08-21-2014, 11:16 PM
|
|
على، أنغ،ــآآام الهَارمُونِيكاآآ،~
* ؛ لقد ولت أيامها مثلما مرت أعوامها أضحت روحاً بجسد شبحي يحتوي فتات طفلة دمرتها الحظوظ تحت وطأة غير راحمة قبلاً كانت تسمع تلك الموسيقى المطربة لأسماعها مانعة لها عن التفكير في مهالك الماضي المتعبة ها هي الآن بعد مضي سنون من حادثتها التي أودت بحياتها وأحالتها جسداً وروحاً هائمتين ببحر مكدر معكر في هذا المعترك الحالك بأفاعيل البشر... رهينة بين موتها وذكرياتها الجميلة كانت طفلة تلعب أمام ساحة بيتها قبل عشرين عاماً، تلاطف بيديها ذرات الندى على العشب المبلل قبالتها الملل رسم نقشه على عينيها القسطليتين بكل براءة فراحت تنفخ وجنتيها بضجر ناظرة صوب والدها المنهمك بإصلاح الأرجوحة لها فقد تلفت بفعل الزمن ثوانٍ من الصمت الشائك التزمتها فاستطردت قائلة - أبي، متى سيعود "باسم"؟؟ لم يكن باسم سوى جارها وصديقها الوحيد هنا والذي سافر قبل عدة أيام رفقة أبويه لزيارة جده وهي لم تكن بذاك الصبر على فراقه رد الأب مولياً لها بظهره مخفياً لإبتسامته البشوشة عنها - سيعود لا تقلقي عزيزتي "أنغام" كلمة سيعود ليست كافية أو حتى مشبعة لتسكت قلق أنغام الصغيرة وتجبره على الصمت بجوف قلبها اشتاقت إلى عزفه على آلة الهارمونيكا وإلى ضحكه ولعبه معها إلى عبثهما بأدوات والده وإلى توبيخ والدته لهما زفرت لمرة ثانية بضجر لتلج البيت محتضنة دبها القطني الأبيض بين يديها قبل أن تدخل تهادى إلى أسماعها صوت والدها منادياً - تعالى إلى هنا لقد فرغت من تصليحها، ستلعبين بها حتى عودة باسم وحينها سيكون لكل حادث حديث أعادت خطواتها مهرولة نحوه غير آبهة لباقي ما قاله حول المستقبل وشعرها البني القصير المتطاير زاد ظرافة على ابتسامتها التي غايرت شكلها قبل برهة، وضعت الدب بجوارها أسفل الشجرة اتسعت عينيها مغنية للسعادة عندما رفعها بهدوء حتى جلست عليها، دفعها قليلاً فضحكت بفرحة عارمة ببراءة كان قد افتقدها منها هي ناجته أن يلبث معها لوقت إضافي - أبي ابقَ معي قليلاً نفى بيده ليأخذ عدته مولياً أدراجه للداخل - عزيزتي، أشعر بالإعياء الآن... لا تبقي هنا كثيراً وافني فيما بعد طرفت عينيها بحزن طردته عندما رماها والدها بابتسامة هزت كيانها بحياتها وغادر رفعت رأسها أماماً وبدأت بهز نفسها ببطء مسبلة لعينيها تدندن بأنغام الهارمونيكا الغناءة بين عقلها ووجدانها نغمات جذبتها وسحبت أنفاسها، جعلتها تبتسم من عمق أعماق فؤادها الصغير يتراءى لها بوقفته عندما يهتف لها منادياً وبعدها يمسك بيدها ليلعبا معاً بالأرجوحة ويقضيا الوقت بين خصام مؤقت وانزعاج تعود إليه البسمات بعد ساعات من الفراق حسباها أعواماً هي طفلة لطالما رأت في عينيه الحالكتين كما الليل نوراً تهادى لها من عدمه في ذاك الوقت لم تشاطر إحساسها معه فقد أخذتها الأنانية لتحجب كل شيء عنها وعنه هزت نفسها ببطء لتعود الأرجوحة برفق إلى الوراء جاعلة من نسمات الخريف العبقة تلامس شعرها وتبعثره كما بعثرت أوراق الشجرة بأعلاها تدندن بذات النغمات، ضحكت ونطقت اسمه لأكثر من مرة، تشعر بالسعادة لأنه سيعود أخيراً لكن متى؟؟ على اقتراب منها كان يحاول كبحها عند المنعطف، لكنه فشل حاول من جديد لكن صرخات احتكاك العجلة بالإسفلت سبقته وسبقت محاولة تحكمه بمسار شاحنته ولم تسمعها أنغام، بل لم تكن بفطنة لها لقد اقتربت منها أكثر، الأجدر بها الهرب بين الدندنة وضرب الاحتكاك العنيف كانت مقارنة بغير وقتها كانت جالسة بمكانها كأنها تغني للموت المنتظر بترنيمة ساكنة لا تحفل بشيء راحت ضحية ميتة تناثرت على جسدها الهزيل أوراق فقدت الحياة كما فقدتها هي بذاك اللون البرتقالي المصفر المتآكل مزدانة بحمرة قانية اكتسبتها من جثة الطفلة ذات ملامح باسمة وروح بيضاء ناصعة بعبق طفولة معلقة مرت عشرين عاماً وهي تتحرق له، ترغب برؤيته وأن يكتنف يدها كما كان فلقد غادر أبويها البيت بعد أن حزنا على فراقها وبكيا حتى جفت الدموع عنهما في محاولة يائسة لنسيان شكلها ونسيان طلتها الضاحكة فكرا بأن نهاية ألمهما هو الرحيل لكنهما نسيا تماماً حزنها فهي لازالت على تلك الأرجوحة الخيالية تدندن بنغم الهارمونيكا وخالت أنهما بذاك الفعل نسياها حقاً وتركاها وحيدة بين عالم غريب وعالمها الذي غادرته دبها لازال موضوعاً بمكانه رغم انكسار الشجرة وتشوه مظهرها عبر مرور الزمن في وقتها انتشرت شائعات بأن صوتاً للحن ما يعم في البيت، لحن أرعب كل من أراد استئجاره والمكوث فيه هي من سببته وأرادت وقوعه لأن أملها باقٍ في أن أبويها سيعودان يوماً لأجلها ولأجل أخذها معهما بالمقابل لم تنسى باسم الذي صدم بعد رجوعه من زيارة جديه بأنها قد اختفت الموت كان الصدمة الكبرى عليه بعد أن أخبره أهله بأن هذه السنة هي الثانية المارة على يوم وفاتها فهرع حاملا للهارمونيكا وعاد لعزفه أمام الشجرة المكسورة معيدا لدبها بجوارها، أحس أن روحها كانت تنتظره ولازالت، تأسف لها عبر أنغام هي وحدها من يفهمها ويترجم ما يعنيه بلحن دامع حزين ومتألم... تلك الروح الجالسة على أرجوحة الوحدة يفعل هذا كل يوم حتى بعد سبع حين أصبح يدرس بالثانوية شغله العالم عنها فترك روحها وحيدة مجدداً وسلك درب الحياة التي فقدتها هي فكان إن تذكرها أحياناً يقف مقابلاً لها كأنه يناجي طيفها بنظرات آسية هائمة ويمر بذات العيون الغائبة بأغوار ماضيه بنفسها تعرف أن ملامحه تلك ناتجة عن الحزن المفرط فها هو يحاول تناسيها بما يفعله ثم تراه يخرج من بيته ولا يزوروها، مرت أيام وكبر كل شيء فيه... نظرته وتفكيره، بعدها سنوات غيرت جل ما بملامحه التي أضحت ساكنة على غير ما عهدت منه من مرح وطفولية بوقتها معه عزمت ذات يوم أن تترك مكانها وتدخل بيته أن تكلمه وإن كان خيالها عابثاً ترجلت عن أرجوحتها التي لم تتركها لمدة عشرين عاماً ومضت ببطء تحتضن دبها بين يديها مترددة الملاح وخائفة من ألا تجد في النصر نجوتها مرت تخترق جدران البيت بطيفها الشبحي المفزوع أعلت ناظرها تبحث عنه بغرفته، كل شيء تغير الآن، حتى بيته... لا أحد فيه هل يعقل بأن أفراده قد هجروه مثلما فعلوا مع بيتها؟؟ هذا ما جرى بمخيلتها الصغيرة، أجبرت نفسها مجدداً على البحث عنه لتجده منهكاً نائماً على أحد الأرائك بغرفة مظلمة كشبح روح بلا جسد استطاعت رؤيته وسماع ضرب أنفاسه العميقة والمتنهدة المتعبة رأت يده تتحرك بسكينة لتلامس شعره الكحيل الذي أخفى عينيه اللطفتين عنها فتحركت هي كذلك لتقف مقابلة له نطقت بأنغام الهارمونيكا الوحيدة التي تحب، طالبة منه أن يروي عطش اشتياقها لها لكنه لا يراها ولا يسمعها فكيف له أن يلبي مطلبها الأسمى؟ لم تستطع بدورها منع دموعها عن النزول فقد اقتنعت أنه فعلياً نسيها بعدما مدت يدها لتربت على رأسه... فكانت يدها تمر عبر اللامكان وتكبحها عن أية أمل آخر ليعيد ولو دقائق لبهجتها اختفت من أمامه يائسة مجدداً لن يستطيع رؤيتها فهي روح لا يمكن لأي شخص آخر رؤيتها عادت إلى أرجوحتها الخيالية لتهزها ببطء كما كانت تفعل قبل لحظات موتها أغمضت عينيها وبدأت تدندن بأنغام الهارمونيكا الحزينة أنغام، لطالما أرادت أن تكون قريبة بشكل كبير من باسم... لكنها الآن بعيدة بشكل كبير عنه دمعت عينيها كما ذرف قلبها جل اشتياقه في درب العبرات معها، رافقها كما الحنين فجأة رفعت رأسها نحو بيت باسم ولازالت الحيرة متعلقة بناظريها صحبة دموعها الحارقة سمعت صوت سعال قوي كأنه آخر لحظة بآخر شهقة لم تدري ما هو مصدره فراحت تشهق بفزع وطارت بطيفها ناحية الصوت - باسم؟؟ هتفت باسمه على غير هوادة مسرعة نحوه، ففمه كأن سيلاً من الدماء قد خرجت منه يده تقبض على جهة قلبه وتكمش قميصه بقوة وألم تربع على عينه التي سكنت بتلك الثواني القلائل تراجعت بحزن فلم تطق النظر إليه وهو كذلك متوقف عن الحراك كما كانت جلست بأرجوحتها مبتسمة بآسى على حال باسم تدندن بنغمها... لم ترتعب من تلك اليد التي وضعت على كتفها رفعت رأسها نحوه هاتفة باسمه - كنت أنتظرك - وأتيت إليكِ - تأخرت وأتيت، "أحبك باسم" ابتسم بود لم يكن بباخل به يوماً نزلت من على أرجوحتها وهي تمسك الدب بيد وتمسك بيده باليد الأخرى ... خيم السكون على مشيتهما وهما يبتعدان عن المكان حتى اختفى طيفهما معاً أرادت أنغام أن يرافقها باسم وها قد أتى لكي تكمل دربها معه بتلك الضحكة وتلك البسمة المتواضعة منه باسم كان مريضاً بالسل منذ مدة وكان يحس بقرب أنغام منه فلم يكف عن حمل الهارمونيكا والعزف عنها بأي مكان حتى وإن لم تكن هي معه... فهو يحس بطيفها في كل مكان *
؛ ~تمت~ ،
*...*...*...*
*...*...*
...
..
* |
__________________ ليسَ وهماً ، لكنهُ حقيقةٌ جميلة تَمَنيْت أن تدومَ أكْثر~ |