نقص الكيل والميزان من الأمور التي نهى عنها الشارع ،وجعلها نوعًا من الإفساد في الأرض ،والذي ينقص الكيل والميزان،يأتي يوم القيامة مفلسًا ،فينقص من ميزان حسناته،ويوضع في ميزان الناس،فيتمنى ساعتها لو زاد الكيل للناس،ولا يأخذون منه شيئًا في وقت يكون المرء فيه أحوج مايكون إلى حسنة تنجيه من عذاب الله تعالى ،وقد أتت الآيات صريحة في النهي عن الغش في الكيل والميزان .
يقول الله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ} (هود:84-86) .
ومدين هم قوم شعيب كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف، وكانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد واستوفوا بغاية ما يقدرون عليه وظلموا، وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص وشححوا له بغاية ما يقدرون؛ فأمروا بالإيمان إقلاعا عن الشرك وبالوفاء نهيا عن التطفيف، وأنهم كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم كثيرة أموالهم .
{بقية الله خير لكم}؛ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس، ويشبه قوله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} (المائدة: 100) .
{بقية الله} قال ابن عباس: أي ما أبقاه سبحانه من الحلال بعد الإيفاء {خير لكم} مما تجمعون بالبخس وإن زعمتم أنه خير: {إن كنتم مؤمنين}؛ أي بشرط أن تؤمنوا. وقيل: المعنى: إبقاء الله تعالى النعيم عليكم خير لكم مما يحصل من النقص بالتطفيف.
وقال الطبري: يعني إبقاء الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأصله خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس حقوقهم بالمكيال والميزان: {إن كنتم مؤمنين} أي مصدقين بوعد الله ووعيده وحلاله وحرامه.
قول تعالى: {ولا تنقصوا المكيال والميزان} المراد: لا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود وكذا الصنجات، ثم قال سبحانه: {وياقوم أوفوا المكيال والميزان} فجعل النهي عن الشيء عين الأمر بالضد أو مستلزما له تضمنا أو التزاما، {وما أنا عليكم بحفيظ} أحفظكم من القبائح أو أحفظ عليكم أعمالكم وأجازيكم بها، أو ما أنا بحافظ عليكم نعمة الله تعالى لو لم تتركوا سوء صنيعكم.
والأمر بإيفاء المكيال والميزان حقهما بألا ينقص في الكيل والوزن، أي بالقسط، وهو العدل من غير زيادة ولا نقصان، وهو المطلوب من إتمام المكيال والميزان وإيفائهما حقهما.
{ولا تبخسوا الناس أشياءهم} يشمل الجودة والرداءة، وغير المكيل والموزون أيضا فهو تذييل وتتميم لما تقدم .
{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}؛ فإن العثي تنقيص الحقوق وغيره؛ لأنه عبارة عن مطلق الفساد، ويحتمل أن يكون نهيا عن بخس المكيل والموزون بعد النهي عن نقص المعيار والأمر بإيفائه، أي لا تنقصوا الناس بسبب نقص المكيال والميزان .
1- عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: «القتل في سبيل اللّه يكفّر الذّنوب كلّها إلّا الأمانة». ثمّ قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل اللّه، فيقال: أدّ أمانتك فيقول: أي ربّ كيف وقد ذهبت الدّنيا. قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية فينطلق به إلى الهاوية، وتمثّل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتّى يدركها فيحملها على منكبيه حتّى إذا نظر ظنّ أنّه خارج زلّت عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثمّ قال: الصّلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة وأشياء عدّها، وأشدّ ذلك الودائع قال- يعني زاذان - فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا قال كذا. قال: صدق. أما سمعت اللّه يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء: 58]، [المنذري في الترغيب (2/ 570- 571) وقال: رواه البيهقي موقوفا ورواه بمعناه هو وغيره مرفوعا والموقوف أشبه ] .
2- عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: ما ظهر الغلول في قوم إلّا ألقى اللّه في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنا في قوم قطّ إلّا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع اللّه عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير حقّ إلّا فشا فيهم الدّم، ولا ختر قوم بالعهد إلّا سلّط اللّه عليهم العدوّ.[ الترغيب والترهيب (2/ 569، 570) ] .
3 - يوضح كل ذلك ويبينه حديث الرسول [ في تحذيره من المطففين في الكيل والميزان فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله [ فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس خصال إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن - : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا نشأ فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة وجوا السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مٌنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا فأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم».
4- قال ابن كثير: كان ابن عبّاس يقول: يا معشر الموالي إنّكم ولّيتم أمرين بهما هلك النّاس قبلكم هذا المكيال وهذا الميزان.[تفسير ابن كثير (2/ 190) ] .
1- قال جميل بن معمر:
وضعْنا لهم صاع القصاصِ رهينةً *** بما سوف نوفيها إذا الناسُ طَفَّفوا
1- قال ابن كثير- رحمه اللّه-: في تفسير قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) المراد بالتّطفيف ههنا البخس في المكيال والميزان إمّا بالازدياد إن اقتضى من النّاس وإمّا بالنّقصان إن قضاهم.[ تفسير ابن كثير (4/ 484) ] .
2- قال ابن كثير- رحمه اللّه تعالى
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) [الرحمن: 9] أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحقّ والقسط كما قال تعالى (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء: 35، الشعراء: 182 ]،[ تفسير ابن كثير (4/ 484)
3- وقال أيضا في تفسير قوله تعالى (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) [الإسراء: 35] أي من غير تطفيف، ولا تبخسوا النّاس أشياءهم[ تفسير ابن كثير (4/ 271) ] .
وكدة أكون خلصت الموضوع بتمنى يعجبكم التقرير
وكمان هو مشاركتى بمسابقة كبائر الذنوب
ولو فيه أى خطأ ياريت تقولوا حتى أصلحه
وأشكر ღFobuki Shiroღ على المسابقة
وفريقها لتنشيط القسم الأسلامى
حب7
وأريد أن أشكر نفسى على التنسيق والتصميم:nop:حب4