http://im36.gulfup.com/xG3PA.png[/IMG]
يدور في ذهني العديد من التساؤلات .. من هو العاقل ؟ وكيف لك أن تثق تماماً بأن الشخص الذي تراه وتتحدث إليه لا يعاني أي مشاكل نفسية أو عقلية ؟ ومن ثم هل الإختلال العقلي والأمراض النفسية واحدة ؟ ربما يولد الإنسان مختلاً عقلياً .. ولكنه يصاب بالمرض النفسي في خلال مراحل حياته .. هل من الممكن أن يقنعنا شخص ما بأننا نعاني من مرض نفسي ما بالرغم من أننا نثق بأننا لسنا كذلك ؟ أيعقل أن تكون إتهاماته تلك هي بداية لمرض حقيقي يصيبنا ؟؟ ربما هو مجرد سؤال فلسفي ولكن ما هي إجباته المنطقية ؟
وأخيراً إستيقظ إبن أسرة روبنسون من تلك الغيبوبة .. مضى على ذلك يومان وهاهو يغادر المشفى أخيراً .. خلال اليومان الماضيين لم يتمكن المحقق من أن يجبر بيتر على التحدث حقاً .. كل ما كان يتلقاه خلال التحقيق معه هو الصمت القاتل .. هذا الأمر جعل الجميع يضع اللوم على السيد باتريك بحجة أنه لم ينتبه لطفله بعد رحيل أمه مما جعله يقدم على الإنتحار !
تنهد بتعب شديد وهو يشعر باليأس .. كيف لطفله أن يفكر بالإنتحار ؟ لقد فشل حقاً في مهمته .. نظر له عن طريق المرآة في السيارة .. عينيه البنفسجيتان حملتا الكثير من المعاني .. الألم , الخوف والحزن .. عليه حقا أن يجد طريقة ما لإخراج إبنه من هذه الحالة وبالطبع لن يكون الحوار الذي عليه أن يخوضه معه الآن ليتناسب وهذا الهدف بل ربما يزيد الأمر سوءاً !
- تحدث بصوت مضطرب :" بيتر بُني .. إعتباراً من اليوم سوف تبدأ بالذهاب إلى أحد الأطباء النفسيين .. سوف يساعدك ع...
- قاطعه بغضب عارم :" أنت تمزح معي صحيح ؟ تعلم أن هذا لن يحدث أبداً أبي ! "
- تنهد قبل أن يجيبه بهدوء :" حسنا النقاش في هذا الموضوع ليس إحدى الخيارات المطروحة هنا "
- أخفض رأسه بإنكسار ليتحدث بصوت مخنوق :" ولكن يا أبي .. أنا ... "
- أبعد عينيه عن المرآة حتى لا يشعر بالذنب ويعدل عن قراره ليتحدث بصوت قريب للحزن :" كان عليك أن تفكر بهذا الأمر قبل أن تحاول إيذاء نفسك ! "
- رفع رأسه وهو ينظر له بحقد :" وهل تصدق إدعائهم ذاك حقاً ؟ ( صمت قليلاً ليردف بحزن شديد ) :أبي هل تصدق أنني حاولت الإنتحار ؟ .. لست بهذه الحماقة .. يفترض بك أن تعلم هذا جيداً "
- طغت نبرة الحزن على صوته أخيراً ليتحدث :" أعتذر بُني ولكنني مؤخراً إكتشفت أنني لا أعلم أي شيء عنك .. ولا أفهم كيفية تفكيرك حتى .. ربما أنا السبب في ما يحدث معك الآن لإنني لم أتمكن من فهمك جيداً "
- أخفض رأسه بهدوء ليتحدث بإنكسار تام :" إن ذهبت إلى طبيب نفسي سيعلم الجميع بالأمر .. يستحيل أن أعود بعدها إلى المدرسة .. ولا إلى أي مكان آخر "
- تنفس بعمق قبل أن يجيب : " تتحدث وكأنك تبالي برأي أي أحد .. أنت تتصرف دائماً وكأن لا أحد قادر على التأثير فيك .. جعلت الآخرين ينظرون لك على أنك شخص متكبر .. إذن هل سيختل كبريائك الآن ؟"
نظر لوالده بصدمة أراد أن يتحدث .. أن يدافع عن نفسه ولكنه آثر الصمت .. بدلاً من إكتشاف المزيد من الحقائق عن والده والتي ستسبب له الألم بتأكيد .. أي والد يتهم إبنه بشيء كهذا .. وأي أب لا يخشى على مشاعر طفله .. لماذا عليه أن ينتمي لمثل هذه الطبقة المزعجة ؟ لماذا لم يكن أحد أبناء الأسر العادية .. لا أحد يهتم بهم وبما يحدث مع أحد أفرادهم على عكس ما يحدث معهم هم !
إنقضى بعض الوقت والصمت يغلف المكان .. ولكن قطعه ذلك وقوف السيارة نظر من النافذة إلى تلك البناية الضخمة .. كانت واجهته من زجاج .. نظر لوالده بهدوء يشوبه الحقد والسخط .. فتح باب السيارة وأغلقها بقوة شديدة دون أن ينطق بأي حرف .. ليدخل إلى تلك البناية .. كان يسير وهو يلتقط أنفاسه الحارة محاولاً أن يهدأ .. أن يخفف ولو القليل من هذا الغضب الشديد .. ظهرت أمامه فجأة آنسة في السابعة عشر ربما من عمرها بشعر قصير يصل بالكاد إلى نهاية عنقها يحمل اللون العسلي الغامق .. وعينان تحمل في طياتهما كماً هائلاً من الأمل باللون البُني .. نظر لها بشيء من الصدمة بينما كانت تبتسم له بمرح :
- تحدثت والإبتسامة لا تفارقها : " مرحباً بك يا سيد إسمي هو ليليان جفرسون .. بما يمكنني أن أخدمك ؟"
- نظر ببرود شديد ولم تختلف نبرة صوته كثيراً عن نظرته وهو يجيبها :" أهلا بك .. بيتر روبنسون .. أبحث عن السيد مايكل جفرسون "
- نظرت له بشيء من الشفقة للتحدث بعفوية :" أوه .. أنت الفتى الذي حاول الإنتحار قبل عدة أيام .. من المؤسف أن شخصاً في مثل عمرك لا يستطيع أن يرى الأمور الإيجابية في حياته ."
- تحدث بإنزعاج شديد :" لا أرى أن هذا الأمر يعنيكي يا آنسة .. ومن ثم هل السيد جفرسون هنا أن لا ؟"
- أخفضت رأسها بشيء من الحزن للتحدث بضيق :" الواقع لقد سافر أخي ولن يعود قبل شهر من الآن ولكن .. يوجد هنالك السيد بوتين .. دايفيد بوتين .. لقد تم حجز لك موعد معه حتى عودة أخي ."
- تحدث ببرود وهو يكمل سيره : " بوتين أو جفرسون لا يهم حقاً .. الجميع هنا مجرد أبله فقط "
نظرت تلك الفتاة له بشيء من الحزن .. ربما هي أكبر منه بعامين فقط ولكن .. أن يحمل كل ذلك الحزن في عينيه .. فقط لو يمكنها أن تفعل شيئا ما لأجله .. أكثر ما تكرهه هو رؤيتها لشخص يتألم دون القدرة على علاج جروحه ." - بحدة شديدة أجاب : ماذا تعني بأنك غير قادر على المجيء اليوم إلى هذه البلاد .. أقسم لك أنه إن لم تكن غدا عند بزوغ الشمس هنا فإنك ستدفع الثمن غاليا جداً .. أغلى من حياتك عديمة الفائدة هذه أتفهم ؟"
- أتاه صوته الهادئ من خلف الهاتف ليتحدث بهدوئه المعتاد :" سأبذل ما في وسعي سيدي .. لم يكن الأمر بيدي حتى .. أعني لا شأن لي إن توقفت الطائرات عن العمل بسبب سوء الحالة الجوية ! "
- إشتعلت النيران بداخله وقد بدى ذلك واضحا من صوته الغاضب : " إستمع لي جيداً .. لا تهمني الطريقة لن أغفر لك أبدا عدم وجودك هنا هذه الليلة وأقسم لك بأنك ستعاقب أشد العقاب غداً .. سأجعلهم يقومون بجلدك حتى تموت قواك بأكملها أتفهم ذلك ؟ ولكن إن لم تكن هنا غداً فأنا سأقوم بتمزيق روحك إلى أشلاء بقتلها ."
- تحول صوته الهادئ إلى آخر غاضب :" سيدي أرجوك .. لا داعي لتهديدي بها .. أنت تعلم أنني تحت أمرك .. قبلت العمل في حماية بيتر دون الحاجة لتهديدي "
- إزداد غضب توني بسبب تلك اللهجة الحادة :" دعني أرك هنا غداً ومن ثم سترى نتيجة هذه الطريقة في الكلام ."
- تنهد بتعب ليتحدث بهدوئه مرة أخرى :" أمرك سيدي .. فأنا لن أخالف أي أمر تأمرني به ."
- أجابه بغرور :" تتحدث وكأنك قادر على ذلك "
ليقطع الإتصال بعدها .. إلا أنه بقي يحدق في الهاتف قليلاً قبل أن تتحدث زوجته إليه بهدوء :
- عزيزي هل كل شيء على ما يرام ؟؟
- عاد الغضب إليه ليتحدث بشيء من الحدة الغير مقصودة :" أجل بخير .. ولكن هذا أمر سيء .. إنه يعصي أوامري منذ الآن .. لدي رغبة بقتله .. ما كان علي إنتشاله من حياة التشرد تلك لقد كان علي قتله "
- تحدثت بصوت يشوبه القلق ": أرجوك إهدء الآن عزيزي .. أنا واثقة بأنه لن يجرأ على أن يخذلك .. لابد أن السبب كان أقوى منه "
- سحب الهواء إلى رئتيه ليوجه حديثه إلى أحد الخدم المنتشرين :" أنت إذهب وتقصى أمر العاصفة التي حدثت ليلة أمس في بريطانيا .. وتأكد إن كانت قد عطلت حركة سير الطائرات هناك "
- إنحنى بتهذيب شديد وهو يجيب : " تحت أمرك سيدي "
- " إن كان صادقاً في ما قاله فإنني سأتجاهل أسلوبه في التحدث معي .. ولكن اقسم أنه إن كان يكذب .. فإنني لن أقضي عليه فقط "
- تحدثت بشيء من الهدوء : " لا أظن أنه سيجرأ على الكذب .. أنت قلت ذلك .. لا أحد يجرأ على خيانتك " دعونا نعد الآن إلى صديقنا بيتر الذي كان يقف مدهوشاً في وسط تلك الغرفة .. رمش بعينيه عدة مرات وهو يحاول أن يستوعب السبب الذي دفع طبيب نفسي لأن يجعل من الغرفة أو العيادة الخاصة به تغرق في ظالم حالك مخيف .. نظر إلى تلك الصور والرسومات المحيطة به .. ربما هو لم يفهم أي شيء مما ترمي إليه ولكنها بالتأكيد لم تجعله يشعر بالراحة أبداً .
أخذ نفساً عميقاً وهو يغلق عينيه ليدخل في دوامة من الأفكار التي أحاطت به :" رائع حقاً .. يبدوا لي أن هذا الطبيب الابله بحاجة إلى طبيب نفسي .. أين هو بكل حال ؟ أنا حتى لا أصدق أنني أتيت إلى هنا بقدماي .. هذا المكان أقسم أنني سأختنق إن بقيت هنا لثانية واحدة فقط .. علي الخروج من هنا .. ولتذهب أوامر أبي إلى الجحيم .. لم أعد أهتم "
فتح عينيه وهو يرغب بالخروج من هذا المكان بأسرع وقت وصل إلى الباب الذي دخل منه .. وضع يده على قفل الباب لفتحه ولكن العجيب بالأمر أن الباب مقفل ! تراجع إلى الخلف بضع خطوات حتى إصطدم بالمكتب الخاص بالطبيب .. بدأت أنفاسه تصعب أكثر وهو يبحث في كل زاوية من زوايا الغرفة على المفتاح ولكن بلا أي فائدة .. حاول تهدئة نفسه وقد وقف في منتصف الغرفة أخيرا بلا أي حركة .. ليبدء بالسير بهدوء حتى جلس على الكرسي .. وأغمض عينيه وهو يحاول جمع أفكاره المشتتة :" حسناً .. عندما دخلت إلى هنا كان لم يكن الباب مقفلاً .. ولم أجد أحداً أيضاً .. ولكن بعد مضي من خمس إلى عشرة دقائق وأنا أتأمل هذا المكان قام أحدهم بقفل الباب .. ما أنا واثق منه أنه لا أحد في هذه الغرفة .. مما يعني أن من أغلق الباب هو شخص ما من الخارج .. ربما يكون أحد الحمقى الذين يعملون هنا .. أو شخص سخيف يرغب بعمل مقلب ما .. وربما أحد ممن علم أن ابن روبنسون هنا ولهذا السبب أراد أن يقوم بخطفه وتهديد أسرته بدفع فدية .. أياً كان السبب فإنني سأقضي على من فعل هذا "
شد على قبضة يده قبل أن ينهض فزعاً من مكانه وقد أطلق صرخة صغيرة عندما شاهد أحدهم يخرج من تحت المكتب !
- تحدث بإبتسامة :" أهلا بك سيد روبنسون .. علي الإعتراف أن ردة فعلك غير متوقعة .. أعني الشخص الطبيعي سيصاب بالخوف وسيبدأ بطرق على الباب .. بينما يتكفل دماغه بنسج الكثير من التخيالات المخيفة مما سيدفعه للجنون "
- نظر لمحدثه بغضب شديد ليتحدث وهو يشد على قبضة يده اليمنى وكانه يمنعها من أن تخرج عن سيطرته وتقوم بصفع هذا الأبله الواقف أمامه :" أأنت هو السيد ديفيد بوتين ؟ "
- زادت إبتسامته بينما كان يتحدث بفخر أكبر : " تماماً أنا هو .. تبدوا لي طفلا ذكياً أيضاً .. فبرغم مما حدث معك قبل قليل إلا أنك تفكر بطريقة جيدة وهذا أمر مبشر "
- كز على أسنانه بقوة وهو يشعر بأنه سيوسع محدثه ضربا :" وهل كنت جاداً في ما فعلته قبل قليل ؟؟ أعني ما هي الفائدة من ذلك ؟ لقد طلبت من احدهم في الخارج أن يغلق الباب وبقيت مختبئاً هنا كالفئران تماماً "
- طغت السخرية على نبرة صوته :" أوه .. إبن السيد روبنسون شخص حاد الطباع إذاً ( أمسك بيده ذقن بيتر بقوة بسيطة ليمنعه من أن يشيح بوجهه عنه ) إستمع لي يا صغيري منذ هذا اليوم أنت هو مريضي أنا .. مما يعني أنه لا يهم ابن من أنت .. كل ما في الأمر أنني سأكون قادراً على وضع في تقريرك الطبي أنك مختل عقلياً مما سيدفع بالحكومة بوضعك في إحدى مستشفيات المجانين "
- تحدث ببروده المعتاد :" أهذا تهديد ما سيد بوتين ؟"
- عادت تلك الإبتسامة إلى وجهه مجدداً ليتحدث :" أنت حقاً حاد الطباع و التفكير على ما يبدوا .. لا ليس تهديداً ولكنني أخبرك فقط بما ستؤول إليه الأمور هنا .. إن كانت ردة فعلك عنيفة .. أو غريبة لن تكون النتائج جيدة أبداً .. بكل حال هيا تفضل بالجلوس "
نظر له بحدة قبل أن يجلس على ذلك السرير المخصص للمرضى .
- ألن يكون من الأفضل لك أن تتمدد "
- لا شكرا فأنا أفضل الجلوس .
- كما تشاء .. والآن أخبرني بيتر .. بماذا كنت تفكر عندما إكتشفت أن الباب قد أغلق ؟
- لا شيء مهم .. ربما شخص ما قام بمقلب أو أحد أعداء أبي وربما أحد العمال ظن أنك لست هنا فقام بإغلاق باب عيادتك .. هذا كل ما في الأمر .
- جميل .. أيهم كان الخيار الأول ؟
- العامل الأبله .. ومن ثم المقلب .. وأخيرا أعداء أبي ( أردف بملل ) أهذا مهم حقاً ؟
- بالطبع مهم .. هذا يعني أنك شخص واقعي بيتر .. إذن أخبرني عن مشاعرك عندما علمت أن أمك وأختك قد رحلتا ؟
- قطب حاجبيه بإستنكار ليتحدث :" لا شأن لك بهذا الموضع أبداً "
- يؤسفني أن أخبرك أن جلسات علاجنا بأكملها خلال هذا الشهر لن نتحدث بها إلا عن هذا الموضوع .
- تحدث و ينهض بغضب :" انت تحلم .. لقد إنتهت المقابلة "
- أمسك بيده بينما تحدث بإنزعاج :" أنا هو الطبيب هنا وأنا من يقرر متى تنتهي الجلسة .. إذن دعنا نعد لموضوعنا الأساسي لابد أنك بكيت كثيراً صحيح ؟ أعني لقد سمعت أنك كنت مقرباً جداً منهما بيتر "
- أخفض رأسه ليتحدث بصوت بخنوق : " لا شأن لك أبداً .. لا علاقة لك .. ولا لأي أحد آخر .. وأنا لم أحاول الإنتحار حتى آتي إلى مثل هذا المكان "
[/AنLIGN]