عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 05-01-2014, 11:13 PM
 
الكلمة العظيمة...أوصاف وألقاب
22/02/2014
إسلام ويب



كلمةٌ لا كغيرها من الكلمات، هي الغاية التي لأجلها أُنزلت الكُتب، وبُعث الأنبياء وأُرسل الرُّسل، ما وجدت الخلائق كلها إلاّ لأجلها، وبها قامت الأرض والسماوات، ولأجلها أعدّ الله جلّ جلاله للناس يوماً يفصل فيه بين العباد، فيذهبون إلى الجنّة أو النار، ولأجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر، فكان لكلٍ منهما مآلٌ يليق بموقفه من هذه الكلمة العظيمة: لا إله إلا الله.

وهل للثقلين: الإنس والجنّ، معنىً من وجودهم في هذه الحياة الدنيا، إلا بتحقيق هذه الكلمة، والعمل بمقتضاها؟، إنهم لولا هذه الكلمة، لكان وجودهم كعدمهم، فهي المقصد الذي خلقوا لأجله، قال الله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56)، وفي هذا الإطار نفهم أن أوّل ما أوجبه الله على لسان رسوله هو الإقرار بكلمة التوحيد، نجد ذلك في مواضع مستفيضة من الوحيين، منها: التوجيه النبوي لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، حين بعثه إلى اليمن لدعوة أهلها إلى الإسلام ودين الحق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) رواه مسلم.

هذه الكلمة التي تتفجّر منها ينابيع الإيمان، تكاثرت الأوصاف التي جاءت لبيان عظيم مكانتها ومنزلتها، وبِعِظَم الأوصاف يعظم الموصوف ويتبوّء مقامَه، فلنقطف شيئاً من زهور كلمة التوحيد :

كلمة التوحيد، هي العروة الوثقى، قال الله سبحانه وتعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} (البقرة:256)، والعروة كما في اللغة: المقبض ،وموضع الإمساك وشدّ الأيدي، وهي وُثقى: بمعنى أنها أكثر ما يُوثق به، لأن (وثقى) فعل تفضيل جاء على صيغة المؤنث، فالمقصود أن من آمن بكلمة التوحيد فقد عقد لنفسه من الدين عقداً وثيقاً لا يمكن حلّه؛ فهي في نفسها محكمةٌ قوية، وربطها قوي شديد، وحبلُها ممدود إلى السماء. وتفسير (العروة الوثقى) بكلمة التوحيد جاء على لسان سعيد بن جبير والضحاك، فقد روى الطبري عنهما ذلك وأورده عند تفسير هذه الآية.

وكلمة التوحيد، هي العهد قال تعالى: {لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا} (مريم:87)، والعهد هو الأمان والوصيّة، فكأنّ من شهد بهذه الكلمة فله العهد والذمّة، حتى نال استحقاق الشفاعة للآخرين، جاء عن ابن عباس رضي الله عنه، عند تفسيره لآية: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} قوله: "العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله".

وكلمة التوحيد، هي كلمة الحق. قال تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف:86)، يقول الطبري: "هم الذين يشهدون شهادة الحق فيوحدون الله، ويخلصون له الوحدانية، على علم منهم ويقين بذلك، أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها".

وكلمة التوحيد هي دعوة الحق، وما سواها فهي دعوة الباطل، قال الله جلّ في علاه: {له دعوة الحق} (الرعد:14)، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية السابقة قوله:"شهادة أن لا إله إلا الله"، وعن علي رضي الله عنه: "التوحيد"

وكلمة التوحيد، هي كلمة التقوى، قال الله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} (الفتح:26)، وقد ذكر الله هذا الوصف في معرض صلح الحديبية، حين استنكف كفّار قريشٍ عن النطق بالشهادتين واستكبروا عن ذلك، فبيّن الله إلزامه للمؤمنين بقول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار، وأليم العذاب، وحكم لهم باستحقاق هذه الكلمة دون أهل الكفر، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار) فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنا أحدثك ما هي؟ هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله تبارك وتعالى محمداً عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله عمه أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله" رواه أحمد، ومعنى "ألاص": أراده عليها وأرادها منه، وورد هذا الربط بين كلمة التقوى والتوحيد عن أبي بن كعب رضي الله عنه، رواه البخاري معلّقاً.

وكلمة التوحيد هي القول الثابت، قال تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} (إبراهيم:27)، وورد في الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أُتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت})، وهذا هو لفظ البخاري. ومعنى (أُتي): أتاه الملكان فسألاه عن هذه الكلمة.

وكلمة التوحيد، هي الحسنى، والمذكورة في سورة الليل:{فأما من أعطى واتقى*وصدق بالحسنى*فسنيسره لليسرى} (الليل5-7)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله عز وجل:{وصدق بالحسنى}، قال: "صدق بلا إله إلا الله"، وسرّ وصفها بهذا الوصف، هو حسنها في ذاتها، وحُسنها في مآلها وآثارها، فهي كاملةُ الحُسْن والجمال.

وكلمة التوحيد، هي الكلمة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: {ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء} (إبراهيم:24)، وقد رُوي عن علي وابن عباس رضى الله عنهما تفسيرها بذلك.
وأخيراً: فقد ارتبطت كلمة التوحيد بالبطاقة التي أخبر عنها الوحي من أحداث يوم القيامة، حين تُكتب كلمة التوحيد في بطاقةٍ ثم توضع في الميزان، فتثقل لا إله إلا الله في الميزان وتطيش بها سجلاّت الذنوب مهما عظمت وصارت كأمثال الجبال، فهنيئاً لمن قالها عاملاً بمقتضاها، متيقنا من معناها.



__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-20-2014, 09:29 PM
 
أنواع الخوف
16/11/2014
إسلام ويب


ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه سيّدٌ من سادات بني سعد، أرسله قومُه رسولاً إلى نبي الهدى، فما لبث أن عاد مسلماً، وعندما اجتمع مع قومه كان أوّل ما نطق به: "بئست اللات والعزى!" فأصابهم الجزع، وتملّكهم الجزع، وقالوا: "يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون!" فأجابهم:" ويلكم! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتابا أستنقذكم به مما كنتم فيه".

إن هذا الموقف الذي درات فصوله يوم أشرقت شمس الإسلام، ليُلقي بظلاله على عبادةٍ قلبيةٍ مهمة لها ارتباطاتها بالعبوديّة، ومسائل توحيد الألوهيّة، فمن المعلوم أن التوحيد يقتضي صرف جميع أنواع العبادة لله جلّ وعلا مهما كان نوعها: مالية أو بدنيّة، أو قوليّة أو فعليّة، في الوقت الذي يكون فيه صرف أي عبادةٍ لغير الله شركٌ لا يغفره الله تعالى ولا يقبل لصاحبه صرفاً ولا عدلاً: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} (النساء: 116).

وإذا كان الخوف في حقيقته: توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب كما يقول الجرجاني، فإن الكلام عن توحيد الله في هذا النوع من الشعور الإنساني مما قد يخفى معناه على بعض الناس، فلا يتصوّر كيفيّة تحوّل هذه الطبيعة البشريّة إلى عبادةٍ تًصرف لله تعالى، أو يلتبس عليه الأمر فيظنّ أنه إذا خاف شيئاً دون الله عز وجل فإنه يقع في الشرك الذي لا يحمل عنده سوى معنى واحد: خروج صاحبه عن حياض الدين، واصطفافه مع عبّاد القبور ومنكري الأديان في المقام والحال والجزاء، وهذا كلّه ناشيء عن قصورٍ في إدراك متعلّقات الخوف المختلفة، وبالتالي حكم كلّ واحدٍ منها.

فلذلك: كانت هذه الوقفة بياناً واستجلاءً لأنواع الخوف وأقسامه، وأنها مراتب لكل واحدٍ منها حكمه الخاص.

أنواع الخوف

في الحقيقة يمكن فرز الخوف إلى عدّة أنواع ستُذكر هنا تِبَاعاً، مراعين في ذلك الترقّي في درجاتها مبتدئين بما هو واجبٌ، وانتهاءً بما هو سببٌ في إخراج صاحبه من الملّة.

الخوف من الله تعالى

ليس هناك ما هو أعظمُ من الخوف المتعلّق بالله تقدّست أسماؤه وعزّ سلطانُه؛ لأنّه خوفٌ على وجه التعبّد والتذلّل، قائمٌ على أساس استحضار جلال الله عز وجل وعظمته وهيبته، والأصل فيه قول الله تعالى: { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 175)، وقوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} (المائدة: 44).

والواجب من هذه العبادةِ ما كان مانعاً من مقارفة المعاصي والكبائر بأنواعها، والتي على رأسها الشرك به سبحانه.

وأما المستحب منه، فهو الخوف الباعث للنّفوس على التّشمير في نوافل الطّاعات والابتعاد عن دقائق المكروهات، والتورّع عن الأمور المشتبهات، والتقليل من فضول المباحات، فهذا الخوف من أعلى المراتب، حيث يورث الفرد مراقبة الله دوماً في السرّ والعلن، ويدعوه لتحقيق لمرتبة الإحسان التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه مسلم.

والخوف إنما يكون عبادةً إذا كان خوفاً من مقام الله سبحانه وتعالى، وخوفاً من الوعيد الذي توعّد به من خالفوا أوامره واقترفوا نواهيه، وهذان هما متعلّقا الخوف، وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} (إبراهيم:14)، فكان الجزاء لأصحابه: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن: 46)، قال مجاهد وغيره من المفسرين: "هو الرجل يَهِمُّ بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله، فيتركها خوفاً من الله".

وهذا النوع من الخوف له تعلّقٌ مباشر بالإيمان زيادةً ونقصاناً لأنّه من لوازم الإيمان، فكلما زاد الإيمان زاد خوف صاحبه من ربّه، ولذلك كانت خشية وخوفهم من ربّهم ليست كخشية من دونهم من العامة، وخشية الأنبياء أعظم من خشية من عداهم، وخشية الملائكة هي من أرقى المقامات، ودليل الأولى قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28)، ودليل الثانية قوله تعالى: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} (الأحزاب: 39)، ووصف النبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه قائلاً: (والله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية) متفق عليه، وفي لفظ آخر: (والله، إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي) رواه مسلم، وجاء في وصف الملائكة الكرام قول الحق تبارك وتعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} (النحل: 50)، ولا مراء أن هذه الأصناف معرفتها بالله وإيمانها به وتعظيمها يفوق بقيّة الناس، فكانت خشيتهم لله أشدّ وأعظم.

وخشية الله إنما تكون على مقدار العلم به، فمن نوّر الله قلبه وكشف الغطاء عن بصيرته، وعلم ما حباه الله من النعم، وما يجب عليه من الطاعة والشكر، عظمت خشيته لخالقه ومولاه .

يقول الحافظ ابن حجر: "كلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، وإنما كان خوف المقربين أشد؛ لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة أو نقصان الدرجة، وإن كان مائلا فخوفه من سوء فعله، فهو مشفقٌ من ذنبه طالبٌ من ربه أن يدخله فيمن يُغفر له".

ولهذا النوع من الخوف منسوبٌ لا ينبغي للعبد أن يتعدّاه، لأن الخوف المحمود هو الذي يسوق العباد إلى المواظبة على العلم والعمل؛ لينال بهما القرب من الله تعالى، فإذا آلَ الخوف إلى القنوط والإحباط واليأس من روح الله فقد شابه أهل الكفر والضلال: { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} (الحجر:56)، {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف: 87)، وقد قرن النبي –صلى الله عليه وسلم بين الشرك والغلو في الخوف، وجعله من جملة الكبائر، فقد سئل: ما الكبائر؟ فقال: (الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله) رواه الطبراني.

فالخوف من الله مطلوب وممدوح، لكن أن يطغى لينقلب على صفات الرحمة والرأفة والحلم فيذهل عنها وينسى أثرها فهو المذموم،وقد استقى شيخ الإسلام ابن تيمية هذا المعنى فقال: " الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك، فهو غير محتاجٍ إليه".

الخوف المباح

النوع الثاني من أنواع الخوف، الخوف الطبيعي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى غريزةً مركوزةً في النفوس، وهي قوة طبيعية لازمة للمحافظة على بقاء النوع الإنساني، ويعبّرون عنها بالغريزة الوجوديّة، أي التي وُجدت من لحظة الخلق الأولى، كما أنها لا تقتصر على الإنسان وحده، بل تشمل جميع الكائنات الحيّة.

والخوف الطبيعي يُستثار بسبب وجود خطرٍ خارجي يدركه الفرد، فيولّد عنده الشعور بالخطر، أو لأجل التعلّق بالمجهول، عندها يكون الإنسان عُرضةً للخيال والشك، ولا شك أن هذا النوع من الخوف طبيعي وضروري لحماية الفرد ودفعه نحو العمل والسلوك النافع، كما يقول خبراء الاجتماع، فمن خاف البرد لبس الثياب الثقيلة، ومن خاف من الجوع بادر إلى الطعام، ومن خاف العدو حصّن نفسه واستعد للقائه، وهكذا دواليك.

وما أدق الوصف القرآني للشخصيّة الإنسانيّة الخائفة، قال الله تعالى في ذلك: { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا* هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} (الأحزاب: 11)، وقال تعالى: { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} (الأحزاب: 19)، وقال سبحانه: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون* يجادلونك بالحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (الأنفال: 5-6).

ومن أمثلة هذا النوع: الخوف من الكوارث والزلازل والأعاصير، والخوف من الأصوات العالية كصوت الرعد، والخوف من الليل والظلام، والخوف من الأمور المفاجئة التي تظهر للإنسان خصوصاً إذا كانت البيئة المحيطة تزيد من هذه المشاعر وتوقظ مكامن الخوف.

ومما سبق ندرك أن الخوف ليس عاطفة معيبة أو سلوكاً غير طبيعي بحيث يذمّ عليه صاحبه، ويوصف بالجبن وضعف النفس، لأنه سلوكٌ فطري موروث فلا يُلام عليه العبد، ولا يوصف بقلّة الإيمان وضعف اليقين، كيف ونحن نقرأ في القرآن الكريم ذكر مخاوف الأنبياء عليهم السلام، فهذا موسى عليه الصلاة والسلام خاف من بطش فرعون وأذاه فخرج خائفاً فزعاً: {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين} (القصص:21)، {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} (القصص: 31)، ومحاورته لربّه واعتذاره بعد ذلك: {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون} (القصص:33)، وهذا يعقوب عليه السلام يخاف على ولده فيقول: {إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} (يوسف: 13)، بل هذا نبينا –صلى الله عليه وسلم- يوم خسفت الشمس في زمنه قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة قد قامت، حتى أتى المسجد فصلّى فيه صلاة الخسوف، وقال عن نفسه صراحةً: (لقد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد) رواه الترمذي وابن ماجه.

على أن ثمّة مخاوف لا يُلام عليها العبدُ لكنها خارجةٌ عن حدود المعقول، بل توصف بأنها حالاتٌ مرضيّة تستوجب علاجاً نفسيّاً وسلوكيّاً عند أطباء النفس، كالخوف من الأماكن المغلقة، والخوف من المرتفعات، والخوف من ركوب الطائرة، فلا ينبغي الربط بين هذه المخاوف وبين قوّة الإيمان.

الخوف المحرّم

وهو الخوف الذي يقود العبد إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا التركُ مذموم إذْ لا باعث له إلا الخوف من الناس، وفي مثل هذا النوع من الخوف ورد العتاب بصاحبه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله ليسأل العبد يوم القيامة، حتى يقول: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره، فإذا لقن الله عبداً حجّته، قال: يا رب، رجوتك، وفَرَقْت الناس –أي: خفتهم-) رواه ابن ماجه.

الخوف الشركي

وهذا هو أخطر أنواع الخوف، وهو القادح في التوحيد، وضابطه: أن يخاف العبدُ من مخلوق خوفاً مقترناً بالتعظيم والخضوع والمحبة. وله تسمياتٌ متعدّدة، منها: خوف السرّ، والخوف الاعتقادي، وكلاهما يشير إلى أنه خوفٌ يتعلّق بالقلب، فمن خاف أحداً غير الله عز وجل على سبيل العبادة، فقد أشرك مع الله غيرَه، واتخذَ معه ندّاً، فلا حظّ له مع الإسلام؛ لأن الله أمر بإخلاص العبادة، والخوف هو إحدى تلك العبادات، ثم إنه من لوازم الإلهيّة، أي: توحيد الله بالعبادة، فلا يجوز تعلقه بغير الله أصلا.

وفي إفراد الله تعالى بعبادة الخوف جاء في القرآن: {وإياي فارهبون} (البقرة:40)، وهي آيةٌ تدل على أن المرء يجب أن لا يخاف أحداً إلا الله تعالى، والأمر بالرهبة يتضمن معنى التهديد، ومثله قوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} (المائدة:44)، وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين أن يخافوا غيره، وأمر لهم أن يقصروا خوفهم على الله، فلا يخافون إلا إياه، وفي قول الله تعالى: {ولم يخش إلا الله} (التوبة:18) أُريد به خشية التعظيم والعبادة والطاعة، فإن الخوف: عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله، فكان تفسير الآية كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "أي: لم يعبد إلا الله".

ومن الآيات المهمة في هذا المقام قوله تعالى {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} (آل عمران:175)، أي: يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذو بأس وشدة. وتمام الآية: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، يقول ابن القيم: "فأمر تعالى بإخلاص هذا الخوف له، وأخبر أن ذلك شرط في الإيمان".

وهذا النوع من الشرك هو ما يقع من القبوريين، فضلاً عن عبّاد الأصنام والأوثان، وهو خوفٌ من المخلوق بمالا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ثم إن هذا الخوف يتضمّن اعتقاد النفع والضرّ لغير الله عز وجل، بل بلغ الحال بهم إذا استُحلف بالله أن يُعطي أيماناً كاذبة، وإذا استُحلف بميّتٍ وصاحب قبرٍ رفض ذلك بشكلٍ حاسم، لخوفه من ذلك المقبور أكثر من خوفه من الله.

والوثنيّون قديماً وحديثاً تُذكر لهم أحوالٌ عجيبة من الخوف الشركي، فيعتقدون أن أصنامهم وآلتهم قادرةٌ على إحداث الضرر في أهل الإيمان والتوحيد، فهذا الخليل إبراهيم عليه السلام قالها في وجه قومه: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} (الأنعام: 80-81)، وذكر الله تعالى عن قوم هود قولهم: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} (هود: 54) وقال تعالى: {ويخوفونك بالذين من دونه} (الزمر: 36).

ومن أسرار الحكمة أن الله تعالى تعبّدنا بعبادة الخوف فيأمرنا بإخلاص الخشية له سبحانه وتعالى، ثم بيّن لنا ما يدعونا إلى ذلك بذكر عظمة الله وكبرائه وجبروته، ووصف دار العذاب وألوان النكال جزاءً لمن عصى وأبى، ليكون هذا الشعور الفطري سبيلاً يسلكه المكلّف فيستعين به في عبادة ربّه وطاعة مولاه، والتوكّل عليه، والإنابة إليه، فيُحسنون التعامل مع الخوف حتى: (يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات) رواه الترمذي.




__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-16-2015, 02:40 PM
 
جزاك الله خير
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-12-2016, 12:40 PM
 


ولا تستطيعها البطلة
24/05/2015
إسلام ويب



لفظةٌ نبويّة وردت في حديث من أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وذلك في معرض الحديث عن فضل سورة البقرة، وعظيمِ دورِها في حماية الناس من شرّ الشياطين ومن كيد السحرة والجانّ، ولعموم بركتها وكثرة خيراتِها. والحديث الذي وردت فيه، يرويه الإمام مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة) رواه مسلم.
******
ويرد هنا سؤال عن أهميّة سورة البقرة وأسباب بركتِها وخيريّتها، والرابط بينها وبين الوقاية من الجن والشياطين، وفوق ذلك: من هم "البَطَلَة" الذين ورد ذكرهم في الحديث، ومعنى عدم استطاعتهم لها، وما أهميّة هذه السورة للذين ابتلاهم الله بأمراض السحر وكيد الساحرين.

******
بداية نقول: إن سورة البقرة من أعظم سور القرآن الكريم، وهي -كما هو معلوم- أطول سوره على الإطلاق، جاء في فضلها العديد من الأحاديث سواءٌ ما تعلّق بالسورة كلّها أو ببعض آياتها، فمثال الأوّل: حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (اقرأوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان -أي الظلّة- أو كأنهما فرقانٌ من طير صوافّ، تحاجّان عن أصحابهما) رواه مسلم، ومثال الثاني: الفضلُ الواردُ في آية الكرسي، والدالّ على أنها أعظم آيات القرآن.

******
وسورة البقرة أخذُها بَرَكَة، و(الأخذ) هنا لفظٌ مشعرٌ بكلّ أنواع التعامل مع هذه السورة الكريمة، فحفظُها برَكَة؛ لأنها تشفع لصاحبِها يوم القيامة، كما صح بذلك الحديث، وقراءَتها برَكَة؛ لأنها كثيرةُ الآيات، والمرءُ يؤجرُ على كلّ آيةٍ بالحسنات المضاعفة كما هو معلوم، والأهم من ذلك ما يتعلّقُ بموضوعنا: فقراءةُ هذه السورةِ حمايةٌ لأهل البيت من الأذى الذي تسبّبه الشياطين، وسماعُها بَرَكة؛ فالمرءُ يؤجر على سماعِه القرآن، ثم إن من بركة هذا السماع حصول الحماية المذكورةِ آنفاً، والرقيةُ بها بَرَكَة؛ إذ يحصلُ الخير العميم من الرقية بها، وتكون سبباً في شفاء المسحورِ من سحرِه.

فإذا كانت السورة بمثل هذه البركات المتنوّعة الحاصلة لقرّاء هذه السورة وحفّاظها والمستمعين لها والمسترقين بها، كان من الواضح أن من أعرض عن هذه السورة تلاوةً وحفظاً واهتماماً أن يفوته خيرا الدنيا والآخرة، وكلّ من قصّر في التعامل مع هذه السورة العظيمة، سوف يقفُ موقفاً يوم القيامة يتحسّر على أوقاتِه التي ضاعت دون أن ينتفع بما في قراءة هذه السورة من الخير والبركة؛ وذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (وتَرْكُها حَسْرة).

******
(ولا تستطيعها البَطَلَة) ، هذا هو اللفظ الثالث الوارد في الحديث، والذي قد يحتاج إلى توضيح، وقد ذكر شرّاح الحديث في المراد معاني ثلاثة: الأول: لا يَقْدِر على تحصِيلِها حفظاً وتلاوةً أصحابُ البطالةِ والكسالةِ لطولهِا، فهي لذوي الهمّة العالية. الثاني: أن البطلة هم السحرة؛ لأن ما يأتون به باطل، سماهم باسم فعلهم الباطل، أي: لا يؤهَّلون لذلك، أو لا يوفّقُون له. الثالث: أن المعنى لا تقدر على إبطالِها أو الإضرارِ بصاحبِها السحرة؛ وذلك لقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} (البقرة: 102)، وكلّها معانٍ صحيحة يشهد لها الواقع، وما يهمنا هنا المعنيين الأخيرين، فالسحرةُ غيرُ قادرين على قراءتها؛ لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل، وهم غيرُ قادرين على الإضرارِ بمن تحصّن بهذه السورة العظيمة.

******
لكن ما السرّ المتعلّق بهذه السورة تحديداً؟ عند التأمّل فيها وفي فضلها تتكشّف لنا بعض الحقائق المهمة، أوّلها: أن سورة البقرة هي أول سورةٍ في المصحف تحدّثت عن السحر، وحذرت منه، وذلك في قوله سبحانه: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة:102)، ومما احتوته هذه الآية نفي قدرةِ الشياطين والسحرة على الإضرار بأحدٍ إلا أن يشاء الله.

******
ومن عظيم بركة هذه السورة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم، وتأمّل كيف وُصف البيت الذي لا تقرأ فيه هذه السورة بالقبر، والقبرُ مكان مظلم موحش، ليس فيه للسعادةٍ موضع، فكذلك البيت الذي لا تُقرأ فيه سورة البقرة.

******
ومن ذلك: احتواء السورة لأعظم آيات القرآن: آية الكرسي، وقد بيّن لنا إبليس -لعنه الله- من باب: "وشهد شاهدٌ من أهلها" مدى فاعليّة هذه الآية في الحماية والتحصين والوقاية، فقد قال لأبي هريرة رضي الله عنه في القصّة المشهورة: إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم بصحّة ذلك وقال: (صدَقَك وهو كذوب) رواه البخاري.

******
إذن: فالقارئ لآية الكرسي محفوظٌ بحفظ الله، يوكّل الله له ملكاً يقوم بحراستِه، ولا يستطيع الشيطان أن يقتربَ منه مهما كان عتوّ الشيطان وجبروتِه، وإذا كانت السحرة تستعين بالجن والشياطين لأذيّة بني آدم فلا سلطان لهم على من يقرأ هذه الآية المباركة.

******
ومن ذلك: احتواء سورة البقرة على آيتين عظيمتين، هما "نور" كما سمّاهما النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهما خواتيم سورة البقرة، ومما جاء في حقهما قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كَفَتَاه) متفق عليه، ومن معاني الكفاية هنا: الكفاية والحماية من كل مكروه.

******
فهنيئاً لمن لازم قراءة هذه السورة العظيمة عن إيمان صادق، ويقين جازم، وهو جديرٌ بأن يزيل الله عنه البأس، ويصرف عنه الضرّ، ويجعله في حصن حصين، ولا يصل إليه الساحر المهين، وأنْعِم به ثواباً وأجراً.
******
__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-12-2016, 02:22 PM
 
سبحان الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
***** ســــــــــــــــؤال وجـــــــــــــــــــــــواب***** متجـــــــــــدد شهرزادانا نور الإسلام - 29 05-10-2016 07:18 PM


الساعة الآن 12:03 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011