عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-31-2015, 08:12 PM
 
مع سيدنا عيسى عليه السلام .... !!!

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين
اللهمّ صلّ على سيدّنا محمّد وعلى آله وأزواجه وذريّته وأصحابه
وإخوانه من الأنبياء والمرسلين والصّدّيقين
والشُّهداء والصَّالحين وعلى أهل الجنّة وعلى الملائكة
وباركْ عليه وعليهم وسلّم كما تحبه وترضاه يا الله آمين.
مع سيدنا عيسى عليه السلام ....
قال تعالى :
[ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ{34} ]( سورة مريم ).
جاء في تفسير الرازي رحمه الله تعالى وغفر له وللمسلمين آمين.
اعلم أنه ، وصف نفسه بصفات تسع :
الصفة الأولى : قوله : { إِنّى عَبْدُ الله } وفيه فوائد :
الفائدة الأولى : أنَّ الكلام منه ، في ذلك الوقت ، كان سبباً للوهم ، الذي ذهبت إليه النصارى ، فلا جرم أول ما تكلم : إنما تكلم بما يرفع ذلك الوهم فقال : { إِنّى عَبْدُ الله } وكان ذلك الكلام ، وإن كان موهماً ، من حيث إنه صدر عنه في تلك الحالة ، ولكنَّ ذلك الوهم ، يزول ولا يبقى ، من حيث إنه تنصيص على العبودية .
الفائدة الثانية : أنه لما أقر بالعبودية ، فإنْ كان صادقاً في مقاله ، فقد حصل الغرض ، وإن كان كاذباً ، لم تكن القوّة قوّة إلهية : بل قوّة شيطانية ، فعلى التقديرين ، يبطل كونه إلهاً .
الفائدة الثالثة : أنَّ الذي اشتدت الحاجة إليه ، في ذلك الوقت ، إنما هو نفي تهمة الزنا عن مريم عليها السلام ، ثم إنَّ عيسى عليه السلام ، لم ينص على ذلك ، وإنما نص على إثبات عبودية نفسه : كأنه جعل إزالة التهمة ، عن الله تعالى : أولى من إزالة التهمة عن الأم ، فلهذا أول ما تكلم إنما تكلم بها .
الفائدة الرابعة : وهي أنَّ التكلم ، بإزالة هذه التهمة عن الله تعالى ، يفيد إزالة التهمة عن الأم ، لأنَّ الله سبحانه ، لا يخص الفاجرة ، بولد في هذه الدرجة العالية والمرتبة العظيمة . وأما التكلم بإزالة التهمة عن الأم ، لا يفيد إزالة التهمة عن الله تعالى ، فكان الاشتغال بذلك أولى ، فهذا مجموع ما في هذا اللفظ من الفوائد .
واعلم أنَّ : مذهب النصارى متخبط جداً ، وقد اتفقوا على : أنه سبحانه ليس بجسم ولا متحيز .
ومع ذلك فإنا ، نذكر تقسيماً حاصراً ، يبطل مذهبهم ، على جميع الوجوه فنقول :
إما أنْ يعتقدوا ، كونه متحيزاً أو لا ، فإنْ اعتقدوا كونه متحيزاً ، أبطلنا قولهم ، بإقامة الدلالة على حدوث الأجسام ، وحينئذ يبطل كلّ ما فرعوا عليه .
وإنْ اعتقدوا : أنه ليس بمتحيز ، يبطل ما يقوله بعضهم ، من أنَّ الكلمة اختلطت بالناسوت ، اختلاط الماء بالخمر ، وامتزاج النار بالفحم ، لأنَّ ذلك لا يعقل ، إلا في الأجسام ، فإذا لم يكن جسماً ، استحال ذلك .
ثم نقول للناس ، قولان في الإنسان :
منهم من قال : إنه هو : هذه البنية أو جسم موجود في داخلها .
ومنهم من يقول : إنه جوهر ، مجرد عن الجسمية والحلول في الأجسام .
فنقول :
هؤلاء النصارى ، إما أنْ يعتقدوا :
1. أنَّ الله أو صفة من صفاته ،اتحدَ ببدن المسيح أو بنفسه .
2. أو يعتقدوا أنَّ الله أو صفة من صفاته ، حلَّ في بدن المسيح أو في نفسه .
3. أو يقولوا : لانقول بالاتحاد ولا بالحلول ، ولكن نقول : إنه تعالى أعطاه القدرة ، على خلق الأجسام والحياة والقدرة ، وكان لهذا السبب إلهاً .
4. أو لا يقولوا بشيء من ذلك ، ولكن قالوا : إنه على سبيل التشريف : اتخذه ابناً ، كما اتخذ إبراهيم على سبيل التشريف خليلاً .
فهذه هي الوجوه المعقولة في هذا الباب : والكل باطل .
أما القول الأول : بالاتحاد ، فهو باطل قطعاً .
لأنَّ الشيئين ، إذا اتحدا ، فهما حال الاتحاد ، إما أن يكونا :
[ موجودين أو معدومين أو يكون أحدهما موجوداً والآخر معدوماً ].
فإنْ كانا : [ موجودين : ( فهما اثنان لا واحد ، فالاتحاد باطل ) ].
، وإنْ : [ عدما ، وحصل ثالث : ( فهو أيضاً لا يكون اتحاداً ، بل يكون قولاً بعدم ذينك الشيئين ، وحصول شيء ثالث ) ].
، وإنْ : [ بقي أحدهما ، وعدم الآخر : ( فالمعدوم يستحيل : أن يتحد بالموجود ، لأنه يستحيل أنْ يقال : المعدوم بعينه : هو الموجود ، فظهر من هذا البرهان الباهر ، أنَّ الاتحاد محال ) ].
وأما الحلول : فلنا فيه مقامان :
الأول : أنَّ التصديق مسبوق بالتصور ، فلا بد من البحث عن ماهية الحلول ، حتى يمكننا أنْ نعلم ، أنه : هل يصح على الله تعالى أو لا يصح .
وذكروا للحلول : تفسيرات ثلاثة :
أحدها : [ كون الشيء في غيره ] : ككون ماء الورد في الورد ، والدهن في السمسم ، والنار في الفحم .
واعلم أنَّ هذا باطل : لأنَّ هذا إنما يصح ، لو كان الله تعالى جسماً ، وهم وافقونا على أنه ليس بجسم .
وثانيها : [ حصوله في الشيء ] ، على مثال : حصول اللون في الجسم .
فنقول : المعقول من هذه التبعية ، حصول اللون ، في ذلك الحيز ، تبعاً لحصول محله فيه ، وهذا أيضاً : إنما يعقل في حقّ الأجسام ، لا في حقّ الله تعالى .
وثالثها : [ حصوله في الشيء ] ، على مثال : حصول الصفات الإضافية للذوات . فنقول : هذا أيضاً باطل : لأنَّ المعقول ، من هذه التبعية الاحتياج ، فلو كان الله تعالى في شيء بهذا المعنى ، لكان محتاجاً ، فكان ممكناً ، فكان مفتقراً إلى المؤثر ، وذلك محال ، وإذا ثبت أنه لا يمكن تفسير هذا الحلول بمعنى ملخص ، يمكن إثباته في حقّ الله تعالى امتنع إثباته .
المقام الثاني : احتج الأصحاب ، على نفي الحلول مُطلقاً ، بأنْ قالوا : لو حلَّ لَحُلَ ،
إما مع وجوب ، أنْ يحلّ أو مع جواز ، أن يحلّ ، والقسمان باطلان ، فالقول بالحلول باطل .
الصفة الثانية : قوله تعالى : { آتاني الكتاب } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلف الناس فيه ، فالجمهور ، على أنه قال هذا الكلام ، حال صغره . وقال أبو القاسم البلخي : إنه إنما قال ذلك ، حين كان كالمراهق ، الذي يفهم ، وإن لم يبلغ حد التكليف .
أما الأولون فلهم قولان :
أحدهما : أنه كان في ذلك الصغر نبياً .
الثاني : روى عن عكرمة : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال : المراد بأنْ حكم وقضى ، بأنه سيبعثني من بعد ، ولما تكلم بذلك سكت ، وعاد إلى حال الصغر ، ولما بلغ ثلاثين سنة : بعثه الله نبياً .
واحتج من نص على فساد القول الأول بأمور :
أحدها : أنَّ النّبيَّ ، لا يكون إلا كاملاً ، والصغير : ناقص الخلقة ، بحيث يعد هذا التحدي من الصغير منفراً ، بل هو في التنفير أعظم ، من أن يكون امرأة .
وثانيها : أنه لو كان نبياً في هذا الصغر ، لكان كمال عقله مقدماً على ادعائه للنبّوة ، إذ النّبيّ لا بد وأن يكون كامل العقل ، لكن كمال عقله في ذلك الوقت خارق للعادة ، فيكون المعجز متقدماً ، على التحدي ، وإنه غير جائز .
وثالثها : أنه لو كان نبياً في ذلك الوقت ، لوجب أن يشتغل ببيان الأحكام ، وتعريف الشرائع ، ولو وقع ذلك لاشتهر ولنقل ، فحيث لم يحصل ذلك ، علمنا أنه ما كان نبياً في ذلك الوقت .
أجاب الأولون عن الكلام الأول :
بأنَّ كون الصَّبي ناقصاً ، ليس لذاته بل الأمر يرجع إلى صغر جسمه ، ونقصان فهمه ، فإذا أزال الله تعالى هذه الأشياء ، لم تحصل النفرة ، بل تكون الرغبة إلى استماع قوله ، وهو على هذه الصفة أتم وأكمل .
وعن الكلامالثاني :
لم لا يجوز ، أنْ يقال : إكمال عقله ، وإن حصل مقدماً على دعواه ، إلا أنه معجزة لزكريا عليه السلام ، أو يقال : إنه إرهاص لنبوته أو كرامة لمريم عليها السلام ، وعندنا الإرهاص والكرامات جائزة .
وعن الكلام الثالث :
لم لا يجوز ، أن يقال : مجرد بعثته إليهم ، من غير بيان شيء من الشرائع والأحكام ، جائز ، ثم بعد البلوغ ، أخذ في شرح تلك الأحكام ، فثبت بهذا أنه لا امتناع في كونه نبياً في ذلك الوقت وقوله : { آتاني الكتاب } يدل على كونه نبياً ، في ذلك الوقت ، فوجب إجراؤه على ظاهره ، بخلاف ما قاله عكرمة .
أما قول أبي القاسم البلخي : فبعيد ، وذلك لأنَّ الحاجة ، إلى كلام عيسى عليه السلام ، إنما كانت عند وقوع التهمة على مريم عليها السلام .
المسألة الثانية : اختلفوا في ذلك الكتاب ، فقال بعضهم ، هو التوراة ، لأن الألف واللام في الكتاب ، تنصرف للمعهود ، والكتاب المعهود لهم : هو التوراة ، وقال أبو مسلم : المراد هو : الإنجيل ، لأنّ الألف واللام ههنا للجنس : أي آتاني من هذا الجنس ، وقال قوم : المراد هو : التوراة والإنجيل ، لأنَّ الألف واللام : تفيد الاستغراق .
المسألة الثالثة : اختلفوا ، في أنه ، متى آتاه الكتاب ؟؟ ومتى جعله نبياً ؟؟
لأنَّ قوله : { آتاني الكتاب وَ جَعَلَنِى نَبِيّاً } يدل على أنَّ ذلك ، كان قد حصل من قبل ، إما ملاصقاً لذلك الكلام أو متقدماً عليه بأزمان ، والظاهر : أنه من قبل ، أنْ كلمهم : آتاه الله الكتاب وجعله نبياً وأمره بالصلاة والزّكاة ، وأنْ يدعو إلى الله تعالى ، وإلى دينه ، وإلى ما خص به من الشريعة ، فقيل هذا الوحي : نزل عليه ، وهو في بطن أمّه ، وقيل لما انفصل من الأم : آتاه الله الكتاب والنبّوة ، وأنه تكلم مع أمّه وأخبرها بحاله وأخبرها بأنه يكلمهم ، بما يدل على براءة حالها ، فلهذا أشارت إليه بالكلام .
الصفة الثالثة : قوله : { وَجَعَلَنِى نَبِيّاً } قال بعضهم : أخبر أنه نبيّ ، ولكنه ما كان رسولاً ، لأنه في ذلك الوقت ، ما جاء بالشريعة ، ومعنى كونه نبياً ، أنه رفيع القدر على الدرجة ، وهذا ضعيف !!!!
لأنَّ النّبيَّ : في عرف الشرع ، هو الذي خصه الله بالنبوة وبالرسالة ، خصوصاً إذا قرن إليه ذكر الشرع ، وهو قوله : وأوصاني بالصّلاة والزّكاة .
الصفة الرابعة : قوله : { وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ } فلقائل : أنْ يقول : كيف جعله مباركاً ، والناس كانوا قبله ، على الملة الصحيحة ؟؟؟
فلما جاء : صار بعضهم يهوداً ، وبعضهم نصارى ، قائلين بالتثليث ، ولم يبق على الحقّ إلا القليل ؟؟
والجواب :
ذكروا في « تفسير المبارك » وجوهاً :

أحدها : أنَّ البركة في اللغة ، هي الثبات ، وأصله ، من بروك البعير ، فمعناه جعلني ثابتاً على دين الله مستقراً عليه .
وثانيها : أنه ، إنما كان مباركاً ، لأنه كان يعلم الناس دينهم ، ويدعوهم إلى طريق الحقّ ، فإن ضلّوا ، فمن قبل أنفسهم ، لا من قبله .
وروى الحسن : عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال :{ أسلمت أم عيسى عليها السلام ، عيسى إلى الكتاب ، فقالت للمُعلّم : أدفعه إليك ، على أن لا تضربه !!! فقال له المُعلّم : اكتب ، فقال : أي شيء أكتب ؟؟ ، فقال : اكتب أبجد ، فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال : هل تدري ما أبجد ؟؟ فعلاه بالدّرة ليضربه ، فقال : يا مؤدب لا تضربني ، إن كنت لا تدري ، فاسألني ، فأنا أعلمك : ( الألف من آلاء الله والباء من بهاء الله والجيم من جمال الله والدال من أداء الحق إلى الله ) 1*.
وثالثها : البركة : الزِّيادة والعلو ، فكأنه قال : جعلني في جميع الأحوال غالباً مفلحاً منجحاً ، لأني ما دمت أبقى في الدنيا ، أكون على الغير مستعلياً ، بالحجة ، فإذا جاء الوقت المعلوم ، يكرمني الله تعالى بالرفع إلى السماء .


ـــــــــــــ
1* [ لم أجد له ما يؤيده في الكتب المعتمدة في برنامج المكتبة الشاملة والله تعالى أعلم وأحكم ].
ورابعها : مباركٌ على الناس ، بحيث يحصل بسبب دعائي : إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وعن قتادة : أنه ، رأته امرأة ، وهو يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص ، فقالت : طوبى لبطن حملك وثدي أرضعت به ، فقال عيسى عليه السلام مجيباً لها : طوبى لمن تلا كتاب الله واتبع ما فيه ولم يكن جباراً شقياً .
أما قوله : { أَيْنَ مَا كُنتُ } فهو يدل ، على أنَّ حاله لم يتغير ، كما قيل : إنه عاد إلى حال الصغر وزوال التكليف .
الصفة الخامسة : قوله : { وَأَوْصَانِى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً } فإنْ قيل : كيف أُمر بالصلاة والزكاة ، مع أنه كان طفلاً صغيراً ، والقلم مرفوع عنه ، على ما قاله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟ :{ " رفع القلم ، عن ثلاث : عن الصّبي حتى يبلغ " } الحديث 2*
وجوابه من وجهين :
الأول : أنَّ قوله : { وأوصاني بالصلاة والزكاة } لا يدل ، على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال ، بل بعد البلوغ ، فلعلَّ المراد : أنه تعالى ، أوصاه بهما ، وبأدائهما في الوقت المعين له ، وهو وقت البلوغ .
الثاني : لعلَّ الله تعالى ، لما انفصل عيسى ، عن أمّه : صيَّره بالغاً عاقلاً تام الأعضاء والخلقة ، وتحقيقه قوله تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ } [ آل عمران : 59 ] ، فكما أنه تعالى : خلق آدم تاماً كاملاً دفعة ، فكذا القول في عيسى عليه السلام ، وهذا القول الثاني ، أقرب إلى الظاهر لقوله : { مَا دُمْتُ حَيّاً } فإنه يفيد ، أنّ هذا التكليف ، متوجه عليه في جميع زمان حيائه .


ـــــــــــــ
2*[ كتاب صحيح وضعيف سنن النسائي ، للألباني : عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق ، تحقيق الألباني : صحيح ، ابن ماجة ( 2041 ) // ، الإرواء ( 297 ) ، صحيح الجامع ( 3513 ) ].
ولكن لقائل : أنْ يقول : لو كان الأمر كذلك ، لكان القوم ، حين رأوه ، فقد رأوه شخصاً : كامل الأعضاء تام الخلقة ، وصدور الكلام ، عن مثل هذا الشخص ، لا يكون عجباً !!! فكان ينبغي : أن لا يعجبوا ؟؟؟ فلعلَّ الأول : أنْ يقال إنه تعالى ، جعله مع صغر جثته : قوي التركيب كامل العقل ، بحيث كان يمكنه ، أداء الصلاة والزكاة ، والآية دالة ، على أن تكليفه ، لم يتغير ، حين كان في الأرض ، وحين رفع إلى السماء ، وحين ينزل مرة أخرى .
الصفة السادسة : قوله تعالى : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِى } أي : جعلني براً بوالدتي ، وهذا يدل على قولنا : إنَّ فعل العبد مخلوقٌ لله تعالى : لأنَّ الآية تدل ، على أن كونه براً ، إنما حصل بجعل الله وخلقه ، وحمله على الألطاف عدول عن الظاهر .
ثم قوله : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِى } إشارة ، إلى تنزيه أمّه عن الزِّنا : إذ لو كانت زانية ، لما كان الرسول المعصوم مأموراً بتعظيمها .
قال صاحب « الكشاف » : جعل ذاته براً لفرط بره ، ونصبه بفعل في معنى : أوصاني ، وهو كلفني ، لأنَّ أوصاني بالصلاة وكلفني بها واحد .
الصفة السابعة : قوله : { وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً } وهذا أيضاً ، يدل على قولنا ، لأنه لما بيّن أنه : جعله براً وما جعله جباراً ، فهذا إنما يحسن ، لو أن الله تعالى جعل غيره جباراً وغيره بار بأمّه ، فإنَّ الله تعالى : لو فعل ذلك ، بكلّ أحد ، لم يكن لعيسى عليه السلام مزيد تخصيص بذلك ، ومعلومٌ : أنه عليه السلام ، إنما ذكر ذلك ، في معرض التخصيص ، وقوله : { وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً } أي : ما جعلني متكبراً ، بل أنا خاضع ، لأني متواضع لها ، ولو كنت جباراً ، لكنت عاصياً شقياً .
وروي : أنَّ عيسى عليه السلام قال : قلبي لين وأنا صغير في نفسي .
وعن بعض العلماء : لا تجد العاق : إلا جباراً شقياً وتلا : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً } ولا تجد سيىء الملكة : إلا مختالاً فخوراً وقرأ : { وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } .
الصفة الثامنة : هي قوله : { والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال بعضهم : لام التعريف ، في السلام ، منصرف إلى ، ما تقدم ، في قصتي يحيى عليه السلام ، من قوله : { وسلام عَلَيْهِ } [ مريم : 15 ] أي : السلام الموجه إليه في المواطن الثلاثة ، موجهٌ إليّ أيضاً .
وقال صاحب « الكشاف » : الصحيح : أن يكون هذا التعريف ، تعويضاً باللعن على من اتهم مريم بالزنا ، وتحقيقه : أن اللام للاستغراق ، فإذا قال : { والسلام عَلَىَّ } فكأنه قال : وكل السَّلام عليّ وعلى أتباعي ، فلم يبق للأعداء إلا اللعن ونظيره ، قول موسى عليه السلام : { والسلام على مَنِ اتبع الهدى } [ طه : 47 ] بمعنى : أنَّ العذاب ، على من كذَّب وتولى ، وكان المقام : مقام اللجاج والعناد ، ويليق به مثل هذا التعريض .
المسألة الثانية : روى بعضهم : عن عيسى عليه السلام : { أنه قال ليحيى : أنت خير مني ، سلّم الله عليك ، وسلّمت على نفسي ؟؟؟ } ، وأجاب الحسن فقال : إنَّ تسليمه على نفسه : بتسليم الله عليه .
المسألة الثالثة : قال القاضي : السَّلام : عبارة عمَّا يحصل به الأمان ، ومنه السلامة في النعم وزوال الآفات ، فكأنه سأل ربه وطلب منه ، ما أخبر الله تعالى : أنه فعله بيحيى ، ولا بد في الأنبياء ، من أن يكونوا مستجابي الدّعوة ، وأعظم أحوال الإنسان احتياجاً إلى السلامة هي هذه الأحوال الثلاثة : وهي : ( يوم الولادة ويوم الموت ويوم البعث ) فجميع الأحوال ، التي يحتاج فيها إلى السلامة ، واجتماع السعادة من قبله تعالى ، طلبها ، ليكون مصوناً عن الآفات والمخافات ، في كل الأحوال ، واعلم أنَّ : اليهود والنصارى ، ينكرون : أن عيسى عليه السلام ، تكلم في زمان الطفولية ، واحتجوا عليه ، بأن هذا من الوقائع العجيبة ، التي تتوافر الدواعي على نقلها ، فلو وجدت لنقلت بالتواتر ، ولو كان ذلك ، لعرفه النصارى ، لا سيما وهم من أشد الناس بحثاً عن أحواله ، وأشد الناس غلواً فيه ، حتى زعموا : كونه إلهاً ، ولا شك : أنَّ الكلام ، في الطفولية ، من المناقب العظيمة والفضائل التامة ، فلما لم تعرفه النصارى ، مع شدة الحب وكمال البحث ، عن أحواله ، علمنا أنه : لم يوجد ، ولأنَّ اليهود : أظهروا عداوته ، حال ما أظهر ادعاء النبوة ، فلو أنه عليه السلام : تكلم في زمان الطفولية ، وادعى الرسالة ، لكانت عداوتهم معه أشد ، ولكان قصدهم قتله أعظم ، فحيث لم يحصل شيء من ذلك ، علمنا أنه ما تكلم !!!! ، أما المسلمون : فقد احتجوا ، من جهة العقل ، على أنه تكلم ، فإنه لولا كلامه : الذي دلهم على براءة أمّه من الزنا ، لما تركوا إقامة الحد على الزِّنا عليها ، ففي تركهم لذلك : دلالةٌ على أنه عليه السلام : تكلم في المهد .
وأجابوا عن الشبهة الأولى : بأنه ، ربما كان الحاضرون عند كلامه قليلين ، فلذلك لم يشتهر.
وعن الثاني : لعلّ اليهود ، ما حضروا هناك ، وما سمعوا كلامه ، فلذلك لم يشتغلوا بقصد قتله .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ عاصم وابن عامر : { قَوْلَ الحقّ } بالنصب ، وعن ابن مسعود : { قَالَ الحقّ } و : { قَالَ الله } ، وعن الحسن : { قَوْلَ الحقّ } بضم القاف وكذلك في الأنعام قوله : { الحقّ } والقول والقال : القول في معنى واحد كالرهب والرهب والرهب ، أما ارتفاعه ، فعلى أنه : خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف ، وأما انتصابه فعلى المدح ، إنْ فسّر : بكلمة الله أو على أنه مصدر مؤكد ، لمضمون الجملة ، كقولك : هو عند الله الحقّ لا الباطل ، والله أعلم .
المسألة الثانية : لا شبهة : أنَّ المراد بقوله : { ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ } الإشارة : إلى ما تقدم ، وهو قوله : { إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ الكتاب } [ مريم : 30 ] أي ذلك الموصوف ، بهذه الصفات : هو عيسى ابن مريم ، وفي قوله : { عِيسَى ابن مَرْيَمَ } إشارة : إلى أنه وَلَدَ هذه المرأة وابنها ، لا أنهُ ابن الله !!!!!!!.
فأما قوله : { الحقّ } ففيه وجوه :
أحدها : وهو : أنَّ نفس عيسى عليه السلام : هو قول الحقّ ، وذلك لأنّ الحقّ هو اسم الله ، فلا فرق بين ، أن نقول عيسى كلمة الله ، وبين أن نقول ، عيسى قول الحقّ .
وثانيها : أن يكون المراد : « ذلك عيسى ابن مريم القول الحقّ » إلا أنك أضفت الموصوف ، إلى الصفة ، فهو كقوله : { إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين } [ الواقعة : 95 ] وفائدة قولك : القول الحقّ : تأكيد ، ما ذكرت أولاً : من كون عيسى عليه السلام ، ابناً لمريم .
وثالثها : أن يكون { قَوْلَ الحقّ } خبراً لمبتدأ محذوف : كأنه قيل ذلك عيسى ابن مريم ، ووصفنا له : هو قول الحقّ ، فكأنه تعالى وصفه أولاً ، ثم ذكر أنَّ هذا الموصوف هو عيسى ابن مريم ، ثم ذكر أنَّ هذا الوصف أجمع ، هو قول الحقّ ، على معنى : أنه ثابت ، لا يجوز أن يبطل ، كما بطل ما يقع منهم من المرية ، ويكون في معنى : إنَّ هذا لهو الحقّ اليقين .
فأما امتراؤهم ، في عيسى عليه السلام ، فالمذاهب التي حكيناها من قول اليهود والنصارى وقد تقدم ذكر ذلك في سورة آل عمران ، روي أنَّ عيسى عليه السلام لما رفع ، حضر أربعة من أكابرهم وعلمائهم ، فقيل للأول : ما تقول في عيسى؟ فقال : هو إله والله إله وأمه إله ، فتابعه على ذلك ناس وهم الإسرائيلية ، وقيل للرابع ما تقول؟ فقال : هو عبد الله ورسوله وهو المؤمن المسلم ، وقال أما تعلمون : أن عيسى كان يطعم وينام ، وأن الله تعالى ، لا يجوز عليه ذلك؟ فخصمهم .
فله الحمد والشكر كما هو أهله وله الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجه ولعظيم سلطانه وله الحمد والشكر بعدد نعمائه ، وصلِّ يارب على سيدِّنا محمَّد وعلى آله وأزواجه وذريته وبارك وسلم ، كما تحبه وترضاه آمين.
......................................................................
رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً
رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
آمين



إعداد وتنسيق وضبط
عبد الله الراجي عفوه تعالى
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قبسات : سيدنا عيسى عليه السلام‬ محب الصحابه نور الإسلام - 1 01-02-2015 06:56 PM
Re: مقارنة بين سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام وسيدنا عيسى عليه السلام doctor_bedo2010 نور الإسلام - 0 04-28-2009 01:08 AM
قصص الأنبياء ( صوتيا ً ) منذ آدم عليه السلام وحتى عيسى عليه السلام ...........!!!!!!! دقنجي خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 1 01-29-2009 03:08 AM
فيلم جديد يصور سيدنا عيسى عليه السلام يشرب كوكاكولا nadaflr أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 4 04-11-2007 10:46 AM


الساعة الآن 10:11 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011