03-18-2015, 08:17 PM
|
|
الفصل السابع منزل على الشاطئ الذهبي
دام تنقل رادولف ولين من مخيم الى آخر مدة اسبوعين جابا خلالهما أنحاء واسعة من ايرلندا
قطعا الجبال والسهول , والبحيرات والأنهار , والوديان والمراعي , ولو لم يكن هاجس الفرار ماثلا في ذهنها لاعتبرت لين نفسها سعيدة الى
درجة لا توصف
لم يقترب رادولف منها منذ ان صفعها المرة الأخيرة , حتى انه كان ينام على
كنبة ويترك لها السرير لتأخذ حريتها
صار يعاملها بكل لطف وعناية وان لم يخل
الأمر أحيانا من كلمات جارحة تأتي ردا على زلات لسان تبدر من لين
لكن القضية لم تتعد الكلام لحسن الحظ
حاول الغجري ان يظهر الجانب الحسن وبالتالي سحق شخصيته الشريرة المرعبة ، وقد نجح لا في ازالة خوف لين فحسب ,
بل بانشاء علاقة ود بين الأثنين
فأضحت قوته خالية من البطش وسطوته بعيدة من الظلم
كما غاب عن لين الشعور بالأسى والمرارة اللذين رافقاها كظلها في ايام اختطافها الأولى ، ولكنها لم تكف مع ذلك عن الكلام على الهرب في اول فرصة تلوح لها
وفي الحقيقة صارت لين مقتنعة تقريبا بحياتها كزوجة لغجري متجول
لاسيما وان رادولفلا يترك مناسبة الا ويذكرها بأن مكان المرأة هو الى جانب زوجها
لكن ذلك لايعني شعورا بالاستقرار بل كانت المرأة الشابة في حالة انتظار وتوقع دائمين
معتبرة ان عثور زوجها على من يبحث عنه سيغير مسار حياتها
لم يحط الزوجان حتى الان رحالهما في مكان معين بل استمرا في الطواف من مطرح
الى مطرح
, يشغلان العربة الشاغرة , ويحلان ضيفين على قوم الزوج كأن من عادات الغجر ابقاء عربة مخصصة لضيوف غير متوقعين يأتون على حين غرة كما يفعل رادولف
لكن لين مخطئة في تصورها لأن رادولف كان منتظرا أينما حل وكانت تخلي له عربة خصيصا قبل وصوله بساعات قليلة
ويعود اليها سكانها الأصليون فور رحيله
سألت لين زوجها يوما وهما في طريق العودة الى كيلارني بعد ان زارا ثلاثةمخيمات مكثا في احدها يومين وفي الآخرين بضع ساعات
-الى متى سنظل ننتقل هكذا ؟
- أعتقد اننا سنكون في بيتنا بعد حوالي اسبوعين
أوقف رادولف السيارة الى جانب الطريق وأخرج قنينة شراب البرتقال من صندوق السيارة ليتناولا كوبين منعشين
, في حين كان تفكير لين يعمل جاهدا لاستيعاب
كلمة " بيتنا "
عن أي بيت يتكلم زوجها ؟
- اتعني اننا سنستقر في مخيم معين ؟
قالت لين ذلك وهي تهز رأسها وتفكر بوجودها في مخيم للغجر وبالحياة المتعبة التي تنتظرها
وبرغم ذلك فهي تقر أنها لا تتصور نفسها تعيش بدون رادولف من دون ان تعلم السبب
صارت الامور مشوشة في ذهنها فمنزلها ومجتمعها الحقيقيان
يقومان في وطنها انكلترا حيث تحلم بالعيش في منزل صغير لتبني عائلة صالحة
يشاركها في طموحها رجل تحبه او على الاقل ترتاح له وتعيش وادعة مطمئنة
طالما عادت صورة توماس الى ذهنها في الايام الماضية لكن رادولف كان مصيبا عندما قال ان توماس لا يناسبها
, فهو رجل طيب لكنه ليس خلاقا مما يساهم في
زيادة الرتابة والروتين في حياتها التي علمت من خلال تجربتها الجديدة مدى
سخافتها , وانسيابها المجرد من أي نكهة ومعنى
قطع رادولف حبل افكارها بقوله:
- لابد ان ننتهي من الطواف ونستقر
اعترضت لين بلهجة ناعمة قريبة من التوسل :
- لا استسيغ فكرة العيش في مخيم , الا نستطيع السكن في مكان آخر ؟
رماها زوجها بنظرة ملؤها الحيرة والتردد كأنه يخاف من البوح لها بأشياء يكتمها في نفسه على مضض
لذلك اختار كلماته بدقة وقال بتمهل :
- أفهم من كلامك انك أصبحت مقتنعة بالعيش معي ؟
هربت لين من نظراته وأخذت تفكر لماذا لم تعترض على ذلك بشدة كما كانت تفعل في السابق
وبعد أن وزنت الأمور في رأسها وتراءت لها حياتها المقبلة وما يمكن ان تعانيه في المجتمع الغجري من عبودية تصيب المرأة وتذلها ,
صاحت بأعلى صوتها :
- لا ! لم اقتنع بذلك ! سأستمر في محاولة الفرار وسأنجح في ذلك ! انتلاتستطيع مراقبتي الى الأبد , لاتستطيع ان تراقب تحركاتي لسنوات وسنوات حتى نصبح عجوزين هرمين !
ارتفعت حدة نبرة لين حتى جفل رادولف منها
وزادت :
- أرجوك دعني أمضي في سبيلي , أرجوك دعني أعود الى بيتي !
بكت المرأة بمرارة وغشى كيانها اضطراب كبير فأخذت ترتعش حتى اوقعت كوب العصير
على ثوبها
تناول الغجري الكوب من يدها وانتظر حتى هدأت , وبالفعل عادت لين الى هدؤها
السابق وتكلمت بكل واقعية :
- لنعقد اتفاقا مثمرا لنا نحن الاثنين تعطيني حريتي مقابل سكوتي عن حادث الاختطاف وتعهدي بألا اطلع احدا على ما جرى
بلعت لين ريقها لتزيل الثقل القابع في حلقها وأعصابها الثائرة تجعل منطقها مغلوطا , وفكرها شاردا ومشوشا
لم يعد شئ في ذهنها واضحا ، وأحست برغبة في الصراخ عندما مرت أمامها الصور متدافعة ,
صور الحرية والعودة الى الوطن ، صور
رادولف الطاغية وسطوته القاسية تطردها صور طيبته ولطفه اللا متناهي
ودار في خلدها صراع قاس بين الحياة مع رادولف والحياة بدونه ,
فالأولى رحلة لا تنتهي بين المخيمات حيث شظف العيش , والثانية حلقة مفرغة تبحث فيها عن سعادة تائهة
برزت الحقائق من بين غيوم عقلها المنقشعة وعجزت لين عن الاختيار فلم تجد
الا صرخة صادقة تطلقها من اعماقها :
- ساعدني يا الله !
- لين ما بك ياعزيزتي ؟ بالله عليك لاتفعلي هكذا بنفسك !
لمتنبس المرأة ببنت شفه بل نظرت الى الغجري لاتصدق ان ما يختلج في قلبها حقيقة
همست في نفسها :
- لا , هذا ليس صحيحا , لايمكن ان يكون صحيحا
تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئا لانشغالها بالحقائق الجديدة
سرت في جسمها رعشة قوية وارتجفت بشدة ثم سقطت بين يدي زوجها
- لين , ما بك؟ هل انت مريضة ؟
كان صوته ناعما ينم عن قلق عميق
لكن لين ليست مريضة بل هي في حالة أخطر من
ذلك 0 رفعت رأسها وكأنها تخرج من الغيبوبة , ثم حدقت في الرجل وتساءلت عما
يمكن ان تكون ردة فعله لو اطلعته على ما اكتشفت لتوها
أيستقبل الخبر بفرح ام يقول متشفيا : لقد وقعت في غرام غجري متشرد اذن ! وهكذا لن تتركيني بعد الآن يا امرأة لأن حبك لي يجعلك أمة خاضعة !
لن تخبره بذلك ابدا ! ولن يغير الوضع الجديد من تصميمها على الهرب لأنها
لاتنوي قضاء حياتها مع غجري برغم حبها القاتل لرادولف لن تستطيع رؤية أطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيدا عن المدرسة الصالحة والبيئة الصالحة
ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب
لما عادت الى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة الى ذهنها
لقد استنتجت في السابق انه يملك شخصية مزدوجة
وقالت انها لو استطاعت ابقاء جانبه السئ بعيدا لاستطاعت تمضية أيام حلوة معه وفي الحقيقة أنه كان انسانا رائعا
خلال الأسبوعين الفائيتين فهو عاملها بكل رقة ولطف , حتى أنه لم يحاول تقبيلها مرة
لقد كبح جماح غرائزه لا سعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي انانية أو حب
للذات
أي رجل هو هذا ؟ لا تستطيع لين تحمل العيش مع رجل غامض الى هذا الحد
وان تكن تصرفاتها الاخرى مقبولة ولائقة
نفذ صوت رادولف من خلال أفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب :
- سألتك اذا كنت مريضة
- انا بخير الآن
قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع ان افكارها ما تزال مبلبلة
نظرت الى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجريا , لا يمكن ان تكون هذه الوسامة الراقية في غجري
أن هذا المكان ليس لغجري وظنت أن رادولف ليس صديقا لمالكه كما ادعى
, بل هو يدخل اليه خلسة عندما يعلم أن أصحابه غائبون ولكن من أين أتى بالمفتاح ؟
الجواب على ذلك ليس مستعصيا لأن هناك نوعا من المفاتيح الخاصة يناسب جميع الاقفال
والغجر مرشحون اكثر من غيرهم لأقتنائهم هذا النوع
أعادها صوت رادولف الى الواقع عندما بادرها بالسؤال :
- بماذا تفكرين؟
- كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيت شبه مهجور
لم يقنع جواب لين زوجها الماكر فصحح قولها :
- لا ياعزيزتي , كنت تقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف الى أصدقاء أثرياء كصاحب هذا المنزل ؟
مرة جديدة عادت مسحة المرارة الى صوت رادولف
ولكن لين لم تشعر بالشماته لذلك بل انزعجت وحاولت تغيير وجهة الحديث
- أهناك حمام في هذا المنزل ؟
- وهل يعقل الا يكون هناك حمام ؟ تعالي لأدلك اليه
بعد ذلك أراها غرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا الى المطبخ الواسع
والمجهز بأحدث الوسائل وأغلاها
- لابد أن أحدا يأتي الى هنا باستمرار ليبقى المنزل نظيفا
هز رادولف برأسه موافقا وهو يشير الى بقعة خضراء لاتبعد كثيرا عن البيت
- هناك مزرعة صغيرة خلف تلك الاشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقي المجئ يوميا للأهتمام بالمنزل
- يوميا ؟
- ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين من اني لست متسللا اليس هذا ما يشغل بالك ؟
احمر وجه لين لملاحظاته الجارحة والصائبة لكنها رأت في مجئ هذه المرأة عملا يحتمل أن يساعدها على الهرب
- لا تبني آمالا كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيرا وتنفذ مشيئتي
- يبدو أن لديك الكثير من المحبين
تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال :
- المياة ساخنه الآن اذا كنت ترغبين في أخذ حمام لقد أنبأت السيدة وايت بمجيئنا وأمرتها بتسخين الماء
حدقت لين فيه بذهول مطبق
- انبأت السيدة ولكن متى وكيف فعلت ذلك ؟
ضحك رادولف وأجاب :
- طلبت الى احدهم في آخر مخيم توقفنا فيه أن
يتصل بها هاتفيا
- فهمت
تظاهرت لين بالفهم لأنها مهتمة الآن بالدخول الى الحمام والأستلقاء في المياه الساخنة لترتاح وتنعم بهذا الترف الذي حرمت منه منذ مدة طويلة
ولما همت بدخول الحمام لتخلع ثيابها وجدت الباب مقفلا
- ستخلعين ثيابك في غرفة النوم قبل أن اعطيك مفتاح الحمام
- لماذا هذا التعقيد ؟
- لأني أود مساعدتك في ذلك يا حبيبتي
- أنت تفكر في كل شئ
- علي أن أفكر في كل شئ والا أفلت زمام من الأمور من يدي
أمضت لين وقتا طويلا في غمرة المياه الساخنة ولما عادت الى غرفة النوم كانت هادئة ومرتاحة الأعصاب
جلس رادولف على السرير يتأمل جمال زوجته في قميص النوم الذي أخرجه لها من احدى الخزانات
نظر الى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال :
- يظهر أنك تمتعت كثيرا بالماء لأنك أمضيت ما يقارب نصف الساعة في الحمام
علقت لين بجدية :
- أنا حقا آسفة لتأخري
- لا عليك يا طفلتي فأنا كنت مشغولا باجراء بعض المكالمات الهاتفيةمخابرات هاتفية هذا يعني أن ثمة هاتفا في المنزل
حاولت المرأة أن تتكلم بلهجة عادية حتى لايتنبه زوجها لحيلتها
- الا يمانع صديقك استعمالك لهاتفه ؟
- لا ابدا
دخل رادولف بدوره الى الحمام تحت أنظار زوجته المتسائلة عن ماهية مكالماته التي ليست بالطبع موجهة الى مخيم غجري, لأن هذه الامكنه لا تعرف الهاتف
انتظرت بضع دقائق حتى سمعت صوت المياه وتأكدت من أن زوجها لا يراقبها
, ثم خرجت من الغرفة على رؤؤس أصابعها وشرعت تبحث عن مكان الهاتف دون جدوى
لاعجب في أن يخفيه رادولف الداهية لأنه مدرك أن زوجته لن تكون غبية وتدع فرصة استعمال الهاتف تفلت من يده وتضيع هباء
تخلت لين عن البحث وجلست على طرف السرير تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف
, وكأنه يتعمد خلق مواقف تجعل زوجته تطرح على نفسها المزيد من الأسئلة حول حقيقته
تمنت لو تجد سبيلا كي تقنعه بالأجابة على التساؤلات الدائرة في ذهنها والتي تسبب لها حيرة وشكا عظيمين
بماذا تشك المرأة ؟ ماهو التفسير الشافي لكل الغموض الذي يحيط بزوجها؟
من المسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها انكار بعض الصفات التي تجعل منه
شبيها بأي رجل مثقف لا بل أرستقراطي نبيل ,
ان في حديثه أم في تصرفاته وفي الفترة الاخيره بالذات
, أي عندما جالا في البلاد ’انتفت عنه كل علامة تشير الى أنه غجري
حتى بدت متغيرة خصوصا وانه صار يرتدي ثيابا عادية مختلفة عن الزي شبه " الفولكلوري " الذي كان غالبا على هندامه في السابق
والسؤال المحير يبقى لماذا هذا التبدل أو لماذا عمد رادولف في بداية تعارفهما الى كسب عدائها ؟
لماذا !
لماذا!
أسئلة لاتنتهي !
يضاف اليها هذا المنزل الفخم قطعة جديدة في الأحجية
مادام من غير المعقول أن يكون لغجري صديق حميم بهذا الثراء يعهد اليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة ,
سيما وان رادولف بدا معتادا على المجئ الى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقة
بالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده
يضاف الى ذلك السلطة التي يستطيع بموجبها أن يأمر الأرملة بتحضير البيت وتنظيفه استعدادا لحضوره
غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذي يبحث عنه
جفل رادولف لسؤالها وقال :
- الم تقولي سابقا أني أبحث عن شخص وبررت استنتاجك هذا ؟
- قلت ان هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم
أطرقت لين قليلا وزادت :
- سأكون صريحة معك هذه المرة
- تفضلي
- سمعت الرجل العجوز يتحدث اليك عن رجل لم يأت الى المخيم وينصحك بألا تكمل البحث عنه
فكرت لين بأن تذكر كلمات اولاف أيضا لكنها عدلت لأن ذلك ليس ضروريا
- لم تخبريني بذلك في المرة السابقة
- تعني عندما قلت لك انك تبحث عن أحد ما ؟ لا فقد ظننت أنك تتضايق لو عرفت أني كنت أسترق السمع
حاول رادولف ان يبتسم وقال بعد أن غير وجهة الحديث :
- أطلعتني الآن على شئ يضايقني .. الم تخافي من أثارة غضبي ؟
- لم أعد أخاف منك
- قولي بصراحة يا لين , هل انت أسعد الآن مما كنت عليه
توقف فجأة محاولا ايجاد الكلمات المناسبة لأنهاء السؤال
, لكن دفعة من الشجاعة أتت لين فأكملت عنه:
- مما كنت عليه عندما كنت ترغمني على مشاطرتك السرير ؟
فوجئ الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء
- أحسنت فهذا ما كنت سأقوله
- لست سعيدة بل راضية
ان تردد لين وعدم ثقتها بما تقول يضرب بهما المثل
فلماذا تنكر انها طالما نظرت الى يديه القويتين خلال الأسبوعين الفائتين
وتذكرت مداعباتهما ولمساتهما الجذابة وتمنت لو يعيد الكرة ؟
أهي ترغب فيه ؟ ولم لا فهي تحبه
احتقرت نفسها لأنها وقعت في حبائله لمجرد انه كان ودودا معها في الأيام الماضية , كرهت ضعفها وسرعة ذوبانها في بحر العاطفة
ولكن هل صحيح ان شعور الحب لم يبدأ الا منذ وقت قصير ؟
خصوصا وان لين تعترف أنها وجدت الغجري جذابا منذ رأته
- وهل يرضيك عيشنا بهذه الطريقة حتى نصبح عجوزين هرمين ؟
- سؤالك غير مجد فأنا لا انوي قضاء حياتي معك
سمعت لين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت اذا كان سلم بالأمر الواقع
واقتنع بأن المشاركه في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر والاكراه
بعد دقائق انطلق رادولف بالسيارة صامتا وملامحه قاسية كالحجر , ينظر أمامه
كأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما
وغرقت لين بدورها في التفكير بمشاكلها
وبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق من دون ان تسبب أي الم أو أذى لزوجها
توقف الغجري في احد المخيمات لكنه لم يمكث هناك سوى بضع دقائق وأبلغ زوجته
بعد ذلك أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطئ البحر
- ومن هو هذا الصديق ؟
- لا ضرورة لأن تعرفي
- انه ليس غجريا بالطبع
- لي أصدقاء كثيرون من غير الغجر يا عزيزتي
- أهناك أحد في المنزل ؟
أجاب رادولف بنبرة ناعمة وفي صوته تلك الرنة الموسيقية القريبة من اللهجة الايرلنديه :
- المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية أنا واثق من أنه سيعجبك كثيرا
فهو مجهز بكل شئ برغم بعده عن أي تجمع سكني
- أتعني أن المنزل منعزل ؟
- يبدو أنك فكرت بالهرب ياحلوتي ! لم أكن لأصطحبك الى هناك لو لم يكن المنزل منعزلا عن بقية العالم
- أيستعمل المنزل لأغراض سياحية ؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيدا عن الناس
ضحك رادولف وعلق :
- استعملت ديباجة بارعة لأخفاء خيبتك
- ماذا تعني ؟
- لاتدعي الغباء يا لين ظننت أن وجودك في منزل على شاطئ البحر سيسهل الفرار
, ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلا نهارا
- الفرار من مخيم للغجر هو في الحقيقة مستحيل
, أما بالنسبة لاستنتاجاتك الاخرى فانك مخطئ لأني صرت أعرفك كفاية كي أدرك أنك حاضر أبدا لاحباط اية محاولة أقوم بها للأفلات
كل ما في الامر أني استغرب وجود منزل مخصص للعطلة في مكان منعزل كما فهمت من كلامك
- لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ اربع سنوات حتى يهرب من همومه ويرتاح هناك من
عناء أعماله المتراكمة
عجبت لين لكلام زوجها فكيف يتوصل غجري الى مصادقة شخص ثري يبني منزلا لمجرد حبه الاختلاء بنفسه !
- لابد أن صديقك ثري جدا ! انا لم أعد أفهم شيئا آه لو تخبرني المزيد عن نفسك فلربما صارت الامور بيننا مختلفة
ضغط رادولف على المكابح حتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي
نظر اليها بدهشة وسألها :
- ماذا تعنين بمختلفة ؟
هزت المرأة رأسها عاجزة :
- لا أستطيع التفسير
وبالفعل لم تكن تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماما من كلامها
انطلق الغجري بالسيارة , وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بين الهضاب الخضراء
حتى انعطف أخيرا في زقاق ضيق لا يعرفه أحد وليس موجودا على الخريطة كما أبلغ زوجته
كادت لين تلهث عندما رأت جمال الطبيعة حولها , صخور الشاطئ ورماله الذهبية المترامية كأنها لا تنتهي لايزورها سوى طيور النورس تبحث عن رزقها بعيدا عن
فضول الانسان
استمر سيرهما في هذا المكان النائي حتى وصلا الى طريق صخرية لم تعرف طعم
الأسفلت ,
فأخذت السيارة تثب على الحجارة وراكباها يعانيان صعوبة المسلك حتى بلغا أخيرا بوابة عتيقة منحوتة في الحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاض بناء قديم
وخلف البوابة والسور المحيط بالأرض نمت أشجار خضراء من مختلف الأنواع
, وتوزعت أزهار وورود زاهية هنا وهناك تضفي على الجو رونقا وضياء
كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها على المنزل الأبيض المحاط ببساط من العشب الأخضر وسجادة من الأزهار
انعقد لسان لين من الدهشة وصعقت لجمال
هذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها أرجل الأنسان الشره
قالت وهي تترجل من السيارة :
- آه ما أروع هذا المكان !
أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطها بياض الزبد عجيبة هي طبيعة ايرلندا في جمعها سمو الجبال ووداعة البحر في
لوحة واحدة
- كيف وصل صديقك الى مكان كهذا ؟
مرت لحظات تردد قبل أن يجيب زوجها :
- أن عائلته تملك الأرض منذ عدة أجيال وقد أقامت فيها مزرعة كبيرة
أشار بيده الى بقايا البناء المتهدم وقال :
- كان هذا بيتا لعمال المزرعة ... وجد صديقي
المكان مناسبا ليناء منزل يرتاح فيه عندما يحتاج الى الابتعاد عن عالم
الاعمال والضجيج
- وماذا يعمل صديقك ؟
- لديه أملاك كثيرة
جاء جواب الغجري مقتضبا يحذر لين من التمادي في طرح الأسئلة , ويعلمها بأنه ما عاد يرغب في التوغل في الموضوع أكثر
دخل الزوجان الى المنزل الفخم حيث الاثاث الوثير والسجاد العجمي والستائر الحريرية الفاخرة
وأعجبت لين بالثريات والكريستال والآنية الفضية وتماثيل العاج والبرونز
كما لفت نظرها الديكور الذواق الذي نظمت على أساسه غرفة الجلوس
, ثم هزت رأسها مدركةفي هذه اللحظة دخل رادولف الى غرفة النوم مرتديا لباس نوم أنيقا يتناقض مع
شعره غير المسرح
, ويعطيه شكلا فريدا جامعا بين الظاهر الانيق والطبيعة
البدائية ، لايقال عن رادولف الا أنه طائر يغرد خارج سربه !
عرف الغجري ما أثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذرا:
- لآسف لمظهري , ولكني سأتحسن مع الوقت اذا اهتممت أكثر بالتفاصيل
- لا ضرورة للتهكم ، أتسمح الآن بأن أرتدي ملابسي فالجو ليس دافئا كفاية هنا ؟
لم يحتج رادولف لسماع المزيد فسارع الى تشغيل جهاز التدفئة المركزية وعلى الفور غمر المنزل دفء عارم
بعد ذلك عاد رادولف الى غرفة النوم وفتح خزانة الثياب
- ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا
أستدار وأكمل:
-أظن أني رأيت بين ملابسك فستانا طويلا
تأخرت لين في الأجابة لأنها كانت تراقب بتعجب اللباس الذي يرتديه زوجها
والمناسب له تماما مما يدل على أن قياسه معادل تماما لقياس صديقه
حتى الكمان يناسبان ذراعي زوجها المتميزتين بطولهما
- ماذا عن الفستان ؟
- أريدك ان ترتديه الليلة
مرر نظراته الشغوفة على جسمها وأكمل :
- سنتناول العشاء بكامل أناقتنا كأناس متمدنين
- عدلت المرأة عن الأعتراض لأن فكرة ارتداء ثوب أنيق والجلوس الى طاولة
لتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية , حيث تخلت مرغمة عن
مبادئها المتعلقة بالنظافة والشكليات ، وفي الواقع وجدت لين نفسها تبتسم
وهي تتصور المائدة المغطاة بشرشف مزركش بالزهور والمزين بآنية فيها ورود مقطوفة من الحديقة المحيطة بالمنزل
منحها رادولف احدى ابتساماته النادرة وهو يتناول الفرشاة ليسرح شعره قبل أن
يقول :
-أرى أن اقتراحي اعجبك أخرجي الفستان المعني لأراه
فعلت لين كما امرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفر الطويل دون ان تشعر
بأي حرج
بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستانا آخر ذا لون أرجواني :
- ما رأيك بهذا ؟
أقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريها وكأن في الرجل قوة مغناطيسية
غريبة يزيد منها طبعه المتكبر
أحمرت وجنتا المرأة وثقل تنفسها وفي ذهنها
فكرة واحدة : حبها لرادولف مع اقتراب رادولف منها أكثر زادت دقات قلبها
أكثر فأكثر وعلمت أنه لو أراد ضمها الى صدره لما أحجمت بل لرحبت بذلك بكل
جوارحها لكن زوجها خيب آمالها واكتفى بطبع قبلة ناعمة على جبينها |
|