الفصل [ 2 ]
من هم ؟
دائماً ما أسمع عن الصبَاح وقد عايشته بحبور , أمي تقول لي أنه عندما نشهد شروق الشمس من جديد فهو كافٍ ليجعلنا نفكر بالاستمرار في الشيء الجيد أو المضيّ والتغيُر نحو الشيء الجميل .. , يكفينا أنه يجعلنا ننظر صوب الحياة نظرةُ ملؤها التفاؤل والإشراق مبتعدين كل البعد عن التشاؤم والشقاء .. , وبالرغم من جمال هذا الصباح إلا أن جمال لذّة القهوة الساخنة والكعك بالنسبة لأبي توافق حًسن صباحنا البهيّ .. , كان أبي ولازال يعشق القهوة الفرنسية في صبيحة كل يوم وعشيه .. , أبي رجلٌ اسكتلندي , أربعيني العمر , ذُو عيون زِئبقية مميزة قد ورثتها عنه .., لأبي شخصية قوية, تتحلى بالحكمة والرجاحة غالباً .. , غير تميزها بالمهابة والروِية كذلك .. , منذ زواجه بأمي سورآ قد مكث في هذا البيت المتواضع البسيط الذي ما أكاد أن أسأم منه حقاً .. , و برأيي أن أبي شخص روتيني لا يملْ ولا يكلّ أبداً , والعلة في ذلك أنه يستيقظ باكراً كل صباح فيتناول قهوته الساخنة ومن ثم يُباشِر للمضي إلى عمله أو لزيارة والده في أيام العطل ! وإنني حقاً أجد الأمر ممل للغاية ! .. , هه وكأنني أعيش حياة تختزنها الإثارة ! وأثناء قراءة والدي لتلك الصحيفة متجاهلاً وجودي بجانبه .. أو هكذا أظن سأل وهو يقرأ الصحيفة والدتي التي تقطع الفاكهة معنا : "
ما أخبار سوزوكي عزيزتي سورآ ؟ هل أخبرته بضرورة ذهابه معنا إلى عشاء والدي ؟ " ..
وكما هو المتوقع أجابته والدتي بنبرة ملؤها الجدِية ما خلت من الاتزان فيها : "
بالطبع أخبرته بذلك البارحة ! لكنه أظهر ردة فعل عاصية " ..
أكملت حديثها بعد أن رمقتني بنظرة حادة مؤنبة : "
فقلتُ له بأن هذا أمر وراد منك أنت عزيزي " ..
رفع أبي حاجبيه بإثارة وابتسامة جانبيه قد بدت ظاهرة في تجليات وجهه الرصينة ومن ثم قال : "
أحسنتِ صنعاً , ضروري تواجد كلُ من سوزوكي وجُو في عشاء هذه الليلة فقد ألح والدي على ضرورة ذلك " ..
والرب ! إنني سأذهب كارهة غير موافقة .. إنني أعذر سوزوكي ألف مرة ومرة على عدم رغبته في الذهاب , فهناك ابتدأ الجحيم فيه واستوطن ذلك المنزل شبراً شبراً .. جحيم بالنسبة لي لا منتهٍ ! بقيّ والدايّ يتحدثان عن عشاء هذه الليلة , ومن خلال حديثهما ذُكِر أن عمتي مُصابة بكسرٍ ما .. لم أفهم كيف ومتى فلم أعلم بعد .. , ولكنني جِد فرحة لهذا النبأ الجيد جداً , ما عليّ الآن سوى أن أترقب فقط ردة فعل أخي سوزوكي حالما يدركه الخبر !!
بقيتُ في غرفتي أطالِع السقف بعينين لا ترمش .. , بالأمس تسوقت مع فتيات الصف .. , شاركتهن المرح كثيراً , ولم أتجاذب مع أيٍ منهن أطراف الحديث العميق بل السطحي كما هُن الآن ! وما يستوطن عقولهن هو الشباب والأزياء فقط , يميلون فقط للفت الانتباه لا أكثر بالرغم من أن بعضهن عفويات و بريئات .. , قد أخبرنني سابقاً أنني أبدو اجتماعية وهذا يكمن في سبب شعبيتي في المدرسة , يحسدنني على عدد الأصدقاء الذين يتناولون معي الإفطار والذين يأتون إليّ لأشرح لهم بعض الدروس ومن يشاركني الأنشطة العملية .. , ما يُغضبني في الأمر هو .. , من أعطاهن الحق في تسمية من حولي بالأصدقاء جزافاً ؟! تنهدت عندما تذكرت مسابقة المعلم جين .. , قال لي أنه سيعقد اجتماعاً يحوي أعضاء لجنة التحكيم , وقد أخبرني أنني بينهم بالطبع كَونِي مساعدته وذراعه الأيمن .. , وسيكون الاجتماع في الغد بحسب ما أوضح لي سابقاً .. ألتفت لأرى ساعتي المنبهة تشير إلى الخامسة والنصف فآثرتُ النزول حتى أسلي نفسي بمشاهدة إحدى برامج التلفاز .. وخلال نزولي سمعت تأفف أحدهم الضجر يُحدِث والدتي التي تبدو غاضِبة لسبب ما , لا شك في أن هذا سوزوكي الأهوج ! تسارعت خطواتي في النزول حتى أستطيع أن أرى وأشاهد ما يحدث .. رايته يقف بملل يكاد يبكي كالأطفال لا يرُيد الذهاب قد قال : "
هل يا ترى سيكون الانتحار السبيل الوحيد لعدم ذهابي إلى هُناك ؟! " ..
كبت ضحكتي بصعوبة ولكن لم تلبث إلا وتحررت بقوة كطير خرج من قفصه الضيق الحانق , أجابته أمي وهي تشير إليّ حتى أجلس بجوارها أمام التلفاز : "
افعل ما يحلو لك .., فقط تذكر سيغضب والدك إن لم تذهب للقاء والده ! " ..
لم يرد إلا بتنهيدة يائسة بينما أردفتُ أنا بعد أن تناولت جهاز التحكم من يد أمي : "
ولكن مالا تعلمه أيها المعتوه أن عمتي قد أصيبت بكسر ما " ..
صمت مطولاً ثم رد وكأنه لم يصدق ذلك : "
حقاً ؟ " ..
أومأت له بملل , فأردف بابتسامة شعرت بها خلال نبرته : "
تستحق , خطاياها باتت كثيرة في الآونة الأخيرة ! " ..
حركت رأسي دليلاً على الأسى فأكملت عنه : "
نعم , أنها لا تتوب ! " ..
كادت طبلة أذني أن تنفجر حالما صرخت أمي عليه بتأنيب واضح : "
أذهب وقم بتجهيز نفسك منذ الآن , لا تنسَ أنك ستقابل خطيبتك هُناك , هيا " ..
ذهب أخيراً بعد أن شتم الحال .. , بدا وكأنه سجين مظلوم سيُقاد إلى المحكمة وهو يعلم أن القاضي متحالف مع أعدائه .. , شعرت وكأنه يُحادث نفسه ويتذكر ( هل أخطأ أو أذنب بحق أحدٍ ما حتى يُلاقي هذا المصير المجرد من الإنسانية في نظره ؟ ) .. , أخي سوزوكي الغير الشقيق عمره لم يتجاوز الثاني والعشرين بعد , ذا شعر أشقر كأمي وعيون بنية كعينيها , اعتاد مناداة أبي بوالدي منذ الصغر .. , ساخر بارد .. , ذو مزاج متقلب عنيد ..
أظن أن مساء هذا اليوم لن ينتهِ على خير ! كُنا نجلس في غرفة المعيشة الواسعة حيث باب الشرفة مفتوح ينبعث منه رياح باردة لطيفة .. , والبيانو الكبير الذي يعزف عليه أخي قد كان خلفي فهو قبالة بعض الأرائك الفخمة وبجانبه خطيبته التي تبدو معجبة بعزفه وتثني عليه بمبالغة , والدي منهمك في الحديث مع جدي الذي ظلّ يرمقني تارة ويحدث أبي عني وعن أخي تارة أخرى , والموضوع واحد .. , وهو المستقبل فقط .. تكلم جدي ذو العينين الحادتين كعيني والدي مرة أخرى بإعجاب : "
إنها هادئة جداً وذكية أيضاً يا بيل .. , أظن أن لها مُستقبل مشرق ينتظرها " ..
أومأ أبي بابتسامة بعد أن رمقني بسعادة وفخر : "
معك حق أبي .. , يبدو أن ذكائها قد ورثته عنك ! " ..
ظللت فقط ابتسم مجاملة لهما , الملل قد بلغ ذروته في قصر جدي ذو البنية الضعيفة الهزيلة والظهر المحدب غير عصاه الخشبية التي أعرفها منذ أن ولدت تقريباً .. , أمي تتحدث مع عمتي سايثيريا التي لم تنفك عن سرد قصة سقوطها من أعلى الدرج وحتى خروجها من المشفى .. , أما أخي سوزوكي فأظن أنه يود شنق خطيبته تيانا التي تتحدث معه بانسجام أمام البيان بعد أن أنهى العزف .. , الأحمق أنه يُبادلها نظرة باردة مغتاظة , حسناً إذاً أنا لست الأتعس هُنا !
الآنسة تيانا جيرالدو ابنة العمة الساحرة سايثيريا , لطيفة وعفوية , تبذل قصارى جهدها لمساعدة من حولها وأنا لا أرى إلا أنه نفاق وحسب ! لم أستطع تقبلها كذلك هي لم تستطع تقبلي .. , كلانا نتبادل النظرات والابتسامات المزيفة علناً .. , مفتونة بأخي سوزوكي بقوة .. غير أنني أشعر أن بحوزتها بعضاَ من الأسرار التي قد تفيدني مستقبلاً .. , وكي أُتم صِدقي معكم فهي وأمها من ضمن القائمة السوداء .. , وجهت نظري نحو جدي وأنا أشرب الشاي .. وهمست بصوت غير مسموع : "
وذاك من يترأس تلك القائمة " ..
فزعت عندما سألتني عمتي سايثيريا بتأنيب وغرابة : "
جُو , ما بال شعركِ يبدوا قصيراً هكذا ؟! هل تستمرين في قصه كالصبيان أم ماذا ؟! " ..
هذا ما ينقصني حقاً ! وقبل أن أجيب أجابت والدتي عليها باتزان وابتسامة : "
كلا .. , شعرها لا ينموا أكثر من هذا .. ولا أدرِ ما السبب في ذلك ! " ..
وقفت عمتي ذات الشعر الكستنائي المجعد وهي تمسك بعكازتها لتمشي بها وتجلس بقربي بعد أن بعثرت شعري ضاحكة :
" إذاً هل عليّ القول أن أخي يملك صبيين وسيمين ؟ " ..
ضحكت أمي ومن ثم قالت بأمل : "
عندما تكبر سينمو شعرها بالتأكيد فتبدو كالفتيات الحسناوات , أليس هذا صحيحاً جُو ؟ "..
أومأت وأنا أضحك ممثلة السعادة حتى قُلت: "
ليست إلى هذه الدرجة , فملامحي ملامح فتاة لطيفة جميلة " ..
وسرعان ما أردف أخي من ورائي حيث البيان ضاحكاً : "
هه , فتاة لطيفة ؟! لاشك بأنها كذبة أبريل التي تأخرت عن إلقائها لنا ! " ..
ضحكت والدتي وعمتي بينما صوت تيانا بدا عالياً جداً وأكملت عنه : "
كذبة عن ألف شهر ! "
فهتفت بدوري موجهة الحديث إليها بسخرية هادئة دُون الالتفات لها "
أكملي الحكاية له , يبدو أنه قاطعك حينما سمع كذبتي " ..
الوحيد الذي قد ضحك كان سوزوكي كانت ضحكة هادئة شبه ساخرة .. , قامت بالرد علي بنفس حال سخريتي : "
هل أنا مهمة بالنسبة لكِ لدرجة إصغائكِ إلى ما أقوله ؟! " ..
قلتُ ممثلة الغرور حتى أغيظها : "
أتنكرين ذكائي الذي يشهد به جدي حتى لا أميز صوتك الذي لا يتوقف وصوت الآخرين ؟! " ..
تدخلت هنا والدتها قائلة بهدوء وابتسامة صغيرة : "
لا تكوني مغرورة من هذه الناحية , إن لم تكن ذكية فجمال الروح تكفي ! " ..
أجبتها ببرود دونما أي ابتسامة : "
وهذا هو المطلوب , على الأقل أنا أتظاهر بالذكاء فقط رغم أنها صفة لا تُنكر في ولكن غيري من يتظاهر وينافق بكل أفاعيله وصفاته المثبتة والمنفية " ..
صوبتُ نظري ناحيتها وعيناي مفتوحتان على مصراعيها تجوبها نظرة مكر وابتسامة داهِية كثعلب مُراوغ ماكِر .. , بينما بادلتني بنصف ابتسامة فقد أوفيت لها المغزى من كلامي حيث أنني أتهم تيانا بالنفاق ولكن بدون مباشرة وربما لا حظت أن أسلوبي هذا هو نفس اسلوب عدوها السابق .. , الكل هُنا على علم بأننا لا نستطيع التوافق مع بعضنا .. , والأغلب من يتهمني بأنني أنا التي لا أرغب في ذلك .. وقد صدقوا !
سمعتُ والدي الذي بدا وكأنه يُنصِت إلى ما كُنا نتحاور فيه , فقال مُنبها مُنزعجاً مني : "
جُو ! ما هذا الكلام ؟ " ..
تثاءبت بملل ومن ثم قلت بانزعاج أريد إنهاء هذا الموقف : "
حسناً حسناً أعتذر عما قلته بالتأكيد أنا لم أقصده ! " ..
بالتأكيد عمتي لن تصدق بأنني لم أقصد .. , فتبسمت وقالت بلطف أمقته : "
أصبحتِ حادة الطباع في هذه السنة جُو .. , لم تكوني كذلك سابقاً ! .. , ما الذي غيرك ؟ " ..
لم أرد عليها غير أنني أدرت رأسي بضجر .. , وفجأة وبلا أي مقدمات كان الحزن قد انغمر في قلبي ومنه شعرت بألم .. , ولكم أتمنى أن يكون ألماً لا تفضحه عيناي , فتنحدر الدموع .. أنا قوية ! نعم أنا قوية .. ولن أبكي .. , عمتي لن أغفر لك .. , لن أغفر لكِ أبداً .. , أوتحاولين بث الحزن ليّ فأبدو ضعيفة أمام عظمتك .. , خسئتِ !!! أتريدين أن تذكريني بشخصيتي الضعيفة والمهزوزة قبلاً ؟! أيضاُ خسئتِ ولن تفلحِ أبداً !! وسرعان ما عادت الأجواء كما كانت قبلاً , أبي يناقش والدي بخصوص زوج عمتي وأبنائها الذين سافروا إلى لندن للاستجمام هُناك .. , ووالدتي تتحدث مع عمتي التي تنصحها بتسريحات لطيفة لشعري القصير .. , أما أخي وخطيبته فقد خرجا للتنزه في الحديقة ..
يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر أكتوبر .. , صُراخكِ قبل مماتكِ أختاه قد أصاب مسامعي بألم وبؤس .. , أذني الحمقاء يا أختي مازالت تحتفظ بصوتك الأخير .. , صرخة موتك كانت طويلة عالِية ظننتها تأبى وتمتنع عن الانقطاع .. , بالنسبة لي أشعر أنها لم تنقطع .. , كذلك بصري الأرعن .. , وحواسي اللاأثيلة أيضاُ .. , كل ما ذكرته قد أصابني عندما سألتني عمتي عن التغير الذي جرى لي من بعدك وهي أدرى بالجواب مني ! سمعت صوت موتك كما لم أسمع أي صوت قبله , وشهدت مشهد موتكِ كما لم اشهد أيّ مشهد قبله .. , كذلك أدركت كم أنا قوية .. , قوية جداً حيث أنني لم أبكي أمامها .. , لقد تذكرت كلماتك التي سرعان ما رنت في باطن عقلي قائلة [
أيا جُو .. , أنتِ لستِ ضعيفة .. , فلا تبكي أمام من تبغضيهم ويبغضوكِ حتى وإن كنتُ أنا من تبغضيه فلا تبكي أمامي .. , أيا جُو كوني متماسكة وثيقة ذات عزمٍ شديد ] ..
استيقظتُ مبكرة هذا الصباح .. , وكالعادة أبي يحتسي قهوته ويقرأ الصحيفة وأمي تُعد الإفطار لنا .. , بقيت أساعدها في المطبخ .. , كنتُ أرتدي الزي المدرسي وأنا أعِد الإفطار .. , وحالما انتهينا وضعناه فوق الطاولة بينما والدتي نادت بصوت عالِ أخي : "
سوزوكي .. , ألن تتناول الإفطار وتباشر بالذهاب إلى الجامعة ؟! " ..
حينها نزل الدرج بسرعة وبيديه أوراق وكتب .. , أجابها بنعاس : "
ها أنا ذا , ها أنا ذا " ..
اجتمعنا ككل صباح .. , قالت أمي حينما بدأنا بتناول الإفطار : "
لن أعود إلى المنزل اليوم .. , لدي مناوبة في المشفى ! " ..
أومأت مباشرة كما فعل والدي بينما هتف سوزوكي بنعاس : "
حسناً , جُو سأذهب بكِ إلى مطعم فاخِر لتناول الغداء على حسابي " ..
سألته مباشرة بسعادة واضحة : "
حقاً ؟! عظيم ! ولكن ما السبب ؟! " ..
سأل باستنكار : "
وهل الأمر يحتاج إلى سبب ؟! " ..
ردت عليه والدتي والغرابة قد قبضت ملامحها : "
هذه ليست عادتك ! " ..
بتنهيدة قد قال: "
حسناً إنني في مزاج جيد اليوم " ..
ضحك والدي فعلق بابتسامة وهو ينظر ناحيتي : "
أشعر بأن جُو ستتمنى أن تكون دائماً في مزاج جيد " ..
ضحكنا جميعاً بحبور .. , ما ينقصنا هو فرد واحد فنكتمل جميعاً وستحلو الحياة حينها في نظري بنقص ذلك الفرد لم بعد للحياة معنى .. , وأظن سوزوكي كذلك يشعر كما أشعر به .. , شعرت بأن هذه الدعوة الموجهة لي منه ما كانت إلى لينسيني ما حدث البارحة .. , فهو كذلك قد عرف ما عنته عمتي من سؤالها ذاك .. , على كلٍ هُو الوحيد الذي يفهم ما أتحسس منه وما أعانيه .. , لكنه لا يعلم أنني أفكر بأشياء مستقبلية تَخص ما حلّ في الماضي ..
في الحصة الثالثة وأثناء شرح المعلم لمادة العلوم الإدارية كدت أن أنام بسبب الأستاذ الممل الذي يشرح درسه بكل ما أوتي من بؤس .. , وفجأة دخل المعلم جين تاكامي مستأذناً من المعلم ليسمح لي بالخروج معه , فوافق ! وعندما خرجت قال لي وهو يتجه ناحية مكتب المدير قائلاً بنصف ابتسامة واثقة : "
يبدو أن الطلاب قد تحمسوا لفكرة المسابقة فباشروا فيها ! " ..
صححت له بإحباط ونحن لازلنا نمشي : "
تقصد الجائزة ! " ..
أردفت بجدية بعدما أومأ لي وكأنه نسي أمر ضخامة الجائزة : "
وما الذي حدث ؟ " ..
ابتسم وكاد أن يضحك فأجاب : "
ثلاث طُالبات من الصف الثالث قد قدمن موهبة غنائية بطريقتهن , حيث أنهن بدأن بالغناء في بداية الحصة الثانية معلنات إزعاجهن لباقي الفصول .. , فاستاء أحد المعلمون وقام بالشكوى عليهن " ..
ابتسمت نصف ابتسامة فبررت لهم وقلت : "
ربما لم يفهمن آلية المسابقة " ..
هزّ كتفيه بعدم دراية , فتوقفنا أمام باب مكتب المدير ثم طرقه مرتين وولج فدخلت بعده مباشرة .. رأيت ثلاث طالبات مستديرات ينظرن ناحية مكتب المدير حيث أنه احتار بشأن معاقبتهن .. بينما رأيتُ شابُ لافت جداً فاتن أشقر ذا عينان حادتان بلون البنفسج بدا لي شبه مألوف تقريباً .. , حتى عيناه التي ينظر بهما اتجاهي نظرة حادة باردة كان يجلس على إحدى الأرائك وبجانبه فتاة ذات شعر أسود و مقلتين واسعتين بديعة كانت جِدُ ساحرة جميلة ! أشار إليّ المعلم جين تاكامي بالجلوس بجانبهما .. , ففعلت ذلك بصمت ودون أي تعليق !!