01-12-2015, 11:40 PM
|
|
صديقي العزيز أرجوك ... سامحني الإسم : صديقي العزيز أرجوك ... سامحني نوع القصة : مدرسي / غموض / تراديجيا المؤلفة : السراب الجديد (أنا ) تاريخ الإصدار : 2015/1/12 مــ وسط أشعة الشمس الذهبية تلألأت عيناه الخضراوتان ، أدخل اصبعه الخنصر في عينه بخفة ليسقط على يده غشاء
دائري رقيق بلون أخضر شفاف .
أطلق تنهيدة يأس و اقترب من سور سقف المدرسة ، أسند يده الناعمتين بخفة و رقة ، أرجع بعضاً من خصلات شعره إلى الوراء
، رفع بصره إلى السماء الصافية التي شقتها السحب البيضاء النقية و توسطتها الشمس المتلألأة وكأنها سعيدة فرحة باليوم الجديد .
رن الجرس فعاد هايديس إلى الصف وجلس بهدوء في مقعده .
دخلت معلمة اللغة الفرنسية ، إمرأة في أوائل الأربعينات بشعر أسود كسواد الليل ، وعينان بنيتان تغطيهما نظارة مستطيلة
الشكل بلون أزرق خفيف .
قالت بصوت أجش خشن أشبه بصوت الرجال :-
- ضعوا واجبكم على الطاولة .
عمت الفوضى قليلاً في الفصل فكل طالب يحاول إخراج واجبه بأسرع وقت قبل أن تمر عليه وتنقص من درجاته .
تاججت نيران الغضب بداخل المعلمة حينما رأت أحد طلابها لم يحل الواجب ، فصرخت في وجهه بقوة :-
- أبولون أين الواجب ؟؟
تأفف ذلك المدعو بأبلون و أردف بخمول :-
- لست مضطراً لحله .
- تعلم بأن اهمالك سيكون سبباً في رسوبك .
ضحك أبولون ساخراً بملئ شدقيه و أردف بعد أن رمق المعلمة بنظرة خبث :-
- تعلمين أنه من السهل جداً طردكِ من المدرسة .
زمت المعلمة شفتيها بغضب و كظمت غيظها و خرجت بسرعة من الفصل قبل أن يتسبب غضبها في طردها ، فأبلون
ابن قائد الجيوش الحربية ولن يجرأ أياً كان على مضايقته أو ازعاجه و إلا فإن مصيره هو الموت !!
تجمع أصدقاء أبولون حوله وكل واحد يمدحه على استفزازه للمعلمة صاحبة العيون الأربع ( كما يسمونها )
اقترب فتى بشعر برتقالي يصل إلى أسفل رقبته بقليل ، يمتلك عينان خضراوتان لفهما الغموض ليضيف تأثيراً أسوداً عليها .
ظل يحدق بأبلون بغموض شديد و هدوء قاتل .
تلاقت أعين الاثنين فقام إليه أبولون بتبختر وأردف بنبرته الشرسة المعتادة :-
- هايديس لِمَ لا تشاركنا ؟
لم يعره هايديس أي اهتمام و إنما ظل يحدق به ببرود .
تنهد أبولون و أردف :-
- يا صاح لِمَ لا تنضم إلينا ؟ ستصبح عضواً مميزاًُ في عصابتنا .
أجابه هايديس بصوت بارد خالٍ من المشاعر :-
- و لِمَ ؟ هل تراني شريراً ؟
زفر أبولون زفرة غضب و ابتعد عن هايديس وهو يقول :-
- حسابك معي فيما بعد .
أغمض هايديس عينيه بهدوء ثم فتحهما مرةً أخرى لتتلألأ بين ضوء الشمس الذهبي . في نهاية الدوام الدراسي
كعادته أبولون خرج من مدرسته متكبراً متبختراً .
أتته سيارته الليموزين السوداء الطويلة التي تتسع لأكثر من عشرة أفراد .
ركبها و هو يلوح بيده مودعاً أصدقائه أو بمسمى آخر أفراد عصابته .
وجد والده في السيارة فتنحنح ثم أردف :-
- لقد عدت من العمل مبكراً اليوم أبي .
لم يجبه والده و إنما ظل يحدق به بجدية ، أردف أبولون مندهشاً :-
- أبي ماخطبك ؟!
أجابه والده بغضب :-
- لقد نشب شجار بين دولتنا وبقية الدول الأوربية .
- وماذا يعني هذا ؟
- إنها علامة من علامات الحرب .
- أتقصد بأنك ستشارك في تلك الحرب ؟
- نعم واريد أمهر المقاتلين في مدرستك و أنت على رأس القائمة .
تأفف أبولون وقطب حاجبيه ثم أردف بضجر :-
- لا أريد المشاركة في تلك الحروب المملة .
- وماذا عن المجد ؟
- ماذا تقصد ؟
- إن فزت في تلك الحرب فستنال شهرةً واسعة غير ذلك فقد يتم ترقيتي إلى منزلة أعلى .
صمت أبولون لبرهة مفكراً في اقتراح والده .
ساد الصمت بينهما للحظات حتى قطعه أبولون بحماس :-
- موافق ، سأبحث لك عن أمهر المقاتلين .
ابتسم جورج كليمانصو ( والد أبولون ) ابتسامة خبيثة فهو يعرف مهارة ابنه الواسعة في هذا المجال . في اليوم التالي
هرع أبولون مسرعاً لنادي الفنون القتالية ، فتح الباب بقوة حتى من دون أن يطلب الإذن من المدرب ، وهكذا هي العادة .
صُعِق عندما لم يجد في النادي سوى طالبين ( هايديس وفتى آخر يدعى لوكي ).
صرخ أبولون :-
- أين باقي الأعضاء ؟
أجابه لوكي بنبرته المرحة المعتادة :-
- لا يوجد في النادي سوانا نحن الاثنين .
ظل أبولون يحدق في هايديس فترة من الزمن ثم تكلم أخيراً :-
- هايديس ، لوكي ، أريدكما أن تشاركا في الحرب القادمة معي .
تساءل لوكي مستغرباً :-
- أية حرب ؟
- حرب بين دولتنا وبقية الدول الأوروبية .
ساد الصمت وأصبح سيد الموقف ، لكن هايديس قطعه بصوته الهادئ البارد وكأنه ثلج يتساقط على مسمعك :-
- أنا موافق .
فتح أبولون فمه من الدهشة ، أيعقل بأن هايديس قد وافق ؟! هكذا ظل أبولون يخاطب نفسه .
قطع شرود أبولون لوكي وهو يقول :-
- بما ان هايديس وافق ، فأنا ايضاًً سأوافق .
أردف أبولون بحماس :-
- إذاً هيا بنا .
أومأ لوكي بالموافقة بينما لم يبدِ هايديس أي انطباع . في الطريق
تساءل لوكي مخاطباً أبولون :-
- أين سيارتك المعتادة ؟!
أجابه أبولون بثقة :-
- أفضل ألا أركب السيارة اليوم .
صمت قليلاً ثم أردف :-
- أتعلمان ما مدى المجد الذي سنمتلكه من هذه الحرب ؟!
أردف لوكي وقد جحظ عيناه باتجاه أبولون مندهشاً :-
- هل تظن أن الحرب مكاناً للمجد ؟!
- نعم بالتأكيد .
حينها قاطعهما هايديس ليحبط ظنون أبولون وليفقده الآمال التي علقها عليه :-
- إذاً أنت ساذج .
غضب أبولون و انهال على هايديس بالشتائم ،فتركه هايديس ورحل عائداً إلى منزله . قبل الحرب ببضع دقائق
ظل لوكي يلتفت يمنةً ويسرةً باحثاً عن هايديس ، اعتقد بأنه قد قرر الانسحاب فحزن كثيراً .
لكن توقعاته قد خابت حينما رأى هايديس بجانبه يلهث فبادره :-
- لِمَ تأخرت ؟!
- مرض أحدهما لهذا أخذته للمشفى .
فهم لوكي قصد هايديس حتى لو تكلم بلغة أشبه بلغة الألغاز.
بدأت المعركة وتناثر الدم في كل ناحية ، وصوت إطلاق الرصاص يكاد يصم الآذان من قوته .
جنود هنا وهناكك كل منهم يسعى للنصر وحصد الغنائم .
أحدهم قد صوب سلاحه في اتجاه مقاتل معين ، وآخر قد لاحظه فصرخ :-
- أبولون !! أبولون
هل يعقل بأنني قد مت ؟! لكني لا أشعر بأي ألم اطلاقاً .
فتحت عيني محاولاً إدخال بعض من خصلات الضوء إليها ، لم أصدق ما رأيته ، هـ...هايديس!!
لكن لماذا ؟ صرخت وقد اجتمعت الدموع في مقلتي :-
- لماذا ؟ لماذا فعلت كل هذا ؟
فتح هايديس عينيه لأرى إحداهما باللون البني و الآخرى باللون الأخضر ، تكلم بصعوبة وقد غطته الدماء :-
- أنا أرد لك معروفك عزيزي أبولون .
وابتسم ابتسامة حنونة دافئة اندهشت لرؤيتها تصدر منه ، أغمض عينيه واستسلم للموت لتصعد روحه إلى بارئها ، و
ليصبح جثة هامدة مالها من معين .
سمعت صوتاُ يناديني لكنني لم أستطع تمييزه ، جُلَّ ما فعلته هو انني ضممت هايديس إلي وجهشت في البكاء .
منذ متى أصبحت عاطفياً لهذه الدرجة ؟! لطالما كنت أكره هايديس ، ودوماً كان يتجنبني ، إذاً ما الذي يدفعه للتضحية بحياته
من اجلي ؟! و ماالمعروف الذي قصده ؟
عشرات الأسئلة ارتطمت بجدار رأسي ولم تعثر لها على إجابة .
أتى أبي وحملني بعيداً عن جثة هايديس ، سألته عن لوكي فأشار بإصبعه نحوه وقد علت و جهه ملامح الحزن والألم .
لم يمر وقت طويل قبل أن يأتي أحد الجنود ويقول بذعر :-
- سيدي ، لقد هزمنا .
فزع أبي فصرخ في الجنود :-
- انسحبوا الآن يارجال .
توتر الجنود فكل منهم يحاول النجاة قبل أن يفتك به جنود الخصم .
ركضنا وركضنا حتى ابتعدنا مساحة كافية ، وهكذا تركنا ساحة الحرب التي خلفت ورائها آلاف القتلى ومن ضمنهم هايديس
الذي فجأة أصبح أعز صديق لي .
عدنا للمنزل وكالعادة لم يستقبلنا سوى الخدم فأمي قد ماتت منذ أن كنت صغيراً ولازلت أجهل السبب .
استحممت بماء دافئ لعله يهدئ أعصابي قليلاً ، ثم ذهبت لأبي لأستفسر عن بعض الأمور .
قبل أن أطرق الباب سمعت أبي يتحدث مع أحدهم عن هايديس ، اعتقد انه كبير الخدم .
ظننته في البداية يمدحه على شجاعته ، لكنني صُعِقت عندما وجدته فرحاً سعيداً بموته .
فتحت الباب بقوة وقلت :-
- أبي ، لقد ضحى هايديس بحياته من أجلي ، فلِمَ تقول هذا عنه ؟
أجابني أبي بحزن و ألم :-
- لأنه السبب في فقدانك لعينك اليسرى .
عيني اليسرى ! وماعلاقتها بهذا الأمر ؟!
وضعت يدي على عيني اليسرى ، صحيح انا دوماً أضع عليها تلك العصابة السوداء من دون أن أستفسر عن السبب يالاسُخفي !!!
سألت ابي مستفسراً :-
- ماذا تعني ؟
- لقد كنت أنت و هايديس صديقين منذ الصغر ، وعندما فقد هايديس عينه اليسرى ، لم تتحمل هذا فتبرعت له بإحدى عينيك .
بعد هذه الحادثة قررت أن أنتقم فقتلت والديه و سجنت شقيقته الصغرى .
قاطعته :-
- وأين هي ؟
- قتلتها بعد وفاة شقيقها .
لا ، مستحيل ، هذا لايعقل !!لِمَ أبي فعل كل هذا ؟ لم أكن أتوقعه شريراًَ لهذه الدرجة ، صرخت :-
- أنا أكرهك ، أنت أسوأ أب في العالم !!
و خرجت مسرعاً من الغرفة وجملة هايديس تتردد في أذني :-
(( أنا أرد لك المعروف عزيزي أبولون ))
لم أكن اعرف إلى أين أذهب ؟ كنت أمشي حيث تقودني قدماي ، أمشي كالأبله بين الناس ، تذكرت منزل هايديس فهرعت له .
طرقت الباب ففتحت لي طفلة صغيرة بنت أربع سنوات ، بشعر أصفر نافس لمعانه ضوء الشمس وعينان زرقاوتان
دافئة وبريئة وكأنك ترى المحيطات والأنهار بداخلها ، قلت لها مصطنعاً ابتسامة مزيفة :-
- هل هذا منزل هايديس ؟
أجابتني بصوت رقيق حنون :-
- نعم ، ومن تكون ؟
- أنا صديقه ، اممممم هل يمكنني الدخول لغرفته ؟!
- أوه نعم ، تفضل .
قادتني تلك الطفلة لغرفة هايديس ، فأدهشني وجود طفل آخر ابن ثلاثة أعوام له شعر برتقالي مائل للحمرة و عينان خضراوتان ذكرتني
بعيني هايديس .
ركض الطفل إلى تلك الفتاة وقال بخوف :-
- أختي من يكون ؟
أجابته شقيقته :-
- إنه صديق هايديس ساما .
بادرتهما متساءلاً :-
- من تكونا ؟
بكى الطفل الصغير بينما ضمته شقيقته و أجابتني بحزن :-
- لقد أنقذنا هايديس ساما من أحد اللصوص وتكفل برعايتنا .
صمتت ثم همست لكي لا يسمعها ذلك الصغير :-
- لا تتحدث عن هذا الآن ، فهذا يُبكي كوريكو .
ابتسمت لها من طرف فمي ، فهذه أقصى ابتسامة يمكنني رسمها بعد مارأيته اليوم في المعركة .
اتجهت لمكتب هايديس ، فوجدت العديد من الصور لي أنا وهايديس معاً ، لكن ما لفت انتباهي
هي صورتي في الصغر بدون عيني اليسرى وقد نُقِش عليها بخط رفيع جميل :-
(أنا السبب ، لا يحق لي مصادقته بعد الآن ).
انهمرت الدموع من عيني وشقت طريقها بين خدي ، ضممت الورقة وأردفت وقلبي يكاد يتقطع من الألم :-
- صديقي العزيز أرجوك ... سامحني .
اقترب كوريكو وشقيقته مني وقال بصوته البرئ الناعم :-
- أين هايديس ساما ؟
نزلت لمستواهما ، وضعت اناملي على رأسيهما ، رسمت ابتسامة حزينة ، ثم ضممتهما إلى صدري و أردفت بصوت
حزين يتخلله الأنين :-
- هايديس رحل ، رحل ولن يعود أبداً . بعد واحد و عشرين سنة
هبت نسمات الهواء من حولي ، فعادت إلي تلك الذكرى المؤلمة ، ابتسمت من طرف فمي .
هايديس كنت محقاً ، لم تكن الحرب يوماً مكاناً للمجد ، الآن فهمت هذا .
أردفت بحماس مخاطباً الجنود :-
- شدوا الهمة يارجال ، علينا الانتصار في تلك المعركة .
ألقيت نظرة سريعة على سلاحي واتجهت لساحة المعركة ، همست :- - هايديس ، لن أنساك أبداً ماحييت . تسرق الدنيا دوماً من أحبابنا... تتشبث بهم وترفض أن تعيدهم إلينا... ربما لأن هذا هو قدرهم ، الذي لا يمكننا تغييره... فهذه هي سنة الحياة... BRB |
__________________ صمتًا يا ضجيج اشباحي !!. فَسعادتي تَنتظرُني!
اَما كَفاكِ وقتاً بجعلي تَعيسَةً؟!
دَعيني لاَسعدَ وحدي!دَعيني اَبتسمُ بسعاده!
واَتركيني لاَعيش...! اختبر نفسك عني !! | معرضي !!
التعديل الأخير تم بواسطة البقرة ; 01-13-2015 الساعة 12:21 PM |