04-19-2014, 06:23 PM
|
|
"2"
"وقت الاستيقاظ .. سيد داغن تيسلر ،
وقت الاستيقاظ .. سيد داغن تيسلر"
انتصبت مفزوعا من رقادي ،
ألهث و أتصبب عرقا من الكابوس الذي زارني بشكله المعتاد حد الألم ،
احتجت لدقيقة كاملة حتى استوعب أنني في فراشي الوثير في إحدى الشقق التابعة لحكومة (الأسياد) ،
تحديدا في البناية المتطورة التي حظيت بشرف السكن فيها دونا عن الجميع !
نظرت من خلال الزجاج الذي احتل حائطا كاملا يسار السرير ،
إلى مشهد البنايات الحديثة الشاهقة الارتفاع و شمس الصباح تنعكس عليها ،
العاصمة (فلاندرس) كانت بقعة اعتنى (الأسياد) بجمالها بشكل خاص ،
لكن ذلك المشهد الرائع لم يبعث في نفسي شيئا عدا الكآبة و الإحساس بالسجن !
ربما أطلق (الأسياد) سراحي بعد سجنهم إياي لإعادة تأهيل دام ثلاثة عشرة عاما ،
لكنني مازلت أشعر بأصفادهم حول معصمي .. تكبت علي أنفاسي !
لم أكن غبيا ...
و كنت أفهم بأن بقائي حيا إلى جانبهم بصفتي ابن آلان تيسلر ،
يكون أكثر فائدة لهم من موتي !
و بعد ثلاثة عشر عاما من غسيل الدماغ البطيء ،
نجح مركز إعادة التأهيل بغرز خصلة الوفاء (للأسياد) و الحكومة في داخلي غرزا !
فعلوا ذلك دون أن يغيروا من ذكرياتي أو قناعاتي الخاصة !
لم أعد (ببساطة) قادرا على تحدي سلطتهم ،
و لن أجرؤ على المحاولة أبدا !
.أشعرني التفكير في ذلك بالعجز ... وهو الشعور الوحيد الذي لازمني طيلة السنوات الماضية.
راح الصوت الأنثوي الآلي للمنبه يصدح في الغرفة بإزعاج :
"وقت الاستيقاظ .. سيد داغن تيسلر ،
وقت الاستيقاظ .. سيد داغن تيسلر"
نهضت بإرهاق معنوي سببه تلك الذكريات التي رافقت كابوسي ،
و خلو حياتي من أي معنى أو هدف أتطلع إليه ...
سيادة العقول و العلم ضد الروحيات و المشاعر ...
صنعت مني الشبح شبه الحي الذي أنا عليه الآن !
خطوت نحو زاوية الغرفة البيضاء الجدران و الأثاث ،
الخالية من اللمسات الإنسانية ،
و ضغطت زرا مختفيا في جدارها الأبيض فتح لي فيه بابا للحمام.
و بعد نصف ساعة قضيتها في تجهيز نفسي ،
عدت إلى الحجرة ليستقبلني صوت التنبيه الذي لم يتوقف عن التكرار.
فأمرت بشيء من الحدة :
"أبطل المنبه !"
و توقف على الفور منصاعا لأوامري الصوتية.
لم أكن قد انتهيت من ارتداء معطفي حين انزلق باب الغرفة منفتحا ،
و تقدم عبره البروفيسور إيستن ..
بوجهه الزائف بدءا من تقاسيمه المصطنعة الجمال ،
إنتهاء بابتسامة شفتيه التمثيلية الود !
كان الرجل قد ناهز الخمسين على أقل تقدير ،
لكن حداثة العلم نجحت في إبقاء مظهره أصغر بخمسة عشرة عاما على الأقل !
و كان فيه شيء يجتذب الكراهية نحوه ،
يحتار المرء أغرور و عجرفة إيماءاته السبب ؟!
أم كونه يجسد إنسان المستقبل الذي يجد كثيرون صعوبة في التحول إليه أو القبول به ؟!
بالنسبة لي كان أي من السببين كافيا جدا لأمقته لأجله !
ابتدأ يحييني قائلا :
"صباحك سعيد يا داغن."
تعلمت خلال السنوات السابقة أن تجنب إبداء رأيي الحقيقي سيوفر علي مشقة بالغة ،
و هكذا كنت قادرا على أن أجيب دون أن أعني أي حرف :
"صباح الخير بروفيسور إيستن."
قلتها كابتا غمغمة متذمرة من مقدار الخصوصية الذي أحصل عليه ،
و كيف أنه لم يتغير منذ أيام السجن !
اتسعت ابتسامة البروفيسور إيستن لإجابتي ، قال :
"إذا .. أأنت مستعد لأول ظهور لك أمام الناس ؟"
"مستعد سيدي."
أجبته بإقتضاب ، و سره جمودي بدل أن يستاء منه !
كان إيستن مسؤولا عني منذ لحظة خروجي من مركز إعادة التأهيل ،
مسؤولا بحيث وجب علي أن أمتثل لتعليماته و أوامره دون اعتراض أو سؤال ،
ذلك إن لم أرغب في العودة لجحيم إعادة التأهيل ذاك لثلاثة عشر سنة أخرى !
و لسوء حظي ، لم تكن مهمة إحتماله وحدها سهلة البتة ،
فقد كنت أكره زيف و اصطناع الرجل ..
الذي ماثل نقيض ما تلقيته في حياتي السابقة !
"اليوم ستنتهي مهزلة ذلك الوغد المدعو (حارس المساء) ...
لن يجد من يحرضه ضدنا طالما ستوجه الناس بنفسك ..
مهما كان ، لن يتفوق على تأثيرك ... داغن تيسلر !"
بدا أنه يتلذذ بنطق اسم كنيتي كأنه يستذكر بإنتصارهم القديم !
لم أشعر بأي إهتمام بمصير ذلك الثوري الجديد الغامض في الساحة ،
الذي أطلق على نفسه اسم (حارس المساء) ،
علمت بأنه كان يحرك مشاعر الكثيرين بهجماته العدوانية ضد حكومة (الأسياد) ،
و الآن هم راغبون بتحويله من بطل إلى رمز للشر بمساعدة اسم عائلتي الذي مازال له أثره الأسطوري !
"أنا جاهز سيدي."
تفحص البروفيسور إيستن هيئتي بشكل تقييمي بينما يدور حولي و كأني زهرية يبتاعها لتتناسب و أثاث بيته ،
و حاربت الإحساس بالمهانة بينما أقف مكاني بثبات !
ذكر (بوقاحة صرفة) أني شديد الشبه بوالدي المقتول وهو أمر مثير للحماسة و للأسف في وقت واحد !
و أثنى على أناقة الملابس البيضاء التي ارتديتها و كأن لي يدا في اختيارها !
ثم أخرج من جيب معطفه علبة صغيرة ناولني إياها قائلا :
"ارتدي هذه."
نظرت إلى العلبة باستغراب ،
ثم فتحتها لأجد بداخلها نظارة طبية أنيقة ذات إطار رفيع مذهب ،
كانت من النوع الذي لم يعد أحد يلبسه بعد الآن !
رفعت بصري إليه بسؤال لم أنطقه ، فأجابني :
"ستعزز صورتك أمام الناس فالبسها و احرص على ألا تخلعها أبدا."
وضعت النظارة على عيني دون اعتراض ،
و لاحظت فورا أنها مصممة لأجلي خصيصا بحيث لا تؤثر على نظري الممتاز أساسا !
استدار البروفيسور إيستن و تحرك مغادرا الغرفة ،
و دون أن يأمر عرفت أن علي اللحاق به ...
فخرجت في إثره متشائما من التحدي الإعلامي الذي سأخوضه مرغما ضد رجل يحمل أهداف والدي ذاتها ،
أهداف و إن كنت قد نسيت معنى السعي خلفها إلا أني مازلت احترمها.
حارس المساء ... أي رجل أنت ؟!
و ما مقدار استعدادك للقتال لأجل أهدافك يا ترى ؟!
|
__________________ - أستغفر الله وأتوب اليه عدد ما ذكرهُ الذاكرون
و غفلَّ عن ذكرهُ الغافلون !
التعديل الأخير تم بواسطة darҚ MooЙ ; 05-11-2014 الساعة 07:49 PM |