عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-04-2013, 01:06 AM
 
ادواء الاخلاق الفاسدة ومداواتها الجزء الثالث

الحمد لله ولي الحمد ةاهله وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وصفوته من رسله وبعد . نواصل ايها الكرام ما جاء في هذا الكتاب القيم للامام ابن حزم رحمه الله قال
ولقد أصابتني علة شديدة ولدت علي ربواً في الطحال شديداً، فولد ذلك علي من الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر والنزق أمراً حاسبت نفسي فيه، إذ أنكرت تبدل خلقي، واشتد عجبي من مفارقتي لطبعي، وصح عندي أن الطحال موضع الفرح، إذا فسد تولد ضده. وإن أعجبت بنسبك، فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا، لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة. وانظر هل يدفع عنك جوعة. أو يستر لك عورة، أو ينفعك في آخرتك؟ ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك وربما فيما أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام ثم ولادة الخلفاء، ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء، ثم ولادة ملوك العجم من الأكاسرة والقياصرة، ثم ولادة التبابعة، وسائر ملوك الإسلام. فتأمل غبراتهم وبقاياهم، ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك، تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة، وتلفهم في غاية السقوط والرذالة والتبدل والتحلي بالصفات المذمومة، فلا تغتبط بمنزلة هم فيها نظراؤك أو فوقك.
ثم لعل الآباء الذين تفخر بهم كانوا فساقاً وشربة خمور ولاطة ومتعبثين، ونوكى، أطلقت الأيام أيديهم بالظلم والجور، فأنتجوا ظلماً وآثاراً قبيحة، تبقي عارهم بذلك الأيام، ويعظم إثمهم والندم عليها يوم الحساب. فإن كان كذلك، فاعلم أن الذي أعجبت به من ذلك داخل في العيب والخزي والعار والشنار لا في الإعجاب. فإن أعجبت بولادة الفضلاء إياك، فما أخلى يدك من فضلهم إن لم تكن أنت فاضلاً، وما أقل غناهم عنك في الدنيا والآخرة إن لم تكن محسناً! والناس كلهم أولاد آدم الذي خلقه الله بيده، وأسكنه جنته، وأسجد له ملائكته. ولكن ما أقل نفعه لهم، وفيه كل معيب، وكل فاسق، وكل كافر. وإذا فكر العاقل في أن فضل آبائه لا يقربه من ربه تعالى، ولا يكسبه وجاهة لم يحزها هو بسعده أو بفضله في نفسه ولا مالاً، فأي معنى الإعجاب بما لا منفعة فيه! وهل المعجب بذلك إلا كالمعجب بمال جاره، وبجاه غيره، ويفرس لغيره سبق كان علي رأسه لجامه! وكما تقول العامة في أمثالها كالغبي يزهى بذكاء أبيه، فإن تعدى بك العجب إلى الامتداح فقد تضاعف سقوطك، لأنه قد عجز عقلك عن مقاومة ما فيك من العجب، هذا إن امتدحت بحق، فكيف إن امتدحت بالكذب! وقد كان ابن نوح وأبو إبراهيم وأبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم أقرب الناس من أفضل خلق الله تعالى، وممن الشرف كله في اتباعهم، فما انتفعوا بذلك، وقد كان فيمن ولد لغير رشده من كان الغاية في رياسة الدنيا، كزياد، وأبي مسلم، ومن كان نهاية في الفضل على الحقيقة كبعض من نجله عن ذكره في مثل هذا الفصل، ممن يتقرب إلى الله تعالى بحبه، والاقتداء بحميد آثاره. وإن أعجبت بقوة جسمك فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال، وإن أعجبت بخفتك فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب، فمن العجب العجيب، إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق.

واعلم أن من قدر في نفسه عجباً، أو ظن لها على سائر الناس فضلاً، فلينظر إلى صبره عندما يدهمه من هم أو نكبة أو وجع أو دمل أو مصيبة، فإن رأى نفسه قليلة الصبر، فليعلم أن جميع أهل البلاء من المجذومين، وغيرهم الصابرين، أفضل منه على تأخر طبقتهم في التمييز. وإن رأى نفسه صابرة، فليعلم أنه لم يأت بشيء يسبق فيه على ما ذكرنا، بل هو إما متأخر عنهم في ذلك، أو مساو لهم ولا مزيد. ثم لينظر إلى سيرته وعدله أو جوره فيما خوله الله من نعمة أو مال أو خول أو أتباع أو صحة أو جاه، فإن وجد نفسه مقصرة فيما يلزمه من الشكر لواهبه تعالى، ووجدها خائفة في العدل، فليعلم أن أهل العدل والشكر والسيرة الحسنة من المخولين أكثر مما هو فيه، أفضل منه، فإن رأى نفسه ملتزمة للعدل، فالعادل بعيد عن العجب ألبتة، لعلمه بموازين الأشياء، ومقادير الأخلاق، والتزامه التوسط الذي هو الاعتدال بين الطرفين المذمومين، فإن أعجب فلم يعدل، بل قد مال إلى جنبة الإفراط المذمومة.
واعلم أن التعسف وسوء الملكة لمن خولك الله تعالى أمره من رقيق أو رعية، يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة، وضعف العقل، لأن العاقل الرفيع النفس، العالي الهمة، إنما يغلب أكفاءه في القوة، ونظراءه في المنعة. وأما الاستطالة على من لا يمكنه المعارضة، فسقوط في الطبع، ورذالة في النفس والخلق، وعجز ومهانة. ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل جرذ أو بقتل برغوث أو بفرك قملة، وحسبك بهذا ضعة وخساسة.
واعلم أن رياضة الأنفس أصعب من رياضة الأسد، لأن الأسد إذا سجنت في البيوت التي تتخذ لها الملوك، أمن شرها، والنفس وإن سجنت لم يؤمن شرها.
العجب أصل يتفرع عنه التيه والزهور والكبر والنخوة والتعالي، هذا ما سنتابعه معا غدا ان شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ادواء الاخلاق الفاسدة ومداواتها الجزء الثاني mohamed_atri نور الإسلام - 2 11-06-2013 01:27 AM
أدواء الأخلاق الفاسدة ومداواتها mohamed_atri نور الإسلام - 3 11-02-2013 01:47 AM
قصة *حلمك انت* الجزء الثالث اميره حلوه أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 02-07-2013 09:14 PM
حلقات مسلسل القناص الجزء الثالث و الرابع بالعربية مع أحداث الجزء الخامس الحقووووووووو البشري22 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 07-31-2011 05:19 PM
من هو ؟الجزء الثالث مناصر المراءة ألغاز 6 01-09-2011 08:29 AM


الساعة الآن 01:48 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011