الماضي شكل رادعاً بينه وبين البشر من التقدم, أسرهم بين فكيه ليعيد
عليهم شريط من ذكرياتهم الغابرة, ليريهم أحلامهم التي تناثرت ويكرر المشهد
عليهم مئات المرات, يذيقهم من كأس الحرمان مراراً وتكراراً, مما يثير لديهم
العديد من التساؤلات ومن أهمها هو : ألا يوجد يد ما تمتد من عتمة الليالي
لتنقذهم مما هم به الآن ؟
نطق بهذه الكلمات بهدوء شديد بمحاولة منه لمسايرة هدوء الليلة وعيناه
تتشبثان بالقمر وكأنهما تبحثان عن العديد من الإجابات,هبت نسمة
من الهواء البارد لتداعب بعض من خُصل شعره السوداء القصيرة, رفع
رأسه بأكمله للأعلى وفتح ذراعاه على وسعهما وقد أغلق عيناه البندقيتان
وابتسامة غامضة تتربع على شفتيه, بدا الاستمتاع على تقاسيم وجهه بدقة
فهو يعشق هذه اللحظات وبشدة, الأوقات التي تنقي ذهنه وتجعله يجلس
مع ذاته بوضوح ودون إزعاج أو ضوضاء هو يدرك تماماً أنه سيشتاق
لمثل هذه الأوقات, فتح عيناه عندما شعر بإحدى غرف المنزل الذي
يقف على سطحه يضاء, مما دفع ابتسامة تحدي للارتسام على شفتيه,
ومن فوره تحرك من موقعه ليهبط لداخل ذلك المنزل الذي أمضى الأيام
السابقة بمراقبته .
بداخل ذلك المنزل حيث كانت الإضاءة خافتة, جلس شاب بدا وكأنه
بالتاسعة عشرة من عمره وهو يضع يديه على عنقه, قلبه يكاد ينفجر
من سرعة دقاته وقطرات العرق تملئ جبينه بينما أنفاسه بالكاد تخرج,
وضع إحدى يديه على فمه ليمنع نفسه من الصراخ وإقلاق الآخرين عليه,
فوالديه قطعاً ليسا بحاجة للمزيد من المشاكل التي يسببها لهما, منذ وقوع تلك
الحادثة وهو في الثالثة عشرة من عمره تغيرت حياته ولم تبتعد هذه الكوابيس
المُزعجة عنه, بكل ليلة يتكرر الأمر ذاته وبالرغم من أن الحادثة قد مضى
عليها ست أعوام تقريباً إلا أنه لم يتمكن من تكرارها ويشعر بكل ليلة أنه
يعيش التجربة ذاتها, شعر بشخص ما يطرق على باب غرفته بهدوء قبل
أن يصله صوتها القلق :" بُني هل أنت بخير ؟ هل تزعجك تلك الكوابيس
مُجدداً ؟"
عض على شفته السُفلية بقهر شديد وما إن تكرر الطرق حتى صرخ بانفعال
:" كلا, لستُ طفلاً فتوقفي عن القلق وعودي للنوم ! "
توقف الطرق ولم تجبه إلا أنه كان يعلم يقيناً أنها لم تبتعد كثيراً عن غرفته بل
أنها لن تعود للنوم لتتأكد من أنه بخير, ستبقى بالقرب منه دائماً ولن تضجر
بسبب عجزه أبداً وهذا يغيظه للغاية.
استلقى بسريره مجدداً بعد وهلة من الوقت وقد أطفأ ضوء الغرفة وهو يتمتم
بهدوء:" استغفر الله, فقط أتمنى أن لا أرى المزيد من هذه الكوابيس
مجدداً أبداً"
جاءه صوت هادئ يجيبه بقليل من السخرية:" الاستغفار شيء جيد ولكنه
ليس لمنع الكوابيس كما تعلم"
نهض من سريره بفزع شديد وقد أضاء الغرفة مجدداً ليجد رجل بمنتصف
عقده الثالث يجلس على الأريكة الموضوعة بالقرب من السرير , حدق به
بخوف وتوتر بينما رسم الأول ابتسامة رقيقة على شفتيه, حلق الصمت
بالأجواء لعدة دقائق قبل أن يتمالك الشاب الصغير نفسه ويتحدث بهدوء
مصطنع:" من أنت وكيف دخلت لغرفتي ؟"
نهض من الأريكة لينحني بهدوء وهو يجيب:" آسف لقد نسيت التعريف
بنفسي, اسمي هو عامر وأنا حالياً أعمل كطبيب نفسي وأتيت إلى هُنا لعلاجك "
عاد الصمت ليغلف المكان بينما كان المدعو بعامر يراقب تحركات
الجالس أمامه على سريره, حيث كان شعره الأسود والذي يصل لمنتصف
عنقه يتحرك بفعل المروحة المعلقة بالسقف بينما عيناه العسليتان حدقتا
به بخوف وترقب لما سيفعله, بشرته بيضاء ناصعة وهذا غريب بالنسبة لشاب !
أردف عامر بهدوء شديد:" وماذا عنك ؟"
استفاق من دهشته ليضيق عيناه بحنق شديد :" إذن لقد أرسلك والداي صحيح ؟
أخبرهما لن أتعالج أبداً وأنا لستُ مجنوناً لأتحدث مع طبيب نفسي ! ومن ثم
ماذا تعني بكلمة حالياً أعمل كطبيب نفسي ؟! أهذا يعني أنه ليس عملك
مُنذ البداية !"
ابتسم بهدوء شديد وهو يقف ليلقي ببطاقة ما بوجه مُحدثه :" مُخطئ
والداك لا يعلمان بشأني, لكنني أرغب حقاً بمساعدتك يا هيثم لتتخلص من
عقدة الماضي التي تلاحقك دائماً , تعال غداً صباحاً لي بالعنوان المدون
على الورقة وأقسم لك بأنك لن تندم أبداً , والآن اسمح لي بالرحيل وأيضاً
أطلب العفو منك ومن أسرتك لأنني لم أدخل المنزل من بابه بل من نافذة غرفتك "
وما إن رحل من النافذة حتى أمسك هيثم بتلك البطاقة وهو يشعر
بفضول قاتل نحو الشخص الذي ظهر أمامه من العدم واختتم كلامه المريب
ذاك لأنه دخل من النافذة !
همس بحقد :" عليه الاعتذار على إخافتي و إزعاجي بساعة متأخرة من الليل
لا فقط لأجل ذاك السبب فكل أفعاله مريبة ."
تلك الليلة مضت بكل بُطئ على هيثم الذي عجز عن النوم بسبب تفكيره
بالغريب الذي اقتحم أفكاره و منزله فجأة , أراد أن يعلم الحقيقة خلف ظهوره
بحياته من العدم والحقيقة وراء أقواله الغامضة لكن ماذا لو كان كل ذلك
مجرد خدعة من والداه وشقيقه الأكبر ليوافق على الذهاب وزيارة طبيب نفسي,
هذه الفكرة بالذات جعلته يغضب مما دفعه للنهوض وارتداء ثيابه وفكرة واحدة
تدور بعقله وهو أنه سيجعلهم يندمون حقاً على اتهامه بالجنون !
*****
مر من غرفة بسيطة لا تحتوي إلا على طاولة بالمنتصف وأربعة مقاعد
حولها,الحقيقة المنزل بأكمله لم يكن يحتوي على الكثير فالأوضاع المادية
لديهم سيئة, وجه نظره للجالسين على المقاعد الثلاثة بحقد شديد قبل أن
يتوجه للخارج بحيث كان ما يفصله عن الباب الخارجي هو ممر ضيق
قديم وقد بدأت التشققات بالانتشار بأرجائه, توقف عن السير وهو يستمع
لوالدته التي نادته بقلق :" هيثم مهلاً , إلى أين الوقت لازال مُبكراً
ومحاضراتك بأكملها لليوم بعد الظهر ! "
تحدث ببرود شديد وهو يغادر :" لاستنشاق الهواء فأنا أختنق هنا "
ركض بعدها بسرعة في الطرقات غير آبه لنظرات الآخرين المستنكرة
نحوه, فهو لا يهتم بأحد سوى بنفسه, توقف أخيراً أمام أحد الجسور
المخصصة للمشاة حيث كان ضخماً للغاية وقد تدرج اللونين الأبيض
والأزرق به بكل حيوية , بدأ بالصعود للأعلى ليبدأ المنظر بالأسفل
بالاختفاء تدريجياً وكذلك الأمر لأصوات السيارات والمرور وغيرها فقد بُني
هذا الجسر من مواد عازلة تعزله عما يحيط به لحماية المشاة فوقه من
أي حادث غير متوقع , جال بناظريه حول الأشخاص المنتشرين هُنا وهناك
وقد ارتسمت ابتسامة سخرية على شفتيه فهذا المكان تحول أيضاً لسوق
بسيط يُباع به الحلوى والمشروبات الباردة والساخنة .
تنهد بملل شديد وهو يسير بهدوء وقد وضع قبعة ما لتغطية شعره الأسود , توقف
وهو يخرج بطاقة ذلك المدعو عامر تملكه الفضول للذهاب ورؤيته لاسيما بعد
رؤيته للعنوان فهو بإحدى المدن الراقية والتي يستغرق الذهاب لها يوم كامل
بالقطار بما أنه أقل تكلفة من بقية الوسائل, ابتسم بحماس وقد قرر بالفعل
توجه إلى هناك ليبدأ بالركض مُجدداً .
بعد فترة من الزمن كان يجلس في بإحدى عربات القطار والذي كان يوشك
على الانطلاق وبالمقعد المجاور , جلس بجانبه فتى بدا أنه بالثالثة
والعشرين من العمر بعينان زرقاوتين وشعر أسود مائل للون البُني وقد كان
يجلس بمقعده بهدوء وهو يتلو القرآن بصوت عذب, صوته العذب وخشوعه
بقراءته للقرآن جعلت هيثم يرتاح وبشدة حتى أغمض عيناه ليبحر بعالم الأحلام,
رمقه ذاك الشاب بابتسامة هادئة ليكمل قراءته تلك.
******
استيقظ بعد مرور بضع ساعات وعند توقف القطار لاستراحته الأولى, نظر
حوله بدهشة شديدة وهو يرى أن الساعة قد تجاوزت الثانية بعد الظهر أي أنه
نام ما يقارب ثماني ساعات دون أن يشعر !
توقف ذلك الشاب عن تلاوته ليتحدث بهدوء:" يبدوا أنك كنت مُتعباً للغاية "
نظر له هيثم بهدوء قبل أن يومأ إيجاباً بينما تحدث بهمس لنفسه :" أنا لم أرى
أي كابوس أثناء نومي , هذا غريب بالفعل "
اسند الشاب رأسه للخلف ليتثاءب بنعاس:" يبدوا أنني من سيغط بالنوم الآن "
نظر له الأول ليطرح سؤال جال بعقله:" كيف تعلمت تلاوة القرآن بهذه الطريقة
الجيدة ؟"
فتح الشاب عيناه لينظر له قبل أن يبتسم بهدوء بينما أشاح هيثم بوجهه بإحراج وهو يستشعر سخف كلماته تلك, أجبرته ضحكة الشاب الهادئة على الالتفات له ليرى
أنه توقف عن الضحك ليجيب بهدوء :" أظن انك علمت الإجابة بمفردك فقد
تلقيت تعليماً خاصاً بإحدى المراكز بمدينتي "
حدق هيثم به هذه المرة بدقة أكبر ليشاهد ثيابه الفخمة والتي تحمل شعار
واحدة من أشهر الماركات الموجودة , أخفض رأسه بحرج ففي هذه الأيام
لم يعد الانتساب للمراكز حتى الإسلامية منها يتم بسهولة فهي بحاجة
لنقود كما أنها لا تُبنى إلا مناطق معينة ! فبالرغم من كل التطور
والاندماج الهائل بين العرب إلا أنهم من أوجدوا لأنفسهم طبقات فالشعوب
والمناطق الغنية هي تلك البلاد التي تسمي نفسها المُنقذة لأنها أنهت
الحروب بالمنطقة بأكملها , أما الفقيرة فهي البلاد التي أقامت الثورات
وأُتلفت معظم أراضيها ومحاصيلها بسبب الخراب والحروب وبالرغم من
استصلاح الوضع إلا أنهم للآن يدفعون خيراتهم ونقودهم لتلك الدول الأولى
كشكر لها بالرغم من مضي ما يقارب المائة عام على كل تلك الأحداث, رمق
ثيابه القديمة بحنق فهو لم يعد يعلم كيف يمكن أن يقابل ذلك الشخص بمثل
هذا المنظر الرث !
شعر بيد توضع على إحدى ركبتيه ليرفع رأسه ويصدم بذاك الشاب الذي
تحدث وكأنه يعلم ما يفكر به من أمامه :" بكل حال اسمي هو رامي , تشرفت
بمعرفتك و لا تلقي بالاً لمكانتك الاجتماعية فهي مقياس دنيوي فقط "
نظر له بقليل من الدهشة قبل أن يشيح بوجهه عنه وهو يجيب:" اسمي
هو هيثم وأنا تشرفت بمعرفتك سيد رامي, و لا أظن أن مقياس الآخرة لدي
له قيمة أيضاً "
نظر رامي له بقليل من الشفقة قبل أن يقف وهو يمد له يده:" تعال
معي لازال أمامنا ساعتين حتى يتحرك القطار مجدداً."
أمسك بيده لينهض برفقته للخارج إلا أنه تفاجئ من المنظر الذي أمامه
حيث كانوا بالقرب من منطقة مفتوحة ومطلة على أسوء ما قد يواجهه
وهو البحر , أراد العودة للقطار بسرعة لكن هاله أن رآه قد بدأ بالتحرك
والرحيل بينما يمسك رامي به ليمنعه من اللحاق به, ابعد يد رامي
عنه بكل قوة ليصرخ بوجهه بغضب :" ماذا تظن نفسك فاعلاً لماذا خدعتني ؟"
تحدث بتوتر ملحوظ وهو يومأ سلباً ليجبيه :" غير صحيح , أنا ظننت
أنه توقف للاستراحة لمدة ساعتين ويفترض بالاستراحة أن تكون بإحدى
الأنفاق بمدينة ما وليس هُنا عند سكة الشاطئ فهي مجرد منطقة
للمرور ولا يسمح للقطارات بالوقوف بها "
حرك قدميه بعشوائية شديدة وتوتر أشد, فالقطار رحل من دونهما وهو
عالق أمام شاطئ للبحر مع شخص غريب لا يعرف عنه أي شيء.
اقترب رامي منه ليتحدث بأسى:" أنا حقاً آسف, لكن الآن علينا العثور
على طريقة جديدة للذهاب ربما من الأفضل لنا ركوب إحدى السُفن
وستكون على حسابي أنا !"
توسعت عيناه برعب شديد وهو يستمع لكلماته تلك ليتراجع للخلف وهو
يتمتم:" مستحيل لن أركب بسفينة ولن أقترب من البحر مهما حدث لن أفعل "
أمسك بيده بمحاولة صادقة منه لتهدئته وهو يتحدث بلطف بالغ :" أتخشى
من البحر ؟ أم من الموت ؟"
رفع رأسه لينظر له بحيرة ليردف بذات ابتسامته وصوته المطمئن:" تعلم أن
الموت سيأتي لا محالة وأنه إن كتب لك الموت غرقاً فسيرسل الله طوفان
يغرقك ولو كنتَ بمنزلك, أنت مسلم صحيح ؟ ثق بذلك "
تحدث بتوتر شديد:" لن يحدث إلا ما كتبه الله لنا صحيح؟"
أجابه ببطء وهو يمسح على شعره :" تماماً, لذا لا تخف فحتى الخوف
لن يبعد عنك ما سيُصيبك"
الحقيقة هي أنه لم يقتنع تماماً بكلمات رامي إلا أنها دفعته للموافقة
لركوب تلك السفينة والرعب يعصف بقلبه جلس برفقة رامي بإحدى
غرف تلك السفينة الواسعة, فهو لم يجرأ حتى على رفع رأسه لينظر حوله
طوال الطريق بل التصق برامي كطفل صغير يخشى الضياع ليغمض
عيناه ويسير تبعاً لخطواته فقط, شعر بكأس من الماء يوضع أمامه ليرى
رامي يقف أمامه والقلق يكسوا ملامح وجهه وهو يتحدث :" ما بك هيثم ؟
ملامحك شاحبة للغاية , اشرب القليل من الماء رجاءاً "
أومأ له إيجاباً وهو يشعر بجفاف بحلقه ليمسك المياه بيده اليُمنى ويبدأ
بشربها وما إن انتهى حتى استلقى على الأريكة الفاخرة الموجودة ليتحدث
برجاء :" أرجوك أقرء لي القليل حتى أتمكن من النوم "
ابتسم بهدوء وهو يجلس بجانبه وقد بدء بتلاوة القرآن مجدداً بينما يمسح
على شعر هيثم الذي نام بعد مدة قصيرة وبدأت ملامح وجهه المشدودة
بالاسترخاء التام .
قاطع ذلك دخول أحدهم للغرفة وهو يتحدث بانزعاج:" إنه مجرد طفل
مدلل, كل هذه المشكلة بسبب خوفه من الماء"
رفع رامي رأسه لمحدثه ليبتسم له وهو يجيب :" لكل منا مخاوف خاصة
بهو وكل منا يرى أن مخاوفه أكبر وأعظم من الآخر لذا لا تغتر بنفسك
كثيراً إيهاب إلا إن أردت أن أذكرك بمقابلتنا الأولى ! "
كشر ذلك المدعو إيهاب عن أسنانه بغيظ شديد وقد كان رجلاً بنهاية
العشرينات من العُمر ذو بشرة حنطيه وعينان باللون البُني الغامق, وشعر
أسود مجعد وقد كان يمتلك جسد مفتول العضلات بسبب تدريباته القاسية
بالماضي .
خرج رامي من بحر تأمله بإيهاب ليعاود النظر لهيثم النائم بعمق وهو
يتحدث بقلق طفيف :" أتساءل عن ردة فعله عندما يكتشف الحقيقة "
ابتسم إيهاب ذاك بسخرية شديدة وهو يتحدث :" بالتأكيد لن ينهار ودموعه
تملئ وجنتاه كأحدهم !"
تلك الكلمات القليلة كانت كفيلة بدخول أصغر أفراد تلك المجموعة والذي
كان بالسابعة عشرة من العمر ليتحدث بهدوء مفتعل:" أغلق فمك على
الأقل لستُ شخصاً مفتول العضلات بلا عقل ليفكر به !"
اقترب ضخم الجثة ذاك منه ليمسك به من شعره بقوة وهو يقول من
بين أسنانه:" لماذا لا تعيد هذه الجملة أيها الطفل ؟!"
تلك الضوضاء أجبرت هيثم على الاستيقاظ ليرى إيهاب والذي يمسك
بشعر فتى آخر بقوة وحنق شديدين نظر لرامي الذي كان منزعجاً منهم
ليمسك بيده بقوة مما لفت انتباه الأخير له ليتحدث بدهشة :" استيقظت !
تباً لابد أن هؤلاء هم السبب صحيح ؟"
همس بتوتر شديد وقد وجه كلاهما أنظارهما له:" ومن يكونان ؟"
أعاد الأصغر بينهم ترتيب ثيابه ليتحدث بمرح شديد:" اسمي هشام وأنا في
السابعة عشرة من عُمري وأعمل هُنا بالسفينة وهذا الأخرق أيضاً يعمل هُنا "
ما إن هم بالإجابة حتى نظر له إيهاب بانزعاج ليغادر الغرفة بينما همس
هشام لهيثم :" إنه هكذا دائماً مع الأشخاص الجدد لا تهتم له سيعتاد
على وجودك بيننا قريباً "
قام رامي بقرصه بقوة شديدة على قدمه ليتحدث بانزعاج:" غادر حالاً وعُد
لعملك أيها الثرثار "
بدا الألم على وجهه لذا أسرع بالمغادرة ليعود الهدوء لتلك الغرفة بينما
نظر هيثم لرامي بتساؤل وما إن كاد يفعل شعرا باهتزاز السفينة بقوة
وبدأت صفارات الإنذار بالسفينة لتعلن عن اصطدامها بكتلة غريبة وأنها
على وشك الغرق, شهق هيثم بفزع شديد وقد شحب وجهه للغاية وبدأت
أنفاسه بالانقطاع تدريجياً , وقد ارتسم الرعب على وجه رامي الذي نهض
من فوره ليحاول فتح باب الغرفة بلا فائدة فيبدوا أن هنالك ما يسده من
الخارج وربما يكون شيء ضخم تحطم جراء الاصطدام وسقط ليمنع
الباب من التحرك .
عض على شفته السُفلية بقوة أدمتها وهو يتحدث بقلق:" علينا الصعود
للأعلى الآن وبأي طريقة ألديك أي أفكار ؟"
التفت لهيثم بعد أن لاحظ صمته ليجد أنه جالس بزاوية ما والرعب قد ملئ
كيانه دون حراك , تقدم منه بسرعة ليتحدث:" هل أنت بخير ؟ هيثم أرجوك
إنه ليس وقت الاستسلام الآن , علينا البحث عن مخرج "
تحدث بشرود وعيناه تسبحان باللاشيء:" ولكن ألم تقل أنه لا يمكننا الهرب
مما كتب لنا ؟ فلماذا المحاولة؟"
ضغط على كتفيه ليجيبه:" أجل فلو أن مصيرنا الموت هُنا سنموت والآن
ولكن ماذا لو لم تكن نهايتنا ؟ ربنا الله أمرنا أن لا نستسلم من رحمته صحيح ؟
لذا علينا البحث عن طريق للخروج ولنثق به "
همس ببطئ والدموع بدأت تسيل من عيناه:" لكن المياه "
قالها وهو يشير بأصبعه للخلف وما إن نظر رامي للخلف حتى وجد
المياه تتسلل من الفتحة السُفلية للباب وحمد الله بأنهم لم يتواجدوا بغرفة لها
نافذة وإلا بات الوضع أسوء بكثير مما يمكن لهم أن يتخيلوه , أعاد بصره
لهيثم ليجده فاقدا للوعي مما جعله يهمس بحنق :" سحقاً لهذا "
اعلم الفصل ممل وما فيه ولا تصنيف تقريباً من المذكورين بس هو الفصل
الأول فقط ,آسفة لأنفي فواصل بس لسة ما صممتها بضيفها
لاحقاً بالموضوع ه ما