عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 09-27-2015, 06:03 PM
 
-


الفصل السابع

-1-

بعد الإفطار اقترحَت إميلي برنت على فيرا كلايثورن أن يتمشيا معاً
إلى القمة مرة أخرى وينتظرا القارب البخاري هناك ،
فوافقتها فيرا على ذلك. كانت الريح قد نشطت وظهرت
على سطح البحر أمواج صغيرة متتالية يعلوها
الزبد. لم تكُن في البحر أيّ قوارب صيد، ولم يظهر أيّ أثر
لذلك القارب البخاري المرتقّب.
لم يكن بالإمكان فعلياً رؤية قرية ستيكلهيفن ، بل فقط التّلة الواقعة فوقها،
مقطع ناتئ من الصخور الحمراء يخفي
خلفه الخليج الصغير.
قالت إميلي برنت: الرجل الذي أحضرنا أمس إلى هنا كان يبدو من ذلك النوع الجدير
بالثقة. غريب حقّاً أن يتأخر اليوم إلى هذا الحد!

لم تردّ فيرا، فقد كانت تقاوم في أعماقها شعوراً متصاعداً بالفزع،
وقالت تخاطب نفسها بغضب: " يجب أن تحافظي
على هدوئك . أنت لست طبيعية! لقد كانت أعصابك هادئة دائماً "
.
ثم قالت بصوت عال بعد دقيقة أو اثنتين :
أتمنّى لو يأتي، كم أود أن أغادر هذا المكان.
فقالت إميلي برنت بجفاء: لا شكّ لديّ في أننا جميعاً نريد ذلك.
قالت فيرا: المسألة كلها غير طبيعية، تبدو...
تبدو دون معنى على الإطلاق!

فقالت العانس العجوز بسرعة: أنا غاضبة من نفسي لانخداعي بهذه السهولة.
كم تبدو لي تلك الرسالة سخيفة عندما
أعود إلى التفكير بها! ولكن لم تكُن لديّ أية شكوك وقتها،
لم تكُن لديّ شكوك أبداً.

غمغمت فيرا بلا تفكير: أظن أنه لم تكُن لديّ أية شكوك قط.
فقالت إميلي برنت: كثيراً ما نستخفّ بالأمور ونأخذها
دون تمحيص.

وأخذت فيراً نفساً عميقاً مرتجفاً وقالت:
هل أنت مقتنعة حقاً بما قلته على الإفطار؟
- كوني أكثر دقة يا عزيزتي ، إلامَ تشيرين بالضبط؟
فقالت فيرا بصوت منخفض:
هل تعتقدين حقّاً أن روجرز وزوجته قتلا تلك السيدة العجوز؟
نظرت إميلي برنت بتأمّل إلى البحر وقالت :
أنا شخصياً متأكدة من ذلك تماماً. ماذا تظنين أنت؟
- لا أعرف ماذا أظن.
فقالت إميلي برنت: كل الأشياء تؤكد الفكرة :
الطريقة التي أُغمي بها على المرأة، وإسقاط الرجل لصينية القهوة إن
كنت تذكرين، ثم إن الطريقة التي تحدّث بها عن الموضوع
لم تكُن صادقة. نعم، يبدو لي أنهما فعلاها.

وقالت فيرا: أذكر كيف بدت مرعوبة من خيالها.
أنا لم أرَ امرأة في حياتي خائفة بهذا الشكل! لا بدّ أن تلك الحادثة
كانت مسيطرة على عقلها دائماً.

غمغمت الآنسة برنت: أتذكّر حكمة كانت معلَّقة في غرفتي وأنا طفلة:
" سوف تلاحقك خطيئتك دائماً" . هذا
صحيح، بالفعل ، خطيئتك ستلاحقك دائماً.

انتفضت فيرا فجأة وقالت: ولكن يا آنسة برنت في هذه الحالة...
- ماذا يا عزيزتي ؟
- ماذا عن الآخرين؟
- لا أفهمك تماماً.
- كل الاتهامات الأخرى؟ هل تكون صحيحة؟
إذا صحت في حالة روجرز...

ثم توقفت غير قادرة على توضيح فكرتها المشوَّشة، وانفردت قسمات
وجه إميلي برنت بعد أن كانت مقطّبة جبينها
في حيرة وقالت: آه، الآن فهمتك. حسناً، لدينا السيد لومبارد،
إنه يعترف بأنه تخلّى عن عشرين رجلاً وتركهم
يموتون.

فقالت فيرا: كانوا مجرَّد وطنيين.
فردّت إميلي برنت بحدّة: بيضاً كانوا أو سوداً،
كلهم إخوة لنا في الإنسانية.

فقالت فيرا في نفسها بسخرية: إخوتنا السود؟ سيغلبني الضحك!
أنا في حالة هستيرية، أنا لست نفسي!

وتابعت إميلي برنت وهي مستغرقة في التفكير:
بعض التهم الأخرى كانت بعيدة الاحتمال وسخيفة بالطبع. تلك
التهمة مثلاً ضدّ القاضي الذي كان يقوم بواجبه بحكم وظيفته العامه،
والمحقق السابق في شرطة سكوتلانديارد،
وقضيتي أنا أيضاً.

وتوقفت قليلاً ثم تابعت: طبعاً، وإذا أخذنا الظروف بعين الاعتبار فلم
يكُن ممكناً لي أن أقول شيئاً مساء أمس،
لم يكُن موضوعاً ملائماً للبحث أمام الرجال.

راحت فيرا تنصت باهتمام وسألت: لِمَ لا؟
فتابعت الآنسة برنت بهدوء: كانت بياتريس تايلور خادمة عندي.
لم تكُن فتاة فاضلة، وذلك ما اكتشفتُه بعد فوات
الأوان. كنتُ مخدوعة بها كثيراً، فقد كانت حسنة الطباع وكانت دائماً نظيفة ومطيعة،
وكنت سعيدة جداً بها.
بالطبع تبيّن أن ذلك كله كان مجرَّد نفاق؛ فقد كانت فتاة
عابثة عديمة الأخلاق، وكان هذا أمراً يدعو إلى الإحباط. وقد مرّ
وقت طويل قبل أن أكتشف أنها كانت في ورطة.

وتوقفت قليلاً وأنفها الرقيق يتلوى اشمئزازاً ثم تابعت: كان ذلك صدمة كبيرة لي،
وبالإضافة إلى هذا فقد كان أهلها
أناساً طيبين ربوّها تربية صارمة، ويسعدني أن أقول إنهم لم يغفروا لها سلوكها.

قالت فيرا وهي تحدق إلى الآنسة برنت: ماذا حدث؟
- طبعاً أنا لم أقبل بها ساعة واحدة في منزلي بعد ذلك؛ لن أسمح
أن يقول أحد يوماً إنني قبلت بالرذيلة.

فقالت فيرا بصوت أكثر انخفاضاً: ماذا حدث لها؟
قالت الآنسة برنت: تلك المخلوقة المنبوذة لم تكتفِ بخطيئة واحدة تُقل ضميرها،
بل ارتكبت خطيئة أشد ... قتلت نفسها.

همست فيرا وقد استبد بها الرعب: قتلت نفسها؟!
- نعم ، ألقت بنفسها في النهر.
شعرت فيرا برعدة تسري في جسدها، ونظرت إلى
وجه الآنسة برنت الهادئ ثم قالت: كيف شعرتِ عندما علمتِ
بذلك؟ هل شعرتِ بالأسف؟ ألم تلومي نفسك؟

عدلّت إميلي برنت هيئتها وقالت: أنا؟! وما شأني لأوبّخ نفسي؟
قالت فيرا: ولكن ماذا إذا كان موقفك... عذراً،
إذا كان موقفك الشديد قد دفعها إلى ذلك؟

فقالت إميلي برنت بحدّة: ذلك لأن تصرفها...
أعني أنها كانت خطيئتها هي؛ كان ذلك هو ما دفعها إلى الموت.
لو كانت تصرفت كامرأة محترَمة طيّبة لما حدث أيّ شيء من هذا القبيل.

ثم التفتت بوجهها إلى فيرا. لم يظهر أيّ إحساس بالذنب
أو القلق في عينيها ، بل كانت عيناها قاسيتين تشعّان بالفضيلة.
كانت إميلي برنت تجلس على قمة جزيرة الزنوج مغلَّفة
بدرع من الفضيلة صنعته لنفسها. لم تعُد العانس
العجوز في نظر فيرا مجرَّد امرأة سخيفة بعض الشيء،
لقد أصبحت – فجأة – امرأة مخيفة!
-2-
خرج الدكتور آرمسترونغ من غرفة الطعام ثم دلف إلى الشرفة مرة أخرى.
كان القاضي يجلس وقتها على كرسي
ينظر إلى البحر بهدوء، وإلى اليسار كان لومبارد
وبلور يدخّنان بصمت. تردد الطبيب لحظة كعادته ثم أخذ ينظر
إلى القاضي متأملا .
أراد تبادل الرأي مع شخص ما، وكان يعلم أن القاضي
ذو ذهن منطقي حادّ ولكنه – مع ذلك –
تردد ؛ فالقاضي وارغريف قد يكون ذا عقل راجح ولكنه
رجل عجوز، وقد شعر آرمسترونغ أنه بحاجة إلى رجل
عملي في تلك اللحظة، فحسم أمره وقال:
لومبارد، هل أستطيع التحدث معك لحظة؟
فردّ فيليب: طبعاً.
غادر الرجلان الشرفة ونزلا المنحدَر باتجاه البحر،
وعندما أصبحا خارج مدى السمع قال آرمسترونغ: أحتاج إلى
مشورتك.

فارتفع حاجبا لومبارد وقال: صديقي العزيز: أنا لا أفهم في الطبّ .
- لا ، بل أعني حول ذلك الوضع الحالي.
- آه، هذا أمر مختلف.
قال آرمسترونغ: أخبرني بصراحة، ما رأيك بالموقف؟
تأمّل لومبارد لحظة ثم قال: الأمر يدعو إلى التفكّر، أليس كذلك؟
- ما رأيك بموضوع تلك المرأة؟ هل تقبل بنظرية بلور عنها؟
قال لومبارد: إنها نظرية معقولة تماماً، ولكن إذا أُخذت منفردة فقط.
- بالضبط.
لم يكن فيليب لومبارد غبياً، ودلته نبرة صوت آرمسترونغ على ارتياحه.
وتابع لومبارد : هذا إذا قبلنا بفرضية أن
السيد والسيدة روجرز قد ألفحا في ارتكاب جريمتهما دون أن ينكشف
أمرهما حينها، وأنا لا أرى سبباً كان يمكن أن
يمنعهما من ذلك. ماذا تعتقد أنهما فعلا بالضبط ؟
هل دسّا السم للمرأة العجوز؟

فقال آرمسترونغ ببطء: قد تكون المسألة أكثر بساطة.
لقد سألت روجرز هذا الصباح عن طبيعة الحالة التي عانت
منها تلك المرأة، الآنسة برادي، وكان جوابه مفيداً لي.
لست بحاجة إلى الدخول في تفصيلات طبيّة ولكن توجد
حالات معيَّنة من أمراض القلب تُستخدَم فيها النيترات،
فعندما تأتي النوبة تُكسر كبسولة نيترات وتوضع تحف أنف
المريض لاستنشاقها. وإذا لم يتمّ ذلك، أي إذا مُنعت النيترات
عن المريض، فمن السهل حدوث الوفاة.

قال لومبارد وهو مستغرق في التفكير:
بهذه البساطة؟ لا بدّ أن ذلك كان مغرياً إلى حد ما.
فأومأ الطبيب موافقاً وقال: أجل، لا حاجة للقيام بعمل مباشر
ولا ضرورة للحصول على زرنيخ لاستخدامه .... بل
فقط تصرّف سلبي ، امتناع عن التصرف.
ثم ذهب روجرز في الليل لإحضار طبيب، وشعر كلاهما بثقة أنه لا
يمكن لأحد أن يعرف الحقيقة.

وأضاف لومبارد: وحتى لو عرف أحد فلا يوجد ما يمكن إثباته ضدّهما.
ثم قطّب فجأة وقال: طبعاً هذا يفسّر الكثير.
وقال آرمسترونغ مستفسراً: عفواً ، ماذا تعني؟
فقال لومبارد: أعني أنه يفسّر مسألة الجزيرة هذه.
توجد جرائم لا يمكن إسنادها إلى مرتكبيها؛ قضية آل روجرز
مثلاً، ومثال آخر هو القاضي وارغريف الذي ارتكب جريمته
وهو ملتزم بالقانون تماماً.

قال آرمسترونغ بحدّة: هل تصدّق تلك القصة؟
فابتسم فيليب لومبارد وقال: طبعاً أصدّقها؛ وارغريف قتل إدوراد سيتون بلا شك،
قتله كما لو كان غرس خنجراً في جسده، ولكنه كان ذكياً بما فيه الكفاية ليفعل ذلك
وهو على مقعد القاضي بردائه وشعره المستعار، وهكذا فليس
بوسعك إلصاق جريمته الصغيرة به بالطرق المعتادة.

ومضت صورة مفاجئة كالبرق في خيال آرمسترونغ :
جريمة في المستشفى ، جريمة على طاولة العمليات.... بكل
أمان، نعم ، بكل ، أمان كما لو كنتَ في منزلك!

كان فيليب لومبارد يقول: هذا يفسّر السيد أوين
ويفسّر " جزيرة الجنود " أيضاً.

تنفس آرمسترونغ بعمق وقال: ها نحن نصل إلى جوهر المسألة:
ما الهدف الحقيقي من جمعنا هنا؟

فقال فيليب لومبارد : ماذا تظن؟
اعترض آرمسترونغ بشكل مفاجئ وقال : لنعُد قليلاً إلى وفاة المرأة.
ما هي النظريات المحتمَلة؟ الاحتمال الأول أن
روجرز قتلها لأنه كان يخشى أن تكشف أمره،
والاحتمال الثاني أنها فقدت أعصابها فسلكت طريقاً سهلاً بإنهاء حياتها.

قال لومبارد: انتحار؟
- ما رأيك في ذلك؟
- ربما كان ممكناً لولا مسألة موت مارستون.
حالتا انتحار خلال اثنتَي عشرة ساعة أمر يصعب تصديقه!
هل تريد أن تقول لي إن أنتوني مارستون، وهو شابّ قوي عديم الإحساس
ولديه قليل من رجاحة العقل، قد استبدّ به الخوف فجأة لأنه دعس طفَلين ذات يوم
فوضع حدّاً لحياته عن سابق قصد وتصميم؟! حسناً، إنها فكرة مضحكة.
ثم كيف حصل على السم على أيّ حال؟ سيانيد البوتاسيوم
ليس نوعاً من المواد التي قد تحملها في جيبك حسب معلوماتي،
لكن هذا ما تعتقده أنت.

قال آرمسترونغ: لا يحمل إنسان عاقل سيانيد البوتاسيوم معه. قد يفعل ذلك
رجل ينوي تدمير عش دبابير مثلا .

- قد يكون مزارعاً مثلاً، ولكن ليس أنتوني مارستون!
يبدو لي أن مسألة السيانيد هذه تحتاج إلى بعض التفسير،
فإمّا أنّ أنتوني مارستون كان ينوي الانتحار قبل قدومه إلى هنا فجاء مستعدّاً،
أو...

ولم يكمل جملته فاستحثه آرمسترونغ قائلا : أو ماذا؟
فابتسم لومبارد وقال: لماذا تريدني أن أقولها وهي على طرف لسانك؟
أنتوني مارستون قُتِلَ بالطبع.

أخذ الدكتور آرمسترونغ نفساً عميقاً وقال:
وماذا عن السيدة روجرز؟
فقال لومبارد ببطء: كان يمكن لي أن أصدّق بصعوبة انتحار أنتوني
لولا موضوع السيدة روجرز، وكان يمكن لي
بسهولة أن أصدق انتحار السيدة روجرز لولا قضية أنتوني مارستون.
أستطيع تصديق فكرة أن روجرز قتل زوجته
لولا الوفاة غير المتوقعة لأنتوني مارستون ،
ولكن ما نحتاجه هو نظرية تفسّر لنا حالتَي وفاة تُبِعَت إحداهما
الأخرى بهذه السرعة.

قال آرمسترونغ : قد أستطيع مساعدتك في هذه النظرية.
وأعاد على سمعه الحقائق التي قدّمها له روجرز عن
اختفاء التماثيل الخزفية ، فقال لومبارد : أجل ، التماثيل
الخزفية لجنود صغار. كان يوجد عشرة منها مساء أمس عند العشاء
بالتأكيد، والآن تقول إنه يوجد ثمانية فقط ؟!

فردّد الدكتور آرمسترونغ الأنشودة قائلا :
عشرة جنود صغار خرجوا للعشاء
أحدهم شَرِق فمات فبقي تسعة
تسعة جنود صغار سهروا حتى ساعة متأخرة
أحدهم أخذه النوم فبقي ثمانية

تبادل الرجلان نظرات غريبة، وتجهّم وجه لومبارد وقال:
تطابق تامّ يتجاوز اعتبارها صدفة! أنتوني مارستون
يموت من الاختناق أو الشَّرْقة ليلة أمس بعد العشاء،
والسيدة روجرز استغرقت في النوم إلى الأبد.

قال آرمسترونغ: ماذا إذن؟
فردّ عليه لومبارد: إذن يوجد " جندي " من نوع آخر، جندي مختبئ في كومة حطب!
السيد " س " السيد أوين... مجنون مطلَق السراح.

فاطلق آرمسترونغ تنهيدة ارتياح وقال:
آه، أنت توافقني. ولكن لاحظ ماذا يعني ذلك: لقد أقسم روجرز إنه لا يوجد
سوانا بالإضافة له ولزوجته على الجزيرة.

- روجرز على خطأ أو لعله كان يكذب.
هزّ آرمسترونغ رأسه وقال: لا أظن انه يكذب ،
بل هو خائف ، خائف لدرجة يكاد يفقد معها رشده.

فأومأ فيليب لومبارد إيجاباً وقال:
القارب البخاري لم يصل هذا الصباح، وهذا تدبير يتفق مع النظرية. ترتيبات
مسبَقة من قِبل السيد أوين، عزل الجزيرة حتى ينتهي من مهمّته.

شحب وجه آرمسترونغ وقال: يا إلهي لا بدّ أن الرجل مجنون!
فقال فيليب لومبارد بصوت فيه نبرة جديّة: أمر واحد لم يدركه السيد أوين.
- ما هو؟
- هذه الجزيرة ليست إلاَ صخرة محدودة المساحة نستطيع تفتيشها
بقليل من الجهد، وعندئذ ستعثر على السيد
المحترم أوين وبسرعة.

فقال الطبيب باهتمام : لا بدّ أنه سيكون خطيراً.
فضحك لومبارد وقال: خطيراً؟ من يخشى ذلك الذئب السيّئ؟
سأكون أنا الخطير عندما ألقي القبض عليه.

وتوقف لحظة ثم قال: من الأفضل أن نضمّ إلينا بلور لمساعدتنا؛
فسوف يكون مفيداً لنا عند الحاجة.
ومن الأفضل أن لا نخبر النساء، أمّا الآخران فالجنرال شيخ مخرف
– فيما أظن –
والعجوز وارغريف يتّصف بالكسل الشديد.

أعتقد أن ثلاثتنا قادرون القيام بالمهمة.

-



التعديل الأخير تم بواسطة دُونـــآي ❝ ; 09-27-2015 الساعة 06:15 PM
  #12  
قديم 09-27-2015, 08:03 PM
 
-

الفصل الثامن
-1-

انضمّ بلور إليهما بسهولة، وقد أبدى موافقة فورية على نظريتهما
فقال: إن ما تقولانه عن هذه التماثيل الخزفية
يجعل الأمر مختلفاً تمام اً. إنه جنون! ولكن يوجد شيء واحد فقط:
ألم يخطر لك أن أوين ربما كان ينوي تنفيذ فكرته
بتوكيل شخص آخر للقيام بذلك؟

- أوضِحْ فكرتك يا رجل.
- حسناً، أعني أنه بعد الضجة التي حدثت مساء أمس انفعل هذا
الشاب مارستون وسممّ نفسه، وروجرز اهتاج
أيضاً فقتل زوجته ، وكل ذلك طبقاً لخطة أوين.

فهزّ آرمسترونغ رأسه وأعاد تأكيد النقطة المتعلقة بالسيانيد،
ووافقه بلور، فقال: أجل، لقد نسيت ذلك، السيانيد ليس
مادة يمكنك أن تحملها معك عادة ، ولكن كيف دخلَت كأسه يا ترى؟

فقال لومبارد: لقد فكّرت في ذلك. مارستون تناول عدّة كؤوس من الشراب في
تلك الليلة، وكان بين الوقت الذي تناول فيه الكأس الأخيرة والوقت الذي أنهى فيه الكأس
التي سبقتها فجوة وقتية، وخلال هذه الفجوة كانت كأسه
موضوعة على إحدى الطاولات، وأعتقد أن كأسه كانت
على الطاولة الصغيرة قرب النافذة، وكانت النافذة مفتوحة
وبوسع شخص ما أن يدسّ جرعة من السيانيد في الكأس.

قال بلور بعدم تصديق: دون أن يراه أيّ منّا؟!
فقال لومبارد باقتضاب : كنّا جميعاً معنيّين بشيء آخر إلى حد ما.
قال آرمسترونغ ببطء: هذا صحيح، لقد أخذنا بغتة.
كنّا نتحرك وندور في الغرفة نتجادل ساخطين منشغلين كلّ في
شأنه، وأعتقد أنه كان بالإمكان فعل ذلك.

هزّ بلور كتفيه وقال: لعل الأمر حدث على هذا النحو. حسناً أيها السادة،
هل يوجد أيّ احتمال بوجود مسدَّس مع أي
منكم؟ أحسب أن هذا مطلب عسير.

فقال لومبارد وهو يربت على جيبه: أنا أحمل مسدساً.
فاتسعت عينا بلور كثيراً وقال بلهجة ودودة للغاية:
هل تحمله معك دائماً؟
قال لومبارد: كثيراً ما أجد نفسي في أماكن خطيرة.
قال بلور: حقاً؟!
ثم أضاف منفعلا : لعلك لم تكُن يوماً في مكان أخطر من هذا!
إذا كان في هذه الجزيرة مخبول يختبئ فالأغلب ،

لديه ترسانة صغيرة من الأسلحة، ناهيك عن سكين أو خنجر مثلا .
فسعل آرمسترونغ وقال: قد تكون على خطأ في هذه النقطة يا بلور؛
فكثير من المجرمين المعتوهين يبدون في غاية
التواضع وتشعر بالارتياح معهم.

فقال بلور: لا أظن أن صاحبنا سيكون من هذا النوع يا دكتور آرمسترونغ.
-2-
خرج الرجال الثلاثة وبدؤوا جولتهم حول الجزيرة،
فتبيّن لهم أن الأمر كان أبسط ممّا كان متوقَّعاً؛ فعلى الجهة
الشمالية الغربية المطّلّة على الشاطئ كانت التلال الصخرية تنحدر عمودياً
حتى البحر بشكل منتظم، ولم يكُن في
بقاء أنحاء الجزيرة الكثير من الأشجار أو مما يكسو الأرض.
بدأ الرجال الثلاثة العمل بعناية وبشكل منهجي،
فبدؤوا يمشّطون المنطقة من أعلى نقطة إلى أطراف الماء
متفحصين بدقّة أيّ شيء غريب قد يظهر على سطح الصخرة ويشير
إلى مدخل كهف أو تجويف، ولكن لم تكُن
هناك أية كهوف. ووصلوا أخيراً إلى أطراف الماء في المنطقة التي كان يجلس
فيها الجنرال ماك آرثر ينظر إلى
البحر، وكان الجو هادئاً تماماً والأمواج تتحطم برفق فوق الصخور، وكان العجوز
يجلس منتصباً وعيناه سارحتان في الأفق.
لم يُظهر العجوز أي اهتمام بمجموعة البحث عند اقترابها،
وقد جعلت غفلتُه هذه أحدَ الرجال على الأقل يشعر بعدم
الارتياح،
فقال بلور لنفسه: هذا الأمر غير طبيعي! يبدو وكأنه في غفوة أو شيء من هذا القبيل.
ثم تنحنح وقال بلهجة تستدرج الحديث:
إنها بقعة لطيفة وجدتَها لنفسك يا سيدي.
فقطّب الجنرال وألقى نظرة سريعة من فوق كتفه وقال:
لم يعُد لديّ سوى القليل من الوقت، القليل من الوقت؛ أودّ
أن أؤكّد على عدم إزعاجي.

قال بلور برقّة: لا نريد أن نزعجك، نحن فقط نقوم بجولة في الجزيرة
إذا صحّ التعبير، نحاول أن نتبّين ما إذا كان
أحد يختبئ فيها.

فقطّب الجنرال ثانية وقال: أنت لا تفهم، أنت لا تفهم أبداً.
انصرف من هنا أرجوك.

فتراجع بلور وقال حين انضمّ للآخرَين: هذا الرجل مجنون!
لا فائدة من التحدث معه.

سأله لومبارد ببعض الفضول: ماذا قال؟
فهزّ بلور كتفيه وقال: لقد تحدث عن عدم وجود وقت لديه
وقال إنه لا يريد أن يزعجه أحد.

قطّب الدكتور آرمسترونغ حاجبيه وغمغم: ترى ماذا يعني هذا؟!
-3-
انتهى البحث في الجزيرة ، ووقف الرجال الثلاثة على أعلى
نقطة في الجزيرة ينظرون باتجاه الساحل، لم يروا أيّ
قوارب، وكانت الريح قد أخذت تنشط.
قال لومبارد: لا توجد قوارب صيد في البحر وثمة عاصفة قادمة.
أمر مزعج للغاية أن لا نستطيع رؤية القرية من
هنا. ربما كان بإمكاننا إرسالة إشارة أو شيء من هذا القبيل.

قال بلور : قد نستطيع أن نشعل ناراً الليلة.
فقال لومبارد مقطّباً: المصيبة هي أن الحكاية معَدّة
بإحكام مسبّقاً على الأرجح.

- وكيف ذلك يا سيدي؟
- كيف لي أن أعرف؟ ربما كانت دعابة ثقيلة...
يُلقى بنا هنا ويُطلب من أهل القرية عدم الانتباه لأيّ إشارة تصدر
عنّا... ربما كان أهل القرية قد بُلغّوا بأن رهاناً يجري هنا، أو أيّ
قصة سخيفة من هذا القبيل.

فقال بلور بتشكك: هل تعتقد أنهم سيقتنعون بذلك؟
قال لومبارد بجفاء: هذا أسهل للتصديق مقارنة بالحقيقة .
جلست فيرا إلى جانب الجنرال وقالت :
هل تحب الجلوس هنا والنظر إلى البحر؟
فأومأ برأسه برفق وقال: نعم، إنه مكان لطيف،
مكان جيّد ، وأظنه مكاناً جيّداً للانتظار.

فقال فيرا بحدّة: انتظار؟ ماذا تنتظر؟!
فقال بلطف: النهاية. ولكن أحسب أنك تعلمين،
أليس كذلك؟ هذه هي الحقيقة، نحن جميعاً ننتظر النهاية.

قالت باضطراب: ماذا تعني؟
فقال الجنرال ماك آرثر بوقار: لن يغادر الجزيرة أحد منّا؛
هذه هي الخطة، وأنت تعرفين ذلك جيداً بالطبع،
ولكن الذي قد لا تستطيعين فهمه هو الخلاص
.
فتساءلت فيرا بحيرة: الخلاص؟!
فقال: طبعاً، أنت صغيرة ولم تصلي إلى الإحساس بهذا بعد،
ولكنه سيأتي. الخلاص المبارَك عندما تعرفين أنك
انتهيت من كل شيء، أنه لن يكون عليك أن تحملي العبء لمدة أطول.
ستشعرين بهذا أيضاً يوماً ما.

فقالت فيرا بصوت أجش: أنا لا أفهمك.
وأخذت أصابعها تتحرك بتشنّج ، وشعرت فجأة بالخوف من هذا الجندي
الهادئ العجوز الذي قال وقد استغرق في
التفكير: أقول لك إنني أحببت ليزلي، أحببتها كثيراً.
فسألت فيرا مستفسرة: هل كانت ليزلي زوجتك؟
- نعم، زوجتي. لقد أحببتها وكنت فخوراً بها، كانت في غاية الجمال والمرح.
وصمت دقيقة أو اثنتين ثم قال: أجل، أحببت ليزلي، ولهذا فعلت ذلك.
فقالت فيرا: تعني...؟
وتوقفت عن الكلام فهزّ الجنرال ماك آرثر رأسه موافقاً
وقال: لم يعُد الإنكار مفيداً الآن، ليس ونحن جميعاً على
شفا الموت. لقد أرسلتُ ريتشموند إلى حتفه، وأعتقد أن ذلك يُعتبّر قتلاً على نحو ما.
أمر غريب... جريمة ، وأنا الذي كنت دائماً ملتزماً بالقانون!
ولكن الأمر لم يبدُ لي على هذا النحو وقتها. ولكنني لست نادماً، فهو يستحق ذلك
تماماً. هذا ما فكرت به وقتها، ولكن فيما بعد...

قالت فيرا بصوت قاس : حسنا، ماذا فيما بعد؟
فهز رأسه بغموض وبدا حائراً متألماً وقال: لا أعرف، لا أعرف.
صارت الأشياء مختلفة. لا أعرف إذا كانت ليزلي
قد خمّنَت شيئاً، لا أظن ذلك، ولكن أقول لك إنني ما عدت أعلم عنها شيئاً بعد ذلك؛
لقد ذهبت بعيداً إلى حيث لا
أستطيع الوصول إليها، ثم ماتت وغدوتُ وحيداً.

قالت فيرا: وحيداً؟!
ورجّعَت الصخور صدى صوتها فقال الجنرال ماك آرثر:
ستكونين سعيدة أيضاً عندما تأتي النهاية.
فنهضت فيرا وقالت بحدّة: لا أعرف ماذا تعني!
فقال: أنا أعرف يا طفلتي ، أنا أعرف.
- أنت لا تعرف شيئاً، لا تفهم شيئاً أبداً.
فنظر الجنرال ماك آرثر إلى البحر ثانية وبدا أنه
لا يحس بوجودها خلفه، ثم قال برقّة ونعومة بالغة: ليزلي!
-5-
عندما عاد بلور من البيت ومعه حبل يلفّه حول ذراعه
وجد آرمسترونغ حيث تركه ينظر إلى الأسفل، إلى الأعماق،
قال بلور بنفَس متقطع: أين السيد لومبارد؟
فقال آرمسترونغ بلامبالاة: لقد ذهب يجرّب إحدى نظرياته وسيعود بعد دقيقة.
استمع إليّ يا بلور، أنا قلق.

- نحن جميعاً قلقون يا عزيزي.
فلوّح الدكتور بيده في الهواء بصبر نافد وقال:
طبعاً، ولكن ذلك ليس ما أعنيه. أنا أفكر في الجنرال ماك آرثر.
- ماذا عنه؟
فقال آرمسترونغ بقسوة:
نحن بصدد رجل مجنون، فما رأيك في مارك آرثر؟
فقال بلور متشككاً: أتعني أن لديه نزعة للقتل؟
فقال آرمسترونغ بشيء من الشك: لا ينبغي لي أن أقول ذلك بأيّ حال،
ولكن... أنا طبعاً لست متخصصاً في
الأمراض العقلية ولم يسبق لي أن تحدثت معه باستضافة ،
ولذلك لم يتسنَّ لي أن أدرسه من هذه الناحية.

قال بلور بشكّ أيضاً: عجوز خرِف! نعم،
ولكن ليس بوسعي القول إن...

فقاطعه آرمسترونغ وهو يبذل جهداً خفيفاً كمن يستردّ رباطة جأشه وقال:
ربما كنتَ على حق. اللعنة! لا بدّ من
وجود أحد مختبئ في هذه الجزيرة. آه، ها هو لومبارد قادم.

وربطوا الحبل جيّداً وقال لومبارد: سأحاول جاهداً أن أقوم بالمهمّة بنفسي.
راقبوا أيّ شدّ مفاجئ في الحبل.

وبعد دقيقة أو اثنتين وفيما كانا يقفان معاً يراقبان نزول
لومبارد قال بلور: لومبارد يهبط بخفّة كالقط، أليس كذلك؟
كان في صوته شيء غريب فقال آرمسترونغ:
يُخيَّل إلي أنه قد سبق له ممارسة التسلّق.
- ربما
حلّ الصمت هنيهة بينهما ثم قال المفتش السابق:
إنه شخص من نوع غريب تماماً! هل تعرف فيمّ أفكر؟
- فيمَ؟
- في أن حقيقته مخالفه لما يبدو عليه.
فقال آرمسترونغ بتشكّك: من أيّ ناحية؟
فزفر ثم قال: لا أعرف بالضبط، ولكني لا أثق به إطلاق اً.
قال آرمسترونغ: أظن أنه عاش حياة حافلة بالمغامرات.
فقال بلور: أراهن أن بعض مغامراته مما لا يستطيع البوح به.
وتوقّف قليلاً ثم تابع: هل يُحتمل أن تكون قد
أحضرتَ معك مسدَّساً يا دكتور؟

فحدّق إليه آرمسترونغ وقال: أنا ؟ يا إلهي! بالطبع لا.
لماذا ينبغي أن أحضر مسدَّساً؟!

فقال بلور: ولماذا يحمل السيد لومبارد واحداً؟
فقال آرمسترونغ متشككاً: أظن أنها عادة.
زفر بلور زفرة قوية، وفجأة انشدّ الحبل فانشغلا لبضع لحظات،
ثم ارتخى الحبل من جديد. قال بلور:
توجد عادات وعادات... السيد لومبارد يأخذ معه مسدَّساً إلى أماكن خطيرة،
وهذا معقول تماماً. ويأخذ معه موقداً أو كيس نوم
وكمية من المسحوق المضادّ للحشرات، وكل ذلك لا غبار عليه،
ولكن العادة لا تجعله يحضر معه كل تلك الأشياء
إلى هنا؛ فالناس لا يحملون مسدَّسات معهم إلى في كتب المغامرات والروايات في العادة.

هزّ الدكتور آرمسترونغ رأسه بحيرة، ثم انحنيا وأخذا يرقبان لومبارد
وهو يهبط. كان بحثه شاملاً، وكان بوسعهما
أن يريا أنه كان بحثاً دون جدوى. ثم تسلّق عائداً وصعد إلى حيث كانا،
فمسح العرق عن فوق جبينه ثم قال: حسناً،
لا مناص؛ لا يمكن أن يكون إلاَ في البيت.

-6-
تم تفتيش البيت بسهولة. فتّشوا – أولا - المباني الخارجية القليلة حوله،
ثم حوّلوا انتباههم إلى المبنى الرئيسي نفسه.
لم تبقَ هناك أيّ مساحة مخفيّة لم يفتّشوها، وكان كل شيء واضحاً وبسيطاً؛
فالبناء عصري خال من أيّ جزء خفيّ،
فتّشوا الطابق الأرضي أولاً، وعندما صعدوا إلى الطابق الذي يحوي غرف النوم شاهدوا
روجرز من خلال نافذة الدرَج يحمل صينية من كؤوس العصائر إلى الشرفة
فقال فيليب لومبارد بمرح: كائن مدهش هذا الخادم الجيد! إنه
يواصل عمله دون كلل أو ملل.

قال آرمسترونغ بإعجاب: كلمة حق يجبَ أن تُقال:
روجرز خادم من الطراز الأول.

فقال بلور: زوجته أيضاً كانت طاهية جيّدة؛
ذلك العشاء ليلة أمس كان ممَّيزاً.

ودخلوا غرفة النوم الأولى، وبعد خمس دقائق اجتمعوا على رأس
الدرَج بعد أن لم يجدوا أحداً مختبئاً، ولم يكُن
يوجد مكان يمكن أن يختبئ فيه أحد.
قال بلور: ثمة سلّم صغير هنا.
فقال الدكتور آرمسترونغ: إنه يؤدّي إلى غرف الخدم في الأعلى.
فقال بلور: لا بدّ من وجود مكان داخل المنزل لخزّانات الماء
أو ما شابه ذلك، هذه أفضل أماكن للاختباء ولا يوجد
غيرها.
وعندئذ، وفيما كانوا يقفون هناك، سمعوا صوتاً يصلهم من أعلى.
كان صوت حركة أقدام خفيف فوقهم، سمعوا
جميعهم الصوت فأمسك آرمسترونغ بذراع بلور،
أمّا لومبارد فقد رفع إصبعه محذّراً وقال: هدوء، أنصتوا.
وجاء الصوت ثانية، شخص يتحرك بخفّة وحذر فوقهم.
وهمس آرمسترونغ، هذا الصوت صادر من غرفة النوم،
الغرفة التي توجد فيها جثة السيدة روجرز.
فردّ بلور هامساً : طبعاً ، هذا أفضل مكان للاختفاء يمكن أن يختاره؛ فلا أحد يتوقع
أن يذهب هناك. والآن أرجو الهدوء قدر الإمكان.

زحفوا خلسة صاعدين الدرَج وتوقفوا ثانية خارج باب غرفة النوم
كان داخل الغرفة شخص ما وصوت خرير خافت
فهمس بلور: الآن.
وفتح الباب بقوة مندفعاً للداخل يتبعه الرجلان الآخران و...
ووقف الثلاثة مشدوهين؛ كان روجرز في الغرفة يحمل
كومة من الملابس بين يديه!
-7-
كان بلور أول من استعاد رباطة جأشه فقال : نأسف يا روجرز؛
لقد سمعنا صوت حركة هنا وفكرناً ... حسناً...

وتوقف عن كلامه فقال روجرز: أنا آسف أيها السادة؛ كنت فقط أنقل أشيائي.
أعتقد أنكم لا تمانعون إذا أخذت إحدى
غرف الضيوف الخالية في الطابق الأوسط، أصغر غرفة.

كان يوجّه الحديث إلى آرمسترونغ الذي
قال: لا نمانع بالطبع، تفضّل.
وتجنّب النظر إلى الجسد المغطّى بالملاءة على السرير،
وقال روجرز: شكراً يا سيدي.
ثم خرج من الغرفة ويداه محمَّلتان بأمتعته ونزل الدرَج إلى الطابق الأوسط،
وتحرّك آرمسترونغ إلى السرير فرفع
الملاءة ونظر إلى الوجه الهادئ للمرأة الميتة.
لم يكُن في وجهها خوف في تلك اللحظة بل كان وجهها خالياً
من التعبيرات، فقال آرمسترونغ، أتمنّى لو كانت أدواتي معي هنا؛
أودّ معرفة نوع المادة التي تعاطتها.
ثم التفت إلى الرجلَين الآخرَين وقال:
لننتهِ من هذه المهمّة لديّ أحساس بأننا لن نجد شيئاً.
كان بلور يعالج غطاء فتحة مجار منخفضة وقال: ذلك الرجل يتحرك بسرعة،
قبل دقيقة أو دقيقتين رأيناه في
الحديقة ولم يسمعه أيّ منّا يصعد الدرَج.

قال لومبارد: أعتقد أن هذا هو ما جعلنا نعتقد أن شخصاً
غريباً يتحرك هنا في هذه الغرفة.

واختفى بلور في تجويف مظلم فأخرج لومبارد من جيبه مصباحاً يدوياً وتبعه،
وبعد خمس دقائق كان الرجال الثلاثة
يقفون على رأس درَج علويّ ينظر بعضهم إلى بعض،
وكانت ملابسهم متسّخة وقد علقت بها خيوط العناكب،
وكانت وجوههم كالحة.
لم يكن على الجزيرة أحد سواهم هم الثمانية ،،
-

  #13  
قديم 09-27-2015, 08:30 PM
 



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفك؟ أحوالك؟
عساكي طيبة حب3
شكرا لكي على الدعوة القميلة
موضوع جدا جميل اتمنى لكي التوفيق
اولا
العنوان
العنوان جميل جدا يدخل في سرد تفكيرك
ثانيا
التنسيق
التنسيق بيوتفل
حتى فكرته مميزة جدا شدتني على ان اسوي افكار عدة بسببها
ثالثا
اممم كل شيء
احببت المعلومات عن القصة وتصنيفها فقط بوليسي
في الحقيقة احب البوليسي لكني لا اتعلق بها كثيرا خخخ
اكثر ما احبه الكوميديا * من يهتم *
المهم جميل السرد والوصف فهو يعطي للقصة جماليتها
شكرا لكي على الفصل
واتمنى لكي التوفيق
دمتي متألقة
استمري في تالقكي ولا تستسلمي
اسفة للرد القصير مستعجلة شوي
تم كل ماهو جميل لتعبكي على الموضوع المميز
في امان الله اختي



__________________
~


مهم لسعادتك |
Can I Change?|ANLOR | مرايا تتكسر|anlor | توأمتي
  #14  
قديم 09-27-2015, 08:43 PM
 

الفصل التاسع

-1-
قال لومبارد ببطء: لقد كنّا مخطئين طوال الوقت، صنعنا كابوساً من
الوهم والخيال لمجرَّد تصادف وقوع حادثّتي

وفاة.
فقال آرمسترونغ بصوت خفيض: ولكن – مع ذلك –
فما زالت النظرية قائمة بغضّ النظر عن كل شيء؛ فأنا طبيب

وأعرف شيئاً عن حالات الانتحار، وأنتوني مارستون لم يكُن
من النوع الذي يمكن أن ينتحر.

فقال لومبارد متشككاً: ألا نستطيع الافتراض بأنه كان
حادثاً؟

زفر بلور غير مقتنع وقال : هذه نوعيه عجيبة من الحوادث!
توقّف الحديث برهة ثم قال بلور : بخصوص تلك المرأة.
.. وتوقف عن الحديث فسأله لومبارد: السيدة روجرز؟

- نعم ، ألا يحتمل بالنسبة لها أن موتها
ربما كان حادثاً؟

فقال فيليب لومبارد: حادثاً! وكيف ذلك؟
بدا على بلور حرَج خفيف وأصبح وجهه المتورد
أشدّ حمرة وقال بلا وعي تقريباً: انظر يا عزيزي، لقد أعطيتَها

أنت علاجاً مسكّناً، أليس كذلك؟
حدّق إليه الطبيب وقال: علاجاً مسكناً؟ ماذا تعني؟
- الليلة الماضية قلتَ إنك أعطيتها شيئاً يساعدها على النوم.
- آه، نعم؛ كان عقاراً مسكناً لا ضرر منه.
- ماذا كان بالضبط؟
- أعطيتُها جرعة خفيفة من التريونال،
وهو مستحضَر لا ضرر منه أبداً.

اشتدّت حمرة وجه بلور وقال: اعلم – يا سيدي – أنني لا أريد
الحذلقة ، ولكن أريد أن أعرف إن كانت الجرعة

زائدة.
فقال الدكتور آرمسترونغ بغضب: لا أفهم ماذا تعني.
فقال بلور: هذا ممكن، أليس كذلك؟ لعلّك ارتكبتَ
خطأ فمثل هذه الأشياء تحدث أحياناً.

قال آرمسترونغ بحدّة: لم أفعل شيئاً من هذا القبيل.
إن فكرتك غير معقولة.

وتوقف لحظة ثم أضاف بنبرة باردة ولاذعة :
أم لعلك تقترح أنني أعطيتها جرعة زائدة متعمداً؟

فقال فيليب لومبارد بسرعة: أرجو أن تنصتا إليّ :
نحن لا نريد أن نفقد عقولنا. دعونا لا نبدأ بتراشق الاتهامات.

قال بلور فجأة: كل ما قلته أن الطبيب ربما ارتكب خطأ.
أرغم الدكتور آرمسترونغ نفسه على الابتسام وقال وهو
يكشف عن أسنانه بابتسامة قاسية: الأطباء لا يملكون ترف

ارتكاب أخطاء كهذه يا صديقي.
فقال بلور بتروِّ ولهجة ذات معنى: لم يكُن ذلك أول خطأ لك.
.. إذا أخذنا بما قيل في ذلك التسجيل.

فشحب وجه آرمسترونغ وقال لومبارد بسرعة وغضب
موجّهاً الحديث إلى بلور: ما الفكرة من أن تجعل نفسك

عدائياً؟ نحن جميعاً في قارب واحد وعلينا أن نتضامن معاً،
ماذا عن حكاية اليمين الكاذب اللطيفة الموجَّهة لك؟

فخطا بلور خطوة إلى الأمام وقد تكوّرَت قبضتا يديه
وقال بصوت أجشَ : يمين كاذب ملعون! تلك كانت
كذبة حقيرة.

بوسعك أن تحاول إسكاتي – يا سيد لومبارد –
ولكن هنالك أشياء أريد أن أعرفها، وأحد هذه الأشياء عنك.

ارتفع حاجبا لومبارد وقال: عني؟
- نعم ، أودّ أن أعرف لماذا أحضرت معك مسدَّساً
إلى هنا وأنت قادم في زيادة اجتماعية ودّية.

فقال لومبارد : تودّ أن تعرف، أليس كذلك؟
قال بلور: بلى، أريد أن أعرف يا سيد لومبارد.
فقال لومبارد بصورة غير متوقَّعة: أتعرف يا بلور؟
أنت لست معتوهاً كما تبدو.

- هذا جائز ، والآن ماذا عن المسدَّس؟
ابتسم لومبارد وقال: أحضرته لأنّي توقعت حدوث مشكلات.
فابتسم بلور متشككاً وقال: لم تُقل لنا ذلك ليلة أمس.
هزّ لومبارد رأسه فواصل بلور كلامه قائلا : إذن فقد كنتَ
تخفي الأمر عنّا.

قال لومبارد: بطريقة ما، نعم.
- حسناً ، تفضل وأخبرنا الآن.
قال لومبارد ببطء: لقد أوحيت لكم جميعاً بأني دُعيتُ
إلى هنا بالطريقة نفسها مثل معظم الآخرين، ولكن ذلك
لم يكُن
صحيحاً تماماً.
الواقع أن وسيطاً خسيساً اسمه موريس أتاني
وعرض عليّ مئة جنيه لأحضر إلى هذه الجزيرة

وأراقب ما يجري جيّداً، وقال إن لي سمعة حسنة
كرجل يُحسن التصرف في المواقف الصعبة.

فاستحثّه بلور بصبر نافد قائلا : حسناً، ثم ماذا؟
قال لومبارد بهمهمة : هذا كل ما هنالك.
فقال الدكتور آرمسترونغ: ولكن من المؤكَّد أنه أخبرك
أشياء أكثر من ذلك.

- لا ، لم يفعل ؛ لقد أطبق فمه كالمحارة،
وكان عليّ أن أقبل أو أرفض، كانت هذه كلماته،
ولأنني كنت مفلساً فقد
قبلت العرض.
بدا بلور غير مقتنع وقال: لِمَ لم تخبرنا
بذلك ليلة أمس؟

فهزّ لومبارد كتفيه استنكاراً وقال: كيف كان بوسعي أن
أعرف – يا عزيزي – أن ليلة أمس لم تكُن هي بالضبط

الحدَث المحتمَل الذي جئتُ من أجله؟ لذلك لذتُ بالصمت
ورويتُ قصة لا تُلزمني بشيء.

قال الدكتور آرمسترونغ ساخر اً: ولكن تفكيرك
اختلف الآن؟

فتغيرت ملامح لومبارد وعبس وجهه وتصلّب وقال: أجل،
الآن أنا أعتقد أنني في القارب نفسه معكم.
تلك الجنيهات
المئة كانت قطعة الجبن الصغيرة التي
وضعها لي السيد أوين طُعماً للوقوع في المصيدة معكم.

وأضاف ببطء: نحن جميعاً في مصيدة، أقسم على ذلك.
موت السيدة روجرز وتوني مارستون، اختفاء تماثيل الجنود

الصغار من فوق طاولة الطعام. نعم، نعم ،
إن يد السيد أوين واضحة في الموضوع ، ولكن أين
ذلك الوغد السيد
أوين نفسه؟!
عندئذ دقّ الجرس في الطابق السفلي داعياً إلى الغداء.
-2-
كان روجرز واقفاً إلى جانب باب غرفة الطعام،
وحين رأى الرجال الثلاثة ينزلون الدرَج خطا إلى الأمام خطوة
أو
اثنتين وقال بصوت خفيض يشوبه القلق:
آمل أن يكون الطعام المعَدّ مرضياً لكم.
لدينا شرائح من اللحم البارد وقد
سلقتُ بعض البطاطا،
ولدينا أيضاً جبن وبعض الفواكه المعلَّبة.

قال لومبارد: لا بأس بكل ذلك. إذن فالمؤن جيدة.
- الطعام وفير يا سيدي ؛ يوجد هنا الكثير من الأطعمة
المعلَّبة وثلاجة اللحوم مملوءة جيداً.
هذا ضروري – يا
سيدي – في جزيرة قد ينقطع فيها المرء
عن الساحل فترة طويلة.

أومأ لومبارد موافق اً: وغمغم روجرز وهو يتبع الرجال
الثلاثة إلى داخل غرفة الطعام: يعتريني القلق لأن فريد

ناراكوت لم يحضر هنا اليوم. يمكن للمرء أن
يقول إنه سوء حظ غريب.

قال لومبارد: أجل ، سوء حظ غريب، هذا وصف جيّد للحالة.
دخلت الآنسة برنت الغرفة وكانت قد أسقطت لفة
من الصوف لتوّها وأخذَت تعيد لفّ الخيط من جديد،
وفيما كانت
تأخذ مقعدها إلى المائدة علّقَت قائلة:
الطقس يتغيّر، أصبحت الريح قوية جداً والأمواج البيضاء
تملأ سطح البحر
كالخيل.
ودخل القاضي وارغريف بخطوات بطيئة متزنة
وجال بعينيه على بقيّة الجالسين حول المائدة بنظرات
سريعة من
تحت حاجّبيه الكثيفين ثم قال:
أظنكم قضيتم صباحاً مفعماً بالنشاط.

كان في صوته رنّة ابتهاج يشوبها بعض الخبث،
ثم دخلت فيرا كلايثورن على عجل فقالت وهي تلتقط أنفاسها:
آمل
أنكم لم تنتظروني. هل تأخرت عليكم؟
فقالت إميلي برنت: أنت لستِ آخر من يحضر؛
الجنرال لم يأتِ بعد.

جلسوا حول الطاولة فقال لورجز مخاطباً الآنسة برنت:
هل ستبدئين يا سيدتي أم ستنتظرين؟

فقالت فيرا: الجنرال ماك آرثر يجلس على طرف البحر،
ولا أتوقع أن يكون بوسعه سماع الجرس هناك على أية

حال.
وتردّدَت قليلاً ثم أضافت: أعتقد أنه يتصرف بغرابة إلى
حدّ ما هذا اليوم.

فقال روجرز بسرعة: سأذهب وأخبره أن الغداء جاهز.
فقفز الدكتور آرمسترونغ وقال: سأذهب أنا،
ابدؤوا أنتم بتناول طعامكم.

وغادر الغرفة، وسمع من خلفه صوت روجرز يقول:
أتريدين لحماً بارداً يا سيدتي؟

-3-
بدا أن الخمسة الجالسين حول الطاولة يجدون
صعوبة في تبادل الحديث، وفي الخارج كانت هبّات
من الريح تشتدّ

ثم تتلاشى فارتعشت فيرا قليلاً وقالت: أظن أن العاصفة قادمة.
وأدلى بلور بدلوه في الحوار فقال بلهجة
من يريد فتح باب الحديث: رجل عجوز في القطار
القادم من بلايموث أمس

ظلّ يقول طول الوقت إن عاصفة قادمة.
كم تدهشني معرفة البحّارة العجائز بالطقس!

دار روجرز حول المائدة يجمع أطباق اللحوم،
وفجأة توقُف والأطباق لا تزال في يدَيه وقال بصوت غريب

ومذعور: هناك شخص يجري.
كان بوسع الجميع سماع الصوت، صوت أقدام تجري
على طول الشرفة! وقد عرفوا الخبر في تلك اللحظة
دون أن
يخبرهم أحد ، ودون اتفاق مسبّق وثبوا
جميعاً على أقدامهم ووقفوا ينظرون باتجاه الباب، وظهر الدكتور

آرمسترونغ لاهثاً وقال: الجنرال ماك آرثر...
فقالت فيرا: مات؟!
انطلقت الكلمة من فم فيرا كالانفجار،
فقال آمسترونغ: نعم، لقد مات!

وسادت برهة من الصمت، برهة طويلة،
ونظر الأشخاص السبعة بعضهم إلى بعض دون أن يجدوا
شيئاً يقولونه.

-3-
بدأت العاصفة تهبّ ، وبينما كانت جثة الرجل العجوز
تُنقَل عبر الباب كان البقية يقفون في القاعة، وإذ أخذ المطر

ينهمر تصاعد صوت خفيف لتساقط المياه على الأرض
مصحوباً بزئير العاصفة. وبينما كان بلور وآرمسترونغ

يصعدان الدرَج بحملهما استدارت فيرا فجأة وذهبت
إلى غرفة الطعام المهجورة. كانت كما تركوها وطبق الحلوى

على الطاولة الجانبية لم يمسَسُه أحد.
خطت فيرا نحو الطاولة... وكانت لا تزال هناك بعد دقيقة
أو اثنتين عندما دخل روجرز بهدوء إلى الغرفة ففوجئ

بوجودها، ثم لاح سؤال في عينه وقال: عفواً يا آنسة،
أنا ... لقد جئت لأرى...

وبصوت عا ل أجشّ فاجأها هي نفسها قالت فيرا:
أنت محقّ تماماً يا روجرز، انظر بنفسك، هناك سبعة تماثيل فقط!

-5-
كانت جثة الجنرال ماك آرثر قد سُجيّت على سريره،
وأجرى آرمسترونغ فحصاً أخيراً ثم غادر الغرفة ونزل إلى

الطابق الأرضي فوجد الآخرين مجتمعين في غرفة الجلوس.
كانت الآنسة برنت تشتغل بالصوف في حين كانت

فيرا كلايثورن واقفة بجوار الشبّاك تنظر إلى المطر المتساقط،
وجلس بلور باعتدال على كرسيّ ويداه على ركبتيه،

وكان لومبارد يذرع الغرفة جيئة وذهاباً،
وفي الطرَف الآخر من الغرفة جلس القاضي وارغريف في
كرسيّ مريح
وعيناه نصف مغمضتين.
فتح وارغريف عينيَه عندما دخل آرمسترونغ الغرفة
وقال بصوت واضح: حسناً يا دكتور، ما الوضع؟

بدا آرمسترونغ شاحباً جداً وقال : لم يُصّب بنوبة قلبية أو بأي شيء من هذا القبيل، لقد ضُرب ماك آرثر بهراوة أو
بشيء مماثل على مؤخّرة رأسه!
سرَت همهمة بين الحضور ، ولكن صوت القاضي
ارتفع بوضوح مرة أخرى قائلا : هل وجدت الأداة الفعلية
التي تمّ
استخدامها؟
- لا.
- وهل أنت متأكد من الحقائق التي توصلتَ إليها؟
- نعم، متأكد تماماً.
- قال القاضي وارغريف بهدوء: نحن نعرف أين نحن
الآن بالضبط.

لم يوجد شك حول من يتولى زمام الموقف في تلك اللحظة.
وارغريف كان قد قضى صباح ذلك اليوم منغرساً في

كرسيّه في الشرفة ممتنعاً عن ممارسة أيّ نشاط،
ولكنه أصبح يتولى القيادة بالسلاسة التي تتيحها عادة ممارسة

السلطة لوقت طويل. كان يرأس المحكمة دون شك.
تنحنح القاضي وقال مرة أخرى: كنتُ في
أثناء جلوسي هذا الصباح في الشرفة – أيها السادة –
أراقب تصرفاتكم،

ولم يكُن لديّ سوى القليل من الشك حول ما كنتم تسعون إليه،
كنتم تفتّشون الجزيرة بحثاً عن قاتل مجهول.

فقال فيليب لومبارد: هذا صحيح تماماً يا سيدي.
تابع القاضي: ولقد وصلتم إلى النتيجة ذاتها التي توصلت
أنا إليها دون شك، وهي أن موت أنتوني مارستون والسيدة

روجرز لم يكُن نتيجة حادث أو انتحار، كما أنكم توصلتم إلى
استنتاج معيَّن حول قصد السيد أوين من استدراجنا

إلى هذه الجزيرة بالتأكيد.
فقال بلور بصوت أجشّ : هذا الرجل مجنون معتوه!
فسعل القاضي وقال: هذا مؤكَّد تقريباً: ولكنه بالكاد
يؤثّر على الموضوع. اهتمامنا الرئيسي الآن هو إنقاذ حياتنا.

قال آرمسترونغ بصوت متهدّج: لا يوجد أحد في الجزيرة،
أؤكّد لكم انه لا أحد في الجزيرة.

فمسح القاضي على ذقنه وقال بلطف: بالمعنى الذي تقصده:
نعم. لقد توصلتُ إلى هذا الاستنتاج في وقت مبكّر هذا

الصباح، وكان بوسعي أن أقول لكم إن بحثكم
سينتهي دون جدوى، لكنني – مع ذلك – أتبّنى بشدّة الرأي
القائل إن
السيد أوين ولنستخدم الاسم الذي أعطاه هو لنفسه موجود
في هذه الجزيرة. هذا شبه مؤكَّد، وإذا أمعَنا النظر في

تلك المسألة المحيّرة، ألا وهي – دون زيادة أو نقصان –
إنفاذ حكم القضاء بحقّ أشخاص معَّينين لارتكابهم جرائم

لا يثبتها القانون، فسنجد انه توجد طريقة واحدة لتنفيذ هذه الخطة.
السيد أوين لا يمكن أن يكون على الجزيرة إلاَ

بطريقة واحدة أيها السادة، وهي أن يكون واحداً منّا.
-6-
صرخت فيرا كما لو كانت تئنّ : يا إلهي ! لا ، لا ، لا !
فرمقها القاضي بنظرة حادّة وقال: عزيزتي السيدة الشابة،
ليس هذا وقت رفض مواجهة الحقائق. نحن جميعاً نواجه

خطراً قاتلاً، أحدنا هو أوين ولا نعرف من يكون بيننا.
من بين الأشخاص العشرة الذين أتوا إلى هذه الجزيرة ثلاثة

تأكدَت براءتهم، أنتوني مارستون والسيدة روجرز
والجنرال ماك آرثر أصبحوا خارج دائر الشك.
بقي سبعة منّا،

ومن بين هؤلاء السبعة واحد سأدعوه " الجندي الصغير المزيَّف ".
وتوقّف قليلاً ونظر حوله ثم سأل: هل أفهم أنكم
جميعاً توافقونني الرأي؟

فقال آرمسترونغ: هذا شيء كالخيال، ولكني أعتقد أنك على حق.
وقال بلور: لا شك في ذلك، وإذا سألتموني
فلديّ فكرة جيدة جداً.

ولكن القاضي وارغريف أوقفه بإشارة من يده وقال بهدوء:
سنصل إلى ذلك فيما بعد. كل ما أريده الآن هو التأكّد

من أننا جميعاً متفقون حول الحقائق.
قالت إميلي برنت وهي لا تزال تشتغل بحياكة الصوف:
نظريتك تبدو منطقية، أنا أوافق أن أحدنا يتملكه شيطان.

وغمغمت فيرا: لا أستطيع أن أصدّق، لا أستطيع.
فقال وارغريف: وماذا عنك يا لومبارد؟
- أوافقك يا سيدي، أوافقك تماماً.
فأومأ القاضي برأسه بارتياح وقال: الآن دعونا نفحص الأدلة.
بداية: هل من سبب للاشتباه في شخص معيِّن ؟
أعتقد أن لديك ما تقوله يا سيد بلور.

تن فس بلور بصعوبة وقال: لومبارد معه مسدّس،
وهو لم يَقُل الحقيقة ليلة أمس، وقد أعترف بذلك.

فابتسم لومبارد باستهزاء وقال: أعتقد أن من الأفضل
أن أشرح الأمر ثانية.

وشرح الموضوع سارداً القصة بشكل موجَز
ومحكَم فقال بلور بحدّة: ماذا لديك من إثباتات؟
لا يوجد ما يعزز
روايتك.
فسعل القاضي وقال: نحن جميعاً في هذا الوضع؛
ليس لدينا من دليل سوى كلامنا لسوء الحظ.

ثم انحنى إلى الأمام قليلاً وأضاف: ليس بينكم من
استوعب غرابة الموقف الذي نحن فيه حتى الآن،
وفي رأيي أنه
يوجد أسلوب واحد يمكن الأخذ به.
هل يمكننا استبعاد أحد من الشك بناء على الأدلة الموجودة لدينا؟

فقال الدكتور آرمسترونغ بسرعة: أنا رجل مهنيّ معروف،
ومجرّد فكرة أنني قد أكون موضع اشتباه...

فأشار القاضي وارغريف بيده مرة أخرى فأوقف المتحدث
قبل الانتهاء من كلامه وقال بصوته الهادئ الواضح:
أنا
أيضاً رجل معروف جيّداً، ولكن هذا لا يثبت شيئاً يا سيدي.
بعض الأطبّاء والقضاة أصيبوا بالجنون.

ثم نظر إلى بلور وقال مكملا : وكذلك رجال شرطة.
قال لومبارد: أيّاً كان الأمر، أعتقد أنك سوف تستثني
النساء من ذلك.

فارتفع حاجبا القاضي وقال بنبرة السخرية اللاذعة التي يجيدها:
هل أفهم من هذا أنك تؤكّد أن النساء ليست لديهنّ

نزعات إجرامية؟
فقال لومبارد متضايقاً: بالطبع لا، ولكن يبدو هذا احتمالاً صعباً.
وتوقف عن كلامه فقال القاضي وارغريف بنفس
الصوت الهادئ اللاذع: أعتقد – يا دكتور آرمسترونغ – أن أي

امرأة قادرة جسدياً على توجيه ضربة كتلك
التي قتلت المسكين ماك آرثر.

فقال الطبيب بهدوء: تستطيع تماماً إذا توفرت لها أداة مناسبة
كهراوة أو نحو ذلك.

- هل يتطلب هذا استخداماً مفرطاً في القوة؟
- لا ، ابداً.
لوى القاضي وارغريف عنقه الشبيهة بعنق السلحفاة وقال:
حادثتا الوفاة الأخريان نتجتا عن استخدام عقاقير طبية،

وهذه سهلة التنفيذ بواسطة أيّ شخص لدية أدنى
قدرة جسدية دون جدال.

فصاحت فيرا بغضب: أعتقد أنك تهذي!
فتحركت عيناه ببطء حتى استقرّتا عليها،
وكانت النظرة الباردة لرجل اعتاد جيداً على تقييم الناس،
فقالت فيرا
لنفسها: " إنه ينظر إليّ فقط ك... كمثال، و..."،
ثم واتتها الفكرة بدهشة حقيقية فقالت لنفسها:
وهو لا يحبني كثيراً!

قال القاضي بنبرة متزنة: سيدتي الشابة العزيزة،
حاولي كبح مشاعرك . أنا لا أتهمك.

ثم انحنى للآنسة برنت وقال: آمل – يا آنسة برنت –
أن لا أضايقك بإصراري على أننا جميعاً متساوون في أن

تكون عرضة للاشتباه.
كانت إميلي برنت تحيك الصوف، وقالت دون أن ترفع رأسها
وبصوت بارد: إن فكرة اتهامي بقتل شخص من بني

الإنسان، ناهيك عن قتل ثلاثة أشخاص،
فكرة سخيفة تماماً – بالطبع – لكل من يعرف شيئاً
عن طبيعة شخصيتي.

ولكني أقدّر حقيقة أننا جميعاً غرباء بعضنا بالنسبة لبعض،
وأنه في ظروف كهذه لا يمكن استثناء أحد دون أدلّة

وافية.
قال القاضي : إذن فنحن متفقون، لا يمكن استثناء أحد
على أساس الشخصية أو المركز فقط.

فقال لومبارد: وماذا عن روجرز؟
فقال القاضي وهو ينظر إليه دون أن تطرف عيناه: وماذا عنه؟
قال لومبارد : حسناً ، في رأيي أن روجرز مستثنى تماماً.
فقال القاضي وارغريف حقاً؟ على أيّ أساس؟
قال لومبارد: أولاً ليس لديه الكثير من الذكاء، وثانياً
زوجته كانت إحدى الضحايا.

فارتفع حاجبا القاضي مرة اخرى وقال: في أيام خدمتي
– أيها الشاب – وقف أمامي أشخاص عديدون متّهمون بقتل

زوجاتهم، وثبت أنهم مذنبون.
- أنا موافق تماماً، إن قتل الزوجات محتمَل تماماً،
بل لنقل إنه يكاد يكون طبيعياً، ولكن ليس هذا النوع بالذات.

يمكنني أن أصدّق أن روجرز قتل زوجته لأنه
كان يخشى أن تنهار وتفضح أمره، أو لأنه لم يعُد يحبها،
أو لأنه
يريد الارتباط بامرأة جميلة أصغر سناً...
ولكن لا أرى من المحتمل أن يكون هو السيد أوين المعتوه
ويريد
إحقاق عدل مجنون بدءاً بزوجته هو لجريمة ارتكباها معاً.
فقال القاضي وارغريف : أنت تفترض شهادة سماعية كدليل.
نحن لا نعرف أن روجرز وزوجته تآمرا لقتل

مستخدِمتهما، وقد تكون تلك إفادة كاذبة قيلت لكي
يبدو روجرز بنفس الوضع الذي نحن فيه. ربما كان ذعر
السيدة
روجرز ليلة أمس ناتجاً عن حقيقة إدراكها
أن زوجها أصابه مسّ من الجنون.

قال لومبارد: حسناً، خذ الأمر كما تشاء؛ أوين واحد
منّا ولا أحدَ مستثنى، وجميعنا مؤهَّلون لهذا الاحتمال.

قال القاضي وارغريف: النقطة التي أريد التركيز عليها هي
انه يجب عدم السماح بأية استثناءات على أساس

الشخصية أو المركز أو الاحتمالية. ما يتعيّن علينا الآن
البحث فيه هو مدى احتمال استثناء شخص أو أكثر من بيننا

على أساس الحقائق. بعبارة أبسط: هل بيننا شخص
أو أكثر لا يُحتمَل ان يكون قد وضع السيانيد لأنتوني مارستون،

أو جرعة منوّم زائدة للسيدة روجرز. أو لم تكُن لديه
فرصة لتوجيه الضربة التي قتلت الجنرال ماك آرثر؟

فأضاء وجه بلور الذي كان متجهماً وانحنى بجسمه
إلى الأمام وقال: الآن أنت تضع النقاط على الحروف يا سيدي،

هذا هو صلب الموضوع ولندخل في تفصيلاته الآن، بالنسبة لمارستون لا أعتقد أن بالإمكان إضافة أيّ شيء. لقد
طُرحت فكرة مفادها أنّ شخصاً ما من الخارج قد دسّ له
شيئاً في كأسه قبل أن يملأها للمرة الأخيرة، والواقع أن

شخصاً من داخل الغرفة كان بوسعه فعل ذلك بسهولة أكبر.
أنا لا أذكر ما إذا كان روجرز داخل الغرفة عندئذ أم

لا، ولكن أيّ شخص منّا نحن الآخرين كان بوسعه ذلك.
وتوقف لحظة ثم تابع: والآن خذ مثلاً تلك المرأة السيدة روجرز،
الأشخاص الأبرز فيما يتعلق بها هم زوجها

والطبيب، وكلاهما كان بوسعه تنفيذ الأمر بكل سهولة.
فانتفض آرمسترونغ واقفاً على قدميه مرتجفاً وقال:
أنا أحتجّ ؛ هذا كلام لا أساس له أبداً. أقسم أن الجرعة التي

أعطيتها لتلك المرأة كانت في غاية ال...
فقال القاضي بصوت غاضب مهيب منخفض النبرة:
دكتور آرمسترونغ!

فلم يكمل آرمسترونغ عبارته وتابع القاضي بصوته
المنخفض الهادئ: من الطبيعي أن تغضب ، ولكن عليك
أن

تعترف أنه لا بدّ من مواجهة الحقائق. أنت وروجرز كان بإمكانكما دسّ جرعة مميتة بكل سهولة. والآن
فلنستعرض موقف بقية الحاضرين. ما فرصتي أنا ؟
وما فرصة المفتش بلور أو الآنسة كلايثورن أو السيد لومبارد؟

ما فرصة أيّ من هؤلاء في وضع السم؟
هل بالإمكان استبعاد أي منّا كلّياً؟

وتوقف قليلاً ثم قال: لا أظن ذلك.
قالت فيرا بغضب: أنا لم أقترب من تلك المرأة،
يمكنكم جميعاً أن تُقسموا على ذلك.

فانتظر القاضي وارغريف لحظة ثم قال:
بقدر ما تسعفني ذاكرتي كانت الحقائق كما يلي،
وأرجو منكم تصحيحي إذا

كان في كلامي أي خطأ: السيدة روجرز حُمِلت إلى الأريكة
بواسطة السيد مارستون والسيد لومبارد، الدكتور

آرمسترونغ ذهب إليها لمعاينتها وأرسل روجرز لإحضار العصائر،
ثم برز سؤال حول مصدر الصوت الذي كنّا قد

سمعناه للتو فذهبنا جميعاً إلى الغرفة المجاورة
ما عدا الآنسة برنت التي بقيّت في الغرفة وحدها
مع المرأة فاقدة
الوعي.
احمرّت وجنتا الآنسة برنت قليلاً وتوقفت عن الحياكة قائلة:
هذا فظيع!

وتابع الصوت الخفيض القاسي: عندما عدنا إلى الغرفة
كنت أنت – يا آنسة برنت – منحنية على المرأة المطروحة

على الأريكة.
فقالت إميلي برنت: هل التعاطف الإنساني جريمة؟
فقال القاضي وارغريف : أنا أؤكّد الحقائق فقط.
بعد ذلك دخل روجرز ومعه المرطبات التي كان بوسعه أن يضع

فيها ما يشاء بالطبع قبل دخول الغرفة، وأعطى العصير للمرأة،
وبعد ذلك بفترة قصيرة قام كل من زوجها والدكتور

آرمسترونغ بمساعدتها في الصعود إلى غرفة نومها،
وهناك أعطاها الدكتور آرمسترونغ مُسكّناً.

قال بلور: هذا ما حدث بالضبط، وهذا يستبعد من الموضوع
القاضي والسيد لومبارد وأنا والآنسة كلايثورن.

كان صوته عالياً ومبتهجاً ، فرماه القاضي وارغريف بنظرة
باردة وغمغم: حقاً؟ هل هذا صحيح؟ يجب أن نضع في

حسابنا كل الاحتمالات الممكنة.
فنظر إليه بلور وقال: لا أفهم ما تعني؟
فقال القاضي وارغريف: في غرفتها في الأعلى كانت السيدة
روجرز ممدَّدة على السرير، وكان المُسكّن الذي

أعطاها إياه الطبيب قد بدأ يأخذ مفعوله، كانت ترقد
مستسلمة تغالب النوم على نحو ما. لنفرض أن الباب دُق في

لحظة ما ودخل شخص ومعه قرص أو جرعة دواء مثلاً،
وقال لها إن الطبيب يريد منها تناول هذا. فهل تتصورون

للحظة واحدة أنها لن تبتلع ذلك الدواء بكل طواعية ودون تردد؟
ساد الصمت وبدّل بلور وضع قدميه وقطب جبينه،
وقال فيليب لومبارد: لا أصدّق هذه الفرضية للحظة واحدة، ثم

إنه لا أحد منًا غادر هذه الغرفة لعدة ساعات بعدها
بسبب حادثة وفاة مارستون وما إلى ذلك.

قال القاضي: كان بوسع أيّ واحد منا أو واحدة( أن يغادر غرفته )
أو غرفتها في وقت لاحق.

فاعترض لومبارد قائلا : ولكن كان متوقَّعاً أن يكون
السيد روجرز هناك.

تململ الدكتور آرمسترونغ وقال: لا ، روجرز نزل لتنظيف
وترتيب غرفة الطعام والمطبخ، وكان بوسع أيّ شخص

أن يصعد إلى غرفة المرأة دون أن يراه أحد.
قالت إميلي برنت: بالتأكيد – يا دكتور – ستكون المرأة
مستغرقة عندئذ في النوم بفعل تأثير المسكّن الذي أعطيتَها

إياه.
- في الغالب، نعم، ولكن هذا ليس مؤكَّداً مئة بالمئة؛
فأنتِ لا تستطيعين معرفة كيفية استجابة المرضى لمختلف

الأدوية إلاّ إذا كنتِ قد وضعتِ الدواء للمريض أكثر من مرّة.
أحياناً تمرّ فترة طويلة قبل أن يأخذ المسكّن

مفعوله. الأمر يعتمد على مدى حساسية المريض
لذلك الدواء بالذات.

قال لومبارد: طبعاً كنت ستقول ذلك يا دكتور؛
إنه يناسبك، أليس كذلك؟

وتدخّل صوت القاضي الهادئ البارد ثانية مقاطعاً:
لا فائدة من تبادل الاتهامات، علينا التعامل مع الحقائق فقط،

أعتقد أنه من الثابت الآن أن شيئاً كالذي وصفتُه
لكم محتمَل الحدوث، وأنا أؤيّد أن درجة الاحتمال ليست عالية،

ولكن ذلك يعتمد على شخصية مَن يُحتمَل أن يكون
قد قام بذلك العمل؛ فظهور الآنسة برنت أو الآنسة
كلايثورن في
مهمّة كهذه لن يثير دهشة لدى المريضة،
وصحيح أن ظهوري أنا أو السيد بلور أو السيد لومبارد
سيكون أمراً غير
عادي على الأقل، ولكني لا أزال
أعتقد أن زيارة كهذه لن تثير أية شكوك حقيقية.

قال بلور: وأين يؤدّي بنا ذلك؟
قال القاضي وارغريف وهو يربّت على شفته ويبدو
بمنتهى القسوة والجمود: لقد بحثنا في الجريمة الثانية حتى

الآن، وتوصلنا إلى حقيقة أنه لا يمكن استبعاد أيّ
منّا تماما من الاشتباه.

وتوقف قليلاً ثم تابع: نأتي الآن إلى موت الجنرال ماك
آرثر الذي حدث هذا الصباح. سوف اسأل كل مَن يعتبر أن

لديه أو لديها حجة غياب أن يقول لنا حجّته بكل وضوح.
أنا عن نفسي أقول مباشرة إنه ليس لديّ حجة مؤكّدة؛ لقد

قضيت فترة الصباح جالساً في الشرفة متأملاً
الوضع الفريد الذي صرنا جميعاً فيه. جلستُ على
ذلك الكرسي في
الشرفة طول الصباح حتى دقّ الجرس،
ولكن يخيَّل إليّ أنني مرّت بي فترات لم أكن خلالها مراقَباً من
أحد، وكان
بوسعي خلال هذه الفترات أن أنزل إلى الشاطئ
فأقتل الجنرال وأعود إلى حيث كنت أجلس،
ولا يوجد ما يدعم

حقيقة أني لم أغادر الشرفة إلا كلمتي أنا،
وفي أحوال كهذه لا يكفي هذا ولا بدّ من وجود إثبات.
قال بلور أنا كنتُ
مع السيد لومبارد والدكتور آرمسترونغ
طوال الصباح، وهما يشهدان على ذلك.
فقال الدكتور آرمسترونغ : لقد
ذهبتَ إلى البيت لإحضار حبل.
قال بلور: طبعاً حصل هذا، ذهبتُ مباشرة وعدتُ
مباشرة، أنت تعرف هذا.

فقال آرمسترونغ: لقد غبتَ فترة طويلة.
أحمرّ وجه بلور وقال: ماذا تعني يا دكتور آرمسترونغ؟
فأجاب آرمسترونغ : كل ما قلتُه إنك غبت لمدة طويلة.
- كان عليّ أن أجد الحبل ، أليس كذلك؟
لا يمكنك أن تجد لفّة حبل خلال دقيقة.

قال القاضي وارغريف: خلال غياب السيد بلور
هل كنتما معاً أيها السادة؟

فأجاب آرمسترونغ بحرارة: بالتأكيد، أعني...
لقد غادر لومبارد لبضع دقائق وأنا بقيت في مكاني.

قال لومبارد مبتسماً: كنتُ أودّ اختبار احتمال إرسال
إشارات بمرآة إلى البر، وأردت معرفة أفضل نقطة لذلك. لقد

تغيّبتُ لمدة دقيقة أو اثنتين.
أومأ آرمسترونغ موافقاً وقال: هذا صحيح،
لم يكُن وقتاً يكفي لارتكاب جريمة، أؤكّد ذلك.

قال القاضي : هل نظر أيّ منكما إلى ساعته؟
- حسنا ، لم يفعل أحدنا هذا.
قال فيليب : أنا لم أكُن أحمل ساعة.
قال القاضي بهدوء : دقيقة أو اثنتان تعبير غامض.
ثم التفت برأسه إلى المرأة الجالسة بهيئة معتدلة وفي
حضنها أشغال الصوف وقال: وأنت يا آنسة برنت؟

فقال الآنسة برنت: لقد تمشّيتُ مع الآنسة كلايثورن
إلى قمة الجزيرة، وبعد ذلك جلست في الشمس في الشرفة.

قال القاضي : لا أعتقد أنني رأيتك هناك.
- هذا صحيح؛ كنت خلف زاوية البيت من
الجهة الشرقية بعيداً عن مهبّ الريح.

- وهل جلستِ هناك حتى وقت الغداء؟
- نعم.
- وأنتِ يا آنسة كلايثورن؟
أجابت فيرا بسرعة ووضوح : كنت مع الآنسة برنت
في وقت مبكّر من هذا الصباح، ثم تجوّلتُ قليلاً،

ثم نزلت وتحدثت إلى الجنرال ماك آرثر و...
فقاطعها القاضي وارغريف: متى كان ذلك؟
كانت فيرا غير محدَّدة للمرة الأولى وقالت: لا أعرف ،
أظنه كان قبل الغداء بنحو ساعة، أو لعلّه كان قبل ذلك

سأل بلور: هل كان ذلك بعد أن تحدثنا معه أم قبل ذلك؟
قالت فيرا: لا أعرف، لقد... لقد بدا غريباً جداً!
وسرَت رعشة في جسمها، فقال القاضي مستفسراً:
كيف بدا لك غريباً؟

فقالت فيرا بصوت خفيض: قال إننا جميعاً سوف نموت،
وقال إنه كان ينتظر النهاية! لقد.... لقد أخافني.

أومأ القاضي وقال: ماذا فعلتِ بعد ذلك؟
- عدت إلى البيت ، وقبل الغداء مباشرة خرجتُ
ثانية وذهبت خلف المنزل. لقد كنت قلقة للغاية
طوال الصباح.

قال القاضي وارغريف: بقي روجرز،
رغم أنني أشك في انّ إفادته ستضيف شيئاً لِما
تجمع لدينا من معلومات.

-7-
حين مَثُل روجرز أمام المحكمة لم يكُن لديه الكثير ليقوله؛
كان مشغولاً طوال الصباح بأعمال البيت وإعداد الغداء،

وقبل الغداء قدّ م بعض المرطبات في الشرفة ثم ذهب
لنقل أمتعته من غرفة السطح إلى غرفة أخرى. لم ينظر من

النافذة خلال الصباح ولم يرَ شيئاً قد تكون له صلة
بموت الجنرال ماك آرثر، وهو يقسم بأنه كان على طاولة الطعام

ثمانية تماثيل خزفية عندما كان يُعِدّ المائدة للغداء.
عندما انتهى روجرز من إفادته ساد صمت قصير
وتنحنح القاضي وارغريف، وغمغم لومبارد هامساً لفيرا

كلايثورن: سوف يلخّص القضية الآن.
قال القاضي: لقد حققنا في ظروف حالات الوفاة الثلاث هذه
بأفضل ما استطعنا، وفي حين أن الاحتمالية في بعض

القضايا ليست في صالح أشخاص معَّينين كانوا موضع
اشتباه إلا أننا لا نستطيع ان نقول إن أيّ واحد
منّا يمكن
اعتباره بريئاً بشكل مؤكّد.
أؤكّد قناعتي التامّة بأن أحد الأشخاص السبعة الموجودين
في هذه الغرفة مجرم خطير،

وهو مختلّ العقل على الأرجح. ليس أمامنا دليل
حول هذا الشخص، وكل ما نستطيع أن نفعله في هذه
المرحلة هو
بحث الإجراءات التي يمكننا اتخاذها
للاتصال بالبر طلباً للنجدة، ولكن إذا ما تأخرت النجدة
وهو أمر محتمَل جداً

بسبب حالة الطقسفما الإجراءات التي نستطيع
اتخاذها لضمان سلامتنا؟

وصمت هنيهة ثم عاد يقول: اطلب منكم أن تفكّروا
فيما أقوله بعناية وأن تُع لِموني بأيّ اقتراحات قد تخطر لكم.
في
هذه الأثناء أودّ أن أحذّر كلاً منكم ليكون في
غاية اليقظة والاحتراس.
لقد كانت مهمة المجرم سهلة حتى الآن لأن

ضحاياه لم يكونوا مرتابين فيه، لكن واجبنا أن نشكّ في كل واحد فينا هذه اللحظة. لا تخاطروا بأية صورة وكونوا
متنبهين للخطر، هذا كل ما لديّ .
غمغم فيليب لومبارد هامساً: والآن ستُرفع الجلسة
-

  #15  
قديم 09-27-2015, 09:08 PM
 



الفصل العاشر
-1-
سألت فيرا فيليب: هل تصدّق ذلك؟
كانت تجلس مع فيليب على حافّة نافذة غرفة الجلوس،
وفي الخارج كان المطر ينهمر والريح تزأر وتهبّ هبّات
قوّ ية تهزّ زجاج النوافذ. مال فيليب برأسه قليلاً إلى أحد الجوانب
قبل أن يجيب قائلاً : تعنين موضوع أن يكون
المجرم واحداً منّا؟
- نعم.
فقال ببطء: من الصعب الإجابة، ولكن هذا صحيح منطقي اً.
واستخلصت فيرا الكلمات من فمه قائلة: ولكن يبدو هذا غير معقول!
تقطّب وجه فيليب لومبارد وقال: المسألة كلها غير معقولة، ولكن بعد موت ماك آرثر لم يعُد لدينا شك وتساؤل بين
كون الموضوع جريمة أو انتحاراً، بل هو جريمة بكل تأكيد،
ثلاث جرائم حتى الآن.
فارتعشت فيرا وقالت: كأنّما هو حلم مروّع! يراودني
شعور دائماً بأن أشياء كهذه لا يمكن أن تكون حقيقية.
فقال بتفهّم: أعرف، تتمنين لو يدقّ الباب الآن ويقدَّم
لنا شاي الصباح الباكر.
- آه، كم أتمنى لو يحدث ذلك!
فقال فيليب لومبارد بصوت خفيض: أجل ، ولكنه لن يحدث.
نحن جميعاً في هذا الحلم معاً، ومن الآن فصاعداً يتعيّن
علينا أن نكون متيقّظين جداً.
قالت فيرا وهي تخفض صوتها: إذا كان المجرم...
إذا كان واحداً منهم ، فمن تظنه يكون؟
فابتسم فيليب لومبارد فجأة وقال: هل أفهم من
ذلك أنك تستبعدين شخصَينا أنا وأنتِ؟ حسناً،
لا بأس في ذلك، أنا
أعرف جيّداً أنني لست القاتل ولا أظن أن بك مسّا
من الجنون يا فيرا. تبدين لي واحدة من أكثر الفتيات اللاتي
التقيت بهم في حياتي اتزاناً ورجاحة عقل، ولا أتردّد في
المراهنة بسمعتي على سلامة عقلك.
فقالت فيرا بابتسامة تشوبها بعض السخرية: شكراً.
فقال: ما هذا يا آنسة فيرا كلايثورن؟
ألا تريدين ردّ المجاملة لي؟
تردّدَت فيرا لحظة ثم قالت : لقد اعترفتَ – كما تعلم –
بأنك لا تعتبر حياة الإنسان شيئاً مقدَّساً على وجه
الخصوص، ومع ذلك فليس بوسعي أن أتخيلك ذلك
الشخص الذي أملى الرسالة المسجَّلة في مكبّر الصوت.
فقال لومبارد: صحيح تماماً؛ لو كنت سأرتكب واحدة
أو أكثر من تلك الجرائم لكان ذلك فقط للفائدة التي قد أجنيها
من ذلك. هذه الجرائم بالجملة ليست من طبيعتي. حسناً،
إذن نستبعد أنفسنا ونركز على رفاقنا السجناء الخمسة
الآخرين، أيّهم هو السيد أوين؟ حسناً، من باب التخمين
ودون سنَد إطلاقاً أختار وارغريف.
فقالت فيرا بدهشة: وارغريف! لماذا؟!
- من الصعب أن أجيبك بدقة، ولكنه رجل عجوز
قضى سنوات طويلة في رئاسة المحاكم. بعبارة أخرى:
لقد مثّل
دور الموجّه العظيم شهوراً طويلة من كل عام،
وهذا بالطبع يؤدّي إلى الغرور في النهاية، فيرى نفسه مطلَق
السلطة كما لو كان يمسك بمقاليد الحياة والموت،
ومن المحتمَل أن يشتطّ عقله ويخطو خطوة أبعد ليصبح
القاضي والمنفّذ الأعظم.
قالت فيرا ببطء: أجل، أعتقد أن هذا ممكن.
قال لومبارد: وأنتِ؟ من ترشّحين؟
فردّت فيرا دون أيّ تردد: الدكتور آرمسترونغ.
فأطلق لومبارد صفيراً خافتاً وقال: الطبيب؟ أتعلمين؟
بالنسبة لي فأنا أضعه في آخر القائمة.
قالت فيرا: لا ، فحالتان من حالات الوفاة كانتا بسبب السّم،
وهذه مسألة لها علاقة بطبيب إلى حد ما. ثم إنك لا
تستطيع التغاضي عن حقيقة أن الشيء الوحيد المؤكَّد
الذي تناولَته السيدة روجرز هو ذلك العقار المنوّم الذي أعطاه
لها الدكتور آرمسترونغ.
قال لومبارد معترفاً: أجل، هذا صحيح.
فواصلت فيرا: إذا أصيب طبيب بالجنون فسيَمضي
وقت طويل قبل أن يبدأ الناس بالاشتباه في أمره، فالأطباء
يعملون كثيراً ويصيبهم الإجهاد.
قال فيليب لومبارد: اجل، ولكني أشك في انه كان
بوسعه قتل ماك آرثر؛ لم يتوفر لديه وقت خلال تلك الفترة
القصيرة التي تركتُه فيها، إلاَ إذا كان قد جرى بخفة
أرنب ذهاباً وإياباً، وأنا أشك في أنّ لديه لياقة كافية للقيام بذلك
دون أن تبدو عليه علامات الإجهاد.
قالت فيرا: لم يرتكب جريمته في تلك الفترة، بل كانت
لديه فرصة فيما بعد.
- متى؟
- عندما ذهب ليدعو الجنرال للغداء.
صفر فيليب ثانية بصوت خفيض وقال:
إذن فأنت تعتقدين أنه نفّذ العملية حينذاك! هذا معقول تماماً.
فقالت فيرا بصبر نافد : ما المخاطرة في ذلك؟
إنه الشخص الوحيد الذي لديه معلومات طبيّة هنا ،
وبوسعه أن يقسم
بأن الوفاة حدثت قبل ساعة على الأقل ولن يستطيع احد مخالفته في ذلك.
فنظر إليها فيليب بتأمل وقال: أتعرفين؟
هذه فكرة ذكية منك، تُرى...
-2-
بدت علامات الدهشة على وجه روجرز وهو يقبض
بيديه على قطعة من جلد التنظيف كان يحملها وهو يسأل بلور:
من هو يا سيد بلور؟ هذا ما أودّ معرفته، من هو؟
فقال له المفتش السابق بلور: حقّاً يا صديقي، هذا
هو السؤال. إنه واحد منّا، هذا ما قاله القاضي.
- من هو ؟ هذا ما أودّ أن أعرفه ، من هو
ذلك الشيطان المتخفّي في ثوب إنسان؟
قال بلور: هذا ما نودّ جميعاً لو استطعنا معرفته.
فقال روجرز بنوع من الدهاء: ولكن لديك فكرة يا سيد بلور.
لديك فكرة، أليس كذلك؟
قال بلور ببطء: قد تكون لديّ فكرة، ولكنها بعيدة
جداً عن أن تكون مؤكَّدة. قد أكون مخطئاً، و
كل ما أستطيع قوله
هو أنه إذا كانت فكرتي صحيحة فالشخص محور البحث
شخص شديد الهدوء، شديد الهدوء حقّاً.
مسح روجرز العرق من فوق جبينه وقال بصوت أجش:
المسألة كلها كالكابوس ، نعم ، الكابوس.
قال بلور وهو ينظر إليه بفضول:
هل لديك أنت أية أفكار يا سيد روجرز؟
فهزّ الخادم رأسه وقال بالصوت الأجشّ نفسه:
لا أدري، لا أدري أبد اً، وكم يخيفني إلى حد الرعب
أنّ لا تكون لديّ أية فكرة.
-3-
قال الدكتور آرمسترونغ مهتاجاً: يجب أن نخرج من هنا،
يجب ، يجب... بأيّ ثمن.
كان القاضي وارغريف ينظر بتأمّل خارج غرفة التدخين وقال:
لا أزعم – بالطبع – بأنني خبير أرصاد جويّة،
ولكن عليّ أن أقول إنه من المستبعَد جداً أن يستطيع
أي قارب الوصول إلينا قبل أربع وعشرين ساعة حتى لو كانوا
يعرفون بمأزقنا، وحتى عندئذ ينبغي أن تكون الريح قد هدأت.
ألقى الدكتور آرمسترونغ رأسه بين يديَه وقال متأوّهاً:
وفي هذه الأثناء قد تُقتل جميعاً في فراشنا، أليس كذلك؟
قال القاضي: آمل أن لا يحدث لنا ذلك،
أنا مصمّم على اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لمنع
حدوث شيء من هذا القبيل.
وومض خاطر في ذهن الدكتور آرمسترونغ بأنّ رجلاً كبيراً
كالقاضي ربما كان أشدّ تشبثاً بالحياة ممّا قد يكون عليه
شابّ صغير السن ، وهو حقيقة طالما راودته خلال
سنوات عمله. ها هو ذا أصغر من القاضي بعشرين سنة على
الأقل، ومع ذلك فهو أقل منه تمسكاً بالحفاظ على حياته.
فكّر القاضي وارغريف وهو يحدّث نفسه: تقتَل في
فراشنا! هؤلاء الأطباء جميعاً متشابهون، يفكّرون بشكل تافه،
عقلية بسيطة تماماً.
قال الطبيب : تذكّر أنه يوجد ثلاث ضحايا حتى الآن.
- بالتأكيد ، ولكن عليك أن تتذكر أيضاً أنّهم لم يكونوا
مستعدّين للهجوم، أمّا نحن فقد أخذنا حذرنا.
قال الدكتور آرمسترونغ بمرارة: ماذا نستطيع أن نفعل؟ عاجلاً أو آجلا ...
فقال القاضي وارغريف: أعتقد أن بوسعنا أن نفعل عدّة أشياء
قال آرمسترونغ: ليس لدينا أية فكرة عمّن قد يكون القاتل.
فمسح القاضي دقنه وقال: أتدري؟ لا أستطيع أن أوافق
على قولك تماماً.
فحدّق إليه آرمسترونغ وقال: أتعني أنك تعرف؟
قال القاضي وارغريف بحذر: إذا كنت تعني دليلاً حقيقياً
كذلك الذي تطلبه المحاكم فأعترف لك بأنه ليس لديّ شيء
من ذلك ، ولكن يبدو لي عند مراجعة الأحداث أن شخصاً
واحداً بالذات يمكن الإشارة إليه بوضوح. نعم، أعتقد
ذلك.
فحدق إليه آرمسترونغ وقال: لست أفهم شيئاً.
-3-
صعدَت الآنسة برنت إلى غرفتها وأخذت كتابها وذهبت
لتجلس إلى جوار النافذة. فتحت الكتاب ثم وضعته جانباً بعد
قليل من التردد واتجهَت إلى طاولة الزينة، فأخرجت
من أحد أدراجها دفتر ملحوظات صغيراً مغلَّفاً بلون أسود.
ثم فتحت الدفتر وأخذت تكتب: وقع حادث فظيع،
الجنرال ماك آرثر مات ابن عمه متزوج بإيلسي ماكفرسون ،
مات مقتولاً دون شك. بعد الغداء ألقى علينا القاضي
كلمة في غاية الأهمية، وهو مقتنع بأن القاتل واحد منّا، وهذا
يعني أن واحداً منّا يتملكه شيطان. لقد خطر لي ذلك من قبل،
ولكن مَن تُراه يكون؟ إنهم جميعاً يسألون أنفسهم هذا
السؤال، وأنا الوحيدة التي تعرف.
جلست هناك لبعض الوقت دون حركة. أصبحت عيناها غامضتين
ورانت عليهما غشاوة، وأخذ القلم يتأرجح بين
أصابعها، ثم كتبت بأحرف مبعثرة مهتّزة: القاتلة هي بياتريس تايلور.
ثم أغلقت عينيها و... وفجأة انتفضت مستيقظة
ونظرت إلى الدفتر، وبدهشة غاضبة فشطبت الأحرف المهزوزة
للجملة الأخيرة وقالت بصوت منخفض:
هل أنا التي كتبت هذا؟ أنا؟! لا بدّ أنني في طريقي إلى الجنون.
-5-
اشتدّت العاصفة وتردد عويل الريح على جدران المنزل،
وكان الجميع في غرفة الجلوس، جلسوا مجتمعين والفتور
يخيّم عليهم، وخلسة كان بعضهم يراقب بعضاً.
ثم دخل روجرز حاملاً صينية الشاي فانتبهوا جميعاً، وسأل
روجرز: هل أُسدِل الستائر؟ هذا سوُف يضفي شيئاً من البهجة.
وإذ لاقى اقتراحه قَبولاً فقد أُسدلَت الستائر وأُنيرت الأضواء،
فبدت الغرفة أكثر بهجة وانحسرت بعض الظلال.
وكانوا يرون أن العاصفة ستنتهي في اليوم التالي وسيأتيهم
شخص ما بالنجدة أو يأتي القارب.
قالت فيرا كلايثورن: هلاَ صبيتِ الشاي يا آنسة برنت؟
فقالت المرأة الكبيرة: لا يا عزيزتي، قومي أنت بذلك؛
إن إبريق الشاي ثقيل جداً، وقد فقدتُ لفّتين من الصوف
الرماديّ الذي أشتغل به، وهذا أمر مزعج.
خطت فيرا إلى طاولة الشاي، وسرعان ما علا صوت
القرقعة المبهجة للأواني الخزفية وعادت الأجواء طبيعية،
فقال فيليب لومبارد بمرح: الشاي، بارك الله لنا بشاي
بعد الظهر اليوميّ المعتاد.
واستجاب له بلور، وروى الدكتور آرمسترونغ قصة طريفة،
أما القاضي وارغريف الذي كان يكره الشاي عادة فقد
أقبل يشربه باستحسان. في هذا الجو من الاسترخاء
دخل روجرز قِلقاً وقال بعصبية ودون أن يخاطب أحداً بعينه:
عفواً يا سيدي، ولكن هل يعرف أيّ منكم ماذا حدث
لستارة الحمام؟
فارتفع رأس لومبارد بحركة سريعة وقال:
ستارة الحمام! ماذا تعني يا روجرز؟
- لقد اختفت يا سيدي، اختفت تماماً. كنت أدور
حول البيت لأسدل الستائر فلم أجد ستارة الحمام في مكانها.
سأل القاضي وارغريف: هل كانت هناك هذا الصباح؟
- نعم يا سيدي، كانت موجودة.
قال بلور : وأيّ نوع من الستائر هي؟
- ستارة حمراء من النوع العازل للماء يتناسب
لونها مع لون بلاط الحمّام.
قال لومبارد: واختفت؟!
- نعم، اختفت يا سيدي.
نظر كل منهم إلى الىخر، وقال بلور بصوت رصين:
حسناً، أيّ أهمية لشيء كهذا؟ إنه تصرف مجنون،
ولكن كل شيء هنا مجنون. المسألة ليست مهمة على أية حال؛
فلا يمكن قتل أحد باستخدام ستارة عازلة للماء. لتنسّ
الموضوع.
فقال روجرز: حسناً يا سيدي. شكراً لك.
ومضى خارجاً مُغلِقاً الباب خلفه، ومن جديد حلّ شعور
بالخوف داخل الغرفة، ثم عاد بعضهم يراقب بعضاً خلسة.
-6-
جاء العشاء، وحين انتهوا من تناوله رُفعت الأطباق .
كانت وجبة بسيطة تكوّنَت في معظمها من الأطعمة المعلِّبة.
وبعد العشاء ساد غرفة الجلوس جوٌّ ثقيل متوتّر كان من
الصعب تحمّله، وعند الساعة التاسعة نهضت إميلي برنت
وقالت: سآوي إلى فراشي.
وقالت فيرا: وأنا أيضاً.
وصعدت المرأتان الدرجات إلى أعلى ورافقهما كل
من لومبارد وبلور، وعند رأس الدرَج وقف الرجلان يتابعان
المرأتين بعينيهما حتى دخلتا إلى غرفَتيهما وأغلقتا بابيَهما،
وسمعا مزلاجَين يتحركان خلف البابين وصوت
المفتاحين يتحركان في القفلَين، فقال بلور بابتسامة:
ليست بنا حاجة لتذكيرهما بإقفال الأبواب.
وقال لومبارد: حسناً ، إنهما بخير هذه الليلة على أية حال.
ثم نزل ثانية إلى غرفة الجلوس وخلفه زميله.
-7-
ذهب الرجال الأربعة إلى غرفهم بعد ساعة من ذلك،
وقد صعدوا جميعاً معاً. بقي روجرز في غرفة الطعام يهيّئ
الطاولة لطعام الإفطار. ورآهم وهم يصعدون إلى غرفهم
وسمعهم يتوقفون على قمة الدرّج في الأعلى، ثم جاء
صوت القاضي يقول: أظن أنه لا حاجة بي لتذكيركم بقفل
أبوابكم أيها السادة. قال بلور: وأكثر من ذلك،
علينا وضع مقعد خلف الباب، إذ توجد وسائل
لفتح الأقفال من الخارج.
غمغم لومبارد: مشكلتك أنك تعرف الكثير يا عزيزي بلور.
وقال القاضي بهدوء: تصبحون على خير أيها السادة،
ولنأمل أن نلتقي جميعاً في الصباح سالمين.
خرج روجرز من غرفة الطعام وصعد الدرَج إلى وسطه
فرأى أربعة أشخاص يعبرون أربعة أبواب، وسمع صوت
أربعة أقفال تدور وأربعة مزاليج تتحرك في مجاريها،
ثم أومأ برأسه وغمغم لنفسه: كل شيء على ما يرام.
وعاد إلى غرفة الطعام وهو يقول لنفسه: نعم،
كل شيء جاهز للصباح.
ثم تركّزت عيناه على تماثيل الخزف الصغيرة السبعة.
وفجأة افترّت شفتاه عن ابتسامة ماكرة وغمغم: لن أسمح
لأحد أن يقوم بألاعيب هذا المساء مهما كلّف الأمر.
واجتاز أرض الغرفة إلى الطرف المقابل فأغلق المطبخ،
ثم دخل من الباب الآخر إلى القاعة فأغلق الباب وأقفله
ووضع المفتاح في جيبه، ثم أطفأ الأنوار وأسرع صاعداً
الدرَج إلى غرفته الجديدة. كان فيها مكان واحد يصلح
للاختباء وهو الخزانة الطويلة، ففتّشها في الحال ثم أغلق الباب،
وأقفله وتهيّأ للنوم وقال لنفسه: لا مزيد من
الألاعيب في هذه الليلة، لقد تأكدتُ من ذلك بنفسي.

-

 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سَنتألم قليلاً ثُمّ نْنسى | psd ᶫᵉᵉᶰᵃ ملحقات الفوتوشوب 6 07-05-2014 07:15 AM
أسباب تسلط الذل على المسلمين oays tamim نور الإسلام - 0 01-10-2009 03:53 PM


الساعة الآن 03:30 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011