت عيناي بعيني أصغرهم, أدوارد كولن, و كان الفضول واضحا في تعبيره هذه المرة. وبينما كنت أشيح بوجهي سريعا بدا لي أن نظرته نوعا من توقع لم يتحقق.
"من الصبي ذو الشعر البني المحمر؟".
نظرت إليه خلسة من زاوية عيني فوجدته مستمرا في النظر إلي. لكنه لم يكن يحدق بغباؤ كما فعل بقية الطلاب اليوم. . . كان على وجهه تعبير يوحي بشيء من الإحباط و الغضب. أطرقت برأسي ثانية.
الجزء السابع والثامن
قالت جيسيكا:" إنه إدوارد. إنه رائع طبعا. لكنه لا يواعد الفتيات فلا تضيعي وقتك معه. واضح أنه لا يعتبر أي فتاة هنا جميلة بما يكفي بالنسبة إليه".
إنها حالة واضحة من حالات العنب الحامض.متى خيب أملها يا ترى؟
عضضت شفتي حتى أخفي ابتسامتي ثم نظرت إليه ثانية. كان قد أدار وجهه, لكني شعرت أن وجنته ارتفعت قليلا كما لو أنه يبتسم أيضا.
بعد عدة دقائق نهض الأربعة وغادروا طاولتهم سوية. كانت مشيتهم رشيقة جميلة. حتى ذلك الضخم ذو الشعر البني. كان النظر إليهم معذبا. أما الذي اسمه إدوارد فلم ينظر إلي مرة ثانية.
جلست إلى الطاولة مع جيسيكا و أصدقائها وقتا أطول مما لو كنت جالسة وحدي. خفت أن اتأخر عن صفي في أول أيامي في هذه المدرسة. كانت فتاة من معارفي الجدد ذاهبة إلى صف علم الأحياء 2 مثلي وقد ذكرتني بلطف أن اسمها أنجيلا. مشينا باتجاه الصف صامتتين. لقد كانت خجولة أيضا.
عندما دخلنا الصف ذهبت أنجيلا لتجلس إلى طاولة المخبر ذات السطح الأسود. . . تماما مثل طاولات المخبر التي أعرفها. كان لديها جار على الطاولة. و الحقيقة أن كل الطاولات كانت مشغولة إلا واحدة. وإلى هذه الطاولة, قرب الممر الأوسط, كان يجلس إدوارد كولن بشعره غير المألوف و بجانبه الكرسي الفارغ الوحيد.
مشيت في الممر لأقدم نفسي إلى المدرس وأطلب توقيعه على البطاقة,لكني كنت أراقب إدوارد خلسة. وعندما مررت بجانبه تصلب في مقعده فجأة. حدق إلي ثانية فالتقت عيناه بعيني و كان على وجهه تعبير غريب جدا. . .تعبير غضب وكراهية. ادرت رأسي سريعا و أنا أشعر بصدمة. واحمر وجهي من جديد. تعثرت بكتاب ملقى في الممر فامسكت بطرف إحدى الطاولات حتى لا أقع. . . سمعت ضحك الفتاة الجالسة إليها.
لاحظت أن عينيه سوداوان. . . سوداوان كالفحم.
وقع السيد بانر على البطاقة و أعطاني كتابا دون أن يقول شيئا من تلك السخافات المتعلقة بتقديم نفسي لبقية الطلاب. شعرت أننا سننسجم معا. و بطبيعة الحال لم يكن لديه خيار إلا أن يرسلني لأجلس في المقعد الوحيد الشاغر في منتصف الغرفة. ذهبت لأجلس بجانب إدوارد دون أن أرفع نظري. و كنت محتارة بسبب النظرة المعادية التي رأيتها على وجهه.
لم أرفع نظري وأنا أضع كتابي على الطاولة و أجلس على مقعدي لكني رأيت من زاوية عيني أنه يغير وضعيته. كان يميل بجسمه مبتعدا عني جالسا على حافة كرسيه مشيحا بوجهه كما لو أنه يشم رائحة كريهة. دون وعي شممت شعري. كانت رائحته مثل رائحة الفريز . . .إنها رائحة صابوني المفضل. كانت تبدو رائحة بريئة بالقدر الكافي. تركت شعري يسقط فوق كتفي الأيمن ليصنع ستارة بيننا و حاولت الانتباه للدرس.
و لسوء حظي كانت المحاضرة عن تشريح الخلية و هذا موضوع سبق أن درسته. لكنني سجلت ملاحظاتي بعناية دون أن أرفع رأسي.
لم أستطع منع نفسي من النظر عبر ستارة شعري من حين لآخر إلى ذلك الصبي الغريب الجالس قربي. وخلال الدرس كله لم يخفف أبدا من وضعيته المتصلبة على حافة الكرسي بعيدا عني إلى أقصى ممكن. كان يضم كفه ىعلى ساقه اليسرى بقبضة محكمة. . . كانت العروق نافرة تحت جلد يده الشاحب. لم يرخ قبضته أيضا. كانت أكمام قميصه الأبيض مرفوعة حتى المرفقين. و كان ساعده يبدو صلبا مفتول العضلات تحت جلده إلى حد فاجأني. وما كان أبدا ضئيل الحجم كما بدا لي عندما كان يجلس قرب أخيه الضخم.
لم أشعر بطول ذلك الدرس أكثر من غيره. لعل ذلك لأن اليوم كان يشارف على النهاية أخيرا, أو لعله لأنني كنت انتظر قبضته المشدودة حتى تسترخي؟ لكنها لم تسترخي أبدا. لقد ظل جالسا دون أي حركة حتى كأنه لم يكن يتنفس. ما مشكلته؟ هل هذا هو سلوكه الطبيعي؟ راجعت حكمي بشأن ما رأيته من مرارة جيسيكا وقت الغداء. لعلها لم تكن تكرهه كما ظننت.
لا علاقة للأمر بي إطلاقا. إنه لا يميز بيني وبين أي فتاة أخرى.
استرقت النظر إليه مرة أخرى, لكني ندمت على ذلك. كان يحدق بي ثانية و الاشمئزاز يملأ عينيه السوداوين. ابتعدت عنه بأقصى ما استطعت ملتصفة بمقعدي و مرت بذهني فجأة عبارة( لو كانت النظرات تستطيع القتل !).
رن الجرس عاليا في تلك اللحظة فجعلني اجفل. قام إدوارد كولن من مقعده واقفا بليونة. . . كان أطول بكثير مما ظننت . . .كان ظهره باتجاهي. وخرج من الباب حتى قبل أن ينهض أحد من مقعده.
جلست في مقعدي متجمدة أحدق في إثره بنظرات فارغة. لقد كان وضيعا. ليس الامر عادلا هكذا. بدأت اجمع أشيائي ببطء محاولة كبت الغضب الذي ملأني لأنني خفت أن تفر الدموع من عيني. لسبب لا أعرفه كان مزاجي شديد الارتباط بدموعي. و عادة ما كنت أبكي عند الغضب. . . إنه ميل مخزي.
سمعت صوتا ذكوريا يسألني:"ألست ىإيزابيلا سوان؟".
نظرت فرأيت صبيا ظريفا له وجه طفل. كان شعره الأشقر الشاحب مصففا بالجل على شكل حزم نافرة. و كان يبتسم لي ابتسامة ودية. واضح أنه لا يجد رائحتي سيئة.
صححت قوله مبتسمة :" اسمي بيلا".
"أنا مايك".
"أهلا مايك".
"هل أنت بحاجة إلى مساعدة للعثور على مكان درسك التالي؟".
"أنا ذاهبة إلى قاعة الرياضة في الواقع. أعتقد أنني أستطيع العثور عليها".
"أنا ذاهب إليها أيضا".
بدا مسحور بهذه المصادفة مع أنها ليست مصادفة غريبة في مدرسة صغيرة إلى هذا الحد.
مشينا إلى قاعة الرياضة معا. لقد كان كثير الكلام. . . تولى معظم الحديث بنفسه, وهذا ما جعل الأمر اسهل بالنسبة لي. لقد عاش في كاليفورنيا حتى بلغ العاشرة و لهذا كان يعرف كيف أشعر هنا بسبب غياب الشمس. و اتضح أنه معي في صف اللغة الإنكليزية أيضا. كان ألطف شخص أقابله اليوم.
لكنه سألني بينما كنا ندخل إلى قاعة الرياضة:" هل طعنت إدوارد كولن بالقلم أم ماذا؟ لم أره يتصرف على هذا النحو من قبل".
انكمشت على نفسي خوفا. لست وحدي من لاحظ الأمر إذن. ومن الواضح أن هذا السلوك لم يكن سلوك إدوارد كولن المعتاد. قررت التظاهر بالغباء.
سألته على نحو اخرق:"هل هو الصبي الذي كان يجلس بجانبي في درس الأحياء؟".
"نعم! بدا كأنه متألم. . . أو شيء من هذا القبيل".
"لا أعرف. . . أنا لم أتكلم معه".
تباطأ مايك بجانبي بدل أن يذهب إلى غرفة تبديل الملابس و قال: "إنه شخص غريب. لو كنت محظوظا و جلست بجانبك لتحدثت معك طبعا!".
ابتسمت له قبل أن أذهب إلى غرفة تبديل ملابس الفتيات. كان ودودا. من الواضح أنه معجب بي. لكن هذا لم يكن كافيا لتبديد انزعاجي.
وجد مدرس الرياضة, المدرب كلوب, ملابس رياضية من أجلي لكنه لم يطلب مني ارتداءها في حصة اليوم. في مدرستي السابقة كان درس الرياضة مطلوبا منا سنتين فقط. أما هنا فهو إجباري مدة أربع سنوات. كانت فوركس جحيمي على الأرض بالمعنى الحرفي.
رحت أراقب أربع مباريات في الكرة الطائرة تجري في وقت واحد. و تذكرت كثرة الإصابات التي لحقت بي, و التي ألحقتها بغيري, خلال لعب الكرة الطائرة. شعرت بشيء من الغثيان.
رن جرس الإنصراف أخيرا. مشيت ببطء إلى المكتب حتى أعيد البطاقة. كان المطر قد توقف, لكن الريح كانت أكثر شدة و برودة لففت ذراعي حول جسدي.
عندما دخلت المكتب الدافئ كدت أستدير على عقبي و أخرج فورا.
كان إدوارد كولن واقفا أمامي عند المكتب. لقد عرفته فورا من شعره المشعث البرونزي. لم يبد عليه أنه لاحظ دخولي. وقفت ملتصقة بالجدار خلفه وانتظرت حتى تفرغ موظفة الاستقبال من الحديث معه.
كان يجادلها بصوت منخفض جذاب. وسرعان ما فمهت موضوع جدالهما. إنه يريد تغيير موعد ساعات علم الأحياء الست إلى وقت آخر . . . أي وقت آخر.
لم أصدق أن الأمر يتعلق بي. لابد أن في الأمر شيئا آخر. شيء حدث قبل دخولي صف علم الأحياء. لابد أن تلك النظرة على وجهه كانت بسبب أمر آخر تماما. مستحيل أن يكون هذا الغريب قد اتخذ مني موقف الكره الشديد المفاجئ إلى هذا الحد.
انفتح الباب ثانية واندفعت ريح باردة مفاجئة إلى الغرفة مبعثرة الأوراق فوق المكتب وجعلت شعري يرفرف فوق وجهي. اكتفت الفتاة التي دخلت بأن بلغت المكتب فوضعت ورقة في السلة ثم خرجت. لكن ظهر غدوارد كولن تصلب ورأيته يستدير ببطء و يحدق إلي. . . كان و جهه وسيما على نحو غريب. . .و كانت نظرة الكراهية تملأ عينيه الثاقبتين. ولوهلة . . . شعرت بنوبة من الخوف الحقيقي جعلت شعري يقف. لم تدم تلك النظرة إلا ثانية واحدة لكنها جعلتني أشعر ببرد أشد من برد الريح الصقيعية. استدار إدوارد إلى موظفة الاستقبال وقال متعجلا بصوت مخملي:" لا بأس إذن. أفهم أن الأمر مستحيل. أشكرك كثيرا على مساعدتك".
استدار على عقبيه دون أن يلقي باتجاهي نظرة أخرى و خرج من الباب.
مشيت ببطء إلى المكتب وقد امتقع وجهي بدلا من أن يحمر. ناولتها البطاقة الموقعة فسألتني بصوت أمومي:" كيف كان يومك الأول في المدرسة يا عزيزتي؟".
كذبت قائلة بصوت خافت:" جيد". فلم يبد عليها أي اقتناع.
عندما و صلت إلى سيارتي وجدت أنها آخر سيارة باقية في الموقف تقريبا. شعرت أنها ملاذ آمن لي فهي أقرب شيء إلى منزلي في هذه البقعة الخضراء المشبعة بالرطوبة. جلست داخل السيارة قليلا مكتفية بالتحديق عبر زجاجها على غير هدى. لكنني سرعان ما شعرت بالبرد و بالحاجة إلى تشغيل التدفئة. أدرت المفتاح فانطلق المحرك مزمجرا. قدت السيارة عائدة إلى منزل تشارلي أحاول كبت دموعي طوال الطريق.
نهـــ ــاية الــ ـبارتــ @!
آرائكم ؟؟ اقتراحاتكم ؟؟ انتقاداتكم ؟؟
هل الطول مناسب ؟؟
ما أجمل مقطع ؟؟
قراءة ممتعة