02-01-2014, 01:53 AM
|
|
كتب له كتاب وقال له اذا كان يوم النحر فاقراه الحمد لله، و سلام على عباده الذين اصطفى، حمداً إذا قابل النعم وفَى، وسلاماً إذا بلغ المصطَفين شفَى، و خصّ الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى، و من احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى، وفقنا لسلوك طريقهم فإِنه إذا وفّق كفى.
أما بعد: عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لله ضنائن من عباده يغذوهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، وإذا توفاهم توفاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها في عافية " . و عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله خواص من خلقه ، يحييهم في عافية ، ويميتهم في عافية ، ويدخلهم الجنة في عافية » و في حديث قدسي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل عليه السلام ، عن ربه تبارك وتعالى ، قال : " من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، ومعنى: (آذنته بالحرب) أي: أعلنت أني محارب له؛ لأنه يحارب أوليائي فأنا أحاربه، وأنا خصمه، وويل لمن كان الله تعالى خصمه، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله تعالى بالمحاربة،هؤلاء أولياء الله تعالى، هؤلاء الذين من أهانهم أو أخافهم فقد بارز الله بالمحاربة، وبدأه بالمحاربة، وعرض نفسه لسخط الرب وانتقامه، والله أسرع شيء إلى نصرة أوليائه . في كتاب الأولياء لابن أبي الدنيا رحمه الله صفات اولياء الله الصالحين واخلا صهم للواحد الاحد وان كرامات الاولياء حق لا شبهة فيه وانهم على هدى من ربهم . قال عز من قائل ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) .
قال الحافظ أبو بكر بن عبد الله الملقب ب ابن ابي الدنيا ذكر علي بن أبي مريم ، عن محمد بن الحسين ، قال : حدثني حكيم بن جعفر السعدي ، ذكر أبو يوسف عبيد الله بن أبي نوح وكان من العابدين قال : « صحبت شيخا في بعض طريق مكة فأعجبتني هيئته فقلت : إني أحب أن أصحبك ، قال : أنت وما أحببت ، قال : فكان يمشي بالنهار ، فإذا أمسى أقام في منزل كان أم غيره ، قال : فيقوم الليل يصلي ، وكان يصوم في شدة الحر ، فإذا أمسى عمد إلى جريب معه فأخرج منه شيئا فألقاه في فيه مرتين أو ثلاثا ، وكان يدعوني فيقول : هلم فأصب من هذا ، فأقول في نفسي : والله ما هذا بمجزيك أنت ، فكيف أشركك فيه ؟ قال : فلم يزل على ذلك ، ودخلت له قلبي مهابة عندما رأيت من اجتهاده وصبره ، قال : فبينا نحن في بعض المنازل إذ نظر إلى رجل يسوق حمارا ، فقال لي : انطلق فاشتر ذلك الحمار ، قال : فمنعتني والله هيبته في صدري أن أراده ، قال : فانطلقت إلى صاحب الحمار ، وأنا أقول في نفسي : والله ما معي ثمنه ، ولا أعلم معه ثمنه ، فكيف أشتريه ؟ قال : فأتيت صاحب الحمار فساومته ، فأبى أن ينقصه عن ثلاثين دينارا ، قال : فجئت إليه ، فقلت : قد أبى أن ينقصه عن ثلاثين دينارا ، قال : خذه واستخر الله ، قلت : الثمن ، قال : سم الله ثم أدخل يدك في الجراب فخذ الثمن فأعطه ، قال : فأخذت الجراب ، ثم قلت : بسم الله ، وأدخلت يدي ، فيه فإذا صرة فيها ثلاثون دينارا لا تزيد ولا تنقص ، قال : فدفعتها إلى الرجل ، وأخذت الحمار وجئت ، قال : فقال لي : اركب ، فقلت له : أنت أضعف مني فاركب أنت ، قال : فلم يرادني الكلام وركب ، فكنت أمشي مع حماره ، فحيث أدركه الليل أقام ، فإنما هو راكع وساجد ، حتى أتينا عسفان فلقيه شيخ فسلم عليه ، ثم خليا فجعلا يبكيان ، فلما أرادا أن يفترقا قال صاحبي للشيخ : أوصني ، قال : نعم ، ألزم التقوى قلبك ، وانصب ذكر المعاد أمامك ، قال : زدني ، قال : نعم ، استقبل الآخرة بالحسن من عملك ، وباشر عوارض الدنيا بالزهد من قلبك ، واعلم أن الأكياس هم الذين عرفوا عيب الدنيا حين عمي على أهلها ، والسلام عليك ورحمة الله ، قال : ثم افترقا ، فقلت لصاحبي : من هذا الشيخ يرحمك الله ؟ فما رأيت أحسن كلاما منه ؟ قال : عبد من عبيد الله ، قال : فخرجنا من عسفان حتى أتينا مكة ، فلما انتهيت إلى الأبطح نزل عن حماره وقال : اثبت مكانك حتى أنظر إلى بيت الله نظرة ثم أعود إليك إن شاء الله ، قال : فانطلق ، وعرض لي رجل فقال : أتبيع الحمار ؟ قلت : نعم ، قال : بكم ؟ قلت : بثلاثين دينارا ، قال : قد أخذته ، قال : قلت : يا هذا ، والله ما هو لي ، وإنما هو لرفيق لي ، وقد ذهب إلى المسجد ، ولعله أن يجيء الآن ، قال : فإني لأكلمه إذ طلع الشيخ فقمت إليه ، فقلت : إني قد بعت الحمار بثلاثين دينارا ، قال : أما إنك لو استزدته لزادك إن شاء الله ، فأما إذ بعت فأوجز ، فأخذت من الرجل ثلاثين دينارا ودفعت الحمار وجئت بالدنانير ، فقلت : ما أصنع بها ؟ قال : هي لك ، فانتفقها ، قلت : لا حاجة لي بها ، قال : فألقها في الجراب ، فألقيتها في الجراب ، قال : وطلبنا منزلا بالأبطح فنزلناه ، فقال : ابغني دواة وقرطاسا ، قال : فأتيته بدواة وقرطاس ، قال : فكتب كتابين ثم شدهما ، فدفع أحدهما إلي ، فقال : انطلق به إلى عباد بن عباد وهو نازل في موضع كذا وكذا فادفعه إليه ، وأقرئه مني السلام ، ومن حضره من المسلمين ، ثم دفع الآخر إلي فقال : ليكن هذا معك ، فإذا كان يوم النحر فاقرأه إن شاء الله ، قال : فأخذت الكتاب فأتيت به عباد بن عباد وهو قاعد يحدث وعنده خلق كثير ، فسلمت ، ثم قلت : رحمك الله ، كتاب بعض إخوانك إليك ، قال : فأخذ الكتاب فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد يا عباد ، فإني أحذرك الفقر يوم يحتاج الناس إلى الذخر ، فإن فقر الآخرة لا يسده غنى ، وإن مصاب الآخرة لا تجبر مصيبته أبدا ، وأنا رجل من إخوانك ، وأنا ميت الساعة إن شاء الله ، فاحضر لتليني ، وتول الصلاة علي ، وأدخلاني حفرتي ، وأستودعك الله وجميع المسلمين ، واقرأ السلام على رسول الله ، وعليكم جميعا السلام ورحمة الله ، قال : فلما قرأ عباد الكتاب قال : يا هذا ، أين هذا الرجل . قلت : بالأبطح قال : أفمريض هو ؟ قلت : تركته الساعة صحيحا ، قال : فقام وقام الناس معه حتى دخل عليه ، فإذا هو مستقبل القبلة ميت مسجى (1) عليه عباءة ، فقال لي عباد : هذا صاحبك ؟ قلت : نعم ، قال : تركته صحيحا ؟ قلت : تركته الساعة صحيحا ، فجلس يبكي عند رأسه ، ثم أخذ في جهازه وصلى عليه ودفنه ، واحتشد الناس في جنازته ، فلما كان يوم النحر قلت : والله لأقرأن الكتاب ، ففتحته فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد ، فأنت يا أخي فنفعك الله بمعروفك يوم يحتاج الناس إلى صالح أعمالهم ، وجزاك عن صحبتنا خيرا ، فإن صاحب المعروف يجد لجنبه يوم القيامة مضطجعا ، فإن حاجتي إليك إذا قضى الله عنك تنطلق إلى بيت المقدس فتدفع ميراثي إلى وارثي ، والسلام عليك ورحمة الله ، قال : قلت في نفسي : كل أمرك رحمك الله عجب ، وهذا من أعجب أمرك ، كيف آتي بيت المقدس ولم تسم لي أحدا ، ولم تصف لي موضعا ، ولا أدري إلى من أدفعه ؟ قال : وخلف قدحا وجرابه ذاك وعصا كان يتوكأ عليها ، قال : وكفناه في ثوبي إحرامه ، ولففنا العباءة فوق ذلك ، فلما انقضى الحج قلت : والله لأنطلقن إلى بيت المقدس فلعلي أن أقع على وارث هذا الرجل ، قال : فانطلقت حتى أتيت بيت المقدس فدخلت المسجد وهم حلق حلق ، قوم فقراء مساكين ، قال : فبينا أنا أدور أتصفح الناس لا أدري عمن أسأل إذ ناداني رجل من بعض تلك الحلق باسمي : يا فلان ، فالتفت إليه ، فإذا بشيخ كأنه صاحبي ، قال : هات ميراث فلان ، فدفعت إليه العصا والقدح والجراب ، ثم وليت راجعا ، فوالله ما خرجت من المسجد حتى قلت لنفسي : تضرب من مكة إلى بيت المقدس وقد رأيت من الشيخ الأول ما رأيت ، ورأيت من هذا الشيخ الثاني ما رأيت ، لا تسأل هؤلاء القوم أي شيء قصتهم ؟ وتسألهم عن أمرهم ، ومن هم ؟ قال : فرجعت ومن رأيي ألا أفارق هذا الشيخ الآخر حتى يموت أو أموت ، قال : فجعلت أدور في الحلق ، وأجهد على أن أعرفه أو أقع عليه ، فلم أقع عليه ، قال : فجعلت أسأل عنه ولبثت أياما ببيت المقدس أطلبه وأسأل عنه فلم أجد أحدا يدلني عليه ، فرجعت منصرفا إلى العراق » |