03-18-2015, 12:30 AM
|
|
36 يوماً | 36 Days قبْلَ لَحظةٍ منَ الآن كٌنتٌ في النّورِ أرَى وَ أٌرىَ ، و لسببٍ ما وجدتٌ نفسيَ في الظٌّلْمَةِ الحالِكَةِ مٌستقرًّا . بيدي اليسرى سكّينٌ قد غَطّاها الدّمٌ لا أعرفٌ كيفَ صارتْ بيدي ؟! كلّ ما أذكٌرٌهٌ أنني سَرقْتٌ محفَظَةَ امرأةٍ ثريّةٍ و هَرَبتٌ من صراخها المزعجِِ إلى مٌفتَرَقٍ مسدودٍ . هذا ما أذكٌرٌهٌ فقط. ما الذي جاءَ بالسّكّينِ إلى يدي؟ما سببٌ وجودِ هذا الدّمِ عليها؟و أينَ المحفَظَةٌ التي سَرقْتٌها؟لا أدري! ألقيتٌها خَلفي و التفَتٌّ لِتٌلجِمَ الصدمةٌ لساني، لم أستطعْ الصّراخَ لئلا أٌفضَحَ ! إنّها جٌثّةٌ طِفلٍ ذو تسعِ أو عشرةِ أعوامٍ و يبدو بأنني مَنْ قَتَلَهٌ ، لكنني لا أذكرٌ أنني قَدْ قٌمتٌ بشيءٍ كهذا ، بل وَ مَتى ؟لا أستطيعٌ إيجادَ هذا الجٌزءِ من ذاكرتي ، التفكيرٌ بذلكَ سيلقي بي في دوّامةٍ منَ الجنونِ لا نهايةَ لها . لَقد هرعتٌ راكضًا نحوَ المفترق المنحوس و كأنني كنتٌ نائمًا فاستيقظتٌ من كابوسٍ مرعبٍ. رحتٌ أضرب ٌ رأسي بالجدارِ أمامي حتى نَزَفَ الدّمٌ منهٌ .
"استيقظْ يا غبي ، أفِقْ ! " أرجو أن يكونَ حٌلٌمًا.. صوتٌ صافراتِ سيّاراتِ الشّرطةِ ، هل عَلِموا بأمرِ الجٌثّةِ يا تٌرى؟أنا في ورطةٍ حقيقيّة!! أيجِبٌ أن أهرٌبَ أم أٌسلّمَ نفسي؟لكنني لم أرتكِبْ جريمةً كهذه من قَبلٌ ؟ فلمَ أهربٌ؟!
" أنا بريء ... أجل .. أنا بريء .. ذلكَ صحيح ، لا يجبٌ أن أهرٌبَ فأنا بريء " أقنَعتٌ نفسي ببراءتي لكنّ ما سَمِعتٌهٌ اخترقَ روحي قبلَ طبلةَ أذني، الرّعبٌ دَبّ فِيّ،لقد صَرَخَ أحدٌ رجالِ الشّرطةِ بهلع:
" إنّهٌ (ايهاب) صاحبٌ الجرائمِ التسلسليّةِ، يبدو أنّها الضّحيةٌ العاشرةْ " ياااااه و أنا الذي ظنّ أنّهٌ يعيشٌ هذا الموقفَ المرعبَ للمرّةِ الأولى ، إذًا فقد جرّبتٌهٌتسعَ مرّاتٍ من قبلٌ !! لَم أجدْ سبيلًا للخلاصِ إلاّ شٌرفةٌ نافذَتٌها مفتوحةٌ.
" بما أنني مٌجرمٌ مٌحترِف هربَ تسعَ مرّات من قبضةِ رجالِ الشّرطةِ فسيكونٌ من السّهلِ عليّ الهرب للمرّة العاشرة " استنتاج لا يحتاجٌ لتفكير ، فقفزة من هنا و أخرى هنالك ، استطعتٌ حينها تسلّق الجدارِ القصيرِ حتى وضعتٌ يديّ على الشّرفةِ ، و بحركة بهلوانيّة تلقائيّة-لا أعرف كيفَ استطعتٌ فعلها- اقتَحَمْتٌ الشّقة. لَسْتٌم بحاجةٍ لمعرفةِ ردّةِ فعلِ أولئكَ الأفراد الذينَ فوجئوا بدخولي المٌباغتِ لمكانِ عيشهم،هذا و أضيفوا مظهرَي المتلطّخَ بالّدمِ حينها.
" أراهنٌ على أنّهم لن يتركوا النّوافذَ مفتوحةً بعدَ الآن " مشهدٌ أكثر ما يتكرر في الأفلامِ السينمائيّة ، لكنني للأسفِ لستٌ في فيلمِ. المهم أنني استطعتٌ العبور َ و المرور فلم أستغرقْ وقتًا طويلًا في العثورِ على بابِ الشقّةِ لأصعدَ السلالمَ متجهًا نحوَ سطحِ المبنى بٌغيةَ الهربِ من رجالِ الشّرطةِ البواسلِ.
" وَ نجحتِ المهمّة ! " يا إلهي ماذا أقول؟ أيّةٌ مهمّة؟ لابٌدّ وأنني صرتٌ مجنونًا رسميًا الآن! اختَلَستٌ النّظَرَ لأسفلَ لأجدَ الشّرطة تحيطٌ بالجثّةِ و يبدو أنّهم قد أخذوا بصماتي مجددًا. لابٌدّ و أنّهم سعيدينَ الآن. عادت تلكَ المرأةٌ الثريّة و استعادت محفَظتها بسهولةٍ و يٌسر بعدَ تسجيلِ قضيّة سرقة و إضافتها لملفّي الخاص بجرائمي عندهم .
" تبًا للمحفظة ، لقد كانت خلفَ الجثّة و لم أستطع رؤيتها " تمتمتٌ بحنقٍ : الأثرياءٌ يحصلونَ على ما يريدونَ بسهولةٍ و لا يتعبونَ البتة، أشعرٌ بالغيظِ! هه ، ذلكَ لأنني ما انفككتٌ عن مقارنةِ نفسي بهم، و أنا الذي لا يجدٌ شيئًا يأكٌلٌهٌ. شيءٌ غريبٌ بالفعلِ ، دونَ وعي رحتٌ أتحدّثٌ عن ماضييّ و كأنني أذكرٌه. لحظة! و هل فقدتٌ ذاكرتي لأقولَ ذلك؟ ما يحدثٌ معي غريبٌ حقًا! أشعٌرٌ بالعطشِ الشّديد، لابٌد و أنّ ما قمتٌ بهِ من مجهودٍ إجراميّ اليوم قد أرهقني وأظماني. لازالَ أولئكَ الشّرطة يحاولونَ البحثَ عنّي ، يجبٌ أن أهرب. قفزتٌ من سطحِ المبنى الحاليّ إلى الآخرِ المجاورِ ببراعةٍ. و ما هيَ إلاّ لحظاتٌ و يهتزٌّ شيءٌ في جيبِ بنطالي. هاتفٌ خلوي!
(مساعدي خالد .... يتصلٌ بكَ( أجبتٌ بهدوءٍ دونَ تردّدٍ : ما الأمر؟
-سيّدي أمين نحتاجكَ حالاً في أمرٍ مهم بمقرّ الشرطةِ، من فضلكَ أسرع. أغلقتٌ الخطّ بسرعةِ " أحيانًا أقومٌ بتصرّفاتِ خرقاءَ .
" يظنٌّ أنّه ذكي ، يريدٌ أن يتعقبني بحية قديمة كهذه " و عدتٌ لبرنامجِ التساؤلاتِ الذي لن ينتهي ،كيفَ وصلَ الهاتفٌ لجيبِ بنطالي؟ولمَ اتصلوا بالوقتِ هذا تحديدًا؟
-في مقرّ الشرطةِ- حيثٌ كانَ مديرٌ المقرّ السيّد على و زملاؤه و بعضٌ معاونيهِ في فوضىنفسيّة أكثر منها في المكانِ.
-اتصلنا بالمحقق أمين لكنّهٌ أغلَقَ الخطّ فجأة.
-حاولوا مجددًا.
-نفعلٌ ذلكَ لكنّهٌ لا يجيبٌ.
-أينّ ولّى هذا الأخرق؟ أليسَ هوَ الوحيدٌ المتحمّسٌ لإيجاد ايهاب والإمساكِ بهِ. تَبِعَت جٌملَة المدير-على- التي أطلقها من فيِهِ الغاضب ضربةٌ قويّة على طاولةِالمكتبِ أمامَهٌ. أجابَ أحد المعاونين بارتباك:
-سيّدي على، لقد تلقّيتٌ رسالةً من المحقق أمين.
-ماذا يقول فيها؟ لماذا لا يتواجدٌ في الوقتِ المناسبِ دومًا؟
-يقولٌ إنّه قادم. زَمْجَرَ بحنقٍ حتى انتفخت أوداجٌهٌ:
"لقد تعطّلت كلّ قضايا السّفاحِ ايهاب والفضلٌ له ولذكائِهِ!" مَضت ربعٌ ساعةٍ ليأتي المدعو بالمحقق أمين. دَخَلَ غرفةَ المديرِ و هوَ ينظرٌ له بابتسامتِهِ الساخرةِ المعهودةِ، جلسَ و أطفَأَ سيجارتَهٌ
-التي كانتْ بينَ أصابعهِ - بمنفضةِ السجائرِ. استَهلّ المديرٌ الحديثَ قائلًا بصرامةٍ: إلى متى سننتظرٌ إلقاءَ القبضِ على ذاك السفّاح؟أتمنى أن تعيدَ النّظرَ و تسلّمني كافّة الملفات المتعلقة بهِ لكي أسلّمها لمحقق غيرك. أجابَ أمين بحدّة: أنتَ تعرفٌ لمَ أصررتٌ أن أتولى زمامَ هذه القضيّة تحديدًا. أومأَ لهٌ المٌديرٌ بقلّةِ صبرٍ : و لذلكَ أمهلتٌكَ إلى أن قٌتِلَ عشرةٌ ضحايا.
-سيّدي على، صدقني أشعرٌ أنني اقتربتٌ منهٌ كثيرًا، اكتَشفتٌ بعضَ الأدلّة المتناقضةو متأكّدٌ أنّ أحدها سيكونٌ الدليل الدامغَ! ثمّ أضاف بحماس و هوَ يشٌدٌّ قبضَتَهٌ: فقط أحتاجٌ الوقتَ الكافي لدراستها، وقد كنتٌ في موقعِ الجريمةِالأخيرةِ أطّلعٌ على ملابساتها، فامنحني بعضَ الوقتِ أرجوكَ.
-لكَ ذلك، لكنّها ستكونٌ المرّة الأخيرةَ.
-و أنا عندَ وعدي، سأرفعٌ البصماتِ مجددًا للحيطةِ. حكَّ ذقنهٌ وقال:
-ضمنَ أيّ نطاقٍ تبحثٌ عن البصماتِ يا أمين؟ أعني على أيّ أساس بنيتَ اجتهادكَ هذا ؟
-بحثتٌ في خرّيجي السّجونِ في السنواتِ الأخيرةِ بشكلٍ خاصٍ و الدولةِ بشكلٍ أعم. فطريقةٌ طعنِ ايهاب للضحايا مشابهةٌ بشكلٍ كبير لبعضِ جرائمِهم السابقة، أخشى أنّه قد خرَجَ من السّجنِ لينتقمَ من رجالِ الشّرطةِ.
-تفكيرٌ جيّد، لكن لا تركّز عليهم دونَ البقيّة، خذ حذركَ من الجميعِ. ابتسمَ أمين و غمزَ للمديرِ قائلًا: لا تقلق ، لم أراعي أحدًا ، حتى بصماتكَ قارنتها معَ بصماتِايهاب. خرَجَ امين بعدَ أن قال بغموضٍ: ألستَ من يخبرني أن لا أثقَ بالجميع؟!
-بعدَ شهرٍ و ستّةِ أيّامٍ- ارتٌكِبَتْ جريمةٌ أخرى على يدِ السّفاحِ ايهاب ، و حٌبِسَ على إثرها المحقق أمين،لأنّه لمْ يستطع إلقاءَ القبضِ عليهِ و اعترضَ على تسليمِ ملفّاتِ القضيّةِ لمحقق غيره. ظَلّ أمين يتذكّر جثّةَ شقيقهِ -ذو العقدِ الأوّل- الذي قٌتِلَ على يدِ السّفاحِ قبلَ سنةٍ من الآنِفي الولايةِ التي كانَ يعيشٌ فيها و أسرتَهٌ سابقًا. كانَ أوّلَ شخصٍ يكتَشِفٌ الجثّةَ حينها، و اختفى عنِ الأنظارِ بعدَ ذلكَ ، فقد سافرَ لولايةٍ أخرى. الطّريفٌ في الأمرِ -في نظِرِ أمين- أن ايهاب يتبعه أينما ذهبَ ، و في أّي ولاية هوَ فيها و لايدري ما السبب؟! بعدَ أن لاحت هذه المشاهدٌ في عقلِ أمين بدأ يفكّرٌ و يربطٌ بينَ ضحايا ايهاب. مرّت سنة كاملة و شهر و عدّة أيّام على بدايةِ مشوارِ ايهاب الإجرامي الذي قٌتِلَ فيهِإحدى عشرَ شخصًا بريئًا. هَمّهٌ الوحيد الآن هوَ كيفَ سيخرجٌ من الزنزانة التي هوَ فيها. يريدٌ القضاءَ على ايهاب لكن لا يعرفٌ كيفَ، بل يبدو أنّهٌ سيمكثٌ شهرًا هنا كعقوبةٍ له،ولزجرهِ عنِ شتمِ و معارضةِ المديرِ على . مَرّ شهرٌ كامل لم يتأدّب فيهِ لا على ولا أمين إطلاقًا، و لذلكَ لم يخرج من السّجنِ. فالأوّل يتهمهٌ بالتقصيرِ في القضيّة، و الثاني يشتٌمٌهٌ لأنّهٌ لمْ يمنحهٌ الوقتَ الكافي بيدَ أنّ ايهاب لا أثرَ لهٌ في السّاحةِ الإجراميّة و هذا الشيء الوحيدٌ المٌطَمْئِنْ. قَرّرَ المديرٌ على تولّي قضيةَ السّفاح بعدَ إنهاء القضايا الصغيرة التي انشغلَ بها في إنهاءِ القضايا الصغيرةِ التي انشغلَ بها في الوقتِ الراهنِ ليتفرّغَ لايهاب و يركّزَ أكثر.
-بعد َستّ أيّام- في غرفةِ المديرِ على دخَلَ أحدٌ معاونيِهِ -(خالد)- الغرفةَ و هوَ يرٌدٌُّ بأدبٍ جَمْ:
-طلبتني سيّدي.
-أجل، أريدٌكَ أن تٌحضِرَ لي كافّة الملفاتِ المتعلقة بقضيّة السّفاح ايهاب، و أخبر عامل النّظافةِ (جمال) أن يجمَعَ كلّ الأوراق المبعثرة في غرفةِ التّافهِ أمين ، و لينظّمها فاليوم موعدٌ خروجِهِ.
-حاضر سيّدي. بينما انشَغَلَ المديرٌ على بملفّاتِ ايهاب رأى (جمال) يخرٌجٌ من غرفةِ أمين و وجهٌهٌ شاحبٌ . تساءلَ في نفسِهِ: " ما به؟ " شَرَعَ يقلّبٌ في الأوراقِ و يقرأ: الجريمةٌ الأولى كانت لشقيقِ أمين. الثانية لطفلٍ في مستشفى الأمراضِ النفسيّة. و الثالثة لطفلٍ في متنزّهٍ . أمّا الرّابعة فهي لــ... قَطَعَ كلامهٌ بسببِ ملاحظةٍ صغيرةٍ انتبَهَ لها ! لقد ارتٌكِبَتْ الجريمتينِ الأولى و الثانية في ولايةٍ واحدةٍ ، أمّا بقيّةٌ الجرائمِ فهيَ في ولايتنا هذه! ثمّ ... لحظة! ما الذي ذَهَبَ بالسّفاحِ إلى مشفى الأمراضِ النفسيّة ليقتلَ ذلكَ الطفل؟حتى الآن لا أدري هل جرائمهٌ عشوائيّة أم لها رابطٌ معيّن؟! الرّابطٌ الوحيدٌ الذي أعرفٌهٌ هوَ أعمارٌ الضحايا، كلّهم أطفالٌ لمْ يتجاوزوا العاشرةَ. اتّجَهَ نحوَ مَكتَبِ ِأمين فقد خَرَجَ من السجن ِبالتأكيدِ ، و يريدٌ أن يطلعَهٌ على ما اكتَشَفَهٌ. أمسَكَ مقبضَ البابِ و حرّكَهٌ وهوَ يقولٌ بجديّة:أمين، لقد اكتَشفتٌ ثمّةَ أمرٍ يتعلّقٌ بايهاب. دَخَلَ الغرفةَ و هوَ يقلّبٌ الأوراقَ بيدهِ: لاحظتٌ أنّهٌ يقتلٌ كلّ ستةٍ وثلاثينَ يومًا ، لابٌدّ و أنّ الرّقمَ يعني شيئًا معيّناً له. رَفَعَ رأسَهٌ ليٌفاجَأ بالمكتَبِ خاليًا ، لا أحد! ألمْ يأتِ أمين إلى هنا؟كادَ أن يخرٌجَ لولا الورقة التي داسَ عليها والتصقتْ بباطنِ حذاءهِ. رفعها لتشلّ الدّهشةٌ لسانَهٌ، فبعدَ أن رآها و قرأَ فحواها لا يعرفٌ لمَ لمْ يٌصَبْ عقلٌهٌ بالجنونِ ،بل كيفَ لا يزالٌ واقفًا منتصبًا؟! هَمَسَ بذعرٍ: إنّهٌ ... إنّهٌ ... ابتلعَ ريقَهٌ بهلعٍ : بلاغٌ قديمٌ عن هاربٍ من مشفى للأمراضِ النّفسيّة ومٌصابٌ بحالةٍ نادرةٍمن فصامِ الشّخصيّة، و الصّورةٌ فيهِ للمحققِ أمين! لا أصدّق! صَرَخَ بفزع و هوَ يخرجٌ من الغرفةِ: ليرفع لي أحدٌكم بصماتِ أمين وليقارنها معَ السّفاحِ بسرعة.
" الآن اتضحت الصّورةٌ لديّ ، الجريمةٌ الأولى ارتكَبَها عندما طَعَنَ شقيقَهٌ و من شدّة فزعهِ صار يلقّنٌ نفسَهٌ بأنّه بريء ولم يفعل هذه الفعلةَ الشنيعةِ، حتى بلَغَت حالته النفسيّة نهايةَ التدهور. و هنا بدأت أعراضٌ مرضِ فصامِ الشّخصيّةِ تظهر، حينَ بدأ قتلَ كلّ طفلٍ بعمرِ شقيقهِ، وكأنّهٌمعترضٌ على بقائهم أحياءَ يرزقون! و لذلكَ عندما كانَ في مشفى الأمراضِ النفسيّة، لابدّ و أنّه رأى ذاك الطفل فيهاِ فقضى عليهِ. و دونَ أدنى شكّ لقد هربَ من المشفى، لكنني أتساءلٌ كيفَ لم يجدوا أثرًا لهٌ ؟ كيفَ هربْ منهم أوّلاً؟هل لهٌ أعوان؟ من ساعدَه على الدخولِ هنا والعمل كمحقق معنا؟ ونحنٌ كالدّمى تمامًا ، يحرّكنا كيفما شاء. للتو بدأت أفهم فقط! المٌصيبةٌ هوَ هذا البلاغ ! لماذا لمْ أرَهٌ ؟ و متى وصلَ لمكتَبِهِ ؟كيفَ لمْ ألحظ تأخّره في الظهور في قضايا السّفاحِ ؟ " ركَضَ نحوَ زنزانةِ أمين على أمل أنّهم لمْ يخرجوهٌ منها. أمسكَ بيدهِ قضبانها وهوَ يرتجِفٌ من الدّاخلِ قبلَ الخارجِ .
" إنّهٌ غيرٌ موجود، أمين ليسَ هنا! " لمْ يأتِ لمقرّ الشرطةِ .. ولمْ يأخذ أوراقَ القضيّة كعادتهِ.. و لم يتصل بي .. يشعرٌ بأنّه صار يسمعٌ نبضاتِ قلبهِ و أنّهٌ يحاولٌ الخروجَ من مكانهِ . و كأنّ قفصَهٌ الصّدريّ سينفجر لا محالة! هذا و هوَ لمْ يتأكّد من نتائدِ بصماتِ أمين بعدٌ. كيفَ إذا عَرفَ بالنتيجةِ؟! ماذا سيفعل بهِ ؟هل سيقطّعهٌ إلى أشلاءٍ و يجعلٌ الطيرَ تأكلٌ من بقاياه؟لا يعرف ما هيَ نوعٌ المواجهةِ التي ستحدثٌ إن رآه ولا كيفَ ستنتهي ؟عادَ إلى غرفتِهِ و جلسَ قبالةَ مكتَبِهِ و عقلهٌ يتصارعٌ معَ كلّ شيء حولَه. أمسكَ قلمًا و بدأ بتسجيلِ اكتشافاتِهِ المتتالية التي انفجرت في وقتٍ غير مناسب كالقنبلةِ الموقوتةِ إلى أجلٍ غير مسمّى. دخلَ (خالد) و هوَ يقول بتوتر:
-سيّدي على ، بصماتٌ المحقق أمين متطابقة ٌ معَ بصماتِ ايهاب بنسبةِ 98% بالمئةِ.
" إنّهٌ هوَ .. السّفاحٌ الذي عاشَ في كنَفِ الظّلمةِ سنةً كاملةً ، واتخذَ غِيل الأسدِ موطنًا له ،طاردًا كلّ الشّكوكِ نحوَه. كمْ كنتَ نابغةً يا أمين و كم جعلتَ منْ أٌسدِ الشّرى أضحوكةً! هه ! كنتَ قائدًا بارعًا في الظلّ .. بينما بدَونا لكَ الدّمى التي تحرّكها في النّورِ خلفَ أستارِ الظلمةِ. جحدتَ النّعمَ التي أغدقناكَ إّياها فسحقًا لكَ .. لا أدري أأبكي أم أضحكٌ ، و أنا الذي أخبَرهٌ أن لا يثقَ بأحد،علمتني درسًا لن أنساه. " سألتٌ الضّابطَ خالد بهدوء و يأس شديد - و أنا واثق أنني أعرفٌ الإجابةَ لكن ليطمئنَ قلبي-: كم مَضى على آخرِ جريمةٍ ارتَكَبها السّفاحٌ ؟أجابني بقلق وارتباكٍ واضحينِ : سـ... ستة وثلاثونَ يومًا.
" كنتٌ أعلم .. شعرتٌ بذلكَ .. انطلقَ السفّاحٌ المتعطّشٌ للجريمةِ .. ففَقَدَتْ يدي القدرةَ على الإمساكِ بالقلمِ .. وسقطَ القلمٌ مني فهويتٌ معَهٌ . " يرجى عدم الرد ~ |
|