رائع جداً ي غاليةواصلي ♥ .¤. وسط تلك الحديقة الفاتنة الغناء..التي تراقصت
زهورها المتفتحة على وقع زقزقة العصافير الناعمة..جاب عبق الياسمين الفواح ردهات المكان..ليحط على زهرة حبهما الندية المتفتحة على أوجها..
على حافة تلك النافورة الجميلة التي كانت قطرات الماء تتسابق منتحرة من أعلاها بتهور لتسقط على صفحة المياه الراكدة مشكلة دوائر لا متناهية..
جلسا هناك..ليضفي الجو على جلستهما رونقًا و رومانسية..كانا هناك كعصفوري حبٍ صغيرين يحلقان بسماء عشقهما الوردية الخاصة..
أنزلت رأسها مبتسمة و قد احمرّت وجنتاها حياءً..لتردف:
-أوه..عزيزي و لم هذه القبلة؟
أجاب و هو يزيل خصلات شعرها الذهبي اللامع لتظهر ملامحها الفاتنة جلية..ابتعدت عنه وقالت بحنق طفولي:
-جميعكم تقولون أحبك ثم تذهبون للبحث عن أخرَى!
استطردت قائلة،مبتعدة عن الموضوع :
-أريد زيارة روزاليندا..هل ستقلني بسيارتك أم سأذهب بمفردي؟
-حسنًا طفلي الجميل! سأستحم ثم نذهب!
أردفت بمرح مبعثرة خصلات شعره الأسود..أشاح نظره للجهة الأخرى ممتعضا من كلامها و قال:
-لست طفلا!يبدو أنكِ لست بخير اليوم بتاتا!
-آسفة حبيبي!لا أدري ما الذي دهاني اليوم..فقدت عقلي تماما!
-أخيرًا اعترفت انك مجنونة!
ضحكت بخفة مقبلةً إيَّاه على وجنته..لتردف:
-لا تنسى أن والدي يريدنا اليوم للحديث في أمر زواجنا عزيزي!
..ابتسم لها بلطف و أومأ برأسه موافقًا..أمَّا هي فقد اتجهت نحو الداخل.. أشاح ناظريه عنها ليَهُمَّ بقراءة تلك الصحيفة التي كانت بين يديه..
..كقطرة الماء التي تسقط على صفحة المياه الراكدة دون سابق انذار.. تناهى إلى سمعه صوت ارتطام عنيف و صراخ الخادمة من الداخل..ألقى ما كان بيده و أسرع نحو مصدر الصوت..لقد كانت خطيبته"جوليانا"..حيث أنها ما إن هَمَّت بارتقاء الدرج حتى اضمحلت الرؤية في عينيها و شعرت بدوار شديد..لتهوي على الأرض مغشيًا عليها..
أسرع إليها جزعًا و صرخ قائلا بقلق:
-جوليانا..ما بك حبيبتي..تكلمي!
أومأت جوليانا برأسها بصعوبة..و أمسكت يده بقوة..فتحت عينيها و استندت عليه لتجلس متأوهة بعسر..ساعدها دينيس على الجلوس..ثم حملها واضعا إيَّاها على إحدى الأرائك السوداء الفخمة التي زينت البهو الباذخ..ليصيح للخادمة قائلا:
-أحضري لها كوب ماء بسرعة!
أمسك بيدها و استطرد قائلا بقلق:
-حبيبتي أأنت بخير؟ما الذي جرى لك؟
-لا شيء دينيس..لا داعي للقلق!آسفة لإرعابك!
قالت بصوت متقطع منهك مسندة رأسها إلى كتفه..واضعة يدها المرتجفة بيده..ضمها إليه أكثر و قال:
-سنذهب للمستشفى جولي..لست بخير البتة!
-لا داعي دينيس..أنا بخير!
قالت بانزعاج و هي تضع قدميها على الأرض محاولة الوقوف بصعوبة..إلا أنه نهرها قائلا:
-كفي عن عنادك الطفولي هذا..أنت مريضة و ستذهبين للمشفى شئت أم أبيت!
ليحملها و يتجه نحو سيارته البيضاء البراقة الفاخرة..أمَّا هي فقد كانت تحرك قدميها في الهواء و تقول بغضب محاولة الإفلات منه:
-دعني و شأني دينيس..لا أريد الذهاب اتركني!
وضعها على المقعد الخلفي و انطلق بها نحو أقرب مستشفى في المدينة..جلست باستسلام و أضافت بغضب طفولي ارتسم على وجهها المصفر تعبًا:
-قلت أنني لا أريد الذهاب..ألا تفهم ؟!
لم يعقب دينيس على كلامها..و لم يأبه لتصرفاتها الطفولية..فخوفه عليها كان يحرك جسده قلقا لا إراديًا..
ساد الصمت برهة بينهما..لتقطعه جوليانا قائلة:
-روزي تنتظرني الآن..علي الذهاب إليها!
قال دون أن ينظر إليها..نفخت وجنتيها بضيق و حملت هاتفها..أخذت تضغط على أزراره بسرعة لتقول مهاتفة أحدهم:
-مرحبا آنسة شانيل..هل روزي هنا؟..نائمة إذن..حسنا إذن سأكلمها بوقت آخر..شكرا!
أشاحت بوجهها للجهة الأخرى و بدأت تذرف بعض العبرات،تنهد دينيس متململا من حالتهما تلك،أوقف السيارة بمقربة من المشفى لينزل و يجلس بوارها على المقعد الخلفي،ضمها إليه مردفًا:
-ما بها حلوتي الصغيرة الآن؟
صرخت بحنق و نقم و هي تبعد يديه بعنف عنها،لتنزل من السيارة مستعبرة بحرقة،كانت ذاهبة إلى المجهول،ماضية فحسب،مستعدَّة للتيه على وجهها فقط للفرار من رفقة دينيس التي تشعر بنفور شديد منه،هذا الأخير الذي تأثر بتلك الكلمات"أنا أكرهك"،ضرب قبضة يده على المقعد و تمتم بسخط:
لينزل هو الآخر من السيارة لاحقا إيَّاها،ركض خلفها ليمسكها من ذراعها و يقول:
-جولي..أرجوك انتظري..أنا آسف حقا..لم أكن أقصد ازعاجك..!
استدارت جوليانا و عانقته بشدة مخفية وجهها الغارق بسيل من العبرات،لتقول بين شهقاتها:
-بل أنا..من عليه الاعتذار..آسفة..لا أعلم ما الذي دهاني اليوم..!
-تذكرت..والدي الآن ينتظرنا بلا ريب!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمسكا بعضهما من أيديهما و سارا نحو السيارة،جذبت جولي دينيس من يديه و جعلته يجلس على الكرسي المجاور للسائق،بينما احتلت مكان السائق لتقول:
-أنا من سيقود..لا بدَّ من أنَّك متعب بسببي..
قال ذلك مستسلما،ابتسمت له و شغلت المحرك استعدادا للمضي،إلا أن سمعَا صوتا خشنا يهتف قائلا:
استدار دينيس و مخطوبته جولي إلى مصدر الصوت الذي كان خلف النافذة المجاورة لمقعد جولي،ـليجدا شابا وسيما متأنقًا ذو شعر أشقر لامع،علامات البذخ ظاهرة جليا على شكله،اقترب من النافذة و فال مخاطب جوليانا:
-مساء الخير عزيزتي!صدفة رائعة حقا..!
غمز لها جوزو الأشقر غمزة جعلت قلبها يكاد يُفلت من محجره،ابتسمت له بارتباك و قالت متلعثمة:
تنحنح دينيس ممتعضا من تجاهل جوزو لوجوده،و مغازلته لخطيبته أمام ناظريه،انتبه وزو لتواجد دينيس فقال متململا:
-خطيبها..و زوجها المستقبلي..أليس كذلك حبيبتي؟
قال دينيس محاولا إبعاد عيني جوزو عن جولي،ليتابع قائلا:
-ثم إننا مشغولين حاليا..هيا بنا جولي..!
-آسفة جوزو..أراكَ لاحقا..!
لوَّح جوزو لها بيده و أخذ يراقبها و هي تمضي بالسيارة مع دينيس،هذا الذي تضايق من كلام جوزو و مغازلته،تعمدت جولي إغاضته أكثر قائلة:
-إنه أوسم منك..تشعر بالغيرة..اعترف..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الطريق طويلا..و الهدوء المخيم على الأجواء بينهما طافح بالضجر القاتل،كانت جولي تقود أما دينيس فكان ينظر من خلال النافذة متململا،إلا أن أخرجت فرملة جولي القوية المكان من دوامة السكينة التي ابتلعته،لتطلق صرخة و تردف بحماس:
-يا إلهي..أنظر دينيس أنظر..!
نزلت من السيارة صافعة الباب لتقف أمام أحدى اللوحات الإعلانية و تؤشر نحوها بحماس مردفة:
-أنظر..فرقة شانيل سوف تعزف..!
ابتسم دينيس بهوء و هو يرتجل السيارة،متجها نحو جولي و يردف:
قفزت جولي بسعادة طفلة غرَّة ساذجة،و هي تردد:
''جوزو الوسيم''؟؟كان لتلك العبارة وقع خاص على مسامع دينيس،فقد كان لها جعل نيران الحنق تتأجج بأعماقه،ليقول بسخط و هو يركب السيارة و يصفع الباب بقوة:
تمتمت جولي ببلادة قبل أن تستوعب الأمر،لكن سرعان ما قالت و هي تركب بجانبه السيارة:
-لكن..ما الذي غيَّر رأيك؟أرجوك فلنذهب..!
صرخ دينيس في وجه جولي بغضب،و انطلق بالسيارة بسرعة جنونية تاركا غمامة من الدخان الخانق خلفه،كانت جولي تمسكه من قميصه بخوف و تصرخ:
-توقف دينيس،توقف و إلا سأرمي بنفسي من هذه السيارة..!
لم يجبها دينيس الحانق،بل زاد من سرعته غير آبه بها، هي التي اقتربت منه أكثر و تشبثت بثيابه باكية بغصة،مردفة بين شهقاتها:
-توقف أرجوك..أنا آسفة دينيس..!
عبراتها المنهمرة من عينيها جعلت قلبه العاشق لها يلين،و ينقص من تلك السرعة المفرطة،وضَعت جولي رأسها على ذراعه و أردفت شاهقة:
-أنا آسفة..سامحني أرجوك..!
قال و هو يضع يده على يدها،محاولا بثَّ شيء من السكينة في روحها المضطربة هذا اليوم..
ابتعدت عنه و هي تمسح دموعها كطفلة غريرة ساذجة،مضيفة بين شهقاتها ببلادة:
-و الآن..أيمكننا شراء التذاكر؟
ارتسمت ابتسامة على وجهه من تصرفها ذاك،ليقول:
-حسنا،عليك إيجاد مرافقٍ لك أولا..!
-لا لدي أعمال في الشركة..
قال بصرامة دون النظر في عينيها،ضمت يديها إلى صدرها و قالت ببراءة طفولية مصطنعة..مترجية إيَّاه :
-لست مضطرا لإعادة كلامي مرتين..قلت لا..!
شبكت ذراعيها مشيحة بوجهها للجهة الأخرى بعناد مضيفة:
-تبا لك..سأذهب بمفردي..لألتقي جوزو..!
تنهد دينيس بضيق ممتعضا من تصرفاتها التي لا تمت لعمرها بصلة،نظر إليها بعينين حادتين صارمتين مردفا:
-ستذهبين مع ميرندا و تعودين قبل منتصف الليل..فهمتِ؟
-أنتَ..!أتظنني سندريلا..!سأذهب مع من أشاء و أعود عندما أشاء..!ثم أن ميرندا مشغولة بدرس الرقص خاصتها و لن ترافقني..!
أوصل عنادها ذلك دينيس إلى عنفوان غضبه،أوقف سيارته و قال بسخط بادٍ على وجهه بالحواجب المقطبة:
-فلتذهبي إذن و لتتسلي مع ذلك الجوزو..!لا يهمني..!
ارتجلت السيارة بغضب لتصفع الباب خلفها،و ترمي هاتفها من خلال نافذة السيارة لتردف بسخط:
-هاتفي معك..لا أريد سماع صوتك بعد اليوم..أكرهك..!
لتمضي بخطوات غاضبة متابعة طريقها مشيا على الأقدام،أراد دينيس إيقافها و الاعتذار لكن كبريائه لم يسمح له،فقد تنازل كثيرا لها هذا اليوم،متجاهلا إيَّاها،مضى بسيارته في طريقه بعيدا عنها..نحو المجهول..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصلت جولي بيتها ووجهها غارق بعبراتها،صعدت الدرج راكضة إلى غرفتها،لتغلق الباب و تجلس على الأرض باكية..ضربت قبضتها الصغيرة على البوابة بسخط قائلة:
-تبا لكَ..أكرهك دينيس..أكرهك..!
أوقفها للحظة صوت طرق خفيف على الباب..و صوت مشبع بنبرة قلقة حنونة قائلا:
فُتح الباب على مصراعيه ليدخل ذلك الرجل الكهل ذو المنظر الباذخ ببذلته السوداء،يبدو عليه الوقار و الهيبة،جلس على الأرض بجانب ابنته جولي و ضمها إليه قائلا بحنان:
-ما بها ابنتي..لماذا تبكي الأميرة؟
-أشعر بالضيق أبي..إنه دينيس..!
-أجل أبي..أنا لم أعد أريده حقا..!
-لا تقولي هذا..إنه يحبكِ..و يريدك حــ..
-أنا لا أريده أبي..أتركوني و شأني..كلمه و أخبره أنني انفصلت عنه..!
صرخت بانفعال و نهضت منه هناك..خرجت نحو الحديقة بخطى ساخطة،لتجلس القرفصاء في إحدى أركان الحديقة..محاولة لملمة دموعها المنهمرة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أوقف سيارته هناك على مقربة من شاطئ البحر،لينزل و يجلس على الرمال،قريبا من البحر،و أخذ يرمي بعضا من الحجارة على صفحة المياه الهادئة منفسا غضبه فيها،متمتما بحنق:
-تبا..ما الذي يملكه جوزو لتحبه هكذا؟
سحب هاتفه من جيبه و ضغط على أزراره بسرعة،كتب رسالة نصية مضمونها:
''لن أستطيع أن آتي إلى الشركة لمدة آيريس..دينيس''
مرت دقائق ليرن هاتفه مرَّة أخرى..''آيريس''كان اسم المتصل..تنهد بضيق ليرفعه إلى مسمعه و يقول ببرود:
-أين أنتَ دينيس..لقد قلقت عليك كثيرا...
-لا شأن لك..دعني و شأني..
أغلق الخط ليرمي هاتفه وسط المحيط..و يهم بالمغادرة من هناك..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت لا تزال جالسة القرفصاء هناك..جفت دموعها و استردت قوتها..رفعت جولي رأسها إلى السماء و تمتمت:
-لا بد من هذا..لم أعد أتحمل..!
قاطع حضور الخادمة تفكيرها،انحنت باحترام و قالت:
-آنسة جوليانا..السيد آيريس هنا و يريدك
-و ما الذي يريده هذا كذلك؟
-لا أعلم..قال أنَّ الأمر طارئ..
تنهدت متململة و نهضت من هناك..بخطى واثقة قوية دخلت البهو..حيث كان يجلس آيريس..الشاب المهندم ذو البذلة الرسمية و الوجه اللطيف الوسيم،ينتظر جولي بشيء من القلق على قسمات وجهه الشبيهة بشقيقه دينيس،ما ّإن رآها تقترب منه حتى وقف و م يده لمصافحتها قائلا:
-بخير سيد آيريس..لم أتوقع حضورك البتة..!
شيء ما أثار الخوف في قلبها،قد يكون دينيس قد تعرض لمكروه،انتظرت على أحر من الجمر جواب آيريس، الذي قال:
-آسف لأنني لم آخذ موعدا..لكنني اتصلت بك و لم أجد جوابا..على أي حال..أردت سؤالك عن دينيس..هل حدث بينكما مشكل ما؟
جلست جولي على الأريكة المقابلة له،و قالت باستهزاء:
-أجل الأمر كذلك..شقيقك مريض نفسيا..إنه يغار من كل شيء..!
-هكذا إذن..لا بد من أنه المدعو جوزو مجددا..!
-إنه كذلك..جوزو ليس سوى مجرد صديق..و شقيقك العزيز يفهم الأمور خطأ و يحملني ذنبا لم أقترفه..لا يمكنني أن أقضي بقية حياتي مع شخص مثله!
-ما الذي ترمين إليه آنسة جوليانا؟
-أقصد أنني سأنفصل عنه ببساطة..!
قالت بغرور و استهزاء شديد،و برود و كأنها جبل جليدي ناطق بلا مشاعر..!اندهش آيريس من كلامها ذلك..ليقول بشيء من الصدمة:
-كفاكِ مزاحا..تعلمين أن دينيس مجنون بحبك..سيفقد عقله إن أقدمت على فعل هذا..!
ابتسمت بغرور مبعدة خصلات شعرها الذهبية مردفة:
-هذه حياتي..و لن أقضيها مع شخص مثله..شكوكه تثير أعصابي..!
-أرجوكِ فكري..هو لن يستطيع العيش من دونك..حقا هذه حياتك لكن...فكري قليلا به..رجاءً..
قال ذلك و همَّ بمغادرة المكان..
صعد على متن سيارته السوداء المترفة و انطلق من هناك،شعر بألم بقلبه،تزايدت نبضاته و ضاقت انفاسه،شدَّ بيده على المقوَّد بقوة محاولا استرجاع أنفاسه،اضمحلت الرؤية في عينيه و لم يستطع القيادة،حمل هاتفه و هاتف أوَّل رقم بالقائمة:
لم يستطع آيريس إكمال كلماته،فقد وعيه و اصطدم باحدى الأشجار في الطريق،ليرديه ذلك داميا بين براثن الموت الحتمي.....
*تَمَت*