02-17-2014, 01:01 AM
|
|
القيم الاسلامية الجزء السادس الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين والمرسلين وسلم تسليما ونسأل الله تعالى أن يصحبنا العصمة من كل خطأ وزلل ويوفقنا للصواب في كل قول وعمل . وبعد نواصل ايها الكرام ما جاء في هذا الكتاب القيم وبالله التوفيق
ب-حرية التنقل (الغدو والرواح ) : والمقصود بها : أن يكون الإنسان حرا في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه . والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ، تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ، ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ، بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير حرية التنقل بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ولا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ، كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في طاعون عمواس ، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام ، الذي كان به هذا الوباء ، ولم يفعل ذلك إلا تطبيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه » ولأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل ، حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين ، والتربص لهم في الطرقات ، وأنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق ويروعون الناس بالقتل والنهب والسرقة ، قال تعالى : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ولتأكيد حسن استعمال الطرق وتأمينها ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته عن الجلوس فيها ، فقال : « إياكم والجلوس في الطرقات ، قالوا : يا رسول الله ، ما لنا بد في مجالسنا ، قال : فإن كان ذلك ، فأعطوا الطريق حقها ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها ، من السفر والتنقل والمرور ، وأي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدى إلى الاعتداء على الآمنين ، ولأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنيًّا في موطنه .
ج-حرية المأوى والمسكن : فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ، فله حرية ذلك ، كما أن العاجز عن ذلك ، ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب ، حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته .
روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له » وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيئ عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة والدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه .
فإذا ما ملك الإنسان مأوى ومسكن ، فلا يجوز لأحد ، أن يقتحم مأواه ، أو يدخل منزله إلا بإذنه ، حتى لو كان الداخل خليفة ، أو حاكما أعلى -رئيس دوله-ما لم تدع إليه ضرورة قصوى ، أو مصلحة بالغة ، لان الله تعالى يقول : { يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }{ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وإذا نهي عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها ، فالاستيلاء عليها ، أو هدمها أو إحراقها من باب أولى ، إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة ، بعد ضمان البيت ضمانا عادلا ، وهذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد ، أو بناء شارع ، أو إقامة مستشفى ، أو نحو ذلك ، وقد أجلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -أهل نجران ، وعوضهم بالكوفة ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها ، حرم الإسلام التجسس ، فقال تعالى : { وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } وذلك لأن فيالتجسس انتهاكا لحقوق الغير ، والتي منها : حفظ حرمة المسكن ، وحرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره بل وبالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والديه عمن انتهك له حرمة بيته ، بالنظر فيه ونحوه يدل على ذلك حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه » وهدرت : أي لاضمان على صاحب البيت . فعين الإنسان -رغم حرمتها وصيانتها من الاعتداء عليها ، وتغليظ الدية فيها -لكنها هنا أهدرت ديتها بسب سوء استعمالها واعتدائها على حقوق الغير . نكتفي بهذا القدر والا غد ان شاء الله |