01-11-2019, 01:29 AM
|
|
.
. أخذتُ آخرَ مُلاءة من السلة و نفضتها مرتين قبل أن أُلقيها على حبل الغسيل إلى جانبِ غطاء الوسادة الممُاثل لها. رفعتُ بصري نحوَ المرجَ المنحدرَ أمامي تليه سلسلةٌ من الجبالِ الناتئةِ بقِمَمها الصخرية. إنه الصيف، الحرُ في أوجه و صريرُ الجنادبِ يملأ البستان المحيط بالبيت. هممتُ أرفعُ السلة الفارغة و أتجاوزَ خط الغسيل، عندما رأيتُ صبيًا يصعدُ التلة نحوي، لا أحدَ يظهرُ هُناك إلا و هو مُتجه إلى بيتي، فلا يسكُن قمّة الجبلِ غيري. بسطتُ كفي فوق عينيّ ألقي ظلا فوقهما علّي أتمكن من تمييزِ من يكون. أخذ الصبيّ بالاقتراب و ملامحه تجعلُ النبض في قلبي يشتّد و لم أصدّق حتى و هو ماثلٌ أمامي، لم يكد يصل إلي حتى خطوتُ نحوه، تركتُ ما بيدي و قرفصتُ أواكبُ قِصره. توقف تلقائيا أمامي. - هِيّي حييتُه بأول ما خطري ببالي و مددتُ راحة يدي له. فلم يتردّد في منحي كفّه الغضّة الصغيرة. تلمّستُ طراوتها و أنا أتأملُ وجهه، شعرهُ أسود، داكن و ناعم بحيثُ يسقطُ على جوانب رأسه بحرية، خداه مُحمران و أرنبةُ أنفه ضئيلة، شفتاهُ مكتنزتان صغيرتان و عيناهُ لوزيتان ذاتا نهايات حادة. كانت غرته مُلتصقةً بجبينه بسبب تعرّقه فمددتُ يدي الأخرى أرتّبها جانبًا مُظهرةً بشكل أوضح ملامحه الآسيويّة اللطيفة. سألته: - ما اسمُك؟ لم يُجبني، غالبا لم يفهمني و لم أسعى لانتزاع الكلام منه. لاعبتُ أصابعه الصغيرة بين يدي و راح يعبتُ هو الآخر بأصابعي، نزغته من جنبه فكركرَ رُغمَ عنه و هو يفسحُ عن ابتسامةٍ أظهرت سنّيه السُفليين المفقودين. أيُمكنُ أن يُصبحَ أكثر ظرافة من هذا! لوهلة شعرتُ أن صدغي سينهارُ من الابتسامة المُلتصقة بوجهي، إنه أشبه بحُلمٍ هذا الصبيّ. وقفتُ و لازلتُ أُمسكُ بيده و نظرتُ حولي مُتسائلة عن أهله، بحثي لم يطل عندما التقطت عيناي رجلا يقف عندَ المشتلة. يستحيلُ ألا أميّزه. و خانني الشعور، خاصة و أن الطفل لوّح له بموّدة ما جعل من الآخر يتقدّم صوبنا. بإمكاني تمييزُ صوته، نفسُ النغمة، نفس الوتيرة، نفسُ البحة العميقة، عندما قال، بينما لازلتُ أُحكمُ على كفّ الصغير: - فلنبدأ من جديد. .. إنه لمُرتشٍ بارع. _
|
__________________ ..
التعديل الأخير تم بواسطة SaRay ; 01-11-2019 الساعة 11:59 PM |