لكن استمتعوا بالفصل الأول ... واتركوني بردودكم العطرة عمّا قرائتم إن كان جيدًا أم لا !
الفصل الأول بعنوان ( لديك بريد ! )
ـ غويــن اجلسِ مثل الآنسات !
قرصت مارثا ـ والدة غوين ـ فخذها الأيمن بقوة ، وكـرد فعل شمتت غوين أسفل أنفاسها ؛ جراء الألم ، من ثم أعدلت جلستها بطريقة صحيحة آشبه بالآنسات الآن ، لم يلحظ الحضور ما حدث بين الأم وابنتها ... لأن الأمر جرى أسفل الطاولة البلوطية بشكل خفي، ابتسمت غوين ابتسامة مزيفة نحو صديقات والدتها ، كل واحدة منهم تبدو يائسة أكثر من الأخرى ؛ وجدت الأمر ساخر كل مرة ولا يمكن الملل منه ... فتارةً تأتي ميريدث بشعر مستعار و هيلن تحاول اتباع حمية قاسية تعود بالفشل كل مرة ... هل هي الخمسون بعد المئة أم المئتين ؟ كانت تسأئل هيلن بوقاحة و مارثا تقوم بضربها خفيةً من جديد ، جلست غوين خارج مقهى فاخر أسفل يافطة المتجر المكتوبة بلغة هندية ، يحمل المكان هالة من الطابع الشرقي ممزوج برائحة التوابل الخانقة ... كم شعرت بالإحراج عند مرور أشخاص قد حدقوا بها لدرجة إحداث ثقب من خلالها ، لم تفهم لما صديقات والدتها من محبين للهند ... كلها توابل و درجات حرارة عالية تقود المرء للجنون
ـ تناولي بوظة الموز والسكر البني ... إنها لذيذة غوينيث !
أخبرتها إنغريد صديقة والدتها وجارتهم في الحيّ ، كم تمقطها وتمقط شِفَاهها المنفوخة وطريقتها الوقحة في التعامل ، إن استطاعت المظاهر الحديث لصرخ مظهر إنغريد بـ " أنــا يائسة وعانسة وبحاجة لزوج " طأطأت غوين رأسها وأمسكت المِعلقة على وشك التناول ، لكن رنين هاتفها كان بطاقة الهروب من تناول البوظة الغريبة تلك ؛ فقد انبعث منها فقاقيع ... وأيضًا أي بوظة تكون ساخنة ؟ نعم الموز والسكر البني هو الجواب !
باغتت غوين بسحب الهاتف من بنطالها الأسود وفتحه ... كانت رسالة مبعوثة من خلال بريدها الإلكتروني ، أحاطها الفضول لمعرفة من يبعث رسالة رسمية لبريدها المهجور
ـ غوينيث كالدير ، أنزلي هاتفك حالًا !
صرّت مارثا على أسنانها ، حركت غوين عيناها بضجر وتجنبت كلام والدتها مكملةً البحث عن موقع الرسالة ، توقفت لوهلة لتمعن بعنوان الرسالة قبل أن تتفقد محتواها ، ولكن مارثا سحبت الهاتف من يدها بضيق، مانعًا ضغطها على الرابط من أجل الانتقال للمحتوى
ـ سأعاقبك عند العودة ، والآن كلي بوظة الموز !
رمت مارثا هاتف غوين في حقيبتها الجلدية الواسعة ؛ انقضت ثلاث سنين منذ شراء هذه الحقيبة ولكنها في أبهى طلة كما لو كانت جديدة!
أمّا غوين فاستشاطت غضبًا من الداخل ... ومع السنين التي تحملتهم مع والدتها استطاعت ترويض مشاعر الغضب تلك و حل مكانها عدم المبالة، بعد خمس دقائق من الملل و حديث النساء عن آخر المستجدات ـ استطاعت وضع ابتسامتها المزيفة والنظر للحضور بإدعاء
ـ اعذروني على استعمال دورة المياه !
استئذنت الحاضرين ، مبتعدةً عن الطاولة لتوجه نحو دورة المياه ، خُطَاها كانت ثقيلة عن المعتاد ، و قبضة يديها النحيلة مستعدة للعراك مع أخطر مجرم تمَلِكُهُ الحكومة خلف القضبان ، بمجرد أن أصبح باب دورة المياه في المنظور صرت على أسنانها من الغضب و فتحته بقدمها اليسرى بقوة شديدة ؛ مدخلةً الخوف لقلب فتاة كانت واقفة بقرب حوض الدورة تتفقد انعكاسها في المرآة ، تنهدت تحاول تهدئت روعها ومستعدة لوضع شخصيتها الأخرى قيد التنفيذ ، أحاطت شفتاها بابتسامة مزيفة مثل المعتاد واقتربت نحو صنبور المياه بروية وسلامة
ـ آسفـة ... ولكن رفيقي مزعج !
صرّحت للفتاة ، طأطأت الشابة بدورها متفهمة ما حدث ، من ثم رمت مساحيق التجميل في حقيبتها بشكل عشوائي ـ تستطيع رؤية خوفها من خلال يدها الراجفة ـ بعد ذلك أغلقت حقيبتها وخرجت من دورة المياه مسرعة ؛ مرتعبة من غوين بالتأكيد!
على اليد الأخرى وقفت هي أمام صنبور المياه تدرس معالم وجهها المرهق ـ فقدت الثقة بأنها جميلة أو تملك خِصلة من خصل الجمال ... لذا استسلمت لواقعها المرير وحرقت جميع مساحيقها في بداية السنة ؛ لعل تضحيتها بتلك المساحيق يكسبها الجمال الطبيعي ، شعرها الأصهب كما هو هائج ويحتاج لتمشيط ... ولكنها تجرأت بقص مقدمته ليصبح أكثر أنوثة من ذي قبل ، دعونا لا ننسَ بأنه اكتسب عشرة سانتي من الطول عمّا كان من قبل !
فتحت صنبور الماء وانتعمت بصوته المريح وباشرت بغسل وجهها ، ولكن حبل أفكارها عّلِّق على الهاتف ، بأي وسيلة ممكنة ... أرادت المعرفة ! ما محتوى الرسالة تلك ؟
"عزيزي أيًا تكن ! أتمنى أن ترد على صراخ نجدتي؟" كم شعرت بالحماس بمجرد أن قرأت العنوان ـ مثل أفلام السينما ، ربما أخيرًا تستطيع إيجاد أصدقاء !
ولكن مارثا أرادت أن تحتفظ بصورة العائلة المثالية التي تفككت قبل أربع سنين من الآن ... كم كرهت كون والدتها في حالة إنكار !
ـ تبًا !
أغلقت الصنبور ؛ مسترجعةً تفكريها للواقع ، بسلاسة خرجت من دورة المياه تود إنهاء اجتماع صديقات الطفولة الذي مقتته ؛ منذ انتقالها لذلك الحيّ !
...
اختلست غوين طريقها نحو غرفة نوم مارثا ، تمشي على أطراف أقدامها بهدوء ، داعيةً ألا توقظ مارثا من سباتها ... بعد أن فَصَلَتْ والدتها سلك الإنترنت ومنعتها من الخروج ، لم تجد غوين سبب لترجِ والدتها ، فالسرقة بدت فكرة أفضل !
اقتربت شيء فشيء من الحقيبة البنية المصنوعة من جلد فاخر ،و فتحتها بكل خفة مخرجةً هاتفها الأبيض ، تحرّكت مارثا في نومها بشكل مفاجئ ؛ مما جلب الجزع لقلب غوين ، بسرعة فائقة ارتمت على الأرض وزحفت طريقها للخروج ـ كما لو كانت جندية في جيش إنجليزي قد تم قصفه، بعد خروجها من الغرفة قامت برقصة نصر سريعة أمام الباب المغلق من ثم باغتت بالجري أعلى السلالم وإلى غرفتها ، ارتمت على سريرها المرتب ونظرت لشاشة هاتفها الجامدة ... "لتكن رسالة حقيقية" تمنت مرارًا قبل فتح الهاتف وكل أحلامها متمسكة بتلك الرسالة
" عزيزي أيًا تكن ! أتمنى أن ترد على صراخ نجدتي؟
ربما هذه فكرة مبتذلة بعض الشيء... هـ إمسح بعض الشيء لنقل بأنها مبتذلة تمامًا ! الطبيب وصف طريقة علاج ... من جديد ! ما هي ؟ كتابة رسالة لعنوان عشوائي من اختياره لكي أفصح مشاعري بها !
لنتقدم في الحديث بعد أن وضحت الفكرة ، أنــا ذكر إن كان يهمك الموضوع ... اسمي وعمري لست مخول بإخبارك ما هم ... ولكن يمكن القول بأني شخص فاقد للأمل ويائس .
مشاكل عديدة تحيطني ، ربما لست أوسم إنسان في العالم ... و ربما اقترفت أخطاء في حياتي ، ولكن هل هذا سبب لجعل الناس تتمنى موتي ؟
لا أود الإطالة في الحديث ربما هذا البريد الإلكتروني غير مفعّل أو صاحبه لا يهتم أو ربما لا يجب الرسائل المزيفة
ولكن أقسم بأنها حقيقية ولا أود جلب الضرر لك ... آسف إن أخذت من وقتك الثمين لقراءة تفاهاتي "
نظرت غوين لشاشة وأعادت قراءة الرسالة مرة واثنتان وثلاث ... شعرت بالأسى له ... ربما مرت بظروف عصيبة ولكن لم يتمنى أحد موتها ! شعرت ببعض الحزن والشفقة عليه ، هل ترد أم تبقى صامتة ؟ كانت تتسائل ... " ربما نصبح أصدقاء" كان الجانب المشرق لتفكيرها ، جلست على السرير تفكر بعمق لدقائق ... من ثم استسلمت للأمر وبدأت تدون بعض الكلمات لشخص
"مرحبًا ... أظن بأن صراخك قد جعلني أفقد السمع !"
دونت اسم الرسالة ومن ثم بدأت بكتابة المحتوى
"أنــا حقًا آسفة لما يحدث معك ، أظن بأنها طريقة جيدة لتعبير عن مشاعرك ... لا تبخل بإرسال جميع ما يحدث لك ! فأنا هنا وسأقف بجانبك حتى النهاية ... ولكن قف معي كذلك ! سيكون جميل ، أتمنى أن تبقى صامدًا مهما يحدث ولا تسمع للآخرين، ربما بدأت حياتك بطريق وعرة ولكنها ستتحسن ...
فقد انتظر واصبر بعض من الوقت !
أنــا أنثى إن دار ذلك السؤال في ذهنك ، وسيكون أفضل إن ابقينا هوياتنا سرية عن الآخر ... حتى أجلٍ مسمى ، ألا تعتقد ؟
سأكون مستعدة لسماعك لذا لا تتردد أبدًا في مراسلتي ... أنا متطلعة لتعرف عليك أكثر ، أتمنى أن تشعر بالتحسن لرؤية هذه الرسالة !"
ابتسمت غوين قبل أن تبعث الرسالة ومن ثم ارتمت على السرير ، تشعر بالراحة لأول مرة منذ عشرين سنة !
ـ أتمنى أن نصبح أصدقاء ... أنا حقًا بحاجة لذلك !
أخرجت نفسها واحتضنت الوسادة بكل حب ، من ثم رن هاتفها برنة مزعجة بعض الشيء ، نظرت غوين لشاشة وتنهدت بإنزعاج ؛ لأن المتصل قطع أفكارها ، ولكنها أجابت في نهاية المطاف
ـ نعم ستفاني !
كانت أقرب لتذمر ، حركت جسدها صوب مقعد المكتب لتجلس عليه
ـ آه غوين من الجيد سماع صوتك ... أنا حقًا في عجلة من أمري ولكن وددت أن اطرح سؤالًا عليك!
ـ لك المايكرفون .. كليّ أذانٌ صاغية عزيزتي !
قالتها مازحة بعض الشيء ، وغيرت مكان سماعة الهاتف ووضعتها على أذنها اليسرى
ـ متى تأتين لأيرلندا ؟ وأي ساعة ستهبط الطائرة ؟
ـ آه ثوانٍ ، التذكرة في إحدى الكتب !
قالتها غوين تبحث بعشوائية في مكتبها ، عندما وصلت لدولابها الثالث وجدت قصة "البحث عن آلاسكا" طبعت البسمة بمجرد رؤية الكتاب وأمسكته لتبدأ البحث في داخله عن التذكرة
ـ هــا هي !
ـ اذا ماذا ؟
ألحت ستفاني أكثر من الخط الآخر، نظرت غوين بدورها إلى التذكرة تبحث عن المطلوب
ـ مممـ تقلع طائرتي بعد أسبوعين من اليوم ، آه وسأكون هناك في السابعة صباحًا!
ـ آه أرى ذلك ... انتظري لحظة !
أصاب غوين بعض الفضول لمعرفة ماذا يحدث عند تيفاني ، وضعت هذه المرة التذكرة فوق جهاز الحاسوب والكتاب أعادته لدولابها
ـ مممـ اسمعي أباكي سيتخلف عن المجيء لأخذك ، لذا سآتي أنا لاستقبالك
ـ آه حقًا ... لا بأس سنستمتع أنا وأنتِ !
رسمت غوين ابتسامة لطيفة هذه المرة ، وانتظرت المزيد من الكلام
ـ الامر أنني سأذهب أنا وصديقاتي في ذات اليوم لـ حفلة موسيقية ، وهي في الثانية عشر ، وقلت بما أننا لا نعرف بعض جيدَا يمكن أن تخرجي معنا و تستمتعي قليلًا إذ لم يكن حرج عليك ! ما رأيك ،هل تنضمين لنا ؟
غوين شعرت ببعض من الفرحة تعتري قلبها ، هذه أول دعوة للخروج وقضاء الوقت مع فتاة لا تنوي استغلالها ...
ـ آه بتأكيد .. أنا موافقة
ـ رائع ، حسنًا دعيني أذهب وأحجز لكي التذكرة قبل النفاذ !
أخبرتها ستيفاني ومن ثم ودع كلٌ منهم الآخر ، أغلقت غوين الهاتف تشعر بالفرحة ... هذا أفضل يومٍ بحياتها أجمعين ،عوضا عن يوم مقابلة عارض الأزياء ذاك ... ولكنها ثلاث سنين منذ آخر مرة رأته ، والآن تخطت الأمر برمته .
....
مرحبًا من جديد !!
كيف الحال يا أعضاء ؟ ..
اتمنى أن الفصل نال إعجابكم ، أفضل جزءٍ لي هو المقهى الهندي
هههـ ~
لا بأس لننتقل إلى الأسئلة هل لنا ؟!
1. هل يمكنك تخيل شخصية غوين من خلال ما قرأت ؟
2.رأيكم في موضوع الذي تناولته القصة ؟
3.رأيكم في السرد و الوصف والمصطلحات ... إلخ ؟
4.أفضل موقف في الفصل ولما ؟
5. أي توقعات للفصل القادم ، ولو كان ضئيل ؟
6. آراء وانتقادات ؟
وشكرًا جزيلًا على المرور الكريم لهذه القصة