|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
لماذا نجاهد؟ سؤال لك واحد منا وكأن الأخ الذي يريد أن يزور إخوانه المجاهدون قد ارتكب مخالفة شرعية أو أصابته مصيبة أو تنكب جادة الحق، فاستحق الحوقلة والر ثاء والدعاء لطلب هدايته والعودة إلى طريق الصواب - وهو عدم السؤال عن المجاهدين ولا زيارتهم – وقال لي آخر: (قلت لصديقي الصالح: أنا ذاهب إلى أفغانستان، فقال: مستهزئا شكلك ليس شكل المجاهدين). ونحن نقول: لا بد أن نبحث القضية شرعيا، ونرجع إلى النصوص نحتكم إليها، {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون باالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. فنقول عن الجهاد... أولا؛ أنه لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال الصالحة: إن أجر المجاهد لا يعدله شيء من الأعمال بنص الكتاب والسنة. ففي الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعه، ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه، فنزلت: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله}). فالآية نزلت - كما روى مسلم - لتبين للصحابة رضوان الله عليهم؛ أن الجهاد أفضل من جوار المسجد الحرام ومن سقاية الحاج. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود) [6]. وأما أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: (لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود)، أي من الإستجابة لدعائي وأنا عند الحجر الأسود. وأبيات عبد الله بن المبارك للفضيل بن عياض - والإثنان من خيار علماء السلف الصالح - التي أرسلها عبد الله بن المبارك - وكان مرابطا في طرسوس - تؤكد هذا الحكم: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب فلما قرأها الفضيل ذرفت عيناه وقال: (صدق أبو عبد الرحمن ونصح) [7]. قال الفضيل بن زياد: (سمعت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - وذكر له أمر العدو فجعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر أفضل منه). وقال عنه غيره: (ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال، والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمه، فأي عمل أفضل منه؟) [8]. ثانيا؛ المجاهد أفضل الناس: في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الناس أفضل؟ قال: رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه، قال: ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره) [9]. وقد ربط صلى الله عليه وسلم بين المجاهد وبين المتعبد المعتزل، لأنهما قد جمعتها الغربة، فهما غرباء في هذه الدنيا، وسقطت الدنيا من أنظارهم، ولم تعد زخارفها تغشي أبصارهم. فهذان كما قال ابن القيم عن كل منهما: (صحب الله بلا خلق، وصحب الناس بلا نفس، فواها له ما أغربه بين الناس! وما أشد وحشته منهم! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته وسكينته إليه!) [10]. فأما المجاهد؛ فقد أصبح الجهاد بحره وهو كالسمك فيه، وأصبح القتال روحه وريحانه. فهذا "رفيع الله" - أحد قادة الأفغان - استشهد أبناؤه الثلاثة وأخواه وفي جسده ثمان إصابات، ومع ذلك لم يطق الجلوس في بيشاور أكثر من يومين. فالمجاهد يبحث عن الشهادة في سبيل الله قد وضع روحه على راحته، يريد أن يهرق دمه من أجل الجنة أولا، وحماية للأعراض والنساء والولدان ثانيا، {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا}. وكما يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه، يبتغي القتال والموت مظانه، ورجل في غنيمة في رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير) [11]. أرأيت رجلا يبحث عن الموت؟ - يبتغي القتال والموت مظانه - إنه آخذ بعنان فرسه، مستعد للقتال في كل لحظة، كلما سمع هيعة أو فزعة - ضجة أو خوفا من عدو - هرع إليه. وكما قال خالد بن الوليد رضي الله عنه عندما حضرته الوفاة: (لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل شيء عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس بفرسي والسماء تهلني منتظر الصبح حتى نغير على الكفار) [12]. وكثيرا ما كان يقول لي أستاذنا في هذا الميدان؛ عبد العزيز علي: (يا عبد الله إن أرجلي تؤلمني، وأنا أريد أن أوفرها حتى ندخل بها بعض المعارك لعل الله يرزقني الشهادة). ولقد كان السلف رضوان الله عليهم نماذج رفيعة كأمثلة لهذا الضرب من الرجال. فهذا مجزأة بن ثور السدوسي؛ الصحابي رضي الله عنه قتل مائة من الكفار مبارزة، عدا من قتلهم في أرض المعركة. وهذا البراء بن مالك رضي الله عنه قتل تسعا وتسعين من رؤساء المشركين، عدا من شارك في قتلهم، وبارز مرزبان الذارة وقتله وأخذ سلبه فبلغ ثلاثين ألفا) [13]. وهذا عبد الصبور - شاب أفغاني في العشرينات - قال لي: (لقد ذبحت بالسكين 29 نفرا من الشيوعيين في وسط كابل، عدا من شاركت في قتلهم بالسلاح). ثالثا؛ المرابط يرابط في سبيل الله لإخافة الأعداء، وحماية الديار، وصيانة الثغور، ويتحمل على نفسه، ويفزع ليلا ونهارا من أجل أن يوفر الأمن للناس: كم من مرارة يتجرعها ليذوق من وراءه من المسلمين حلاوة النوم والطعام؟ إنه ترك أهله وعياله، وقد لا يكون لديهم طعام ولا لباس، ويكفي حرمانهم أنسه، وفقدانهم رعايته وتربيته من أجل أن يحمي آلافا وملايين من الأسر مثل أسرته... إنه يرى الموت كل يوم مرات، ليوفر الحياة الحقيقية والسعادة والعزة للأمة المسلمة. يسهر كل ليله لينام الناس، ويحزن ليهنأ المسلمون من ورائه، لقد أصبح صليل السلاح نغمه الحبيب، وصوت "الله أكبر" نشيده المرغب، وما أجملها من أيام تقضيها بين المجاهدين، كل واحد ارتقى قمة جبل مرابطا وراء سلاحه "الدوشكا" أو "الزيكويك" - الأسلحة المضادة للطائرات - حتى إذا جن الليل؛ لا تسمع منهم إلا صوت التكبير يقطع صمت الظلام الساجي. كنت ذات ليلة فوق جبال سليمان قريبا من جبل "سفيد كوه" - الجبل الأبيض - وإذا بصوت الدوشكا بجانبي يلعلع في وهن من الليل، فانتفضت فزعا من نومي، وبحثت عن سلاحي، وكان بجانبي شيخنا أبو الحسن، وإذا بالشاب الأفغاني يهديء روعنا ويسكن قلوبنا قائلا: (لن تراعوا)، نظرت إلى هذا الشاب وإذا به يلبس ثوبا ممزقا، قال أبو الحسن والدموع تفيض من عينيه: (أسود جائعة... العالم الإسلامي كله محاسب عن هؤلاء). هذا الشاب وأمثاله مضى عليهم ثماني سنوات - في مثل هذه الظروف - لم يأخذ من قائده درهما واحد، وهو صابر محتسب يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، ويطمع في ثواب الرباط. كما جاء في الحديث عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها أحدكم في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) [14]. عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت يموت إلا ختم على عمله، إلا من مات مرابطا فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، وأمن من فتنة القبر) [15]. وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن المرابط من فتنة القبر بقوله: (كفى ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة) [16]. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها) [17]. وقد يستغرب المرء هذا الثواب العظيم الذي رتبه الله أجرا للمرابط، اليوم بألف يوم، ولكني أقول؛ إن المرابط والمجاهد قد يلاقي في بعض الليالي مشقة وعنتا؛ تفوق شدتها عن ألف ليلة في بيته. كنت ذات ليلة عائدا من "زابل" في طريقي إلى "كويتا"، وقد اشتد البرد كثيرا حتى تهيبت أن أنزل من السيارة لأصلي الفجر خارجها، وتحاملت على نفسي وصليت صلاة من أقصر الصلوات في حياتي، وكانت هذه الصلاة أثقل علي فعلا من ألف صلاة في بيتي... فالبرد يكاد يقطع الأوصال، مع ما أصابني بسببه من شديد الإسهال. وكنت ذات يوم في "بكتيا" - جاجي - في ديسمبر، ولأول مرة أرى الماء الساخن الذي يستعمل للوضوء يتجمد مباشرة على الوجه، ورأيت الماء الساخن على وجه الشيخ سياف يحول شعر لحيته إلى أعمدة دقيقة من الجليد، وعندها أدركت سر الثواب العظيم للمجاهد المرابط. والمرابط يؤمن للمسلمين صيامهم وقيامهم، ويحفظ عليهم - بإذن الله - دينهم وإيمانهم، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، والفتنة هي الكفر، فالمرابط والمجاهد يحمون الشعائر الإسلامية ودور العبادة من الهدم والإندثار، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}. ولذا فقد جاء في الحديث الصحيح أن للمرابط مثل أجر صلاة وصيام من يحميهم. فقد روى الطبراني بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الرباط؟ فقال: (من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى) [18]. رابعا؛ إن المجاهد يطمع في الثواب العظيم عند الله: وأجر الجهاد أعظم من أجر الرباط، إذ أن المشقة تزداد في الجهاد عنه في الرباط، وفوهة سلاحه المرفوعة هي التي تبقي رؤوس المسلمين مرفوعة، ونفوسهم عزيزة، ولسان البرق الممتد في لهوات الليل من رصاصه يحيل وحشة الليل أنسا، ورجعة الظلام أمنا وطمأنينة، ومهابة الأعداء منا لا تكون إلا بالقتال، {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا}. ومن الثواب الذي يطمع به المجاهد من جهاده في سبيل الله ما سمعه من الأحاديث. منها؛ عن أبي عبس عبد الرحمن بن جبر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أغبرت قدماه في سبيل الله حر مهما الله عز وجل على النار) [19]. وأي شيء يبتغيه المجاهد سوى النجاة من النار، ولذا فهو يحرص على الشهادة، وميزان التفاضل في "المجتمع المجاهد" هو الجهاد والشجاعة والإبلاء في ميدان القتال. ولذا فالقبائل الأفغانية التي لا تقدم شهداء تستحي من نفسها وتقدم مجموعة من أبنائها أكثر ليكونوا شهداء، والجهاد يبين مقادير الرجال الحقيقية، والدرجات بقدر البلاء والشجاعة والصبر. لقد رأيت محمد صديق شكري ينزل مطيع الله من السيارة بعد أن قرر أن يذهب إلى المعركة وإذا به يبكي، فعجبت من مجاهد مضى عليه سبع سنوات في المعارك يبكي لأنه أُخر عن عملية جهادية. خامسا؛ حسنات العبادات في أرض الجهاد تتضاعف: ففي الحديث عن أبي سعيد مرفوعا: (من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) [20]. وذلك لأن الصوم في أرض المعركة شاق على النفوس، ولذا فأكرم الأكرمين يضاعف الأجر ويجزل الثواب، والصيام يهذب النفس، والجهاد يصقلها، وكلما زاد الذكر والعبادات في أرض الرباط كلما زادت الشفافية والصفاء للنفس البشرية. ولقد رأيت بعض الشباب في أرض المعركة يجهشون بالبكاء ورائي في التراويح، وما كنت أظنهم يذرفون دمعة واحدة في الصلاة، ذلك لأني أراهم يضحكون ويمزحون كثيرا، ولكن رهبة الموقف خاصة أثناء الإستعداد للإنتقال إلى أرض المعركة الساخنة تهز المشاعر وتوقظ الوجدان، بالإضافة إلى الصفاء الذي يمن الله به على المجاهدين في هذه الأجواء. وكما قلنا أن أقدار الرجال لتبرز جلية في أجواء العمل، فكم من الصغار يرتفعون في الأنظار! وكم من الكبار يحسون بقزامة قدرهم وضآلة حجمهم وهم يرون العطاء الجزل الذي يقدمه هؤلاء الشعث الغبر. وكما أن الصيام يتضاعف فالصلاة تتضاعف. ففي الحديث عن أبي هريرة قال: (مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته لطيبها، فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما، ألا تحبون أن يغفر الله لكم فيدخلكم الجنة؟ إغزوا في سبيل الله... من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة) [21]. إنها منة عظمى أن يمن بها الله على من يشاء من عباده، وحب الجهاد والعبادة نعمة كبيرة يسبغها الله على القلوب، فالقلوب المؤمنة يحبب الله إليها الإيمان ويزينه فيها، {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون}. فليس حب الجهاد بأماني الإنسان ولا باجتهاده ولا بدراسته وعمله، وإنما الفضل فيها لله أولا وآخرا، {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}. وقد كان ابن تيمية رحمه الله يردد: (ليس مني شيء، وليس لي شيء). وابن تيمية رفع قدره الجهاد في سبيل الله، وقد وقف أمام "قازان" - حاكم التتار - مواقف جليلة مشرفة ربانية، وعندما وصل التتار إلى مشارف دمشق حث الناس على ملاقاة التتار، وتقاعس الأمراء، وقاد معركة شقحب سنة [702 ه] في رمضان، وكان يقسم؛ (لننتصرن...)، ونصرهم الله. سادسا؛ ومما يحدو المجاهدين لتكبد مصاعب الطريق وتحمل أهوال المعركة حب الشهادة وثوابها: ففي الحديث عن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (للشهيد عند الله ستة؛ يغفر الله له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، وفي رواية أحمد يزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه) [22]. وماذا ينتظر المرء بعد هذا الثواب العظيم؟ أينتظر الموت تحت عجلات السيارات؟ أم ينتظر الموت البطيء تفترس جثته الأمراض وتقتات قوته الآلام والأوجاع، ما بين س كري وجلطة وتصلب شرايين وانزلاق الغضاريف؟ فإذا لم يكن من الموت بد فمن العجر أن تموت جبانا إنها ميتة واحدة، فاحرص أن تكون في سبيل الله، فإن كنت تستحق الشهادة فإن الله يختارك لها، {ويتخذ منكم شهداء}، وهذه منزلة لا ينالها كل الذين يدخلون المعارك، وإنما الشهادة اصطفاء واختيار من الله الواحد القهار. عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود ومن حكم الله عز وجل؛ أن لا يقتل خالد في أرض المعركة ليوقن الجبناء أن الحرب لا تقرب أجلا، وقد قال رضي الله عنه: (لقد شهدت زهاء مائة زحف، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء!). والجنة مبتغى النفس ومناها، وغاية سعيها ورضاها. وهي كما جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) [23]. وختاما: فالنفوس التي تعد لبناء الأمم المسلمة ومجتمعاتها، ولقيادة البشرية وتوجيهها لا بد أن تبنى على محك الشدائد، وتصقل في أتون المحن، وتنضج على حرارة الفتنة وأهوال الطريق. فالذين يفكرون في تربية الأجيال وفي قيادتها عليهم أن يروا ناموس الله في الدعوات، وقانونه في انتصار المبادئ. قانونه: أن أصحاب المبادئ لا بد لهم من المحن والفتن، {الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}. ليعلموا أن الترف والتقلب بين أعطاف النعيم ينخر في كيان النفس، كما ينخر السوس في الخشب، وكلما كانت النفس تعيش على التقشف والزهد، فإنها تستطيع مواجهة الأحداث واحتمال البلاء إذا أناخ عليها الزمان بكلكله... ويكفيك مثالا الشعب الأفغاني الذي واجه أحداثا ومصائب ما رأى الزمان في أحقابه المتطاولة لها نظيرا، ومع ذلك فهو صابر محتسب مصمم على مواصلة المسيرة. يحدثني صلاح الدين ثاقب - أحد قادة الجهاد في كابل - أنه استشهد من أسرته سبعة عشر شخصا، ولم يبق له من الدنيا أي شي، وعائلته لا تملك من حطام الدنيا شيئا، فأشرت عليه أن يراجع بعض المسؤولين من الأفغان فقال: (أنا لا أراجع أحدا)، فقلت له - بعد أن جلس حتى منتصف الليل -: (أوصلك بالسيارة إلى بيتك)، فقال: (إن سيارتي لا تفارقني) - وأشار إلى رجليه - هذا الشاب الذي هز أرجاء كابل، ومضى عليه عشر سنوات في المعركة، وعضه الفقر بنابه، ومع ذلك فإن عزته لا زالت تتوج هامته التي أبت أن تنحني للعواصف، ولا زالت قناته صلبة، ولم تلن لظروف الأحداث التي تزلزل الجبال... {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}. وكما قال صلى الله عليه وسلم لبشير بن الخصاصية، وقد جاء يبايعه على أمور الإسلام فقال: (أبايعك عليها كلها إلا الجهاد والصدقة)، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا بشير... لا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة؟) [24]. فالقضية ليست بكثرة النصوص ولا وفرة الآيات والأحاديث، وإنما الأمر توفيق من الله الذي يفتح البصائر فتدرك الأحكام، {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}. فقد تنتكس القلوب، وترتكس الفطر، فلا تظهر فيها صور الأشياء جلية على حقيقتها، وقد ترى النفوس المعروف منكرا والمنكر معروفا، وقد تمرض القلوب بشهواتها، وتضل النفوس بأهوائها. قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم قال تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ}. فندعو الله عز وجل أن يهبنا عين البصيرة لتبصر البصائر التي أنزلها إلينا، وهذه البصيرة تفجر في القلب ينابيع المعرفة والإدراك، وهذه لا تنال بكسب ولا دراسة، إن هو إلا فهم يؤتيه الله عبدا في كتابه ودينه على قدر بصيرة قلبه، وهذه البصيرة تنبت في أرض القلب الفراسة الصادقة، وهي نور يقذفه الله في القلب يفرق به بين الحق والباطل، والصادق والكاذب، وقال تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} - قاله مجاهد - وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عزوجل)، ثم قرأ قول الله عزوجل: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}. منقول للفائده |
#2
| ||
| ||
رد: لماذا نجاهد؟ سؤال لك واحد منا مشكور جدا على الموضوع الرائع |
#3
| ||
| ||
رد: لماذا نجاهد؟ سؤال لك واحد منا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك اخوي على الرد ودمت بالف خير |
#4
| ||
| ||
رد: لماذا نجاهد؟ سؤال لك واحد منا وبارك الله فيكم على الموضوع القيّم أخوكم في الله فارس السنّة
__________________ يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله) في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض (( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )) الزمر : 36 ألا أن سلعة الله غالية .. ألا ان سلعة الله الجنة !! |
#5
| ||
| ||
رد: لماذا نجاهد؟ سؤال لك واحد منا وبارك الله فيك اخي وتقبل مروري
__________________ الوقت يداهمني والعمر يسرقني لكن لا املك سوى شكر لكل من تقبلني في هذا المنتدى واتمنى من الله ان يجمعنا في الجنان العليا اخوكم سامر البطاوي |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
لماذا.......لماذا؟؟؟ | *m.d* | نكت و ضحك و خنبقة | 14 | 07-09-2009 12:07 AM |
فضل صيام 6 من شوال | fares alsunna | نور الإسلام - | 14 | 10-18-2007 07:55 PM |
لماذا ؟؟؟ | نوراء | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 25 | 07-03-2007 11:08 AM |