03-22-2015, 12:00 PM
|
|
الفصل العاشر والاخير رادولف والحب الكبير
لما عادت لين الى وعيها وجدت ان بوريل ما يزال ممدا على الأرض والدماء تنزف من
رأسه
- ماذا فعلت ؟ هل قتلته ؟
تغلبت المرأة على خوفها واقتربت تنصت الى قلبه تتحسس فيه الحياة
كم كان ارتياحها كبيرا عندما رأت ان قلبه لم يتوقف عن الخفقان وعلى الفور شرعت
تفتش عن رقم طبيب تتصل به هاتفيا ليأتي ويعتني ببوريل
ولكنها ترددت بعد ان تساءلت عن رغبة زوجها بحضور طبيب ليعالج اخاه الفار من وجه العدالة
فوجئت لين بهدوء اعصابها وكأن الطبيعة اعادت اليها توازنها لما فقدت وعيها
رأت الموقف امامها واضحا وتمكنت من اختيار الحل الأنسب لهذا الموقف الحرج وهكذا , هرعت الى المطبخ واحضرت حبلا واوثقت به يدي الغجري لتأمن شره اذا افاق
ثم تفحصت الجرح وتبين لها انه سطحي ولا يشكل أي خطر على حياته
فتح الرجل عينيه فجأة وحدق فيها باستغراب :
- من أنت ؟ اين انا ؟
شعرت لين نحوه بالشفقة ولم تستطع ان تكرهه رغم ما سببه لها حتى الآن من مصائب
وويلات
- انا زوجة اخيك يا بوريل
تخبط الرجل محاولا تحرير يديه ثم صاح :
- من اوثق يدي ؟
- الا تذكر انك هاجمتني فركلتك واوقعتك ارضا فاصطدم رأسك بحافة الموقد ؟ ولكن لا تقلق فقد داويت الجرح البسيط وسيلتئم بسرعة
ظل الغجري صامتا لبرهة حتى استوعبت ما سمع
- فشلت مرة اخرى في النيل من زوجة اخي لو نجحت لكان انتصارا باهراً
توقف بعد ان داهمه الألم ثم سأل :
- أين رادولف ؟
- انه يبحث عنك كما ابلغتك سابقا
قال بصوت قلق :
-هل سيعود الى هنا ؟ لا يجب ان يجدني بأي ثمن , حلي وثاقي والا جعلتك تندمين على فعلك حيث لا ينفع الندم !
حاول بوريل النهوض لكنه تعثر ووقع على وجهه , فنظرت لين اليه متأسفة على حاله حزنت لرؤية رجل بهذه القوة والوسامة مطروحا على الأرض اسير حبل واسير غرائزه الشريرة
- ارجوك , حلي وثاقي !
كادت لين ان تذعن لتوسله ولكن عقلها سيطر على انفعالات قلبها الرقيق
فجلست على الكنبة تحدق فيه وتنتظر مجئ زوجها ليتولى حل معضلة اخيه
ما اكثر الفوارق بين رادولف وبوريل , هذه الفوارق لم تلاحظها لين في السابق
الأول يهتم بأناقته ونظافته اما الثاني فقذر لا يعرف للنظافة معنى كان يكفي لين ان تنبه لأظافر بوريل حتى تفرقه عن اخيه , ولكنها لاتلام لأنها كانت تتصرف مدفوعة بالخوف والرعب
شخصت عينا بوريل بوجه لين فتذكرت كلمات اولاف عنه وعن الحياة التي اختارها والتي لا يحبذها رادولف العامل على مساعدته للتخلص من عاداته القبيحة
- رادولف يريد ان يتحدث اليك في امور هامة
- ماذا يريد مني اخي المحب الا يكفيه انه سلب اموالي ونال التركة بكاملها على رغم كوني اكبر منه ؟ كان محظوظا لما اخذه جدانا وتعهدا بتربيته وتعليمه في حين بقيت شريدا في الطرقات تصوري انهما منحاه اسم العائلة الكريمة !
سألته لين اذا كان يريد دواء مسكنا فرفض وتابع تظلمه :
- لقد نزعاه من مخيم الغجر عندما كان في السادسة عشرة وترعرع كارستقراطيتوافرت امامه سبل العيش الواسعة ! ولماذا حصل ذلك؟ لأن جدي العزيزين شعرا بتأنيب الضمير لما لقيته امنا من ذل وهوان على يديهما بعد ان نبذاها لأنها فرت مع رجل غجري وقعت في غرامه ولم يكفهما طردها بل اعتبراها ميتة ورفعا علما أسودا على قبة القصر للدلالة على ذلك وبعد موتها ارادا التعويض عن غلطتهما تجاهها فاستفاد من ذلك اخي العزيز
تمتمت لين بعد ان سمعت القصة وعرفت حقيقة زوجها :
- رفعا علما أسودا عن أي قصر تتكلم ؟
- قصر آل دوغي بالطبع ! لست بحاجة لأن اعلمك بأنك متزوجة من سيد احد اكبر القصور ورأس احدى انبل العائلات في ايرلندا ! وهذا المركز من حقي لا من حق رادولف !
- اهدأ يا بوريل
نصحته لين بالهدوء وهي ترتعد بدورها غير قادرة على استيعاب الحقيقة الصاعقة
اللوحة التي رأتها في قصر دوغي كانت لوالدة رادولف
رادولف هو السيد دوغي صاحب القصر وسيد الأراضي ! وهو اعاد الاعتبار الى امه المنبوذة واعاد تعليق اللوحة في القصر ولكن لماذا اختاره جداه دون اخيه بوريل الذي بقى مشردا في
المخيمات ؟
تكلم بوريل بعد قليل بصوت منخفض وحزين :
- علي الذهاب قبل مجئ رادولف فأنا تحاشيته لمدة طويلة ولا ارغب في لقائه الآن ! قصدت ان اسبب له الكثير من المشاكل والعار , وتوجت افعالي المشرفة بمحاولة قتل ماندا ولكن اللعينة لاتموت ! آه كم اردت في تلك اللحظة ان الصق برادولف نعت شقيق القاتل الغجري الخطير بوريل !
توقف بوريل فجأة ونظر الى النافذة بينما هبت لين من مقعدها بعد ان سمعت صوت السيارة , لتلاقي زوجها نظرة واحدة الى وجهه كانت كافية لترى خيبة الأمل وفشله في اتمام مهمته , ولكن الزوجة سارعت الى الأعلان :
- عزيزي رادولف , بوريل هنا !
- بوريل ؟ اين هو ؟
دخل رادولف البيت راكضا غير قادر على الأنتظار لحظة اخرى ليبت الأمور مع شقيقه
وعلى الفور سمع صوت بوريل يصيح من الداخل:
- لعن الله هذه المرأة فلولاها لكنت الآن اسرح على هواي في التلال الواسعة !اهلا يا شقيقي المحترم ! ماذا في جعبتك الآن وقد امسكت بي ؟ قل ما عندك ودعني ارحل لأني لا ارغب في البقاء معك ثانية واحدة!
- من حقك ان تبقى هنا وان تبقى في القصر ما شئت
توقف رادولف عن الكلام عندما دخل الى الغرفة ورأى اخاه ممدا على الأرض
- ماذا حل برأسك وبيديك ؟
وقفت لين تنتظر ماذا سيقول بوريل الذي اخذ يضحك كالمجنون وبريق الأثارة والشر في عينيه
- لقد اخفت عروسك الناعمة يا شقيقي العزيز , ولو لم يخني الحظ لكنت تمتعت معها بوقت جميل
رأت المرأة زوجها يمتلئ غضبا ويستعد لمعاقبة بوريل على ما فعله بأقسى طريقة
- ماذا حدث يالين ؟ هل اصابك بوريل بأي أذى ؟
لم يدع بوريل لين تجيب على السؤال فتولى المهمة عنها :
- لا تخف فالوقت لم يسمح لي بالذهاب معها حتى النهاية اضعت الفرصة لما ركلتني وطرحتني ارضا !
وثب رادولف على أخيه والشرر يتطاير من عينيه فخشيت المرأة ان يقع ما لا تحمد عقباه
وهرعت تمسك بيد زوجها متوسلة :
- ارجوك يا رادولف , لا تفعل شيئا اخوك يحتاج الى الشفقة لا الى المعاقبة
رق رادولف لكلام زوجته وهدأ غضبه بعد ان نظر الى عينيها المليئتين بالرأفة والرحمة
وبذلك تحاشى استعمال العنف مع اخيه المذنب فاكتفى بالقول :
- لنشكر الله يا لين على انك لم تصابي بأذى رغم انه ولابد سبب لك بعض الخوف
نظر رادولف الى أخيه واكمل بحدة :
- الفتاة مصابة بجروح بليغة !
- كنت آمل في موتها لما جئت هنا هربا من الشرطة , ولكن سوء الطالع جعلني التقي بك في هذا المكان اللعين
- ابلغني اولاف انك آت متى وصلت ؟
لما ذكر بوريل ساعة حضوره نظر رادولف الى زوجته مستفهما
- سمعت ضجة في الليل ولكني ظننت انك وصلت ولم تشأ ازعاجي يا عزيزي
هز رادولف رأسه بتفهم وقال :
- لاشك انك اعتقدت اني شغلت غرفة اخرى للسبب نفسه
- تماما
لم تزد لين ولكن بوريل , بعد ان اقنع شقيقه بحل وثاقه , تكفل بسرد كل ما حصل الليلة الماضية وحتى الساعة في ذلك الوقت كانت لين تراقب زوجها ينفعل ويعض على اسنانه ضابطا نفسه حتى لا يهجم على بوريل ويسحقه
بعد ان استمع الى سرد اخيه التفت الى زوجته وقال :
- كونت فكرة صغيرة عني الآن , اليس كذلك؟
ساهم الشعور بالذنب ودقة الموقف في دفع الدماء الى وجهها فاصطبغت وجنتاها بحمرة زادتها سحرا
- اعذرني يا رادولف فتصرفاتي معك كانت مخجلة
- لا اعتقد يا حلوتي ان تصرفاتي كانت افضل
القت لين نظرة خاطفة على الجرح في وجه زوجها وقالت :
- سأنسحب الى المطبخ لأحضر طعام الغداء فلا بد ان لديكما الكثير لتقولانه
- ابقي يا عزيزتي فوجدك هنا يوفر علي الكثير من الشرح الكلام
- ولكنها مسألة خاصة لا علاقة لي بها
- انت زوجتي ولن اكتم عنك شيئا فمن حقك الاطلاع على الحقيقة
امتلأ قلب لين بالسعادة لثقة زوجها بها و في حين كان بوريل يستمع اليهما مطأطأ الرأس مهيض الجناح , تخفي عيناه دموع الندم والأسف على حياته الضائعة
جلست لين على كنبة قرب النافذة تستمع الى " محضر الجلسة " بين التوأمين الغجريين
بدأ رادولف الكلام بصوته الراقي ونبرته المتعالية :
- حسنا يا بوريل مالئ الدنيا وشاغل الناس ! جبت البلاد طولا وعرضا بحثا عنك , ولكن لننس الماضي لأن ما فات مات ولا اطلب منك الآن سوى قبول نصف التركة
- لا !لن آخذ شيئا فأنت سرقتني !
لم يستطع بوريل هذه المرة كبت دموعه فانهمرت من عينيه بغزارة ادمت قلب لين
توجه رادولف الى لين شارحا كيف ورث وحده ثروة عائلة دوغي كلها : هربت والدته , وهي صبية يافعة بعد , مع شاب غجري وسيم كان مخيما مع عشيرته في مكان قريب من القصر وهكذا نبذها اهلها ولم يلتفتوا اليها رغم رسائلها المتكررة والتي
ابلغتهم في احداها انها حامل ولم تكن تعلم بالطبع ان في احشائها طفلين !
اسند رادولف ظهره الى حائط الموقد واكمل سرد الحكاية المحزنة :
- ماتت امي خلال الوضع بعد ان كان والدي قد هجرها لأنه ملها , ومع الأسف الشديد عهد بتربيتنا الى عائلتين مختلفتين فافترقنا ونحن طفلان
تمتمت لين والدموع تطفر من عينيها لهذه القصة المحزنة :
-آه ما اقسى القدر !
علق بوريل على كلامها بحدة :
- ما اقساه تجاهي لا تجاهه ! فقد وضعت في عهدة رجل وامرأة شريرين لم يكلفا نفسهما مشقة تربيتي بينما قاد الحظ رادولف الى امرأة طيبة رعته احسن رعاية واطلقت عليه اسم رادولف تيمنا بنبلاء البلاد ولم تكتف بذلك بل أخذت تشيع انه ولد قبلي مع ان العكس هو صحيح !
- لم يستطع احد اثبات من هو الأكبر وفي أي حال ,الفرق بين ولادة تؤام وولادة آخر لاتتعدى الثواني
- لا تحاول اخفاء الحقيقة يا سيد رادولف والزوجان اللذان ربياني ,تريزا وأوستن اكدا لي اني اكبر منك
- لا استطيع مناقشة قولك يا بوريل لأني لم أكن واعيا ومدركا عندها !
لم يقتنع بوريل بل أصر على قوله :
- انا اكبر منك !
تجاهل رادولف كلمات اخيه واكمل يسرد القصة قائلا ان اولاف كان يعلم منذ البداية هوية ام الطفلين الحقيقية , لكنه لم يطلع احد على ذلك سوى من تعهد بتربيتهما
وذلك لاقتناعه بان الجدين لن يلتفتا اليهما بسبب العار الذي سببته الوالدة للعائلة
هنا تدخا بوريل مقاطعا :
- سمعت ان اولاف عاد عن رأيه واتصل بجدينا ليعلمهما بأن رادولف هو حفيدهما مهملا اياي وسبب ذلك اعتقاده ان رادولف يحمل من طباع ونبل والدته الكثير ليجعله لا يستحق حياة المخيمات القاسية
اكمل رادولف مصححا ادعاءات اخيه :
- لم يتصل اولاف بجدي لأنه لم يشأ ان يسبب أي الم للسيدة التي ربتني , وانا مسرور لأنه فعل ذلك
اعجبت لين بشهامة زوجها الذي يهتم بمشاعر سيدة غجرية رعته اكثر من التنعم بالجاه والثروة , كما تذكرت كلماته لاولاف والتي قال
فيها انه لكان فعل الشئ نفسه لو كان في موقعه
اكمل الرجل :
- لو تركتها باكرا لصارت حياتها فارغة وانا احببتها فعلا لأنها كانت امرأة طيبة علمتني القراءة والكتابة , زودتني بالكتب لأبني ثقافة معقولة
انفقت المال الوفير لتؤمن لي العيش الكريم
توقف رادولف قليلا وزاد بكل جدية :
- لكن حياة الغجر وبيئتهم اثرتا في شخصيتي بالطبع فلم اكن ذلك الشاب المحترم واوقعتني طباعي الشرسة التي ورثتها عن والدي في مشاكل عديدة
مررت لين ملاحظة ملطفة :
- ولكنك ورثت الطيبة والنبل عن والدتك
تدخل بوريل محدقا في الزوجين :
-كيف تعرفتما الى بعضكما وتزوجتما بهذه السرعة ؟ انت لم تقابلي رادولف قبل لقائنا في المخيم لما تعطلت سيارتك , اليس كذلك ؟
نظر رادولف الى زوجته مستغربا :
- تعطلت سيارتك ؟ عم يتكلم بوريل ؟
اطلق بوريل ضحكة عالية وقال :
- الا تعلم اني كدت انالها في المرة الأولى !
لم تكن لين راغبة في سماع بوريل يتكلم عن الموضوع ويضع القصة في قالبه الخاص
فأمرته بالسكوت :
- اصمت ! دعني افهمك ما حدث يا رادولف
- تفضلي لأن القضية اصبحت معقدة فأنت لم تذكري لي شيئا عن معرفتك ببوريل
اطلعته المرأة على كل ما حصل بتفاصيله من دون ان تهمل شيئا ولما انتهت كانت علامة الاجرام بادية في عيني رادولف الناظر الى اخيه
- ايها الشرير ! علي ان اخنقك بيدي لا ان اعرض عليك المساعدة !
كان من الطبيعي ان يتراجع رادولف عن مساعدة اخيه بعد اطلاعه على ما حدث وعلى تعرض شرف زوجته وسلامتها للخطر لولا تدخل ماندا
لكن لين تدخلت وتمنت على زوجها ان ينسى الموضوع ويساعد اخاه وعفا الله عما مضى !
وبالفعل رضخ رادولف لمشيئة زوجته واعرب عن استعداده لمعاونة بوريل ليحظىبحياة شريفة
وعوض عن ان يظهر بوريل الامتنان لأخيه قال ساخرا :
- لكنك لن تسامحني بالطبع
- كيف اسامحك بعد ما حدث بيني وبين لين من اخطاء بسببك !
هز بوريل كتفيه علامة عدم الاكتراث قائلا :
- لايهمني ما حصل بينكما ولكن ما يحيرني هو عدم استطاعة زوجتك التفرقة بيني وبينك الا هذا الصباح !
ضحك بوريل واكمل :
- آه لو انها لم تتعرف الي وسمحت لي
لم يدعه رادولف يكمل اذ قفز اليه وهم بضربه لولا تدخل لين في اللحظة الأخيرة وفصلها بين الرجلين
- لا يارادواف , لاتضربه لأنه يحتاج الى من يشفق عليه لا من يلومه ! قدر وضعه التعس وقارنه بما حظيت ارجوك تفهم حالته وساعده !
ترقرقت الدموع في عينيها ورمقت زوجها بنظرة رقيقة :
- بوريل يبقى شقيقك الوحيد على رغم تفريق القدر بينكما عليك ان تشركه في مصيرك , فاما ان تكونا ثريين واما ان تكونا فقيرين
ارتسمت علامات الدهشة والتعجب على وجه كل من الرجلين
- اتستطيعين مسامحة اخي يا لين ؟
قال رادولف ذلك بينما تمتم شقيقه :
- انها امرأة مختلفة لم أرى في حياتي مثل هذه النعومة ومثل هذا التسامح ياليتني قابلت واحدة مثلها , لا مثل ماندا المفترسة
طمأنته لين بصوتها الحنون :
- ستجد من يعتني بك ويحبك يا بوريل فلكل رجل امرأة تناسبه
عنت لين ما تقول لأن بوريل ليس شريرا بطبيعته , بل هو عاش في بيئة غير صالحة وترعرع في محيط يؤمن بالقوة وبالخروج على القانون وسيلة للتفوق والفوز
تكلمت لين محاولة تخفيف وطأة التوتر السائد بين الغجريين :
- اكمل القصة يا رادولف كنت تخبرنا عن المرأة التي ربتك وثقفتك
- بعد موت مربية رادولف مورين , بعث اولاف برسالة الى جدي رادولف يطلعهما على الوضع ويرجوهما تعهد رادولف وقبوله للعيش معهما في القصر رحب العجوزان الثريان بالفكرة لأنهما كانا وحيدين لا وريث لهما سوى قريب بعيد يعيش في امريكا
قاطع بوريل شقيقه معترضا :
- انت تهمل جزءا من القصة وهو ان اولاف لم يكلف نفسه مشقة البحث عني
- ربما لا تعرف يا بوريل ان اولاف سمع ان العربة التي كنت تعيش فيها مع الزوجين احترقت ومات من فيها
- كان عليه التأكد من ذلك لا تصديق الأخبار بسرعة , فأنا نجوت من الحريق ولماصب الا ببعض الحروق البسيطة
ازاح بوريل الشعرات السود واراهما اثر الجرح في مفرقه ثم تابع :
- لنفترض ان اولاف لم يعرف بوجودي حيا الا منذ سنتين , فلماذا انتظر اسابيع عدة ليطلعك على الأمر ؟ ربما خشي من معرفتك ان لك اخا شريرا
- لا ادري ما الذي شغله عن اطلاعي على وجودك
- لم يرد افساد حياة رجل محترم باقحام اخ شرير ومتشرد فيها فأنت نشأت في احسن البيوت وارقاها بينما اضطررت لشق طريقي وحيدا منذ ان كنت في العاشرة والله وحده يعلم كم واجهت من الصعوبات لأستطيع الصمود
ارتجفت شفتا بوريل فظنت لين انه سيعود الى البكاء لاسيما وانها هي لم تكن بحاجة الى تشجيع لتنهمر دموعها
حاول رادولف تبرير موقفه وتصحيحه :
- دعوتك مرات ومرات لتأتي وتعيش معي في القصر حيث تبدأ بتحصيل العلم والثقافة وتعاشر من يجب ان تعاشرهم من الناس رفضت ذلك مع العلم انه من حقك التمتع بنصف الأموال
اكمل رادولف بكل أسى :
- اعتبرت ان في الأمر تصدقا ولكنك مخطئ لأنني لم اعرض عليك الا حقك , وكن على ثقة اني ما زلت عند عرضي ومستعد لنصبح صديقين نتكاتف في مواجهة مشاق الحياة وقساوتها
تساءلت لين عما يمكن ان يكون اكثر عدالة من هذا العرض , وحبها لزوجها يتضاعف لما خبرته فيه من نبل وشهامة
نظرت اليه مبتسمة فرد الأبتسامة بأنعم منها
وقلبها يخفق طربا بالحب الكبير
فكر بوريل مليا بالأمر واعلن :
- رفضت دعواتك السابقة لأني كنت مقتنعا اني اكبر منك سنا , واني خدعت وحرمت من المال والتربية اردت واريد ان اصبح رجلا محترما ولكن تغيري صعب وقد بلغت الثلاثين .. كنت محظوظا يا رادولف لأنك تركت حياة الغجر وانت بعد فتى يافع ,اما ان تبدأ عملية تحول تنقلك من ضفة الى ضفة وانت في الثلاثين فرابع المستحيلات
تفهم رادولف رأي أخيه معترفا انه , على رغم كونه في السادسة عشرة , وجد صعوبة قصوى في التخلص من عاداته الغجرية والتأقلم في نمط الحياة الارستقراطية المعقدة
- لا مجال للمقارنة يا لين بين تعقيدات وشكليات حياة القصور وحرية وفلتان حياة الغجر ولا انكر اني عقدت العزم مرارا على الفرار والعودة الى المخيم لأعيش بين قومي واصحابي
قدرت لين لما سمعت ذلك مدى شجاعة زوجها وقوة ارادته اللتين جعلتاه يصمد ويبقى
في القصر مع جدين عجوزين متعجرفين , ولا عجب في كونهم كذلك , شأن كل اصحاب
الثروات الطائلة والألقاب النبيلة
لاريب في ان رادولف بذل مجهودا جبارا
ليعتاد على متطلبات حياة القصور ويتخلى عن اللامبالاة التي طبع عليها في حياته الغجرية
علق بوريل على كلام اخيه :
- لو هربت من القصر لربما كنت انا مكانك الآن
- ربما
قطبت لين حاجبيها غير قادرة على تصور بوريل المتشرد في ثياب ارستقراطي عريق ,
فهو كان سيفشل حتما في اعتياد حياة القصور
ولا شك ان بوريل مدرك لهذه الحقيقة ويتصرف , وان ليس ظاهريا , على اساسها اعاد رادولف سؤاله :
- ما اريد ان استوضحه منك يا بوريل هو هل تقبل بعرضي طاردا من ذهنك فكرة التصدق والحسنة ؟
- اتعرض علي السكن في القصر ؟
- اعتذر اذا قلت ان هذا مستحيل لأنك ارعبت زوجتي مرتين وهي ستنزعج من وجودك
فيه
- هذا يعني انك غير مؤمن بامكانية عودتي الى الطريق الصواب
أضاف بوريل قبل ان يتمكن اخوه من التعليق
- لن استطيع يا رادولف معرفة سبب انشغالك بي وبحثك الدائم عني جبت مخيمات البلاد كلها مرتديا ثيابا لا تليق بمقامك حتى لا تشعر الغجر بأي نقص , وشاغلا عربات قذرة لا تصلح لأن تكون مكانا لرمي النفايات في قصرك والله لو كنت
مكانك لتخليت عن البحث مرسلا اياك الى الجحيم !
اكتفى رادولف بابتسامة خفيفة وبوريل ينظر اليه مقارنا بين طريقة حياة رادولف وتشرده الدائم ثم وضع الثاني رأسه بين يديه وقال يائسا :
- اتعجب لماذا انبأك اولاف بوجودي مع ان سلوكي كان يسبب له القرف ! انا لص , محتال , قاطع طريق حتى الغجر لا يرضون بوجودي بينهم لا حل لي الا بالأختفاء عن انظار الناس !
لكم صار بوريل بعد اعترافه هذا مختلفا عن مظهر الرجل الشرير هو يكره نفسه لأنه انساق وراء غرائزه وميوله الهدامة ولكنه تسلح بالشجاعة وانهار معترفا بأخطائه , من دون ان يجد علا لها سوى التواري
نظرت لين الى زوجها فرأته يفكر بعمق عن مخرج لمشكلة بوريل , وارادت ان تتكلم لكن زوجها سبقها :
- لا أحد يكرهك يا بوريل فأنت عدو نفسك الوحيد لماذا لا تطوي صفحة الماضي وتبدأ حياة جديدة ؟ اخبرني اولاف مرة انك بحاجة الى رأسمال صغير لتهاجر الى استراليا وتؤسس مصنعا للخشب مع شريك , فهل ما يزال المشروع قائما ؟
- لا اعلم فالرجل سافر الى استراليا وسمعت انه يجد صعوبة في تسيير العمل بسبب ضائقة مالية
- المال ليس مشكلة فمتى قررت العمل امدك بما يلزم
- انا مصمم على ذلك ومستعد للسفر الى استراليا يا رادولف
تنفس رادولف الصعداء ونظر الى زوجته مبتسما لأن نهاية الأزمة قد اقتربت
- وهل تقبل بنصف اموال التركة ؟
- ولكن المال موصى به لك ؟
- اموال عائلة دوغي يا بوريل حق مشترك علينا تقاسمه بالتساوي
- لا اجرؤ على اخذ نصف الأموال في الوقت الحاضر ! لأنني لا أجد نفسي قادرا على ادارتها اعطني ما يلزم لأنشاء المصنع واحفظ الباقي , فأن احتجت الى شئ آتي اليك
- كما تريد يا بوريل سأعمل على مدك باللازم في اقرب وقت
قاطعه رنين الهاتف فهرع ورفع السماعة خائفا من ان يكون في الأمر سوء , لكنه ما لبث ان انفرجت اساريره وابلغ زوجته وشقيقه :
- ماندا بحالة جيدة ولن تتقدم بشكوى الى النيابة
اكتفى بوريل بالقول :
- يسرني سماع ذلك
- تعلم يا بوريل ان كونيل اوقع نفسه في مشاكل عديدة وهو خائف ويريد السفر ليسوي اوضاعه ويبني مستقبله ما رأيك باصطحابه الى استراليا فأنا وعدته بالمساعدة ؟
نظر رادولف الى زوجته وقال ضاحكا :
- لا تظني ان كونيل كان ينوي مساعدتك على الفرار فقد اعترف لي بكل شئ الست
مسرورة يا عزيزتي لأنه لم يساعدك ؟
- نحن لم نعد الى المخيم لأعلم حقيقة نواياه
- صحيح يا لين ولكنه كان موجود في احد المخيمات التي مررنا بها
استوضح بوريل شقيقه :
- ماذا عن كونيل والهرب ؟
لم يجب رادولف بل وعد :
- سنطلعك على ما حصل في المستقبل عندما تأتي لزيارتنا
وافق بوريل مدركا في قرارة نفسه انه متى غادر هذا المكان لن يعود ابدا
- لنعد الى موضوع كونيل يا بوريل انه شاب ذكي ويستحق ان يتمتع باكثر مما تقدمه حياة الغجر واعتقد بانه سيكون لك عونا كبيرا في اعمالك
- لا مانع عندي في اصطحابه
- اتمنى لك وله التوفيق وآمل بأن تتوصل الى تحقيق طموحاتك بالعزم وقوة الأرادة
وقف بوريل على قدمين مرتجفين واخذ يبحث عن الكلمات ليعتذر عما حصل , لكن شقيقه لم يود احراجه فسارع الى القول :
يجب ان ترتاح الأن وتتناول حبوبا مزيلة للصداع
- فكرة حسنة اريد ان اسألك شيئا أخيرا يا رادولف , هل تهتم بالترتيبات القانونية لسفري ؟
- لا تشغل فكرك بهذه الأمور واتكل علي اما الآن فادخل الى غرفة النوم وخذ قسطا من الراحة
بعد عشر دقائق جلس الزوجان وحيدين على الشرفة يتأملان زرقة البحر الهادئ
- اخيرا يا حبيبتي الغالية لم يعد هناك ما يعكر صفو حياتنا , اليس كذلك ؟
- اعتقد ان مشكلة بوريل انتهت
- اشكر الله على ذلك
اخذ يداعب شعرها بحنان واضاف :
- كنت شهمة جدا تجاهه يا حلوتي على رغم ما فعله معك آه كم سبب الكلام على اللقاء الاول لبسا وغموضا , ولهذا كنت استغرب موقفك مني
- لو تحدثت مرة عن تعطل سيارتي
- في أي حال اصبحت هذه الأمور جزءا من الماضي بالنسبة الي
- وهو كذلك
- كنا ضحية ظروف معاكسة ولكننا خرجنا سالمين
فكر رادولف قليلا قبل ان يزيد :
- اتؤمنين بالحب من اول نظرة ؟
- ربما
- منذ ان رأيتك في الغابة علمت انك الفتاة التي ابحث عنها غرقت في غرامك حتى اذني وتعذبت كثيرا لاحتقارك اياي ولتعجرفك
- الم تتساءل يوما لماذا ضربتك بالسوط ؟ اظننت اني فعلت ذلك بدون سبب ؟
- حدث كل شئ بسرعة لم تدع لي مجالا لأفكر , فأنا اعاني من مركب نقص كوني غجريا , فأنا اخاف من ان تكون تصرفاتي نابعة من ماضي ومن انتمائي الاجتماعي
وانت زدت الطين بلة عندما صنفتني غجريا متشردا حقيرا
- انت مخطئ يا حبيبي , فكل ما في الأمر اني كنت خائفة من اعتدائك علي دون ان يخطر لي ان الشخصين مختلفان لاتتصور كم كانت المفاجأة كبيرة عندما رأيتك في الغابة فظننت انك لحقت بي من المخيم حيث تعطلت السيارة حتى تكمل ما بدأته هناك
- من عجائب الصدف ان تلتقي ببوريل ثم بي في الغابة , ولكن القدر لعب لعبته لجمعنا
رمقته بنظرة حنان ووضعت يدها على الجرح ثم همست :
- اتعتقد ان اثره سيزول ؟
- بالطبع سيزول
- ان لم يحصل ذلك لن اغفر لنفسي ابدا
ضحك رادولف وقبلها بحنان على جبينها :
سنذهب غدا الى بيتنا حيث نبدأ برسم طريق حياتنا الصحيح
- فكرة رائعة ياحبيبي
كانت فرحة لين كبيرة الى درجة لا توصف
فالأمور تسارعت بشكل مثير في الأسابيع الأخيرة , ووجدت نفسها في عالم آخر لم تكن تحلم انها ستصبح جزءا منه
لما كانت تدفن اوقاتها وراء مكتبها وبين جدران شقتها الموحشة
- اصحيح انك امضيت سنتين في البحث عن شقيقك ؟
- نعم , ولكن ذلك لم يمنعني من الأهتمام بادارة اعمالي تنقلت بين المخيمات بسيارتي الا عندما التقيتك فقد كنت ذاهبا الى المخيم على الحصان لأنه قريب نسبيا من القصر
- ولماذا تظاهرت بكونك غجريا فظا ؟
- الن ننتهي من الاستجواب ؟ حسنا , لأنك جرحت شعوري واردت ان ارد لك الكيل كيلين كدت , في مرات عديدة , اعترف لك بالحقيقة ولكن عنادي منعني
دفنت لين رأسها في صدره وهمست :
- بذلك تعلمت ان احبك لذاتك دون النظر الى انتمائك , وانا سعيدة لأنك تعرف اني احبك من قبل اطلاعي على هويتك الحقيقية
- اظن انك اكتشفت حقيقة مشاعري نحوك يوم كنا في السيارة
- هذا صحيح يا رادولف وان حاولت مقاومة هذا الحب لأن الحياة الغجرية لايمكن ان تناسبني
- ولكن مقاومتك كانت فاشلة !
- اعترف بذلك واني كنت مستعدة لمتابعة الرحلة معك حتى النهاية
- الا تريدين الاطلاع على الخطة التي تحدثنا عنها ؟
- بالطبع
- لم اكن استطيع تصور نفسي اعيش بدونك يا لين ففكرت ان ابتاع لك بيتا خاصا تعيشين فيه بحرية , مقابل سماحك لي برؤيتك مرتين يوميا وبذلك تتخلين عن فكرة الفرار
- اتريد معرفة رأيي الحقيقي في خطتك يا رادولف ؟
- نعم
- انها اغبى خطة رأيتها في حياتي
- ولماذا ؟
- لأنك تعلم انك لن تستطيع التقيد بها وانك ستجبرني بعد مدة على ... على ،..
احمر وجهها خجلا فيما رادولف يطلق ضحكة عالية تعبر عن الأرتياح والسعادة النهاااااية |
|