الفصل الثاني عشر ( فصل خاص ) :
صوت تلك الحجارة التي كانت تتحطم بقوة وصوت الأنفاس المُتقطعة وضحكات الحرس المُزعجة والعالية والخبيثة ربما هي ما كان بإمكانك إيجاده في إحدى تلك المناجم التي يُعاقب بها القليلون ممن حُكم عليهم بالعمل الشاق حتى نهاية حياتهم .. كان العاملون من مختلف الأعمار منهم الشباب ومنهم كبار السن و لكن أصغرهم عُمراً كان ذلك الفتى ذو السابعة من عُمره .. كان يحطم الحجارة وينقلها لمكان آخر دون الاحتكاك بأي أحد .. عيناه الزرقاوتين فقدتا بريقهما .. لقد كان أشبه بِجُثة مُتحركة لا حياة فيها أو ربما بطفل آلي يُنفذ كل ما يُطلب منه .. توقف عن الحركة عند سماعه لصوت أحد الحرس يتحدث إليه :" هي أنت يوجين روبنز سيتم إعادتك إلى زنزانتك في القصر حتى يتم إعدامك بعد يومين "
أومأ إيجاباً دون أن يفتح فمه بأي حرف أو كلمة ليتقدم باتجاه مُحدثه ويسمح له بتقييد يديه وقدميه بِحبال خشنة وقاسية سببت له العديد من الخدوش والجروح .. ولكنه بالرغم من ذلك لم يُبدي أي ردة فعل .. وكأن الأمر لا يهمه .
بعد فترة قصيرة من الزمن عاد إلى زنزانته المُظلمة ليستلقي على الأرض الباردة وهو يضع ذلك الغطاء الخفيف على جسده الهزيل .. لم يمضِ الكثير من الوقت حتى كاد يغط في النوم ولكن قفل الزنزانة الذي فُتح أجبره على الاعتدال بجلسته وهو يراقب الشخص الذي دخل إلا أن عيناه جحظت وهو يتأمل بذلك الوجه الذي كاد أن ينسى ملامحه تماماً .. احتدت نظراته وهو يراه يقترب منه إلا أن تلك النظرات استبدلت بالألم عندما قام بركله على معدته بقوة ومن ثم رفعه إلى الأعلى عندما أمسك بشعره الفضي وكأنه على وشك انتزاعه .
تحدث الصغير بألم :" دعني وشأني الآن , أنا أُريد أن أخبر الحاكم بما أخبرته لأبي سابقاً .. هو سيقابلني للمرة الأولى بعد هذه السنتين "
ابتسم ذلك الرجل بسخرية :" أخبره بما تريده يا أحمق .. أخبره بما توصل عقلك الصغير إليه وستُعدم في النهاية كقاتل وربما يتم ترحيلي وأسرتي من هذه المدينة بسبب المعلومة التي لديك ولكن يوجين أتعلم ماذا سيحل بشقيقك الأصغر حينها ؟ أنا سأخبره بالحقيقة أيضاً ما رأيك ؟"
نظر له وقد بدى أن الألم قد اشتد عليه ليتحدث بصوت منخفض :" الأموات لن يهتموا بأي حقيقة توجه لهم "
رماه أرضاً أخيراً ليتحدث بصوت ماكر وخبيث :" لا يا عزيزي , فجين لازال على قيد الحياة .. لقد أنقذه والدك ولكنه مات بعدها مُتأثراً بحروقه .. إنهُ بخير وهو الآن يعيش معي في منزلي ."
نظر له يوجين بعدم تصديق ليقف وهو يتحدث بصوت قد استعاد به شيئاً من قوته واستعادت روحه شيئاً من تماسكها :" أأنت جاد ؟ هل أخي بخير حقاً ؟ هل يُعاني من أي جرح ؟ أو حرق ؟"
ابتسم ليجيبه :" أجل جاد , ولا تقلق كثيراً إنهُ بخير تماماً , حتى الآن على الأقل .. ولكنني أعدك بأنني سأدمر له نفسيته وسأسبب له أسوء الآلام الجسدية إن تفوهت بحرف واحد "
أخفض رأسه بحزن ليتحدث :" ألا يمكنني رؤيته ؟ أرجوك .. دعني أرى أخي أتوسل إليك "
ابتسم بسخرية شديدة وهو يتحدث بنبرة مُطابقة :" ألا تظن معي أنه لن يرغب برؤية قاتل والديه ؟ يوجين إنها صفقة إن تحملت الألم بأكمله أنت فثق بي لن يمس شقيقك أي سوء "
تحدث بألم شديد :" لا بأس .. سأتحمل الألم بأكمله لوحدي سواء كان ألم جسدي أو نفسي لن أدافع عن نفسي أبداً .. سأسمح للجميع بفعل أي شيء بي ولكن فقط إن كان أخي بخير ويشعر بالسعادة "
ربت على رأسه ليتحدث بصوت خافت :" طفل مُطيع .. أتمنى أن لا تتألم كثيراً عند إعدامك "
ليغادر تلك الزنزانة بعدها .. بينما أخفض صديقنا رأسه وقد بدء بالبكاء .. هل حقاً سيثق بعمه ويوكل مهمة رعاية جين له ؟ ألن يقوم بإيذائه ؟ بل والأسوأ هل سيخبره بذلك الأمر عندما يصبح جين شاباً ؟..هو عليه حماية شقيقه ولكن كيف سيفعل ذلك وموعد إعدامه بعد يومين فقط ؟
بعد مضي يوم واحد وقبل موعد الإعدام بيوم واحد .. استيقظ صديقنا على حركة شخص ما بالزنزانة لينهض بسرعة وكأنهُ معتاد على ذلك ويقف بهدوء بما أنه أحد الحرس .. ابتسم ذلك الرجل قبل أن يتحدث :" الملك يريد رؤيتك اليوم لأنه لن يكون هنا في الغد .. سيصطحبك هذان الاثنان لمقابلته بعد أن يعدانك لذلك "
أومأ إيجاباً وقد بدى التوتر على وجهه ليسير بهدوء برفقتهما ... بعد ساعة تقريباً وصل يوجين إلى قصر الحاكم ولكنهما لم يأخذاه لمقابلته فوراً بل جعلوه يستحم وبدلو ثيابه له ليأخذوه أخيراً لمقابلة الحاكم .
وقف صديقنا أمام العرش و الخوف بادٍ عليه .. انحنى للحاكم باحترام ومن ثم حافظ على صمته تماماً بانتظار بدء حديث الحاكم .
نظر له مطولاً قبل أن يتحدث :" إذن يوجين .. هل لديك أي أُمنية ترغب في تحقيقها ؟"
كاد أن يومأ سلباً ولكنه وللحظات شاهد صورة شقيقه في عقله .. ابتلع رمقه برعب فهو لا يتوقع أن يقبل الحاكم بهذا الأمر بسهولة .. ولكنه سيحاول ولا بأس إن تعرض للإهانة أو ضرب في مقابل تحقيق مراده .. أخفض رأسه بخوف قبل أن يتحدث بصوته الطفولي الخائف :" هل من الممكن أن ... أن يتم تأجيل موعد إعدامي إلى أن .... يكبر أخي وأراه قادراً على الاعتماد على نفسه "
نهض من عرشه بغضب وقد أمسك بيوجين بقوة من ياقة قميصه ليتحدث بحده :" لقد تمكن من النجاة بأعجوبة فهل تريد أن تحاول قتله مرة أخرى ؟"
أومأ سلباً وقد بدأت دموعه بالتجمع في عينيه ليتحدث بصوت مُتألم وحزين :" لا , أنا فقط أُريد أن أراه .. أُقسم لك لن أقوم بإيذائه أنا فقط ( بدء بالبكاء ) : أريد رؤيته والاطمئنان عليه .. إن لم تثق بي فقط فلا بأس لا داعي لأن أراه يمكنك إبقائي في تلك الزنزانة أو في ذلك المنجم واجعل أحدهم يُرسل لي صوره ومعلومات عنه في كل فترة .. فقط سيكفي أن أعلم أنه بخير "
ألقاه الحاكم أرضاً وهو ينظر له وكأنه يحاول معرفة إن كانت هذه الدموع مجرد دموع كاذبة ولكن صوتهُ المُتألم كان كفيلاً بجعل الأخير يفكر جدياً بأن هذا الطفل أمامه صادق و يحاول فقط إصلاح خطأه .. أما يوجين فقد كان يحاول منع دموعه من الانهمار فآخر ما يريده هو أن يفقد قدرته على الكلام الآن بسبب البكاء !
تحدث الحاكم بصوته الحاد :" لن أسمح لك بالاقتراب منه .. ولكن سوف تبقى في ذلك المنجم للعمل وسأرسل لك كل أسبوع تقرير وبعض الصور له .. وعلى الأغلب لن أسمح له بأن يعرف بوجودك لذا لا تتأمل كثيراً "
بالرغم من صوته الحاد وعيناه القاسيتين بل وبالرغم من معرفته أنه سيعمل بلا راحة ولن يحظى بالرحمة من أحد هُناك وكأنه لم يكن الشخص ذاته الذي رغب قبل يومين فقط بالموت .. إلا أنه ابتسم بسعادة شديدة تماماً كأنه حظي بعفوٍ تام .
مرت الايام والشهور إلى أن مر على ذلك عام كامل وقد أكمل يوجين الثامنة من عمره وجين الخامسة .. لم يتغير حال يوجين فهو بقي يعمل في ذلك المنجم لكنه يُصبح أكثر نشاطاً في اليوم الذي يتلقى فيه رسالة من الحاكم تخبره بأحوال شقيقه وأنه بخير .. ويعكر مزاجه ويقل نشاطه إن علم أن شقيقه مريض أو مُصاب بالحُمى .. تمكن المسئولين من معرفة محتوى تلك الرسائل مما جعلهم يستغلونه للقيام بأعمال إضافية مُقابل أن لا يحرقون تلك الصور أو مقابل تسليمه الرسائل الجديدة .
في نهاية إحدى تلك الأسابيع كان يوجين قد أنهى عمله في تحطيم الحجارة وقام بنقلها كعمل إضافي حتى يحصل على تلك الرسالة التي كان بانتظارها لاسيما أن آخر رسالة قد كُتب بها أن جين كان يعاني من الحُمى الشديدة وتم نقله للمستشفى والسبب هو لعبه تحت المطر لمدة طويلة من الزمن !
مسح قطرات العرق عن جبينه وقد ابتسم وهو ينظر خلفه ليرى أحد الحرس يحمل له الظرف الذي يحتوي على الرسالة التي بقي ينتظرها بفارغ الصبر .. مد يده الصغيرة لأخذها منه إلا أنه سحبها بسرعة وهو يرى الدماء تخرج من كلتا يديه .. لقد نسي نفسه تماماً مما أدى إلى إصابة يديه بالكثير من الجروح المؤلمة .. عض على شفته السُفلية فهو لا يريد أن يلوث أي صورة لشقيقه الأصغر بدمائه حتى وإن كان يعلم أن دمائه نقية ولم يتم تلويثها كما يدعي الآخرين أو كما يدعي هو ... رمقه الحارس بنظرة ساخرة بعد أن فهم سبب تأخر يوجين عن استلام ذلك الظرف الذي كان ينتظره بشوق ليتحدث :" إن أردت أن أوصله لزنزانتك هُنا حتى لا تلوثه بدمائك يمكنك أن تتوقع أنك ستستيقظ مُنذ الخامسة صباحاً لتبدأ بالعمل لا عند الثامنة كالعادة "
ابتسم يوجين بسعادة ليومأ بالموافقة ويسرع إلى أحد صنابير المياه الموضوعة في غرفة الطعام الخاصة بالعاملين هُنا ليغسل يديه من الدماء ويجلس على المائدة ولكنه وقبل أن يبدأ بتناول طعامه أتى أحد الأشخاص الذي كان يحب إثارة المشاكل دائما وأخذ منه الصينية التي تحتوي على الطعام وألقى له بقطعة من الخبز اليابس .. نظر يوجين له ببرود دون اعتراض أو أدنى محاولة لاسترجاع طعامه فأي معركة عادلة ستقع بين طفل في الثامنة ورجل عُرف بحبه الشديد لقتل الآخرين والاستمتاع بتعذيبهم .. أبعد ناظريه عن ذلك الرجل الذي امتلك جسداً فولاذياً مليء بالعضلات والعديد من الجروح التي تملئ وجهه وبقية جسده لينظر إلى المائدة وهو يلتقط قطعة الخبز ويبدأ بتناولها بهدوء دون أن يحتج فبالنهاية هو يريد فقط العودة لزنزانته سالماً ليقرأ التقرير ويرى صور شقيقه .. وكان هذا ما فعله تحديداً فقد أنهى تناول قطعة الخبز تلك وتوجه نحو زنزانته برفقة أحد الحرس ليلتقط ذلك الظرف الموضوع فوق غطاءه .. تنفس بعمق وهو يخرجه ليقرأ به أن شقيقه قد تحسن وعاد للمنزل بعد يومين من ذهابه للمستشفى .. أمسك بإحدى الصور التي كان جين بها يبتسم ابتسامة واسعة وهو يرتدي بنطال أزرق وقميص باللون الأسود ليبتسم هو الآخر ويقبلها وقبل أن يدرك كانت دموعه تسير على وجنتيه .. هو مستعد لدفع حياته كلها مُقابل أن يحافظ على تلك الابتسامة .
وفي ذلك القصر الذي أُعيد ترميمه قبل عدد من السنوات بعد أن شهد على أبشع جريمة تم ارتكابها في تاريخ البشرية كان ذلك الطفل يقف أمام رجل يبدوا أنه في عقده الثلاث يقوم بتبديل ثيابه له وهو يتحدث بهدوء :" على سيدي الصغير أن يكون مطيعاً ويخلد للنوم باكراً حتى لا يُصاب بأي مرض مرة أخرى "
قطب ذلك الصغير حاجبيه بانزعاج شديد ليتحدث :" ولكن مايك أنا أريد أن ألعب , لماذا لا تشاركني اللعب ؟"
تنهد ذلك المدعو مايك بتعب ليجيبه :" أنا وسيدي مُختلفان فأنا رجل كبير وأنت طفل فقط .. لا أُحب اللعب أنا آسف "
أخفض الصغير رأسه بحزن ليتحدث :" لا بأس فحتى ديريك وأليكسس لم يقبلا باللعب لقد قالا أنه عليهما الذهاب إلى المدرسة في الغد "
لم يجبه ذلك الرجل الذي كان قد أنهى عمله بل ساعده على الاستلقاء بصمت وغادر الغرفة .. مما دفع دمعة حزينة تخرج من عيني الصغير الذي كان يرغب باللعب وإخراج طاقته .. كان قد أغمض عينيه عندما شعر بأحدهم يمسح دموعه له .. فتح عينيه ليرى تلك المرأة ذات الشعر الأشقر والعينان الخضراواتين تمسح دموعه ثم أخذت تربت على شعره الفضي القصير لتتحدث بهدوء :" ما هو السبب الذي يجعل طفلي المدلل حزين ؟"
أبعد الغطاء عن نفسه ليلقي بجسده في صدرها الدافئ وهو يقول :" أُمي أنا أريد أن ألعب ولكن لا أحد يرغب باللعب معي .. لماذا يكرهونني ؟"
ابتسمت بهدوء لتجيبه بحنان ورقة :" أنا هُنا , يمكننا اللعب معاً ولكن فقط لمدة قصيرة جين حتى لا تتأخر عن موعد نومك "
ابتسم بسعادة وهو يومأ إيجاباً ويضمها بأقصى ما لديه من قوة .
في فجر ذلك اليوم استيقظ صديقنا بسبب ذلك الحارس الذي كان يهزه بشيء من القوة .. فرك عينيه ليبعد النعاس عنهما وينهض من مكانه ويغتسل ثم توجه لمكان عمله وبدء بالعمل قبل استيقاظ الجميع .. حتى ذلك الحارس الذي أيقظه عاد للنوم .. لم يشعره هذا الأمر بالخوف في بادئ الأمر ولكنه بدء يشعر بوجود حركة ما قريبة منه .. خوفه دفعه للتقدم والذهاب لرؤية مصدر الصوت بما أنه من الأشخاص الذين يؤمنون بأن استكشاف الخطر أفضل من انتظار قدومه إليهم .. وصل أخيراً لمصدر الصوت ليقف بقليل من الدهشة وهو لا يدري هل يجب عليه أن يخاف بسبب استيقاظ كلاهما في الوقت ذاته دون أن يكون هنالك حرس أو ما شابه ذلك .. تراجع عدة خطوات للخلف ليعود لموقع عمله دون أن يلفت انتباه الشخص الآخر ولكنه تعثر بإحدى الحجارة ليسقط أرضاً ويُثير القليل من الجلبة .. التفت ذلك الرجل إليه ليبتسم بخبث ومكر وهو يقترب منه ويمسك به من معصمه بقوة ليتحدث بصوته الغليظ :" الطفل يوجين .. أهلا بك .. لطالما تمنيت فرصة لتعذيبك أو قتلك فأنت تبدوا لي كضحية ممتعة .. أرجوك يوجين هل يمكنك أن تمتعني بسماع صوت صراخك وألمك ؟"
أومأ يوجين سلباً وهو يحاول الإفلات من قبضته ولكن أنى له ذلك ؟
بدئت الدموع تتجمع في مُقلتيه باللحظة التي كاد أن يُطلق صرخة مُتألمة عندما ألقاه ذلك السفاح أرضاً بقوة شديدة .. عبس ذلك الرجل فهو لا يريد منه أن يكتم صرخاته ودموعه مما دفعه لركله بقوة شديدة على صدره جعلته يتراجع للخلف ويصطدم بالحائط الحجري غير المتساوي ليصاب بجروح وخدوش بسببه وذلك ما دفعه للصراخ بقوة وهو يضم جسده لنفسه .. صوت تلك الصرخة جعل ذلك الرجل يبتسم أكثر وهو يقترب منه وقد قرر أن لا يقتله بسرعة فهو قد استمتع بتعذيبه .
بعد عدة ساعات كان الحرس يتجمعون وينظرون لذلك المنظر الذي اصابهم جميعاً بالقلق .. فقد كان يوجين مضجع بدمائه ووجه شاحب للغاية وكأنه سيفارق الحياة بعد عدة ثواني .. بدئت الهمسات القلقة تنطلق من أفواه الحرس :
- " إن علم سيدي الحاكم بهذا سيقضي علينا "
- " ولكن من فعل به هذا ؟ "
- " تباً إن علم الحاكم أننا قُمنا بالسماح لبعض المجرمين بمغادرة زنزاناتهم دون حراسة فسيعدمنا جميعاً , لماذا لا نقضي على الطفل فحسب ؟"
- " هل أنت أحمق ؟ سيقتلنا الحاكم مباشرة الأفضل أن نقوم بعلاجه وإخبار الحاكم بما حدث "
يبدوا أن الجميع وافق على رأي الأخير فهم قد تحركوا وبدئوا العمل لإنقاذ حياته .
بعد ما يقارب الستة شهور استيقظ صديقنا من غيبوبته .. ولكنه لم يخرج منها بلا أي ضرر فقد أُصيب بمرض في قلبه نتيجة لسوء التغذية وسوء المُعاملة والتعذيب الذي تعرض له .. أمر الحاكم بإحضاره لقصره تحديداً إلى إحدى زنزانات القليلة الموجودة في القصر نفسه ليبدأ يوجين بتعلم ترتيب وتنظيف وتحضير الطعام من أشخاص مُختلفين .
تحدث ذلك الرجل ذو الشعر الكحلي الغامق بضجر :" يوجين روبنز كم مرة علي أن أخبرك أن هذه الطريقة خاطئة لترتيب الفراش ؟ استمع لي إن لم تتقن الأمر سأطلب من سيدي الحاكم أن لا يعطيك تقرير هذا الأسبوع "
نظر له يوجين بشيء من الدهشة ليتحدث باندفاع :" لا أرجوك , أعدك سأتقن الأمر اليوم .. لن أغادر هذه الغرفة قبل أن أتمكن من ترتيبها حتى لو لم أنم الليل بأكمله "
كان الحاكم قد مر من تلك الغرفة ليستمع لتلك المُحادثة القصيرة قبل أن يتوجه إلى اجتماع ما .. وبعد ساعة أو اثنتان أي بعد نهاية الاجتماع سار الحاكم باتجاه تلك الغرفة ليشاهد يوجين الذي كان يرتب الفراش وما إن انهى ذلك بنجاح نظر لرجل الآخر معه في الغرفة ليهتف بسعادة :" لقد أنجزتها .. هل رأيت ذلك ؟ الآن يمكنني
الحصول على التقرير في موعده صحيح ؟"
أومأ ذلك الرجل بالمُوافقة وابتسامة لطيفة تُزين مُحياه.
مرت ستة أشهر أخرى ليكمل يوجين عامه التاسع بينما كان جين سيكمل السادسة في اليوم التالي وقد كان الحاكم قد ذهب لزيارتهم في تلك الليلة حيث كان الجميع يجلس معاً والابتسامة تزين وجوههم .. كان الحاكم يجلس بجانب جين ليسأله بنبرة هادئة :" غداً ستكمل السادسة من عمرك كما أنك ستدخل المدرسة أيضاً .. أخبرني ماذا تتمنى جين ؟"
نظر جين له ببراءة قبل أن يتحدث بصوت حزين بعض الشيء :" أتمنى أن أحصل على صديق يقضي معي أغلب وقته .. الواقع أريده لي فقط دون أن يكون له أصدقاء آخرون حتى لا ينساني .. أريده أن يكون كل شيء بالنسبة لي .. خادمي وصديقي وكل شيء ."
نظر الحاكم له بهدوء ليتحدث :" ولكنك تمتلك خادماً بالفعل جين "
أومأ الصغير برأسه سلباً ليتحدث :" لا, أريده طفلاً أيضاً ولم يكمل العاشرة بعد "
تنهد الحاكم بتعب فأي خادم هذا الذي لن يكون قد أكمل العشرة سنوات بعد ؟
بعد مُدة من الزمن توجه الحاكم لقصره وما إن دخل إلى الصالة الرئيسية شاهد يوجين يقوم بتنظيف إحدى اللوحات الفنية الثمينة بحذر شديد مما دفعه للابتسام وكأنه وجد غايته .. تقدم منه ثم وجه سؤالاً لذلك الرجل الذي كان يراقبه :" أخبرني هل تعلم كل الأمور المُتعلقة بالخدم ؟"
انحنى الرجل باحترام وهو يجيب :" أجل سيدي لقد فعل "
كان يوجين قد ترك تلك اللوحة وانحنى هو الآخر بشيء من الخوف والقلق .. بينما تحدث الحاكم :" مؤسف أنني لن أراه يعمل ؟"
نظر يوجين له ليتحدث بصوت قلق :" هل ستُعيدني إلى ذلك المنجم ؟"
ابتسم الحاكم بغموض ليقول :" الواقع لقد طلب مني جين هدية غريبة .. لقد طلب أن يكون لديه خادم عمره أقل من عشرة سنوات ويكون صديقه الوحيد وأن لا يصادق أحد آخر .. هل تعرف شخصاً بذات الصفات يوجين ؟"
توسعت عينا يوجين بصدمة وهو يتحدث بلا تصديق :" ت .. تنعي أنني سأراه ؟ ... أنا سأعتني به ؟! أنا ؟! "
أكمل الحاكم سيره ليتحدث بهدوء :" أجل أنت فاستعد لأنني سوف آخذك غداً إلى ذلك المنزل "
اتسعت ابتسامة يوجين وقد كاد أن يطير من الفرح .. فهو حقاً يتمنى رؤية شقيقه الأصغر بأي ثمن كان .
يتبع