04-01-2014, 01:55 AM
|
|
الاخلاق في الاسلام الجزء الثامن والاخير حمداً لمن تفرّد بالبقاء، وتوحّد بالربوبية والكبرياء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء، وعلى آله الأصفياء وأصحابه الأتقياء.. وبعد الحلم وبه نختم والله المستعان وعليه التكلان وهو الهادي الى سواء السبيل
الحلم هو ضبط النفس عند الغضب ، والصبر على الأذى ، من غير ضعف ولا عجز ابتغاء وجه الله تعالى وتتفاوت قدرات الناس في ضبط النفس ، والصبر على الأذى ، فمنهم من يكون سريع الانفعال ويقابل الأذى دون النظر في العواقب ، ومنهم من يتمالك نفسه ، ويكبح جماح غضبه ، ويتحلى بالصبر والحلم ويتلمس الأعذار والمبررات لمن أساء إليه ، وهذا هو الرجل الحليم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه رضوان الله عليهم بالتحلي بالحلم في تعاملهم ، ويحثهم عليه بنفس القدر الذي يحثهم على طلب العلم وكان مع ما أعطاه الله من خلق عظيم وصفات حميدة يدعو الله بأن يجعل الحلم زينة له فيقول : « اللهم أغنني بالعلم ، وزيني بالحلم ، وأكرمني بالتقوى ، وجملني بالعافية » كما يرفع الله تعالى منزلة الرجل الحليم ، فإنه يناصره ويقف إلى جواره أمام من يعاديه ، فقد روي « أن رجلا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، ويجهلون علي ، وأحلم عنهم ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إن كان كما قلت فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك » ويعد الحلم وسيلة إلى تبوء المراكز الهامة في المجتمع ، وكانت العرب تقول في أمثالها : (من حلم ساد) ومن هؤلاء الذين تزعموا أقوامهم بسبب حلمهم عرابة بن أوس ، والأحنف بن قيس ، وروي أن معاوية بن أبي سفيان قال لعرابة بن أوس : بم سدت قومك يا عرابة ؟ فقال عرابة : يا أمير المؤمنين كنت أحلم عند جاهلهم ، وأعطي سائلهم ، وأسعى في حوائجهم ، فمن فعل منهم فعلي فهو مثلي ، ومن جاوزني فهو أفضل مني ، ومن قصر عني فأنا خير منه وإن الحلم فضيلة تقع بين رذيلتين متباعدتين ، فمن وراء يمين الحلم يأتي التباطؤ والكسل ، والتواني والإهمال ، وتتبدل الطبع عند مثيرات الغضب ، ومن وراء يسار الحلم يأتي التسرع في الأمور واستعجال الأشياء قبل أوانها ، والذي جعل الحلم فضيلة خلقية هو اعتداله ، ومسايرته لمقتضى العقل السليم ، والآثار النافعة المفيدة الخيرة التي تترتب عليه ولقد ضرب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أروع المثل للمسلمين في الحلم فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال : « بال أعربي في المسجد ، فقام الناس ليقعوا فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين » فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا أصحابه ، كيف يكون الحلم بالجاهلين وكيف يكون الرفق بهم . ومن حلم الرسول صلى الله عليه وسلم عدم دعائه على الذين آذوه من قومه ، وقد كان باستطاعته أن يدعو عليهم ، فيهلكهم الله ، ولحلمه بهم غاية يهدف إليها فهو يرحمهم لعلهم بعد مدة يؤمنون فينجون من عذاب النار ، فيحلم بهم رجاء إصلاحهم روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال : « كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » والغضب هو مفتاح الشر ، فالشخص الذي يغضب سريعا ، كثيرا ما تصدر عنه تصرفات خاطئة ، لذا روي أن أبا الدرداء قال : « يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم لا تغضب ولك الجنة » وقد مدح عليه الصلاة والسلام أشبح عبد القيس فقال : « إنك فيك خصلتين يحبهما الله ، الحلم والأناة » ومن أن عمر بن عبد العزيز دخل المسجد في أحد الليالي ، وكان مظلما لا نور فيه فعثر برجل نائم ، فرفع الرجل رأسه إليه وقال : أ مجنون أنت ؟ فقال عمر بن عبد العزيز : لا ، فهم الشرطي الذي كان يصحبه بضرب الرجل ، فقال له عمر : (لا تفعل إنما سألني أ مجنون أنا ؟ ، فقلت لا ) وكما رغب الإسلام بالحلم وحث عليه ، حذر من الأخلاق المنافقية له ، وعمل على تربية المسلمين تربية عملية تأخذ بأيديهم حتى يكونوا حلماء .
وإن الحلم لفضيلة حيوية للمسلمين ، فهو يصون علاقاته مع أهله ، وجيرانه ، وزملائه ، وشركائه ، وكل من يتعامل معه ، وكلما زادت سلطاته وقدراته ونفوذه ، كان حلمه أنفع له ولمن يحكم . |