عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

Like Tree130Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #86  
قديم 09-29-2014, 11:51 AM
 



الورقة الثانية

كعادتي حين أنوي الفرار من قومي والبدء برحلة جديدة نحو المجهول .. لقد فُطرت على الترحال .. وأيلول هو موعد الترحال في كل عام .. أنطلق من كوة صغيرة فتحتها في إحدى الجدران الخلفية للحياة .. أفرُّ منها كل عام مع أيلول .. نبتعد قليلاً عن القوم والديار .. أغيب في رحلة قد تطول وقد تقصر ولكنها رحلة قصيرة بكل الحالات .. دائماً أعود بخفيِّ حنين فالرحلات القصيرة ليست للمكوث .. إنما هيَّ عملية تفتيش سريعة في رئتي الهواء .. وتنقيب في ذرات الأكسجين .. هل ترَكتُ خلفي أحداً مقصياً .. منسياً .. منفياً .. مهجوراً على أبواب النسيان ؟
لا بد أن يكون هناك خلف تلك السحب البعيدة القريبة تلة مهجورة نسيها الزمان .. أو ثلة من الحجارة تكاد تصدأ من الهجران .. أيلول يصرُّ في كل عام أن نذهب إلى هناك .. إلى حيث التلة والثلة وكل معالم الهجر والنسيان .. يصرُّ على أن نمطر قليلاً من الحب في تلك الأرجاء .. أيلول الخريفي المزاج أحياناً يتقمص دور الربيع فيهدي في الخريف أزهاراً .. لا تعيش طويلاً .. لكنها تمنح الدفء والحنان لبعض الوقت .. وتترك بصمة جلية للعيان أننا كنا هنا قبل عام .. أو أعوام .. ونعود إلى الديار .. فيتركني أيلول على أبواب الخريف .. ويرحل هو إلى مكانه بين النجوم في سابع سماء ..
هذه المرة أنا مترددة .. خائفة بعض الشيء .. حائرة قليلاً .. لا أريد ترك قومي .. لا أريد ترك الديار .. شيء ما يمسك بتلابيب ثوبي .. يدعوني للبقاء .. هيَّ تلة مهجورة تشكو برودة الصدأ والنسيان .. وأيلول مثلي متأرجح بين إقدام وإحجام .. وأنا على أبواب الخريف لا أستطيع أن أعدهم أنَّ في جعبتي غيمة صغيرة لا تزال تمطر قليلاً من الحب على جبال من الجليد .. فهل يذوب الجليد بقطرات من الدفء والحنان ؟
تعبت .. وتعب أيلول معي .. وتعب الفرار مني .. والخريف مكشراً عن أنيابه كي لا أتأخر بالعودة فيحين فصل الشتاء .. وغيمة صغيرة جداً تغمزني بطرف عينها .. وتلقي إليَّ بمظلة الهروب .. وقلبي حائر .. متردد .. خائف ..
هل يذيب الجليد بضع قطرات دافئة من الماء ؟


~Mohammad likes this.
__________________


متيقنة
أن الله ب القرب دائماً
اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما
اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم

















التعديل الأخير تم بواسطة jehan1970 ; 09-29-2014 الساعة 12:01 PM
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 09-29-2014, 12:10 PM
 



الورقة الثالثة
ربما أصبحت عنيدة كأيلول .. وربما فُقته في العناد .. لم يكن من داعٍ لطرق أبواب الصعاب كما اعتدت كلَّ خريف .. ولم يكن من داعٍ كي أستسلم لرغبات أيلول في الجري والقفز بين المدِّ والجزرِ .. فماذا يضيرني لو استقبلت شهر مولدي وأنا متكئة على مقعد الياسمين .. أحتسِ قهوته .. برفقة الوقت ..
أعددت العدة للرحلة .. لم تثنني طول المسافات .. ووعورة الطريق .. وكثرة الحفر .. رحلتي كانت جلدية الملمس .. بارزة الحروف .. ذهبية اللون .. رحلتي كانت بين دفتّي كتاب .. كتاب من العسجد .. وقع بين يديَّ بالصدفة البحتة .. شدني إليه العنوان
" المذبوح " ..
لا أعلم لماذا وجدت نفسي تركض إليه .. حاولت أن ألقي في طريق خطواتي الهاربة مني إليه بعض الحجارة .. علها تتعثر منذ البداية .. فتعود لرشدها .. وتعود أدراجها إلى معاقل الخريف .. وتكفُّ عن مشوارها المستحيل في دروب الوحدة .. لكن عبثاً حاولت .. وعبثاً أحاول .. فأيلول يشدني من يدي ويلحُّ عليَّ في مشوار من العمر .. يهمس في أذني رجاءً يتلوه رجاء .. لم يبقَ من أيلول الكثير فتعالي معي ..
كتابٌ قدَّ من الحجارة .. أو أشدُّ قسوة .. أصلب من الصخر .. لكنه أحياناً كزبد البحر يرغي كثيراً وبسهولة .. فيغريني بمزيد من القفز .. وأنا التي كنت أحبُّ قراءة القصص الحالمة .. أعشق قصص أميرة الأحلام .. وفراشة الصباح .. وندى الفصول .. ماذا في كتابٍ يحمل عنوان " المذبوح " .. يغريني ؟

للكاتبة

المبدعة

ميساء البشيتي


~Mohammad likes this.
__________________


متيقنة
أن الله ب القرب دائماً
اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما
اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم
















رد مع اقتباس
  #88  
قديم 09-29-2014, 12:17 PM
 


الورقة الرابعة
لم أعتد على قراءة صعبة إلى هذا الحد .. ولا أريد أن أمتحن أبجديتي فأرهقها صعوداً ونزولاً في مفردات كنتوءات الصخر .. أوكالنقش في الحجر..
" لم أستطع ابتلاع الغربة " .. قالها بصريح العبارة .. " لم أستطع هضم الغربة ".. ومن قال يا هذا "المذبوح " أنني أتقنت في يوم .. أو أنني سأتقن يوماً ما " ابتلاع الغربة " .. أو " هضم الغربة " ولكني لا أرتدي على وجهي ملامحَ من تراجيديا العصور الوسطى .. لا أصبغ شعرات رأسي بأقلام الفحم .. لا أتوضأ بالغيم .. ولا أصعد إلى السماء بسلالم من العتب .. فلمَ كل هذا النحيب وأنتَ برفقة حسناء آتية إليك من زمن الأحلام الوردية .. تحمل بين يديها زهرة برية من تلك العصور الغابرة .. وكوباً من القهوة المحلاة بالحليب وقطع السكر .. التي أصبحت أنتَ أحد ندّامها ومدمنيها ..
ومع ذلك .. مع كل هذه الصلابة في الحروف .. والوحدة التي تنبعث رائحتها العتيقة من الهوامش .. من الزوايا .. من بين السطور .. ومع أنني كلما فتحت هذا الكتاب شعرت بريح كآبة تهب في وجهي كأنها قادمة من بوابات الجحيم .. وتقول لي أغلقيه على مصراعيه .. أقفليه عن بكرة أبيه ..
لكني كأيلولية صعبة المراس .. يصعب التحكم في مزاجها المتقلب .. وفي مرادها الصعب .. وفي هواياتها منذ ألف عام وهي تسلق الصعاب كلعبة السيرك تماماً .. ولو كانت تلك اللعبة على حافة الهاوية ..
لم أصغِ لحديث أذني .. ولم أُعرِّ اهتماماً لأوامر العقل بأن أغلق هذا الكتاب وأعيده إلى مكانه بالرف .. بل أصرّيتُ على البدء في القراءة .. وعلى مهل .. لكن بعد قراءة بسيطة وسريعة ومتقلبة لعدد من الصفحات .. أخشى أن أقولها .. أنني بدأت أترك بين السطور شيئاً مني .. شيئاً من نفسي .. فأين أنت يا أيلول لتدركني ؟

للكاتبة

المبدعة

ميساء الشيتي

~Mohammad likes this.
__________________


متيقنة
أن الله ب القرب دائماً
اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما
اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم
















رد مع اقتباس
  #89  
قديم 09-29-2014, 12:22 PM
 



الورقة الخامسة

صحوت بعد قراءة بسيطة لعدد من الصفحات على نفسي تحدثني .. نعم إنه على حق .. ولكن كيف .. وهذا العالم الجميل يمدُّ إليه ذراعيه ليحتضنه وهو كالحجر أو أشد قسوة .. يسدل ستائر الظلام .. ويبكي كلَّ ليلة .. على فراش الوحدة .. ثم يقبّلُ في الصباح الباكر كوباً من قهوته المحلاة بالسكر ليمحو ما علق في جوفه من ظلام الأمس ..
لمَ كل هذا العذاب أيها " المذبوح " .. ولم تجرَّني خلفك معصوبة الإدراك .. مكتملة الولاء والانتماء .. وأنا التي لم أكن أنتمي إلاَّ إلى أيلول .. ولم أواعد إنسياً في يوم أو أحد من قبائل الجان .. فكيف يستميلني كتاب مهجور على أبعد رف .. ويجعلني أغرس له بين جدائلي ياسمينة قطفتها من ممرات الطفولة .. وأخبئ له بين كفيِّ أعواد المريمية والزعتر ؟
أنا ماذا أريد من كتاب أشبه بالصخر ..ولماذا أصبَحت الورود تفرش طريقي إليه بساطاً من السحر .. ولماذا أصبحتُ أرقص على قدم واحدة كإحدى أميرات البجع فيراني نوراً وضياءً وقمراً ينبلج بين الليل والليل .. ولماذا أصبحت أتسلل إليه كل ليلة خلسة عن عينيِّ أيلول التي تغطس في إغفاءة صغيرة على إحدى بوابات الكتب .. لأضيء إليه ليلاً كان يبكي طويلاً .. خلف المحيطات .. خلف القارات البعيدة .. خلف السحب .. وأقول له بملء الفم .. قهوتك في الصباح الباكر عندي ؟
الكاتبة ميساء الشيتي


~Mohammad likes this.
__________________


متيقنة
أن الله ب القرب دائماً
اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما
اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم
















رد مع اقتباس
  #90  
قديم 09-29-2014, 12:29 PM
 



الورقة السادسة


انتكاسة سريعة .. ككل الانتكاسات التي تصفعنا على حين غيرة حينما نحاول أن نقبّلَ عنوة وجه هذه الحياة .. أُغلق الكتاب في وجهي .. ربما عن سهوٍ منه أو مني .. وربما عن قصد منه .. لكنه أُغلق في وجهي .. ولن أقول أُغلق إغلاقاً محكماً حتى لا أكون واحدة من الذين شاركوا في ذبحه على مرِّ العصور ومختلف الأزمنة .. لكني أقول ربما كانت ردة فعل عابرة .. عنيفة بعض الشيء على سؤال بريء .. ليس بريئاً خالصاً من الخبث .. الخبث الذي يقفز فجأة في منقار عصفورة أيلولية تحاول طرق باب من الأبواب لأنها تظن أن الحلم الوردي مختبئ عنها داخله .. لم يكن سؤالاً شريراً بمعنى الشرِّ المستطير .. ولم يكن يحمل أي علامة أو دلالة من دلالات الشرِّ .. لكنه استنبط ذلك بفراسته النادرة التي لم أعهدها يوماً بين بني البشر ..
وطبعاً كان عليَّ أن أعيد المحاولة مرة أخرى فأنا عصفورة جبلت على الكرِّ والفرِّ .. ولا تركن إلى الهدوء والسكينة إلاَّ داخل ذلك الحلم الوردي .. داخل ذلك الباب .. فهل تواصل عصفورة أيلول الدق بمنقار من الخبث .. أم أنها ستجد لها حيلة أخرى تفتح من خلالها صفحة أخرى جديدة للقراءة .. دون أن تتسلل منها قُبّلة في غير وقتها .. فتمطر السماء حِمماً بركانية .. وتأكل نيران الغضب جميع لحظات الانتظار والصبر ؟
~Mohammad likes this.
__________________


متيقنة
أن الله ب القرب دائماً
اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما
اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم
















رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من روائع (المنفلوطي)(متجدد) مؤمن الرشيدي مواضيع عامة 57 05-19-2015 03:04 PM
من روائع البيان(متجدد) يحي مسلم نور الإسلام - 19 12-21-2013 04:51 PM
من روائع الكلام (متجدد) يحي مسلم مواضيع عامة 0 08-03-2012 12:50 AM
من روائع حامد زيد - صراحة من آحلى ما قرأت Ḿя.ƒέįŝ$㣠قصائد منقوله من هنا وهناك 22 10-03-2011 04:04 PM
قرأت لك - مختارات.. حكمة الحيوان حمزه عمر مواضيع عامة 4 04-15-2009 09:00 PM


الساعة الآن 09:18 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011