دخلت الآنسة بنيت وهو يضع السماعة..
بادرت بقولها :
- هل انت بحاجة الي ايها المفتش؟ انني مشغولة كثيراً في هذا الصباح..
قال وهو ينهض من مقعده :
- نعم يا آنسة بنيت أنا بحاجة اليك ، اريد ان اسمع روايتك عن حادث السيارة التي دهمت الطفل
في (نورفولك(
- تعني طفل ماكجريجور؟
- نعم .. وقد قيل لي انك تذكرت الاسم بسرعة ليلة امس..
أجابت وهي تغلق الباب:
- ان ذاكرتي قوية فيما يختص بالأسماء..
- لا شك ان الحادثة كان لها انطباعها الخاص في نفسك، هل كنت في السيارة وقت وقوعها؟
قالت الآنسة بنيت:
- كلا .. التي كانت بالسيارة الآنسة واربورتون، ممرضة ريتشارد بالمستشفى في ذلك الوقت.
- هل حضرت التحقيق؟
- كلا ، ولكن ريتشارد روى لنا بعد عودته ما جرى ، وقال ان الرجل هدده بالانتقام، ولكننا لم
نحفل بالتهديد في ذلك الوقت ، ولم نأخذه مأخذ الجد..
- هل كان لك رأي خاص في الحادث؟
سألت الآنسة بنيت:
- أعني هل وقع الحادث لان وستر واريك كان ثملا؟
- أطن ان الآنسة واريك قالت لك ذلك : ولكن لا ينبغي ان تصدق كل ما قالته.. انها تلقي اللوم دائما
على الخمر ، لان زوجها كان سكيرا..
سألها المفتش :
- أتصدقين اذن ما قاله ريتشارد واريك ، من انه كان يقود السيارة في حدود السرعة المسموح
بها.. و لم يكن من الممكن ان يتجنب تلك الحادثة؟
أجابت الآنسة بنيت:
- لا ارى سببا يدعو إلى الارتياب في صدقه ، خاصة وان الممرضة قد ايدته..
- هل يمكن الركون إلى نزاهة الممرضة
- أظن ذلك، ان الناس لا يكذبون ببساطة في مثل هذه الامور.
وهنا لم يستطع الرقيب ضبط شعوره..
تمتم يقول:
- لا يكذبون حقا! ان طريقتهم في وصف الحادث احيانا لا تدل فقط على انهم كانوا يقودون
- ما اريد الوصول اليه ، هو ان الانسان في صورة غضبه وسخطه يمكن ان يهدد بالانتقام من
الشخص الذي تسبب في مقتل طفله .. ولكنه اذا فكر في هدوء بعد ذلك ، وكان ما قيل في التحقيق
هو الحقيقة ، لا بد ان يدرك ان ريتشارد لا ذنب له في تلك الحادثة..
رد الرقيب :
- آه .. فهمت ماذا تعني .
- اما اذا كان قائد السيارة قد قادها بسرعة جنونيه ، او لم يكن في تمام وعيه..
سألت الآنسة بنيت:
- هل قالت لك لورا ذلك؟
- لماذا تظنين انها هي التي قالت ذلك؟..
اضطربت وارتبكت وقالت:
- لا اعلم .. مجرد سؤال.
ثم نظرت إلى ساعتها وقالت :
- هل ثمة اسئلة اخرى يا سيدي؟ قلت لك انني مشغولة كثيراً في هذا الصباح.
قال المفتش :
- هذا آل ما هنالك في الوقت الحاضر يا آنسة بنيت..
نهضت واسرعت إلى الباب ..
وقبل ان تفتحه .. قال المفتش :
- اريد ان اتكلم إلى جان.
استدارت الآنسة بنيت تقول:
- اكون شاكرة اذا عدلت عن ذلك يا سيدي ، انه متوتر الاعصاب اليوم ، لقد نجحت في تهدئته
بعد جهد كبير ..
قال المفتش :
- انا اسف يا آنسة بنيت ، ولكن لا مناص من استجوابه ..
أغلقت الآنسة بنيت الباب بإحكام..
وعادت ادراجها إلى المفتش . وقالت :
- لماذا لا تبحث عن ماكجريجور وتستجوبه ؟ لا يمكن ان يكون قد ذهب بعيدا..
- سوف نجده، فاطمئني.
ردت الآنسة بنيت :
- ارجو ذلك .. الانتقام! ان الاديان السماوية لا تقر الانتقام..
قال المفتش بلهجة لها مغزاها:
- سيما وان السيد واريك غير مسؤول عن الحادثة ، ولم يكن بوسعه ان يتجنبه ..
نظرت اليه الآنسة بنيت بحدة .. وتلاقت عيونهما طويلا ..
واخيرا قال المفتش مرة أخرى :
- ارجوك .. اريد التكلم إلى جان..
أجابت وهي تتحرك نحو الباب :
- لا أعلم اذا كنت سأجده ام لا ، ربما يكون قد خرج ..
نظر المفتش إلى الرقيب .. ونهض هذا على الفور ،وخرج للبحث عن الشاب..
قالت الآنسة بنيت للرقيب:
- كلا ،انه لطيف ووديع كالحمل ، ولكني لا اريدكم ان تزعجوه ، ان الحديث عن جرائم القتل
يزعج الاطفال ، وجان بتكوينه وتخلفه العقلي لا يعدو ان يكون طفلا..
قال المفتش وهو يجلس امام المكتب :
- اطمئني يا آنسة بنيت .. اؤكد لك اني افهم الموقف حق الفهم ..
وفتح الباب..
ودخل جان والرقيب ..
وواصل الشاب السير حتى وصل إلى حيث المفتش وسأله :
- هل طلبتني؟ هل قبضت على القاتل؟
قالت الآنسة بنيت تحذره :
- مهلا يا جان ، مهلا .. اجب فقط على ما يلقى عليك من اسئلة.
تحول اليها الشاب واجاب :
- سأفعل ذلك، ولكن الا استطيع ان القي شيئا من الاسئلة؟
اجابه المفتش في رفق :
- طبعا تستطيع.
جلست الآنسة بنيت على طرف الاريكة وهي تقول :
- سأنتظر هنا .
نهض المفتش على الفور وسار إلى الباب وفتحه..
وقال يكلم الآنسة بنيت :
- كلا يا آنسة بنيت ، وشكرا لك .. لن نحتاج اليك ، ألم تقولي انك مشغولة كثيراً اليوم؟
قالت الآنسة بنيت :
- افضل البقاء هنا .
قال بحدة :
- انا اسف ، نحن نفضل استجواب الناس فرادى..
نظرت اليه الآنسة بنيت ، وادركت من ملامح وجهه الا سبيل إلى المناقشة ..
تنهدت في ضيق ، وغادرت الغرفة ..
وأغلق المفتش الباب ،، بينما تأهب الرقيب لتسجيل اقوال الشاب وعاد المفتش إلى مكانه امام
الكتب ..
ثم قال يسأل جان :
- اظن انك لم تشهد قبل الان حادثة قتل ..
أجاب جان بحدة :
- كلا .. كلا . انه لشيء مثير ، هل عثرت على اي اثر او بقعه دم ، او بصمات اصابع؟
- هل يثيرك منظر الدم؟
أجاب الشاب بهدوء تام وبلهجة جدية :
- كثيراً . احب الدم ومنظره الجميل وحمرته القاتمة .. كان ريتشارد يطلق الرصاص على
الحيوانات والطيور فتنزف دما .. اليس مما يبعث على الضحك ان يطلق أحدهم الرصاص على
ريتشارد ، كما كان هو يطلق الرصاص على الحيوانات والطيور؟
أجاب المفتش في هدوء:
- ذلك من سخرية القدر . ولكن حدثني ، هل ازعجك كثيراً موت اخيك؟
رد جان :
- ازعجني .. موت ريتشارد، ولماذا انزعج؟
قال المفتش :
- ظننت انك كنت تحبه .
- احبه ؟ احب ريتشارد ... كلا .. لا احد يمكن ان يحبه ..
- أطن ان زوجته كانت تحبه ..
- لورا؟ لا اعتقد ذلك .. كانت دائما تقف إلى جانبي ..
- نعم .. عندما كان ريتشارد يريد ابعادي .
- إلى احد تلك الاماكن ، حيث يغلقون عليك الابواب ولا تستطيع الخروج .. قال لي ان لورا
ستزورني هناك احيانا، ولكنني لا احب ان تغلق علي الابواب..
أحب الابواب المفتوحة والنوافذ المفتوحة حتى اشعر بانني استطيع الخروج حينما اشاء..
والان .. وقد مات ريتشارد ، ولن يستطيع احد ان يغلق علي الابواب .. اليس كذلك؟
- نعم يا بني .. ولكن لماذا اراد ريتشارد ان يفعل بك ذلك؟
- قالت لي لورا انه كان يقول ذلك فقط لمضايقتي .. وان كل شيء سيكون على ما يرام .. وانها
لن تسمح بإبعادي طالما هي في هذا المنزل..
احب لورا .. احبها كثيراً ، واشعر بسعادة لا حد لها حين العب معها.. وحين نطارد
الفراشات الجميلات ونبحث عن بيض العصافير معا..
- أظن انك لا تذكر شيئا عن حادثة وقعت خلال اقامتكم في نورفولك .. حادثة طفل دهمته سيارة
- اذكر هذه الحادثة جيدا ، واذكر انهم استدعوا ريتشارد للتحقيق..
- كنا ذلك اليوم نتناول غذاء السمك ، وعاد ريتشارد والممرضة ، وكانت الممرضة واجمة ، اما
- تعني بالممرضة الآنسة واربرتون؟
- نعم ، لا احبها كثيراً ، ولكن ريتشارد كان راضيا عنها في ذلك اليوم وقال لها ( احسنت )
وفتح الباب في هذه اللحظة ودخلت لورا ..
خلفها جان .. فاشرق وجهه وابتسم لها وصاح :
- كلا يا سيدتي .. تفضلي بالجلوس.
قالت وهي تجلس على طرف الاريكة :
- كنت اسأله عما اذا كان يذكر شيئا عن حادث الطفل في نورفولك ، اعني طفل ماكجريجور!
- هل تذكر هذه الحادثة يا جان..
- طبعا اذكره .. اذكر كل شيء .. ألم أحدثك عنها ايها المفتش؟
- ماذا تعرفين انت عن الحادثة يا سيدتي؟ هل ناقشتموه على مائدة الطعام في ذلك اليوم، عقب
وثب جان من مقعده بسرعة وصاح :
- هل نسيت يا لورا ! هل نسيت عندما قال ريتشارد ( ما أهمية طفل بالزيادة أو بالنقص في هذا
- أرجوك يا سيدي المفتش ..
- مهلا يا سيدتي ، ان من المهم جدا ، كما تعلمين – ان نعرف حقيقة الحادث لصلته الوثيقة
بمصرع زوجك ، فالفكرة السائدة هي ان حادثة الطفل هو الدافع إلى جريمة القتل ..
- المفهوم مما قالته حماتك ان زوجك كان ثملا..
- لا غرابة في ذلك ، فقد كان مولعا بالشراب.
- هل رأيت ذلك الرجل المدعو ماكجريجور؟
- كلا ، لم اره ، لأنني لم احضر التحقيق..
- قيل انه كان ثائرا ومصمما على الانتقام..
- يبدو ان الصدمة اثرت على قواه العقلية.
وكان جان يصغي إلى ما يقال باهتمام شديد ، ويزداد انفعالا من لحظة لأخرى ..
فلما تكلم المفتش عن الانتقام ..
وثب من مقعده وصاح في حماسة :
- لو كان لي عدو لانتظرت ، وقتا طويلا مثله ، ثم تسللت تحت جنح الظلام والمسدس في يدي ..
وبسط يده وحرك سبابته مرارا.. كما لو كان يصوب مسدسا ويطلقه ..
- هل انت غاضبة مني يا لورا؟
- كلا ايها العزيز .. لست غاضبة ، ولكني لا اريدك ان تنفعل ..
ولم يتم عبارته ، فقد حدثت جلبة في الخارج وقال صوت عرفت لورا على الفور انه صوت
- طاب يومك يا آنسة بنيت.. اين المفتش توماس؟ اريد التكلم اليه .. هل هو في قاعة
- طاب يومك يا سيد واريك ، طاب يومك ايها الرقيب ، نعم . انه في قاعة الاستقبال ولا اعلم
قال صوت آخر لم تعرف لورا صاحبه :
- طاب يومك يا سيدتي .. احضرت هذه الاوراق للمفتش .. ارجوك ان تسلميها اليه ، او إلى
نظرت لورا إلى المفتش .. وسألت :
- انه الرقيب جونز ، ويبدو انه احضر بعض الاوراق
ثم تحول إلى كادوالدر وقال له :
- أرجو ان تتسلم منه الاوراق ايها الرقيب ..
وقبل ان يبرح الرقيب مقعده .. فتح الباب بعنف ودخل ستارك.
كان انطباع لورا عن مايكل ستارك انه رجل هادئ الطباع ايجابي التفكير ، عملي في تصرفاته
ولذلك كانت دهشتها لا حد لها حين وجدته يدخل ثائرا، وشرر الغضب يتطاير من عينيه.
كان يصيح وهو يجتاز الغرفة في طريقه إلى المفتش :
- اصغ الي ايها المفتش توماس ، لا استطيع ان اقضي النهار كله في مركز الشرطة .. طلبوا
الي ان اذهب اليهم فذهبت، ثم طلبوا بصمات اصابعي فوافقت..
واخيرا طلبوا الي ان انتظرك بضع دقائق فانتظرتك ساعة، ان لدي اعمالي الخاصة ، وانا الان
على موعد مع اثنين من سماسرة المنازل .. ولا يسعني التخلف عن هذا الموعد..!
وكف عن الكلام ليلتقط انفاسه..
وعندئذ فقط وقع بصره على لورا ..
- طاب يومك يا آنسة لورا .. انا اسف..
- طاب يومك يا سيد ستارك..
- لقد اردت ان اسألك يا سيد ستارك ، هل حدث ليلة امس انك وضعن احدى يديك على هذه
المائدة وفتحت الباب المؤدي إلى الحديقة باليد الأخرى؟
- لا اعلم .. ربما فعلت ذلك، لا اذكر تماما
قدمه إلى المفتش وهو يقول :
- جاء الرقيب جونز بهذا الملف، وهو يتضمن بصمات السيد ستارك وتقرير خبير الاسلحة..
وتناول المفتش الملف ، وتصفحه بسرعة ، وقال :
- تماما .. الرصاصة التي قتلت السيد ريتشارد واريك اطلقت فعلا من هذا المسدس ، اما بصمات
السيد ستارك سأبحثها فورا .
وأخرج من حقيبة اوراقه تقرير خبراء البصمات .
بينما نظر جان إلى ستارك في فضول ..
- هل انت قادم من ( عبدان) ما رأيك فيها ؟
ثم التفت إلى لورا وسألها :
- كيف اصبحت اليوم يا آنسة لورا؟ أراك أفضل حالا مما كنت بالأمس ..
- نعم شكرا لك ، فقد مرة الازمة.
وهنا رفع المفتش رأسه وقال :
- هذا يحسم الموضوع .. انها ليست بصماتك يا سيد ستارك .
- ان بصماتك واضحة على الباب والزجاجة والقدح والولاعة ، أما بصمة الكف التي على المائدة
انها ليست لك ، ولا لأي واحد ممن حصلت على بصماتهم .. وهذا يحسم الموضوع ، وحيث انه
لم يأت زائرون ليلة أمس ..
- كلا.. لم يأت زائرون ليلة امس ..
مضى المفتش في حديثه .. قال :
- وحيث انه لم يأت زائرون ليلة امس ، فلابد ان تكون هذه هي بصمة ماكجريجور.
هتف ستارك وهو ينظر إلى لورا :
- نعم ، اذ المفروض انه استخدم قفازا.
- استخدم القفاز عندما استعمل المسدس..
التفت ستارك إلى لورا وسألها :
- هل سمعتم ما يوحي بوقوع شجار بين القاتل وضحيته . ام انكم لم تسمعوا سوى الطلق الناري؟
- الواقع اننا .. اعني انا والآنسة بنيت .. لم نسمع سوى الطلق الناري ، ولو قد حصل شجار لما
وصل إلى اسماعنا في الطابق الاول ..