الفصل الأول : [ ستحكيّ لكَ البدايةُ كيف هي النهاية ]
لم يكُن بوِسعِ هايسانث أن تفهم ، كونها مجرّد متخرجةٍ حديثة
سببة إستدعائِها إلى مقرٍّ عسكري تترأسهُ حكومةُ بريطانيا
فلربمَا دونَ إختراعِها تقنيةً جديدة بالليزر تقومُ بإخفاءِ ندوبِ الجراحةِ العميقة
حتى في أعمقِ بقعةٍ من الجسدْ مع إمكانية إستخدامها في إيقافِ النزيفِ الداخلي بسرعةٍ مبهرة
ما كانتْ لتتخرجَ قبل أوانِها ، وما كانت لتكونَ واقفةً أمام الصرحِ العظيم للمنشأةِ العسكرية الضخمة
رغمَ أن إستغلالها لهذه التقنيةِ كان في مجالها الخاص [ الطب الجنائي ]
حيث تعملُ على إخفاءِ الندوبِ الناتجةِ عن تشريحِ الجثث ، وهذا بحسبِ علمها حلمُ كلِ عائلة فقِيد !
فالجثثُ عادةً ما تتشوّه بالندوبِ التي يسببها الجراحُون فيدمي ذلك قلوبَ الاحبّة
قد جرّبت هي فقد احدِ الأحبة قبل فترةٍ ليستْ بطويلة
خالتُها ، في السادسةِ والثلاثينَ من عمرها وحسب .. العائلةُ الوحيدة التي تمتلكها
لم تصدق – ولن تفعل – أنّ ملاكَ الرحمةِ قد تناولَ جرعةً زائدة من المخدرات
كانت خالتها ممرضة ، لم تكُن مدمنة ! مما دفعها للتفكيرِ بإحتمالاتٍ لم ترُق لها – وإن كانت معقولة –
إنقطعَت أفكارُها بقفزِ سيلٍ قصيرٍ من الكلماتِ لقوقعتيّ أذنيها على حينِ غفلةٍ منها
- آنسة نوكتيس ، لقد كنّا بإنتظارك .. أرجوكِ إتبعيني !
إلتقطتْ نفسًا عميقًا بصمتٍ كاسح ، ما انتبهَ عليهِ من بدى لها قائدًا عاليّ الرتبة
ثمّ تابعت خطواتهِ السريعة تسيرُ كالجنودِ مسببةً ضجّة من أفواهِ العكسرِ المتناثِرين كقطعِ الشطرنجِ في الأرجاء
بدونِ أن يثيرَ الشُبهة ، إلتقطت عينا القائدِ لمحةً سريعةً لوجهِ هايسانث ثم إستقامَ بصرهُ مجددًا فأردف
- كما هو متوقعٌ من إبنةِ الأدميرال الراحِل ويليام نوكتيس ، عسْكَريةٌ مثالية
لا تُحبذُ الكلامَ الكثير ، كما إن ذكِر والدها – ولو بالأمرِ الحسن – يثيرُ ذكرياتٍ غير مرحبٍ بها
إستطاعَ – ولو قليلًا – أن يلحظَ النبرة الفريدة التي إمتاز بها الأدميرال في ترددِ موجاتِ صوتها
فاتسعَ ثغرُهُ نامًّا عن إبتسامةٍ شاحبة ، لم يُعقب بعدها على أيٍ من الأفكارِ التي أراد السؤال عنها
إلى حينِ على عتبةِ باب غرفةٍ محصنةٍ وقفا ، فالتفتَ إليها بنظراتٍ جامِدة
يضمُّ يديهِ خلفَ جسدهِ بوقوفٍ مستقيم فيحدثُها بصوتٍ أشبه بالهمس
- آنسة نوكتيس ، كما ترين نحنُ على أعتابِ أمرٍ خطير ، وعليكِ أن تعلمي أنه ما ان تخطي أول خطوةٍ داخِل هذهِ الغرفة فإن لا مجالَ للعودة .. قد تعرضين حياتكِ للخطر بسببِ هذا ، هل تريدين المتابعة ؟!
ما استغرقها الأمرُ كثيرًا حتى أغمضت عينيها تحسمُ امرها
- لم اقطع مسافةَ عشرةِ اميال خارج حدودِ لندن من أجل ان اعودَ بلا فِعل شيء ، سيدي !
تنهدَ بوجهٍ جاد لم تتغيرْ ملامحه ، إلتفت بنصفِ جسدهِ ثم عرّف عن نفسهِ متأخرًا
- أدعى سولومون كومباتلويس ، عقيدٌ في الجيش و القائدُ الأعلى لفرقةِ العمليات الخاصة !
ضاقت عيناها قليلًا ، تتذكرُ قراءة هذا الإسمِ مرةً في الصحف .. إهتزّ قلبها قليلًا عند تذكّرها لآخر مقالٍ كُتب عنه
لقد قيل فيه : أقسى من الفولاذِ ، مُدمرِ الشياطين !
أجل تتذكرُ جيدًا الآن رؤيتهُ مرةً في مقابلةٍ تأخّر عنها ، وحينما حضر بعدَ إنتظارٍ طويل
كانت بقعُ الدماء متناثرةً على وجهه وبكلِ برودٍ عللّ ذلك بقولٍ عقيم : قتلتُ بعض الإرهابيين ، كانوا حشراتٍ متعالية !
أبعدتْ بصرها عن البابِ الحديديّ المطلي باللونِ الأبيض ، فسمعت صوتَ إنبلاجهِ بعدَ دقيقةٍ كاملة
على ما يبدو ، الأقفالُ الموضوعةُ كثيرةٌ و تتطلبُ إجراءاتِ فحصِ البصمة وبصمةِ العين !
وقفَ على جانبِ الباب مادًا يدهُ لها
خطت قدماها اولَ خطوةٍ نحو عالمٍ ما كان لها الدخولُ إليه ، فوقفتْ تنظرُ إلى غرفةِ العمليات المتطورة
وإلى الفراشِ الذي انتصفَ الغرفة ، تتعلقُ فوقه جثة مغطاةٌ بملاءةِ خضراء فما كان لها رؤية صاحبها
- كلُ ما ترينه ، تسمعينه وتقومين بهِ في هذه الغرفة لهو من أقصى درجاتِ السرية ، فكما ترين نحن بحثنا جاهدين عمّن يمكننا الثقةُ به ، ولم نتوصل لشخصٍ أفضَل من إبنة أدميرالٍ سابق
ما اهتمت بعبارةٍ طويلة لم تحمل في طياتها الكثيرَ من المعاني ، سألتْ ببرود
لم يُرق له دخولها في صلبِ الموضوعِ مباشرةً ولكنه تجاوزَ عن ذلك بإن أجاب
- قائدُ منظمةِ [ 666 – KOFA ] ، الخائن فريدريك شال هاتريك
إحتّدت ملامحها بعصبيةٍ جلّة ، لم تقل شيئًا بعد سماعِ الإسم الشهير .. ومن لا يعرف فريدريك شال هاتريك
إبتسمتْ بفتور ثم تسائلت مستهزئة
- حسنًا ، وكيفَ حصل وتمّ القضاءُ على قائدِ أشهرِ منظمةٍ في إنجلترا ؟ هل قتله العقيدُ بنفسهِ يا ترى ؟
تحاشى النظر في عينيها ، أغمضَ العينينِ الحمرواتين ثم أعطاها المُراد
- كلا ، بل فعل ذلك لنا شبحٌ قديم كنّا قد استغنينا عنهُ منذُ عشرينَ عامًا
يكفيها هذا القدرُ من المعلومات ، حدّقت بحِدةٍ إلى الجثة المغطاةِ ثم أعقبت
- وما عملي هنا ؟ يمكنكم جلبُ طبيبٍ من وزارة الدفاع كي يشرّح جثته !
إزدرد ريقه ، وبان التوترُ عليهِ جليًا ، بصعوبةٍ نطق
- في الواقع ، اللعين فريدريك قد إستطاع قبل نيفٍ على الشهرين أن يسرق عنصرًا معدلًا في المعاملِ السرية لوزارةِ الدفاع ، مادةٌ زرقاءُ هي مكوّنةٌ من الكربون و ملح البارود و نترات الأمونيوم ، وأنتِ تعلمين بالطبعِ ماهية هذهِ المواد ..
- هو قد زرعها كلها في أحشائه .. اللعين !!
إتسعتْ العينان الزرقاوتانِ بلمعةٍ مستثارة ، إبتسمتْ بجنونٍ تتحدّت منبهرة
- هكذا هو الأمر ؟ .. لا تريدون لطبيبٍ عادي أن يعلم بوجودِ المادة . حسنٌ جدًا !
أحسّت هايسانث لأولِ مرةٍ منذ سنوات بحماسةٍ بالغة فتراودت إلى عقلها مئاتُ الأفكارِ المجنونة التي ما كانت لتخطرَ على بالِ الواقفِ أمامها بتوترٍ شديد
زفر بعمق ، فتح نصف عينيهِ يأمرها جادًا
- عليكِ أن تبدأي الآن وتستخرجي كلّ المادةِ من جوفه ، على الطاولةِ هناك ملفٌ فيهِ كل المعلومات الطبية عنه .. ربما يفيدكِ في شيءٍ ما !
ألقتْ بصرها على الطاولةِ الصغيرة القريبة من الفِراش ، شاهدت الملف الأصفر عليهِ فشعرتْ برغبةٍ شديدة في قرائته .. كم ترغبُ بطردِ هذا الرجلِ من الغرفةِ كي تبدأ كل العمل !
أعطاها تحية الجنود ، ثم همّ خارجًا بخطواتٍ قصيرةٍ سريعة مغلقًا الباب خلفه
ورامقًا إياها بنظراتٍ حادة وغامضة !
تجاهلت كُل ذلك وابتسمت بخبثٍ تلتقط الملف فتقرؤه .. وتبدأ بعد ذلكَ عملها !