الفصل الثالث :

في تلك الليلة المظلمة ذاتها وقف يوجين أمام منزل صغير الحجم يتكون من طابق واحد .. بينما كانت حبات المطر تداعب وجهه وجسده .. نظر إلى نفسه مرة أخيرة وهو يرى ثيابه الممزقة كيف له أن ينسى أن يستبدلها لابد أنها ستقلق وبشدة إن رأته بهذه الحالة .. ربما من الأفضل له التراجع عن زيارتها .. ولكن ماذا عن لهفته لرؤية صغيره .. إنه يومه الأول وقد أتته الفرصة على طبق من ذهب للبقاء معه في أول يوم له .. أومأ برأسه سلباً ليقرر أن زيارتها لهما ستؤجل لأجل غير معلوم ليستدير مغادرا من المكان .. سار بخطوات بطيئة مثقلة ومحملة بالكثير من الحزن والألم .. أوقفه عن السير صوت الشهقة التي صدرت فجأة من العدم .. نظر للخلف سريعاً ليراها أمامه تقف تحت حبيبات المطر وهي تضع اليدها على فمها بينما إمتلئت عيناها الخضراوتان بالدموع .. نظر لها بصدمة والألم في آن واحد فهو حقاً لم يرغب في أن تراه بمثل هذا المنظر أبداً ! .. اخفض رأسه وقد تجمدت الأفكار في عقله بينما تقدمت هي منه لتمسك به من ذراعه .. تحدثت بصوت باكي :" لماذا أنت مصاب بهذه الطريقة يوجين ؟"

إبتسم بتوتر وهو يربت على شعرها البُني ليتحدث بصوت هادئ لعله يبعث القليل من الطمأنينة إليها :" لا داعي للبكاء إينوري .. أنا بخير حقاً , أعني لقد ذهبت إلى المشفى وتمت معالجة جروحي بالكامل .. لذلك لا تقلقي رجاءاً "

أبعدت يده عنها بقوة لتبتعد بدورها عنه .. تسمر هو في مكانه يراقب حركاتها وهي تمسح دموعها ثم تاخذ نفساً عميقاً وكأنها تهدأ نفسها .. إبتسم وهو يستعد لتوبيخ الذي سينهال عليه بعض لحظات قصيرة .

نظرت له بغضب لتتحدث بلهجة حادة ومندفعة :" وأنت أين تظن أنك كنت ذاهباً ؟ أراهن ان عقلك الغبي هذا أوحى لك بفكرة الهروب من هنا بسبب هذه الجراح وبذلك تغادر دون أن تلقي التحية أو حتى دون أن ترى إبنك الصغير يوجين ."

أخفض رأسه وهو يحاول إخفاء الإبتسامة التي علت شفتيه فهو قد توقع تماماً مالذي ستقوله له .. إقتربت هي منه بغيظ ورفعت رأسه للأعلى بعد أن وقفت على أطراف قدميها لتصل له وتضع عينيها مباشرة اما عينيه .. أردفت بعد ذلك بغضب :" يمكنك الإبتسام إن رغبت لستُ وحشاً كاسراً كما تعلم يوجين !"

أطلق ضحكة جميلة أجبرتها على الإبتسام وضرب خطت إنتقامها لما فعله للتو بعرض الحائط !

أمسك يوجين بإحدى خُصل شعرها ليتحدث بهدوء :" لا يجب عليكِ الوقوف تحت المطر كثيراً إينوري .. قد تصابين بالحمى دعينا ندخل إلى الداخل الآن "

أومأت برأسها موافقة وهي تمسك بذراعه بقوة وكأنه على وشك الهروب منها .. إبتسم وهو يضع يده الثانية فوق يدها فربما يشعرها ذلك بالقليل من الطمأنينة .. قام يوجين بجعل زوجته تجلس على إحدى الأرائك البُنية اللون وأحضر لها منشفة وقام بتجفيف شعرها لها .. إبتسمت له بسعادة لتتحدث :" يوجين , أتعلم كم أن وجودك هنا يشعرني بالسعادة .. أنا مستعدة لتضحية بحياتي كلها مقابل هذه الأوقات القصير التي تكون بها هنا "

أبعد المنشفة عنها وأشاح بنظره نحو الحائط الذي إتخذ اللون البُني الفاتح وبعض النقوش باللون السكري ليتحدث بحزن عميق :" ولكن إينوري ألم تفعلي ذلك حقاً ؟ أعني ألم تضربي بسعادتك وأسرتك عرض الحائط فقط لتكوني هنا .. أنتي إينوري كان يفترض أن تعيشي في أحد القصور ... مع زوج قادر على الإعتناء بك والبقاء إلى جانبك دائماً .."

وضعت يدها على فمه وقد سمحت لدموعها بالإنفجار كما قامت بصفع يوجين بقوة على خده .. نهضت من جانبه لتتحدث بغضب عارم :" يوجين .. كيف تفكر أنت أجبني ؟؟ لا تقل لي أنك بدأت تندم الآن على قرارنا يوجين .. أنا أحببتك أنت .. ولا يهمني أي شيء في هذه الحياة .. أنت أغلى ما أملكه لذلك من فضلك هلا توقفت عن تصغير نفسك بهذه الطريقة ! "

لم تسمح له بالتحدث حتى لإنها إتجهت إلى غرفة نومها وأغلقت الباب خلفها بقوة .. وضع يده على خده ليبتسم بسخرية على حاله وهو يتحدث :" أحسنت يوجين .. لقد جعلتها تغضب فقط خلال عشرة دقائق "

تنهد بتعب ليتناول دوائه ويستلقي على تلك الأريكة بتعب ولم يشعر بنفسه عندما غط في نوم عميق ... بعد نصف ساعة فتحت إينوري الباب لتجده نائماً بثيابه المبللة والملطخة بدمائه تنهدت بيأس وهي تعود إلى غرفتها لتخرج له ثياباً مريحة للنوم بدئت بتبديل قميصه له بحذر شديد حتى لا تألمه بسبب تلك الجروح المنتشرة في جسده .. ليس فقط الجروح التي تم تضميدها له .. بل حتى الكدمات والعديد من الإصابات التي تدل على مدى سوء المعاملة والعذاب الذي يلقاه زوجها في ذلك المكان .. شعرت بألم شديد لتبدأ عيناها بهمر الدموع كالعادة .. ماذا تستطيع أن تفعل غير ذلك ؟ وهي أيضاً تشاجرت معه منذ قليل دون أن تأبه إلى أنه يعود لمنزله من أجل الحصول على راحته الجسدية والنفسية أيضاً .. وضعت يديها في محاولة يائسة منها أن تخفي وجهها خلفهما وتبدأ بالبكاء بحرقة .. تصلبت عندما شعرت بيديه الساخنتان تطوقنها وصوته المتعب الذي دل على حزنه العميق :" لهذا السبب أردت الهروب قبل أن تريني إينوري .. لم أرد أن أسبب لك الحزن أبداً .. لم أرغب في أن تري حالتي هذه "

أومأت برأسها سلباً وهي تضع يدها على شعره لتتحدث بصوت حاولت فيه إخفاء نبرة بكائها :" لا يوجين .. أرجوك لا تفكر بهذه الطريقة أعني كل شيء سيكون بخير .. هيا إنهض الآن وخذ حماماً دافئاً وأنا سأقوم بتجهيز الكمادات لك فحرارتك مرتفعة .. كما أنني سأقوم بتجهيز الضماد حتى نعقم الجروح ومن ثم إن لم تستسلم لنوم فأنا سأسمح لك بحمل رولند ورؤيته "

إبتسم بهدوء وقد إعتدل في جلسته ليتحدث بشيء من السخرية :" وهل رؤية ابني أصبحت مكافأة الآن ؟"

تحدثت بثقة وهي تضرب جبهتها بجبهته بخفة :" أجل , وإن لم تكن مطيعاً فأنا لن أسمح لك برؤيته أبداً "

إبتعد عنها بهدوء ليقف برسمية ثم يضرب لها التحية العسكرية بمرح ليتوجه بعدها إلى دورة المياه ( أكرمكم الله ) ويستحم كما طلبت إينوري منه .

في قصر أسرة روبنز :

كان الجميع يجلس حول مائدة الطعام وقد بدت الصدمة على محياهم .. تحدث كبير الأسرة والذي كان يجلس على رأس الطاولة :" وهل علمتم من هو الفاعل جين ؟"

أومأ الشاب برأسه سلباً قبل أن يتحدث بهدوء :" الواقع لقد إتهموا كريستيان بذلك أبي .. ولكن الأميرة أنجلي ترفض هذه الإدعائات "

تحدث ديريك الذي كان يجلس مقابلاً لجين بسخرية :" الفتيات لا يفكرن إلا بعواطفهن .. أعني إنهن فقط يستمعن لقلبهن دون الإنتباه إلى الوقائع ومجرياته .. أي أبله سينكر أن كريستيان هو الفاعل .. إن ماتت آنجلي فسيحصل هو على العرش .. الأمر واضح كوضوح الشمس "

تنهد جين بإنزعاج بعد أن تذكر أمرا ما وقد بدى الإنزعاج واضحا على تقاسيم وجهه ليتحدث اليكسس الذي كان يجلس بالجانب الأيمن لديريك :" بماذا تفكر جين ؟"

تنفس المعني بعمق قبل أن يتحدث :" ولكن حتى لو إفترضنا أنه قتل أنجلي قبل أن ترتبط بي .. لن يكون هو الحاكم أبداً فسيدي الحاكم وأمام جميع النبلاء قال أنه سيعطي إبن إينوري الحُكم إن لم يكن لآنجلي أي أبناء أو زوج "

ظهرت إبتسامة شيطانية على وجه ماكس ليتحدث بمكر مطلق :" إذن ماذا لو كان يوجين هو من حاول إغتيال الأميرة ؟"

رفع جين رأسه لينظر لوالده بصدمة شديدة وما إن رأى تلك الإبتسامة على وجهه حتى شد على قبضة يده بغضب ليتحدث بحدة :" أبي .. يوجين قام بإنقاذ حياتنا .. لماذا عليه أن يدافع عنها وهو يرغب بقتلها ؟"

ديريك بتفكير :" لإنك معها ربما .. أو مهلاً لابد أن هذه هي خطته يشعرها بالأمان ومن ثم يقضي عليها "

أليكسس وهو ينهض :" سنخبر الحاكم بما توصلنا إليه ويمكنه أن يقرر ماذا سيفعل أو سيقوم بالتحقيق مع يوجين "

ضرب على الطاولة بكل ما أوتي له من قوة ليتحدث بحدة أشد :" أأنتم بلهاء ؟؟ تعلمون أن الحاكم لن يقوم حتى بسؤاله عن الحقيقة بل سيقوم بإعدامه حالا ً إنه يكرهه بكل حال "

ديريك بسخرية شديدة :" سيكون الأمر رائعاً صحيح .. أعني سنتخلص منه فوراً ما رأيك ؟"

إحتدت نظرات جين بإتجاههم بينما نهض وهو بقوة جعلت الكرسي الذي كان يجلس عليه يسقط أرضاً ليتحدث من بين أسنانه :" أنتم لن تقوموا بفتح أفواهكم بأي حرف إن رغبتم أن أتحدث معكم بكل صدق مرة أخرى .. ما كنت أعنيه من كلامي السابق أن الشخص الذي حاول قتل آنجلي سيحاول ربما قتل إبنه فقط "

تحدث ماكس أخيراً بحدة وغضب وهو يشد على قبضة يده وكأنه على وشك أن يلكم الشخص الواقف أمامه بأقصى قوة له :" جين روبنز كم مرة علي أن أنبهك إلى تصرفاتك التي تبتعد كل البعد عن الإحترام وفهم مكانتك هنا "

أشاح جين بوجهه عنه ليتحدث بنوع من الهدوء :" ولكن أبي .. إنهما .. أنتم تخططون للكذب على الحاكم وخداعه .. بالرغم من أنك تعلم أو لنقل أنك لست واثقاً من هذه المعلومات التي بين يديك "

ساد صمت مهيب على الأجواء بعد صوت تلك الصفعة التي دوت في أرجاء الغرفة ... وضع جين يده على خده بهدوء وصدمة بينما توقف ديريك وأليكسس عن الحركة وهما ينظران بتوتر شديد لما يحدث أمامهما .

إنحنى جين بهدوء ليغادر تلك الغرفة بعدها .. ليغادرها ماكس أيضاً .

في الجناح الخاص بجين .. قام بإلقاء كل ما وجده أمامه أرضاً وهو يشعر بغضب شديد .. أغلق الباب بالقفل ولم يسمح لأحد بالدخول إلى الغرفة أياً كان .. إستمرت حالة الهيجان لديه عدة دقائق قبل أن يهدأ تماما فجأة ويمسك هاتفه النقال ويرسل رسالة ما لشخص ما .

ليمدد جسده بعدها ويغط في نوم عميق .

عودة إلى منزل يوجين :

كان مستلقاً على سريره الدافئ وقد بدى الإعياء واضحاً في وجهه بعد هذا اليوم

تحدث بتعب وهو يتثائب : " أيمكنني رؤية صغيري الآن إينوري ؟"

إبتسمت بشقاوة للتحدث بشيء من المكر وقد رسمت على وجهها ملامح التفكير :" ممم لا , ليس قبل أن تتناول هذا الحساء "

نظر لها بإنزعاج قبل أن يتحدث بتذمر طفولي :" ولكن إينوري هذا ظلم .. أرجوكِ دعيني أره الآن وسأتناول الطعام لاحقاً .. لا تكوني بهذه القسوة "

إبتسمت بسخرية لتغادر الغرفة وتعود بعد القليل من الوقت وبيدها صغيرهما النائم ... إبتسم بسعادة شديدة وهي تضعه بين يديه مسح على شعره بحنان وقام بتقبيل جبهته .. جلست بجوارهما وهي تبتسم بحنان شديد لهما تحدثت بهدوء :" أتمنى أن يكون رجلا رائعاً مثلك في المستقبل يوجين "

إبتسم هو الآخر وهو يضم صغيره إليه برفق ليتحدث :" ربما ولكن لنأمل أن يكون حظه أفضل مني "

إبتسمت وهي تأخذ الصغير من بين يديه :" لا تقلق كل شيء سيكون بخير "

أومأ برأسه ليتحدث بعدها بقليل من الإنزعاج وهو يستلقي على الفراش :" أخبريني لماذا لا نبقيه هنا ؟؟ أعني سيكون من المخيف بالنسبة لطفل أن يبقى بغرفة لوحده الآن"

نظرت له بحنان وقد رسمت إبتسامة جميلة على شفتيها :" تعلم يوجين أن الأطفال في أيامهم الأولى لا يشعرون بالخوف من أي شيء سوى الصراخ و السقوط .. بكل حال كما ترغب سأبقيه هنا معنا ما رأيك ؟"

أغمض عينيه بإرتياح وهو يتحدث : " أجل من فضلك .. سأشعر براحة أكبر حينها "

تمتمت بغضب بعد أن تذكرت أمرا مهما وهي تضع رولند بجانب والده :" أيها المخادع أنت لم تتناول طعامك يوجين "

نظرت له لتجده قد غط في نوم عميق وهادئ لذلك إبتسمت وهي تضع الغطاء عليه وقبلت جبهته بهدوء لتنام بجوار أغلى اثنان تملكهما هي بهذه الدنيا "

في صباح اليوم التالي بقصر أسرة روبنز :

وقف كبير الأسرة وقد تجمع حوله العديد من الخدم إضافة إلى ديريك وأليكسس الذان كانا يقفات خلف والدهما بتوتر وخوف أما الباب الخاص بجناح أصغر أفراد الأسرة جين .

تحدث بغضب شديد وهو يشعر بحرارة كبيرة جراء تجرأ جين وعصيان أوامره بل وتجاهله حتى لفتح الباب له :" جيييييين .. أقسم لك لن تكون نتيجة أفعالك جيدة أبداً أتفهم ؟ إنها فرصتك الأخيرة للخروج من هذا المكان والآن "

تحدث أحد الخدم وهو يحرك يديه بتوتر لدلالة على قلقه الشديد من نتيجة تحدثه الآن :" سيدي ماذا لو .. حدث له مكروه ما ؟ ربما يكون فاقداً للوعي أو ..."

نظر له بإحتقار قبل أن يتحدث بصوت حاد :" سيكون هذا أفضل له .. ثق بي سيتمنى لو أنه قتل قبل أن يتجرأ على فعل هذا الأمر "

تحدث ديريك الذي كان يقف بهدوء وإستمتاع وكأنه على وشك مشاهدة فيلم ما :" جين سأقوم بكسر هذا الباب الآن فاستعد جيداً "

إبتعد ماكس قليلاً ليسمح لديريك بالتقدم .. الذي أخرج سكيناً صغيرا يحتفظ به دائماً في جيبه ويبدأ في محاولته لفتح الباب .. إبتسم كبير الأسرة وهو يرى أن الحيلة قد بدأت تنفع ليتحدث بأمر وهو يسير مغادراً :" أحضروه لي .. أو أتعلمون قوموا بربطه في القبو المظلم في الأسفل و أيضاً ديريك , أليكسس إنه لكما هذا اليوم إفعلا ما يحلو لكما به "

إبتسم الإثنان بشيء من السعادة والحماس فلطالما إنتظرا فرصة كهذه حتى يتمكنا من تأديب شقيقهما الصغير كما رغبا .. وأخيرا هاهو باب الجناح قد فتح أخيراً .. دخل كلاهما بسرعة مع بعض الخدم ليشاهدا الفوضى العارمة الموجودة في الغرفة المخصصة لضيوفه .. تقدما بحذر وهدوء لكي يصلا إلى غرفة نومه التي لم تكن بحال أفضل أبداً .. إلا أن المفاجأة حقاً هي إكتشافهم أن الجناح فارغ تماماً ولا أحد به !

تحدث أليكسس والصدمة تعلو وجهه :" ولكن أين ذهب ؟؟ لم يره أحد يغادر المنزل أبداً .. قوموا بالتفتيش عنه الملحق الخاص بيوجين الآن ! "

ديريك بهدوء وهو يقف في منتصف الغرفة بريبة :" لا تتعب نفسك يا أخي إنه ليس هنا "

في قصر الحاكم :

وقفت الأميرة أنجلي بجانب جين في منتصف القاعة التي يجلس بها والدها وزوجته لتتحدث بهدوء وتأييد :" أنا واثق أيضاً من ذلك أبي .. أعني لن يقوم يوجين بفعلها .. هو لن يقوم بإيذاء إينوري بأي طريقة كانت .. فأنا أثق تماماً من أنه يحبها وبشدة وهي لا بد أنها ستغضب إن حاول القيام بأمر كهذا "

تدخل شاب طويل القامة وعريض المنكبين ببشرة بيضاء وشعر أشقر وهو يحمل بعيناه الزرقاوتين الكثير من المعاني أهمها الألم لينحني بإحترام وهو يقول بهدوء :" سيدي الحاكم .. أرجوك لا تظلمه الآن فهو بالطبع لن يقوم بحركة غبية كهذه في اليوم الذي سيولد به طفله الأول وأيضاً .. حتى جين نفسه لم يكن يعلم بأمر الإجتماع إلا قبل ساعة أو إثنتين منه فكيف ليوجين أن يخطط لكل هذا "

نهض الحاكم وقد بدئت عيناه تشتعلان من الغيظ ليتحدث بسخط : " إذن من ؟ أتعلم إن تمت تبرئة جهة يوجين فمن هو الشخص المتهم ؟"

إبتسم بهدوء وقد أحنى رأسه للأمام قليلاً حتى لا يسمح لأحد برؤية الحزن المرسوم على وجهه وعينيه ليتحدث بعد عدة ثواني من الصمت :" أجل .. أنا سأكون المتهم صحيح ؟ لقد كنتُ خيارك الأول أيضاً .. إن قضى كريستيان على آنجلي فهذا يعني أنه .. أنه سيصبح الوريث أليس كذلك .. عمي ؟"

أغمض الحاكم عينيه وهو يحاول إستعادة هدوئه بينما وقفت الحاكمة بغضب وهي تتحدث إلى زوجها بحنق :" كيف تتهم إبني في أمر كهذا أجبني ؟؟ أنت قمت بتربيته بعد موت والده .. أتظن أن صغيري سيقوم برد معروفه لك بإساءة ؟ لقد إعتبرك كوالده تماماً .. ولم يقم بمعاملة آنجلي إلا كأخت له حتى وهي ليست إبنتي .. وأيضاً وافق على أمرك بإبعاد أخته الصغرى والتي هي ثمرة حُبنا من هذه القصر كي لا يغضبك .. كيف تجرأ بأن تشك به حتى ؟؟"

نظر لزوجته بعبوس وهم بالرد عليها لولا أن ابنها قد تحدث وهو على نفس وضعيته السابقة :" ليس الأمر مهماً أمي .. نحن نتحدث هنا عن محاولة إغتيال وأثناء التحقيق يجب أن يتم وضع لائحة بالمشتبه بهم .. هكذا تجري الأمور في العادة .. بكل حال سيدي الحاكم سأكون في غرفتي أو ربما في منزل يوجين .. لن أذهب إلى أي مكان دون أن تعلم ذلك "

كانت الدموع قد سالت على وجنتيها منذ مدة ولكنها لم تتمكن حقاً أن ترى نظرة الألم والحزن على وجه الشخص الذي لطالما وقف إلى جانبها أمسكت بيده بشدة لتتحدث بصرامة نادرة :" أقسم أنه إن تم التحقيق مع أخي أو مع يوجين فإنني سأقوم بالإجرام بحق نفسي وأريحكم من هذا العناء .. أتفهمون ذلك ؟؟"

صمت كل في ذلك المكان تقدم والدها منها ليتحدث بغضب وهو يمسك بكتفيها :" هل فقدتي عقلك آنجلي ؟؟"

لم تحاول أن تمسح دموعها حتى قبل أن تتحدث بصوت مهزوز :" لن أسمح لك بإيذائهم .. الأشخاص القريبون مني .. لن تقوم بإيذائهم .. لا يهمني إن كان كريستيان أو يوجين .. كل ما أعلمه أن ملف هذه القضية سيغلق الآن "

تراجع والدها بصدمة بينما أمسك كريستيان بها برفق شديد :" لا , كيف نوقف التحقيق ؟ علينا أن نعلم من حاول إيذائك "

جين وهو يمسح على شعرها :" لم يقل أحد أن سيدي الحاكم سيؤذي أحدا .. ومن ثم إنهما مجرد فرضيات فقط .. لا أحد يعلم إن كانت حقيقة أم لا دون تجربة "

أبعدتهما عنها بقوة لتتحدث بين شهقات بكائها :" لا , تعني لا .. لن أسمح بحدوث ذلك .. أرجوك أبعد إسميهما من القائمة أرجوك "

تنهد بقلة حيلة وهو يعود ويجلس مكانه بهدوء ليتحدث بنبرة قلقة :" ولكن إن أثبتت لي الأيام ان أحدهما هو من خطط لذلك فأنا لن أقوم بقتله بل سأجعله يتوسل لي لإنهاء حياته أهذا مفهوم ؟"

تنفس جين الصعداء أخيرا وقد شعر بأن جبلا من الهموم قد أُزيلت من فوق ظهره .. نظر لآنجلي بإمتنان ليتحدث بهدوء :" شكرا جزيلا لكِ أميرتي .. كنت واثقا أنه يمكن الإعتماد عليكِ .. وأيضا شكرا لك سيد كريستيان وأعتذر بشدة لإنني شككت بك ولو لبضع ساعات "

إبتسم الأخير له ليبدأ بالسير مغادرا المكان قبل أن يوقفه صوت آنجلي :" إنتظر ستذهب لزيارة إينوري صحيح ؟؟ أرجوك أخي لقد أحضرت هدية لطفلها هل يمكنك أخذها معك أرجوك "

وضع يده على شعر شقيقته ليتحدث بإبتسامة :" بالطبع سأفعل وسأخبرها أنني إشتريتها له "

ضحكت بمرح لتقول بعدها وهي تضع يدها على كتفه بشقاوة :" وأنا سأخبرها بأنك كاذب عن طريق الهاتف "

إبتسم جين على منظرهما .. لاسيما على آنجلي التي كانت أقصر من كريستيان فاضطرت إلى الوقوف على روؤس أقدامها حتى تضع يدها على كتفه فقط .. أهذا هو معنى أن يكون لك أخ أكبر .. يحيطك بالعناية الدائمة والأمان .. بالطبع هذا الأمر لا ينطبق على شقيقيه هو .. فهما لا يريدان إلا رؤيته حزينا أو غاضبا .. وربما جريحا متألما أيضاً .. وكم سيكونان سعيدان لو انهما من تسببا له بالجراح .. كل ذلك لإنه يختلف عنهما في طريقة التفكير .. واين خطأه في ذلك ؟ لكل شخص تفكير ما ولا بأس أن يكون أحد أفراد الأسرة مختلفا قليلاً .. إستيقظ من شروده على صوت صفير كريستيان الذي أحب ذلك الدبوس الذهبي والذي نُقش بالورود ليتحدث بإعجاب شديد :" لم أكن أعلم أن أختي الصغرى تمتلك ذوقا رفيعا كهذا "

إبتسمت بإحراج شديد لتتحدث بخجل :" لقد إشتريته له عندما علمت أنها حامل .. أتمنى أن تقبله فقط "

غمز لها وهو يعبث بشعرها :" لتجرأ فقط على رفضه وسترى مني تصرفاً آخر .. والآن أنا ذاهب "

إنتبه جين لنفسه في أنه لازال يحدق بهما بشرود رسم إبتسامة على شفتيه وهو يهم لقول شيء ما .. ولكن رنين هاتفه أوقفه .. إنزعج عند رؤيته للمتصل ولكنه إضطر للإجابة .

تحدث بتوتر ملحوظ :" مرحبا أبي كيف حالك ؟"

أتاه صوته الصارخ والغاضب من الهاتف :" لست بخير بوجود إبن مثلك .. أخبرني كيف تجرأ على فعل هذا أجب !! "

أخفض رأسه وهو يرى نظرات آنجلي القلقة وكريستيان المتسائلة .. ليتحدث بهدوء :" أنا في قصر الحاكم الآن أبي .. عند عودتي سنتحدث بهذه الشأن "

سمع صوته الساخر هذه المرة :" لا بأس وإستمتع جيداً لإنك يا جين ستكون طوال اللحظة التي تعود بها إلى المنزل وحتى بزوغ الشمس تحت رحمة شقيقيك .. اللذان سيعلمانك درساً لن تنساه أبداً "

إبتسم بتوتر ليتحدث بطريقة طبيعية :" أجل أبي .. لا تقلق .. إلى اللقاء إذن "

ليغلق الخط بعدها وهو يشد على قبضة يده .. إستأذن كريستيان بالرحيل مرة أخرى ليبتسم جين بوجهه .. وما إن غادر حتى إقتربت آنجلي منه بقلق للتحدث بهدوء مصطنع :" هل أنت بخير ؟ "

إنتبه أخيراً أن الحاكم وزوجته لم يعودا في هذه الغرفة .. نظر لآنجلي القلقة ليتحدث بشيء من الهدوء :" ربما .. دعينا نخرج ونتمشى قليلاً بالحديقة ما رأيك ؟"

أومأت له موافقة لتخرج معه إلى الحديقة .