عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #36  
قديم 12-29-2015, 04:00 PM
oud
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]
بقيت على حالي أراقبهم واغني حتى شعرت بيد أمسكت

يدي وسحبتني معها للأمام وكان نواس وقال دون أن

يلتفت إلي " لما تراقبينها عن بعد اقتربي أكثر "

قلت وأنا أسرع خلفه " أترك يدي لا أريد

أن أذهب إليها "

تابع سيره وكأنه لا يسمعني فتأففت وقلت بضيق

" نواس أتركني وشأني "


**************************************

تجاهلته وحاولت معها مجددا وقربت لجامها

برفق وأنا أقول " ما بك يا الوسن لترحمني

إحداكما ولا تكونا كليكما ضدي "

حركت حوافرها وتراجعت فشددته أكثر وتأففت

وقلت بضيق " لا تغضبا كليكما هي كانت السبب

يا الوسن ما بك وكأن من برمجك عليها

من أين تعلمين بكل هذا "


*****************************************

نظرت لي وقالت بعينان دامعتان " هذا حالي

يا ملاك كلما رأيته خارجا من هناك حيث غرفتهما "

سقطت الدمعة الأولى من عينها وتابعت بأسى

" هذا حالي كلما سمعت اسمه من شفتيها

كلما تحدث معها ... كلما ذهب لها "


*******************************

قالت من فورها " أمممم هوا شاب بشعر أسود

وعينان سوداء طويل وعريض "

ثم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت " رجل خيول يدعى معاذ "

فقفزت حينها جالسا مستويا منزلا قدماي للأرض وأنا

أستمع لها تقول " أراه دائما ولا يراني ومنذ وقت طويل

حتى بث أسمع صوته كل ليلة من شيء يعرفه جيدا "

*************************************


صدق نواس حين قال أنها ليست من النوع

السيئ في التعامل مع البشر لكن كتمها لحسرتها

سيؤذيها وينقذ غيرها , تمنيت أن تحدث معها لكني

وعدت نواس أن لا أحتك بها فاجتزتها صاعدة

ليوقفني صوتها قائلة " مي "


******************************



قالت بأسى " نعم استوفي مني باقي ديونك يا ابن

خالتي لعلك ترحمني بعدها وتطلق سراحي "

فتح فمه ليتكلم فاقتربت منه وسددته له بيدي وأمسكت

بالأخرى ذراعه وقلت بهمس وأنا انظر لعينيه

" نواس حلفتك بالله أن تتوقف "



************************

لذت بالصمت ولم أتحدث فقالت بأسى " وسن هوني

عن نفسك قليلا وقولي لي ولو أكثر ما يتعبك هناك "

قلت بابتسامة مغصوبة " ما سأحكي لك يا فرح من ماذا "

قالت بحزن " هل الأوضاع سيئة لهذا الحد "

قلت بحسرة " للبارحة تشاجرنا حتى كان سيضربني

لولا زوجته أوقفته "




**************************

توجهت لغرفة راضية وطرقت عليها الباب كثيرا حتى

فتحت لي من نومها وقالت بقلق " وسن ما بك ماذا حدث "

قلت مباشرة " أين نواس هل هوا في غرفته "

قالت بعد تفكير " بعدما عاد عند العاشرة صعد للأعلى "

قلت مباشرة " نعم اعلم هل نزل بعدها وخرج أم لا "

قالت " نعم نادى على وليد بصوت مرتفع ويبدوا

غاضبا جدا وخرجا معا "

نظرت لها بضياع مطولا فقالت " وسن ماذا هناك

هل نواس به مكروه !! "

قلت " لا لكن تذكري هل عادا بعدها أم لا "

رفعت كتفيها وقالت " دخلت غرفتي عند الثانية

عشرة وكانا لم يعودا بعد "

إذا هم في الخارج منذ ساعتين وظنوني صدقت وهذا

ما سيفعله







**************************

ابتعدت عن السيارة لأغادر فركض أحد العمال نحوي

قائلا " سيد نواس إسطبل الوسن مفتوح "

فأخذت البندقية منه وركضت دون شعور


*********************

ضحك حينها فراس بصوت عالي فقلت ببرود

" نعم اضحك .... حمدا لله أني رأيت لك أسنانا "

أمال رأسه جهتي وهمس " ستري إن لم أقص

لك هذا اللسان يا رُدين "



**********************


قلت باستياء " لم أعد أريد هذا قلت لك "

وقف وقال بحدة " رُديييين "

سكت كل من حولنا ينظرون لنا فتأفف وواصل

السير يسحبني كالنعجة , غريب أين كانت عصبيته

كل ذاك الوقت , ومن الآن سأجهز نفسي لحدته حتى

نعود للمنزل لكني لن أنساها له أبدا أنا يشك بي ويقولها

هكذا علانية



*************************



بحث في ترددات

القنوات حتى تبث على إذاعة للقرآن الكريم ورفع

الصوت حتى ظننته سيخترق رأسي من أذناي وأنا

أتابع حركة يده من البداية وبصدمة وأحاول أن لا

أترجم معنى هذا أنه لا يريد أن نتحدث معا أو أن

ينهي الحوار من بدايته

*********************


قالت بصدمة " كيف هذا فقط ! ما رأيه هوا وما

مشاعره نحوك وما قال لك "

هززت رأسي مجددا وقلت " لم يقل شيئا ولا أعلم

شيئا , هوا بعد ترك خطيبته له منذ سنوات لم يعد يفكر

في شيء سوا عملية والدته ويرى أيضا أني صغيرة

على الزواج من أي أحد "

تنفست بقوة وقالت " أي حفرة هذه التي أوقعت

نفسك بها يا سما "



**********************


نظرت للجانب الآخر ولم أعلق فقال بضيق " نزار للمرة

المئة أسألك لماذا تريد أن تخرج الفتاة من منزلك "

لم أعلق ولم أتحرك فقال مغادرا " إن فعلت ما في

رأسك وتضررت الفتاة أنا من لن يرحمك

قبل أهلها يا نزار "


******************************


التفتت لي وقالت بغضب أراه أول مرة " توقف عن

قول هذا يا نزار سحقا لك سحقا , أنا لا أريد أحدا لا هوا

ولا غيره ولا يريدني ولا يفكر بي أكرهه تفهم أكرهه "

*******************************


مررت أصابعي في شعري أنظر للأرض ثم قلت بانكسار

" أفهميها أن تنتظرني إذا ولكن دون أن تخبريها "

قالت مباشرة " لا "

رفعت رأسي ونظرت لها فتابعت باستياء " لن أقول حرفا

وقله لها وحدك فأنا لن أعلقها بالآمال الكاذبة لتأتي أنت فيما

بعد وتقول أنك تحب أخرى وتريد أن تتزوجها فأنت لا

يعجبك إلا شبيهات رهام "


***********************************

نظرت له وقلت بضيق " أنت تعالى هنا كيف تكذب عليا

أنت وجوجو خاصتك كل تلك الأكاذيب وفي .... "

قاطعني فراس بصرامة " ردين أغلقي الموضوع كم مرة سأقولها "

تجاهلته ونظرت جهة أشرف الذي جلس على إحدى

الأرائك وقلت " هي تعمل مع فراس إذا يا كاذبان "


********************************

فتحت الرسائل وأرسلت رسالة لبتول كتب فيها

( ما أن تري رسالتي أرسلي لي رقم جابر )


************************

جلست على كرسي طاولة التزيين وبدأت

بتجفيف شعري حين سمعت صوته قائلا

" هل أنهت زهور شراء كل شيء "

زدت من قوة المجفف ليزداد صوت ضجيجه وكأني

لم أسمع فأقترب مني واستل خيطه من الكهرباء ورماه

أرضا وقال بضيق " هل لي أن أعلم سبب كل هذه

التصرفات يا أرجوان "


********************************

فدفعت صدره بيدي قليلا بحيث يشعر

بها ولا تحركه وقلت بأسى " أتعلم أكثر ما

بات يؤلم قلبي يا جابر "

توقف فجأة عما كان يفعل فتابعت بذات

الأسى " أن حضنك أصبح يجرحني كثيرا "

********************

مددتها له وقلت

" أمجد أعطي هذه لمعتصم فور ذهابي "

لاحظت أنه ينظر لي باستغراب ثم حول نظره جهة

الخزانة خلفي وأشار لي بإصبعه هناك فالتفت بريبة

لأشهق بصدمة حين وجدت معتصم واقفا عند الخزانة

مستند عليها مكتفا يداه لصدره ومن غبائي واستعجالي

وخوفي لم أره حين دخلت ، ابتسم ابتسامة جانبية

وقال بمكر " ولما لا تعطيها لي بنفسك "

رميتها على السرير وركضت مغادرة جهة الباب

رغم أني أعلم أن الفرار منه مستحيل


*************************************

رفع إحداها بعدما بحث عنها وقال " لدينا هنا وسن أحمد

عامر , العمر واحد وعشرون سنة طالبة في جامعة العاصمة

للعلوم قسم أحياء , تعيش حاليا مع ابن خالتها واسمه نواس خالد

شاهين تاجر خيول متزوج وليس لديه أبناء , الفتاة لديها شقة

والدها ومحل لبيع البن والتوابل أغلق منذ وفاته هوا وشقيقها

كانت خطيبة لخالد الصقار لعشرة شهور بعدها فسخت الخطبة

منه وقبلها كانت على وشك زواج بابن خالتها المدعو نواس "

حركت جبيني بأصابعي وتنهدت بقوة فنظر لي وقال

" تبدوا اليوم بنفسية سيئة للغاية هل أقول لك كم

مرة تأففت منذ دخلت عليك "


******************************

هز رأسه وقال " وأنا من ضن أن لك عقلا كبيرا

وجئت أتناقش معك وهذا ليس طبعي "

قلت بحدة " توقف عن جرحي واهانتي يا جابر واعلم

أني لم أطلب منك مناقشتي وتوضيح منظورك

ونظريتك التي لن أعترف بها حياتي "


********************************

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت وأنا انزلها عند غرفة

قلعتهم المفتوحة " يبدوا ذلك أو أن والدتك لا يعجبها الصدق "

نظرت لي للأعلى وقالت " لنعتذر منها معا

لأنها لم تقبل اعتذاري "


*****************************

اقترب وأمسك يدي وقال " اعذريني يا زهور

لم يطاوعني قلبي لأتغيب كزواجك السابق فما أن

خرجت من الوزارة حتى كنت هنا "

امتلأت عيناي بالدموع وهما معلقتان بملامحه وقلت

" وما جعلك تأتي بعدما اعتذرت مني "

أمال ابتسامته وقال بصوت منخفض " زوجة شقيقك المصون

تشاجرنا بسبب هذا الأمر وقالت هل الوزير أهم عندك من شقيقتك

وعندما صرت هناك قارنت مشاعري وعلمت أنك أهم عندي

منه فغادرت سريعا وأدركتكم "

قلت بذات الهمس " زواجك بها يا جابر كان أفضل خطوة قمت بها "


************************

شعرت بكل جسدي قد ارتجف من الفكرة ومن ذكرى الماضي

فدفعته عني وابتعدت وقلت بحدة " ابتعد عني لا تلمسني "

قال بهدوء وخطواته تقترب " حسنا لن ألمسك يا زهور

لا تخافي أعلم أن الأمر ليس سهلا عليك "

قلت بصراخ غاضب وأنا أتراجع " ابتعد يا رضا قلت لك "


********************************

بدأت بغرف الماء بيدي وسكبه على شعرها

وأنا أقول بغيض " تضحكين إذا ولم يعجبك أن أضحك عليك "

كنت أسكب عليها الماء بالتوالي وهي تضحك وتحاول دفعي

بوهن قائلة " توقف معتصم أرجوك لم أعد استطيع "


*****************************

جلست وقلت بحدة " وما قصدك أنت حين تركتني ونمت بعيدا

ثم الآن تخبرني أنه لا مكان لي معك على ذات السرير الذي

تنام فيه , هل وحدي التي أهينك وأنت لا "

قال ببرود " أخفضي صوتك أريد أن أنام "

رميت اللحاف عني وقلت باستياء وأنا أغادر السرير

" أقسم أنه أنت الذي أصبح لا يطاق "


انتهى أتمنى تكون نالت إعجابكم
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 12-29-2015, 04:02 PM
oud
 



[align=center][tabletext="width:70%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]


الفصل الرابع والعشرون

كان تنفسي يعلو شيئا فشيئا وأنا أركز على عيناها الواسعة

وأرى صورتي فيهما , هل الخيول لا ترمش أم أن هذه الفرس

تنظر لي بدون أن تحرك رموشها ! بعد قليل أنزلت رأسها

للأسفل وكأنها ستأخذ شيئا من الأرض ثم رفعته ونظرت لي

مجددا وكررت الحركة مرة أخرى وأنزلته قليلا ثم رفعته

وعادت تنظر لي وقوة ما جعلتني أقترب منها بخطواتي

يبدوا هدوئها أو نظراتها المركزة على عيناي أو لا اعلم

لما , لم يسبق وتعاملت مع أي حيوان أليف واقتربت منه

وأنا خائفة منها حقا لكن شيء ما يشدني للاقتراب وما أن

وصلت عندها حتى قربت مقدمة رأسها من صدري فعدت

للخلف بشهقة وفزع وقلبي ينبض بشدة من الخوف لتحرك

رأسها يمينا ويسارا ويصدر منها صوت صهيل خفيف لمرة

واحدة فقط وعادت لهدوئها وللنظر إلي فجربت الاقتراب

ثانيتا هذه المرة وأنا أتوقع اقترابها وليس كالمرة الأولى

وما أن صرت عندها حتى عادت خطوة للخلف وكأنها

خشيت أن أخاف منها مجددا , فبقيت أنظر لها بحيرة فغريب

أمر هذه الفرس !! مددت يدي لها وكأني أقول لها تعالي

وهي على حالها تنظر لي بهدوء فهمست لها بصوت

مرتفع قليلا " لن أخاف منك هذه المرة "

وبالفعل اقتربت مني ووضعت فمها في يدي , كنت خائفة

حد الجنون لكني تماسكت كي لا تجفل مجددا , أحسست بلسانها

على يدي فضحكت وأبعدتها ولمست بها جانب وجهها لتفاجئني

بحركتها بالأمس مع نواس لتدس رأسها في حضني ولم أشعر

بنفسي إلا وأنا أحضن رأسها بيداي الاثنتين لا أعلم إن كان

هذا الشعور ينتاب الجميع لكني شعرت الآن أني أحضن شخصا

يعرفني ويفهمني , قد أكون رئيت فيها حضن نواس الذي تتمتع

هي به أو لأنها تحمل نفس اسمي , مسحت على وجهها واتكأت

عليه بخدي وجانب وجهي وهمست بحزن " الوسن "

لتنزل الدموع التي أسجنها طوال الساعات الماضية منذ

تشاجرت معه وكأني انتظر أن يحضنني أحدهم لأعطيها

الصراح , وكأني أحضن خالتي أو فرح فوحدهما من كنت

أبكي وأتحدث في حضنهما , تمسكت بها بقوة وقلت من بين

دموعي " لما يعاملني هكذا يا الوسن لما لا أنساه وأكرهه "

خرج منها نفس كالزفير فأبعدت وجهي ونظرت لها

وابتسمت بحزن ثم مسحت دموعي وقبلتها بين عينيها ولا

أصدق أنني أول مرة أقترب من حيوان وبهذا الحجم

عادت تنظر لي بتركيز فمسحت بيدي على وجهها

وقلت بابتسامة حزينة " هل تعلمي متى قتلني نواس "

نزلت دمعتي واتكأت على وجهها مجددا وقلت بأسى

" حين تزوج بغيري وتركني "

ثم حضنت عنقها بذراعاي وتابعت بعبرة

" والآن جلبني لأعيش معها "

دست رأسها في صدري أكثر فمسحت على شعرها

وقلت " هل توافقي أن تكوني صديقتي يا الوسن "

رفعت رأسها تستنشق عنقي فابتعدت قليلا وقلت بضحكة

" وأتمنى أن لا تموتي أو تسافري أو يأتي والدك ليزوجك

ويرحل بك كما حدث مع جميع من أحب "

مسحت بعدها على غرتها وقلت مبتسمة

" عليا الذهاب الآن وسأراك غدا حسنا "

ثم ابتعدت حتى وصلت الباب والتفت لها فكانت تنظر

لي فلوحت لها بيدي مبتسمة وخرجت وعدت أدراجي

للمنزل وأسرعت حين سمعت حديثا لأشخاص يمشون

ودخلت المنزل وصعدت لغرفتي ونمت أشعر ببعض

الراحة بعدما أفرغت شيئا مما أكبته في صدري وعند

الصباح جهزت نفسي قبل الوقت ونزلت للمطبخ

ووجدت الخادمة هناك فقلت وأنا أجلس على

الطاولة " صباح الخير يا راضية "

التفتت لي وقالت مبتسمة " صباح النور "

قلت وأنا ألعب بساقاي في الهواء " رأيت صديق

نواس خرج فنزلت , لقد تعبت من الوحدة "

وضعت طبقا على الطاولة وقالت " معك حق

فأنتي مسجونة هنا لكن وليد غير موجود أغلب

النهار فيمكنك التحرك بحرية "

قلت " هل وحده صديق لنواس "

قالت وهي تغسل كأسا " لنواس أصدقاء كثر

لكن المقربين منه وليد ومعاذ ومعتصم "

قلت من فوري " رأيت أحدهم رابطا يده ماذا به "

وضعت الكأس على الطاولة وقالت " ذاك معاذ لن

يرتاح حتى تنقطع عنقه من قيادته المجنونة للسيارة "

أمسكت منها طبق الخبز ووضعته وقلت

" ولا يعيش هنا "

هزت رأسها بلا وقالت " لديه منزله ووالدته لكنه

يبقى كثيرا في شقة هوا ومعتصم في العاصمة "

لن أستطيع إخراج المعلومات منها بهذه الطريقة

وستشك بي في النهاية وعلينا أن نجد حلا آخر وسأتناقش

مع ملاك أولا , قلت ونظري على قدماي " ألا يمكننا

الخروج أبدا حيث الخيل وباقي المزرعة كيف

تعيشون في هذا السجن "

قالت بصوت مبتسم " العمال وأصدقاء نواس هنا

دائما ولا إجازة لعمال الإسطبلات ولم يفكر

أحد بالخروج "

ثم أكملتْ وضع الأطباق والعصير ولا أفهم لمن

وظننته لي حتى دخل نواس قائلا ببرود " صباح الخير "

أجابته راضية وقفزت أنا من على الطاولة وخرجت

من فوري من هناك , لو كنت أعلم أنه له ما بقيت

وما به وكأني أنا من أخطأ في حقه وليس هوا

قالت راضية قبل أن أبتعد " وسن ألن

تتناولي إفطارك قبل أن تذهبي "

أخذت مذكراتي ومعطفي من على الأريكة وقلت

مارة من جهة باب المطبخ " سوف آكل في الجامعة "

خرجت واتصلت بالسائق فأجاب بعد وقت فقلت

مباشرة " تعال لتأخذني للجامعة "

قال من فوره " ما يزال أمامك أكثر من

ساعة أنا في الخارج "

قلت بضيق " لما تحسب لي وقتي لا علاقة لك

بي أنا أريد أن أذهب الآن "

قال ببرود " حسنا أنتهي مما أنا فيه و آتيك "

تأففت وأغلقت الهاتف , لا أعلم أي جرأة هذه التي لديه

دائما يتدخل بأوقات خروجي وعودتي ويحفظ جدول

محاضراتي أكثر مني , إن كان ممنوع عني أن أتأخر

بعد المحاضرات فلا حل أمامي سوا الذهاب مبكرا

وقفت مستندة بالجدار الجانبي لمظلة الباب أنظر

لساعتي وأتأفف كل حين حتى لاحظت من بعيد

الشاحنة الكبيرة التي تحمل حصانان تتوجه جانبا

فسرت معها حتى وقفت وصرت أراقبهم من بعيد وهم

ينزلونهم , كان صديق نواس الذي يعيش هنا ومعه

عاملان يحاولان إنزالهما برفق وأنا أحرك قدمي

وأراقبهم وأتمتم بأغنية عن الخيول كنت أحبها وأنا

صغيرة ومستمتعة بمراقبتهم ولم أتخيل يوما أن الملل

سيصل بي درجة أن أستمتع بمشهد كهذا وكأني طفلة

بقيت على حالي أراقبهم واغني حتى شعرت بيد أمسكت

يدي وسحبتني معها للأمام وكان نواس وقال دون أن

يلتفت إلي " لما تراقبينها عن بعد اقتربي أكثر "

قلت وأنا أسرع خلفه " أترك يدي لا أريد

أن أذهب إليها "

تابع سيره وكأنه لا يسمعني فتأففت وقلت بضيق

" نواس أتركني وشأني "

ولم يزد إلا سرعة ولم يأبه لي فقلت بحدة

" لا أريد أن أذهب معك ولا أن أرى خيولك فاتركني "

نظر جانبا وقال " نعم أتركوهم يدخلونهم الآن أنا

هنا والشاحنة الأولى وصلت "

لأرى حينها سماعة الأذن في أذنيه لأكتشف أنه كان

يتحدث بالهاتف ولا يسمع مما قلت شيئا ووقفنا حينها

عند الخيول التي أنزلوها واقترب منه صديقه وأزال له

إحدى سماعتي الأذن وقال " سأذهب للإسطبلات بما أنك أتيت "

ثم أعاد له السماعة وغادر من فوره ونظرت ليدي التي

لا تزال في يده وحاولت سحبها منه ولم أستطع فنظرت له

وهوا ينظر للخيول ويقول " سأتحدث مع معاذ ونرى

أين وصل معه الأمر أنتم فقط افعلوا كما اتفقنا

وسنبيعهم اليوم أو غدا كحد أقصى "

استللت السماعة منه بقوة وقلت بضيق

" أترك يدي أريد أن أذهب لجامعتي "

نظر حينها ليده الممسكة ليدي ثم تركها وأعاد السماعة

لأذنه وغادر دون أن ينظر إلي وتركني واقفة مكاني

نظرت له حتى وصل حيث الشاحنة الأخرى مقتربة منه

ثم عدت بنظري للحصان أمامي واقتربت بخطواتي منه

ومددت يدي لألمس وجهه فجفل وصهل وعدت للخلف

مرعوبة منه وقام العامل بإمساكه من لجامه وإبعاده فشتمته

وأخرجت له لساني وغادرت , ظننته له ذوق كتلك البيضاء

الجميلة التي جعلتني أعتقد أن كل الخيول مثلها ولم أتصور

أنها هي الحالة الشاذة , وصلت عند باب المنزل وكان

السائق ينتظرني فركبت من فوري وغادرنا المزرعة


*

*

دخلت سيارة معاذ بعد الشاحنة فورا ونزل واقترب

قائلا " جيد وصلوا على الموعد "

قلت وأنا أنظر خلفه حيث سيارة السائق مغادرة

" نعم والمشتري جاهز ونريد أن نحصل

فيها على سعر جيد "

ثم تركته وتوجهت حيث العاملان وكان أحدهما

يهدأ الحصان فوقفت عندهم وقلت " ما به "

قال وهوا يشد اللجام " جمح من الفتاة حين اقتربت منه "

أمسكت منه اللجام وقلت " هذه الخيول ليست مروضة

طبيعي أن تتصرف هكذا مع الغرباء ، لكن لا تمنعوها

من الاقتراب من الخيول المروضة متى أرادت ذلك

وكونوا حذرين من أن تؤذيها "

نظرا لبعضهما وضحكا فنظرت لهما باستغراب

فقال أحدهما ضاحكا " لا أعتقد أنها ستكررها

لأنها شتمتها وغادرت مستاءة "

ابتسمت ابتسامة صغيرة ثم نظرت جانبا وبتركيز لساحة

الخيول وقلت باستغراب " لما لم تخرجوا الوسن "

رفع أحدهما كتفيه وقال " تركوا وليد يحاول معها لأنها

رفضت الخروج والتحرك من مكانها "

حركت لجامه للأسفل ببطء حتى هدأ وأعطيته له

وغادرت جهة الإسطبلات ، غريب كيف ترفض

الخروج هل هناك خيل لا تحب ذلك إلا إن كانت خائفة

من شيء ما في الخارج ، توجهت جهة إسطبلها تحديدا

وما أن اقتربت من الباب حتى سمعت وليد يقول بضيق

" تحركي يا الوسن ما بك اليوم مُتعبة هكذا "

دخلت قائلا " ما بها "

نظر لي وقال " تعال قد تكون تنتظرك أنت "

اقتربت منهما قائلا " العمال يخرجونها

دائما فما تغير اليوم "

وما أن اقتربت منها حتى أبعدت وجهها وأعرضت

عني فضحك وليد وقال " تبدوا غاضبة منك

لهذا ترفض الخروج "

أمسكت منه حبل اللجام وقلت ببرود " هذا حيوان

وليس بشرا ما هذا غاضبة وغاضبة "

حاولت معها كثير وهي تبتعد للخلف وتبعد وجهها

كلما حاولت لمسه ، أخرجت لها حبوب السكر ولم

تكترث لها فضحك وليد وقال مغادرا

" أتركها وستخرج وحدها حين تتعب من الوحدة "

تجاهلتها وحاولت معها مجددا وقربت لجامها

برفق وأنا أقول " ما بك يا الوسن لترحمني

إحداكما ولا تكونا كليكما ضدي "

حركت حوافرها وتراجعت فشددته أكثر وتأففت

وقلت بضيق " لا تغضبا كليكما هي كانت السبب

يا الوسن ما بك وكأن من برمجك عليها

من أين تعلمين بكل هذا "

وبعد جهد كبير تمكنت من إخراجها وما أن وصلت

بها للساحة حتى انطلقت مسرعة ومبتعدة عني على

غير عادتها فوقفت واضعا يداي وسط جسدي أنظر

جهتها وقفز معاد داخل الساحة ووضع يده على

كتفي وقال ضاحكا " ما بها معشوقتك اليوم "

قلت بضيق " هذا كله بسبب حسدكم "

ضحك وضرب لي كتفي وقال مغادرا

" الصفدي سيصل بعد نصف ساعة , وضعنا

الخيول في شاحناتك الخاصة فقايضه كما اتفقنا والمهندس

سيكون هنا مقربة الظهيرة ليأخذ مساحات المكان "

رن حينها هاتفي فأخرجته وكان جواد فأجبت عليه

وقلت من فوري " ما حركات الصبيان هذه

لما لا تجيب ولا تتصل "

قال من فوره " هل أخذتها لمزرعتك "

قلت ببرود " نعم "

قال " تزوجتها "

قلت ونظري يتابع الوسن " ليس بعد "

قال بضيق " ومتى إذا ، أصبحت أوافق

فرح على أنك لا تحبها "

قلت بضيق أكبر " ذاك شيء وهذا شيء

يا جواد لما لا تفهمني "

قال ببرود " افهم نفسك أولا ليفهمك غيرك "

نظرت للأرض ومررت أصابعي في شعري وقلت

بهمس وأسى " لما لا تضع نفسك مرة في مكاني "

تنهد وقال بهدوء " أفهمك يا نواس وأفهم أنك مجروح

منها وأنكما في شجار مستمر وتعاملك معاملة سيئة

منذ تزوجت لكنها مجروحة مثلك وزد عليها

أنك أخذتها حيث زوجتك "

ابتسمت بسخرية ولم أعلق ، لو تعلم يا جواد أن

مي تخاف على مشاعرها أكثر حتى مني وهي التي

تثور وتغضب ولا يهمها أحد ، وصلني صوته قائلا

" اسمع يا نواس أنا أخبرت فرح على ما ستقدم عليه "

قلت بصدمة " ماذا تعني !! "

تنفس بقوة وقال " أنت تعلم جنون فرح بشقيقتها

وكادت تأكلني لأني ألغيت زواجها بسليمان فأخبرتها

أنك تريد الزواج بها ولا شيء غيره ولا تخف

لن تعلم منها بشيء "

تنفست بضيق ولذت بالصمت فقال " ما كان أمامي

من حل غيره لأنها سجنت نفسها وأضربت عن

الطعام والشراب وكادت تضر نفسها وجنينها

فأخبرتها عن سبب فعلي لذلك "

هززت رأسي بيأس وقلت " لن ترتاح حتى

تخبرها وسوف تسبب لي وسن مشكلة هنا

لأنها لم تعد تطيقني في أي أرض "

تنهد وقال " لا أعلم أين ستصلان بهذا ولا تقلق

من هذه الناحية فهي لن تخبرها "

ثم تابع " وزوجتك عليها أن تكون على علم

وجد حلا لعيشهما معا فأنت في النهاية زوجها

ولن ترضى أن تشاركها أخرى فيك "

ابتسمت بسخرية وقلت " لا تقلق من هذه الناحية فإن

لم تفجر لنا ابنة خالتك المنزل حينها فلن يفعلها أحد "

ضحك وقال " سحقا للحب أقسم أنه مهلكة البشر فما

أن تخاصمني فرح حتى ينقلب مزاجي ويتوتر

كل يومي ولا أكون قويا إلا أمامها وكله تمثيل "

ابتسمت بألم ورفعت نظري للسماء ، لا تخبرني

عما أعرفه كاسمي يا جواد وأقسم لولا الكبرياء

والجرح والحياء لضممتها لصدري وأنا أراها

تبعثر مذكراتها وأوراقها لتثبت لي أنها لم تكن خارج

الجامعة رغم أنه لن يجبرها أحد على تبرئة نفسها وكل

ما كنت أفكر فيه حينها أنها أمامي حية وسليمة وقسوت

عليها فقط كي لا تعيدها وتفقدني عقلي ، وأقسم لولا ذاك

كله لكنت حملتها بين ذراعاي وسرت بها جهة الخيول

حين رأيتها تنظر لهم وتغني كالأطفال , أخرجني

من أفكاري صوته قائلا " نواس هل أنت معي "

عدت بنظري للأسفل وقلت " نعم وعليا إنهاء الاتصال

الآن لأن ثمة تاجر في طريقه إلى هنا وسأتصل

بك فيما بعد فثمة ما علينا التحدث فيه "

قال من فوره " وداعا إذا ولا أوصيك على

وسن لأن شقيقتها ستقتلني إن تأذت عندك "

قلت بابتسامة ساخرة " لا أعلم من منا أنا وأنت أسوء

حضا من الآخر فمالنا وعائلتهم منذ البداية "

ضحك وقال " متورطان ولا مفر فحتى أنت

ستتزوجها رغم أنفك وأنفها ، وداعا الآن "

*

*
أمسكت يدها وقلت برجاء " وسن ما بك ارحميني

وقوليه , قلت مئة اسم وكلها غير صحيحة "

قالت بنصف عين " مئة يا كاذبة وأنتي لم تصلي للعشرة "

قلت برجاء مكسور " أرحمي حالي لا بارك الله

في الظروف التي جعلت مصيري بين يديك "

ضحكت وقالت " معاذ "

قلت بضيق " أعرف أن كلامي معاد فما سأفعل لك "

ضحكت كثيرا ثم قالت " معاذ يا غبية هوا اسمه "

أمسكت يداها وقلت بسعادة " حقا ما هذا

الاسم الرائع لا أجمل منه إلا اسمه يا بشر "

قالت بضحكة " صدق من قال أن مرآة

الحب عمياء "

ضربتها بخفة وقلت بضيق " بل أنتي العمياء

ولا يعجبك سوا نواسك ذاك "

أشاحت بنظرها عني وخيم الحزن على ملامحها

فعضضت شفتي مستاءة من نفسي ، كانت تضحك

للتو وأنا الحمقاء قلبت حالها ، أمسكت يدها

وقلت بهدوء " آسفة وسن لم أقصد أن أحزنك "

قالت ببحة تقاوم دموعها " لا عليك يا ملاك "

تنهدت وقلت بحزن " يبدوا حدث شيء جديد بينكما "

عليا أن أستدرجها لتتكلم فلا طريقة غيرها لترحم

نفسها من هذا الكتمان ، قالت بعد صمت

" هل تعرفي معني أن تموتي مئة مرة "

ثم نظرت لي وقالت بعينان دامعتان " هذا حالي

يا ملاك كلما رأيته خارجا من هناك حيث غرفتهما "

سقطت الدمعة الأولى من عينها وتابعت بأسى

" هذا حالي كلما سمعت اسمه من شفتيها

كلما تحدث معها ... كلما ذهب لها "

ثم أشارت لنفسها بإصبعها وقالت بحرقة

" كلما تخيلت فقط أنها تنام في حضنه وأنا أنام مع

وحدتي وأوجاعي وفي ذات المنزل تخيلي ذلك فقط

فأي حال هذا الذي سأحكي لك عنه "

أمسكت كلتا يديها وقلت بدمعة محبوسة

" يكفي توقفي يا وسن , آسفة لن أذكر اسمه

ثانيتا فقط توقفي عن قول هذا "

مسحت دموعها ووقفت فوقفت معها وقلت

" لنعد لموضوعنا وأخبريني ماذا علمت عنه أيضا "

رفعت مذكراتها وحقيبتها من الأرض وقالت " لا شيء

مهم يعيش مع والدته ولديه شقة يسكن فيها وصديق

لهم اسمه معتصم أعتقد قالت في العاصمة "

ثم سارت فحملت مذكراتي وسرت بجانبها

وقلت " مشكلة ... عليا أن أعلم المزيد "

وقفت وقابلتني وقالت " لا حل سوا أن نخبر راضية

بالأمر لتساعدنا فهي تعرفهم جيدا ويعاملونها

وكأنها شقيقتهم وستحظر لنا كل ما نريد "

قضمت ضفر سبابتي وقلت بحيرة

" ماذا إن أوشت بنا "

هزت رأسها بلا وقالت " طلبت منها سابقا أن لا تخبر نواس أني

لم أذهب للجامعة ففعلت فإن طلبنا الآن منها هذا فلن تخبر أحدا "

قلت بحماس " إذا اتفقنا واليوم سأبدأ أولى جولاتي باسمه فقط "

رن حينها هاتفها فنظرت له وغادرت قائلة

" هذا السائق وصل نلتقي غدا "

لوحت لها بيدي قائلة " وداعا ولا تنسي جلب المادة "

نظرت لساعتي , اقترب وقت العصر ولم يبقى عليه سوا دقائق

وعليا المغادرة أيضا , وما أن تحركت خطوتين حتى سمعت

أحدهم يناديني فالتفت فإذا به ذاك الشاب فقلت ببرود

" أنت كيف تدخل إلى هنا ولست طالبا عندنا "

قال بابتسامة " ببطاقتي في جامعتي وأقول أني

أريد بعض المراجع من المكتبة "

تنهدت وقلت " اتصلت بي والدتي وأخبرتني عما

تريد التحدث فيه وأنا أحررك من هذا العبء "

نظر للأسفل وقال بهدوء " حقيقتا وأنا من أجل هذا

جئت , أنا أقدر ما تمرين به لكني بلا راتب ولا منزل

لو فقط ينتظرون قليلا حتى يكون لي منزل مستقل بدلا

من العيش معهم في ذاك المنزل الضيق المليء بالأبناء "

ثم رفع رأسه ونظر لي وقال " أنا لا أمانع أن أتزوج

بك لكن ظروفي الآن لا تساعدني فأقنعيهم

بتأجيل الموضوع قليلا فقط "

قلت بابتسامة أسى " بل أحللك مني ومن الزواج بي

أنت ما تزال في أول عمرك ومن حقك أن تبني نفسك

أولا ولا تخف فقد سبق وبلّغت والدتي رفضي "

ثم غادرت فورا ولم أكترث حتى لمناداته لي وخرجت

من الجامعة من فوري , حمدا لله أني لم ابني أمالا عليه

وعلى أنه سينقذني من واقعي , سلكت الطريق الآخر

حيث المحطة وركبت إحدى الحافلات لتقلني وجلست

أنظر للنافذة بحزن , حاله ليس أفضل مني ومعه حق

كيف سيعيش بي معهم في ذاك المنزل الضيق وأبنائهم

كثر أين سيعيش أبنائنا أيضا بل كيف سنعيش معهم وحتى

الحمام مشترك , تنهدت بضيق وأبعدت عن رأسي كل

تلك الأفكار وحضنت مذكراتي وحقيبتي وأنا أفكر في

معاذ لم أتخيل يوما أن أراه وأعرف اسمه , سأقدم له

هدية جميلة الليلة , ضحكت وحضنت أشيائي أكثر

ثم نظرت للشاب في الكرسي الآخر وكان ينظر لي

باستغراب فحركت له رأسي بمعنى ما تريد فأبعد نظره

وشغله بنافذته ووقفت حينها الحافلة في المحطة فنزلت

منها وتوجهت للمنزل فلم يعد يبعد كثيرا , وصلت وفتحت

الباب ودخلت ووجدت سفيان يقفز على الأريكة كعادته

فقلت بعد ضحكة " لن تأتي بها من الخارج

كوالدك مثل السعدان "

ثم توجهت للمطبخ مددت رأسي وقلت

مبتسمة " ما الغداء اليوم "

التفتت لي إيمان وقالت بابتسامة " وجبتك المفضلة "

قلت مغادرة " يا سلام يا إيمان عيبك الوحيد أنك

تزوجتِ من خالي وأنجبتِ هذا القرد "

دخلت بعدها لغرفتي وأغلقت الباب ورميت

المذكرات والحقيبة ودخلت الحمام استحممت

وغيرت ثيابي ثم خرجت للمطبخ مباشرة وكان

الطعام ساخنا وجاهزا فجلست وتناولته لآخر لقمة

وعدت لغرفتي وما أن صليت المغرب حتى وقت

برنامجي الذي انتظره بالدقيقة , سأتصل منذ البداية

وإن صدقت توقعاتي فإنه بعد مكالمتي لن يتصل ليدّعي

أنه لم يستمع للحلقة أو لكي أتوهم أنا هذا

*

*

جلست على الأريكة واضعا ساق على الأخرى فوق

الطاولة أمامها وركبت سماعات الأذن فمر معتصم

بيني وبين الطاولة وأسقطهما للأرض قائلا بضيق

" كم مرة قلت لك لا تفعل هذه الحركة "

شغلت الإذاعة وقلت ضاحكا " وتقول أنك تكره

نظام والدتك ! أقسم أنه يسري في عروقكم "

جلس ورشف من كوب الشاي في يده ثم قال ببرود

" دعك في برنامجك ولا تكررها قلت لك "

ضحكت واكتفيت بالصمت أستمع للبرنامج فمنذ مراهقتي

لدي إدمان على الاتصال بالبرامج حتى أني كنت أتصل

بالمسابقات التلفزيونية , لا وحتى أيام الأعياد الوطنية

ولو لأهنئ رئيس البلاد , استمعت للمقدمة من المذيع

وعنوان الحلقة وكان عن شخص التقيت به في حياتك

ولم تنساه أبدا واليوم قدموا موعد الحلقة لوقت المغرب

بسبب ضغط العمل على برامج العيد الوطني القريب

راقبت معتصم وهوا يتوجه لباب الشقة مغادرا فأعدت

قدماي على الطاولة على صوت المذيع قائلا " الاتصال

الأول معنا لملاك الليل وأخير سمعنا صوتها بعد

غياب فما هذه الليلة السعيدة "

اتكأت على ذراعي وابتسمتُ على صوتها قائلة بعد

ضحكة صغيرة " يبدوا أني أختبر إن كنتم ستفتقدون

وجودي , مساء الخير صفوان وكل متابعيك

كنت خارج البلاد لظروف عائلية ولم أتمكن

من متابعتكم لكني عدت أخيرا "

قال بصوت مبتسم " وهذا المهم وحمدا لله أنك بخير

وأعطِنا رأيك في موضوع الحلقة ومن هوا

الشخص الذي قابلته ولم تنسيه حياتك "

قالت من فورها " أمممم هوا شاب بشعر أسود

وعينان سوداء طويل وعريض "

ثم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت " رجل خيول يدعى معاذ "

قفزت حينها جالسا مستويا منزلا قدماي للأرض وأنا

أستمع لها تقول " أراه دائما ولا يراني ومنذ وقت طويل

حتى بث أسمع صوته كل ليلة من شيء يعرفه جيدا "

قلت بضحكة ممزوجة بالصدمة " ويحك من أنتي ؟؟؟

تقصدني وتلمح لي بذلك أيضا "

قال صفوان ضاحكا " ما هذه الحقائق المثيرة

كل هذا ولا يعلم بك "

قالت بصوت مبتسم " نعم ولم يرني يوما "

قال مباشرة " مشكلة ترينه دائما وتسمعين صوته ولا

يعلم بك ولم يرك فكيف الحل لهذا "

لا أعلم لما شعرت بدقات قلبي وكأنها تترقب كلماتها

حتى قالت بنبرة هادئة وحنونة " يشغل بالي كثيرا يا

صفوان ويتعبني ..... يتعبنــــي "

*

*

نزلت للأسفل وسمعت صوت راضية ووليد يتحدثان

فاقتربت من صوتهما فكانا على ما يبدوا جهة

غرفة الجلوس , توجهت هناك فخرجت راضية

ووقفت أنا عند الباب فكان هناك يشاهد التلفاز فنظر

لي باستغراب فقلت بهدوء ونظري للأرض

" هل صحيح ستترك المنزل "

ساد الصمت لوقت فرفعت نظري له فكان ينظر لي

فقلت بتوتر " سمعت راضية .... "

قاطعني قائلا " نعم فوجودي سيضايق الجميع "

قلت مباشرة " ولما "

نظر جهة التلفاز وقال بنبرة واضح فيها الحزن أو

الأسى أولا أفهم ما يكون " هل تعلمي معنى أن

يفشل الإنسان في كل شيء "

ملئت دمعتي عيناي وقلت بحزن " أنت لست

فاشل سوا في عين نفسك يا وليد "

نظر لي بسرعة نظرة لم أفهمها فسافرت

بنظري للأرض وقلت بشبه همس

" لا تغادر فلا أحد متضايق من وجودك "

تمنيت أن قلت أكثر من ذلك تمنيت أن ترجيته

ليبقى تمنيت أن لا حدود بيننا فلست في نظره الآن

سوا زوجة صديقه ولا يفترض بي أن أعامله أكثر

من كونه ابن خالتي , رفعت نظري له مجددا ففوجئت

به واقفا وقال بهدوء " لماذا يا مي هل ضايقك أحدهم "

هززت رأسي بلا ثم بلعت ريقي وقلت " لا ولكني

أشعر حقا بالأمان بقربك عندما يكون نواس بعيدا

فلم أخف ليلة وأنا أنام وحدي هنا لأيام "

أشاح بنظره وقال " تمنيت أن لا رددت طلبك

لكن صعب مع وجود قريبته هنا فاعذريني "

ابتسمت بألم وقلت " أعذرك ويكفيني كلامك هذا "

سكتُّ بعدها لوقت أجمع شجاعتي ثم قلت " وليد أولئك

الرجال لم يمسوني أبدا , أنا لم ألطخ سمعتكم في

التراب ولم أهرب معهم ولم أتفق معهم "

نظر لي وقال " لا تشرحي لي يا مي أنا لم أشك بك

يوما ويستحيل لتلك الفتاة النقية أن تفعل كل ذلك "

نظرت له بحسرة وتمنيت أن سألته لما لم تأتي

لخطبتي مجددا إذا كان هذا ظنك بي لماذا , نظرت

للأرض وقلت بابتسامة حزينة " شكرا لك

يا وليد فوحدك وعمي سعيد من قالا هذا "

قال من فوره " وعاصم أيضا فأعطه فرصة فقط يا مي "

هززت رأسي بحسنا وقلت مغادرة " تصبح على خير "

في الحقيقة هربت منه لأني إن بقيت أكثر لن أضمن

لساني فيما سيقول وعليا أن لا أنسى أني وعدت نواس

ولن أخلف وعدي له ومعه حق يكفيني ما قيل عني

لتزيده الناس أني على علاقة بابن خالتي وأنا في منزل

زوجي فصمتي عن الحقيقة سيخدمني قبل أن يخدمه

صعدت للأعلى لأفاجئ بوسن تنزل السلالم وفي يدها

صينية بها كوب شاي يبدوا جف من كثرة ما بقي عندها

ولم ينزله أحد , وما أن رأتني حتى أنزلت رأسها للأرض

واقفة مكانها وكأنها تخفي عني مشاعرها التي تكشفها

ملامحها , صدق نواس حين قال أنها ليست من النوع

السيئ في التعامل مع البشر لكن كتمها لحسرتها

سيؤذيها وينقذ غيرها , تمنيت أن تحدث معها لكني

وعدت نواس أن لا أحتك بها فاجتزتها صاعدة

ليوقفني صوتها قائلة " مي "


********************

دخلت بالصينية وجلست أمامها وقلت مبتسمة

" أعددت كعكا لن تنسي طعمه كل حياتك "

قالت مبادلة لي الابتسامة " كل شيء تعديه طعمه

لا ينسى وقد ولد ليلة عيد من ستكونين زوجته "

ثم تنهدت وتابعت باستياء " ووالدته لا أسعد منها

على وجه الأرض , لا بارك الله في المعتقدات

السخيفة التي يتمسك بها بعض الرجال "

قلت وأنا أقطع لها من القطعة ونظري على

يدي " لم أفهم سوا الجزء الذي يخصني "

ضحكت وقالت " وذاك يكفي فالباقي ترويح

عن النفس ليس إلا "

مددت الشوكة بها القطعة لفمها وقلت مبتسمة

" سأطعمك بيدي "

ضحكت وقالت " العلة في ساقاي وليس يداي

وأخاف من أن أعتاد على كل هذا الدلال "

مددتها لها أكثر فأكلتها وقالت بحنان

" رحم الله من رباك يا سما "

نظرت للطبق وقلت بحزن " حلمت بوالداي البارحة "

ثم رفعت نظري لها وقلت " والدتي كانت تبتسم

لي ووجها يشع نورا وكانت توصيني بك

كثيرا بكلام لم أفهم أغلبه "

ثم نظرت للأرض وقلت بشرود " لكن والدي

كان غاضبا مني ووجهه عابس ويشير لجثث رجال

كثر ويلومني لموتهم ولم أفهم معنى ذلك "

ثم رفعت نظري لها وقلت بدمعة تدلت من رموشي

" اشتقت لهم خالتي لما رحلوا وتركوني "

مسحت على طرف وجهي وقالت بحنان

" سما بنيتي تعوذي من الشيطان فكل غرضه

أن تتسخطي على قضاء الله "

مسحت دموعي وتعوذت بالله منه بهمس فقالت مبتسمة

" هذه والدتك توصيك بالناس خيرا في التعامل معهم

وراضية عن نتائج تربيتها لك ووالدتك يبدوا يريد

منك أن تساعدي العدالة في إيقاف شلال

الدماء الذي يجتاح البلاد "

تنهدت وقلت بحيرة " وما في يدي ولم أفعله لقد أدخلتهم

القبو وقلت كل ما أعرفه فلو بيدي شيء غيره لفعلته "

قالت بشرود " هذه الرؤيا لا تدل إلا على شيء واحد

يا سما وهوا أن حل كل ذاك اللغز لديك "

هززت رأسي وقلت بحيرة " لا أعلم ما

يكون يا خالتي لقد احترت "

سمعنا حينها قرعا على جرس المنزل فقلت

" لا أريد أن أفتح "

ضحكت وقالت " والحل الآن ونزار غير موجود "

قلت بضيق " مؤكد هذه دعاء ولا أريد أن أراها "

تنهدت وقالت " حسنا افتحي لها فقط كالعادة "

هززت رأسي بلا دون كلام فمسحت بيدها على

ذراعي وقالت بهدوء " هل تريدي أن تغضب منك

والدتك وهي راضية عن حسن خلقك مع الناس "

وضعت الطبق ووقفت وقلت ببرود " إن كانت

هي فلن اكلمها ولن أعطيها من كعكتي "

ضحكت وقالت " ما أنقى قلبك يا سما حتى الشر

تفصحين عنه قبل أن تفعليه وهذا حده فقط "

قلت بضيق " هي التي لا تحبني فما ذنبي أنا إن

لم يحبها نزار , هي تعرفه من قبل قدومي

بسنوات فمن الملام وقتها "

رن حينها الجرس مجددا فتأففت وخرجت للباب

رأيت من العين فيه فكانت صباح زوجة جارهم

عوني صديق نزار ففتحت لها الباب وقلت مبتسمة

" جيد أنها أنتي ... تفضلي "

صافحتني وقالت ضاحكة " ومن هذا الذي كنتِ

تخافين قدومه "

أخذت منها ابنتها الصغيرة وحملتها بين ذراعاي

وقلت " لا تهتمي للأمر وهيا ادخلي "

دخلت تمسك ابنها من يده وأغلقت الباب خلفهم

ودخلت هي لغرفة خالتي وتوجهت أنا للمطبخ

أجلست ابنتها في منتصف الطاولة وبدأت بتجهيز

كعك وعصير لهم ثم حملتها مجددا ورفعت الصينية

بيدي الأخرى وتوجهت للغرفة ووضعت الصينية

على الطاولة وجلست على السرير ألاعب الصغيرة

تناولت صباح قطعة من الكعك وقالت " سما أنتي

تسببي لي مشكلة مع عوني كلما تذوق شيئا هنا

عند نزار فلم يعد يعجبه كعكي وتكبر عليه "

ضحكت خالتي وقالت " الرجال جاحدين للخير دائما "

ضحكنا معا وتابعا حديثهما وأنا أستمع لهما في

صمت حتى قالت صباح " هل رأيتما في

الأخبار مقتل خالد الصقار تاجر البن المشهور

وتصورا أنه كان يعمل في المخابرات السرية ولا

يعلم عنه أحد وقالوا أنه تبين أن له يد في جرائم

المصانع , لم أتصور أن رجال المخابرات يديهم

مغموسة فيها , الناس لا حديث لهم إلا عن هذا الخبر "

نظرت لها بحيرة وقالت خالتي " لا حول ولا قوة

إلا بالله لن يرتاحوا حتى يجهزوا على الجميع "

أطعمت ابنها قطعة من الكعكة وقالت " لم يُقتل

هنا بل في الخارج بعد هروبه , هكذا يقولون "

ثم تنهدت وقالت " أبشع جرائمهم كانت ذاك الذي

قتلوه وعائلته هنا في العاصمة , مالهم والزوجة

والأبناء لا أعلم أين الحكومة والشرطة عن هذا "

شعرت بغصة في حلقي وقالت خالتي " صديق نزار

رئيس الشرطة الجنائية التي تعمل على مكافحة

الجريمة وهوا يربط ليله بالنهار وحتى عائلته

لا يرونه ولكن لا يقدر تعبهم أحد "

أعطيت خالتي الصغيرة وخرجت وعدت للمطبخ

لأن دموعي غلبتني , لا أعلم لما أشعر بكل هذا

الضيق وأبسط شيء يبكيني , هل كل هذا من الفراغ

والوحدة التي أشعر بها ونزار ليس هنا بعدما أصبح

يقضي جل يومه في قصر جابر ويعود منهكا وينام

على الفور , مابك يا سما كيف ستعيشين حياتك فيما

بعد توقفي عن هذا الجنون هيا , جلست على الكرسي

ولم تزدد دموعي إلا نزولا فمسحتها ووقفت على

دخول ابن صباح قائلا " شما جَدة تعالي "

ضحكت بين كل حزني وقلت " اسمي سما

وليس شما كم مرة سأعلمك "

ثم نزلت عنده وقبلت خده وقلت " قل سما ... سما "

قال وهوا يضغط الحروف " شــشــسما "

ضحكت وحملته عن الأرض وقلت

" أتركها كما كانت أفضل "

ثم عدت به للغرفة وأنزلته وجلست معهم حتى

وقفت صباح لتغادر وقالت " سما أوصليني للباب

لدي ما أقوله لك "

نظرت لخالتي بحيرة ثم وقفت وخرجت معها

حتى وصلنا عند الباب فقالت بصوت منخفض

" شقيق عوني يصر على أن نسألك أنتي

شخصيا عن رأيك في الزواج به "

نظرت للأرض وقلت " أنا لا أفكر في هذه الأمور حاليا "

تنهدت وقالت " إذا سأبلغه ليريح لي رأسي "

قلت بحيرة " ومن أين يعرفني ليصر عليا هكذا "

فتحت الباب وقالت " عوني السبب لم يرتح حتى

أدخل الفكرة لدماغه وصراحة الأمر أنا أيضا مدحتك

له كثيرا ولم أضن أنك ترفضين الفكرة "

لذت بالصمت فأمسكت يد ابنها وقالت وهي تخرج

" ومعك حق أنتي صغيرة على أن تفكري في الزواج

فهوا لا يجلب إلا التعب ولولا الأبناء ما تزوجت امرأة "

راقبتها حتى اختفت ثم أغلقت الباب مبتسمة , يبدوا

معها حق فأجمل ما في الزواج أن تحصلي على أبناء

لكن لما هكذا أشعر أني إن تزوجت بغيره لن أكون

أسعد من وجوده معي إن كان ما يهم هم الأبناء , تأففت

من الأفكار التي باتت تسيطر عليا وعدت لغرفة خالتي

جمعت الأطباق والكؤوس وأخذتهم للمطبخ ورتبت كل

شيء وصعدت لغرفتي من أجل الدراسة فالامتحانات

باتت على الأبواب وعليا أن أجتهد كثيرا رغم أني

بت أحفظ المناهج عن ظهر قلب من كثرة ما قرأتها

فلا شيء لي سواها مع هذه الوحدة وعدم الخروج

عند أول المساء نزلت للمطبخ وأعددت العشاء

وتناولته وخالتي ثم غسلت الأطباق والأواني

وعدت لغرفتها وقلت " هل نقرأ في الرواية قليلا "

ضحكت وقالت " أخاف أن يدخل علينا نزار فلن

يرحمني لأن امتحاناتك على الأبواب ولا يريد أن

أشغلك كثيرا حتى أنه يوصيني أن لا تكثري من

تنظيف كل شيء كي لا تضيعي وقتك "

قلت باستياء " حفظت كل شيء من تكراره وأشعر

بالملل والفراغ وحتى الكآبة "

ضحكت وقالت " حسنا تعالي نقرأ ونترك

أذاننا على الباب كي لا يمسكنا متلبستين "

ابتسمت وأخذتها منها وجلست وفتحت حيث

توقفنا وقرأت (( وما أن خرج عمي رياض حتى

قال أشرف " هذا غش لما فراس تحديدا "

ضحكت عمتي سعاد وقالت " لم تخبرنا

أنك تريدها ظننتها أفعى بأنياب "

قال بغيض " لما فراس تحديدا الآن تشرحون لي "

رميت شعري للخلف وقلت ببرود " اسأل والدك هوا

من اختاره ولو كان الأمر علي لتزوجتك أنت يا قيس

النساء فقط لأفسدت عليك مغامراتك "

خرجت حينها عمتي سعاد ضاحكة ونظرت جهة

فراس فكان جالسا مكانه بهدوء وكأن الأمر لا يعنيه

وهذا ما لم أتوقعه أو يبدوا تمثيل منه ليقهرني

قال وائل مغادرا " مباركٌ إذا "

وخرج هوا أيضا وأمسك أشرف خصلة من شعري

كعادته وقال " قولي أنك لا تريدينه فأنا أفضل لك منه "

رأيت حينها يد فراس تمسك له معصمه والأخرى

تستل خصلة شعري من أصابعه وقال ببرود

" هذا الشيء لم يعد محلل لك فلا تلمسه "

استللتها منه وقلت بضيق " ولا لك أنت أيضا فأبعد يدك "

تجاهلني ونظر لأشرف وأشار له برأسه ليخرج فقلت

معترضة وأنا أقف بجانبه " لا يا سيد زمن استفرادك بي

انتهى ولا تنسى كلامك سابقا يا صاحب الأخلاق "

قال بابتسامة جانبية " بل زمن الاستفراد بك سيبدأ قريبا "

أخرجت له لساني وقلت ببرود " لولا والدك ما تزوجت

بك ولو ظفرت شعري شيبا "

ضحك كثيرا ثم قال " وبضنك ما يجعلني أرضى

بسليطة لسان مثلك غير والدي "

قال أشرف واضعا ذراعه بيننا " أريد أن أفهم

الآن ما يجري ولما ليس أنا "

رميت ذراعه من أمامي وقلت بضيق " ما بك أنت لا

يذكرون زواج إلا وتوافق , اتزن وأنت كالفيل المحموم "

ضحك حينها فراس بصوت عالي فقلت ببرود

" نعم اضحك .... حمدا لله أني رأيت لك أسنانا "

أمال رأسه جهتي وهمس " ستري إن لم أقص

لك هذا اللسان يا رُدين "

صفق أشرف ودفعه عني وقال " لم يجب أحد عن

سؤالي قبل أن أفجر المنزل بأكمله على رؤوسكم "

قلت بضيق " والدك صاحب الفكرة وهي أن أعيش معكم

على أني زوجته لأكون قريبة منكم وأراكم على طبيعتكم "

ثم لوحت بيدي وقلت بسخرية " لعلــــــي أجد فيكم

من يستحقني لكنكم فشلتم جميعا وهوا اختار لي فراس "

ثم تابعت ببرود بعدما رميت بيدي نحيته

" لأنه لا خيار غيره بطيخة من غير خطوط

أفضل من واحدة معطوبة "

وضع فراس يديه وسطه ينظر لي بغيض وضحك

أشرف كثيرا ثم قال " محتالين لو علمت ما تركتك

تعرفين شلتي تلك كلها وتزوجتك أنا وقصصت لسانك "

ثم قال مغادرا " هنيئا لك بالفاتنة طويلة اللسان يا شقيقي "

تبعته مغادرة فأمسك يدي وأعادني ناحيته فاستللتها

منه وقلت بضيق " لم أصبح زوجتك بعد إن نسيت "

قال بابتسامة جانبية " قريبا جدا يا أم لسان

وستدفعين ثمن كل هذا "

قلت بسخرية " علمت أنك لن تسكت وتوافق

عبثا , تريد أن تنتقم مني إذا "

أمال وقفته واضعا يديه في جيوبه وقال " لا تنزلي

دون حجاب مجددا ولا تخرجي للسوق إلا معي حتى

تنهي كل ما تريدينه ولا تختاري فستانا أبيض لا أحب

ذاك اللون وتسريحة الشعر لا ترفعي فيها شعرك كله

للأعلى ولا تتركيهم يكثروا لك الماكياج كالمهرجين "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " ما رأيك لو

اشتريته أنت ووضعت لي الماكياج وتسريحة الشعر أيضا "

ثم أملت وقفتي مثله وقلت " أو ما رأيك أن ألبس بيجامة

النوم ستكون أفضل أمام الجميع "

أمال ابتسامته وقال بهمس " موافق بالتأكيد

فستختصرين علي الطريق حينها "

نظرت له بصدمة ثم دفعته من أمامي وقلت مغادرة

" نعم اظهر على حقيقتك يا وقح "

ثم خرجت من الباب وصعدت لغرفتي , واهم

هذا إن تركتك تلمسني وسأريك ما سأفعله بك

ما يحيرني تقبله للأمر وكأن شيء لم يكن ! يبدوا

كما قال لينتقم مني وسُعد لأنه وجدها فرصة مواتية

قفزت على السرير وفتحت حاسوبي لأبحث عن آخر

موديلات الفساتين ومستلزمات العرائس , سأعيش

اللحظة وأعيش حياتي كان من يكون من سأتزوجه

فلن أجعل شيئا يكدر عليا هذه اللحظات لأكون

كغيري عندما يتزوجن ولن أنكد على نفسي

جلست لوقت أبحث بانسجام حتى وقع اختياري

على أحدهم وسعره كان مبالغا فيه لكن لا بأس

ليدفع ثمن انتقامه مني هل يريد أن يتزوجني

ويقهرني بلا تعب ولا مجهود , انتقلت بعدها

لفساتين المناسبات والأحذية ومر بعدها ثلاث

أيام وعمتي سعاد لا حديث لها سوا عن المدعوين

تجمع أسمائهم لتضعهم في كروت الدعوى واختارت

مكان الحفل وسعيدة حقا بتزويجها ابنها الأول والأكبر

كما تتمنى وطبعا فراس لم أره بعد صباح اليوم التالي

لذاك اليوم لأنه اختار الزواج بعد ثلاث أسابيع وتشاجرت

معه في حضور والده وكاد كل واحد منا أن يخنق الآخر

طرقت عليا الخادمة الباب وفتحته وقالت ببرود

" سيد رياض يريدك في تحت "

طبعا أصبحت تكرهني وكرهها ازداد حين علمت

أني باقية لها هنا لباقي عمري , ضحكت وقلت

" يقولون في الأسفل وليس في تحت "

تأففت وغادرت تتذمر فأخذت حجابي وخرجت خلفها

مسرعة وقلت " سأآخذك معي في شهر العسل ما رأيك "

أسرعت بخطواتها أكثر قائلة بتذمر " أنا يذهب

بلادي بعد يومين يرجع بعد انته يموت "

ضحكت وتوجهت حيث عمي رياض في غرفة

الجلوس وما أن دخلت حتى ماتت ابتسامتي ولويت

شفتاي حين رأيت الجالس معه وتوجهت للأريكة

المقابلة وجلست فقال عمي رياض " عليك أن

تخرجي من أجل شراء ما يلزمك فلا وقت لديك "

وضعت ساق على الأخرى وقلت " تسوقت عبر

الإنترنت ولم يتبقى سوا القليل ومن يجلب

ما اخترته ويدفع الحساب "

قلت جملتي الأخيرة وأنا أنظر لفراس طبعا ليفهم

أنه المكلف بهذا ولا يعتمد على والده , قال عمي

رياض " فراس يصر أن يدفع ثمن كل شيء

لذلك ستكون رحلتكما على حسابي وفراس قال

أنه لا يستطيع التأخر عن عمله أكثر من أسبوع "

كنت سأعترض على السفر من أساسه لكني تراجعت

فأنا أريد أن أستمتع بحياتي وأتنزه , قلت بضيق

" ولما أسبوع أريد شهرا كاملا "

اتكأ فراس للخلف ليخفي وجهه عن والده وابتسم ابتسامة

ماكرة ومرر لسانه على شفته السفلى ببطء , هذا الوقح

المنحط ما يقصد بهذا وما فهم من كلامي , قلت باستياء

" عمي أخبر ابنك أن يتوقف عن هذه الحركات "

نظر ناحيته وقال بضيق " فراس توقف عن هذا

وأعقل لم أعرفك بلا عقل وإلا ما زوجتك بها "

وضع ساق على الأخرى وقال بابتسامة جانبية

ونظره علي " أمزح مع زوجتي فما في الأمر "

قلت ببرود " لست زوجتك بعد وكل شيء قابل للتغيير "

قال عمي رياض " بل عقدنا اليوم في المحكمة فلا

داعي لأن نترك الأمر للأسبوع القادم فكلها أيام فقط "

قلت بصدمة " ماذا !! تزوجني "

قال باستغراب " لم أعرفك ستغيرين رأيك "

قلت بهدوء مستاءة " لا لن أغيره "

وقف وقال " خذها للسوق وإن لم تنهي ما تريد أعدها

في يوم آخر ولا تتركها وحدها هناك وتغادر "

وقفت بسرعة لأخرج خلفه ولا أبقى وحدي مع فراس

لكنه أمسك قميصي من الخلف وأعادني للداخل

ولفني لأقابله وقال بابتسامة جانبية

" لم تخبريني أنك تريدين شهرا كاملا لما رفضت "

قلت بسخرية " ذلك أفضل فأنا أريد أن أقضي

الليل والنهار في التنزه "

أمسكني من ذراعي وقربني له وقال بهمس

" النهار لك والليل لي وسنكون متعادلان "

دفعته بيدي بعيدا لكنه أمسك بذراعي الآخر

وقبّل خدي ثم عضه عضة خفيفة وغادر قائلا

" أنتظرك في السيارة فلا تتأخري أو أرسلت

لك الخادمة وستعرف كيف تنزلك "

أمسكت خدي بيدي ولويت شفتاي وهمست

" ليست سيئة كما ضننت لا بأس به كزوج "

ثم خرجت وصعدت للأعلى غيرت ملابسي على

مهل ثم لبست حجابي ونزلت وخرجت فكان ينتظر

في السيارة , سيرى إن لم أكسر له ساقيه من التنقل

بين محلات الثياب فالنساء لا يتعبن من ذلك أبدا

ركبت السيارة وضربت بابها بقوة لأمارس أول

حقوقي لكنه كالمرة السابقة لم يتكلم , انطلقنا وقلت

" من اشترى لك هذه السيارة "

قال بصوت مبتسم " ولما تسألي هل ستأخذينها مني "


لففت جهته وقلت " هل تصدق أني صرت زوجتك

أنا لا أصدق هذا فأنت آخر من تمنيت أن أتزوجه "

فتح الدرج وأخرج منه مشطا رقيقا وصغيرا وقال

وهوا يسرح به شعره وينظر للمرآة

" لا تجعليني أتبث لك أني زوجك "

قلت ببرود " لا صدقت بلا إثبات "

ثم أخذت المشط من يده وقلت " لما لا تدعني

أفعل لك هذا ألست زوجي "

أخذه من يدي وقال " لا ثقة بك أنتي يا أم لسان

وأعرف ما تفكرين فيه "

نظرت للأمام وقلت بضيق " يالك من عديم ذوق

وهاضم لحقوق الزوجة أيضا "

ضحك وقال " ألا تعرفي أن هناك شيء أسمه حياء

يزور الفتاة حين تتزوج وتكون وزوجها معا "

ضحكت ضحكة ساخرة وقلت " أفلام تصدقونها

أنتم الرجال , لا أعرف واحدة تستحي في الليل

لتقبل خده في الصباح وتقول "

وتابعت بصوت رقيق " أمواااه صبح الخير حبيبي "

ضحك كثيرا ثم قال " علمت الآن لما يريد

أشرف أن يتزوجك هوا "

نظرت له وقلت باستغراب " ولما "

قال بعد ضحكة " سر لا أريد البوح به "

قلت وأنا أضيق عيناي " لأنه ليس لديك الشجاعة لتقوله "

ضحك وقال " خطة فاشلة "

قلت بسخرية " بلى جبان ولا تستطيع أن تقول "

أوقف حينها السيارة أمام مركز للتسوق ونظر لي

وقال " انزلي هيا يا أم لسان "

قلت بضيق " افتح فمك أنت لأرى إن

كان لديك لسان أم لا "

فتح الباب ونزل قائلا " انزلي وعدلي حجابك

لأنه رجع للوراء "

تأففت ونزلت أعدله , مابه كلها شعرتان من منابته

ولم أعلم بهما , سرنا نحو الداخل فأمسك ذراعي

وسحبني نحوه قائلا " سيري بقربي ولا تبتعدي "

قلت بضيق " فراس ما بك أنا لن أهرب "

لف ذراعي حول ذراعه وشدني ناحيته فقلت ببرود

" إن كان الذي يكره يفعل هكذا فما يفعل من يحب "

قال ببرود أكبر " يتركك هنا ويغادر "

نظرت له وقلت بصدمة " فراس هل تشك بأخلاقي !! "

وقف أمام أحد المحال وقال " أنا لم أقل هذا "

قلت وأن أحاول سحب ذراعي منه

" وما قصدك بما قلت "

نظر لواجهة المحل وقال " ندخل هنا أو لا تريديه "

قلت بضيق " أعدني للمنزل حالا "

سحبني وسار بي قائلا " رُدين توقفي عن لعب

الأطفال فلا وقت لدي لذلك "

قلت باستياء " لم أعد أريد هذا قلت لك "

وقف وقال بحدة " رُديييين "

سكت كل من حولنا ينظرون لنا فتأفف وواصل

السير يسحبني كالنعجة , غريب أين كانت عصبيته

كل ذاك الوقت , ومن الآن سأجهز نفسي لحدته حتى

نعود للمنزل لكني لن أنساها له أبدا أنا يشك بي ويقولها

هكذا علانية , لففنا بعض المحال وبقيت فيها أكبر وقت

ممكن لأتعبه من الوقوف ثم مررنا بمجموعة محلات

لملابس النوم فتخطيتهم متجاهلة لهم فوقف وشدني

عائدا بي للوراء وأدخلني أحدهم وقال " ما بك

أصابك العشا الليلي عند هذه الجهة "

قالت ببرود " بل رأيتهم "

نظر لي وكتف يديه لصدره فقلت بابتسامة جانبية

" لم يعجبني منها شيء "

نظر لي بضيق وتنفس بغيض فقلت بهمس

" مرحا للتنين "

ضغط على أسنانه يكتم غيظه فقلت بابتسامة

" أقصد أني لا أريد هذا "

خرج من هناك ممسكا يدي ودخل بي للمجاور

له فقلت " ولا هذا "

أشار لإحدى البائعات فجاءت ناحيتنا فقال وهوا

يؤشر بإصبعه على المعروضات " نريد

من هذا وذاك والذي في الزاوية "

وبدأ يعدد لها من المنتوف من كل جهة للأسوأ

منه ثم قال مشيرا لي " وأريدهم على مقاس

زوجتي وبسرعة لو سمحتي "

قالت مغادرة " مقاسها سهل وجميعه مناسب

لها جسمها مثل جسمي "

قلت بهمس وضيق " وقحة نقص أن تقول رقم قياس

ملابسها الداخلية "

وكزني وقال بصوت منخفض " ارحمي الناس

منك لا يسلم من لسانك أحد "

نظرت له وقلت ببرود " لو كنت تعنيني لقطعت

لها لسانها على ما قالت "

قرب رأسه وقال هامسا " يكفيني ما قلته ولو همسا "

قلت من بين أسناني " واهم يا واهم "

أحضرت كومة منهم وقالت " اختاروا الألوان "

لا أعرف ما درجة وقاحتها تعرضهم أمام رجل

قلت من فوري " أريدها جميعها باللون الأبيض "

أخذ ألوان بشكل عشوائي وقال " ضعوها لنا في أكياس

واحسبوا الثمن وبسرعة لو سمحتي "

ثم نظر لي وقال بهمس

" الأبيض تنسيه من الوجود تفهمي "

وضعت يدي وسط جسدي وقلت بضيق

" ولما ؟ هل ستتحكم بملابسي أيضا "

نظر جهة البائعة متوجهة نحونا وقال بهدوء

" لأني كفنت ثلاثة من أعز أصدقائي

بالأبيض وبيداي مجبرا هل فهمتِ الآن لما "

ثم غادر لأنها جلبت له فاتورة الحساب وبقيت أنا أنظر

له بحيرة , كيف يكفنهم بنفسه وثلاثة ! لهذا هوا يجن

أحيانا , خرجنا ويده مليئة بالأكياس والأخرى تمسك

يدي طبعا كي لا أتبخر في السوق فنظرت له

وقلت " كيف ماتوا ؟؟ "

قال ونظره للأمام " هل هناك شيء غيره تشتريه

أم نعود في يوم آخر "

قلت " لما كفنتهم أنت ؟ ما الذي أجبرك على ذلك "

قال بضيق " رُدين أغلقي هذا الموضوع "

وقفت ووقف معي وقلت باستياء " ما بك

هكذا تصرخ بي أنا لا أحتمل وقلبي ضعيف "

ضحك وهز رأسه وأمسك يدي مجددا وسار قائلا

" لا أحب الحديث في ذاك الأمر يا أم القلب الضعيف "

قلت ونحن نتابع سيرنا " هل تعلم أنه هناك منطقة

في الدماغ عندما تفور تسبب الدوار والقشعريرة

والغثيان ومرض القلب وهل تعلم ما يحركها "
قال بنفاذ صبر " ماذا "


قلت ببرود " الفضول "

قال ببرود أكبر " إذا توجهي للحمام حتى تغادرك

كل تلك الأعراض "

خرجنا متوجهان للسيارة فاستوقفنا صوت

فتاة من خلفنا قائلة " فراس "

نظرت للخلف من فوري فكانت .... جوجو ))

أغلقت الرواية وقلت " أعانه الله عليها "

قالت مبتسمة " دائما يميل الإنسان لمن يخالف

أطباعه لأنه سيقلب له روتين حياته "

هززت رأسي وقلت بحيرة " غريبين نحن البشر "

ضحكت وقالت " نعم ولا شيء يعجبنا ولا نرتاح

حتى نموت ونترك الدنيا بما فيها "

نظرت للساعة وقلت " وكأن نزار تأخر كثيرا "

قالت مبتسمة " قال سينتهي عملهم عليه خلال أيام

ومن ثم سيبدأ عند مزرعة صديق لمعتصم "

شعرت بالضيق فهوا لن يكون هنا بعد اليوم

ويبدوا من عمل لآخر , نصيحة خالتي لي كانت

نتائجها عكسية فها قد بات يقبل العروض وناحيتي

لم يتغير شيء , كسب لنفسه وخسرت لنفسي لكن

لا بأس المهم تغير هوا قليلا , رفعت غرتي خلف

أذني وتنهدت بأسى ... أنا حقا متعبة من مشاعري

نحوه وهوا لا يقابلها إلا بلامبالاة ويعاملني وكأني

ابنته , ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى سمعنا

صوت الباب فقالت خالتي من فورها مادة يدها

لي " هاتي الرواية بسرعة "

نظرت لها في حجري ومددتها لها فورا وخبأتها

خلفها كالعادة ووقف نزار عند الباب وقال

" مساء الخير "

قلنا معا " مساء النور "

ثم قلت مباشرة " هل تريد عشاء "

قال مغادرا " تعشيت هناك شكرا لك "

وصعد السلالم ونظري علق عند الباب وهذا حاله

منذ أكثر من ثلاث أسابيع لا نراه إلا ليلا حين يعود

يقف هكذا عند الباب ليمسي علينا وفي الصباح حين

يغادر ويسألنا إن كنا نحتاج شيئا , كم أشتاق له لو كان

يعلم وهذه اللحظات لا تكفيني شيئا ... سحقا لك يا سما

لما أوقعت نفسك في كل هذا , تنهدت بحسرة ووقفت

وقلت " هل تريدين شيئا يا خالتي قبل أن أصعد "

اتكأت وقالت " لا بنيتي تصبحين على خير "

أطفأت النور وخرجت مررت بالمطبخ أخذت

قارورة ماء من الثلاجة وخرجت ثم عدت وأخذت

واحدة أخرى وصعدت ووضعت واحدة في غرفتي

وأخذت الأخرى معي ووقفت أمام باب غرفته

لا أعلم لما أريد أن أراه وأتحدث معه ! بلى أعلم

لأني تعبت من غيابه عني وهوا لا يشعر بي لكان

جلس معنا ولو قليلا , طرقت الباب عدة طرقات

فقال من فوره " أدخلي يا سما "

شعرت بأنني صرت كريشة تطير مع الريح من

سعادتي فكم اشتقت لهذه الجملة منه ورؤيته والتحدث

معه لأنعم برؤية ضحكته وابتسامته , فتحت الباب

ودخلت فكان جالسا أمام الطاولة ويرسم في ورقة

كبيرة شبه شفافة ويبدوا لعمله الجديد في تلك المزرعة

دخلت وقلت مبتسمة " أحضرت لك الماء ظننتك

ستنام وهذا بارد أفضل من ذاك "

قال دون أن يرفع نظره عن الورقة " شكرا

لك يا سما أنا بالفعل نسيت أن أغيره "

وضعت القارورة ورفعت الأخرى وقلت

" هل أعد لك كوب شاي "

قال " لا تتعبي نفسك , قليلا وسأنام "

أملت فمي باستياء ما هذه الطردة المعتبرة , هممت

بالمغادرة ووصلت الباب حين استوقفني صوته قائلا

" كيف تسير معك أمور الدراسة "

التفت له ووجدته أخيرا ينظر لي وليس لرسمته

تلك فابتسمت وقلت " جيدة وجاهزة من الآن "

قال مبتسما " جيد خشيت أن يكون لديك شيء

لم تفهميه وأنا انشغلت ولم أشرحه لك "

بقت عيناي عالقتان على ابتسامته التي اشتقت لها

حقا وافتقدتها طيلة الأيام الماضية , ليثني قلت أنه

لدي أشياء كثيرة لم أفهمها ليقتطع لي جزءا من وقته

عاد بنظره لما يفعل وقال " سوف آخذك معي غدا

لتري بتول لأني لن أتأخر هناك كثيرا "

ابتسمت وقلت بسعادة " حقا ... هي تتصل بي كل

يوم وتسألني متى سأزورها "

رفع نظره لي مجددا وقال " غدا عند العاشرة آخذك

لها فبلغيها أنك ستصلين عند العاشرة ونصف "

هززت رأسي بحسنا وماتت ابتسامتي حين عاد لتلك

الورقة , سحقا لها كم كرهتها بل العيب به وليس

بها .... كم تتعبني يا نزار لو تعلم فقط , خرجت

ونزلت للمطبخ وضعت القارورة هناك وصعدت

لغرفتي , أطفأت النور ودخلت سريري مباشرة بما

أني غسلت أسناني من وقت , غطيت كامل جسدي

باللحاف ونزلت دموعي من فورها وأنا أشعر بضيقي

ازداد أضعاف ما كان حتى أكاد أموت من الاختناق

وفي الصبح جهزت نفسي وجلست مع خالتي أنتظره

منذ التاسعة والنصف وكأني محكوم عليه بالإعدام

سيطلقون سراحه , لم أكن أشعر بكل هذا السجن سابقا

وهوا معنا أغلب النهار ولا حتى حينما كنت سجينة القبو

أو منزلنا اغلب الأيام في الهند , الآن أشعر بكم هائل

من الاختناق بسبب كل شيء وأولهم الجدران بل هي

آخرهم فأولهم غيابه وتجاهله لي رغم أنه لا يقصده لكنه

مؤلم حقا , وقفت من فوري حين سمعت باب المنزل

انفتح ودخل نزار ووقف عند الباب قائلا " هيا يا سما

لنعود سريعا فلا أود ترك والدتي وحدها كثيرا "

قالت خالتي مبتسمة " دعها ترفه عن نفسها

قليلا لن يحصل لي شيء "

قال مغادرا " أنا من لن يطمئن بالي يا أمي "

نظرت لها فقالت مبتسمة " طلبت منه أن يأخذك

لتتنزهي قليلا في أي مكان , أراك هذه المدة متعبة

من السجن هنا فحاولي أنتي إخباره برغبتك في ذلك "

هززت رأسي بحسنا وقد استساغت نفسي الفكرة

ثم خرجت ولحقته قائلة " وداعا يا خالتي "

وخرجت على كلماتها الحنونة وهي تدعوا لي بذات

الكلمات والدعوات كلما غادرت منزلهم وكأنها تحيطني

بهالة من الحماية أشعر بها رغم أني لا أراها , أغلقت

باب المنزل وتوجهت للسيارة ركبت وسار من فوره

لتمر الدقائق تلو الدقائق ونحن في صمت موحش

نظرت جهة النافذة ثم للأمام ثم عدت بنظري للنافذة

مجددا كالتائهة ثم نظرت ليدي في حجري وقلت

" أشعر وكأني لم أخرج حياتي وأزر أحدا "

لاذ بالصمت حتى ظننته لم يسمعني ثم قال

بهدوء " هذا أمر طبيعي "

ثم امتدت يده لمذياع السيارة وشغله وكانت المرة

الأولى التي يفعلها خلال كل المرات التي ركبت فيها

سيارته وحدنا أو بوجود خالتي , بحث في ترددات

القنوات حتى تبث على إذاعة للقرآن الكريم ورفع

الصوت حتى ظننته سيخترق رأسي من أذناي وأنا

أتابع حركة يده من البداية وبصدمة وأحاول أن لا

أترجم معنى هذا أنه لا يريد أن نتحدث معا أو أن

ينهي الحوار من بدايته , عدت بنظري ليداي التي

تعصران الهدية التي جلبتها من أجل بتول حتى

ظننتها ستتحطم بين أناملي ولم أتحرك بعدها ولم

أرفع حتى جفناي , بعد قليل أخفض الصوت قليلا

وبعد مسافة أسكته فنظرت له من فوري وكأني أتأمل

أنه سيخيب ظنوني وسيتحدث عن أي شيء لكني صعقت

به يرفع سماعة الهاتف لأذنه ويقول " نعم في الطريق "

" لا قليلا وأصل لا تغادر أريدك في أمر مهم "

" أجل بخصوصها فكم سنؤجله "

ثم تأفف وقال " جابر انتظر وسنتحدث اليوم , قلت

لك الأمر مهم ولا علاقة له بالقضية "

" ستعلم ما أن أصل وداعا "

أزال حينها سماعة الأذن وقال " لن نتأخر نصف ساعة

أو ساعة على الأغلب فبالي كله مع والدتي "

تنفست بقوة ونظرت للنافذة ولم أتحدث , حسنا

فهمناها باله مع والدته ولن يستطيع تركها وحدها

هوا كان يتركها وحيدة حين يذهب للمدرسة وتأتيها

دعاء أو زوجة عوني في أوقات متقطعة وكان الأمر

عادي فما تغير الآن , أم يخاف أن أطلب منه أن

نذهب لمكان ما كما قالت له خالتي أو فكر أني أنا

من قلت ذلك أمامها , قلت حينها بهدوء يقارب الهمس

" ولا أنا أريد التأخر ولا أن تبقى خالتي وحدها "

لم يعلق طبعا وكأن ثمة من أكل له كل ذاك اللسان

صحيح أنه لم يقسوا علي بكلماته ولم يخاطبني بنبرة

جافة ولا باردة لكني أشعر بتجاهله لي بات واضحا

وأخطأت حين ظننت أنه كان يتجنبنا بسبب عمله وأنه

متعب , لكني لم أفعل أي شيء خاطئ ولا أذكر أني

قلت أو فعلت شيئا , وصلنا حينها ونزلت وتحرك هوا

من فوره بالسيارة وتركني واقفة رغم أن القصر يبدوا

ها هوا هناك قريب جدا , نظرت للباب ومددت أصابعي

وقرعت الجرس ففتحته لي بتول سريعا وسحبتني من يدي

للداخل ثم تعانقنا فورا وقالت بسعادة " سما كم اشتقت لك "

قلت بحب " وأنا كذلك وتمنيت أن زرتك منذ وقت "

سحبتني معها من يدي للداخل ودخلنا منزلهم , كان

راقيا وجميلا ليس كمنزلنا في العاصمة لكنه يكاد يكون

مثله , أخذتني لغرفة الضيوف وجلسنا وقالت من فورها

" أصبحت المدرسة مملة من دونك يبدوا أني اعتدت

عليك ولم أكن أعلم رغم أنك لا تتحدثين كثيرا "

قلت مبتسمة " وأين ريحان عنك "

قالت بضيق " تلك الفتاة قطعت علاقتي

بها منذ الحادثة التي حصلت لكما "

قلت باستغراب " ولما !! "

قالت بضيق أكبر " أمثالها لا ثقة فيهم كيف تهرب

وتتركك حتى أنها لم تطرق أحد الأبواب ليخرجوا

لإنقاذك , أنانية وفكرت في نفسها فقط لو كنت أنا

مكانها ما تركتك وحدك ولحاولت إنقاذك ولو

بضربه بحجر على رأسه "

نظرت للأرض وقلت " على الأقل تنجين أنتي

أفضل من أن يمسكونا الاثنتين "

قالت من فورها " أبدا ما يحصل لك يحصل لي

أليست من أخرجك من هناك وهي تعرف أنهم

لا يريدونها هي , كانت فعلت أي شيء تساعدك به

لقد تشاجرت معها أمام الجميع وقطعت علاقتي بها

منذ ذاك اليوم ولن يشرفني مصادقة أمثالها "

نظرت للهدية في يدي وتذكرت أني لم أعطها لها

فمددتها لها وقلت " لم أجد وقتا لأخرج وأشتري

لك شيئا مميزا ... أتمنى أن تعجبك "

أمسكتها وقالت مبتسمة " ياه سما هدية مرة واحدة

أين تربيتي بالله عليك أجزم أنك ......."

ثم توقفت عن الكلام عندما فتحت العلبة ونظرت

لي بصدمة وقالت " ذهب "

قلت مبتسمة " اتركيها تذكارا مني "

وما أن فتحت فمها لتتحدث حتى دخل طفل راكضا

رماها بوسادة أريكة وغادر ضاحكا فوقفت وقالت

بحدة " مصعب يا وقح قلت لا تدخلوا هنا "

لم أستطع إمساك ضحكتي فجلست وقالت بحنق

" هذا القرد سيرا مني فيما بعد "

قلت مبتسمة " يبدوا لطيفا ومرحا جدا "

تأففت وقالت " سيصيبونني بالجنون ليثني مثلك

فكم أنتي في نعيم لا يعلمه أحد غيري "

نظرت للأرض بحزن ولم أعلق ... بل أنا التي ليثني

مثلك يا بتول لي عائلة والدان وإخوة كيف تتمنين مكاني

نظر ذاك الطفل مجددا من الباب ثم أخرج لها لسانه

وهرب فرمته بالوسادة التي رماها عليها سابقا وقالت

بصوت مرتفع ليسمعها " مصعب أقسم سأضربك

على كل هذا وسترى حسابك مني "

قلت " أخبريني لما لم تذهبي للمدرسة كل تلك الفترة "

تنهدت وقالت بأسى " لو تعلمي ما حدث لي يا

سما لبكيتِ على حالي حتى جفت دموعك "

قلت باستغراب " لما !! ماذا حدث "

مدت لي بيدها اليسرا لأنتبه لخاتم الزواج فيها

فقلت بصدمة " تزوجتِ !!!! "

تنهدت وقالت " بل اكتشفت أني متزوجة ولا أعلم "

بقيت أحدق فيها مصدومة وهي تسرد ما حدث معها

ثم قالت بضيق " وطبعا أنا مراقبة من عمر شقيقي وذاك

المعتصم يرشيه بالأشياء التي يحبها ليخبره إن نزعت

الخاتم أم لا وذاك القرد يهددني دائما أنه سيخبره "

قلت بحيرة " كل هذا حدث معك !! كيف لا

يخبرونك ويأخذون رأيك "

قالت باستياء " لا أهمهم في شيء لكانوا فكروا بي "

هززت رأسي وقلت " ياله من موقف وضعوك به "

ثم نظرت لها وتابعت " وما ستفعلين لاحقا هل

ستتركين جابر يطلقك منه "

قال من فورها " بالتأكيد ما أن تمر سنوات

دراسته سأطلب منه أن يطلقني منه وفي الفور "

قلت باستغراب " ولما وأنتي لا شخص لديك تحبينه

كما قلتِ سابقا وهوا يبدوا لا عيب به حتى نزار

أذكر مرة تحدث عنه حديثا جيدا "

لوت شفتيها وقالت بضيق " لا أحبه أكرهني فيه

لسنوات وعقلي لم يصدق حتى الآن فكرة أنه

زوجي وأني زوجته "

نظرت لها باهتمام وقلت بهدوء " وكيف وافق والدك

وأنتي صغيرة وكيف سيفرض جابر رأيه على الجميع "

قالت مباشرة " والدي لم يفكر سوا بوعده لعمي لا فكر

بي ولا بعمري ولا رأيي , وجابر الشخص الوحيد

الذي إن قال نفذ وينفذ الجميع كما يريد "

اقتربت بعدها مني أكثر وقالت بصوت منخفض

" وما حكايتك أنتي التي قلتِ في الهاتف أنك

ستحكيها لي ما أن نتقابل "

تنهدت ونظرت للأرض وبدأت أنا في إفراغ ما في

قلبي ويكاد يحرقه حتى انتهيت فقالت " نعم وبعدها "

هززت رأسي وقلت " لا شيء بعدها هذا فقط "

قالت بصدمة " كيف هذا فقط ! ما رأيه هوا وما

مشاعره نحوك وما قال لك "

هززت رأسي مجددا وقلت " لم يقل شيئا ولا أعلم

شيئا , هوا بعد ترك خطيبته له منذ سنوات لم يعد يفكر

في شيء سوا عملية والدته ويرى أيضا أني صغيرة

على الزواج من أي أحد "

تنفست بقوة وقالت " أي حفرة هذه التي أوقعت

نفسك بها يا سما "

قلت بتذمر " وهل الأمر كان بيدي ؟ لو كان كذلك ما

أحببته أبدا , لكن هذا أمر لا نتحكم به "

قالت بهدوء " والحل في هذا "

قلت بأسى " لا شيء ولا حل "

*

*[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 12-29-2015, 04:03 PM
oud
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]*

*

وضع يديه في جيوبه وقال " نزار ما هذا الجنون

الذي تقوله ! كما أنه ليس وقته يا رجل "

قلت ببرود " ولما ليس وقته أنت فقط تحدث مع عائلة

والدها عن الأمر كي لا يلقوا عليا باللوم حينها وسأعلم

منها من يكون الشخص الذي قد توافق على الارتباط به "

قال بجمود " والسبب "

تأففت وقلت " جابر كم مرة ستقولها , السبب شخصي

ولا أريد الحدث عنه "

قال بسخرية " نزار لا تضيق الخناق على نفسك يا

صديقي المعادلة سهلة فلما تصعبها هكذا "

قلت بضيق " لم أفهم ولا تشرح لي "

قال بابتسامة جانبية " بل تفهم ومن دون أن أشرح لك

وكلامي واحد إن كان أنت ذاك الزوج فموافق وغيره

لا ولن أعرض حياة الفتاة للخطر بتزويجها بشخص لا

أعلم ما قد يضرها به بل قد نسلمها لهم ونحن لا ندري "

نظرت للجانب الآخر ولم أعلق فقال بضيق " نزار للمرة

المئة أسألك لماذا تريد أن تخرج الفتاة من منزلك "

لم أعلق ولم أتحرك فقال مغادرا " إن فعلت ما في

رأسك وتضررت الفتاة أنا من لن يرحمك

قبل أهلها يا نزار "

تأففت ونظرت جهة العمال الذين يتحركون دون

توقف , لما تصعبها علي يا جابر أنا مثلك لا أريد

أن أعرضها للخطر بل وأكثر منك لكن لا حل أمامي

غيره فلم أنجح ولا حتى في الهروب منها لأنها يبدوا

بدأت تسيطر على تفكيري حتى وهي ليست أمامي

ولا أتخيل أبدا أن أتزوج بها وهي في هذا السن

عقلي لا يقبل الفكرة أبدا فلأبعدها مع الشخص الذي

تريده من الآن وأتحمل على نفسي قبل أن يكبر شعوري

ناحيتها أكثر , غادرت من هناك وتوجهت لباب منزل

عم جابر واتصلت بها لتخرج وجلست في السيارة وما

هي إلا لحظات وخرجت وركبت في صمت وانطلقنا

عائدين ولم تغب فكرة سؤالها عن ذاك الشخص عن

بالي طوال الطريق وكلما فتحت فمي لأتحدث شعرت

بأن لساني تحول لحجر يرفض التحرك وقوة تمنعني

وكأني أخشى على نفسي من الجواب , وصلنا المنزل

ونزلت وهي تتبعني وتوجهت للأعلى من فورها

ونظري يتبعها حتى اختفت فسمعت صوت

والدتي قائلة " نزار تعال لا تذهب "

دخلت لغرفتها وجلست أمام سريرها فقالت مباشرة

" صباح زوجة عوني تحدثت عن موضوع سما

مجددا وأنا طلبت منها سؤالها بنفسها لأنهم

يضنون أن رأيها مغاير لرأيك "

قلت بحدة " سما سما وزواج وزوجّها سأفعلها

وأرحمكم جميعا ولا أحد يلقي عليا باللوم في شيء "

نظرت لي بصدمة فأنزلت نظري وقلت بهدوء

" آسف يا أمي لم أقصد الصراخ بك "

قالت ببرود " وبمن ستزوجها سيد نزار "

أشحت بنظري وقلت بكلمات أشعر أنها تخرج

من عروقي " بمن تريد هي طبعا "

" وأي كان اختيارها ؟؟ "

نظرت لها بسرعة فتابعت " أجب هل ستزوجها

به مهما كان ذاك الشخص "

قلت باستغراب " أمي ما معنى كلامك هذا !! "

اتكأت على سريرها وقالت " لا شيء اسألها وافعل

ما يحلو لك ولا تلم أحد على النتائج يا نزار "

وقفت وقلت " أنتي تعلمين أن سما تحب

شخصا فمن يكون "

ستكون على لسان والدتي أيسر من أن أسمعها

منها , قالت ببرود " لا أعلم "

قبضت على يداي بقوة وقلت " أمي أجيبي "

نظرت ناحيتي وقالت بضيق " قلت لا أعلم وهي

لم تخبرني عنه وكما أخبرتك يا نزار تحمل

نتائج هذا السؤال لأنها ستكون سيئة "

قلت مباشرة " ولما "

ابتسمت بسخرية ولم تعلق فخرجت من عندها

وصعدت من فوري للأعلى وجنون يسيطر علي

وأعلم معناه جيدا وهوا الحب يا نزار تحبها وعليك

أن تضع لهذا حدا مهما كرهته نفسك , طرقت

باب غرفتها عدة مرات ولم تفتح فقلت

" سما هل أنتي بخير افتحي الباب "

فتحت بعد قليل تنظر للأرض وأعلم معنى حركتها

هذه جيدا وهي إخفاء عينيها التي أتعبهما البكاء

تنفست بقوة وقلت " ما بك من ضايقك يا سما "

أولتني ظهرها وقالت " لا شيء ولا أحد "

هذه النبرة الباردة في صوتها أول مرة أسمعها !! أغمضت

عيناي بقوة ثم فتحتهما وقلت " سما أريد أن أسألك عن

أمر فيه مصلحتك ولم أعد أريد التدخل فيه وسأحتفظ

بأفكاري لنفسي وأحررك منها "

لم تعلق ولم تلتفت وخيرا فعلت أن أخفت وجهها

عني فتابعت " سما أنا ألغي كل كلامي الذي قلته لك

سابقا عن زواجك ومستعد لأن أزوجك بالشخص الذي

تريدي لكن عليا أن أتأكد منه أولا من أجل سلا.... "

قاطعتني قائلة بحدة " لا أريد أن أتزوج أحد لا أريد "

بقيت أنظر لها بصدمة , ما بها هل تشاجرت معه أم

ماذا !! التفتت لي وقالت بغضب أراه أول مرة " توقف عن

قول هذا يا نزار سحقا لك سحقا , أنا لا أريد أحدا لا هوا

ولا غيره ولا يريدني ولا يفكر بي أكرهه تفهم أكرهه "

بقيت مصدوما وجملة واحدة تتكرر في رأسي

(توقف عن قول هذا يا نزار سحقا لك سحقا )

أنا أبحث عنه بين الرجال وهوا .. لا يا سما لا تقوليها

ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى غادرت جهة سريرها

وارتمت عليه تخفي وجهها في ذراعيها وقالت ببكاء

" متحجر ولا يشعر , لم أعد أريده ولا أريد

أن يتزوجني سحقا له "

أغمضت عيناي بشدة وأنزلت رأسي للأرض وسحقا

لي بالفعل يا سما كيف لم أنتبه لكل هذا وكلام والدتي

أن سؤالي ستكون نتائجه سلبية فهمت الآن معناه ومما

لا شك فيه أن والدتي تعلم بكل شيء , لما تصعبينها

علي يا سما لماذا , لا يمكنني الزواج بك كل شيء

ضد ذلك وسيكون جنونا حقيقيا , أنتي فقط لم تعرفي

غيري وأمامك العمر بطوله وستتغير مشاعرك الزائفة

هذه فأنا كنت في سنك وأعرف معنى هذا , بقيت أنظر

لها وهي تدس رأسها أكثر بين ذراعيها وتبكي فتنهدت

وقلت " حسنا يا سما لن أزوجك به ولا بغيره لأنه عليك

أن توجهي مشاعرك بشكل سليم فقد يكون لا يستحقك

وستكتشفين ذلك يوما , أنتي ورائك مستقبل طويل

وستتغير كل أفكارك صدقيني "

ثم ضغطت على يداي بقوة وتابعت

" انسيه وستجدين أفضل منه مستقبلا كوني أكيدة "

ثم أغلقت الباب وغادرت جهة غرفتي , كلامي قاس

عليها لكنه لن يكون أقسى من مستقبلها معي , وأن أقوله

وهي لا تعلم أني بث أفهم حقيقة مشاعرها نحوي أفضل

من أن أقوله وهي تعترف لي فسأجرحها أكثر حينها

*****************

طرقت باب جناحها ففتحت الباب وخرجت تعدل حجابها

على وجهها , ما هذه الحسناء لا أعلم أي درجة سيصل

لها الحسن في النساء بعد هذه الفاتنة , قلت بابتسامة

" ظننتك غيرتِ رأيك ولن تذهبي "

أغلقت باب جناحها وقالت " سنخرج هذه المرة فقط

يا أرجوان رجاء ولن نتأخر أيضا "

أمسكت يدها وسحبتها منها قائلة

" موافقة فقط أخرجي الآن قبل أن تغيري رأيك "

ثم تابعت ونحن ننزل السلالم " ولا تشتري من أجله

شيئا ولا حتى مشبك شعر وإن كان لا يعترف

بالحب فلا تتزوجيه من أساسه "

لم تتكلم ولم تعلق على الأمر ، خرجنا وركبنا السيارة

وغادرنا القصر ، لا أعلم لما أفعل كل هذا من أجلها

ومن أجل حتى أطفال لا يمدون لي بأي صلة

خصوصا بعد الكلام الجارح والمؤذي الذي سمعته

منه وأنا كالحمقاء لم أتوانى لحظة عن التعبير عما

أشعر به وعن أهميته في حياتي ليضربني على قلبي

بتلك الحقيقة الموجعة التي قالها منذ البداية .... مربية

فقط وحدودنا الأولاد , لكني سمعت كلام سوسن وصدقته

وها قد جاءتني النتائج الرائعة لأدرك الحقيقة بعد فوات

الأوان وبعد أن أحببته ولكن على هذه المهزلة أن تتوقف

وصلنا لمركز التسوق الذي بت أرتاده دائما منذ تزوجت

ونزلنا وهي تسير بجانبي في صمت ، سبحان الله لو لم

أسمع صوتها بأذني لقلت أنها خرساء ، جلنا بعض

المحلات والحارسان خلفنا وشبه مجبرة اشترت زهور

بعض الأغراض وفساتين كالفساتين التي تلبسها دائما

ولا تليق بسواها ، دخلنا بعدها لمحل لبيع الذهب

والمجوهرات وما أن وقفنا عند طاولة المعروضات

حتى توجه أحد الباعة نحوها فورا ينظر لها بتفحص

مبتسما وقال " تفضلي يا آنسة سيعجبك ما لدينا بالتأكيد "

ياله من وقح من قال له هي التي ستشتري وليس أنا ولا

ألومه من يرى هذا البدر ولا ينسى نفسه حتى أنه لم

يشك أن تكون متزوجة مرتين وناداها بالآنسة ، سحبتها

معي للجهة الأخرى عند الباب أريها بعض الحلي ثم

انتقلنا لجهة أخرى لكن في الداخل فسمعنا صوت من

خلفنا قائلا باستغراب " زهور !! "

نظرنا كلينا للخلف فكان رجل يبدوا في سن جابر أو

أكبر منه بقليل بملامح فيها جاذبية غريبة لا تعرف

فيما تحديدا وأجمل ما فيه خصلات شعره التي تعانق

جبينه الشامخ مع نظارة النظر الطبية التي زادته هيبة

كان ينظر لها باستغراب وكأنه لا يتوقع وجودها هنا

ويمسك في يده كيسا لماركة معروفة لشركة حواسيب

نظرتُ لزهور فكانت تنظر للأرض ثم تراجعت خطوتين

حتى التصقت بالطاولة فتقدم منها في خطوة واحدة ومد

يده وأمسك يدها ورفعها له ليصعقني حين قبلها قبله

طويلة ثم أمسكها بكلتا يديه وقبل كفها ونظره على وجهها

وزهور على حالتها تنظر للأرض وعلى ملامحها أسى

واضح وكأنها تمنت أن لم تكن هنا , أما أنا فكنت أنظر

له مصدومة بدون أن أرمش ... ما أجرأه من رجل

وكأني لست موجودة بل وكأنه لا أحد غيرهما هنا

لابد وأنه زوجها وإلا ما تجرأ على فعل أمر كهذا

وما سكت له الحارسان الواقفان عند الباب من الخارج

أنزل بعدها يدها وهي لازالت في يده ليصعقني مرة

أخرى وأصابعه تمسح على خذها وقال بهمس

" يالها من مفاجأة لم أتصور أن تخرجي مجددا حبيبتي "

كدت أبكي من الحسرة ، كل هذا لسعادته بخروجها !

لا ويقول لها حبيبتي وعيناه لم تفارق ملامحها ينظر

لها بشغف ، ما هذا الحظ الذي لديك يا زهور كل هذا

ولا تريدي الزواج منه ويبدوا تجبرين نفسك ، سحبتْ

يدها من يده بقوة وأبعدت يده الأخرى عن وجهها

وغادرت مسرعة وأنا أنظر لها بصدمة ليخرجني

منها صوته قائلا " اتبعيها رجاءا لا تؤذي نفسها "

خرجت مسرعة كي أدركها ، غريب أمر هذا الرجل

فعل كل ذلك فلما لا يلحق بها بنفسه أو أنه لا يرى أحد

الحارسين الذي انطلق خلفها ، أدركتها أخير وهي تكاد

تخرج من باب المركز وأمسكت يدها وقلت بنفس لاهث

" زهور انتظري أين أنتي ذاهبة بسرعة هكذا "

قالت وهي تخرج " أريد العودة للقصر وأخبرتكم

منذ البداية أني لا أريد الخروج "

خرجت خلفها ولا أفهم مما يجري شيئا ، هوا زوجها

وستكون في منزله قريبا فما المشكلة إن تقابلا الآن أم

أنها لا تريد أن يراها هنا ، عجيب أمرها يبدوا ورائهما

قصة ويبدوا يحبها سابقا بل متيم بها ويحق له من سيلومه

فيها , لكن ما سبب نفورها منه يا ترى ! ركبنا السيارة

وانطلقنا تتبعنا سيارة الحراس وعدنا للقصر ولم تتحدث

زهور طوال الطريق , كانت تفرك يداها بقوة حتى كادت

تمزق جلدهما ويبدوا تفرغ انفعالها فيهما ودمعة واحدة

يتيمة التي نزلت ومسحتها على الفور وأنا لم أقل شيئا حتى

وصلنا القصر ونزلت ودخلت هي قبلي مسرعة ونزلت

أنا بعدها أنظر لسيارة جابر الواقفة أمام الباب ويبدوا كان

هنا وسيغادر ، فتح باب السيارة ونزل ووقف أمام بابها

وقال " ما بها وكيف كان تسوقكما "

قلت بنبرة جافة وأنا أنظر للفراغ " جيد "

ولم أزد شيئا على ذلك ولم أنظر له وهذا حالي منذ تلك

الليلة أعامله كما حدد هوا مجرد شخصان لا يجمعهما

سوا العشرة والتعود وهوا لم يتحدث عن تغيري اتجاهه

مطلقا لأنه أساسا هذا ما يريد فكيف سيعترض ، ركب

سيارته دون أن يضيف شيئا ودخلت أنا للداخل ، ليتك

تتعلم من زوج شقيقتك الذي قلت سابقا أنه صديق طفولتكم

وليتها تقدر ما هي فيه من نعيم لكني أدركت شيئا واحدا

أنكم أبناء هذه العائلة لا تختلفون عن بعضكم في شيء

وعبثا يحاول من يفكر في تغييركم ، وصلت للأعلى

وتوجهت من فوري لجناحي ودخلت الغرفة لأجد الفوضى

التي باتت متعمدة بشكل واضح هذه الأيام ، جمعت ثيابه

وأغراضه فلا بأس هذا من أساسيات العشرة أيضا ، دخلت

بعدها للحمام استحممت وخرجت بالمنشفة لأفاجئ به هنا

يبحث عن شيء في خزنته التي لا أراها مفتوحة إلا نادرا

توجهت لغرفة الملابس ولبست بيجامة قطنية قصيرة

وخرجت وكان لا يزال هناك وفي يده كومة أوراق يفتش

فيها ، جلست على كرسي طاولة التزيين وبدأت

بتجفيف شعري حين سمعت صوته قائلا

" هل أنهت زهور شراء كل شيء "

زدت من قوة المجفف ليزداد صوت ضجيجه وكأني

لم أسمع فأقترب مني واستل خيطه من الكهرباء ورماه

أرضا وقال بضيق " هل لي أن أعلم سبب كل هذه

التصرفات يا أرجوان "

جيد تذكر أن ينتبه أن تصرفاتي تغيرت , لا ويسأل

عن السبب بكل جرأة , وقفت وأعدته مكانه وعدت

لجلوسي وقلت " وما الخطأ بي لأغيره "

قال بحدة " أرجوان حركات الأطفال هذه أضنك

أكبر منها وأنا سكتت عن هذا كثيرا "

قلت ببرود وأنا أمشط شعري " ما الخطأ بي لأغيره "

تأفف بصوت مسموع ثم غادر ضاربا الباب خلفه

وليس لديه ما يقوله طبعا لأنه سيناقض نفسه ومعتقداته

الفارغة ، شغلت مجفف الشعر من جديد وابتسمت بألم

على حالي ، ليثني لم أحبك يوما يا جابر ليت قلبي ميت

مثلك وبلا إحساس فأنت لا تصلح لك سوا ابنة راضية

التي اختارتها لك والدتك لأنها شبيهة بها وبك ، أنزلت

مجفف الشعر وأشعر بحسرة في قلبي وأنا أنظر لشعري

في المرآة وأتذكر كم كنت أستمتع بلعبه به كل ليلة لوقت

طويل ولم أتخيل أنها مجرد عادة اعتاد على فعلها وكل

ظني أنه يحبه كما أحب أنا أن أخلل أصابعي في شعره

البني ليس بسبب لونه ولا كثافته ونعومته بل لأنه

شعره هوا كيفما كان سيكون , وقفت بصرخة متألمة

ليسقط المجفف على الأرض ومسحت فخذي بيدي

لأصرخ صرخة أقوى من سابقتها بسبب ازدياد

الحرارة بلمسي للقماش ساخنا بشدة , رفعت بنطلون

البيجامة لأرى ما سبّبه فيها فكانت بقعة حمراء أشعر

وكأن من سكب عليها ماء ساخن من شدة الألم فيها

ولم استطع لمسها , توجهت للسرير جلست على طرفه

وأخرجت ورقة من الدرج وبدأت أهف عليها مخففة

من حرارتها ثم وقفت أمسك البنطلون وخرجت متوجهة

للمطبخ هنا وفتحت الثلاجة أخذت منها بعض الثلج ولم

أعرف كيف أتصرف فيه فثنيت البنطلون حتى تبث فوق

الحرق ووضعت الثلج في كيس ووضعته على فخذي

أغمض عيناي بشدة ثم عدت جهة الغرفة وجلست

على السرير أكمده بكيس الثلج وبقيت على ذاك الحال

لوقت ولا أعلم لما سبّب كل هذا وأنا كنت أرتدي البنطلون

يبدوا بقي المجفف عليها لوقت وأنا لا أشعر به , كنت أسمع

عن الذي يجرح نفسه أو يحرق نفسه وهوا لا يشعر وكنت

أُكذّب ذلك وأقول أنه يتحجج فكيف لا يشعر بالسكين أو النار

والآن صدقتهم ويبدوا أنهم كانوا في حالة نفسية سيئة حد

أنه انعدم عندهم الشعور , بعد وقت وقفت وأنزلت البنطلون

برفق وسرعان ما عدت ورفعته لأن حرارة الحرق ازدادت

حين تغطى , توجهت جهة غرفة الملابس وغيرت ثيابي

ولبست فستانا قصيرا بعض الشيء وواسعا من الأسفل

وخرجت أمسك طرفه بيدي ليبتعد عن فخذي وغادرت

الغرفة والجناح بحثا عن سيلا حتى وجدتها وطلبت منها

أن تحضر لي مرهم حروق ووضعت كمية عليه ثم توجهت

جهة غرف الأطفال فأنا لم أزرهم من ساعات , توجهت

أولا لغرفة أمجد لأنها أصبحت منفصلة جهة ممر غرفة

معتصم وأستغرب أنه ليس له جناح كغيره ويبدوا هوا لا

يريد ذلك , فتحت الباب فكان نائما والكتاب في حضنه

فابتسمت على شكله وتوجهت نحوه أخذت الكتاب منه

ثم قلت " أمجد بني استيقظ "

فتح عينيه بصعوبة فقلت " هل صليت الظهر

في المسجد أم نمت "

أغمض عينيه وقال " بلى صليته ماما , ذهبت

معهم ووالدي وصلينا "

وعاد بعدها للنوم على ما يبدوا , إذا جابر كان هنا

منذ وقت , غريب ليست عوائده مؤخرا ! غطيته وأغلقت

النور لينام قليلا حتى وقت الغداء ثم توجهت لممر غرفة

الفتاتين ودخلت الغرفة لأجد ترف ومصعب يقفزان على

السرير وبتول تجلس على الأرض مع بيسان ويلعبان

لعبتهم التي لم أفهمها حياتي وعُدي نائم في حجر بتول

قلت مبتسمة " وأخيرا قررتِ زيارتنا مجددا يا بتول "

نظرت لي وقالت " ليس لدي غيركم ما سأفعله واشتقت

لأبنائكم ومصعب يريد المجيء هنا بما أنه عمر يدرس

ولا يريدون أن يقترب منه أحد وكأنه في الجامعة "

ضحكنا معا ثم نظرت جهة القردان على قول

بتول وقلت " ترف مصعب توقفا يكفي قفز "

ولا حياة لمن تنادي فقلت بحدة " ترف "

نظرت جهتي ونزلت من السرير فورا ومصعب على

حاله فوقفت بتول وقالت " هذا رأسه جودة عالية

لا يجدي معه الكلام والأوامر "

توجهت نحوه وضربته قائلة " توقف وانزل

حالا واسمع الكلام "

قفز مجددا يقول كلمات غير مفهومة وهي غضبت

ويبدوا يقول لها شيئا سيئا فأمسكت أذنه وسحبته منها

ولم تأبه ولا حتى لبكائه وأنزلته قائلة " سنغادر الآن

عقابا لك يا سليط اللسان يا وقح "

وخرجت به وهوا يبكي تسحبه بيد واليد الأخرى

تحمل فيها عُدي , نظرت للفتاتين وقلت

" هل صليتما "

هزتا رأسيهما بنعم وقالت بيسان " نحن وبتول "

قالت ترف ضاحكة " مصعب لا يعرف كيف

يصلي يفعل هكذا "

ثم بدأت تقلده كيف يسجد وساقاه ممدودتان دون

أن يثني ركبتيه وقالت بيسان " ماما ترف تقول

كلمة سيئة تعلمتها من مصعب "

نظرت لها بضيق فأشارت بإصبعها بلا أمام وجهها

فقالت بيسان " بلى وأخبرتها أني سأقول لك وأعادتها مجددا "

ما أعرفه أن أسوء عادات مصعب هي تشبيه الناس

بالحيوانات يا حماره ويا قردة ويا زرافة ومن كل نوع

وليس كلمات بذيئة لكني حتى هذا حرمته عليهم ونبهتهم

عليه مرارا , فتحت فمها لتتحدث فقلت بحدة " أصمتي

ولا تكلميني بعد اليوم ولن أكلمك ولستِ ابنتي "

وخرجت من الغرفة متجاهلة بكائها وكل ما تقول

وعدت لجناحي , جلست على الأريكة ورفعت الفستان

اخفف حرارة الحرق قليلا رغم أنه سطحي لكنه مؤلم

بشكل فضيع , أمسكت الوسادة اهف بها عليه وأشعر

بأنه هكذا أفضل حتى تعبت يداي , سمعت بعدها طرقا

على الباب فغطيت فخذاي ودخلت سيلا وقالت

" الغداء جاهز سيدتي "

وقفت وقلت " حسنا قادمة "

خرجت بعدها وتوجهت لغرفة الفتاتين حيث نتناول

الطعام في غياب والدهم وكانوا هناك وحتى أمجد

فجلست بجانب بيسان وبدأنا تناول الطعام أجيب على

كل ما يقولان أمجد وبيسان أما ترف فأتجاهلها تماما

حتى قامت عن الطعام وتوجهت للسرير وارتمت عليه

تبكي ولم آبه لها رغم أن قلبي يأكلني لكن عليها أن تتعلم

أن لا تكرر الخطاء وأنا سبق ونبهتهم كثيرا , أنهينا

غدائنا ووقفت وقلت " سيلا كوني بقربهم أريد أن

أنام قليلا ولا يزعجني أحد كالعادة "

توجهت بعدها لجناحي دخلت الغرفة وشغلت التكييف

وأطفأت النور ونمت على السرير بدون غطاء طبعا

ورفعت الفستان لأني لن أتحتمل شيئا عليها , نمت بعد

وقت ثم شعرت بالنور يتسلل لعيناي وهذا يعني أن ثمة

من شغله , أغمضت عيناي بشدة ثم جلست بصرخة

متألمة ودفعت يده عن فخذي قائلة " جابر ما بك

لا تعرف معنى أن بعض الأشياء لمسها مؤلم "

ثم تابعت وأنا أهف عليه بيدي " وتراني نائمة ولا تهتم "

توجه جهة الخزانة فتحها وقال ببرود " من أحرقك "

قلت بضيق " قل ما الذي أحرقك لأنه إن حرقني

أحد ما وجدتني هنا ولا عدت بعدها ما حييت "

تجاهل كلامي طبعا وهذا أصبح ديدنه يقلدني في كل

شيء , الآن فقط عرف تقليدي لما في السابق لا يفعلها

أخذ منشفة من الخزانة ومر بجواري ثم وقف ونظر

لفخذي وقال " وما الذي حرقها هكذا "

غطيتها باللحاف وقلت ببرود " مجفف الشعر "

صعقني حينها بضحكته فنظرت له بصدمة وهوا يتوجه

جهة الحمام وقال وهوا يدخله " كي تتعلمي أن إغضاب

الزوج ثمنه عقاب بذات الشيء الذي تحاربينه به "

ضغطت على أسناني بقوة وقلت بغيض قبل أن

يغلق الباب " جهز نفسك لأن يحترق قلبك إذا لأن

الزوجة أيضا ما تفعله لها ستعاقب به والعين بالعين "

قال وهوا يغلق الباب " أنا لم أفعل لك شيئا "

وأغلق الباب ليتركني لغيظي , كل هذا ولم يفعل لي

شيئا !! مصيبة إن كان لا يرى نفسه مخطئا , رفعت

اللحاف ونظرت للحرق , لا اعلم لما لا أحتمل فوقه

شيء أبدا وياله من مكان أصبت فيه , وقفت أمسك

الفستان وتوجهت لغرفة الملابس وارتديت بيجامة

بشورت قصير يصل لفوق الفخذ وقميص ضيق وخرجت

فكان جابر يجلس على السرير بمنشفته , توجهت للأريكة

وجلست عليها وتوجه هوا لغرفة الملابس وخرج بعد قليل

يرتدي بنطلون رياضي فقط وجلس على السرير في صمت

لوقت ولا أعلم ما يفعل ولا إلى ما ينظر لأني لم أنظر

ناحيته أبدا , قال بعد وقت " تعالي "

لويت شفتاي باستياء ثم قلت " فخذي تؤلمني "

قال بجمود " تعالي أرجوان "

لم آبه له فقال بنفاذ صبر " تعالي قلت لك "

وقفت وتوجهت نحوه أنظر للأسفل ولم انظر جهته

أبدا وجلست على السرير مبتعدة عنه وفي صمت

فأمسك ذراعي وسحبني نحوه وقال " الذنب عليك

وليس علي من قال لك تلبسي هكذا ملابس "

لم أتكلم ولم أعلق فهوا يعلم أنه بسبب الحرق في

فخذي لما كنت لبستها فلا حاجة لأوضح ولا يهمني

ما يرمي إليه بأني أتقصد فعل هذا لألفت نظره لي

شدني لحظنه يبعد شعري ويقبل عنقي ليعود لي

ذاك الإحساس الذي بت أشعر به كل ليلة في مثل

هذا الموقف فدفعت صدره بيدي قليلا بحيث يشعر

بها ولا تحركه وقلت بأسى " أتعلم أكثر ما

بات يؤلم قلبي يا جابر "

توقف فجأة عما كان يفعل فتابعت بذات

الأسى " أن حضنك أصبح يجرحني كثيرا "

ارتخت حينها جميع عضلات جسده وابتعد عني

بسرعة وغادر السرير ودخل غرفة الملابس ولم

يخرج منها إلا وهوا يرتدي البذلة الرسمية وخرج

من الغرفة من فوره وفي صمت , فليجرب معنى

جرح الكرامة ومعنى ما أذاقني تلك الليلة وليعرف

تأثير كلماته علي , أخيرا قلت شيئا أثلج على

صدري بعد كل صمتي ومهما كانت ستكون نتائجه

أطفأت النور مجددا وعدت للسرير تقلبت كثيرا أحاول

النوم وبلا فائدة لأني كنت مقيدة بسبب الحرق خصوصا

أنه أصبح به انتفاخا مليء بالماء في أحد أطرافه , جلست

بعدها وشغلت الإضاءة عند السرير ونظرت له , قال عقاب

لي قال فما سيكون عقابه هوا على كل هذا , سمعت أذان

العصر يقام فغادرت السرير ودخلت الحمام توضأت

وخرجت ولبست فستانا طويلا واسعا فوق ملابسي وخرجت

من الجناح واطمأننت أن أمجد غادر من أجل الصلاة

وطلبت من سيلا أن تصلي مع الفتاتان لأني لم أعد أقدر

على تحمل الفستان وسيلاحظان حركتي وصليت وحدي

في الجناح ثم نزعت لباس الصلاة وعدت للسرير

ووضعت مرهم الحروق مجددا وعدت للإضجاع

وأنا أفكر في كل ما حدث لي منذ تعرفت بجابر

وأقسم أنه لولا الأولاد ما قبلت بكل هذا رغم أنهم لا

يمدون لي بصلة لكني أحبهم وهذا شيء انغرس في

قلبي ولا أفهم لما وكأنهم جزء مني ومن عائلتي فلم

أنسى كلمات والدي في رسالته لي التي أحضرتها

والدتهم حين أحضرتهم لي وكلماته فيها ( أرجوان لا

تفرطي في هؤلاء الأطفال مهما طال بك العمر وربيهم

كما ربيتك وأفضل لأنك ستحاسبين أيضا على أي

شيء خاطئ يخصهم )

لا أفهم لما قال هذا وهوا يعلم أنهم ليسوا أخوتي ولا

أبنائه , والدي لم يكن مجرما وخريج سجون كما يقال

عنه هوا كان سجين سياسي سجن هنا كثيرا ثم في الخارج

قبل أن يصبح لاجئ سياسي في إحدى الدول الغربية ولا

أفهم لما لم يأخذني معه بعدها أو يكون خاف علي لأنه

قُتل على يد عصابة مافيا هناك رغم نظافة ملفه ولم يكن

متورطا معهم لكن الناس هنا لا ترحم ليتحول لمجرم خائن

خريج سجون وتاجر مخدرات وكلها ظلم وبهتان فقط لأنهم

وجدوا عنده رقم لرجل من المعارضين السياسيين في

الخارج , نمت بعدما سافرت بي الأفكار كثيرا ولم

أستيقظ إلا وقت صلاة المغرب

*

*
نومته على بطنه وقلت وأنا أدفع قدميه الصغيرتان

للأمام بكف يدي " هيا أزحف أو أُحبوا أو افعل أي

شيء لتمشي كأخويك وترحمني "

دفعته أكثر وقلت " هيا عُدي حبيبي تحرك أرجوك "

بعدما فقدت منه الأمل قلبته على ظهره وبدأت أدغدغه

وهوا يضحك وقلت مبتسمة " نعم هذا ما تفلح فيه الضحك "

بقيت أدغدغه وهوا يضحك ولم أشعر حينها سوا بشيء

اصطدم برأسي وصوت عمر قائلا " أرسلها لك معتصم "

وفر هاربا وأنا أصرخ به وأفرك رأسي بتألم ثم خرجت

أبحث عنه دون حتى أن أنظر ما الذي ضربني به ولما

وجدته أخيرا في غرفة والداي فوقف على السرير

وقال " لا تضربيني هوا من طلب مني ذلك "

قلت بحدة " كاذب وسترى ما سأفعل لك "

قفز خلف السرير وقال " أقسم هوا من قال لي

اضربها بها على رأسها كي لا تنسى مجددا "

رفعت أصبعي وقلت " أقسم أن ترى حسابك مني

يا عمر , هذا بدلا عن أن تقول له شقيقتي ولا

أفعل لها هذا تسمع كلامه وتنفذه بالحرف "

وضع يديه وسط جسده وقال " أعطني أكثر مما

يعطيني أصبح تحت إمرتك أنتي "

قلت بضيق " ما هذا الابتزاز يا قليل الأدب من

يسمعك لا يصدق أن عمرك عشر سنين "

أشار بأصابعه وقال " تسع سنين ونصف "

قلت مغادرة " ليتك تفلح في دراستك هكذا "

عدت لغرفتي ورفعت العلبة التي رماني بها عن

الأرض وفتحتها ليخرج منها مهرج ورقي لسانه

للخارج فضغط على أسناني بقوة وأمسكت رأسه

بيدي الأخرى لأمزقه حين استوقفني صوت رقيق

كصوت المهرجين يخرج منه قائلا بمرح

" لا تمزقيني ... الهدية في الداخل يا بتول "

من أخبره أني سأمزقه , قلّبت العلبة كثيرا حتى اكتشفت

أنها تفتح من الأسفل أيضا ففتحتها وأخرجت ما بها فكان

سلسال ذهبي به اسمي كاملا بالإنجليزية ومعه بطاقة

مكتوب فيها ( كل عام وأنا بخير يا زوجتي لاحظي

فقط أني تذكرتك بهدية في عيد ميلادي ونسيتِ أنتي )

رميتها وقلت بضيق " ولما سأتذكر وما يدريني أنا

باليوم التعيس الذي ولدت فيه "

نظرت للسلسال بين أصابعي , لا بأس به بل جميل

ويعجبني , هذا الشيء الوحيد الذي تفلح فيه يا معتصم

اختيار الهدايا , أعدته للعلبة ورميت البطاقة في سلة القمامة

ثم وضعتها في خزانتي وقلت بخبث " أتذكرك بهدية ولما لا "

أخرجت ما اشتريته منذ زمن وأنتظر الفرصة لأعطيه له

وأخرجت علبة هدايا ووضعته فيها وأغلقتها وحملت عُدي

من على سريري وخرجت أبحث عن ذاك القرد الجاسوس

عمر حتى وجدته في حديقة المنزل يحاول إصلاح دراجته

لأن والدي أقسم إن أفسدها لن يشتري له أخرى ولهذا هوا

يجمع المال وذاك المعتصم استغله , مددتها له وقلت

" خذها لسيدك وحاذر أن توقعها "

أخذها وقال ضاحكا " هل أضربه بها على رأسه "

ثم حك أصبعيه وقال " أدفعي لي لأفعلها "

أبعدت يد عُدي من شعري بضيق وقلت

" قلت لا توقعها يا غبي فكيف ترميه بها "

قال ببرود " إذا ادفعي المال لآخذها أو خذيها بنفسك "

ضغطت على أسناني بقوة وقلت " أفسد طبعك ذاك

النكرة وكأنه لا يعطيك والدي نقودا كل يوم "

مدها لي وقال " آسف إذا لن آخذها "

أخذتها منه بقوة وقلت " لن تأخذ مني مليما واحدا

وسترى إن لم أخبر أبي أنك تجلس على خردتك

هذه بعد المغرب في الحديقة وتترك دراستك "

ثم توجهت للداخل وضعت عدي في كرسيه ولبست

حجابي وعباءتي ووقفت عند باب المطبخ وقلت

" أمي سأذهب لقصر عمي قليلا وأعود

وضعت عُدي في كرسيه لن أتأخر "

التفتت لي وقالت من فورها " هل غيرت

له ثيابه وأعطيته رضعته "

قلت مغادرة " نعم ويضحك أيضا من الشبع "

ثم خرجت من عندها وخرجت من المنزل وتوجهت لقصرهم

دخلت ووجدت سيارة معتصم ما تزال هناك .... جيد ليعلم

أنها مني , دخلت وبحثت عن سيلا تحديدا فقالوا أنها في

الأعلى , مشكلة لا يمكنني إعطائها لغيرها لتعطيها لأمجد

يعطيها له , صعدت بخطوات سريعة وخفيفة ووقفت

نهاية السلالم لأتذكر أن أمجد غرفته أصبحت في ممر

غرفة معتصم , مشكلة لا حل الآن سوا بيسان لكن تلك

لا أؤمن عليها أن توصلها بدون أن توقعها وقد أجد

أرجوان معهما في الغرفة , خاطرت بحياتي وتسللت

جهة ممر غرفتيهم مسرعة حتى وصلت باب غرفة أمجد

ففتحته ودخلت مسرعة وكان على سريره يمسك كتابه

ليت ذاك الكسول عمر يتعلم منه , مددتها له وقلت

" أمجد أعطي هذه لمعتصم فور ذهابي "

لاحظت أنه ينظر لي باستغراب ثم حول نظره جهة

الخزانة خلفي وأشار لي بإصبعه هناك فالتفت بريبة

لأشهق بصدمة حين وجدت معتصم واقفا عند الخزانة

مستند عليها مكتفا يداه لصدره ومن غبائي واستعجالي

وخوفي لم أره حين دخلت ، ابتسم ابتسامة جانبية

وقال بمكر " ولما لا تعطيها لي بنفسك "

رميتها على السرير وركضت مغادرة جهة الباب

رغم أني أعلم أن الفرار منه مستحيل وبالفعل في

ظرف ثواني قليلة كان خصري بين قبضة ذراعيه

وقدماي معلقتان في الهواء فقلت بضيق

" أنزلني أريد الذهاب "

دار بي للداخل قائلا " تأتي بنفسك وأتركك تذهبي "

توجه بي لسرير أمجد وقال " أعطها لها "

مدها لي وقال معتصم " امسكيها منه بسرعة "

حركت جسدي وقلت " لا أريد أنزلني يا معتصم "

ضغط على خصري بقوة وقال " خذيها أو زدت أكثر "

أخذتها منه وقلت بتألم " أخذتها فأرخي يديك ستقتلني "

أنزلني ومد يده لي وقال " أعطها لي حالا "

وضعتها له في يده بقوة فأمسك يدي بيده الأخرى

وسحبني منها وتوجه بي نحو الباب وخرج بي من

غرفة أمجد وسحبني جهة غرفته فقلت وأنا أسحب

يدي منه " أتركني عليا المغادرة الآن "

فتح باب الغرفة وأدخلني وأغلق الباب بالمفتاح وترك

يدي ووقف على الباب وفتح الصندوق وأنا أنظر لردة

فعله وهوا يخرج منها المجسم الذي يأخذ شكل قط

بني اللون واقفا على قدميه وبطنه للأسفل ويمسك في

يده لوحة ألوان وبالأخرى ريشة وأمامه لوحة رسم

نظر له مطولا بجمود ثم نظر لي فابتسمت ابتسامة

صفراء وقلت " لم أجد غيرها اليوم "

نظر لي بتشكك فقلت محاولة تخفيف ضيقه

" شكرا على الهدية كانت رائعة "

بقي ينظر لي بجود فخرجت مني شهقة صغيرة لكتمي

لتنفسي خوفا من ردة فعله فضحك وشدني لحضنه بيده

الأخرى وقال من بين ضحكه " وهديتك رائعة أيضا يا

مشاغبة , إن كنت أنا قط سمين فما ستكون زوجتي "

ابتعدت عنه وقلت " فأر طبعا ولا يجتمعان "

قرص خدي وعض شفته السفلى بأسنانه ثم قال

" آآآآه منك أنتي يا فأرة كيف أتصرف معك "

أبعدت يده عند خذي وقلت وأنا أمسد عليه

" تطلقني طبعا وتنجوا بنفسك "

قال متوجها جهة الطاولة " وهذا غرضك طبعا

من كل هذا ولن تحظي به يا بتول "

وضع المجسم على الطاولة فقلت بسخرية

" لو علمت أنه سيعجبك ما أعطيته لك "

التفت لي ونظر لي بخبث واقترب فتراجعت للخلف

وأنا أقول " معتصم ابتعد عني أقسم أن أصرخ

بأعلى صوتي وسيسمعني الجميع "

لكنه لم يكترث لي وأمسكني من ذراعي ودفعني

لصدره وأنا أحاول الابتعاد وقلت بضيق

" لن أعيدها اتركني معتصم "

قال ونظره على عيناي " لتعلمي فقط يا بتول انه

بإمكاني أن أجعلك الآن زوجتي فعلا ورغما عنك

ولن يكون حينها الطلاق خيارك لكني أريد فقط

أن يكون ذلك برضاك وغيره لا "


" برضاك فقط يا بتول لتعلمي أني أحبك حقا "

نظرت له بضياع فأمسك بعدها وجهي وقبّل

خدي وفتح الباب وقال مغادرا" هذه بالنسبة لي تساوي

كل الهدايا في يوم عيد ميلادي "

*

*
وضع الأوراق أمامي على الطاولة وقال

" هذا كل ما طلبته "

أمسكتهم وورقت فيهم كثيرا وقلت

" جيد سنبدأ الخطوة الجديدة ومن عند الأهم فالأهم "

رفع إحداها بعدما بحث عنها وقال " لدينا هنا وسن أحمد

عامر , العمر واحد وعشرون سنة طالبة في جامعة

العاصمة للعلوم قسم أحياء , تعيش حاليا مع ابن خالتها

واسمه نواس خالد شاهين تاجر خيول متزوج وليس لديه

أبناء لديها شقيقة من والدها مسافرة مع زوجها , وزوجة

والدها نجلاء عيسى الشحاذ تقيم حاليا مع شقيقها في قرية

عين النور وتبعد عن هنا مسافة ألف كيلو متر , الفتاة لديها

شقة والدها ومحل لبيع البن والتوابل أغلق منذ وفاته هوا وشقيقها

كانت خطيبة لخالد الصقار لعشرة شهور بعدها فسخت الخطبة

منه وقبلها كانت على وشك زواج بابن خالتها المدعو نواس "

حركت جبيني بأصابعي وتنهدت بقوة فنظر لي وقال

" تبدوا اليوم بنفسية سيئة للغاية هل أقول لك كم

مرة تأففت منذ دخلت عليك "

قلت بضيق " تابع بلا ثرثرة وأترك عنك مراقبتي "

وضع الورقة على الطاولة وقال " أرى أن تأخذ فترة

راحة أحوالك هذه المدة لا تعجبني "

جمعت الأوراق وقلت " سالم تعرفني حين أغضب

واليوم بالذات لا يحتاج أن أشرح لك فاتركنا فيما نحن فيه "

قال مغادرا " إذا حاتم رفعت ينتظرك في قسم التحقيق

أرأف لحاله وهنيئا لك وجدت من تفرغ فيه غضبك "

تأففت مجددا ومررت أصابعي في شعري أنفث

أنفاسا حارة كالإعصار ثم حركت رأسي يمينا ويسارا

ورفعته للأعلى , عكرتِ مزاجي حد السواد يا أرجوان

ولا اعلم لما لم أبالي كحياتي سابقا مع حسناء , نفضت

رأسي بقوة ثم نظرت للطاولة تحتي وفردت الأوراق

أمامي مجددا واطلعت على باقي المعلومات ثم جمعتها

ووضعتها في الدرج وخرجت متوجها لغرفة التحقيق

لأجد الجالس هناك على الكرسي أمام طاولة صغيرة

يقف فوق رأسه اثنان من الشرطة وآخران من قسم

التحقيق , وقفت فوقه وأمسكت عنقه من الخلف بقبضتي

بقوة وقلت " إن سبق وحكا لك أحدهم عني فسترى الآن

بعينك ما قيل وإن لم تسمع سابقا فستحكي لغيرك مستقبلا

هذا إن خرجت من هنا حيا بالطبع فاختصر على

نفسك وعلينا الطريق يا حاتم "

*

*
صليت العشاء وبقيت في جناحي لأنه لا يمكنني الخروج

هكذا ولا ارتداء شيء فوقه لأن الحرق سيشتعل حينها

ويشعلني , أوصيت سيلا لتهتم بالأولاد وبطعام عشائهم

وصلاتهم وجلست أنا في ردهة الجناح وشغلت التلفاز

لأشغل نفسي عن الحرق كي لا أشعر بألم كبير , كنت

منسجمة مع الفيلم في التلفاز وأكمد الحرق بكيس ثلج

حين انفتح باب الجناح ودخل جابر منه وتوجه من فوره

لغرفة النوم دون أن ينظر ناحيتي ولا يتحدث ولا بتحية

الإسلام ككل مرة يدخل فيها حتى بعد تلك الليلة , كنت

أنظر له باستغراب ليس من صمته بل من قدومه هذا الوقت

المبكر , دخل إلى الغرفة وترك بابها مفتوحا وخرج بعد

قليل يحمل في يده منشفة حمام وبيجامة النوم وسار من

أمامي وفتح باب أحد غرف الجناح وأغلقها خلفه بقوة وأنا

أنظر لكل هذا بتوجم , ما يعني بهذا ! هل سينام وحده

هناك ! هل قرر بتري من ليله أيضا , ابتسمت ابتسامة

جانبية لتخرج مني ضحكة صغيرة ساخرة .... هل

جرحته كلماتي تلك حد أن يعزلني عنه ولا ينام معي

ولا يقربني ولم يكترث لتلك الكلمات المسمومة التي

ذبحني بها بلا رحمة , صدق من قال ( حلال عليكم

وحرام علينا ) بعد قليل فتح باب الغرفة وخرج وأمسك

بخيط التلفاز واستله ورماه على الأرض وقال عائدا

جهة الغرفة " لا أريد ضجيجا من أي نوع "

بقيت مصدومة وانظر لباب الغرفة حتى بعدما أغلقها

ثم وقفت ورميت وسادة الأريكة على باب الغرفة ليجدها

ما أن يخرج ثم توجهت لغرفتي دخلت وأغلقت الباب بقوة

مثله وأطفأت النور وتوجهت للسرير واستلقيت عليه أنظر

للسقف ولا نوم أبدا يلوح في الأفق وكله بسبب نومي في

النهار طبعا , أمسكت هاتفي وقلبته كثير وشعرت بالملل

فرميته بعيدا عني , بعد قليل جلست وغادرت السرير

وشغلت الإضاءة ولا أعلم ما الذي سيسليني في هذا الأمر

وقفت واضعة يداي وسط جسدي أفكر فقط ماذا سأفعل

نظرت جانبا وكان حاسوب جابر فوق الطاولة .... جميل

فرصتي لأرى ما الذي يحويه هذا الشيء الذي لا يخرج

ولا يدخل بدونه ولا يكون لديه وقت إلا وجلس عليه

توجهت نحوه وجلست وفتحته رغم تأكدي من أنه سيكون

مغلق بكلمة سر , شغلته لأفاجأ به فتح دون أن يطلب أي

شيء , غريب أنا أرى عامة الناس الذين لا شيء لديهم

يستخدمون كلمات سرية أو رموز وأحرف يغلقون بها

حواسيبهم فكيف لشخص عمله مهم مثل جابر أن يتركه

هكذا ! معه حق فالآن أصبح بإمكان طلبة الثانوية إلغاء

كلمات السر وفتح الحواسيب بسهولة فلما يتعب نفسه

ويغلقه , نظرت مطولا للأيقونات التي تملأ الشاشة

والملفات ولم أفهم منها شيئا ولا توجد كلمة عربية واحدة

فتحت احد الملفات لفت نظري لونه الأحمر وجميعها

لونها أصفر عداه هوا وما أن انفتح حتى شعرت بمعدتي

ستخرج من فمي من بشاعة الصور وأغلقته بسرعة أشعر

بقشعريرة في كامل جسدي , لا أعلم كيف يرون كل هذه

المناظر البشعة وعلى أرض الواقع أيضا , فتحت بعدها أكثر

من ملف وأغلبها بالإنجليزية ولم أفهم منها شيئا والبعض

صور لمحاضر شرطة , ما هذا الملل فكرت أنه يجلس عليه

طوال الوقت سيكون فيه شيء مسلي ولو صور نساء على

الأقل , انفتحت عيناي على اتساعهما من هذه الفكرة ولست

أعلم ما سيكون شعوري إن وجدت هذا , نظرت بتمعن

لأحد الملفات وكان عليه خط طويل وقفل والغريب أنه داخل

ملف آخر وليس في الخارج رغم أنه يوجد بداخلهم ملفات

كثيرة لكن هذا الوحيد شكله هكذا , حاولت فتحه فطلبوا مني

كلمة سر بأكثر من عشرة حروف , يا لهم من واهمين من

أين سآتي بها , نظرت بتمعن لاسم الملف فلم يكن مثل أغلبهم

بذات الكلمة , وقفت وجلبت هاتفي وفتحت المترجم وكتبت

اسمه وضغطت على ترجمة فظهر لي معناها بالعربية لأفتح

عيناي على اتساعهم وأنا أقرأها ( حدودي عند هنا ) ما معنى

هذا وما يوجد في داخله , دب الفضول في كل شعيرة دموية

في جسدي وفكرة واحدة سيطرت علي وهي أن أعلم ما فيه

كتبت فورا جابر سيد حلمي ولم ينجح الأمر , جميل لا يعاني

من مرض الغرور , حاولت بحروف وأرقام ورموز وبلا

فائدة , ذهبت للملفات الأخرى التي تحت مسميات مختلفة

مثله وبدأت بترجمتها وكانت جميعها تخص عمله ( دورية

اكتوبر مقر 24 \ جرائم الإعتداءت في القسم الثالث فرع

الجنوب \ مقتل أحمد الصباغ في سرقة المصرف المركزي

عام ..... ) جميل مالنا مسروق ولا نعلم عنه , وغيرها

كلها بأسماء مدن وتواريخ وأنواع جرائم ووحده ذاك الملف

تحت اسم مختلف يعني أن الأمر ليس محض مصادفة ولا

شيء عادي بكلمات يستخدمها في جميع ملفاته , شعرت بكم

هائل من الاستياء لأنه لا يمكنني فتحه ولا توقع ما سيكون

فيه وفي النهاية تركت عني الملفات وتوجهت للأيقونات

أنظر لأشكالها بتركيز ولفتت نظري واحدة ترجمت اسمها

فكانت ( نظام المراقبة عالي التقنية ) أجل من هنا يراقب

القصر وما يحدث فيه , فتحته ولم أفهم شيئا طبعا ولن

أستطيع ترجمة كل هذا , الليلة فقط تمنيت أني أنهيت

تعليمي والأهم كيف أخترق كلمات السر , لعبت لعبة

الاختيار التي نلعبها حين كنا صغارا وأغمضت عيناي

وحركت إصبعي وأشرت على الشاشة وفتحتهما وضغطت

حيت وقع اختيار إصبعي لأجد نفسي أمام خيارات أخرى

فتأففت وبدأت أضغط بشكل عشوائي إما أن أفتحه أو أفسده

والمفاجأة كانت حين امتلأت الشاشة بمربعات صغيرة لصور

لكل شبر في القصر وأغلبها مظلم ورأيت حتى نفسي جالسة

على الحاسوب , حمدا لله أنه لا يفتحه إلا للضرورة ولا وقت

لديه له لكان وجد كل هذا مسجل , بحثت بين الصور حتى

كانت غرفة يتسلل بها ضوء ضعيف فتحتها لتملأ الشاشة

وكانتا ترف وبيسان نائمتان فابتسمت بحب ... كم أحتاج

لهذا النظام لأراهما دون أن أخرج لغرفهم أكثر من مرة

عدت للشاشة السابقة وفوجئت بغرفة أخرى أصبحت

مضاءة لأصعق بأنها الغرفة التي فيها جابر الآن ويبدوا

لم ينم ومتوجه نحو الباب ليخرج فركضت من فوري

وأطفأت ضوء الغرفة أولا ثم عدت لحاسوبه أغلقته

وتوجهت من فوري للسرير ليعم الصمت وسمعت صوتا

مصدره مطبخ الجناح , ليته لدي ذاك النظام في هاتفي

لراقبته الآن ما يفعل , نظرت للساعة في هاتفي فكانت

الثانية بعد منتصف الليل ما الذي يفعله ولم ينم حتى الآن !!

يبدوا استيقظ ليشرب الماء , سمعت بعدها خطواته تقترب

من الغرفة فأغمضت عيناي مدعية النوم على صوت الباب

يفتح بهدوء وأنا أتابع خطواته , توجه جهة الخزانة ولم

يشغل الإضاءة في الغرفة ففتحت عين واحدة لأرى ما

يفعل فكان يفتش فيها على ضوء هاتفه ... يا عيني كل

هذا كي لا أستيقظ لو كان أي شخص غير جابر لقلت أنه

لا يريد أن يفسد نومي أما هوا فمستحيل لابد وأنه يخبئ

شيئا لا يريد أن أراه أو لا يريد رؤيتي , تحرك بعدها

من أمام الخزانة فأغمضت عيناي مجددا وشعرت بخطواته

تقترب من السرير , يا إلهي يبدوا يفكر في قتلي ... آه

أرجوان بربك كيف لمن يكافح الجريمة أن يفعلها ! ولما

لا ألا يقولون أن من يحرس الشيء هوا أول من يسرقه

شُدت جميع عضلاتي حين شعرت به جلس على طرف

السرير بجانبي تماما ومر بعض الوقت فلم أستطع منع

نفسي ففتحت عيناي ببطء فكان ينظر بضوء هاتفه للحرق

في فخذي ثم وقف وخرج من الغرفة وأغلق الباب بهدوء

فجلست من فوري أنظر للباب بحيرة , أدفع عمري

ثمنا لفهمك يا صخرة يا ابن الصخرة , أمسكت بهاتفي

من فوري وأنرته ونظرت به لفخذي وكأني أريد أن

أرى كيف كان يراه , لفت انتباهي بعدها أن ضوء ردهة

الجناح مفتوح يتسلل ضوئه من تحت الباب ثم أظلم لتظهر

إضاءة تتغير ألوانها كل حين فوضعت يداي وسط جسدي

بضيق .... رائع أغلق التلفاز علي وفتحه هوا ما هذا التسلط

غادرت السرير وفتحت الباب قليلا وببطء فكان يجلس على

الأريكة أراه بوضوح ولا يراني لأن وجهه مستدير جانبا

من أجل التلفاز كان يرتدي بنطلونه فقط ولا أعلم لما يعشق هذا

الرجل أن يترك صدره عاريا هنا وكأنه يخشى على عضلاته

المخيفة أن تتعفن من الرطوبة , كان فاردا ذراعه التي بها

جهاز التحكم جهة التلفاز والأخرى مسندا لها على ركبته

المنصوبة لأنه يرفع قدمه على حافة الأريكة , سحقا لك

يا متحجر يا جابر ذكرني بأوقات كنت أنام على صدره

ويدي تمسك خصره

ليتك بقيت على صمتك بدلا من جرحي ذاك الجرح القاسي

" لما لا تخرجي وتجلسي هنا بدلا من التجسس "

ابتعد عن الباب مصدومة وقلبي يكاد يخرج من مكانه

ووضعت يدي عليه أتنفس بقوة , لقد أفزعني هذا الداهية

كيف علم بما أفعل والمكان مظلم والأبواب لا تصدر

أصوات عند فتحها ولم ينظر جهتي أبدا , ضربت الباب

بقوة وأغلقته وعدت جهة السرير , ياله من موقف سيء

ومحرج أيضا ما سيقوله له عقله الآن , طبعا قالها لسانه

بلا تفكير طويل يا غبية تتجسسين عليه هه من يضن

نفسه أتجسس عليه أو يراني جهاز مخابرات ولا أعلم

انفتح حينها الباب على وسعه ووقف متكأ على حافته

ينظر لي مكتفا يديه لصدره


نهاية الفصل
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 12-29-2015, 04:05 PM
oud
 

الفصل الخامس والعشرون


اجتزتها صاعدة ليوقفني صوتها قائلة " مي "

وقفت مصدومة وكأنها أصابتني برصاصة والتفت

لها للخلف فنظرت لي مطولا ثم أخفضت نظرها وقالت

" أطلبي من نواس أن يخرجني من منزلك "

فتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة ثم قلت

" كيف أطلب منه هذا وما سيظنه بي ثم أنا

لست متضايقة أبدا من وجودك "

أشاحت بوجهها عني وقالت " أنا من لا تريد البقاء

أخبريه فقط أنك لا تريديني معك وأن يخرجني من هنا "

لم أستطع قول شيء ليس من هول ما سمعت فقط

بل وبسبب الواقف خلفها وهوا نواس الذي كان من

المفترض أنه سيقضي الليلة خارج المدينة

قال ببرود ونظره عليها " لن تخرجي من هنا يا وسن "

التفتت له بسرعة لتسقط الصينية من يدها ويتحول

كوب الشاي لقطع من زجاج تتدحرج على عتبات

السلالم مصدرة رنينا وكأنها آلة موسيقية وقالت بحدة

" لا أريد البقاء معك يا نواس لا أريد , فأخرجني من هنا "

أمسك خشب السلالم بقبضته بقوة وقال بغضب

" قلت لن تخرجي ولا مكان لك غير هنا فلا

تتعبي رأسك بهذه الأفكار "

هزت رأسها وقالت بحدة ملوحة بيدها في الهواء

" لا أريدك ألا تسمع فارحمني منك حالا وارمني

في الشارع فهوا أرحم لي منك "

تحول وجهه للاحمرار من الغضب ولاحظت يده

الأخرى يقبضها بقوة حتى خفت من أن يضربها

فتوجهت نحوه مسرعة ووقفت بينهما ورفعت

ذراعاي جانبا وقلت بجدية " نواس تعوذ من

الشيطان لأنه بدأ يسيطر عليك "

أشار لها بسبابته وهي خلفي وقال بحدة

" لم يمسكني عنك غيرها يا وسن لأنك أيقظتِ

بي الآن شيئا لم أتخيل أن أفكر فيه يوما "

خرج حينها صوتها الساخر من خلفي قائلة

" أجل فمن يوم عرفتها صرت أنا لا أساوي نعالها "

لوح بيده وقال بغيض " ليتك تفكرين فيها كما تفكر

فيك ليثك تقدرين هذا يا وسن "

قالت بأسى " نعم استوفي مني باقي ديونك يا ابن

خالتي لعلك ترحمني بعدها وتطلق سراحي "

فتح فمه ليتكلم فاقتربت منه وسددته له بيدي وأمسكت

بالأخرى ذراعه وقلت بهمس وأنا انظر لعينيه

" نواس حلفتك بالله أن تتوقف "

أبعد يدي وقال بضيق " لا تتدخلي يا مي كم مرة سأقولها "

قالت حينها الواقفة خلفي وبألم " يدك ومددتها

عليا سابقا فما بقي لم تفعله "

شددت كلتا ذراعاه بيداي وقلت برجاء

" تعوذ من الشيطان يا نواس وابتعد أرجوك "

همس بالتعوذ لأكثر من مرة ثم نزل السلالم وأنا أراقبه

حتى خرج من المنزل ثم التفت للخلف فكانت وسن

تجلس على العتبة تمسك بيدها أحد القضبان النحاسية

وبالأخرى تمسك معدتها بقوة وتتألم فاقتربت منها

وقلت " وسن ما بك "

قالت بصوت ضعيف " اتركيني ... ابتعدوا عني "

وعادت تئن بألم فنزلت السلالم ركضا وخرجت للخارج

وسيارة نواس كانت مكانها وهوا غير موجود فلم أعرف

ما أفعل فركضت جهة الإسطبلات أصرخ منادية له فجاء

من هناك مسرعا وقال من قبل أن يصلني " ماذا بها "

أمسكت ذراعه وقلت " لا أعلم تبدوا متعبة وتئن

من الوجع وتمسك معدتها "

ركض قبلي جهة المنزل مسرعا وأنا أركض خلفه

وحين دخلنا لم تكن هناك فصعد وأنا أتبعه حتى وصل
غرفتها وطرق الباب قائلا " وسن افتحي الباب "

لم يصل منها أي رد فقال بصوت غاضب مرتفع

" افتحيه أو كستره , بسرعة عليا أخذك للمستشفى "

خرج حينها صوتها صارخة " أقسم إن كسرته قتلت نفسي "

تأفف حينها وغادر بخطوات ثقيلة غاضبة ودخل

مكتبه وأغلق بابه خلفه بقوة ولم أسمع سوى تحطم

إحدى التحف وحمدت الله أنها تلك فقط ولم يلحقها

تحطيمه لباقي المكتب وصراخه الغاضب كتلك المرة

*

*

ما أن دخلت غرفتي حتى تكورت على الأرض من الألم

الفظيع في معدتي وبدأت بضرب قدم السرير بمشط

قدمي بقوة وكأن هذا سيخفف عني الألم , جلست بعدها

وانحنيت أمسكها بقوة واستسلمت للبكاء لعله ولو هوا

فقط يخفف عني هذه النيران المشتعلة , وما أن شعرت

بتحسن بسيط حتى وقفت وتوجهت لباب الغرفة فتحته

وخرجت ونزلت من فوري وغادرت المنزل وتوجهت

لإسطبل تلك الفرس وكأنه مأواي الوحيد بل هوا بالفعل

كذلك فمن بقي لي , وصلت وفتحت الباب ودخلت

وركضت نحوها مباشرة وحضنتها وبدأت بالبكاء بشدة

بل بالنحيب الموجع وبلا توقف , كنت أشد عنقها بقوة

بذراعاي وأبكي وأقول " لماذا يكرهني يا الوسن ؟ لماذا

يريد أن يحطمني ؟ أي قلب هذا الذي لديه أخبريني ما

الذي فعلته له ليكون عقابي هكذا وبكل هذه القسوة "

زاد بكائي أكثر وأنا أدس وجهي وأقول " أحبه يا الوسن

أكبر مصائبي في الحياة أني لم أتوقف لحظة عن حبه ولا

شيء يساعدني لأنساه ... لا أحد ولا حتى هوا , أقسم أنه

انتقم مني شر انتقام فما الذي يريده بعد , لما لا يتركني

ابتعد عنه على الأقل , لما لا يرحمني منه "

وبقيت على ذاك الحال حتى خف بكائي قليلا وقلت

بهدوء ومن بين شهقاتي المتتالية " يقول ليتك تقدرينها

كما هي تقدرك , يقول أنها وحدها من منعه عني

صدقي يا الوسن أنه يقولها بكل صراحة هي باتت في

نظره أفضل مني , لمن أشتكي وأين أذهب عن هنا

لأرتاح ليثني مثلك حيوان لا يعلم شيئا ولا يهمه أحد "
ابتعدت بعدها عنها ومسحت بيدي على وجهها من

بين عينيها نزولا لأنفها عدة مرات وقلت بحزن

" ليتك تكلمينني ولو مرة واحدة "

ثم قبلتها بين عينيها وقلت بدمعة تدحرجت من عيني

" لا تتركيني أنتي أيضا يا الوسن أرجوك لا ترحلي "

حركت رأسها تستنشق وجهي وعنقي فابتسمت

بحزن وبدأت أمسح على شعرها وعنقها ثم أخرجت

لها من جيبي قطعة الشكلاتة التي دسستها لها هنا منذ

النهار لأني قرأت عن الخيول وعلمت أنها تحب

الحلويات ويعطونها لها كحافز عند الأداء الجيد

قدمتها لها في كف يدي فأكلتها من فورها فمسحت

على غرتها وقلت " قطعة صغيرة فقط حسنا لأني

لا أعلم إن كان نواس يطعمك شيا حلوا أو لا

والإكثار منه لن يكون مفيدا لك "

قبلتها مجددا وقلت " تصبحين على خير وشكرا

لأنك خففتِ عني ألآمي كثيرا يا الوسن "

وخرجت بعدما حييتها عند الباب وهي حركت رأسها

لي وكأنها فهمت تحيتي أو هكذا خيل لي وقتها وفهمته

خرجت بعدها وأغلقت الباب كما كان وعدت أدراجي

للمنزل وصعدت ودخلت لغرفتي ونمت على السرير

بالعرض وحزن كل العالم أشعر به استوطن في داخلي

ليتك ضربتني يا نواس ولم تقل ذاك الكلام , ليتك قتلتني

ولا قلت أن غيري باتت في نظرك أفضل مني , ليثني

مت قبل هذا اليوم الذي وقفتْ فيه زوجته بيني وبينه

كي تنقذني من غضبه ويتركني هوا فقط لأنها طلبت

ذلك , لو أعلم ما الذنب الذي ارتكبته عاقبني الله عليه

بهذا العقاب القاسي لكنت استغفرته عليه ليلة كاملة

وبكيت على سجادتي حتى جفت دموعي ليصفح عني

ويخرجني من هذا الجحيم , آخر ما كنت أتخيله أن

يصبح قربه نار وعذاب وهلاك بعدما كان منايا

الوحيد في هذه الحياة ... قتلتني يا نواس أقسم أنك

نحرتني وبلا رحمة ولم تبقي شيئا للأيام القادمة

شعرت بالآلام بدأت تعود فأخرجت الحبوب وتوجهت

للثلاجة لكني لم أجد الحليب فيها ونسيت أن أخبر

راضية أن تضعه لي هنا فأخذت شريط الحبوب معي

ونزلت للأسفل قاصدة المطبخ وما أن وصلت حتى وجدت

نواس هناك يفتح الثلاجة معطيا ظهره لي , كنت سأعود

حين وقفت مكاني وأنا أراه فتح قارورة الماء التي أخرجها

من المبرد في الأعلى يخرج منها البخار من شدة برودتها

ورفع رأسه وسكب منها على وجهه وحركه يمينا ويسارا

ثم أنزل رأسه لتسكب مياهها عليه ثم أنزلها وأغلقها والماء

يقطر من شعره ثم اتكأ برأسه على ذراعه المستندة على

باب الثلاجة السفلي ورمى القارورة داخلها رميا فتراجعت

للخلف عدة خطوات لأصطدم بشي ما خلفي فسقط مصدرا

ضجيجا وكأنه قطعة من الحديد أو النحاس فالتفت لي نواس

من فوره فجمدت مكاني واقترب هوا حتى خرج من المطبخ

ونظر مطولا ليدي التي فيها شريط الحبوب , لففت لأغادر

فوقفت مكاني بسبب اليد التي أمسكت بيدي وأعادتني للوراء

وسحبني خلفه دون كلام حتى دخل بي للمطبخ وفتح الثلاجة

واخرج علبة الحليب ووضعها على الطاولة وتوجه بي للمغسلة

أخذ كوبا من هناك وعاد بي جهة الطاولة وكأني سأهرب منه

سكب الحليب في الكوب وكل هذا لم يرفع عيناه بي مطلقا

أخذ بعدها شريط الحبوب من يدي وقال بهدوء ونظره عليه

" كم واحدة أصبحتي تأخذين "

قلت بصوت منخفض يقارب للهمس " اثنتين "

أخرج اثنتين ووضعهم على الطاولة بجانب الكوب ثم

غادر من المطبخ في صمت وعيناي تتبعانه حتى اختفى

*

*

صعدت لغرفتي وأغلقت الباب خلفي وشغلت التكييف

على أعلى درجة له بسبب الحرارة التي أشعر بها تخرج

مني وكأنها حريق يخترق مسامات جلدي ليخرج من عروقي

للخارج , ارتميت على الأريكة ومررت أصابعي في شعري

ورأسي للأعلى مغمضا عيناي وجسمي أصبح يتنمل بأكمله

أي جنون هذا الذي كنت سترتكبه يا نواس لو لم توقفك مي

حينها , هل كنت ستمد يدك عليها ! أنت نواس وعلى من

على وسن ونسيت حتى قسمك لوالدتك يوم صفعتها أنك لن

تعيدها مجددا , أي قلب ذاك الذي سكن جوفك تلك اللحظة

أقسم لو فعلتُها لحظتها لما أبرد ناري بعدها سوى رصاصة

تخترق كف يدي كي لا أعيدها مجددا , سامحيني يا أمي

لأني يبدوا كما قلتي لست كفأ للأمانة ولا للحفاظ عليها

لم أستطع حتى أن أعتذر منها عن ذلك فما سأقول .. آسف

لأني كنت أود ضربك , ولا نفسي كانت ستطاوعني لفعلها

لأنها أخطأت فيما قالت بل وفقدت عقلها ولم تحترمني حتى

مجرد الاحترام ولا حتى أمام مي , سمعت طرقات على

الباب ففتحت عيناي وعدلت جلستي فانفتح الباب وكانت

مي التي دخلت وأغلقته خلفها ووقفت مستندة عليه

وقالت بهدوء " نواس عليك أن تجد حلا لكل هذا "

نظرت للجانب الآخر وقلت ببرود

" لن أخرجها من هنا يا مي لا اليوم ولا بعده "

قالت بذات هدوءها " أخرجني أنا إذا "

نظرت لها بصدمة فتابعت " كل عذابها مني ... أنا متأكدة

واشعر بها وأقدر مشاعرها وأقسم لو كنت مكانها لفقدت

عقلي فأخرجني من هنا يا نواس أرجوك ولو من أجلي "

هززت رأسي بلا دون كلام فقالت بعتب " ولما ... هل

يرضيك هذا الحال والوضع , تعذب نفسك وتعذبها معك

حتى الطعام لم تتناوله منذ يومين والله يعلم تنام هنا

أم لا وهي في غرفتها لا يعلم أحد عن حالها , ما هذا

الذي تفعله بنفسك وبها , ما الذي تريد الوصول له "

قلت بضيق " أخبرتك منذ البداية أن لا تتدخلي ولا

تحتكي بها بأي شكل كان ولم أتخيل أن تكسري

كلمتي لأنها ليست أخلاقك ولا أطباعك "

قالت برجاء " ظننت أنه لا يمكنني التدخل لكن هذا

الحال يجعل حتى الحجر ينطق فأخرجني من

هنا يا نواس أرجوك "

وقفت وقلت بحزم " قلت لا يعني لا أي جنون هذا

وأين سأضعك ومن سيكون معك , أنا لم أفقد عقلي

بعد لأفعلها وعلى وسن أن تقدر ظروف الجميع

وتستحمل الوضع فليست وحدها من تعاني ولا أحد

لها فأنتي مثلها وأكثر ولستِ تؤذينها بشيء لترفض

البقاء معك ولن أخرجك وأبقى هنا ولا على جثماني "

أبعدت نظرها وقالت بحزن " اقسم أن الإسطبلات

أرحم عندي من بقائي هنا "

قلت بحدة " مي لا تخترعي أمور من رأسك وتصدقيها

مشكلة وسن ليست فيك ولا معك ومشاكلنا معا لن تنتهي

بخروجك من هنا وسبق وأخبرتك أن ما انكسر انكسر من

قبل أن أعرفك وأعرف والدك حتى , وخروج لن أخرجك

وطلاق لن أطلقك إلا باستيفاء الشروط ولست متضايق

من وجودك هنا ولو بقيتي العمر كله "

شعرت حينها بدوار خفيف فتوجهت جهة السرير وقلت

" لا أريد أن أسمع منك هذا مجددا أو غضبت يا مي "

قالت مباشرة " تزوجها إذا "

دخلت إلى السرير وغطيت نفسي باللحاف وقلت بتذمر

" لا أعلم لما يراه الجميع الحل الوحيد لكل شيء

وهوا لن يزيده إلا تأزما فوق تأزمه "

ابتعدت عن الباب وقالت " أخفض درجة التكييف

فالغرفة تكاد تتجمد وستمرض "

أغمضت عيناي وقلت " اتركيه أشعر بجسدي

يشتعل , أطفئي النور فقط "

تنهدت وأطفأت النور وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب

خلفها ورميت أنا اللحاف من علي لأني لم أعد أطيقه أيضا

*

*

لم أستطع التركيز على أي كلمة مما يقوله المذيع والمتصلين

بعد الذي سمعته , من تكون هذه الفتاة يا ترى ! هل تسكن هنا

في هذا الحي من العاصمة أم في مدينة والدتي بالقرب من

منزلنا هناك أم بالقرب من المزرعة أو مكان غيره وكيف

تراني دائما ولا أراها إن لم تكن تسكن بقربي بل وتعلم

حتى أني أعمل في تجارة الخيول وحتى اسمي تعرفه وهذا

يعني أنها أقرب لي مما أتخيل , بل كيف علمت أنه أنا نفس

الشخص وهذا يؤكد معرفتها السابقة لي وقد تكون ربطت

الأحداث من كلامي عن شقيقتاي ووالدتي ومن ثم ذكري

للحادث الذي حدث معي سابقا , لطالما لفتت انتباهي بأسلوبها

وأفكارها لكني لم أفكر أن تكون تعرفني ! ولم يأتيني الفضول

لرؤيتها يوما , لا والجملة التي ختمت بها كلامها بأني أتعبها

كثيرا وهذا مؤشر واضح على أن في قلبها شيء اتجاهي

وتعلم أني سأعرف أن الكلام موجه لي , ما هذه اللغز

المحير ! قربت هاتفي من وجهي واتصلت بهم فأدخلوا

مداخلتي على الهواء في الفور وقال المذيع

" مساء الخير يا أحزان السنين "

لابد وأنها تستمع الآن لنرى ما تريد الوصول له , قلت

" مساء الخير لك ولجميع متابعيك ما هذه الليلة الساخنة

القاسية , يبدوا أن أحدهم ينوي نفسه بالشر يا صفوان "

ضحك وقال " مهلك يا رجل لم أفهم منك شيئا "

قلت بابتسامة جانبية " لا تهتم المهم أن المجني عليه يفهم "

قال من فوره " إذا أبدي رأيك في حلقتنا "

قلت " جميلة ككل مرة وبلا شك "

قال " إذا من الشخص الذي التقيت به مرة ولم تنسه يوما "

ابتسمت بمكر وقلت " بل ثمة شخص أتمنى أن ألتقي به

يوما فليتمنى أن لا أراه وأن ينجوا مني "

ضحك وقال " قلنا التقيت به وليس تتمنى أن تلقاه "

ضحكت وقلت " حسنا .... هناك رجل قدم لي مساعدة يوما

لا أعرفه ولم أره قبلها وأتمنى أن أجده في موقف صعب

مثلي لأرد له الدين , لازال يسكن مخيلتي ولم أنساه أبدا "

قال بصوت مبتسم " وعند الله لا يضيع شيء وسيوقف

في طريقه من يساعده كما ساعدك "

قلت مباشرة " بالتأكيد عند الله لا يضيع شيء , وختاما

أشكرك صفوان وكل من شارك في الحلقة "

ثم قلت بابتسامة جانبية " وأحيي ملاك الليل وحمدا

لله على سلامتها ونراها قريبا "

ثم أغلقت الخط وسمعت المذيع يقول ضاحكا

" نسى أحزان السنين شعاره ولأول مرة "

ضحكت وضربت جبهتي بيدي لقد نسيته حقا بل لن أقوله

بعد اليوم فقد يكون هوا سبب معرفة الناس لي , انفتح

حينها باب الشقة ودخل معتصم وأغلق الباب خلفه

واقترب قائلا " ماذا تفعل مستيقظ حتى الآن "

قلت بعد ضحكة " من يسمعك يضننا وقت الفجر

منذ متى أنام قبل هذا الوقت "

لوح بيده وقال " المهم لا تزعجني بتلفازك أريد

أن أنام ورائي جامعة مبكرا "

قلت ببرود " شقتي مثلك إن نسيت "

قال بسخرية " نعم ذكر نفسك أيضا بهذا

وأنه لي فيها النصف "

رفعت قدمي على حافة الأريكة وقلت بلا مبالاة

" ما ذنبي مع بخلك , لديك كل ورثك من مال

والدك وتشاركني ثمن شقة "

وضع يديه وسط جسده وقال " تعلم يا أحمق أنه بإمكاني

شرائها والعمارة بأكملها لكني كنت أريد أن تبقى معي

فيها على أنها ملك لك ولو جزء منها ولا تخرج

من أصغر كلمة قد أقولها لك "

قلت بسخرية " معك حق لكنت خرجت الليلة

بلا رجعة بسبب جملتك تلك "

لوح لي ببرود فغمزت بعيني على يده وقلت

" ومن هذا الذي تذكرك في عيد ميلادكم يا منبوذ "

نظر لي بضيق فضحكت وقلت " لم أرى حياتي

رجلا لديه قصرا ويسكن في شقة لا يوجد بها ولا

حتى خادمة ويترك الخدم هناك "

قال بضيق " معاذ ما بك معي الليلة "

وضعت يدي خلف رأسي واتكأت عليها وقلت " مزاجي

في أحسن حالاته ووجدتك أمامي أم لك رأي آخر "

قال بسخرية " أدام الله عليك النعيم "

أشرت بوجهي ليده وقلت " ممن هذه لا تكون من حبيبة القلب "

نظر للصندوق في يده ثم فتحه وأخرج ما فيه فضحكت

بقوة ما أن رأيته وقلت من بين ضحكاتي " من هذا الذي

سخر منك هكذا , لا وتجلبها معك وسعيد جدا بها "

قال متوجها جهة غرفته " لا شأن لك ولا ترفع

صوت التلفاز أو كسرته على رأسك "

ضحكت ثم وقفت وأغلقت التلفاز ودخلت لغرفتي وحاولت

النوم لكني لم أحضا بذلك سريعا حتى مر أغلب الليل لأن

تلك الفتاة لم تغب عن بالي وفكرة واحدة تسيطر على

دماغي ..... من تكون تلك

*

*
في الصباح استيقظت مبكرا كعادتي لأخرج قبل وقت

المحاضرة وأستفيد من الوقت , مررت المطبخ سريعا

ودخلت وقلت " صباح الخير يا روضة "

ضحكت وقالت " من قالها لك "

قلت وأنا واقفة آخذ قطعة خبز محمص وأضع عليها

المربى " سمعت المقيم هنا يناديك به فأعجبني

كثيرا وأره أجمل من اسمك "

وضعت الطبقين على الطاولة وقالت " ما الجمال فيه

هوا يسخر مني ليناديني بكلمة روضة أي روضة أطفال "

قلت بابتسامة صغيرة " يبدوا يحبك كثيرا "

قالت مبتسمة " وأنا أحب كل واحد فيهم أربعتهم وكأنهم أبنائي "

ثم قالت بمكر " ولن أرتاح حتى أكون عضوا في

مجموعة أخرى توقع به كرفيقه معاذ "

قلت وأنا أحمل حقيبتي ومذكراتي وأغادر

" حاذري أن يعلم بمخططنا كما أخبرتك يا راضية "

سمعتها تقول وأنا ابتعد " لا تقلقي بشأن هذا الأمر "

ثم خرجت سريعا قبل أن ينزل نواس فهي على ما يبدوا

تجهز له الإفطار , أستغرب كيف يتناوله في المطبخ

ووحده أيضا ! خرجت وركبت السيارة وغادر بي من

فوره فهوا حرّم أن يتأخر لأني بالأمس نفث غضبي

من نواس كله به عندما تركني واقفة هناك صباحا

دخلت الجامعة بعد الطريق الممل لتستقبلني ملاك

وهي تنظر لوجهي بتفحص ثم قالت " وسن ما

بك هكذا شاحبة ووجهك مصفر "

قلت ببرود ونحن نسير للداخل " لا تكوني ممن

يدرسون الطب ولا أعلم بك "

قالت بضيق " وسن ما أَحَبّك للكلام المسموم

قولي ما بك وكفى "

قلت بذات البرود " لا شيء "

تنهدت وقالت " طبعا لا شيء وكالعادة ولكن حالك لا

يعجبني منذ انتقلتِ للعيش في مزرعة ابن خالتك ولا

أستبعد أن تسقطي علينا ميتة في أي وقت "

قلت مغيرة مجرى الحديث " جلبت لك معلومات ستعجبك "

قفزت أمامي ووقف وأوقفتني وقالت وهي تمسك يدي

" حقا بهذه السرعة يالك من نابغة "

قلت بابتسامة صغيرة " وطبعا لن نتحدث حتى

نزور المعمل والمكتبة أولا "

قالت بتذمر " آه وسن مابك هكذا معي "

ثم قالت بنصف عين " ألا تريدي أن تعرفي

نتائج الجولة الأولى قبل أن ندخل "

قلت بلامبالاة وأنا أتابع سيري

" لا ... سأعرف فيما بعد لما الاستعجال "

لحقت بي قائلة باستياء " أقسم أنك استمعت لها

البارحة لهذا لا تعبئين لها اليوم "

ابتسمت بألم ولم أعلق ... ليتك تعلمين أي ليلة مررت

بها البارحة وأي برنامج شاهده ومباشر لما كان هذا

كلامك , دخلنا المعمل ووجدنا طلال هناك منشغل مع

الشرائح وعيناه عليها فقالت ملاك هامسة بضحك

" انظري أين وصل به الانسجام "

ابتسمت على شكله واقتربت هي منه بخطوات خافتة

وقالت بصوت مرتفع " ياااآآآااع "

فانتفض من مكانه لكن دون صراخ طبعا مثلنا نحن

الفتيات ثم نظر لها بغيض وقال " أتعلمي من تشبهين "

ثم رفع لها إحدى الشرائح في وجهها وقال

" البكتيريا العنقودية "

ضحكت وقالت " مقبولة منك يا الدودة الشريطية "

سمعنا حينها طرقات بقلم على طاولة فنظرنا فورا

اتجاه الصوت فكان الدكتور عادل الذي لم ننتنه لوجوده

لأن ثلاث طلبة كانوا يقفون حوله ، نظرت لي ملاك

وأخرجت لسانها جانبا دليل أنه فيها موتها وسمعنا

صوت الدكتور قائلا " لا ضجيج ولا استهتار في

مكان إلا ومصدره السيدة ملاك طبعا "

لوت شفتيها وتمتمت شيئا لم أسمعه ثم سحبت كرسيا

وجلست أمام طلال وسحبت أنا كرسيا لي وجلست بجوارها

وغرقنا في العمل حتى وقت المحاضرة فوقف طلال وقال

" سننهي هذا فيما بعد وسآخذ أنا الأوراق والصور

معي هذه المرة وأحظرهم في الغد "

ثم غادر ووقفنا نحن وقالت ملاك وهي تضع حقيبتها

على كتفها " مر الوقت كله هنا ولم نزر المكتبة ولن

ندخلها قبل أن تحكي لي ما قالته لك مفهوم"

حملت مذكراتي وقلت مغادرة " فلنخرج من المحاضرة

أولا ثم لكل حادث حديث يا سيدة الدلال "

وصلنا القاعة على رنين هاتفي فأخرجته ونظرت

للمتصل فكانت فرح , غريب منذ مدة لم تكلمني وهاتفها

مقفل أيضا وحين اتصلت بجواد قال أن شريحة هاتفها

معطوبة وسيخرج لها أخرى والأغرب أن تكلمني وقت

الجامعة !! استأذنت من دكتورة المادة قليلا وخرجت

وأجبت عليها فقالت من فورها " وسن حبيبتي كيف

حالك اشتقت لك شقيقتي الحبيبة "

قلت بابتسامة حزينة " وأنا أكثر منك يا فرح ولا

أصدق متى يأتي اليوم الذي تعودين فيه "

تنهدت وقالت " لا أعلم لما يمر كل العمر ركضا

إلا حين تنتظرين شيئا , أشهر حملي تمر بسرعة ولا

أشعر بها أما أشهر سفرنا فأشعر أنه لم يمر منها شيء "

قلت مبتسمة " وكيف يكون ذلك "

قالت بتذمر " لا أعلم لا أريد أن ألد وقت دراستي

وأريد أن تمر الشهور لننهي ولو فصلا آخر

لننزل لزيارتك وتلك تمر كالريح وهذه لا "

اكتفيت بالابتسام دون تعليق فقالت بهدوء

" لن أسألك كيف أوضاعك هناك لأني أعلم مسبقا "

لذت بالصمت ولم أتحدث فقالت بأسى " وسن هوني

عن نفسك قليلا وقولي لي ولو أكثر ما يتعبك هناك "

قلت بابتسامة مغصوبة " ما سأحكي لك يا فرح من ماذا "

قالت بحزن " هل الأوضاع سيئة لهذا الحد "

قلت بحسرة " للبارحة تشاجرنا حتى كان سيضربني

لولا زوجته أوقفته "

شهقت بقوة ثم قالت بحدة " خسئ تنقطع يده قبل أن يمدها

عليك , أقسم إن فعلها لكان حسابه معي أنا ولو كان ثمنها

دخولي السجن ولا يضن أنه لا أحد ورائك لأن لا

عائلة لك غيره ذاك الجلمود المغرور "

ثم تابعت بحرقة " كيف تسكتين على ذلك

يا وسن كيف "

قلت بسخرية " وما بيدي أفعله ؟ أنا في منزله وأعيش

على نفقته وبنقوده فما الذي سأدافع به على نفسي "

قالت بحدة " وإن يكن , هذا لا يعطيه الحق في فعل

ذلك فليمدها على زوجته ليرينا المرجلة , وتلك الحية

تجدينها تحفر من بعيد ثم تدعي الدفاع عنك "

قلت بحزن " لا أعتقد ذلك "

قالت بتذمر " يالك من طيبة يا وسن ويسهل خداعك

والضحك عليك , المهم أنه سيأتيك اليوم الذي ستقتصين منه

يا وسن فلا تتواني عن فعلها وأذيقيه معنى عذاب الروح

وهوا بقربك فذاك سيكون فيه دماره "

قلت بحيرة " ماذا تعني بهذا أنا لم أفهم شيئا "

قالت مباشرة " لا تفهمي ... فقط تحفظيهم جيدا وتذكريهم

في وقتها , لن أستطيع أن أقول لك أكثر من هذا لكن

تذكري كل ما قلته الآن حين يصير في قبضتك "

تنهدت وقلت " فرح أتركي عنك الألغاز وتحدثِ بوضوح "

قالت ببرود " لو بيدي ما توانيت عن فعلها ولكن لا بأس

سأرى فيه يوما وقريبا جدا وعلى يديك "

قلت بهدوء " ورائي محاضرة وعليا العودة لها

الآن ألم تجدي أفضل من هذا الوقت "

قالت بضيق " وكيف وذاك الجواد يشتغل لي هنا كالحارس

ويمنعني من التكلم معك ويتوعد ويهدد "

بقيت على صمتي أحاول تفسير كلامها فقالت

" مؤكد ستسألين لما ... لأنه يرى أني سأزيد الأمور

لديك تأزما , لا أعلم كيف يحب شقيقه ولا يسمح لي

أن أخاف على مصلحة شقيقتي مثله "

تنهدت وقلت " لم يعد هناك شيئا مهما يتحسر أحد على

ضياعه يا فرح فلا تشغلي بالك بي واهتمي بصحتك

وزجك ودراستك وأبعديني عن دماغك فأنا بخير ولا

تخافي علي ولا تفكري بي "

تنهدت بقوة وقالت " أسعدك الله يا وسن وأزال عنك

كل هذه الظروف السوداء , لن أستطيع الدعاء عليه بعد

الآن لذلك سأقول هذه اللحظة أسأل الله ..... "

قاطعتها قائلة بضيق " فرح ليس من أجله بل من أجلك

توقفي عن هذا فدعائك سيضرك أيضا "

تأففت وقالت " وداعا الآن وسأكلمك متى ما وجدت فرصة

كهذه لأنه إن علم جواد بي سيخاصمني أسبوعا كاملا

وسأموت من قهري فلا أحد غيره هنا أتحدث معه "

قلت مبتسمة " وداعا إذا "

ثم أنهيت المكالمة منها وأرسلت رسالة لجواد لأني فهمت

الآن لما لم يعد يجيب هوا أيضا على اتصالاتي .. ليتهرب

من سؤالي عن سبب إقفاله لهاتف فرح طبعا , جواد لا يتغير

أبدا كما كان في طفولته مدمن على الكذب ولا تستطيع

أن تصدق منه شيئا , أرسلت له رسالة كتبت فيها

( جواد أجب على اتصالي أريدك في موضوع مهم )

ثم عدت لمحاضرتي ولم يغب كلام فرح عن بالي

ترى ما تعنيه بكل ما قالته لي !! يبدوا تعلم شيئا ولا

تريد قوله فما معنى أن يصير تحت قبضتي وأنتقم

منه وأذيقه عذاب الروح , ياله من أمر مضحك حقا

فأي قبضة هذه التي سيصير فيها , أنهيت محاضرتي

ولم تتركني ملاك حتى أخبرتها بكل ما أخبرتني به

راضية لتكمل مخططها الذي كل ما أخشاه أن يزيد حياتها

انتكاسا على انتكاسها , وانتهى يومنا وعدت للمزرعة ولم

أعد أرى نواس ولا بالمصادفة لأني لم أغادر غرفتي إلا

للجامعة أو لزيارة تلك الفرس التي أصبحت زيارتها

بالنسبة لي شيئا لا يمر يومي من دونه

*

*
وقف بجانبي ونظر حيث أنظر وقال " ما بها فرسك المدللة "

هززت رأسي وقلت " لا أعلم الحال كما هوا أمامك فمنذ

أيام رفضت الخروج إلا بصعوبة وفي اليوم الذي يليه

رفضت أن أخرجها أنا وخرجت مع وليد بدون جهد

ولا تعب ومن يومها على هذا الحال "

ضحك وقال " أخبرتك منذ البداية أن أمر فرسك

هذه مريب وستكتشف نهاية الأمر أنها مسكونة "

قلت بتذمر " معتصم بالله عليك أنت تعلم جيدا أن الخيل

من أذكى الحيوانات وأنها تتعلق بصاحبها كثيرا وتشعر

به بل وتبكي لموته أيضا وهذه الأمور يعرفها العرب

منذ صاروا وعرفوا الخيل "

اقترب وليد وقال " نواس المهندس وصل

وينتظرك عند باب المنزل "

غادرت من فوري على صوت معتصم يتبعني قائلا

" وأنا محاضرتي ستبدأ بعد ساعة وداعا "

عدت جهة المنزل حيث وجدته ينتظرني هناك فوقفت

أمامه وصافحته قائلا " مرحبا أستاذ نزار كيف الحال "

قال مبادلا لي الابتسامة " بأفضل حال سيد نواس شكرا لك "

ثم رفع ورقة طويلة ملفوفة وقال " أحضرت الخرائط واعتذر

على تأخري لأني كنت في عمل لم ينتهي إلا الآن "

وضعت يدي على ظهره وقلت " لا بأس أخبرتك أني

لست مستعجلا عليها , هيا تفضل للداخل "

دخلنا لمجلس الرجال لأن مكتبي في الأعلى وبعد زواجي

وعيش وسن معنا هنا لم يعد يمكنني السماح لأحد بالصعود

معي ويبدوا أصبح عليا تغيير مكانه للأسفل فقد يكون نصف

سبب سجن وسن لنفسها في غرفتها أنه هناك في نفس الممر

جلسنا وفرد الورق على الطاولة وقال " رسمت مخططين

الأول يستلزم تغيير هذين المكانين هنا لينجح لأنهما

سيعيقان كل العمل "

نظرت للمكانين بتركيز ثم قلت وأنا أشير لأحدهما

بإصبعي " تقصد هذا عند طرف الإسطبلات "

قال " نعم "

هززت رأسي وقلت " مستحيل هذا لا يمكنني تحطيمه أبدا "

رفع نظره عن المخطط ونظر لي وقال " لكنه إسطبل

منفرد ومكانه خاطئ وغير مناسب "

هززت رأسي بلا دون كلام فتنهد وأبعد الورقة وقال

" في هذا الحال سنستخدم الأخرى "

فردها وبدأ يشرح عليها قائلا " هنا سيكون التوسيع في

الإسطبلات وعلى ثلاث مراحل أما هذه الجهة تستغلها

لتوسيع مخزن أدوات الخيل من أعنة ورشوم وسروج وما

إلى ذلك والتوسيع الثالث فيها سيكون منحن يسارا وهنا تزيد

مساحة مستودعات التخزين والجديدة يجب أن تكون بأساسات

تتحمل الطوابق لتستفيد منها مستقبلا ببناء طابق فوقها بما

أنه لا يمكن بناء واحدة تحتها بسبب الرطوبة "

واستمر يشرح مطولا وأنا منتبه له في كل حرف وتفصيل

حتى ضرب بكف يده عليها وقال " وهذا مخطط لتوسع به

كل شي هنا على ثلاث مراحل في سنوات مختلفة وإن

اتبعته يمكنني أن أزيده إن احتاج الأمر "

هززت رأسي وقلت " رائع ... عمل ممتاز "

أشار بعدها لمساحة معينة وقال وهوا يحددها بإصبعه

" هذه استثنيتها من كل شيء , موقعها ممتاز خصوصا

من ناحية المنزل مستقبلا حين سيكون لديك أبناء فلن

تواجه مشكلة الحديقة ومسبح صغير وحتى بعض الألعاب

الثابتة لهم فأنا لاحظت أنه لا شيء من كل هذا هنا ولا

حتى حديقة ومستقبلا ستفكر في كل هذا "

ابتسمت بألم على الأمر وقلت " معك حق إن كان هناك

أبناء سأواجه هذه المشكلة فعلا وحتى شقيقي حين يعود

من سفره قد يعيش معي هنا ويكون حينها لديه ما

لا يقل عن اثنين أو ثلاثة "

رفع رأسه ولفها مجددا وقال " إذا نبدأ على بركة الله "

هززت رأسي وقلت بثقة " نبدأ يا حضرة المهندس "

قال بعد ضحكة " لست بذاك الحجم "

قلت مبتسما " بل عملك متقن وثقتي بك كبيرة "

ثم تابعت بهدوء " وثمن أتعابك حدده بنفسك وستأخذه

كاملا فقط تكفل لي بكل مشاكل العمال والمستلزمات

ومعاذ سيساعدك في أمر المواد التي ستحتاجها فهذا

اختصاصه وأريد منك فقط ورقة نهاية الأمر بجميع

التكاليف وسأقدم لك الدفعة الأولى من أجل المواد

وبالنسبة للأدوات فلدينا بالفائض من توسيعنا السابق

لأني اشتريتهم ولم أستعن بعمال من شركات خاصة

يجلبون معهم كل ما يحتاجونه لأن تلك الشركات أصبح

يدخل فيها الغش في مواد البناء فلا ثقة عندي بهم "

وقف وقال " خيرا صنعت فعمال الأعمال الفردية

عملهم أنظف بكثير "

وقفت أيضا وقلت " لا تخبرني لأني أكثر من يعلم

فقد عملت عملهم لسنوات "

نظر لي باستغراب فضحكت وقلت " لا تستغرب

هذا فكم من مال بني من لا شيء والمهم أنه

من حلال والله لا ينسى أحدا "

هز رأسه وقال " معك حق المهم أنه من حلال فلا أحد

يبقى طوال حياته صغيرا كما لا أحد يدوم كبيرا "

ابتسمت وأمسكت كتفه وقلت " لم تشرب شيئا

أو تناول الغداء معنا على الأقل "

رفع ورقته الأخرى وقال " مرة أخرى عليا المغادرة الآن

فوالدتي تركتها في المستشفى وعليا الذهاب لأعود بها "

صافحته وقلت " إذا نلتقي قريبا وشفاها الله لك وحفظها "

شكرني وغادر وغادرت أنا بعده المنزل متوجها للخارج

حيث توقفت سيارة معاذ و فتح النافذة وقال " نغادر الآن "

قلت وأن أتوجه لسيارتي " نعم فقد نتأخر هناك "

ركبت سيارتي على رنين هاتفي فنظرت للمتصل فكان

جواد فأجبت عليه وأنا أنطلق خارجا من المزرعة

*

*

كنت جالسة على سريري أراجع بعض محاضراتي فمنذ

عدت عصر اليوم من الجامعة وأنا منهمكة فيهم فانقطاعي

عنها وقت مرض خالتي ووفاتها وما بعده سبب لي إرباكا

كبيرا وطيلة الأيام الماضية أحاول تدارك ما فآتني مع ما

نأخذه الآن , رميت القلم من يدي ونظرت للساعة فكانت

العاشرة ونصف فجمعت الكتب ومذكراتي وأعدتها لمكانها

على صوت طرقات على الباب ولم يدخل بعدها أحد فتوجهت

جهة حجابي ولبسته فمؤكد هذا نواس ويبدوا جواد تحدث

معه لأني هذه المرة لم أترك له مجالا للأعذار فكم تحجج

بألف حجة كي لا يكلمه وكان رافضا الفكرة من أساسها

لكنه يعلم جيدا عواقب الأمر إن تحدثت أنا معه فليتفاهم

معه هوا ويخرجا بحل وما قلته يجب أن يحدث فهذا

كان الاتفاق منذ البداية , ما علمته من راضية أنهم اليوم

خرجوا من المزرعة منذ الظهيرة ويبدوا عاد للتو

توجهت للباب وفتحته فكان يقف أمامه مسندا يده على

حافته وينظر لي بجمود فتركت يد الباب ونظرت جانبا

ليس من أجل شيء لكن كي لا يتّقد هذا الشوق إليه أكثر

وصلني صوته قائلا بجدية " ما معنى هذا الذي قاله جواد "

قلت وأنا على حالتي " معناه كما قاله لك وقالته

والدتك سابقا ولم تنفذه "

قال بحزم " وسن "

نظرت له لتلتقي عينانا وقال بضيق " قالت وقلتي

ولم أوافق عليه إن كنتي تذكرين ذلك "

هززت رأسي بقوة وقلت " بل وضعته خالتي أساسا

ولم تعترض أنت عليه إلا بأفعالك لاحقا "

ثم أشرت بإصبعي جانبا وقلت " قالت أعيش معها

وأترك شقة والدي ونفذت ذلك بل أكثر منه وبت هنا

وقالت أني سأدرس من مالي وبعدما أتخرج أصرف

على نفسي ولم تنفذه أنت وأخللت به من قبل وفاتها

والآن أريد أنا أن أتكفل بكل ما دفعته أنت للجامعة "

قال بحدة " أي جنون هذا أنتي لم تدفعي من مالك أنتي

كمن يشحذ منهم تكاليف رسوم المواد ورسالة تخرجك "

رميت أصبعي في الهواء وقلت بحدة أكبر " أنا متسولة

في كل الأحوال إن منك أو منهم وعلى الأقل هناك

لا أعرف من صاحبها ولن يعرفني "

ضرب حافة الباب بكفه التي يسندها عليها ونظر

جانبا ومرر أصابعه في شعره يتأفف ثم قال بنفاذ

صبر " متى سننتهي من أسطوانة المتشردة

العالة المتسولة يا وسن متى "

قلت ببرود " حين ينتهي تصدقك عليا بمالك "

هز رأسه بيأس وقال " لا أعلم أي دماغ هذا الذي تفكرين به "

ابتسمت بألم وقلت " نعم فأنا أصبحت لا شيء بالنسبة

لك و منذ وقت طويل "

قبض يده بقوة وقال بغضب " وسن لا تفقديني أعصابي

وكأنك تتعمدين ذلك من أجل إغاظتي "

قلت بحرقة " أجل افعلها واضربني فزوجتك ليست

هنا لتمنعك عني لكي أُقدر لها هذا "

ضغط على أسنانه بقوة وأغمض عينيه وقال

" اسمعي يا وسن مال غير مالي لن ُيدفع عليك

ولآخر عمرك فهمتي "

أشرت له وقلت بضيق " لا يا نواس هذا في أحلامك لن

تبقيني هنا لتنفذ مخططك فإما أن تزوجني إمعتك ذاك أو

سأخرج بنفسي من هنا , ومال من أحد لن أقبل "

قال صارخا " قلت لك سابقا لا تنعتيه بالإمعة ولنرى

نهاية كل هذا إن كان حله زواجك به فسيكون الليلة

فلعلنا ننتهي من تكرار هذه العبارات مخطط وانتقام

ومتسولة ومتشردة وغيرها الكثير "

ثم أشار لي بإصبعه وقال " تذكري فقط أن عليك أن

لا تكرري هذا مجددا بعدما تصيري زوجته "

ثم غادر دون أن يضيف شيئا آخر ليتركني أنظر لمكانه

بصدمة , ماذا يعني بما قال ! ما معنى أن لا أذكرها

مجددا هل يقصد أنه سيبقى يصرف علي حتى بعد أن

أتزوج ولكن كيف ! رجعت بعدها عدة خطوات للوراء

حتى سقطت جالسة على الأريكة ... نعم معناه شيء

واحد يزوجني بصديقه الذي يعيش معه هنا لأصبح أنا

وهوا وحتى أبنائنا نعيش على نفقته وصدقاته وفي منزله

لا ولن أخرج من هذا المكان وسأبقى له ولزوجته كل

العمر هذا إن لم أقوم بخدمتهم من أجل المال , جلست

كالصنم بل كالمحكوم عليه بالإعدام ينتظر مصيره

المجهول , هذا ما لم أفكر فيه يا نواس أن تكون فكرت

هكذا ... تزوجني به وأبقى هنا أسوء من بقائي الآن

مرت عليا الساعات وأنا جالسة مكاني ودارت بي جميع

الأفكار حتى أن أهرب من هنا ولا أعود , أمسكت

بعدها بهاتفي واتصلت به , عليا أن افهم منه أولا من

يكون ذاك الذي يتحدث عنه , اتصلت به مرارا ولم

يجيب , قد يكون نام وغير رأيه في الأمر وكلامه كله

كان في ساعة غضب , وقفت وبدأت بالدوران في

الغرفة كالتائهة ثم توجهت نحو الباب من دون أدنى

تفكير وخرجت منها ونزلت للأسفل وتوجهت لغرفة

راضية وطرقت عليها الباب كثيرا حتى فتحت لي

من نومها وقالت بقلق " وسن ما بك ماذا حدث "

قلت مباشرة " أين نواس هل هوا في غرفته "

قالت بعد تفكير " بعدما عاد عند العاشرة صعد للأعلى "

قلت مباشرة " نعم اعلم هل نزل بعدها وخرج أم لا "

قالت " نعم نادى على وليد بصوت مرتفع ويبدوا

غاضبا جدا وخرجا معا "

نظرت لها بضياع مطولا فقالت " وسن ماذا هناك

هل نواس به مكروه !! "

قلت " لا لكن تذكري هل عادا بعدها أم لا "

رفعت كتفيها وقالت " دخلت غرفتي عند الثانية

عشرة وكانا لم يعودا بعد "

إذا هم في الخارج منذ ساعتين وظنوني صدقت وهذا

ما سيفعله , غادرت من عندها وأخذتني قدماي لإسطبل

الوسن ولو كان لي مكان غيرها لقصدته لكن قدري لم

يترك لي أحدا ألجا إليه , فتحت الباب ودخلت وتوجهت

نحوها فورا واحتضنتها وبدأت بالبكاء دون أي كلام

فحتى الشكوى لن تجدي لأنها لن تجيب , أين أنتي يا

خالتي لتري ما يحدث لي , أين وصاياك له ووعده لك

بكيت حتى تعبت وشعرت بالدوار فابتعدت وجلست

عند الجدار وخبأت رأسي بين ذراعاي المحتضنة

لساقاي لأواصل مسيرة بكائي هناك

*

*

عدت ووليد للمزرعة مجددا ونزل قبلي ووقف

عند نافذتي وقال " لا أعلم كم مرة سنبارك لك

وأتمنى أن لا تكون أربع "

نظرت للجانب الآخر وقلت بضيق " وليد أنا لست

في مزاج لدعاباتك فوفرها لوقت آخر "

قال مغادرا جهة باب المنزل " مبارك لك إذا وحاول

قدر استطاعتك أن تعدل بينهما "

ثم دخل المنزل ونزلت أنا من السيارة وأغلقت بابها

بقوة ووقفت مستندا عليها بيدي ونظري للأرض أفكر

كيف ستكون ردة فعلها على الأمر وكيف سأقولها لها

ابتعدت عن السيارة لأغادر فركض أحد العمال نحوي

قائلا " سيد نواس إسطبل الوسن مفتوح "

أخذت البندقية منه وركضت دون شعور وأنا أصرخ به

" ولما لم تدخل وتقتله كان من يكون فسيكون سرقها وذهب "

قال وهوا يركض خلفي " حركتها ما تزال في الداخل

وها هما عادل وعمار قادمان "

ركضت جهة إسطبلها وهم خلفي ببنادقهم وقلت

" أقتلوه دون تفكير ولا تردد هذا إن لم يكونوا مجموعة "


******************************************

نزلت السلالم ودخلت غرفتها فمدت يدها لي وقالت


" تعالي بنيتي أين أنتي شغلتني عليك "

توجهت نحوها وجلست بجوارها واتكأت على كتفها

وبدأت دموعي بالنزول فقالت وهي تمسح على ذراعي

" لما كل هذا الحزن والبكاء والعزلة يا سما , لا تكوني

ضعيفة بنيتي فلا شيء في الحياة يأتي بسهولة إلا

ويذهب بسهولة أما ما نتعب عليه فهوا الذي يدوم "

رن بعدها هاتفها فأجابت عليه قائلة " نعم يا نزار "

" نعم نزلت لي وهي بخير "

ثم أنزلته لحجرها وقالت " لما لم تذهبي للبقاء مع صباح

حتى عودتنا من المستشفى , نزار كان منشغلا عليك

ورفض حتى أن يذهب لموعده مع تاجر الخيول

ليرجع لك هنا لولا أصررت عليه أن يذهب "

كنت أمسح دموعي دون كلام وأشهق شهقات صغيرة بين

الفينة والأخرى فقالت " ألن تقولي لي ما يضايقك يا سما "

لم أتحدث ولم أعرف ما أقول , مسحت على شعري

وقالت " نزار قال أنه سيتحدث معك في موضوع

رفضه لتزويجك ومن وقتها وحالك لا يعجبني فهل

قال شيئا جرحك , هل قسا عليك بكلماته "

ابتعدت عنها ومسحت دموعي وقلت " سألني إن كان

لدي شخص أريد الزواج به فسيزوجني له بعدما

يتحقق من شيء لا أعلمه ولم يقله لأني رفضت

قبل أن ينهي كلامه لي "

تنهدت وقالت " وهذا ما يزعجك في الأمر "

نظرت ليداي في حجري وقلت بحزن

" قال لي انسيه وستجدين أفضل منه "

ثم رفعت نظري لها وقلت بحيرة وضياع ودموع

" كيف أنساه يا خالتي كيف "

تنهدت ومسحت على خدي وقالت

" هوا نزار يا سما أليس كذلك "

أردت أن أقول لا لكني لم استطع الكذب فعدت للبكاء مجددا

فضمتني لصدرها بحنان وقالت " سأتحدث أنا معه "

ابتعدت عن حضنها وهززت رأسي بقوة رافضة

وقلت " لا يا خالتي حلفتك بالله أن لا تفعليها يكفيني

ما سمعت منه ولا أريد أن يعلم بكل هذا "

تنهدت وقالت " فقط لأنك أقسمتِ علي لكنت

علِمت كيف أتصرف معه "

نظرت للأسفل أشعر بالخجل من نفسي أمامها بسبب

ما حدث , هذا كله من حماقتي مالي ومال كل هذا من

البداية , سمعنا حينها صوت الباب انفتح فوقفت من فوري

كالملدوغة أريد أن أغادر من هنا لكن لا مجال لفعل ذلك

وقف نزار عند الباب وظهري له ووصلني صوته قائلا

" مساء الخير "

أجابت خالتي ثم قالت " هل تريد عشاءا ؟ سئمنا من

قول هذا كل ليلة والجواب نفسه "

قال مغادرا " إذا لما تسألي إن كنتي تعلمين الجواب "

ثم صعد لغرفته ككل ليلة , ليته يعلم كم جرحني وهوا

لا يدري , كيف يقول لي أن أنساه وهوا أمامي وأني

سأجد شخصا أفضل منه وأنا لا أرى غيره , وأن

مشاعري ستتغير مع الزمن وهي لم تتحرك لأحد قبله

ولا غيره , كم كسرني وحطم مشاعري وحمدا لله أني

لم أفكر كما قالت خالتي سابقا أن أتحدث معه لكان

مصيري أسوء من دعاء , نزلت دمعتي مجددا فمسحتها

بسرعة فقالت باستياء " سما هذا الذي تفعليه بنفسك سيء

إما تحدثي معه وافهمي منه حقيقة شعوره ناحيتك ومهما

كانت النتيجة قاسية عليك أو ارحمي نفسك وحاولي نسيانه

والتفتي لدراستك ومستقبلك كي لا يؤثر فيك تعبك منه "

ركضت مغادرة الغرفة وصعدت السلالم , لما يحصل معي

كل هذا ألا يكفيني ما قاله لي لتزيد والدته الأمر سوءا

بإخباري أنها تعلم أنه هوا , كم هذا محرج ومخزي

صعدت راكضة لأصطدم بشيء بقوة وما كان إلا نزار

الذي قال ويده على صدره " تنوين تكسير ضلوعي بلا شك "

نظرت للأسفل أمنع فقط دموعي من الانهمار أمامه

فقال عندما طال صمتي " لا تغضبي مني يا سما

فلم اقصد جرحك بما قلت "

أنزلت رأسي أكثر وقلت بحزن " أبدا لم أغضب وآسفة لأني

قلت ما قلت فأنا كنت متضايقة قليلا وقلت ما لا أستوعبه "

ثم توجهت مسرعة جهة غرفتي لتمسك يده ذراعي

ويوقفني مكاني وقال بصوت منخفض " لا أريد رؤية

دموعك يا سما فتوقفي عن البكاء "

أخفيت عيناي بذراعي الأخرى لأن دموعي عادت تنزل

أكثر من السابق فترك ذراعي وقال " لا يستحق دمعة من

عينيك كان من يكون ولن تنتهي الحياة على .... "

وضعت يدياي على أذناي وقلت " يكفي يا نزار

أرجوك توقف عن قول كل هذا .... توقف "

ثم دخلت غرفتي وأغلقت الباب وركضت للسرير

وارتميت عليه أبكي بحرقة

*

*

بقيت أنظر للباب الذي أغلقته خلفها لوقت ثم تنهدت ونزلت

لغرفة والدتي ووقفت عند الباب وقلت " ماذا قالت لك "

قالت ببرود " لا شيء "

قلت بضيق " أمي لما هكذا "

قالت بضيق " أذهب وسألها بنفسك يا محطم القلوب , كم

واحدة ستنتقم من رهام فيها ؟ نزار أنت مريض وعليك

أن تذهب لطبيب نفسي "

قلت بضيق أكبر " أمي ما هذا الكلام الذي تقولينه "

قالت بحدة " أخبرني ما في سما لا يعجبك ؟ دعاء وقلنا

صديقة رهام وكذبت علينا مرارا وتعاملت بخبث وسوء

مع سما وبها عيوب تضطرك لرفضها , سما مما تشتكي

امرأة تقاس بالذهب وزد عليها أنها تحبك وأنت كالجدار

لا أعلم ما الذي تحبه فيك النساء "

هززت رأسي وتأففت بقوة أمنع لساني من أخطأ في

حقها فهي والدتي مهما كان , قالت بسخرية

" العيب ليس بها بل هوا بك أنت "

قلت بضيق " أمي إنها طفلة لا أعلم بأي عين تريها , عمري

فوق ضعف عمرها بخمس سنين , أي وجه هذا الذي

سأقابل به أبناء عمها وأعمامها فيما بعد ... وجه المستغل

لمالها أم وجه المضطهد يتزوج بفتاة في الخامسة عشرة "

قالت بحدة " حجة ضعيفة وتعلم ذلك جيدا فلما كنت تريد

تزويجها بغيرك إن كان عائلتها أو عمرها السبب "

لوحت بيدي وقلت بضيق " ليس أنا ... المهم ليس أنا فأنا

اعلم كل شيء عنها وعن ثروتها التي بين يداي وأراها

بعيناي وزيدي على كل هذه المبالغ الخيالية ثروة وأسهم

أكثر منها , غيري لا يعلم أما أنا فلا تفسير لزواجي بها

سوا أني طامع في مالها وسما صغيرة قلتها ومصر عليها

ولن أتزوج من طفلة ولو فيها موتي ولن أظلمها بأطفال

وتعب في غير سنها والله وحده يعلم متى تنتهي ظروفها

وتعود لعائلة والدها "

كانت ستتحدث فقاطعتها باستياء " توقفي عن لومي يا

أمي وحلفتك بالله أن ترحميني لما لا تهتمي بمشاعري

أيضا , أنا رجل ربيتني على أن لا أنزل نفسي فأي مظهر

هذا الذي سأقف به أمام أبناء عمها فيما بعد وأنا ذاهب لهم

بها لنعيش على أموالها وأموالهم أم بظنك سيرضون أن

تبقى معنا هنا في منزلنا هذا وهي ثرية ابنة أثرياء

يكفي يا أمي يكفيني ذل ومهانة في حياتي "

نظرت للأرض وقالت بهدوء " لكنك قسوت عليها بني

وجرحتها فلما لا تراعي مشاعرها أيضا "

أشحت بوجهي وقلت " يوم تصير هي في سن زواج

وأكون أنا كفأ لأناسبهم ولو قليلا وتبقى هي مشاعرها

نحوي ذاتها سأتزوجها "

قالت بسخرية " نعم أغلقتها من جميع الطرق ثم تقول أتزوجها "

تنهدت بقوة ثم نظرت لها وقلت " أقسم إن حدث كل ذلك تزوجتها "

هزت رأسها وقالت " ومتى يا ابن والدتك ستصبح غنيا

وهل ستنتظرك هي كل عمرها "

قلت بهدوء " ها قد قلتها بنفسك لن تنتظرني كل عمرها

وأنتي أدرى مني يا أمي أنها في سن ستتغير فيه مشاعرها

بكل سهولة وستقول يوما ما لا أعلم كيف أحببته وتكتشف

أن هذا ليس حبا من أساسه "

لاذت بالصمت غير مقتنعة قطعا بما أقول فقلت بهدوء

" تحدثي معها وأفهميها الأمر ولكن بطريقة غير مباشرة "

قالت ببرود " لن أقنعها إلا بأن تنساك وتكرهك أيضا "

قلت بضيق " أمي لا أعلم كيف بعدها كرهتني حتى أنا "

قالت بحدة " لأني إن أنجبت وربيت مليون فتاة ما

خرجت بواحدة مثلها وأنا متأكدة كما أراك الآن أمامي

أنها اعتذرت منك رغم أنك أنت المخطئ "

مررت أصابعي في شعري أنظر للأرض ثم قلت بانكسار

" أفهميها أن تنتظرني إذا ولكن دون أن تخبريها "

قالت مباشرة " لا "

رفعت رأسي ونظرت لها فتابعت باستياء " لن أقول حرفا

وقله لها وحدك فأنا لن أعلقها بالآمال الكاذبة لتأتي أنت فيما

بعد وتقول أنك تحب أخرى وتريد أن تتزوجها فأنت لا

يعجبك إلا شبيهات رهام "

غادرت وتركتها لأنها في حالة سيئة من الغضب ولن

أستطيع التفاهم معها , خرجت من المنزل وركبت

سيارتي وتحركت بلا هدف ألف الشوارع فقط , ما

الذي لدي أقدمه لك يا سما حتى مهر كباقي الفتيات لا

أستطيع توفيره لك , ليس لدي سوا الفشل وخيبات الأمل

لن أستطيع أن أجلب لك ولا سلسالا ذهبيا يساوي أقل ما

لديك من حلي , ليس لدي سوا مشاعر ما تمنيت يوما أن

تستيقظ اتجاه أي امرأة بعدما رأيت من رهام , لا أختلف

مع والدتي أنك تساوين مليون امرأة وما كنت سأتمنى زوجة

أفضل منك لكن مستحيل لا تطاوعني نفسي ولا حتى أن أنام

معك في سرير واحد وأنتي بهذا السن والحجم ... حماقة

أقسم أنها أكبر حماقة سأرتكبها حينها وستندمين أنتي من أول

ليلة تنامي فيها معي , وقفت بعدها جهة البحر ولا أعلم لما

هنا بالتحديد ثم نزلت واقتربت من الشاطئ وجلست على أقرب

صخرة عند الأمواج , لم أتذكر أوقات قدومي مع رهام وجلوسنا

على الصخور هكذا نتحدث لساعات ... الذكرى التي أكرهتني

في البحر لسنوات ليس حبا لها طوال هذا الوقت ولكن كرها

لها ولخذلانها لي , هذه المرة تذكرت آخر زيارة لنا للبحر

وسما تجلس بجانبي تحمل براءة لم تعرفها رهام فلم ألحظ يوما

مشاعرها نحوي من كثرة ما كانت لا تظهر عليها , لم تفكر

يوما باستدراجي بطرق رخيصة لأتزوجها رغم أنها تعيش

معي في ذات المنزل بل وتدخل غرفتي وأنا موجود , وقفت

وعدت لسيارتي مقهور حتى من نفسي لأنها أجبرتني على

ما لا أحب ... لماذا يا نزار لما تحب امرأة من جديد بل

طفلة أمامك , ما فيها جعلك تتغير هكذا دونا عن باقي النساء

سما مراهقة وستتغير مشاعرها بسهولة لكن أنت ما سينسك

في جرحك منها , أنت لست للزواج ولا تنفع لتكوين عائلة

قد لا تستطيع أن توفر لهم كل ما يحتاجونه , عدت للمنزل

وكان الصمت والهدوء يعم المكان , مررت بغرفة والدتي

فكانت نائمة فتوجهت جهة السلالم لأصعد لغرفتي فوقفت

فجأة حين سمعت صوتا في المطبخ , يبدوا سما نسيت النافذة

مفتوحة ودخل قط هناك , عدت أدراجي وتوجهت للمطبخ

وما أن وصلت عند الباب حتى رأيت الثلاجة مفتوحة ثم

خرجت سما من خلف بابها وأغلقتها تمسك في يدها قارورة

ماء وما أن استدارت جهة الباب حتى وقفت مكانها تنظر

لي بصمت فقلت بابتسامة صغيرة " ظننتك قطا دخل

المطبخ , لما أنتي مستيقظة لهذا الوقت "

أخفضت نظرها ولم تتحدث ولم تبتسم حتى مجرد الابتسام

نعم يا أحمق تجرحها هكذا جرح وتريد منها أن تتصرف

معك كما كان في السابق , مرت مجتازة لي لتغادر فأمسكت

يدها وأوقفتها ولم أرى ملامحها وردة فعلها لأن شعرها كان

مفتوحا وغرتها تخفي أغلب ملامحها , فتحت فمي لأتحدث

ثم عدت وأغلقته , هل ستناقض نفسك يا نزار تقول لها ذاك

الكلام بل وفكرت حتى في إخراجها من هنا كي لا تتهور

أكثر والآن تفعل النقيض , تركت يدها ثم قلت مبتعدا

" تصبحين على خير "

وصعدت السلالم ودخلت لغرفتي

*

*


تبعته بنظري حتى اختفى ثم نظرت ليدي بحيرة من

تصرفه ثم وضعتها على القارورة الباردة لأزيل منها

الشعور بلمسته حين أمسكها فكل هذا فوق احتمالي

سرت بعدها بخطوات بطيئة أنظر للأرض حتى وصلت

السلالم فأوقفني صوت خالتي قائلة " سما تعالي "

عدت جهة غرفتها ووقفت عند الباب وقلت باستغراب

" ألم تنامي حتى الآن !! "

قالت مباشرة " لا وأنتي لما لم تنامي فليست عادتك "

نظرت للأرض وقلت " حاولت كثيرا ولم أنم "

قالت " أشعلي النور وتعالي خذي هذه "

شغلت النور واقتربت منها أنظر لما في يدها بحيرة ثم

أخذتها منها وقلت " لما تعطينها لي ألسنا نقرأها سويا "

قالت بهدوء " اقرئي أنتي متى ما وجدتِ وقتا

وعديني أن تقرئي كما كنا نقرأ "

قلت باستغراب " لكني أريد أن نقرأها معا "

تنهدت وقالت " أنا سبق وقرأتهم جميعهم ومرات عديدة

عديني فقط أن لا تشغلك عن دراستك فامتحاناتك لم

يبقى عليها سوا أقل من أسبوع "

هززت رأسي بحسنا وقلت " أعدك خالتي ولا تخافي

لن آخذ أقل من النسبة الكاملة ككل عام منذ طفولتي "

قالت مبتسمة " وفقك الله بنيتي ولا تدعي شيئا يؤثر

على دراستك واتركي الآن كل شيء عداها جانبا

وستجديه ينتظرك لاحقا صغيرتي "

نظرت لها باستغراب فتنهدت وقالت " اهتمي بدراستك

الآن وأغلقي قلبك عن كل شيء وفيما بعد سيكون لك ما تتمني "

قلت بحيرة " خالتي لما تعشقين الكلام المبهم "

قالت بابتسامة " لا تفكري في معناه كثيرا فقط أبقي تتذكرين

كل حرف فيه وستفهمين يوما معناه "

هززت رأسي بحسنا وأطفأت النور وصعدت لغرفتي

دخلت وأغلقت الباب وتوجهت لسريري وفتحت الرواية

سأقرأ قليلا بما أنه لا نوم أبدا رغم أني أشعر باستياء كبير

لكني سأقرئها علّي أتناسى بسببها كل شيء حدث , فتحت

حيث وصلنا وقرأت (( نظرت لها بصدمة لم أستطع التنفس

معها , جوجو تعرف فراس !! كم كذبة هذه التي سيكذبونها

علي !! اقتربت منا وقالت " مرحبا فراس "

قال ببرود " مرحبا جيهان "

نظرت لي وقالت مبتسمة " من هذه هل هي شقيقتك "

نظرت لها بصدمة أشد من سابقتها , هذه لديها انفصام

في الشخصية أم ماذا !! أم أنا التي فقدت عقلي

قال فراس " بل زوجتي "

تغيرت ملامحها حتى كادت تتحول لقرد ثم قالت

" زوجتك !! "

لو لها لسان فلتقل أن ذلك لا يمكن أن يحدث

قلت ببرود " نعم أم لم يخبرك شروف بذلك "

قالت باستغراب " من شروف !! "

ضحكت وقلت " العبيها على غيري يا جوجو

فلم تعد تمر علي "

نظرت بعدها لفراس وقلت " هل نغادر "

هز رأسه بحسنا ثم سرنا ولم نتحدث حتى ركبنا السيارة

وشغلها فقلت " كاذبة كذبت علي مرتين وممثلة بارعة "

خرجنا ولم يعلق , لو أفهم فقط قصته معها ولما مثلت

عليا كل تلك الأدوار , قلت محاولة جعله يتحدث

" رأيتها مع أشرف سابقا والآن أنكرت وسألتها إن

كانت تعرفك لأنك تعرفت عليها سابقا وقالت أنها لم

ترك إلا وقتها في السيارة "

لم يتحدث أيضا فتأففت وقلت " فراس ما بك

هل أتحدث مع جدار ولا أعلم "

قال ببرود " انتهى الحديث في هذا "

نظرت له مطولا باستغراب ثم قلت " لو لن نتحدث فيه

الآن فسأبقى أضن طوال حياتي أن ثمة شيء كان بينكما "

نظر لي ثم عاد بنظره للطريق وقال بذات بروده

" ضننت أن أمري لا يعنيك كما قلتِ سابقا "

نظرت للأمام وكتفت يداي لصدري وقلت بضيق

" واهم لا تفسر الأمور كما يحلوا لك "

قال مباشرة " لاحظي أني لم أسألك عما حدث بينكما

وما قلتِه لها فلا تسأليني أنتي أيضا "

نظرت له وقلت " حسنا هوا سؤال واحد فقط "

قال بحدة " رديييين "

نفضت يداي وقلت بضيق " لا ردين لا يا ليل

يا عين .... أي أسلوب حياة هذا "

انطلقت حينها ضحكته وأنا أنظر له بصدمة من

تبدل مزاجه ثم قال " سؤال واحد وإجابة بكلمة

واحدة أو رميتك من السيارة وهي تسير "

قلت ببرود " نعم ما ستخسره إن رميتني فحتى

مهري لم آخذه بعد "

ضحك ضحكة صغيرة وهز رأسه وقال

" اسأليه قبل أن أغير رأيي "

نظرت ناحيته وقلت " هل تعمل معك "

قال باختصار " نعم "

قلت بغل " كذبت عليا إذا وزاد عليها أشرف وكأنهما

متفقان , سيرى ذاك الكاذب "

قال بضيق " لا حديث لك مع أشرف عن شيء وانتهى الأمر "

قلت " هل صحيح كانت تضايقك بمكالماتها "

قال بنفاذ صبر " ردين ماذا قلنا "

رميت بيدي وقلت بتذمر " أي زوج هذا , أعانني

الله عليك باقي سنين حياتي "

أوقف حينها السيارة أمام الباب الخارجي للمنزل وقال

" نعم أعانك علي وأعانني عليك بالضعفين "

فتحت باب السيارة وقلت وأنا أنزل

" ومن ضربك على يدك كنت رفضت وأرحتني "

ثم أغلقت بابها بقوة رغم علمي أنه لا يؤثر ذلك به ودخلت

لأكتشف أن الأكياس بقيت في السيارة , كله بسببه أفقدني

حتى ذاكرتي لكن ما يحيرني لما لم يأتيه الفضول ليسأل

كيف عرفتها وما الكذبة التي كذبتها وكذبها أشرف

تأففت ودخلت أقلده باستياء " قال لا تتحدثي

مع أشرف ثانيتا هه "

سمعت حينها ضحكة من خلفي ثم صوت عمتي

سعاد قائلة " ردين ما بك تتحدثين مع نفسك "

التفت لها وقلت " كله من ابنك سيفقدني عقلي "

قالت مبتسمة " يبدوا لم تشتري شيئا "

أملت فمي وقلت " نسيتهم في السيارة "

قالت مبتسمة " جيد ليأخذهم لمنزلكما مباشرة "

فتحت عيناي من الصدمة وقلت " ماذا !! "

قالت بحيرة " ألم يخبرك "

قلت " يخبرني بماذا "

قالت مباشرة " بأنكما ستسكنان وحدكما في منزل

أجار وسيبدأ ببناء منزلكما الخاص "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق

" لم يخبرني ... ومن قال أني أوافق ذلك , أنا لا

أريد أن أبتعد عنك وعن عمي رياض "

تنهدت وقالت " ولا أنا أريد أن تبتعدا عني لكنه

تناقش مع عمك ووافق "

ثم قالت مغادرة " قد يكون معه حق عليكما أن تستقلا "

تأففت بقوة ضاربة الأرض بقدمي , أي استقلال هذا الذي

يقول عنه , هوا يريد أن يستفرد بي ولن أجد حتى والده

لأستنجد به وهوا يعرف أنه سيقف في صفي , لعبها جيدا

ذاك المخادع وأنا لم أفكر فيها أبدا لكنت اشترطت ذلك منذ

البداية , عدت لغرفتي ورميت حقيبتي بعدما أخرجت منها

هاتفي واتصلت به كثيرا ولم يجب فأرسلت له

( لم أعد أريدك طلقني حالا )

أرسل على الفور ( ذلك في أحلامك )

شتمته كثرا بكل ما أعرف من كلمات ثم أرسلت له

( من قال أني أوافق على الخروج من هنا لمنزل

لوحدنا , لا تقرر وحدك )

لم يجب فعاودت الاتصال به وبلا فائدة طبعا فأرسلت

له ( ستندم على قرارك هذا وقل ردين قالتها )

ثم أرسلت ( أحضر ثيابي إلى هنا )

أرسل ( سبقتك لمنزلك منذ وقت )

ضغطت على أسناني بقوة .... لا يجيب إلا على ما يريد

ويتصرف من دماغه وكما يحلو له وكأنه لا وجود لي

عند المساء طرق أحدهم الباب وسمعت صوت الخادمة

من الخارج قائلة " سيد رياد يريدك في تحت "

فوقفت وخرجت من الغرفة ولم أجدها , لا وعنيدة أيضا

فوق كل عيوبها , نزلت وبحثت عنه فوجدته وفراس في

مجلس الضيوف فوقفت عند الباب مكتفة يداي لصدري

وقال عمي " تعالي يا ردين نريد مشاورتك في أمر "

قلت ببرود " ومنذ متى يأخذ ابنك برأي ومشاورتي

أم فقط لأنك أنت من طلبت هذا "

نظر له ثم لي ثم قال " ما بكما "

قال فراس " لا تريد أن نسكن لوحدنا "

قال عمي رياض " وحدكما سيكون أفضل يا ردين وفراس

استأجر منزلا قريبا وسيباشر بناء منزلكما فورا وهوا أيضا

قريب من هنا , مالك ومنزل به عائلة كاملة تعيشان

في غرفة ستضايق حريتك "

قلت بضيق " لكني راضية ولم أعترض وبما أن

الأمر فيه حريتي أنا فلا أمانع أن أتضايق بكم "

قال فراس " وأنا أيضا أريد ذلك فهوا ليس من أجلك فقط "

قلت بضيق " أسكن فيه وحدك إذا أنا سأبقى هنا "

قال بنفاذ صبر " لما العناد على الرأي الخاطئ يا ردين "

نظرت لعمي رياض وأشرت بإصبعي لفراس وقلت بتذمر

" أنظر ما يقول أنا رأيي خاطئ "

تنهد وقال " ما بكما كالأعداء , هذا ولم يغلق

عليكما باب غرفة بعد "

قلت ببرود " نسكن هنا أو لا شيء مما كان سيستمر "

وقف فراس وقال " نسكن هناك رغما عنك ويستمر كل شيء "

قال عمي رياض " أجلس يا فراس وأرنا صمتك رجاءا "

جلس وتأفف ونظر جانبا وقال عمي رياض " ردين أنا مع

الرأي الصواب وليس لأنه ابني أقف في صفه لكن لأنه

معه حق وعيشكما وحدكما أفضل والقرار بات لي وليس له "

قلت باستياء " ولما لم يفكر بسؤالي حتى مجرد السؤال

وكأني لست زوجته كل شيء يفعله دون أن نتناقش فيه "

تنهد وقال " لا تجعلاني أندم يوما على تزويجكما

لبعض وكبِّرا عقليكما فلستم أطفالا "

ثم تابع " فراس يرى أن يكون حفلا في المنزل وعمتك سعاد

تريده في فندق فنريد رأيك لأن هذا يخصك أكثر من الجميع "

نظرت لفراس وقلت " في فندق طبعا فأنا لست أقل من غيري "

قال فراس بضيق " ومن قلل من شأنك , جدي لا يمكنه المجيء

إلا هذا الأسبوع بسبب عمل خالي ولا حجوزات الآن في

الفنادق إلا الأسبوع الآخر لقد جُلتها جميعها ولم أحصل على

حجز ففكري في غيرك لأننا نريد أن تحضر كل العائلة "

قلت ببرود " ولما ترفض عمتي سعاد مؤكد هناك حل بديل

ولا أضن أنها لا تريد أن يحضر والدها وشقيقها "

قال ببرود أكبر " والدتي تريد أن نؤجله أسبوعان

ليتناسب مع قدوم جدي وحجز في فندق "

قلت " إذا نؤجله "

وقف عمي رياض وقال " نؤجله إذا , أنت قررت

بشان المنزل وهي بشأن الحفل وانتهى "

ثم خرج وتبعته بنظري حتى ابتعد ثم نظرت جهة فراس

الذي قال بضيق " لا تفرحي بهذا يا ردين لأنه لن يدوم

ويوم تصيرين في منزلي لن يكسر أحد كلمتي "

وضعت يدي وسط جسدي وقلت بضيق أكبر

" واحدة بواحدة كي تتعلم أن لا تقرر وحدك , تريد

أن تستفرد بي يا فراس أفهمك وأفهم خططك جيدا "

قال بسخرية " ومن يقدر عليك أنتي فلستِ تحتاجين

لمن يساندك فوحدك تكفين وزيادة "

قلت باستهزاء " أنت من تحتاج لكل العائلة لتوقفك

عند حدك فلا أحد يقدر عليك "

ثم تابعت بسخرية " لم أكن أتخيل أني أهمك درجة

أن تتمسك بموعد الزفاف , من المفترض أن تكون

أول من يصر على تأجيله "

وضع ساق على الأخرى وقال بابتسامة جانبية

" بل أنتي من ظننت أنك ستتمسكين بالموعد الأول "

نظرت له بصدمة ثم قلت " وقح ولا تجدي سوا في هذا "

دخل حينها أشرف وقال " ما بهما العريسان صراخهما في الشارع "

نظرت له وقلت بضيق " أنت تعالى هنا كيف تكذب عليا

أنت وجوجو خاصتك كل تلك الأكاذيب وفي .... "

قاطعني فراس بصرامة " ردين أغلقي الموضوع كم مرة سأقولها "

تجاهلته ونظرت جهة أشرف الذي جلس على إحدى

الأرائك وقلت " هي تعمل مع فراس إذا يا كاذبان "

وقف فراس وقال بحدة " ردييييين "

نظرت له وقلت بضيق " تكلم أنت إذا وقل الحقيقة "

قال بضيق أكبر " ما شأنك أنتي بالحقيقة وفيما تعنيك "

أشرت له بإصبعي ثم لوحت به وقلت " زوجي ويحق

لي أن أعرف تاريخك الأسود "

ضغط على أسنانه بغل فهربت قائلة

" حسنا لا أريد أن أعلم "

صعدت ركضا لغرفتي وأغلقت الباب خلفي ورميت

حجابي على السرير , ما سر تلك الفتاة يا ترى ولما

لا يريد فراس أن يتحدث أشرف عنها !! وأي من كلام

أشرف السابق حقيقة أم كله كذب , انفتح بعدها الباب

دون أن يطرق أحد فكان بالطبع فراس الذي دخل وأغلق

الباب خلفه وكتف يديه لصدره وقال " أخبرتك مرارا أن

هذا الأسلوب لن يأخذ لك بحقك مني ولن أمل ولن أطلقك "

قلت بضيق " بما تهذي أنت أنا لم أفكر بكل

هذا فلا تلصق أفكارك بي "

قال بابتسامة جانبية " بما أن موعد الزواج تأخر

فالرحلة ستكون أسبوعا فقط "

قلت بلامبالاة " لم أعد أريدها ابلعها واشرب خلفها الماء

لا أريد رحلة فيها أنت لأنها ستكون أسوء شيء عشته "

قال بجمود " ردين أقسم أنك لم تري وجهي العصبي بعد

وأمسك نفسي عنك كل وقت فلا تظهري ذاك الوحش من

داخلي لأنك الخاسر الوحيد حينها "

لويت شفتاي ونظرت للجانب الآخر ولم أتحدث

فاقترب مني ووقف خلفي وهمس في أذني قائلا

" سأخبرك سرا لم يعرفه أحد قبلك "

فتحت عيناي أستمع بانتباه وطال صمته فالتفت

له وقلت " سر تخبرني أنابه !!! "

قال مبتسما " نعم وعليك معرفته قبل زواجنا "

بقيت أنظر له بترقب فنظر لعيناي وقال بخبث

" جيهان ستكون زوجتي مثلك " ))

رفعت الصفحة لأقلبها فتذكرت وعدي لخالتي فأغلقت

الرواية ووضعتها في الدرج وأغلقته , يبدوا لي جميع

الرجال هكذا بلا مشاعر ولا يهتمون لمشاعر المرأة

تنهدت بأسى ثم غادرت السرير وأطفأت النور وعدت

له واستلقيت عليه نائمة على ظهري أفكر في كل ما

حدث لي هذه الشهور منذ أصبحت هنا في منزله وما

كنت عليه وما ألت له , غطيت وجهي باللحاف أحاول

النوم بل أجبر نفسي على ذلك كي لا أبكي أكثر فقد تعبت

من البكاء وتعبت من كل هذا وأشعر بالإهانة والذل

والاستصغار , هذا ولم يعرف حقيقة مشاعري اتجاهه

فكيف إن علم كيف سيكون شعوري حينها , انقلبت على

جانبي الأيمن لتسقط الدمعة التي كنت أسجنها منذ وقت

فمسحتها سريعا ومددت يدي لهاتفي وأدخلته معي تحت

اللحاف , فتحت الرسائل وأرسلت رسالة لبتول كتب فيها

( ما أن تري رسالتي أرسلي لي رقم جابر )



*********************************
__________________
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 12-29-2015, 04:06 PM
oud
 
******************************************

نظر لي مطولا ثم قال ببرود " مؤكد تذكرين

كلامك يومها وحين طلبتُ دليلا وقلتي اختبرني "

نظرت للأسفل وابتسمت بألم وقلت " لم أنسه لحظة

وأنت متأكد أن كلامك ذاك لم يكن اختبارا لي"

قال باختصار " نعم "

ثم وضع يده في جيب البنطلون وقال " لكنه إن

كان كذلك فتكونين فشلت فيه "

نظرت له وقلت بثقة " بل أكون نجحت وبجدارة ثم أنت

يفترض بك أن تسعد بهذه النتيجة لأنها ما تريد "

قال بعد صمت " ليست ما أريد "

بقيت أحدق فيه بصمت أحاول على الأقل ترجمة ما

بين الأسطر فإن وضعت أنا تخمينا لما يعني بما يريد فسيقول

عكسه ليحاصرني , قلت " أعتقد أن من يتعامل مع الناس من

منظور يفترض أن يحب أن يعامله الناس منه فجرب أنت

كيف كنت معي لأشهر واحكم بنفسك لأني أنا

الآن صرت مثلك تماما "

رفع رأسه ينظر جانبا وقال ببرود " هل تذكرين كلامك

عن أنك لا تريدين أن تغضبي الله حين أدعوك

لي يا من تناقضين نفسك "

نعم هذا ما تفلح فيه حفظ كلامي وتكراره ، قلت ببرود أيضا

" أذكر كل حرف قلته ولا تتهرب من موضوعنا الأساسي "

عاد بنظره لي وقال " أنا لم أتهرب بل أنتي من فعلتها الآن "

تنفست بقوة محاولة تهدئة نفسي وقلت " وأنا لم أتهرب ولم

أناقض نفسي سيد جابر ولم أمنعك مني بل أنت من ابتعدت

من نفسك وما كنت سأجبرك على الابتعاد وكنت تستطيع

أن تأخذ ما تريد رضيت أنا أم كرهت "

قال وقد تحولت لهجته للحدة " وما معنى ما قلتيه

لي وقتها يا أرجوان "

قلت ببرود " معناه الحقيقة التي من كثرة ما

تجرحني لم أستطع كتمانها "

قال بضيق " وكلامي كان حقيقة من المفترض أن لا

تغضبك فاشرحي لي لما يتزوج الزوج على زوجته بل

ويطلقها وقد عاشا تحت مسمى الحب ولما تتزوج المرأة

بعد وفاة زوجها إن كانت ليست فقط اعتادت على وجوده

ثم اختفى , من المفترض أني لم أقل شيئا غريبا يستدعي

كل هذا فكلامي صحيح فقط نحن البشر نختلف

في طريقة التعبير "

قلت بسخرية " لا تقنعني بأني أحب والداي وأبنائك

وسوسن وأنت بنفس الطريقة وبسبب التعود , إن كنت أنت

تحبنا جميعنا نفس الشيء بل آسفة متعود على وجودنا في

حياتك بنفس الشكل فأنا آسفة لا أعرف كيف أكون

آلة لكني فقط بث أراك كما تراني "

هز رأسه وقال " وأنا من ضن أن لك عقلا كبيرا

وجئت أتناقش معك وهذا ليس طبعي "

قلت بحدة " توقف عن جرحي واهانتي يا جابر واعلم

أني لم أطلب منك مناقشتي وتوضيح منظورك

ونظريتك التي لن أعترف بها حياتي "

ثم أشرت له بإصبعي وقلت بثبات " فاسمع أنت باقي

نظريتي وهي أن الحب يموت من الإهمال وأن التعود

لن يكسر هذه القاعدة "

أدار ظهره ليغادر ثم نظر لي بجانب وجهه وقال

" إذا اعلمي أنه من نظريتكم الفاشلة أن الحب لا يموت "

ثم تابع مغادرا " لتعلموا أنكم تناقضون أنفسكم "

ولم أسمع بعدها سوا غلقه للباب بقوة فوقفت وأغلقت

باب الغرفة بقوة أيضا وعدت للسرير ومسحت الدمعة

الوحيدة اليتيمة بقهر وعلمت الآن ما شعرت به زهور
صباح اليوم حين نزلت دمعتها الوحيدة ومسحتها ... كانت

مقهورة من ماذا لست أعلم المهم أنه المتسبب لها به وسأقف

في صفها لأن الرجال سواسية , نمت بعدها لا أعلم من

قهري أم لأني أفرغت قليلا مما أكبت وقلته له , ولم أستيقظ

إلا على تشغيله لضوء الغرفة وقت الفجر ففتحت عيناي

ورميت اللحاف عني وتوجه هوا لغرفة الملابس وخرجت

أنا من الغرفة والجناح وتوجهت لغرفة أمجد وأيقظته ودخل

الحمام ليدرك والده الذي لن يسأل إن كان سيذهب معه أم

لا وقد يغادر من المسجد لعمله فورا , عدت بعدها للجناح

بعد صراع نفسي طويل لأني كنت أريد تجاهله والذهاب

لغرفة الفتاتين حتى يغادر , دخلت الغرفة ولم يكن فيها وبذلته

على السرير فتوجهت نحوها وحملتها من عليه وأبعدت السترة

وفتحت أزرار القميص لحظة خروجه من الحمام ليفاجئني

بدخوله لغرفة الملابس وخرج بواحدة أخرى وغادر الغرفة

وتركني والقميص في يدي فرميته على الأرض بغيض

ووضعت يداي وسط جسدي , أستحق ما أتاني منه يفترض بي

أني فعلت ما كنت أفكر فيه , تنهدت بعدها بضيق واستغفرت

الله ورفعت القميص من الأرض وأعدت البذلة لعلاقتها وأعدتها

لغرفة الملابس , سيعود هنا ليأخذ حاسوبه وإن وجدها مرمية

سيعلم أنه أغاظني لكن هكذا سيكون وكأنه تصرف طبيعي اعتدت

عليه منه , خرجت بعدها من الجناح وتوجهت لغرفة الفتاتين

وأيقظتهما لتدخلان الحمام وليبدأ صباحي المعتاد

*

*

نظرت للأوراق في يدي محاولا تثبيتها مع هذه الريح فقال

" كالسابقة سيدي أذون بتدخيل بضائع وكلها مزورة "

مددتها له وقلت " أين العقيد سالم "

قال من فوره " غادر المكان منذ قليل "

أخرجت هاتفي واتصلت به فأجاب من فوره قائلا

" الشهود ينتظرونك هنا "

قلت " بث أشك أن هذه الأوراق تلميح من أحدهم للفاعل "

قال " كيف تتكرر في أكثر من مرة فلو كانت

كذلك لكانت مرة واحدة فقط "

تحركت جهة السيارة وقلت " وأنا فكرت هكذا وما لم نفكر

فيه أنها قد تكون الأولى ليست منهم أي البقية تمويه فلا

تنسى أننا وجدنا عليها أثار دماء من أصابع أحد المقتولين "

ثم ركبت سيارتي قائلا " سآتي لكم حالا ثم نناقش الأمر "

ثم حركت السيارة واقتربت بها من الفريق وقلت

" لا تتركوا الموقع حتى آذن لكم ورجال أسعد لا

يغادرون من هنا ككل مرة أو قتلتهم "

ثم غادرت على نظرات رجالي الشامتة لرجال الشرطة

ووصلت للمركز ودخلت مكتبي ليتبعني مأمون قائلا

" لدينا خمس رجال شهدوا على أوقات متفرقة "

جلست على الكرسي وقلت " وافني بالمهم فقط "

نظر للدفتر في يده وقال " أولهم تعطلت سيارته هناك

واحتاج لنصف ساعة لإصلاحها وأعطى

مواصفات لمن دخل للمصنع "

قلت مقاطعا له " أي شيء مهم فقط يا مأمون "

ورق الأوراق وقال " آخر واحد منهم رأى رجل بلباس

أسود كامل وفي يده قطعة قماش خمن أنه غطاء رأس شفاف

لكن لم يكن داخلا ولا خارجا بل على مسافة تبعد عن المصنع .... "

قلت من فوري " أدخله بسرعة هذا المهم بينهم وتتركه للأخير "

قال " لم يدخل المصنع لذلك .... "

قلت بضيق " أدخله من غير كثرة حديث يا مأمون "

ضرب التحية وخرج من فوره ليدخل يتبعه رجل فيما

يقارب الخمسين من العمر فقلت مشيرا بيدي للكرسي

" أجلس "

جلس وقال " هل سيقتلونني أيضا يا سيادة ....."

قاطعته قائلا " لن يقتلك أحد فقط لا تتحدث عما رأيت بعد

خروجك من هنا وإن وجدنا الأمر خطيرا فنحن بأنفسنا

سنوفر لك الحماية "

هز رأسه وقال " حسنا سيدي "

نظرت للجالس بالمقربة منا وقلت " هل أخذتم جميع بياناته "

قال من فوره " نعم سيدي "

ثم مد لي بورقة على دخول أسعد الذي وقف عند

الطاولة في صمت , نظرت للرجل وقلت " أستاذ حامد

أريد أن تشرح لي مفصلا ما رأيته وما حدث "

قال من فوره " ابنتي تعبت ليلة البارحة وأخذوها للمستشفى

وابنتها الصغيرة أتعبتنا طوال الليل فخرجت بها لأخذها

للمستشفى معهم ورأيت رجلا على بعد حوالي ثلاثون مترا

من المصنع كان بملابس سوداء لا يرى منه شيئا لولا ضوء

أحد المنازل ويمسك في يده قماشا شفافا ويلوح بيده ويبدوا

غاضبا ثم نظر لهاتف في يده وبعدها ركض مسرعا وكأن

ثمة من سيلحق به "

قلت من فوري " ولم ترى بعدها أي شيء "

هز رأسه بلا وقال " لقد خفت سيدي وغادرت المكان للمستشفى "

قلت " ألم تسمع شيئا مما قال "

بقي ينظر للأرض بشرود لوقت ثم قال

" لم أسمع سوا ( سأضيعكم ) قالها وهوا يهرب "

قلت " هل رآك "

قال " نعم ونفث كل ذاك الغضب في وجهي وكأنه

يكلمني لكني لم أفهم شيئا "

نظرت لأسعد باستغراب ثم له وقلت

" ورآك بالمقربة من بيتك أم في مكان آخر "

قال " بل عند سيارتي والطفلة في يدي وصراخها

هوا الذي لم يجعلني أفهم ما قاله "

تنفست بقوة ثم قلت " إذا هوا قال كلاما لك لا أحد يمكنه تقدير

ما يكون , هل كنت في مكان فيه إضاءة "

هز رأسه بنعم ثم قال " أجل ضوء مضلة الباب "

قلت " هل تحفظ شيئا من ملامحه "

هز رأسه بنعم فقلت " رائع "

ثم نظرت لأسعد وقلت " أخرجوا عائلته من ذاك المنزل

ويختفي هوا وهم من العاصمة بأكملها وضعوا عليهم حراسة

ووفر الحماية يا أسعد لا أريد أن تتضرر أسرة بريئة "

هز رأسه بحسننا فنظرت للمدعو حامد وقلت " ستخرج

مع مأمون من هنا وتعطي الرسام ملامحه تفصيليا وتغادر

مع رجال الشرطة وهم من سيوفرون لك المكان والحراسة

ولا أريد أن يعرف أحد بمكانك ولا حتى أقرب المقربين لك "

هز رأسه بحسننا ووقف وغادرا معا ونظرت لأسعد وقلت

" الباقي عليك أحموه وعائلته فيبدوا ثمة شجار حدث

بينهم البارحة ولا مأمن على هذا الرجل منهم "

هز رأسه بحسنا وقال " إن وجدنا الرجل نجد

حلقة مفقودة قد تساعدنا "

وقفت وقلت " على الأقل نعلم من أي مصيبة هوا

لنضع مجموعة ولو تقديرية للمجرمين "

قال وهوا يخرج خلفي " لا شيء يبقى مبهما

طوال الوقت وإلا ما يخطئون يوما "

خرجت من المكتب قائلا بضيق " ما الفائدة إن فقدنا الأكثر

من الكثير من البشر الذين راحوا ضحيتهم "

قال " أين ستذهب الآن وزير الداخلية سيعقد الاجتماع اليوم "

قلت وأنا أتابع سيري " مشوار مهم وأعود سريعا فقط

أنت اهتم بأمر الرجل "

ثم خرجت وركبت سيارتي وغادرت , عليا العودة للقصر

من أجل رضا وزهور والعودة هنا لمتابعة كل شيء ولولا

ضرورة الأمر ما خرجت ، أخرجت هاتفي واتصلت بأسعد

فأجاب من فوره فقلت " أريد سجلا ببيانات وصورة لأي

حالة اختفاء أو اختطاف أو موت بأي طريقة كانت أي حادث

سيارة سقوط انتحار جميع حالات من سيكون في العمر الذي

سيقدره لكم الشاهد لأنهم مؤكد سيتخلصون منه "

قال من فوره " فكرة صائبة وسأرى المحاضر والوفيات

منذ الوقت الذي حدده "

قلت " جيد ... وداعا "

وصلت القصر ودخلت وصعدت السلالم لأجد ترف جالسة

على آخر عتبة تحضن ساقيها وتخفي وجهها فيهما فوقفت

عندها وقلت " ترف ماذا تفعلين هنا "

رفعت رأسها ومدتا ذراعاها لي وقالت بحزن

" انتظرك بابا "

حملتها مستغربا من لجوئها لي وتركها لأرجوان وبالتأكيد

لن تكون متعبة كالمرة السابقة لكنت وجدت بيسان وأمجد

معها ، مسحت بقايا الدموع من رموشها وقلت

" ما بك من أبكاك "

قالت وقد عادت للبكاء " ماما غاضبة مني ولا تكلمني

منذ أمس ، تُكلم أمجد وبيسان وأنا لا "

مسحت دموعها مجددا وقلت وأنا أسير بها

" وما الذي فعلته أغضبها "

تعلقت بعنقي وخبأت وجهها فيه وقالت

" بيسان أخبرتها أني قلت كلمة سيئة كمصعب "

وصلنا عندها ممر غرفهم فقالت

" أخبرها ترضى عني بابا أقسم لن أقولها مجددا "

اقتربت من الغرف قائلا " قد لا ينجح الأمر

فأنا أيضا غاضبة مني "

ابتعدت عن عنقي ونظرت لوجهي وقالت

" هل قلت كلمة سيئة أيضا "

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت وأنا انزلها عند غرفة

قلعتهم المفتوحة " يبدوا ذلك أو أن والدتك لا يعجبها الصدق "

نظرت لي للأعلى وقالت " لنعتذر منها معا

لأنها لم تقبل اعتذاري "

نزلت عندها وقلت " سأتحدث معها لكن عليك أن لا تعيدي

فعلتك لأني حينها سأغضب منك أيضا ولن أكلمك "

هزت رأسها بحسنا فوقفت وفتحت الباب فكانت تعطي

ظهرها لنا وبيسان مقابلة لها فقالت دون أن تلتفت إلينا

" ترف قلت لا تدخلي هنا ولغرفتكم حالا "

نظرت لترف التي سقطت دموعها على الأرض وستُحَرم

قول ما قالته ما حيت ثم نظرت لها وقلت " أرجوان "

التفتت لي بسرعة فقلت ونظري على ترف

" وعدتني أن لا تعيدها فسامحيها "

مدت حينها يدها لها فانطلقت نحوها مسرعة وجلست في

حجرها وحضنتها قائلة " لن أقولها مجددا ماما أقسم "

ثم ابتعدت عن حضنها ونظرت لي وقالت

" وبابا سامحيه أيضا ولا تغضبي منه "

التفتت لي تنظر لعيناي باستغراب وأنا لم أتحرك من

مكاني أنظر لها بجمود فعادت بنظرها أماما وقالت

" أنا لا أغضب من اللذين أحبهم أنا أعتب عليهم

فقط حبيبتي ماداموا يعترفون بخطئهم "

ابتسمت وغادرت من عندهم ، هكذا إذا يا أرجوان تربطين

الأمر بشرط أن أعتذر عما قلت ، اقتربت من ممر جناح

زهور ليرن هاتفي الخاص بالعائلة والمقربين وهذا بالتأكيد

رضا ، وقفت وأخرجت الهاتف فكان رقما غريبا فنظرت

له باستغراب لأنه لا أحد غير المسجلين فيه يملكه

فتحت الخط وقلت " نعم "

جاءني حينها الرد لصوت فتاة قائلة " مرحبا جابر أنا سما "


*

*
وضعت يداها وسط جسدها وقالت " اتصل به

يا رضا أو فعلتها بنفسي "

تأففت وقلت " أميرة كم مرة سأقول لك أنه صباح

اليوم قال سيتصل بي بنفسه "

قالت بضيق " بقي أقل من ساعتين على المغرب وسيأتي

الضيوف ، ماذا سأقول لهم لا توجد عروس "

قلت ببرود " كان عليك أخذ رأيها أو إقناعها منذ

البداية ، تحملي نتائج أفعالك "

قالت بحدة " رضا لا تكن متساهلا معها لهذا الحد ، تحبها

تعشقها لا بأس لن يلومك أحد لكن أن تقتل شخصيتك هذا

شيء عليك أن لا ترضى به , ثم وعائلتها لما لم يقيموا

ولو عشاء من أجلكما لما أنت ومنصور من يفعلها "

وقفت وقلت بضيق " أميرة يكفي نفخت لي رأسي

الرجل مشغول جدا وأوقف مشاغله من أجلي هل

أشترط عليه الآن عشاء وكلام فارغ لا يعنيني "

غادرت تتمتم بتذمر واقتربت مني بتول قائلة بابتسامة

" لا تجعل والدتي تعكر لك مزاجك فتذهب

بزوجتك عابس هكذا "

ابتسمت وقلت " وأين الفستان الذي أرسله

لك زوجك لم تلبسيه "

قالت بضيق " أسمه معتصم وليس زوجي فلا

تجعلني أغضب منك أيضا يكفيك والدتي "

ضحكت وقلت " معك حق يكفي هي "

نادت حينها أميرة بصوت مرتفع " بتول غيري لعدي ثيابه

تعالي وانظري كيف أصبحت وتعالي لتساعديني "

مدت شفتيها وقالت " لتعلم فقط كم أعاني من شقيقتك "

قلت بضحكة " اليوم بالذات لا تشرحي لي فقد جربت "

نادت أميرة مجددا " بتووول "

فغادرت قائلة " لا تكترث لأحد المهم لا تغضب

منك فاتنتك زهور "

ثم قالت مبتعدة " قادمة أمي أتركي صوتك

حتى يأتي الضيوف "

راقبتها مبتسما ثم تنهدت بحيرة ، هي أكثر من غاضب

مني يا بتول ولا أحد يعلم بحالي وحالها ، رن حينها هاتفي

وكان جابر فأجبت عليه فقال من فوره " أين أنت "

قلت " في منزل عمك وهوا مع الضيوف ، ماذا حدث معك "

قال بامتعاض " أنا ومعتصم أقنعناها بصعوبة لتوافق أن

تكون معهم قليلا فقط فأعطوها ثلاث ساعات لتتجهز "

قلت وأنا أغادر مكاني " جيد وأنت ألن تأتي "

قال " قليلا فقط من أجلك لأن لدينا اليوم أمور

مهمة ولو لم تكونا أنتما ما أتيت "

وقفت عند باب المطبخ وقلت

" أقطع عملك اليوم يا رئيس البلاد فلن تنهار "

قال ضاحكا " أنا في طريقي من القصر لكم وسأريك ، لدي

اجتماع مع وزير الخارجية هذا غير المصائب التي تنتظرني

في مكتبي , ثم معتصم سيكون معكم ألا يكفيك نسيبكم "

ضحكت وقلت وأنا أنظر لبتول المنشغلة بترتيب ما

في الطبق أمامها " بالطبع يكفي نسيبنا المعتصم

وسأكون معه في زواجه من ابنتنا "

ثم تابعت ضاحكا وأنا أممسك المنشفة التي رمتني

بها بتول " وما دام في الأمر وزير فسماح هذه

المرة .... هيا سأخرج لك فورا "

ثم أنهيت الاتصال منه وقلت " ثلاث ساعات وستكون

العروس هنا لكنها لن تتأخر فاجمعي ضيوفك في الوقت المحدد "

ثم خرجت على دخول جابر من الباب الخارجي وتصافحنا قائلا

" أخيرا سنتخلص منك ومن موضوعك الشائك "

ضحكت وقلت " قد تعلق بي هكذا حتى نهاية عمرك "

قال ونحن ندخل المجلس " أطلقها منك حينها وأرتاح "

دخلنا ووقف له جميع الحاضرين

*

*

" دعيني أقف بجانبها ... لا أريد "

تأففت وقالت " ابتعدي لأكمل عملي أولا "

قلت مبتسمة " ترف قليلا فقط وعودي حسنا "

مدت شفتيها مستاءة وقالت " كلكم لا تحبونني وتحبون

بيسان أنتي وعمي معتصم وجميعكم ماما فقط تحبني وبتول "

ضحكت وقلت " حسنا متعادلتان إذا "

خبئت عيناها بذراعها فرفعتها لحجري وقلت

" هيا ترف لا تبكي من سيرقص حينها "

أبعدت يدها وقالت " أنا سأرقص "

ضحكت وقبلت خدها وقلت " إذا اتركيها تنهي عملها لترقصي "

دخلت حينها أرجوان وقالت " ترف أنا أبحث عنك وأنتي هنا

تعالي لتغيري ثيابك واتركيهم ينجزون عملهم "

قالت مصففة الشعر " نعم رجاءا خذيها كدت

أحرق لها شعرها الناعم هذا عقابا لها "

نظرت لها أرجوان بضيق فقالت باستياء

" لما لا تريد تركي أمشطه معها أنتم لا تحبونني "

قالت وهي تقترب منها " سمحت لكم اليوم بالمجيء

هنا لتكونوا مع عمتكم لا لتربكوهم , بسرعة

تعالي أو بقيتي بفستانك هذا "

ثم أمسكتها من يدها ونظرت لمصففة الشعر وقالت

" أريدك أن تفعلي ذات التسريحة لبيسان وأنا أريد

تصفيف شعري أيضا حالما تنتهي منها "

هزت رأسها بحسنا وقالت " فقط ابعدي ابنتك أو

لن ننتهي حتى الصباح "

ضحكت وقالت مغادرة " حسنا لن تريها مجددا "

ثم خرجتا معا وقالت خبيرة الماكياج

" أنجزي عملك بسرعة لأعمل أنا "

قالت الأخرى " قليلا فقط مادمنا تخلصنا من تلك الطفلة "

تنهدت وقلت " لا تبالغا كثيرا شيء عادي فقط "

رفعت مشابك الشعر ومدتهم للتي خلفي وقالت " كيف لواحدة

بجمالك تطلب هذا , أنتي واحدة من أكثر من عملت عليهم

بتشويق لأرى نتيجة فريقنا النهائية فيهم "

لذت بالصمت ولم أعلق فيبدوا أنه كل شيء في هذا اليوم

يسير ضد رغباتي , بعد قليل رن هاتفي وكان المتصل جابر

فأجبت عليه فقال مباشرة " اعذريني يا زهور عليا الذهاب

سيكون معتصم معك هناك حتى يوصلكم لمنزلكم

لولا أن الأمر مهما ما تركتكما اليوم "

قلت بابتسامة حزينة " لا عليك يا جابر معتصم يكفي ويزيد "

ضحك وقال " لقد تفطرت قدماه اليوم واقفا هناك منذ

ساعات ... هيا وداعا ومبارك لك يا شقيقتي وسأكون لديكما

في أقرب فرصة وإن ضايقك بشيء فقط اتصلي بي "

قلت بهمس " حسنا ... وداعا "

ثم أنزلت الهاتف وحضنته , كم أشعر بقرب جابر هذه

الفترة وكأن والدي عاد للحياة من جديد ... جابر تغير

كثيرا منذ تزوج , يبدوا أن أرجوان أرسلها الله لتصلح

ما أفسدته والدتي أو يبدوا هي أيقظتني أنا أيضا لأقرّب

شقيقي مني فمنذ رأيت أبناء جابر وما أحدثت فيهم بتربيتها

لهم علمت أن كل شيء في الحياة يحتاج لأن نحركه لا

أن نقف نتفرج عليه فلا نتحرك نحن ولا هوا

بعد وقت انتهوا من تجهيزي الأمر الذي آخر ما كنت أفكر

أن أفعله ثم انتقلوا لأرجوان وبيسان وترف طبعا التي لم

تسكت حتى سرحوا لها شعرها أيضا أما بيسان فكانت

نسخة مصغرة عني حتى فستانها يكاد يكون كفستاني لأن

أرجوان تريدها أن تدخل معي هناك , وقفت أمام المرآة

أنظر لنفسي ... الفستان كان بسيطا قدر الإمكان فلا حاجة

لواحد منفوش بديل طويل , وتسريحة الشعر مرفوعة

للأعلى بلفات تنساب على كتفي وورود بيضاء متوسطة

الحجم منغرسة فيه , عدلت إحداهن طرف الفستان وقالت

" لم أتخيل أن هذا الفستان ببساطة تفصيله سيكون هكذا لقد

غيرتِ نظرتي لهذا النوع من الفساتين بسبب جمالك وجسدك "

اكتفيت بابتسامة مجاملة ليخيم بعدها الحزن على ملامحي

التي لم يفارقها لسنوات , دخلت بعدها أرجوان وقالت

" ما شاء الله لم ترى عيني عروسا مثلك "

ثم رفعت الغطاء وقالت " بسرعة معتصم أرسل أمجد

وعمر وقالا أنه ينتظرك في الأسفل "

ألبستني الغطاء ولم تتوقف عن إسداء النصائح لي وهي

تعدله وتربطه وكأنها والدتي وليس تلك التي لم أرها اليوم أبدا

لو كان لي شقيقة ترى هل ستكون كأرجوان الآن أم كوالدتي !

تنهدت بأسى وتبعت خطواتها وهي تمسك كتفي وتسير بي

حتى صرنا في الأسفل ثم صعدت ليدخل معتصم وعمي منصور

بعدها , تحدثا ولم أفهم شيئا مما يقولان بسبب الدموع التي

تسأل أين والدتي عن كل هذا ؟ يكفي جابر شقيقي الأكبر ليس

هنا , ولما سأحزن وأنا سأعود لهم قريبا وقريبا جدا فهوا شهر

فقط شهر لا غير كزواجي الأول وأكون هنا وتعود زهور كما

كانت مطلقة وسجينة غرفتها , أخرجاني وبعد خطوات

قليلة كنت في منزل عمي وقال معتصم

" أذهب وأمسك شقيق زوجتك لا يخرج لنا "

ضحك عمي منصور وقال " لن يستطيع الخروج ولا أحد

منا مع الضيوف , تجده الآن يغلي من الغيظ "

تحركت خطوات معتصم بي حتى كنا عند الباب ودخلنا

وخرجت أميرة ورفعت عني الغطاء وقالت

" السنين لا تزيدك إلا جمالا يا زهور "

قال معتصم " أين علكتي لم تخرج معك "

ضحكت وقالت " لن تخطوا قدماها باب المنزل

وهي تعلم أنك من سيُدخل زهور "

قال ببرود " حسابي معها فيما بعد وإن لم ترتدي

الفستان سيكون عسيرا بالضعفين "

قالت وهي تفتح باب الصالة بوسعه " لا تقلق فعمر لها

بالمرصاد ويهددها ولبسته "

ثم نادت على بيسان وقال معتصم ضاحكا ما أن

اقتربت " العروس هنا ولا نعلم "

قالت أميرة مبتسمة " خطفت عيون الحاضرات جميعهن

قبل مجيء النسخة الأصلية , سأذهب لأبلغهن بدخولك "

غابت قليلا وأمسك معتصم يدي على صوت دخل

علينا قائلا " أترك يدها أنا من سيدخلها "

التفتنا لصاحب الصوت فكان رضا يرتدي بذلة رسمية

سوداء وربطة عنق وكانت المرة الأولى التي أراه بها شعره

مسرح للخلف بإتقان ولا أعلم كيف تحكم في الخصلات التي

لا تفارق جبينه ورائحة عطره طغت على عطر معتصم القوى

ونظاراته الطبية لم تفارقه على مقاس عيناه , اقترب مني

وأمسك يدي فأبعدت عيناي ونظرت للأسفل فرفعها له وقبلها

وقال هامسا " لما تريدين تعذيبي بكل هذا الحسن يا زهور "

أمسك معتصم يده وأبعدها قائلا " ما أعلمه أن شقيق العروس

يدخلها وليس زوجها لأنه من سيخرجها أو عكسنا الأمر

الآن تدخلها أنت وأخرجها أنا وللقصر فورا "

قال رضا بضيق " زوجتي وأفعل ما أريد فاخرج من هنا "

تخلل الأحداث صوت آخر قائلا " لا أنت ولا هوا أنا من يدخلها "

نظرنا له جميعنا فكان جابر فابتسمت ما أن رأيته , لا أعلم

لما أشعر باليوم غريب في كل شيء فيه حتى في خصومتهم

هنا عند الباب والنساء ينتظرن في الداخل , أمور لم أشهدها

زواجي السابق , اقترب وأمسك يدي وقال " اعذريني يا زهور

لم يطاوعني قلبي لأتغيب كزواجك السابق فما أن

خرجت من الوزارة حتى كنت هنا "

امتلأت عيناي بالدموع وهما معلقتان بملامحه وقلت

" وما جعلك تأتي بعدما اعتذرت مني "

أمال ابتسامته وقال بصوت منخفض " زوجة شقيقك المصون

تشاجرنا بسبب هذا الأمر وقالت هل الوزير أهم عندك من شقيقتك

وعندما صرت هناك قارنت مشاعري وعلمت أنك أهم عندي

منه فغادرت سريعا وأدركتكم "

قلت بذات الهمس " زواجك بها يا جابر كان أفضل خطوة قمت بها "

اكتفى بالابتسام دون تعليق فتأفف رضا وقال

" فيما تتهامسان دعوني أدخل زوجتي "

قلت ونظري على جابر " بل شقيقاي يدخلانني "

ضحك معتصم وضربه على كتفه قائلا

" جد لك مكان تبات فيه الليلة يا عريس "

قال مغادرا " لا تنسى أن زوجتك ابنة شقيقتي وكما تدين تدان "

أمسك جابر بيدي وقال معتصم ويداه وسط جسده

" وما مكاني أنا من هذا يا زهور "

لم أستطع إمساك ابتسامتي ودموعي التي لحقتها فاليوم أشعر

أن زهور ولدت من جديد مثلما ستموت حين يغلق عليها

وزوجها باب واحد , اليد التي امتدت لوجهي كانت يد معتصم

ولا أستغرب هذا منه فمعتصم مختلف عنا جميعا , مسح على

خدي بظهر أصابعه وقال " لا تفسدي جمالك يا غبية , كل هذا

من عين ذاك الأحمق رضا الله أكبر عليه أصابك بسرعة "

قلت ببحة " أين عمي منصور يدخل معنا أيضا "

ضحك معتصم وقال " أقسم أن يفقد رضا عقله "

ثم انطلق مسرعا لينادي عمي , اليوم أريدهم بالفعل معي لأنها

المرة الأخيرة التي سأتزوج فيها وبعدها لن أرضى الزواج

أبدا ما حييت لذلك أريد أن أشعر بعائلتي بقربي فيكفي والدتي

التي لا أعلم أين تكون الآن , هذا إن لم تكن في جناحها هناك

عاد معتصم بعدها وقال بضيق " لم يتركه زوجك يأتي قال

إما أنا معه أو لا فتركتهما كلاهما كي لا يأتي "

قال جابر " هيا إذا وقوفنا هنا زاد عن حده "

أدخلاني وبيسان أمامنا واجتازا بي الحضور حتى كنت

عند المنصة الصغيرة التي خصصوها لي هنا فأبعد

معتصم يد جابر وأمسك يدي وقبلها وقبل جبيني وقال

" زهور يا شقيقتي فعل رضا خيرا أن أخرجك لنا فالآن

لن أتوقف عن زيارتك بما أنك غادرت القصر "

ابتسمت له فقبل جبيني مجددا وقال " مبارك لك يا شقيقتي "

ثم غادر ورفعت نظر لجابر وقلت " شكرا يا جابر لا تعلم

كم أسعدني أني كنت لديك أهم من كل شيء "

أمسك وجهي وقبل جبيني وقال " سامحينا يا زهور نحن

من أهملك ليثبت لنا أطفال أننا عجزنا أمام ما فعلوه "

يا إلهي جابر لا تقسوا علي لو تعلم غرضي من الزواج به

لتغير رأيك هذا ولكني لا أنكر أن أبنائه غيروا في الجميع

الكثير , قلت ونظري على عينيه " جابر أمازلت عند وعدك لي "

قال بهدوء " ولن يثني كلامي إلا موتي يا زهور ورضا

بنفسه أعلمته وقال أنه سيفعلها من نفسه يوم تطلبينها منه "

غادر بعدها واقتربت مني أميرة وأرجوان وساعداني لأجلس

رغم أن الأمر لن يحتاج , رأيت حينها ترف ترقص مع

الأطفال على الموسيقى لهذا لم تتبع بيسان وتصر أن تكون

معنا , جلت بعدها بنظري حتى وقع على والدتي الجالسة

جلستها المعتادة وكأنها أحد الضيوف , كم تمنيت أن تنظر لي

بحنان ودموع كما يحدث مع جميع الأمهات وهن سعيدات

بزواج بناتهن وحزينات لفراقهن ذات الوقت , كم تمنيت أن

كانت بجانبي ويدي في يدها لكن والدتي لا تتغير أبدا تذكرني

بجدتي كثيرا كيف كانت تعاملها حتى خالتي لم تعد تزورنا

ولم أرها منذ زواجي السابق منذ رفضت والدتي ابنها لم

تعد تعترف بنا ولم تزرنا من تلك المرة التي رفضت فيها

ابنها علنا وقالت صعلوك رياضي لا أعطيه ابنتي

سافرت بنظري للأرض ولم أعد أرى أحدا حتى خفت حركة

الناس وصوت الأطفال واقتربت مني أرجوان وهمست

لي " هيا أيتها العروس الجميلة الحزينة زوجك ينتظر "

نظرت لها بسرعة وكأني استيقظت حاليا من نوم عميق وحلم

لم أكن أعلم أنه حقيقة , لا أريد الذهاب لا أريده ولا أريد أن

أكون معه ولست زوجته , أمسكت يدي وأوقفتني وجاءت أميرة

وسارت بي تحمل غطائي معها وأنا نظري على أرجوان وأبناء

جابر وبتول ووالدتي وباقي الحاضرين اللذين لم يغادروا بعد

وصلت بي حيث مجلس الرجال الذي يفتح على الخارج وأدخلتني

وكان رضا ومعتصم وعمي منصور هناك فاقتربنا منهم ونظري

للأرض وقالت أميرة " خذ عروسك واقرأ عليها الليلة كل ما

تحفظه من آيات لأن أقل لقب قيل عنها أنها ملاك "

سمعت حينها صوت رضا قائلا " ستكونين أنتي

السبب حينها لأن الحفل فكرتك "

قالت ضاحكة " وما أدراني أنهم نسوا جمالها في زواجها

الأول وسينبهرون بها الآن "

قال معتصم " إن أصاب شقيقتي مكروه فلن أغفرها

لكم آل الحارث سمعتم "

ضحكوا جميعهم وشعرت بيد أمسكت يدي فنظرت لها فكانت لرضا

فحاولت سحبها منه لكنه قبض عليها بقوة وقال عمي منصور

" مبارك لكما وأراني الله أبنائكما , عليا الصعود لغرفتي

ومعتصم وصديقك سيتكفلان بإيصالكما "

وغادر من فوره وقال معتصم مغادرا " أنتظركم في الخارج "

ألبستني أميرة غطائي ثم أمسكت يدينا وقالت " أسعدكما الله

زهور لا أوصيك برضا فهوا عانى الوحدة كل حياته ويحبك

أكثر حتى من نفسه وأنت يا رضا أهتم بزوجتك جيدا ولن

أكثر لأني أعلم مكانتها لديك "

قال بصوت مبتسم وهوا يشد على يدي أكثر

" لا توصيني على عيناي اللتان أرى بهما يا أميرة "

قالت بعد ضحكة صغيرة " لما لا تستحي يا مجنون "

لف يده حول كتفاي وقال وهوا يسير بي " لم أستحي وهي

ليست زوجتي لأستحي الآن ومن لا يريد أن يسمع فليغلق أذنيه "

ثم خرج بي للسيارة وأركبني وركب وانطلقنا وأصوات سيارات

انطلقت معنا وما أن صرنا وحدنا في سكون السيارة حتى نزلت

دموعي ولا أعرف لما وبدأت بمسحها كي لا يلحظها فهوا آخر

من عليه أن يشهد دموعي فهوا من قتل باقي أحلامي كما فعلت

والدتي ذلك قبله حين حرمتني من الزواج منه , قتلوني وقتلوا

حلمي أن أكون أم ولي أبناء أربيهم كما أريد أنا أن أتربى وليس

كما ربتني , لم أعرف الحب كما عرفه الجميع لكني كنت أعلم

شيء واحد أني اعتدت وجوده وأحببت رؤيته وحديثه الهامس

المفعم بكلمات الشوق المبهم , كنت مدمنة عليه ولا أعرف غير

هذا التعبير لتقتلني والدتي بتزويجي بمن اختارت ومن ثم أكتشف

أنه قتلني قبلها بسنوات , لو أخبرني بشناعة فعلته لما تزوجت ما

حييت فحتى إن تزوجت به ما كنت سأشعر بأني فتاة طبيعية

وسأشعر بالنقص كل حياتي لأني لم أكن كغيري في أول ليلة

لي معه لقد قتل أنوثتي بكل بساطة , مسحت الدموع التي عادت

للتسلل من رموشي فشعرت بيده أمسكت بيدي الأخرى بهدوء

فاستللتها منه بقوة فتنهد وقال " حسنا توقفي عن البكاء

على الأقل وارحميني يا زهور "

قلت ببرود " لا شأن لك بي "

اكتفى بالصمت ولم يعلق حتى وصلنا بتوقف السيارة عن السير

ثم نزل وسمعت أصواتهم ثم غادرت السيارات وفتح لي الباب

وأنزلني وأغلق الباب وقال وهوا يسير بي " حقائبك سأنزلها فورا "

ولم يزد حرفا ولم أتحدث أنا حتى وصلنا لباب بعدما صعدنا

درجات كثيرة وفتحه قائلا " لن أقول لك تفضلي وأنور

المكان فالشقة لك وأنا من عليك قول ذلك له "

ثم تابع وهوا يدخل بي " آسف حبيبتي لم يبقى لي مال

أحجز به جناحا لنا في فندق لكني سأعوضك عن كل هذا "

ثم أبعد يده من كتفي ما أن صرنا في الداخل ونزعت عني

الغطاء وهوا خرج من فوره ومؤكد نزل للسيارة , رميت

الغطاء على الأريكة وجلت بنظري في الشقة وأثاثها وأبوابها

حتى دخل يحمل حقيبتاي ووضعهما وأغلق الباب وقال وهوا

يتوجه ناحية أحد الأبواب " قليلا فقط وأعود انتظري "

ثم دخل وأنا أنظر له بحيرة وخرج بعد قليل بدون نظارة

ويحرك شعره بأصابعه وقطرات الماء تتناثر منه وقال

" لم أشعر بالراحة إلا الآن بعدما أزلت ذاك

الجبس الذي كان ييبسه "

كنت أنظر له باستغراب من عفويته وكأن شيء لم يكن وكأني

أتزوجه برضاي وهوا يعلم سبب زواجي به , هل هذا طبعه

كما كان في طفولته لم يتغير أم أنه يتعمد ذلك , وصل عندي

ورفع شعره بأصابعه ثم قال بابتسامة " ضننت أنه حلم سيزول

مع جل الشعر لكن الحياة لا تخلوا من المفاجأات "

عدت خطوتين للوراء وقلت " أين غرفتي أريد أن أنام "

أمسك يدي وقربني له وقال " غرفتنا هناك سوف آخذك حالا "

شعرت بكل جسدي قد ارتجف من الفكرة ومن ذكرى الماضي

فدفعته عني وابتعدت وقلت بحدة " ابتعد عني لا تلمسني "

قال بهدوء وخطواته تقترب " حسنا لن ألمسك يا زهور

لا تخافي أعلم أن الأمر ليس سهلا عليك "

قلت بصراخ غاضب وأنا أتراجع " ابتعد يا رضا قلت لك "

وقف وتراجع للخلف قليلا وقال مهدئا لي بيده من بعيد

" حسنا حسنا أدخلي أنتي للغرفة وسأنام أنا هنا "

أخذت الحقيبة الصغيرة وسرت جهة الغرفة ودخلت وأغلقت

الباب بقوة وجلست على الأرض وفتحت الحقيبة وأنا بالكاد

أرى شيئا من كثرة دموعي التي تحولت لنحيب وأنا أفتش في

الأغراض وأبعثرها في كل مكان لأجد شيئا ألبسه فسمعت

طرقات على الباب وصوته قائلا " زهور "

قلت بحدة " لا تقل زهور لا تكلمني ابتعد "

طرق الباب مجددا وقال " توقفي عن البكاء لن ألمسك أقسم لك "

مسحت دموعي وأخذت الفستان القطني ودخلت الحمام

وأغلقت بابه بقوة ورميت الفستان من على جسدي ولم أرتح

إلا وأنا تحت الماء يغسل دموعي وشهقاتي

.

وقفت أضرب بقدمي على الأرض حتى أخرج لي

رأسه من الباب وقال " لم ينجح الأمر "

قلت " إن أخرجتها لي هنا بفستانها اشتريت لك

أفضل من الدراجة التي تريدها "

انفتحت عيناه على اتساعها وقال " حقا تفعلها "

قلت " افعلها أنت وسترى "

دخل مسرعا وما هي إلا لحظات وخرج راكضا جهة

الحديقة وسمعت صوت بتول تشتمه قادمة من الداخل فوقفت

بجانب الباب حتى خرجت غاضبة دون أن تنتبه لي وهي

تقول " سترى يا قرد إن لم أقطع لك إصبعك كي لا تعيدها "

تبعتها بنظري أمسح بنظراتي جسدها والفستان ينساب على

تقاسيمه بساقين وذراعان مكشوفان باللون الأزرق الملكي كما

أحب , نزلت الدرجات وبدأت تبحث عنه بنظرها في أرجاء

الحديقة لتعلم أين ذهب ثم التفتت لتعود ووقفت مكانها حين

رأتني أقف مستندا بالجدار مكتفا يداي لصدري وأنظر لها

مبتسما فتراجعت للخلف تنظر لي بصدمة وتقدمت أنا نحوها

وقلت بمكر " تهربين مني إذا ولا تريدي ارتداء الفستان

الذي اشتريته لك ولا رؤيتي يا محتالة "

زادت خطواتها للخلف فقلت " إن تراجعتِ أكثر ستقعين

في النافورة وها قد حذرتك "

قالت وهي تزيد من خطواتها " كاذب وابتعد عني

يا معتصم ولا تكرر فعلتك تلك "

اقتربت أكثر وقلت وأنا أمد يدي لذراعها " كيف أكررها

وبسببها لم أنم تلك الليلة , أين تخفين كل هذا الجمال "

زادت خطوة تهددني وكانت النتيجة أن اختل توازنها بسبب

اصطدامها بحافة النافورة فمددت يدي لها بسرعة لكني لم

أدركها لتصبح جالسة في الماء ومبلله بأكملها تنظر لي

بصدمة فلم أستطع إمساك ضحكتي وفر عمر هاربا للداخل

يضحك لتصعقني بأن أخفت عيناها بذراعها وبدأت بالبكاء

فتوقفت عن الضحك واقتربت منها وأمسكت ذراعها وأوقفتها

حتى خرجت منها وقلت " غبية لما البكاء الآن "

استلت يدها من يدي وقالت ببكاء " ولما البكاء برأيك , لما لا

ترحمني منك يا معتصم , أنت تخنقني إن كنت لا تعلم "

مسحت بيدي على خديها وقلت بهدوء

" حسنا توقفي عن البكاء يا علكة معتصم المفضلة "

قالت بعد شهقة " لست علكة "

ضحكت وقلت وأنا أضمها لكتفي " ولستِ علكة

أيضا فتوقفي عن البكاء "

أمسكت طرف الفستان تنظر له للأسفل وتنفضه

قائلة " كله بسببك خربت الفستان "

ضحكت وقبلت خدها ثم عضضته بغل عضة خفيفة

وقلت هامسا " بل خربت على نفسي وسأفقد عقلي

بهذا المشهد وهوا مبتل وملتصق على جسدك "

دفعتني عنها بقوة قائلة " وقح ابتعد "

ليختل توازني أيضا وأصبح في النافورة جالسا على صوت

شهقتها تنظر لي بصدمة تخفي فمها بيدها ليتحول ذلك

لضحك فمددت ساقي وضربت ساقها بقدمي لتلحق بي

داخل النافورة وأصبحت في حضني وهي على ضحكها

لم تتوقف فبدأت بغرف الماء بيدي وسكبه على شعرها

وأنا أقول بغيض " تضحكين إذا ولم يعجبك أن أضحك عليك "

كنت أسكب عليها الماء بالتوالي وهي تضحك وتحاول دفعي

بوهن قائلة " توقف معتصم أرجوك لم أعد استطيع "


*
*
ما أن خرجت من منزل عمهم وعدت للقصر حتى دخلت

بالفتاتين لغرفتهما ليغيروا ثيابهم ويستحما وتنامان لأنهم الليلة

تأخروا في السهر على غير العادة ثم توجهت جهة جناحي

لأستحم وأنام أيضا فجابر مؤكد لن يرجع قبل الثالثة فجرا كعادته

دخلت الجناح وتوجهت للغرفة وفتحت الباب ونظرت باستغراب

للسرير ثم شغلت النور فكان جابر نائما هناك , طبعا صباح اليوم

تشاجرنا شجارا حقيقيا هذه المرة بسبب زهور , لم أستطع تمالك

نفسي وحاولت إقناعها مرارا أنه لا دخل لي بهم يحضر زفافها

أو يفعل ما يريد لكني لم أقدر ولم يهنأ لي بال وأنا أراه يتحدث

في هاتفه ليخرج لعمله فقلت رغم مخاصمتي له

" جابر ألن تكون مع شقيقتك وتدخلها "

التفت لي ونظر لي نظرة لم أفهمها ثم قال مغادرا جهة

الباب " معتصم معها أنا مشغول اليوم "

قلت قبل أن يخرج " لما لا تُقدر معنى أن يكون لك أشقاء

يحتاجونك بجانبهم , لو كنت مكانها لحز في نفسي

أن تتركني وترى غيري أهم مني "

وقف مكانه وقال دون أن يلتفت لي " أرجوان لا وقت لدي لك

ورائي اجتماع مع وزير الداخلية فهل ترحميني الآن "

قلت بسخرية " نعم نسيت فهي وهوا عندك سواء هذا إن لم

يكن أهم منها , آخر ما كنت أتخيله أن تكون عائلتك والحارس

الذي يقف عند الباب في نفس المكانة لديك فأنت تعرفه قبل أن

تعرفني وأكثر مما تعرف أبنائك ومن منظور التعود طبعا "

التفت لي وقال بحدة " أرجوان أحذري من غضبي

لأنك لم تعرفيه بعد "

أنزلت نظري وقلت " آسفة نسيت أن الحقيقة ممنوعة "

تعوذ من الشيطان بصوت مسموع ثم قال بضيق

" هل أخبرتك سابقا أنك أصبحتِ لا تطاقين "

رفعت نظري له مصدومة فقال بإصرار

" ومزعجة جدا يا أرجوان وكأنك لستِ تلك "

قلت بابتسامة جانبية " أنت من لم أعد أفهمك فيفترض

أني ووفقا لنظريتك كنت سابقا لا أطاق لأني كنت أخالفها

وأطبق نظيرة الحب فلما ردة فعلك بالعكس "

لوح بيده جانبا وقال بضيق " هل يرضيك

أن أكذب عليك هل يعجبك ذلك "

قلت بهدوء ونظري على عينيه " أحيانا الكذب أقل قسوة

من الواقع يا جابر وسأكررها للمرة العاشرة أنا أتعامل

معك الآن من منظور العشرة والتعود فلما لم أعد أعجبك "

قال بضيق " لأنها ليست طبيعتك أكره أن تتصنعي لتغيظينني

كما أكره أن أتصنع فقط لأرضيك "

قلت بابتسامة حزينة " تناقض نفسك يا جابر "

قال مغادرا " لا تختلفين عن حسناء في شيء مغفلة مثلها "

أغمضت حينها عيناي بألم على صوت ضربه لباب الجناح

بل من وقع كلماته المسمومة وكأنها نصل اخترق قلبي , كم

سمعت عن أن الكلمة الجارحة من الزوج لا تضاهيها مثيلتها

من أي كان والآن فقط آمنت بذلك

هززت رأسي بقوة من ألم ذكرى ما حدث ثم توجهت لغرفة

الملابس وأخذت ثيابي ودخلت الحمام دون أن أنظر ناحيته

رغم أنه يعطيني ظهره , لا أنكر أني سعدت لرؤيته اليوم يدخل

مع زهور ليس من أجله بل من أجلها وأعلم أنه لم يفعلها بسبب

كلامي بل من أجلها أيضا , خرجت بعد حمام طويل أجفف

شعري بالمنشفة ثم توجه جهة السرير لأفاجئ بالورقة

الموضوعة جهتي ومكتوب فيها ( مغلق )

ثم نظرت لظهره بصدمة , ما قصده بهذه الحركة وأين يريد

مني أن أنام ! طردة معتبرة من الغرفة إذا , أنا لم أقل له

يغضب ويخرج من هنا هوا من اختار ذلك وهوا من سيخرج

وأنا لن أنام في غير مكاني , رفعت الورقة وأخرجت شريطا

لاصقا من الدرج وأخذت منه قطعة وألصقت به الورقة على

ظهره وتوجهت للمفتاح وأغلقت النور وعدت جهة السرير

ونمت وتغطيت معه باللحاف فوصلني صوته قائلا

" ما الذي أفهمه من هذا "

انقلبت وأعطيته ظهري أيضا وقلت ببرود

" وما أفهمه مما فعلت أنت "

قال بكل بساطة وصراحة " لا مكان لك في السرير "

قلت بضيق " وأنا قصدت بها لا مكان لي فيك يا جابر فقد

أنسى يوما وأبحث عن نفسي في تلك الأضلع "

قال بعد صمت " للمرة الثانية تكرري ذات الخطأ يا أرجوان "

جلست وقلت بحدة " وما قصدك أنت حين تركتني ونمت بعيدا

ثم الآن تخبرني أنه لا مكان لي معك على ذات السرير الذي

تنام فيه , هل وحدي التي أهينك وأنت لا "

قال ببرود " أخفضي صوتك أريد أن أنام "

رميت اللحاف عني وقلت باستياء وأنا أغادر السرير

" أقسم أنه أنت الذي أصبح لا يطاق "

ثم غادرت الغرفة بعدما ضربت بابها بقوة , كرامتي أهم

عندي من السرير والغرفة فليشبع بها وبه , جلست في الردهة

أتأفف بغيظ وأحك كل شيء في جسدي بقوة وكأنه أصابني

الجرب وكله بسبب الغيظ فانفتح باب الغرفة وخرج منها

واقترب مني وأنا أشحت بوجهي عنه مستاءة فأمسك

يدي وسحبني منها عائدا بي لها


.
المخرج اقتباس من مشاركة متابعتي العزيزه(لأن القمر في شرفتها)

اخذت ارجوحتي تطير بي نحو الفضاء الفسيح حيث يمكنني معانقة الغيوم الفضية ، ثم تعيدوني الى الوراء حيث الذكرى التي ترسم ابتسامتي ، وتجعلني ارى الدرب الذي اسلكه ، خصلات شعري الذهبية تتغنى طربا في الافق ، وتحلق كطائر العنقاء المنسي ، القابع في جزيرة خرافية في عرض البحر الفاني ، اناملي الصغيرة تتشبث بالحبل القديم تتسلق عليه ازهار الياسمين والجوري ، وقدماي القصيرتان ، تتدلى في الهواء في محاولة يائسة لملامسة الارض المعشوشبة من تحتي ، كانت الشمس تطل برأسها بحياء خلف الجبل الصامت الكبير ، والرياح تتسابق ، والنسيم العليل للصباح الخيالي أنبتَ على ظهري جناحين صغيرين ، براقين كأجنحة الحورية ، تعثرت بالغبار السحري المنبعث من جناحي الشفافين ، لكنني حلقت بألفة وسط السماء لأذهب للبعيد ، حيث ارى احبتي بعد غياب ، بعد ان اصبحت جنية لتحقق الامنيات ، ركضت مع اسراب الطيور الراقصة بين السحب البيضاء حتى وصلت لمزرعة كبيرة مخضرة ، تعالت دقات قلبي لأرى احبتي ، منذ زمن لم اراهم ! كانت تستند على اطار نافذتها شاردة الذهن ، عينيها باردتان كما الجليد تعكس اعصار جوفها المتفجر ، هبت الرياح لتتطاير شعيراتها في محاولة للهروب من الواقع المرير ، رق قلبي لحالها ما بها صغيرتي ، ومهجة قلبي بائسة ! وقفت بجناحي الصغيرين قبالتها ، " مفاجَأة ..!"
صعقت وصعد قلبها لحنجرتها ، وكادت تفقد عقلها ، وهمت بالصراخ ، لولا انني اغلقت فمها بيدي امنعها يكفينا مشاكل " حاذري يا وسن .. "
ابتلعت ريقها بصعوبة ، وقد استدرك عقلها انني أنا ، ربما جناحاي ارعباها لوهلة .
قالت لي وعلى وجهها طيف ابتسامة ميتة " هذه انت .. ارعبتني "
اجبتها بفرح حزين لحالتها " ومن غيري سيأتيك ينغص لياليك "
اكتفت بابتسامة صادقة ، فأخذت اتلمس وجهها الحزين " عزيزتي ، اهناك مشكلة ما ؟"
زفرت تفضي ما اعتمر بقلبها " لا ابدا ولكني عند الحزن اعشق الوحدة "
قلت بعطف احتوي حزنها " عزيزتي وسن ، ما بك ؟ ألا زال الألم يعتمر في قلبك الصغير ؟"
اجابتني بحسرة " وسيظل "
قلت لها " اخبريني عزيزتي ، فأنا الان جنية ستحقق امنياتك ، وستدخل السعادة على محياك "
ضحكت وقالت " بنيت حلما فحطمه الزمن فقهقهت من شدة الحزن "
سكت احثها لتكمل ، قالت " كبرت وفي صدري حبٌ يخفق لشخص ربما لم اراه ، أحببته كثيرا من سيرته العطرة ، عاد حبيبي الخيالي الى ارضنا لننغمس مع بعضنا في حب نقي ، لنذوب كلينا كالسكر في الشاي المر ، ليجعل من شاي ايامنا حلوة وتزداد حلاوة ... ثم هبت عاصفة زلزلت كيانينا ، قطعت الاوصال التي وصلت ما بيننا ، والأربطة التي انشأناها مع بعضنا ، ورمت كلينا في اودية الغدر والخيانة ما بين الذئاب المتوحشة والأرض المقفرة ، وكانت هذه البداية ، لتتوالى علي رياح العاصفة الباردة تصفعني على الخد نفسه مرتين ، جرحي الاول لم يبرأ بعد لأجرح بأخر ، زواجه بأخرى كان كالسكين في حلقي تقتطع انفاسي رويدا رويدا ، وتسلب روحي شيئا فشيئا ..وموت خالتي درعي الحامي وسوري الحصين ، واللحاف الدافئ لصقيع ليلي ، ارداني طريحة الارض اتلوى من القهر والوجع ، لتظلل ساحبة العاصفة السوداء ايامي بلياليها ، فتصبح حياتي قاتمة ، لا شيء فيها ولا بصيص لنور الشمس "
أخذت تطلع للسحب السماء الرمادية منذرة بعاصفة على وشك الهبوب ، لم اجد في فمي كلاما ليواسي وجعها كل هذا حصل لك عزيزتي ولم تخبريني سحقا لصمتك يا وسن سيجلب لك الموت !
" اتدرين ما يهون علي سجني في هذه المزرعة ، وساجني الذي يعيش فيها "
قالت ذلك وأردفت بابتسامة " صديقة تعرفت عليها ، لتصبح ملاذي الاخير من هموم اليوم الطويل ، لتصبح منبع اسراري وبئر الامي .. انها الوسن "
ان وجدت من تشكين له يا وسن وتصبري نفسك به ، فقد ضمنت سلامتك يا صديقتي الغالية " وسن .. سألقي عليك تعويذة سحرية تنتشلك من ايامك الموحشة ، اتعلمين ما هي !؟ "
نظرت الي بتعجب فقلت لها " لكنها لن تعمل دون الامل .. فلتتشبثِ به جيدا وإياك ان يضيع من بين يديك ، تزيني به ، ولا تخلعيه ابدا ، لان فجرك شارف على الانبلاج ، فكوني مؤمنة بأنك ستجدين ما يسعدك عندها ستتحقق امنيتك ."
مسدت شعرها الفتان وانا ابث به دفعات من الامل الذي لا ينتهي ، حتى شعرت بحلها بدأ ينصلح ، قبلت جبينها العريض وودعتها ، وغادرت شرفتها وانا اراقب ابتسامتها الخفيفة ترتسم على وجهها المتعب والهزيل .
طرت عاليا عاليا حتى كدت اخترق الفضاء ، ثم هبط بسرعة لباب ذلك المنزل البسيط ، طرقت مرة واخرى لكن لم يفتح لي احد ، طرقت مجددا ، فتحت لي الباب وعندما رأتني صرخت بصوت عالي ، فوضعت يدي على فمها استحلفها ان تتوقف ، جاء صوت لعجوز يتشبع بالحنية " سما يا صغيرتي ما بك لما تصرخين من الطارق ؟"
استجديتها ان لا تخبرها فقالت " لا احد ، انهم اولاد الجيران يلعبون ، وانما صرخت لأنني رأيت صرصورا يمشي على الارض "
ضحكت العجوز وطفقت تدعو لسما ، ما اجمل العجائز ! ينفخن على روحك بأدعيتهن الرقيقة فيطهرنها ! نظرت لسما بلوم فقالت من فورها " اسفة ، لم اعتقد انني سأراك هنا .. لقد فاجأتني !"
اجبتها بمرح " لا عليك .. كيف حالك الان "
اكتفت بابتسامه حزينة ، و الم يعتصر قلبها تتدفق من خلال مقلتيها الزرقاوين الساهرة .
اجبتها بخوف " سما أهناك مشكلة ما ؟"
قالت وقد ارتسم الضيق خطوط متجعدة على جبينها " لا ابدا لكني عند الضيق اسامر السهر "
" ما بك صغيرتي اخبريني علي ازيح همك "
اجابتني بعدم اقتناع " كنت طفلة سعيدة ، في حضن والدي انعم بدفئهما ، لأفجع بمقتلهما لأظل في الدنيا وحيدة ، فيمتلئ قلبي بالخوف ، ويلبسني الليل الطويل عباءته المرعبة ، لأحضن جسدي النحيل بيداي المرتجفة ، وأوصالي المقشعرة ، واغرق في الظلام الدامس ترافقني دموعي صديقة وحدتي ، لينتشلني فارس مغوار ، من الغرق في اعماق الظلام ، ويحيطني بأسوار قلعته المنيعة ، يبث في نفسي راحة وطمأنينة عجيبة ، فيبدأ قلبي بالخفقان له ، وتشتعل جنباتي بقربه ، لأعلم مؤخرا اني وقعت في حبه ،اعلم اي ماضٍ قد قاسى وأي الهموم قد عانى ، لكن بعده يؤلمني ، وينغص راحتي ، ويتركني عرضة لرياح عاصفة هوجاء عاتية ، ستدمر ارصفتي وترهقها بالصقيع ، لما لا يفهمني ، لما لا يقرأ مشاعري المكتوبة في صفحات عيني ، لما لا يسمع النبضات الهاربة تصيح باسمه بقوة ، ارتجي قربه وان امرغ وجهي في حضنه الحنون لكن فليهنأ القدر الذي يعاندني ويرميني في وديانه السحيقة ، فقد تعبت ، وها انا استسلمت لم اعد استطيع احتمال المزيد من صدمات الحياة القاسية . "
طبطبت على كتفها بحنان ، اخفف من حرارة آلامها ، قلت لها وأنا احاول رص ما تزعزع منها " اهدئي صغيرتي سما لا عليك ، هو الخاسر فلا مزيد من طبخك "
ضحكت رغما عنها وقالت بوهن " هذا الشيء الوحيد الذي يروح عن همومي وينسيني بضع الامي "
اعدت ما تناثر من غرتها خلف اذنها " ما هذا منذ متى قصصت شعرك ؟"
اجابت بعفوية "" منذ مدة .. جميلة اليس كذلك "
اجبتها بسحر " اجل جدا .."
وسرعان ما خبت ابتسامتها خلف حزنها ، قلت لها " اتعلمين انني الان جنية ، وسأعطيك تعويذه سحرية "
اجابت بفضول " وما هي "
امسكت يديها اشد عليهما ، مع انهما اكبر مني حجما " ان تعويذتي ستحقق امنياتك لكنها تحتاج الى الصبر .. تحلي بالصبر دائما فهو المفتاح للوصول لما تصبين ، هو من سيفتح صندوق كنزك الثمين ، فلا تبعديه عن ناظريك ، وكوني دائما صابرة ، وستعمل عندها تعويذتي وستتحقق امنياتك يا سما .. فقط تحلي بالصبر ."
شدت على يدي حتى كادت تعتصرهما ، فصرخت حتى ادمعت عيناي ، فقالت على عجل " آسفة آسفة للغاية ، لم اكن اقصد ، لكن حجمك تقلص كثيرا "
قلت لها " لا عليك ، حتى انا لم اعتد على ذلك "
اتانا صوت العجوز " سما اين انتي ؟"
قبلت خدها المتورد ، وودعتها وقد تركت في حوزتها ما سيصلح آلامها ، وعاودت التحليق ، كم انا مشتاقة لأحبتي ! ضربت بأجنحتي بسرعة حتى وصلت لذلك القصر الفخم الخارج من حكاية سندريلا ، بحثت عنها في كل مكان لكنني لم اجدها ، اين هي يا ترى ! ضربت بأجنحتي لارتفع للأعلى ، فالرؤيا من الاعلى مفيدة اكثر ، وإذا بها مع الاطفال لثلاثة تجلس تحت شجرة وارفة الظلال ، بين الاشجار الكثيفة ، الملاصقة لأسوار القصر ، توجهت نحوها بسرعة عالية ، ووقفت في وجهها انتظر ان تهلع كما الاخريات ، وعندما رأتني صرخت بصوت حاد ، وتراجعت للوراء لتلتصق بجذع الشجرة ، ما بهن كلهن هل ابدو مرعبة لها الحد !
" هل انتهيت يا ارجوان "
نظرت الي فعرفتني ، فقالت بصوت متقطع " اخفتني "
قلت لها بملل " اعلم .. كلكن خفتن مني "
نظرت الي وهي تشير علي بإصبعها الطويل ، فقلت لها وأنا احرك جناحاي " انهما رائعان اليس كذلك ؟ .. ولكي لا تساءلي ، كنت افكر في احوالكن ، والرغبة الملحة في رؤيتكن وشفاء سقم قلوبكن ، وفي لحظة من اللحظات العجيبة والثواني التي لا تخضع لقوانين الزمن تقلص حجمي ونبتت لي اجنحة سحرية جعلتني اتخطى حدود الزمان والمكان ، واعبر الفضاءات المتعددة لرؤيتكن ، واحقق لكل واحدة منكن امنية ، بواسطة السحر الذي امتلكته "
ظلت صامته ، لم تجب ، اكانت القصة غريبة عليها ، شعرت بيد قبضت علي وسحبتني للأسفل ، " ماما .. ماما ، هل هذه حقاً جنية "
ان هذه الطفلة تعصرني بيديها ، سأصبح عصيرا جنيات بعد قليل ،
اخذت الطفلة تهزني يمينا ويسارا وأحاطها اخويها ، شعرت بالغثيان فطلبت النجدة " ارجوان اطفالك سيقتلونني "
فاستدركت انني في خطر فقالت بحزم " ترف اتركيها ، ستموت اذا بقيت هكذا "
تركتني ترف اتحرر من قبضتها وهي تقول " لا تموت ماما ، لا اريدها ان تموت "
مسحت ارجوان على شعرها وزفرت بأسى " ارجوان ابك خطب ما ؟"
قالت وقد تمردت الدموع من عينيها " لا ابدا ولكن عند الألم دموع الصمت تقرضني الانين "
مسحت دمعتها المالحة من على وجنتها وقلت لها " احكي .. فهناك من سيسمعك "
ضمت الاطفال لصدرها الواسع ، وقالت بعبرات توالت من بحار عينيها العميقة " طُرق باب منزلي في احد الايام ، لتعهد لي امرأة بثلاثة اطفال صغار ، وجوههم بريئة وابتسامتهم نقية ، ففرح القلب وطار ، كم كنت سعيدة بدخولهم حياتي ، فقد لونوها بألوان الصابون الثقيلة ، فأصبح بيتنا لذيذا ككعك العيد بابتساماتهم الفاتنة ، طُرق بابي مرة اخرى لأجرد من كل جميل ، لتنطفئ انوار بيتي المبهجة وتصبح الوحدة والعتمة زائري في كل مساء ، لم استطع مفارقتهم ، لذلك قبلت عرض الطارق المغرور ـ وصرت زوجة لقلب متحجر ، توالت علي الايام لأنعم بالدفء والأمان الذي لطالما افتقدته بقرب من اعتبرته بعيدا بعد النجوم ، احببته وأحببت ثقله المميت ، احببت صلابته وغروره وتحجر قلبه الصلد ، فعادت الالوان تخفق في حياتي بشدة وتتراقص صباحا مع الشمس ، و صار قوس المطر يزورني صباح مساء ، انتشى قلبي بالسعادة ، وفي لحظة سأظل اتأسف عليها مدى الزمن ، قلبت موازيني ، لأعرف ان من احبه لا يحبني ، فتتلاشى كل الخيوط التي نسجتها لمستقبلي كالأوهام ، لأعاود معايشة الكابوس المريع الذي كان يزورني منذ القدم ، لما يكون هذا قدري دون غيري ، لماذا انا من يحصل لها كل هذه الاعطاب في الحياة ، اود الاستيقاظ لأجد الحضن الذي سيؤويني في ليل عاصف ، حين اكون مشردة بلا صدر يضمني اليه بشدة ليعيد الدفء لجسدي المتجمد "
كل هذه الالام في جوفك يا ارجوان ، قلت لها وأنا امسح الدموع المتلاحقة على خديها " لا تعرف قيمة ما لديك حتى تفقده "
ناظرتي بأعينها الدامع فابسمت لها بود استخرج الحب في قلبها ، فبادلتني الابتسام ما اجمل ابتسامتك يا ارجون ، زوجك هذا لا يقدر الكنز الثمين الذي يحويه منزله ، قلت لها وعيني لم تسقط عن عينيها " سأعطيك تعويذة سحرية لتزيح آلامك المتراكمة على كاهلك تكاد تكسره "
اغمضت عينيها تبتلع كل احزانها وضعت جبهتي على جبهتها وقلت لها " ان تعويذتي لا تعمل دون القناعة .. فلتكن القناعة صديق دربك في هذه الحياة ، اجعلي منها الدرع الذي تواجهين به اعطاب الحياة ، تقبليها بصدر رحب وابتسمي في وجهها ، وسايري المركب ولا تمشي عكس التيار ، عندها ستجدي الايام تفصح عما يخبئه القدر لك من سعادة "
ضحكت بشدة فابتعدت عنها وقلت " ماذا بك ، اقلت شيء يضحكك "
مسحت ما تعلق بأهدابها المعقوفة من مياه مالحة وقالت " منذ متى وأنت متكلمة ، هذا غريب عنك "
نقرت جبهتها بإصبعي واراهن انها لم تشعر فماذا ستفعل نقرتي بها " منذ زمن يا صغيرة .. منذ زمن "
قالت ترف بامتعاض " لماذا ستلقي عليك تعويذة سحرية وأنا لا اريد واحدة انا ايضا "
قلت لها لانتقم من عصرها لي " لا تعويذات للصغار فقط للكبار " وأخرجت لها لساني استفزها ، فصاحت تريد واحدة فضمتها ارجوان لحضنها وقالت ، كوني فتاة عاقلة وطيبة وعندما تكبرين ستعطيك واحدة "
قالت بيسان بمرح " ولي ايضا .. ولي ايضا " مسحت على شعرها بحنان " وأنت ايضا "
ثم قالت لأمجد الذي التزم الصمت منذ قدومي " وأنت ايضا يا امجد "
فقال بلا مبالاة " لا اريدها ، فلتأخذيها انت يا امي "
فقلت بغيظ " اتريني فتحت دكان تعاويذ يا ارجوان ام ماذا ؟"
ضحكت ارجوان بشدة ضحكة من قلبها النقي فقالت ترف " لا تقلقي يمكننا الدفع ، فلدينا من المال الكثير "
قبلت جبين ارجوان وودعتها ، وحلقت عاليا في سماء ذلك الفضاء البعيد ، كم انا اتعاطف معهن جميعهن ، اجعلن قلوبكن قوية لا تهتز اثرا عاصفة قوية فتخلف ورائها ندم وحسرة وأوجاع لا تحصى ، يبدو هناك من علي زيارتهم ايضاً
الامل ، الصبر ، والقناعة .. الاساس لعقل يُتقن التناغم في عزف الحياة
على كل واحدة منهن ان تتحلى بما ينقصها لتسير في طريق السعادة .


مساؤك خير حلوتي .


~.لِأَنَ القَمرَ فيْ شُرفَتِها أَجْمل .~
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اوجاع مبعثرة روحي الاوتشيها نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 4 08-28-2012 05:23 PM
العاصفة nabillo محاولاتك الشعرية 5 05-10-2011 12:10 AM
اوجاع الحب **سعادتي وياك** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 08-14-2009 10:16 PM


الساعة الآن 11:23 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011