01-29-2015, 09:06 PM
|
|
الحبر الأحمر | | | | بدايةً أحب أنوه أن ضعاف القلوب , صغار السن و المصابين بأمراض القلب يُمنعون من قراءة هذا الفصل لما فيه من لوحات الرعب و الآلم J و أترككم مع الحبر الأحمر ثعلب درمصرنجا (الجزء السابع) الحبر الأحمر سيطر الرعب على قلوب الجالسين و فاحت روائح الهلع بين الحاضرين , جلس هذا الطفل الصغير ذو الشعر الأسود القصير يراقب هذا و ذاك مرسلًا قلبه دقات سريعة امتزجت فيها مشاعر الخوف و الرهبة من طلعة ذلك الرجل الضخم مفتول العضلات الذي صعد سلالم الشاحنة في وقارٍ جعل وجوه الرعب القابعة(1) أمامه تُبَادل طلعته بنظراتٍ مُلِئت بخلجات(2) الرهبة و الخوف , وقف هذا الضخم بصلعته التي فر منها الشَعر مدججًا(3) بسلاحه و مستطلعًا أماكن مختلفة في محيط نظره , لم يمضِ من الوقت الكثير قبل أن يقطع صمتَ الترقب صوتُ ذلك الضخم متحدثًا بأنفةٍ و بلهجةٍ عربيةٍ تشبه لهجة سكان دولة بلباستر –" أهلًا بكم في جحيم الأرض" أصدر من حنجرته قهقهةً قبل أن يستطرد -" أنتم على أعتاب عالمكم الجديد و لكل عالمٍ قواعد و قوانين تميزه دون غيره , و لدينا أيضًا ما نمليه عليكم من قوانين الجحيم" لم تفارق هذه القهقهة المتعجرفة وجهه المرعب و هو يخرج مكتوبًا من جيبه قبل أن يتابع صوته المزعج في الإنبعاث –" أولًا: لا تناقش أيٌ من ساداتك في أوامرهم و كن مُطيعًا , ثانيًا : إعرض نفسك للبيع بشكلٍ تُقنع به المُشتري لأنه اذا لم تُباع بحلول نهاية الشهر فمع كامل الأسف لن يكون بمقدورك استقبال وهلةٍ في الشهر الجديد " إرتفع صوت قهقهته بما يكفي ليدون في قلوب السامعين كُتبًا من الذل و الخوف , أرسل الضخم لمحةً في وجوه البائسين كأنه يريد التأكد من تأثير خطابه و وعيده قبل أن يواصل –"في الأخير, يُقدَّم لكل ماكثٍ في الدار رغيف خبزٍ في مستهل(4) كل يومٍ و يحق للسيد هانز مالك الدار أن يمنع عنكم ما أراد من كرمه الوفير.." أنهى كلامه موجهًا أنامل يده لتشير الى رجلٍ بالجوار و قد إلتحف داخل بذلةٍ زرقاء اللون و لُفَّت رقبته القصيرة برابطة عنقٍ زرقاء و هُيأت فوق رأسه قبعة من نفس اللون, أحاط به ضخام البنية كأنهم سُخِروا لخدمته و قد حمل بين شفتيه سيجارًا ضخمًا ينتج من مؤخرتها سحابٌ من الدخان الأسود الذي لا يعلم الحكيم مصدره , أمجرد دخان سيجاره؟ أم ما فاض من سواد قلبه!... لم أُبالِ بالمشهد بأكمله حولي من تهديد و وعيد ضخام البنية و لم أكترث(5) بتناقض الوان بؤسنا في الشاحنة مع الوان النعيم حول السيد هانز بل كان إنتباهي كله منصَّبٌ(6) نحو هذا الطفل الذي يقاربني عمرًا و قد إرتدى الوانًا و أشكالًا من الطيبات يلهو و يلعب بما أحاطه من زخارف الأشياء و حين يصيبه الكلل يتوجه بجسده ليلتحم بأحضان أبيه ذو البذلة الزرقاء فتصبح أجسادهم جزئًا واحدًا لا تفرقهم عينٌ عن بعضهم البعض , رأيته مشهدًا بث في نفسي آلام ذكريات الماضي و ربما تمنيت آنذاك أن أختلس(7) مكان الصبي فأكون انا ابن السيد هانز المدلل الذي أتبادل معه دفئ أحضان الأباء , أعادني صوت الضخم مرة أخرى الى واقعي البائس مُخلفًا خلفي أحلام الخيال , -"أسمعوني جيدًا , ربما لم يجرب أحدٌ منكم لذة العقاب بعد و لكن ان أردتم أن تتذوقوه فها قد جائتكم فرصتكم" أشهر سلاحه قبل أن يواصل تهديده بنبرته المرعبة –"سأعد حتى ثلاثة و من لم يصل للدار عند الرقم ثلاثة فليستعد لإستقبال ما يلحق به من عقاب" , مددت نظري للأمام ليقع على جمال و روعة ذلك القصر الذهبي الكبير الذي مُلئ بالزخارف و الأشجار و روعة الخَضَار تخرج من أكنانه أضواء بهجةٍ و سرور و تُطرَب مسامع قانطيه(8) بترانيم البلابل و صياح الديوك و قد أحاط بهذا الجمال ذلك السور فضي اللون بسحره الخلاب, كان هذا القصر الباهر الذي أراه في الأفق لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يصل اليه جنس أدم في ثلاث ثوانٍ فقط ,و لحسن حظي أن العجوز التقطني من بحور الأوهام فوجدته يشد يدي و يقفز بي من الشاحنة في رشاقةٍ لم يخال(9) لي أن من في مثل سنه بمقدورهم إمتلاكها , لم نكن نهرول اتجاه هذا القصر الجميل و ربما خطر ببالي لوهلةٍ أن العجوز قد يكون مدركًا لطريقٍ مختصرٍ أو ما شابه ,و لكنه كان يجرني نحو وجهةٍ مختلفةٍ تمامًا , كان بناءًا عتيقًا استقر فوق الرمال يغطيه الغبار و يملئه ظلامٌ قاتم ٌ و قد خيَّم عليه الهدوء القاتل... كنا في غضون الثلاث ثوانٍ داخل هذا البناء الذي يشبه في هيكله زنازن السجون و ربما من شدة الهلع لم أتيقن اذا كان كل من في الشاحنة قد نجح في الوصول الى الدار أم تخلَّف البعض ممن تعثروا من إندفاع الرقيق , ساقنا حراس هذا الدار الى مستقرنا منه و أُمِرنا لنتخذ من رمال أرضه مجلسًا كما يُساق قطيع الغنم الى حظيرته الجافة, مكثنا برهةً من الوقت كان الصمت و الخوف أسيادها, و استمرت ملامح الرعب تتخلل الوجوه و تسودها قبل أن يزعجنا صوت الضخم مرة أخرى بعجرفته –" ربما يود السيد هانز أن يزيد كرمه عليكم فقد قرر أن يأويكم في هذه الدار فائقة الجمال و أن يحسن ضيافتكم بتقديم أشهى الطعام المُعد خصيصًا لكم لذا إتبعوني بإنتظام" أنهى حديثه بتواصل قهقهته المُستهزِئة المعتادة و أدار وجهه ليختفي خلف الجدران البالية العتيقة , لم أُفارق جوار العجوز لما تلمست فيه من معرفةٍ لمُخفيات المكان فربما كان له ماضٍ طويل و ربما مرَّ عليه من الآلام الكثير في تلك الدار, كنا نقف صفًا أمام إثنين من الحراس المسلحين الذين وضعوا أمامنا بعض الصناديق الخشبية و أخذوا يُسلِّمون كل زائر كرم ضيافته , إنه رغيفٌ من الخبز الذي ربما كان يفوقني في العمر و الذي تحول لونه الى الخضار العفن الذي تجد الحشرات لها فيه مستقرًا و موطنًا, كان الصف طويلًا و متزحزحًا قليلًا قليلًا , و بعد مرور وقت ليس بالقصير حان دوري لأتلقى نصيبي من الطعام و منَّيتُ نفسي بالحصول على رغيفٍ نظيف و لكن لا يوجد الصالح وسط الخبائث , حصلت على قطعتي من الخبز يائسًا و انا لا أعلم كيف السبيل لأكلها فربما مرَّ علَّي في الصحراء أيامًا لا يستطعم فمي من الطعام شيئًا و لكني أذكر أنه حينما كان يجد ما يتذوقه فبالتأكيد يكون طُعمًا يقبله لسانه و تهضمه معدته , لم يصل معدتي في ذلك اليوم من الطعام البالي بقدر ما مضغت من الحشرات و انا أراقب هذا و ذاك كيف يأكلون هذا العفن الذي بين أسنانهم و يتمزج البعض بمزاقه !! ,لم يلفت في ذلك اليوم شيئًا بقدر ذلك الشاب العشريني أسمر الوجه بريء النفس طيب القلب الذي ظل ينظر لقطعته من الخبز بضيقٍ و حنقٍ شديد قبل أن يصيح بصوته الناعم –" ما هذا العفن الذي تسموه كرم الضيافة , ربما تطعمون طوارق الليل(10) بأفضل من هذا , والله إن لم تراعوا أدميتنا فلنهجرن هذا الدار و ن..." قاطعه الرجل الضخم بصوته المخيف –" أتريد الشهي من الطعام ؟ ,لك ما أردت .. إتبعني الى المطبخ و إختر ما تريد من الطيبات" كنت على وشك أن أسير على درب ذلك الشاب ببراءة عقل الأطفال فربما ظننت أنهم سيكرموه حق الكرم و يقدموا له ما أشتهى من الطعام و لحسن حظي أن العجوز أمسك بيدي و منع فمي الصغير من الصياح بيده الأخرى و ربما فقط في تلك اللحظة فهمت ما كان يقصده العجوز من ذلك الفعل , ساور الظن عقول جميع المشاهدين بل و تيقنوا من أننا لن نرى وجه هذا الشاب الشجاع مرةً أخرى و لكن أخطأ الجميع و خاب ظن الحاضرين فقد رأينا وجهه الباسم في اليوم التالي ... كان وجهًا متكعمًا دون جسد عُلِق على مدخل هذا الدار و نُقش عليه بعض الكلام باللغة الإنجليزية التي لم أتبين لها معنىً , تسائلت بعد هذا المشهد المؤلم كثيرًا , هل كان قراري بالرحيل خاطئًا أم إنها مجرد آلام الصواب, تذكرت أمي و أخي و تخيلت حالهما حين إستيقظا مذعورين باحثين عن طفلٍ صغير في آرجاء الصحراء الفسيحة و الدمع ينهال على وجوههم كما إنهال على وجهي حال تذكرتهم, يسيرون هائمين حيارى هنا و هناك لعلهم يجدوا لهذا الولد أثرًا يتعقبوه فلم يكن من نصيبهم الا أن وجدوا هذه القطعة من القماش و التي كُتِب عليها بخطٍ ركيكٍ متقطع –"لم أُطيق أن أكون حملًا عليك أخي ولا مدعاةً لأحزانك أمي , أحبكما..." كنت أتمنى أن أُطيل الكتابة لأدون كل مشاعري على قطعة القماش تلك و ربما لو توفر لي ما يتوفر لكُتاب الروايات من حبرٍ و أوراق لتيسر كتابة كتب و مقالات المديح لهما و لكنه من الصعب حقًا أن يكتب المرء أكثر من هذه الجملة بإستخدام أحمر دمه بدلًا من الحبر الأسود ... المرادفات : (1) القابعة : المنطوية (2) خلجات : مشاعر (3) المدجج : المسلح (4) مستهل : بداية (5) مكترث : مهتم (6) مُنَّصب: ُمُوَّجه (7) أختلس : أسرق خفية (8) قانطين : سكان (9)لم يخال لي : لم أظن (10) طوارق الليل : حيوانات الشوارع بقلمى /MnsMas في النهاية أنتظر آرائكم ,تصوراتكم و نقدكم . و أترككم في آمان الله | | | | |
التعديل الأخير تم بواسطة mnsmas ; 01-29-2015 الساعة 09:26 PM |