03-14-2015, 10:29 AM
|
|
الفصلل الخامس الحلم يموت في مهده 5
أفاقت لين , والظلام الدامس يلف العربة , على صوت الغجر يغنون ويرقصون حول
نار كبيرة اشعلت في وسط المخيم , ولم تستطع الا ان تستعيد ذكريات حياتها
الهادئة في انكلترا ووظيفتها المحترمة في شركة الهندسة الزراعية
ساهم ذلك في زيادة توترها الى درجة خافت معها ان تفقد صوابها يوما اذا استمرت على هذه الحال
ماذا سيجني رادولف من وجود امرأة مجنونه معه ؟
لو يدرك ويعلم ان كليهما خاسران لأطلق سراحها فورا
فجأة سمعت طرقا خفيفا على النافذة فهبت من سريرها وأزاحت الستار بسرعة
- كونيل!
تكلم الشاب بصوت هامس :
-اخفضي صوتك لئلا يسمعنا احد !
لكن الأثارة والقلق جرداها من كل خوف وحذر
- لا تقلق الكل مشغولون عني الأن
- هل كتبت الرسالة ؟
هرعت لين واحضرت له الورقة
- ارجوك انتبه ياكونيل ولا تدع احدا يراك
- علي الذهاب الآن طابت ليلتك
- شكرا جزيلا يا كونيل على ماتفعله من أجلي
قال الشاب قبل ان يختفي في الظلام :
- لا اعلم ما اذا كنت قادرا على مساعدتك , لكني سأبذل جهدي
خافت لين من ان يكون احد شاهد كونيل يتحدث اليها خصوصا وان النار تسللت الى
العربة تضئ لونها الرمادي الحزين ببريق قرمزي
أجالت نظرها في الخارج لترى ما اذا كان زوجها يراقب المشهد ويستعد للأنقضاض من جديد على فريسته الضعيفه
لكن كل شئ كان هادئا ولم يبد أثر لأنسان حول العربة
بعد نصف ساعة عاد رادولف الى "المنزل الزوجي" من دون ان تظهر على وجهه علامات تفيد انه علم بما حصل
اضاء المصباح العتيق بعد ان رأى زوجته غير نائمة
- لماذا تجلسين في الظلام ؟ اتحبين ان تعذبي نفسك ؟
- ولماذا تحفل بعذابي ؟
- في الحقيقة انا لا احفل بعذابك
وأضاف بنبرته الخشنة :
- ماذا فعلت في غيابي ؟
- لاشئ !
توجه رادولف نحو المطبخ وسأل زوجته :
-اتريدين بعض الشاي ؟
- كلا
- لابد انك شربت فنجانا اذن ؟
-لا
سمعته لين يتنهد تعبا وهو يعد الشاي وتساءلت لماذا لم يطلب منها ان تحضره
بنفسها
عاد بعد قليل يحمل فنجانه فسألته باصرار:
-أين كنت طوال هذا الوقت؟
توقعت لين جوابا قاسيا يشعل مشادة جديدة لكنها فوجئت بزوجها يرمقها بنظرة
ناعمة مليئة بالحنان
هي قصدت من سؤالها اشعال غضبه لتعذبه لكنه خيب املها بهدوئه
جلس على كنبة يحتسي شرابه الساخن ويراقب زوجته بنظرة لا مبالية
- اريد ان اراك غدا بثياب جديدة
افرغت لين دفعة واحدة كل الغضب الذي جمعته في وحدتها وقالت :
- سأرتدي ما يحلو لي
- لاتحاولي الظهور بمظهر المرأة الشريرة ، سترتدين شيئا مما احضرت معك لتمضية العطلة الممتعة
تاهت عيناها في حقيبتيها المقفلتين على بعض من ذكريات ,
قريبة كالوقت بعيدة كالحلم ، كيف تضع ثيابها الانيقة في خزانة العربة القذرة
ليس من المعقول ان تكون هذه العربة ملكا لرادولف فهو يبدو محبا للنظافة
والترتيب ثم انه لايحتفظ فيها بثيابه او بممتلكات اخرى
تحفظه حول خصوصياته يحيرها كثيرا ولكنها لا ترغب في الاطلاع على خفايا حياته لأن قواها
منصبة الان على هدف وحيد :الفرار
قالت لزوجها بعد تردد:
- لا ارى معنى لارتدائي ثيابا جميلة وبقائي سجينة هذه الزنزانه !
- لن تبقي هنا لأننا سننتقل غدا بسيارتك الى مكان آخر
أحست لين ان قلبها توقف عن الخفقان لأن الآمال التي علقتها على مساعدة كونيل
انهارت بلحظة
- الن يرحل الباقون ؟
- لا نحن فقط
كادت لين بعفويتها تفضح كل شئ
- لا اريد ان اغادر المخيم
صعق رادولف لملاحظتها واخذ ينظر اليها دون ان يفهم
- وهل تستسيغين البقاء هنا الى هذا الحد ؟ مع انك لم تكفي عن التذمر من
الضجر
عضت لين على شفتها تحاول ايجاد جواب لا يفضحها واستطاعت بعد جهد ان تقول :
-المكان الذي سنذهب اليه لن يكون احسن من هنا.. وانا لا انوي تمضية وقتي بالتنقل الدائم كالغجر المشردين
لم تأبه المرأة لغضب زوجها من كلامها لأن عقلها كان مشغولا بفرصة الهرب
الضائعه ظنت ان الفرج سيأتيها اخيرا على يد كونيل لكنها وجدت نفسها كالقابض
على الماء تعود الى نقطة الصفر
برغم كل شئ حافظ الغجري على هدوئه ولم يظهر انفعاله لنعت زوجته قومه
بالمتشردين
- لاتحاولي الاعتراض لأني مضطر لمغادرة المخيم
تساءلت لين عما يمكن ان يكون سبب هذا الاضطرار
- ولماذا تكون مضطرا للرحيل ؟
- لا ضرورة لأن تعرفي
- وهل سنجد عربة شاغرة في المخيم الذي سنقصده ؟
- بالطبع ... الست ملك الغجر كما قلت ياعزيزتي ؟ والرعية لن تدخر جهدا لتوفر
مكان اقامة مريحا لملكها
اخذت لين تجوب العربه وهي تفكر بالمخيم الجديد والعربة الجديدة القذرة , وبمزيد من هؤلا الناس السمر الفضوليين
سجن جديد وحراس جدد يرصدون تحركاتها عندما يكون زوجها غائبا
وفجأة انهارت اعصابها وصرخت :
- لا استطيع تحمل المزيد ! لا استطيع البقاء سجينة سيقتلني الضجر !
وأضافت وهي تحدق في رادولف :
- كيف تستطيعون تمضية أيامكم بكسل ؟ الا تملون من عدم الحراك ؟
وضع الغجري فنجانه على الطاولة ونهض من كرسيه دون ان يظهر عليه أي انفعال مما
زاد من حيرة لين التي قالت :
- هناك لغز في حياتك! هناك شئ مخبأ ! الى اين تذهب كل يوم فأنت ولا شك لا تبقى في المخيم ؟
أزاح الغجري وجهه وكأن ملاحظاتها احرجته فاستغلت لين الفرصة وتابعت بألحاح
شديد:
- اريد ان اعرف كل شئ ! انت تذكرني باستمرار اني زوجتك ففي هذه الحال يحق لي
ان اعرف اين وكيف يمضي زوجي اوقاته ؟
لم تفهم لين سبب اصرارها وتشوقها لمعرفة المزيد عن هذا الغجري الغامض ربما كان شعورها بالفراغ سبب هذا الفضول الكبير او انها بحاجة الى شئ يشغلها
ويجعلها " تشترك" بشكل او بآخر في حياة مجتمعها الجديد
لكن رادولف لم يشبع فضولها اذ اكتفى بالقول :
- انت لم تعتبري نفسك زوجتي حتى الآن فعندما تعتبرين اننا متساويان ستعرفين
كل شئ لكن ما دمت تعتقدين انك متفوقة علي لأنني غجري فلن اطلعك على الحقيقة
كل شئ في هذا الرجل يزيد من اللغز غموضا : جسمه الرشيق , مشيته المتعالية , كبرياءوه وسطوته , ثقته المفرطة بنفسه 0 ومرة جديدة قالت لين في نفسها : لو
لم اكن اعلم انه غجري لما صدقت ابدا انه كذلك
عندها فكرت بأولاف وبحديثه عن وضع رادولف الخاص , فتلك الكلمة انطبعت في مخيلة لين وجعلتها تظن ان زوجها هو
ملك الغجر
هو ليس بالطبع ملك الغجر لكنه يتميز عنهم بشئ ما...
لما نظر اليها رأت المرأة في عينيه مرارة كبيرة كأنه يطلب منها ان تتفهمه
وتساعده على تخطي مشكلة لم تستطع بعد ادراكها ومعرفة القصد منها
اجابت لين اخيرا على اقتراح رادولف باعتبار نفسها في مستواه:
- لن اعتبر نفسي ابدا في مستواك
أعوز كلماتها الثقة والتصميم لأنها لم ترد التسبب في المزيد من الأهانة لهذا الرجل
ولأنها لم ترد توسيع شقة الخلاف بينهما اكثر وهو قادر في جميع
الاحوال على تقليص هذا الفارق " الطبقي " بينهما عندما يتشاطران بعد قليل
السرير نفسه حيث يمارس سلطاته المطلقة بدون ان تحاول المرأة المسكينة ابداء أدنى اعتراض
هز الغجري رأسه وقال :
- في هذه الحالة لن تعرفي عني أكثر مما تعرفين
" انقلب السحر على الساحر وشعرت لين انها ذليلة عاجزة امام نبرته المتغطرسة
فتمنت لو تستطيع ايجاد الكلمات الملائمة لترد له الاهانة لكنها فشلت
- الى اين سنذهب ؟ اعني اين يقع المخيم الذي تحدثت عنه ؟
اكتفى الرجل بالقول :
- في مكان بعيد جدا
- ولكن ماذا سنفعل بالحصان ؟ لايمكنك اصطحابه اذا كنا سنستعمل السيارة
كان رد رادولف هادئا وعاديا جدا :
- بما اني سرقته سأعمل على رده الى اصحابه
- لا ضرورة لأن تستغل كل فرصة تسنح لك لتسخر مني
- ولكنك افترضت اني سرقته , اليس كذلك ؟
- ولماذا لا تقول لي من اين حصلت عليه ؟ فأنت توافق معي على انك لست قادرا ماديا على امتلاك مثل هذا الحيوان الرائع
كل كلمة , كل حركة , كل دقيقة تمر كانت تزيد من غموض اللغز وصعوبته بالنسبة الى المرأة
ما السبيل الى اكتشاف الحقيقة وازاحة الستار عن الجوانب الخفية في حياة الغجري ؟
قد يكون الوقت كفيلا بذلك وقد لا يكون
استوضح رادولف زوجته :
- لم افهم تماما معنى كلامك
- بصراحة , اعني ان مظهرك لا يوحي بأن هذا الحصان الأصيل ملك لك
كانت الأهانة الجديدة أقوى من ان يتحملها الرجل ، فعندما تكلم بدا فاقدا تماما سيطرته على اعصابه , يعميه الحقد
- لابد ان يقودك لسانك يوما الى مهلك لانجاة منه
وجدت لين نفسها تعتذر على الفور منه وحاولت تغيير وجهة الحديث
- آسفة لأني اسأت التعبير ،الن تخبرني من اين حصلت على الحصان ؟ انه حصان أصيل ان لم اكن مخطئة
- من اين لك هذه المعلومات عن الجياد ؟
- انا لا اعرف الشئ الكثير لكني رأيت مثله عندما كنت امارس الفروسية لبضع سنوات خلت
بدل ان يجيب على تساؤلها حمل رادولف فنجانه الى المطبخ ولما عاد بدأ بخلع
ملابسه
- حان وقت النوم لاننا سننهض باكرا في الغد
سارعت لين الى تبديل ملابسها فيما زوجها منشغل بالبحث عن صحيفة أحضرها , والقرأءة ليست بالطبع عادة غجرية
حتى لا تضطر الى فعل ذلك امام عينيه الفضوليتين والساعيتين الى التمتع بجمالها
انصرف رادولف بعدان وجد صحيفته الى التفتيش في حقيبة زوجته حتى وجد فستانا
قطنيا ازرق
- سترتدين هذا الفستان غدا لأنه يبرز جمالك بسخاء
نشلت المرأة الفستان من يد زوجها ورمت به على الارض رافضة فكرة فرضه ارتداء الملابس عليها
ولكن رادولف لم يتسامح هذه المرة
بل امسك بشعرها وصفعها على وجهها بعنف حتى كاد يرميها ارضاً ، ولم يتوقف عن ضربها حتى تعب وروى غليله
منها
وقفت المرأة أمامه ترتعش والدموع تختلط مع الخصلات السوداء المترامية على وجهها
هذه اول مرة تمد يد اليها وتعامل بمثل هذه القسوة ، فهي لم تتعرض في حياتها لتجربة مع جلاد كالغجري رادولف
- التقطي الثوب!
اطاعت لين أمره ودفنت وجهها في الثوب تحوله مجرى لدموعها الغزيرة
ثم صرخت بصوت مخنوق :
- لن استطيع المتابعة ! لن استطيع الصمود ...سأنتحر !
فوجئ رادولف لهذا التهديد ووقف يحدق في زوجته لحظات طويلة قبل ان يضمها بحنان
الى صدره ويقول بكل ما لديه من رقة :
- لماذا تغضبينني يا عزيزتي على استعمال العنف ؟
اضاف وهو يتحسس بيده القوية وجنتيها اللاهبتين :
- لو كنت تتصرفين بروية
توقف محاولا تهدئة جسمها المنتفض الما وحزنا ثم تابع :
- على المرء ان يكون حذرا عندما يتعامل مع غجري
تمتم عدة كلمات اخرى خيل للين ان من بينها : الجانب الأسوأ مني
الصقت رأسها بصدره العريض المضياف تودعه همومها واحزانها وتصغي الى دقات قلبه
المطمئنة ورتابة تنفسه العميق
بدأ اضطرابها يزول وهدأت بعد ان اطلقت تنهيدة طويلة وسمعت زوجها يهمس :
-هذا افضل بكثير ياحلوتي لا أريد بعد الآن ان ارى الدموع على وجهك الجميل
تمكنت المرأة اخيرا من رفع عينيها الرطبتين الى وجه زوجها وتمتمت بعد ان علمت
انها ترتاح كثيرا الى الوجود بين ذراعيه القويتين , وتمنت لو يبقيان هكذا الى
الأبد:
- انت مختلف ياليتك تظل كما كنت الآن
أمر لا يصدق ! كيف تسر لين لوجودها في أحضان هذا الرجل الذي لا تكف ثانية عن التفكير في كيفية الافلات من يده ؟
لماذا لم تنفر هذه المره من لمساته ؟
لماذا لم تخف من تحمل قبلاته ؟
أضافت والكلمات تسبقها :
- لماذا انت مختلف ؟
بدا رادولف كأنه يقبل بهذه الحقيقة ولكنه لا يقوى على ان يصرح بالسبب لأن هناك
أمر خطير يمنعه من ذلك, لربما كان أمرا يتعلق بالماضي ويمد تأثيره على
المستقبل
- لا أستطيع يا عزيزتي ان اشرح لك الحقيقة
ابتعد عنها وزاد :
- هيا الى النوم ياحلوتي
وقفت لين مشدوهة وهي تشاهد زوجها يتوجه الى المطبخ ليحضر بعض الماء
واستغربت التبدل العميق الذي احدثه تهديدها بالأنتحار في هذا الغجري الغريب
لم تعد تأبه بالألم الذي سببه لها بل انحصر تفكيرها في التوصل الى كنه وكشف
حقيقته |
|