تذكير :
أومأ ذلك الرجل له بالموافقة ليضع رولند أرضاً .. بينما شحب وجه يوجين وهو يدرك ما يعنيه ذلك .. وقف رولند في مكانه قليلاً إلى أن لمح والده حاول الوصول إليه و الدموع تسيل من عينيه بغزارة .. ولكنه سقط أرضاً مع أول خطوة بسبب تعثره بتلك الحجرة بينما وُجهت فوهة المُسدس نحوه ليطلق ذلك الرجل الرصاصة التي أحلت الصمت في أرجاء الغابة .
ألقت جوليا ذلك الدفتر من بين يديها وهي تشعر بدموعها الحارقة تسير على وجنتيها .. لا يمكن أن يكون قتل صحيح ؟ لا ذنب له إطلاقاً .
شعرت بإنزعاج كبير لتنهض وتستحم ومن ثم حاولت النوم بأقصى ما لديها من قوة متجاهلة تماماً تلك المُذكرة .
استيقظت في الصباح الباكر لتستحم وترتدي ثياب المدرسة وهي شاردة الذهن أمسكت بكتبها ووضعتها في الحقيبة وقبل أن تغادر الغرفة وجدت المذكرات .. حاولت تجاهلها قدر الإمكان ولكنها لم تستطع منع نفسها من وضعها داخل حقيبتها المدرسية وهي تفكر إن كان رولند قد قتل حقا أم لا بقيت تفكر بعدها بالشخص الذي يمكن أن يفعل شيئاً فظيعاً كهذا ولم يدر في عقلها إلا ديريك و أليكسس فقط .. هما أكثر الأشخاص إزعاجاً في هذا العالم .. شهقت بفزع عندما وجدت ريكس أمامها هي لم تنتبه اساساً أنها وصلت للمدرسة .. تحدث الأخير معها بتعجب :" ما الأمر جوليا ؟ لما كل هذا الخوف ؟ ومن ثم لماذا كنتي غاضبة وأنتي تسيرين ؟"
نظرت له بحده شديدة لتتحدث :" لا شأن لك ومن الأفضل لك الابتعاد عن وجهي الآن ريكس "
رفع أحد حاجبيه بقليل من الاستنكار ليتحدث وهو يلتفت حوله حيث كانا يقفان في منتصف الساحة و الجميع يحدق بهما :" أيمكن أن تخفضي صوتك قليلاً ؟ ومن ثم لماذا تتصرفين هكذا ؟"
أشاحت بوجهها عنه وهمت بالسير إلى الداخل وهي تتحدث بترفع :" لا شأن لك , قلت لك أتركني وشأني اليوم ريكس "
دخلت إلى الفصل وكل العيون تراقبها و الجميع يتهامس فيما بينهم عن شجارها مع ريكس في ساحة المدرسة بينما هي لم تلقي بالاً لهم وجلست في مقعدها بجوار ماكس وهي في قمة غضبها .. حدق الأخير بها بتعجب ليتحدث بسخرية :" أرى أنكِ قررتي العودة و الجلوس هنا بعد شجارك مع ريكس "
نظرت له بنفاذ صبر لتتحدث :" لا شأن لك بأي شيء وهذا المقعد لي ويمكنني الجلوس به متى أشاء "
هز كتفيه بلا مُبالاة ليحدق إلى الخارج بينما نظرت هي له بقليل من الغضب لتتحدث :" هي أنت لا تتجاهلني أتفهم ؟"
ابتسم بسخرية ليتحدث مجدداً :" أنتي غريبة الأطوار جوليا .. إن تحدثت معك طلبتي مني أن لا أفعل و إن قررت الصمت تطلبين مني ألا أتجاهلك .. فقط أخبريني كيف لي أن أرضيكي ؟"
أشاحت بوجهها عنه بقليل من الخجل ليبتسم هو بعذوبة وهو يعاود النظر لخارج النافذة وقد بدى أنه يحمل في داخله الكثير من الأسرار العجيبة التي يتمنى الكثيرون الإطلاع عليها .. كما تحمل عيناه وإن ابتسمت شفتاه الكثير من الألم والحزن .. انتبهت أخيراً إلى أنها بقيت تحدق به أكثر مما يجب ليدفعها ذلك لإخفاض رأسها وهي تدعوا في سرها أن لا يكون قد انتبه حقاً على تحديقها به .. سارت الحصص بسلاسة دون أي مشاكل إلى أن حل موعد الاستراحة حملت حقيبتها وغادرت الفصل .. أثار ذلك تعجب كل من ريكس و إميليا و حتى ماكس فهم لم يفهموا سبب أخذها للحقيبة معها .. ولكن ريكس كان قد قرر أن لا يتحدث معها اليوم بعد الذي حصل صباحاً وقد شجعته إميليا على ذلك .. بينما تبعها ماكس سراً وزادت دهشته عندما وجدها تجلس بمفردها على السطح وهي تحمل ذلك الدفتر الازرق بين يديها .. حدق بالدفتر لبضع دقائق قبل أن يختفي بريق الحياة من عيناه ليتحدث بقليل من الغضب :" أهي بلهاء لإحضار هذا الدفتر إلى المدرسة ؟ لقد فقدت عقلها , لا الواقع جوليا لا تملك واحداً من الأساس "
أما عند جوليا فهي لم تشعر بمراقبة ماكس لها ولا بالعالم من حولها كل ما كانت تفعله هي محاولة جمع قواها لإكمال القراءة وبعد بضع ثواني وجدت نفسها تقلب صفحات الدفتر حتى وصلت أخيراً إلى الصفحة التي توقفت عندها :
ساد الصمت في تلك الغابة بعد دوي تلك الرصاصة الغادرة لبضع ثواني فقط قبل أن يعلوا صوت بكاء رولند المذعور وهو يرى الدماء تسيل من جسد منقذه ... ركض كُل من يوجين وجين و القلق بادٍ على تقاسيم وجههما ليجلسا بجانبهما .. قام الصغير بالابتعاد عن منقذه و الركض إلى حضن والده .. بينما تحدث جين بقلق :" كريستيان .. هل أنت بخير ؟ هل أصبت في مكان خطر أو .."
رفع كريستيان رأسه وهو ينظر لجين بابتسامة عذبة ليتحدث وقد بدى على صوته الألم :" لا داعي للقلق .. لقد أصبت في كتفي فقط .. المهم أن الصغير بخير "
دقيقة واحدة هي ما فصلهم عن قيام جنود الحاكم بالإمساك بالعصابة حيث إستغلوا الوقت الذي أنقذ به كريستيان رولند وإلتفوا حول العصابة بكل هدوء وصمت و ألقوا القبض عليهم وهم يخططون بطريقة لقتل رولند وهو أصبح بين يدي والده .
بعد ساعتين في مشفى العاصمة :
كان الحاكم وزوجته وابنتهما الصغرى يجلسون في غرفة إينوري التي بدأت تستعيد وعيها أخيراً .. نظرت حولها لتظهر في عينيها انزعاج من رؤية والدها ولكنها سرعان ما تذكرت ما حدث معها لتنهض بسرعة وهي تتحدث بقلق :" صغيري رولند .. أين هو ؟"
في تلك اللحظة دخل يوجين وبرفقته رولند النائم بفعل المخدر ليقوم بالتقدم وإعطائه لوالدته بحذر .
نظرت له بقلق لتتحدث :" يوجين .. ماذا حدث لصغيري ؟"
ابتسم بشحوب ليتحدث :" إنه بخير , هو خائف فقط ولذلك قاموا بإعطائه مهدأ ما لينام قليلاً ."
ابتسمت براحة وهي تضمه إليها بكل شوق .. صمت رهيب خيم بعد ذلك على الغرفة .. كانت إينوري بالرغم من سعادتها بعودة صغيرها بخير منزعجة من وجود والدها .. بينما كان يوجين يقف قريبا من السرير وهو شارد الذهن اما جين فقد كان يجلس على إحدى المقاعد في الغرفة وهو يفكر أيضاً بالقليل من الأمور التي شغلت تفكيره منذ مدة قصيرة .. الحاكم كان يفكر بطريقة ما ليجد من حاول إيذاء إبنتيه .. بينما اكتفت الحاكمة بالجلوس و الصمت وهي تفكر بإبنها و صغيرتها وما حل بهما .. أما آنجلي فقد كانت تمسك بيد إينوري وهي صامتة أيضاً وتفكر بمن قد يفعل شيئاً فظيعاً كهذا ويحاول قتل طفل صغير .
ذلك الهدوء الذي ملئ أرجاء الغرفة إختفى تماماً بعد دخول كبير أسرة روبنز و إبنيه لتحتد نظرات إينوري وهي تتحدث بإنزعاج شديد :" وما الذي دفعكم للقدوم ؟"
لم يبالي كبير الأسرة بإنزعاجها ووقاحتها في التحدث إليهم ولكنه تحدث بهدوء :" لقد أردنا الإطمئنان عليكِ وعلى صغيرك فقط "
أشاحت بوجهها إلى الجانب الآخر وهي تشعر بأنها ستقضي عليهم دفعة واحدة ولكنها فضلت الصمت على التحدث .. لم تكن إينوري الوحيدة التي إنزعجت من ظهورهم فجأة ولكن حتى جين ظهرت معالم الإنزعاج على تقاطيع وجهه .. تحدثت إينوري بحدة في ذلك الوقت :" ما الذي تفعلونه أنتم هنا ؟"
طريقة كلامها أغضبت والدها الذي أجابها بالحِدة ذاتها :" إينوري عليكي إحترام من هم أكبر منكِ .. ومن ثم الا يكفي أنهم أتوا للإطمئنان على طفلك ؟"
تحدثت بذات الحِدة وكأنها لم تسمع جملة والدها :" للمرة الثالثة .. مالذي تفعلونه هنا ؟"
نظر الجميع لها بعدم فهم بينما جلس يوجين بجانبها ليتحدث بهدوء :" إينوري إنهم هُنا للإطمئنان عليكِ وعلى رولند فحسب "
ابتسمت بسخرية لتتحدث بنبرة ساخرة :" وأنا علي أن أصدق ذلك "
حل الصمت مرة أخرى بعد ذلك إلا أن قطعه ديريك بقوله :" ولكن أليس من السيئ أن تستمعي لما يقوله لكِ يوجين وتتجاهلين والدك ؟"
احتدت نظراتها أكثر وبدى الغضب على تقاطيع وجهها وصوتها :" أخرج من هنا .. وأجل سأجيب يوجين وأتجاهل البقية ألديك أي مشكلة ؟"
شعر ديريك بالغضب هو الآخر ليقول :" هل تقومين بطردي من هنا ؟ "
ابتسمت بثقة لتتحدث :" أجل , أنت وكل من أتى معك ومن يساندكم إن شئت "
نظر الحاكم لها بغضب وحِدة :" من تعنين بكلامك إينوري ؟"
إبتسمت بهدوء وهي تجيب :" لقد فهمت الأمر بمفردك صحيح ؟"
وضع يوجين يده على كتفها ولكنها إكتفت بإشاحة وجهها إلى جهة أخرى وهي تحاول أن تتنفس بهدوء ولكن صوت الحاكم الغاضب أبعدها عن هدفها وأعاد الغضب لإنفاسها :" إينوري أنتي بالفعل تجاوزتي حدودك أكثر من اللازم .. أعدك إن لم توقفي هذه التصرفات ستجدين ما لا يعجبك أتفهمين ؟"
أعادت تلك الإبتسامة الساخرة و الباردة لوجهها وهي تتحدث ببرود ممزوج بالسخرية :" أرجوك .. وماذا يمكنك أن تفعل أيضاً ؟ أنا لم أعد طفلتك المطيعة منذ أعوام إن لم تكن تعلم .. بل بالنسبة لي أنت مجرد شخص غريب يحاول تدمير حياتي ولهذا السبب أكرهك من أعماق قلبي و أحب حقاً إغاظتك "
صحيح أن الغضب كان واضحا على وجه الحاكم إلا أنه أشاح بوجهه وعلى ما يبدوا كان ينوي ان يغادر المكان ولكن ذلك الصوت الهادئ أوقفه في مكانه :" إينوري .. أنتي تتحدثين لوالدك وما تفعلينه أمر سيء للغاية .. لابد أنه كان قلقاً للغاية عليكِ .. يجب أن تفهمي أيضاً أنه يحاول حمايتك بطريقته الخاصة لا تدمير حياتك .. أنتي الآن تحملين رولند بين يديكي أظن أنكِ ستفعلين أي شيء من أجل حمايته صحيح ؟"
تجهم وجهها وهي تنظر لزوجها بقليل من العِتاب بينما وجه الحاكم نظره ليوجين الذي كان يجلس بجانب إينوري ويتحدث معها بكل هدوء ليتحدث بِحدة :" لن تفهم ذلك أبداً .. يوجين يمكنك التحدث إلى الحائط فربما سيفهم كلامك "
تحدثت آنجلي بقليل من التوتر لكسر هذا الجو المشحون :" يوجين لقد كنت مع كريستيان صحيح ؟"
إبتسامة لطيفة ظهرت على شفتيه ليتحدث بهدوء :" أجل , لقد قال الطبيب أنه سيكون بخير .. وقد يصحوا في اي وقت "
نظرت ليوجين و آنجلي بفزع لتتحدث بقلق شديد :" إنتظرا مهلاً ماذا حدث لكريس ؟"
تنهد يوجين بتعب ليتحدث :" لقد أنقذ رولند , أعني لقد تلقى الرصاصة بدلا منه , لو لم يكن السيد كريستيان هناك لما كان رولند حياً الآن "
تجمعت الدموع بعينيها وهي تشعر بالذنب فقد كان عليها أن تحمي طفلها بنفسها دون التسبب بهذا الإزعاج للجميع .
تدخل جين في تلك اللحظة للنقاش ليتحدث بهدوء :" لا داعي للبكاء إينوري , كريستيان سيكون بخير فإصابته ليست خطرة .. وأيضاً لقد فعل هذا من أجلك وحتى يثبت لك أنه مستعد لدفع حياته مقابل سعادتك "
نظرت إلى جين بإبتسامة ممتنة وهي تمسح دموعها .. بينما تحدث ديريك بإستفزاز :" رائع جين منذ متى تجيد التحدث بلطف مع الآخرين و التخفيف عنهم ؟"
أشاح جين بوجهه عنه وهو يشعر بأنه سينقض عليه بأي لحظة إلا ان صوت كبير الأسرة الحاد أوقف ذلك الشجار الذي كان على وشك الاندلاع :" ديريك روبنز ... عليك أن تُبقي فمك مغلقاً إن لم يكن لديك كلام جيد لقوله , وأنت جين لا تجعل نظراتك بهذه الحِدة وأنت توجهها لشقيقك الأكبر "
أومأ كلاهما موافقاً و الانزعاج بادٍ على وجوههم .. بينما تحدث كبير الأسرة مرة أخرى :" الآن هيا بنا لنعد للمنزل , فالسيدة إينوري بحاجة للراحة ."
تحرك كُل من ديريك و أليكسس خلف والدهم بينما إقترب جين من يوجين وهمس بأذنه بضع كلمات قبل أن ينحني للحاكم وزوجته ويتبع والده .
في ذلك الوقت تحدث الحاكم بقليل من الهدوء :" أخبرني يوجين بماذا أخبرك جين ؟"
أجابه بالهدوء المُعتاد :" أخبرني أنه يمكنني أن أبقى هُنا برفقة إينوري ورولند لمدة اسبوع إن رغبت "
أومأ موافقاً ليتحدث بجدية :" إنه يعاملك بلطف صحيح ؟ أخبرني يوجين هل يملك جين أي فكرة عن الحقيقة ؟"
يوجين وصوته وهو يتحدث :" بلى سيدي إنه لطيف , لا بالطبع لن يجرأ أحد على عصيان أوامرك وإخباره ولكن السيد ديريك و أليكسس كادا أن يخبراه بالحقيقة "
أغمض عينيه بهدوء وهو يقول :" ربما سيكون من الافضل أن نخبره بتلك الحقيقة لكي يقرر ماذا يريد أن يفعل "
إمتلئ وجهه بالدهشة و الصدمة وهو يتحدث :" ولكن سيدي الآن ؟ أعني لازال الوقت مُبكراً ومن ثم ...."
إبتسم بثِقة وهو يتحدث :" ثق بي سيكون هذا أفضل له .. وربما لك أيضاً "
إحتدت نظرات يوجين وكذلك صوته وهو يقول :" أنا لا أريد أي شيء , لستُ بحاجة لأي شيء .. فقط لا أريد أن يعلم الحقيقة في وقت مبكر .. كما أن الإمتحانات النهائية لثانوية على وشك البدء الآن "
هز الحاكم كتفيه بلا مُبالاة ليتحدث :" هيا بنا لنعد للقصر , وأنتي إينوري إعتني بنفسك جيداً "
نظرت إينوري له بقليل من الحِدة .. بينما نهضت آنجلي وهي تقبلها وكذلك والدتها ليغادروا المكان .. أما إينوري فقد بدأت تتحدث بهدوء :" عن ماذا كنتما تتحدثان وأي سر تخفيانه عن جين ؟"
تنهد يوجين بهدوء :" آنا آسف إينوري لا يمكنني إخبارك بأي شيء ... و الآن أعطني رولند واخلدي أنتي للنوم هيا "
قطبت حاجبيها بإنزعاج :" ولكن يوجين , أنا اريد التحدث إليك و ...."
صمتت عندما أمسك برولند وحمله ثم نهض ووضعه على الأريكة بينما توجه إليها وهو يجعلها تستلقي مجدداً وقد رسم إبتسامة جميلة على وجهه ليتحدث :" آنا آسف عزيزتي , ولكن هذا لأجلك فقط .. وإن شعرت بأنكي لن تنامي بسببي فسأغادر و أقوم بأخذ رولند معي "
تحدثت بسرعة وهي تغمض عيناها :" لا أرجوك , سأنام ولكن أنت ستكون هنا عندما أستيقظ "
إبتسم بحنان وهو يمسك بيدها ليطمئنها قليلاً .