#206
| ||
| ||
ارجوا ان تكوني بتمام الصحة والعافية البارت مـــــذهــــــل جــداً وأما عن الرواية الجديدة التي ستكتبينها فارجوا لك التوفيق مع أني واثقة بانك لست في حاجة له لأنك موهوبة بحّق و ذكية بما انك تكتبين الروايات البوليسية و تمزجينها بأنواع أخرى فهذا بحد ذاته رائع و ارجوا ان تعرضيها ارجووووووووووكي🙏🙏🙏🙏🙏 وانا ساشجعك بالتاكيد و بالنسبة لما قلته بشان البارتات فانا لا اعترض بان تضع كل يوم بارت إذا اردتي ارجوكي بان تقبلي طلبي ذاك انا انتظر البارت بأحر من الجمر بأمان الله |
#207
| ||
| ||
الفصـل الثالث و الثلاثـون *سهم في القلب* "ها قد حانت نهايتك يا طفلة آيون !" هتف بحماس أحد الرجال الخمسة الذين أحاطوا بكوبرا .. كانت حالتهم تبدو أسوء من حالتها رغم مرضها و إصابة ذراعها ، فعلى خلاف كوبرا التي لم تظهر ذرة من الخوف أو الجزع كانوا هم غاية في التشتت و الاضطراب .. وجوههم تتصبب عرقا و ملابسهم الفاخرة شوهها الغبار. لم تأبه بالرجال المسلحين الذي يحاصرونها كأنها لا تراهم أصلاً ، كانت نظراتها مثبتة بغضب على أوربان و شوانيير اللذين أخذا يهبطان الدرج وهما يرفعان رأسيهما بشموخ و كبرياء ! "جبناء !" قالت كوبرا باحتقار و ازدراء شديدين موجهة إهانتها لهما .. فتبادل الاثنان الابتسام ، قال شوانيير : "ومن يهتم ؟! لقد انتظرنا طويلا و ها قد أثمر صبرنا و نجحنا !" صاح بالينغر باستنكار : "و لماذا تنتظران ؟! أنتما رجلان و هي فتاة مصابة ! هل توجد مهمة في الدنيا أسهل من هذه ؟!" اتسعت ابتسامة أوربان الواثقة : "نعم أنت محق لا يوجد ما هو أسهل من قتل فتاة وحيدة جريحة ... لكن هدفنا لم يكن قتلها بل أسرها حية !" علت الدهشة المستهجنة وجوه الخمسة و هتف أحدهم غاضبا : "ما الذي تتفوه به ؟! أمركما القائد بقتلها و ليس أسرها !" نظر شوانيير إلى الرجل بترفع و استخفاف و كأنه بهيمة لا عقل لها ، و لم يجب عن سؤاله بل بدلا من ذلك طرح سؤالا آخر و هو يخطو نحو رفاقه : "لماذا غادرتم قاعة الاحتفالات ؟! هل أمركم القائد بذلك ؟!" أجاب دانتون و قد تغضن وجهه : "لقد فقدنا الاتصال بالقائد بعد مغادرتكما بقليل .. شككنا في أنه ربما قتل أو أصابه مكروه ما ، لكنا مكثنا في القاعة ننتظر عودتكما حتى نتشاور في الأمر ، وقد تأخرتما كثيراً ! و حينما سمعنا صوت الطلقة توقعنا رجوعكما بخبر مقتل ابنة آيون غير أنكما لم تظهرا أيضا فلم نستطع البقاء أكثر من ذلك و خرجنا لنعرف ما يحدث !" أكمل أحد رفاقه وهو ينظر لكوبرا بحقد : " ثم اشتبكنا من الغولين تابعيها و قد قتلا لوحدهما أربعة منا و أصابوا ثلاثة آخرين بجروح بليغة و قد تمكنا نحن الخمسة بأعجوبة من الافلات من رصاصهما و التسلل للطابق الثاني !" أضاف بالينغر بنفاذ صبر : " و الآن أخبرانا ما الذي حدث ؟! ماذا حل بليدر و أين القائد ؟!" قال شوانيير بلا اكتراث : "لقد قتل ليدر على يد كوبرا بعد أن أصابها بطلقة في ذراعها ، أما عن .." ارتسمت على وجه أوربان ابتسامة ساخرة .. و شرع بصره يجول بين وجوه شركائه التي يظهر على بعضها الحنق الاستياء و على بعضها الآخر الحيرة و القلق .. "أما زلتم للآن تعتقدون أن القائد هنا ؟!" قطب أحد الرجال جبينه وقال مرتابا : "تعني أنه ليس في هذا القصر ؟!" "بل إنني مستعد لأقسم بأنه ليس في كان كلها !!" تخشبت وجوههم من وقع الصدمة و حملقوا فيه بعيون جاحظة "ما .. ماذا تقول يا أوربان ؟!" "لماذا استدعانا إلى هذا المكان إذن ؟!" تحولت نظرات أوربان نحو كوبرا التي نظرت إليه بطرف عينها و رفعت رأسها بتعال .. "من أجلها ! استخدمنا كطعم لاستدراج هذه الفتاة إلى هذا المكان المهجور و قتلها ! هذا كان هدفه الحقيقي من إحضارنا إلى هنا ! نقتلها .... أو تقتلنا !" صاح دانتون : "ماذا ؟!" كرر بالينغر وهو يتميز غيظاً : "استخدمنا كطعم ؟!" قالت كوبرا بسخرية : "هه ! قائد وضيع و أتباع أغبياء يا لها من منظمة رائعة !" زمجر أحد الرجال والغضب يستولي عليه و قرب فوهة مسدسه من رأسها مهددا .. لكنها لم تعره أي اهتمام و لم تدر رأسها إليه حتى بل اكتفت بأن ترمقه من زاوية عينها اليمنى بنظرة محتقرة ! هتف شوانيير معنفا : "تمالك أعصابك و كن عاقلاً يا كولبيرت فحياتها ثمينة جدا لنا !" التفت إليه سائر الخمسة باستنكار و صاح دانتون : "ما الذي تقصده ؟! إنها عدوتنا و سبب كل المصائب التي حلت على رؤوسنا !" صرخ كولبيرت وهو يرتجف غضبا : "كما أن القائد أمرنا بقتلها إن كنتما تذكران و لا أظنكما غبيان بما يكفي لعصيان أوامره !" رد شوانيير بثقة لم يهزها غضب الرجل الذي يقابله : "بل نحن واعيان بما يكفي لندرك الطريقة الوحيدة للنجاة من هذا المأزق الذي وضعنا القائد فيه !" نظر إليه كولبيرت بحيرة بالغة : "الطريقة الوحيدة للنجاة ؟!" تحولت نظرات شوانيير نحو كوبرا لتتبعها عيون الآخرين .. "هذه الفتاة هي سبيل نجاتنا !" قطبت كوبرا جبينها وحدقت فيه بحدة .. و هتف دانتون جزعا : "و لكن القائد .." أخرسه صراخ أوربان الغاضب : "إلى متى ستبقون مغفلين ؟! هذا القائد كاد أن يرمي بنا جميعا للهاوية دون أن يرف له جفن !" "نحن لا نطيعه حبا له يا أوربان لكنك تعلم جيدا كم هو قاس عديم الشفقة ! سيقتلنا و يقتل أسرنا وكل من له صلة بنا لو أحس بخيانتنا !" قال شوانيير بجمود : "لقد تسببت هجمات القائد على باريس في مقتل زوج ابنتي و إصابة أحفادي بجراح مميتة مع أني كنت من أخلص أتباعه و أقدمهم ! إلا أن هذا الأمر كما يبدو لا يشكل فارقا و ليس له أي اعتبار عنده !" أكمل أوربان بلهجة تأنيب : "ثم لم كل هذا الخوف منه ؟! إنه لا يستطيع فعل شيء دوننا نحن أتباعه ، و في وضعه الحالي فإن كل ما يشغله هو حماية نفسه و لا أحسبه سيبدد دفاعاته و ما تبقى له من أتباع على القضاء علينا خصوصاً إن كان عددنا كبيرا !" صمت دانتون و أطرق رأسه في استسلام .. فقال بالينغر بشك : "إذن .. فأنت تفكر في أخذ كوبرا رهينة ؟!" تحدث شوانيير بقوة القائد المسيطر على الموقف : "نعم ! تعرفون أن أتباعها يحاصرون القصر و لا أظننا قادرين على مواجهتم جميعا ً.. و هناك سبب أهم من كل ذلك ... إنه الكونت !!" واصل أوربان كلام رفيقه موضحا : "الكونت هو أخطر و أقوى عدو لنا و كوبرا حليفة له ، فلو قتلناها الآن سنكون بذلك كمن يوقع على شهادة وفاته ! لذا الحل الوحيد المتبقي أمامنا هو أخذها كرهينة للهرب من أتباعها ثم من الكونت و عقاربه ! فالكونت كما نعلم كلنا لا يضحي بأتباعه و حلفائه !" "أنت واهم !" قالت كوبرا بازدراء "إنه لا يهتم بي و من المستحيل أن يتراجع عن هدفه من أجلي !" "ربما لا يهتم بك كإمرأة ، لكنه يهتم لحياتك كإنسان و حليف له في حربه !" "ثم إننا لا نملك ما نخسره" تحدث شوانيير باستخفاف ثم تابع كلامه بقسوة "و إن كنا سنموت ... فستموتين معنا !" ابتسمت ابتسامة ساخرة : "هل تدعو هذا تهديدا ؟! ليكن في علمك أنني لا أخشى الموت مثلكم بل أتمناه كل يوم ، لذا الخاسر الوحيد هنا هو أنتم !" تجاهل شوانيير كلامها و استدار نحو الآخرين : "علينا التحرك بسرعة قبل أن يصل أتباع الكونت !" انتفض بالينغر و قد أجفله كلامه : "هل سيأتي الكونت إلى هنا ؟!" رد أوربان بغير يقين : "هذا محتمل جدا ، فالكونت لن يفوت فرصة اجتماع أربعة عشر قائدا من المنظمة في مكان واحد فهذا سيسهل عليه التخلص منا !" ارتعش دانتون لهذه الفكرة الرهيبة و قال بخوف وهو يتلفت حوله : "يجب أن نسرع إذن !" أحاط الرجال السبعة بكوبرا .. و لكن قبل أن يبدؤوا تحركهم .. قال كولبيرت فجأة : "مهلا !" استدار الجميع إليه فأردف : "سيطلق أتباعها النار علينا فور أن يرونا لذلك .. " أدار وجهه نحو كوبرا و أضاف آمرا "اتصلي بهم و أبلغيهم بأسرنا لك و أنك الآن رهينة عندنا وأن عليهم أن يتنحوا جانبا و يتركونا نغادر هذا المكان بأمان ! و إياك ان تحاولي الخداع أو المراوغة فهذا لن يكون في صالحك !" أرجعت كوبرا رأسها للوراء و أطلقت ضحكة عالية .. "هل تظن أنك ستخيفني بهذه التهديدات السخيفة ؟!" احتقن وجه كولبيرت و عض شفتيه محاولا أن يكتم غضبه .. فنظرت كوبرا إليه نظرة استمتاع و غبطة بعينيها اللتين أضحتا متباينتين في اللون بعدما سقطت إحدى عدساتها الزرقاء الفاتحة ليظهر اللون الزمردي الجميل .. لون عينيها الأصلي. "أنا لا أخشى شيئاً في الدنيا و لا أملك ما أخاف خسرانه ، لذلك لا أنت و لا أي بشر غيرك يستطيع إجباري على فعل ما لا أريد !" نظر كولبيرت نحو شوانيير بحنق كبير كأنه يطلب الموافقة على قتل هذه الرهينة الوقحة ، غير أن كوبرا ضحكت ضحكة قصيرة ثم قالت بشكل مفاجئ وقبل أن يصدر عن شوانيير أي رد فعل : "لكني سأفعل ذلك ! فأنا أتشوق لأرى كيف ستخرجون من هذه المحنة الصعبة و هل بالفعل سيترككم الكونت تهربون لأجل الحفاظ على سلامتي !" رفعت يدها إلى أذنها ثم ضغطت زر جهاز الاتصال ... "أيها التوأم هل أنتما بخير ؟!" أجابها صوت شارل اللاهث : "نعم سيدتي .. لكن ماذا عنك أنت ؟! لقد فشلنا في ردعهم جميعا و تمكن عدد منهم من التسلل لأعلى .." "كل شيء على ما يرام عندي ، هل أصبتما ؟!" "ليست بالاصابات الخطيرة ، لكن كارل أصيب في ساقه لذا هو غير قادر على الحراك !" "اسمع يا شارل احمل شقيقك و غادر هذا القصر حالا و أخبر الباقين في الخارج أن يبتعدوا عن المكان كذلك ! مفهوم ؟!" "لكن سيدتي .." "هذا أمر يا شارل !" رد شارل بامتعاض : "حسنا سيدتي" ضغطت كوبرا الزر مرة أخرى فانقطع الاتصال .. نظرت إلى كولبيرت المستاء بابتسامة زادت من حدة استيائه "لماذا لم تخبريهم أنك رهينة عندنا كما طلبت منك ؟!" ردت بهدوء و ابتسامتها تتسع أكثر : "تذكر أنني قلت ما قلت برغبتي و إرادتي الكاملة و ليس انصياعا لأوامرك !" تدخل شوانيير : "لا بأس يا كولبيرت فهذا ليس ضرورياً بما أنهم سيبتعدون عن طريقنا !" تحرك أوربان نحو إحدى النوافذ الكبيرة المطلة على الحديقة ، حيث كان يستطيع مشاهدة أتباع كوبرا الذين توزعوا في عدة أماكن و أحاطوا القصر من ثلاث جهات ، و قد تغلبوا على الحراس المرافقين لقادة المنظمة و جردوهم من أسلحتهم ثم جمعوهم في بقعة واحدة أمام إحدى السيارات المصفحة. مرت دقيقتان قبل أن يلمح جسدا ضخما يسير بصعوبة نحو البوابة .. كان شارل و هو يحمل أخاه على ظهره و يمشي قاصدا - ما بدا لأوربان - أنه القائد في غياب كوبرا و كان رجلا طويلا حليق الوجه طويل الشعر استقبل التوأم آغويلارد بعلامات الاستفهام و الاستغراب ، و بعد حوار قصير و غريب دار بينه وبين شارل ارتسمت فيه على وجهه مختلف تعابير الدهشة و التعجب ، صاح في رجاله معلنا أمر كوبرا لهم بالانسحاب. "لقد بدؤوا يغادرون !" قال أوربان مبتسما لرفاقه برضا ، فتقدم كولبيرت و وقف إلى جواره ليرى بعينيه أتباع كوبرا و هم يصعدون سيارات المنظمة ثم ينطلقون مبتعدين عن القصر. تحدث شوانيير بلهجته القيادية الآمرة : "هيا لنذهب !" أطاعه الستة الآخرون سريعا و تحركوا في تشكيلة تمنع أية محاولة للهرب قد تصدر من كوبرا ، إذ يسير أوربان و بالينغر بجوارها خلفهم اثنان آخران و أمامهم كولبيرت و دانتون وفي المقدمة شوانيير يقودهم. كانوا يسيرون نحو الدرج مسرعي الخطى لكن دون مبالغة .. هكذا حتى توقف أحدهم فجأة فتوقف الآخرون بدورهم ! كان كولبيرت من قطع المسير و ذلك لينظر لشيء على يمينه بدا مريبا من تعابير وجهه المستنكرة ! سأل دانتون : "ما الأمر ؟!" التفت إلى رفيقه و قد قطب جبينه بحدة : "أظنني .. لمحت شيئاً ما على تلك الطاولة !" تحدث بالينغر باستغراب : "شيئاً مثل ماذا ؟! أنا لا أرى سوى زهرية كبيرة الحجم و بعض التحفيات !" "إنه .. خلف الزهرية ! شيء غريب ليس في مكانه .. ينبعث منه ضوء أحمر !" انطلق نحو الطاولة التي أشار إليها وتبعه شوانيير أما الباقون فمكثوا في مكانهم. وفي الوقت الذي توقف فيه كولبيرت أمام الطاولة عرف ماهية هذا الشيء فتصلب وجهه و تجمدت الدماء في عروقه ! نظر إليه شوانيير و قد أقلقه هذا التحول المفاجئ في حالته ، و حينما وقعت عيناه على ذلك الصندوق الأسود الذي يتوارى أكثر من نصفه خلف الزهرية بهت وجهه بشدة لكن يداه تحركتا ببطء و أزاحتا الزهرية عن مكانها ليتأكد الكابوس !! "إنها قنبلة !!" صاح كولبيرت وهو يهرع نحو رفاقه ليشاركوه الذعر و الرعب ! وحدهما كوبرا و أوربان من لم يظهر عليهما الخوف ، فوجئا للوهلة الأولى لكنهما عادا إلى هدوئهما بسرعة فائقة ! صرخ دانتون وجسده يرتجف بكامله : "لم هذه القنبلة .. هنا ؟!" التفت كولبيرت بتعابير وحشية شرسة إلى كوبرا : "أنت من وضعها هنا !" ردت كوبرا بهدوء و لامبالاة مثيرين للدهشة : "لم أفعل !" "هل تظنيني سأصدقك ؟!" "وهل تظن أنني أهتم بتصديقك ؟!" بحركة عنيفة رفع مسدسه إلى وجهها وقد بلغ الغضب حده لديه : "ستكونين أول من يموت أيتها اللعينة !" "أنزل سلاحك أيها الأحمق !" صاح شوانيير وهو يركض إليهم غاضبا "القنبلة ستفنجر بعد أقل من دقيقة !!" عندها استبد الرعب بهم تماما ، سيطر على جوارحهم و أغلق عقولهم عن التفكير بأي شيء غير الركض بأقصى سرعة نحو الدرج للنزول للطابق الأول ثم الخروج من القصر ! هرع الجميع لاهثين و قد تبددت التشكيلة و نسوا كليا أمر كوبرا التي كانت وحدها من ثبتت في موضعها ولم تتحرك خطوة واحدة ! توقف أوربان و شوانيير حين شاهداها لم تتحرك للنزول معهم .. تحدثت بصوت عال لكنه هادئ تماما قبل أن يصل الرجال الدرج : "ابقوا في أماكنكم .. إن كنتم تريدون الحياة !" تبادل أوربان و شوانيير نظرات الدهشة ، لكنهما أطاعا أمرها و بقيا في مكانهما ، أما كولبيرت فالتفت إليها بعينين تقدحان شرا و كراهية : "لنموت معك هنا أليس كذلك ؟! لكن هذا لن يحدث !" لم تلتفت كوبرا إليه و لا لأي شخص آخر كانت تثبت عينيها الساكنتين على الطاولة التي تقبع القنبلة فوقها .. تبقى من الوقت عشرون ثانية ... كان كولبيرت و الأربعة الآخرون قد وصلوا قمة السلالم ... فقالت كوبرا بصوتها الوقور للمرة الأخيرة : "ستموتون إن غادرتم هذا الطابق !" وهو يضع قدمه على الدرجة الأولى من السلالم نظر كولبيرت إليها نظرة سخرية تعدتها إلى أوربان و شوانيير .. "كنت أشك فيكما منذ أن رأيتكما تهبطان الدرج خلفها .." قال شوانيير بقوة متجاهلا اتهام كولبيرت : "إن كنتم تريدون النجاة فابقوا هنا !" تبقت إحدى عشر ثانية .. قهقه كولبيرت : "أوه نعم حتى نموت أيضا ؟! هل تحسبنا حمقى ؟! لقد قالت هذه اللعينة سابقا أنها لا تبالي بالموت وأنها ستنهي حياتها معنا ! لذا فبقاؤها في هذا المكان لا يعني أنه آمن ! أم أنك تظن أن ملائكة من السماء ستهبط على هذا القصر لتنقذنا من الانفجار بمعجزة إلهية ؟!!" و انطلق يقفز الدرجات الكثيرة بأسرع ما أمكنه يتبعه اثنان آخران أما دانتون و بالينغر فتوقفا عند قمة السلالم مترددين في النزول .. لقد شعرا بصدق نذير كوبرا من خلال طريقتها في الكلام لم تكن تنظر إليهم و كانت تقول كلمات قليلة بعد فترة طويلة من الصمت .. و ذلك لأنها تعاني صراعا داخلها .. كانت تسعى طوال الوقت لقتلهم لكنها الآن تريد مساعدتهم ... فنشبت حرب ضروس بين مشاعرها المتضاربة ، الكراهية و الرغبة في الثأر أم الرحمة و التسامح ؟! وفي النهاية - كما يبدو - انتصر الجانب الإنساني. كان بالينغر أول من تحرك منهما مبتعدا عن الدرج .. كان ما يزال بعض الشك يعتريهما لكنهما قبلا المجازفة و اتباع قلبيهما .. سارا نحو أوربان و شوانيير .. و قبل أن يصلا إليهما .. هز أركان القصر صوت مدو يصم الآذان كأن زلزالا مدمرا قد ضرب المكان !! فزع الجميع و فقدوا توازنهم جراء الهزة العنيفة حتى أوشكوا على السقوط ! "لقد انفجر الطابق الأول و الثالث !!" صاح شوانيير وهو ينظر إلى النيران التي تلتهم الطابق الثالث و سحب الدخان السوداء الكثيفة التي تصعد إليهم من الطابق الأول ! ارتعشت شفتا دانتون : "لا شك أن ..ة. كولبيرت والآخرون قد .." قال أوربان : "كانوا حمقى !" اقترب بالينغر من كوبرا.. "كيف عرفت أن هذا الطابق هو الوحيد الذي لن ينفجر ؟! هل أنت فعلا من زرع القنابل في القصر ؟!" "إنه قائدكم ! سامويل مورفان هو من فعل ذلك ! لقد توقعت أن يفعل أمرا كهذا بعدما علمت أنه ليس هنا ، فهو كما اعتقد لا يثق بكفاءة أتباعه و لابد له من خطة بديلة في حال فشلهم جميعا !" ابتسم أوربان برقة : "و لهذا السبب أمرت أتباعك بالابتعاد عن المكان !" أضاف ساخرا : "ما أشبهك بقائدنا العزيز !" أردفت كوبرا : "مورفان رجل متحجر القلب خبيث لأبعد حد ، يحب أن يرى ضحيته تقاوم و تقاتل لآخر لحظة ، يعشق مواجهة خصوم أذكياء و يستمتع بمشاهدتهم و هم يستخدمون كل خلية في أدمغتهم للعثور على الحلول الصحيحة و الخروج من المآزق التي يضعهم فيها ، لذلك ترك لنا طريقة واحدة للنجاة لن نراها ما لم نحافظ على هدوئنا و نفكر بعمق ! هذه القنبلة التي ترونها معطلة !! أما التوقيت الذي يظهر على شاشتها فهو توقيت انفجار القنابل الحقيقية المخفية في الطابق الأول و الثالث ! ألم تلاحظوا أن مكان القنبلة مكشوف لدرجة مثيرة للريبة ؟! إن المكان الواضح لوضع القنبلة هو ما فاجأني و ليس وجود القنبلة بحد ذاته ! لقد أراد أن يستولي علينا الجزع و نعجز عن التفكير ثم نذهب للموت بأقدامنا !" نظرت إلى بالينغر ثم دانتون "هذه هي حقيقة قائدكم !" ارتمى جسد دانتون المنهك على الجدار لينزلق ببطء على الأرض .. و غطى بالينغر وجهه بيديه متمتما : " عليك اللعنة يا مورفان ! عليك اللعنة أيها الشيطان !" استدارت كوبرا و اتجهت نحو النافذة .. فتحتها على اتساعها ثم جلست تحتها و أسندت ظهرها للجدار. سأل شوانيير راجيا : "أليس هناك ما يمكن فعله للخروج من هنا ؟! ستغزو النيران هذا الطابق قريبا و قد يخنقنا الدخان المتصاعد قبل ذلك !" أغمضت كوبرا عينيها ولم تنطق .. فاقترح أوربان : "لنفترق في الطابق ونبحث عن أي شيء قد يساعدنا ، حبل ، سلم ، طفاية حريق و أشياء من هذا القبيل !" انطلق الأربعة و قد دب فيهم أمل جديد و تفرقوا يبحثون في كل زاوية في الطابق عن أي شيء قد يساعدهم ... لكن لم يسفر بحثهم الدؤوب عن أية نتيجة ، فالقصر لا يحتوي إلا بعض الاثاث البالي و التحف العتيقة ، لا ملابس حتى ملابس الخدم ، و لا أي نوع من الاقمشة كالملاءات التي يمكن ربطها مع بعضها و استعمالها كحبل ! عاد الرجال يجرون وراءهم ذيول الخيبة .. لم تتفاجأ كوبرا بهذا ، فهي كانت تعلم أن مورفان لن يترك لهم طريقة مضمونة للنجاة ، إنه يعطيهم بصيصا من الأمل ليحاولوا و يحاولوا ثم ينتزعه منهم فجأة و يتركهم يموتون من اليأس. قال دانتون متوسلا : "ألا تستطيعين الاتصال بأتباعك ؟!" فتحت عينيها و قالت بهدوء : "لا فائدة ! هذا السفح على وشك الانهيار بسبب الانفجار الذي ضرب أساس القصر ! و أنا لن أخاطر بسلامة أتباعي على فرصة ضئيلة لنجاتي !" انهار دانتون على الأرض و قال نائحا : "ماذا نفعل إذن ؟!" "ننتظر !" "ننتظر ماذا ؟! الموت ؟!" "لا" أشارت بسبابتها إلى السطح "مساعدة من السماء !" صاح دانتون ساخرا : "ستنقذنا الملائكة ها ؟!" ابتسمت كوبرا : "ربما من يدري ؟!" لطم وجهه ثم أخذ ينوح مجددا : "آه يا ويلي لقد كان كولبيرت محقا ! سنموت جميعا في هذا المكان آه يا لحظنا التعس !" كان دانتون قد تكفل بالولولة و النحيب باسم الجميع ، فالتزم الآخرون الصمت ، أما كوبرا فقد اتسعت ابتسماتها ثم تحولت لضحكة ، فالتفت الجميع متعجبين لهذا المنظر غير المألوف ! رفعت رأسها ثم قالت : "ها هم الملائكة قد وصلوا !" التفتت الرؤوس نحو سلالم الطابق الثالث .. أشباح سوداء تخترق لهيب النيران و تخمد ثورتها ثم تشق طريقها إليهم ! تهللت وجوههم و أشرقت فرحة بقدوم النجدة و انطلقوا مسرعين نحو السلالم ! لكنهم فوجئوا بأحد المنقذين يقفز خمس درجات دفعة واحدة و ينقض على دانتون بركلة أدمت أنفه و طرحته أرضا ! التفت المهاجم نحو الثلاثة الآخرين ، فتراجعوا للوراء و لوح أوربان بيديه نافيا : "لا ، نحن لسنا أعداء !" "يا إلهي !" تبسمت كوبرا رغما عنها ثم نهضت واقفة و قالت : "ما تزالين مجنونة كما تركتك !" استدارت ويندي نحو جهة الصوت ثم خلعت قناعها ليظهر وجهها المبتهج و انطلقت راكضة إلى كوبرا .. "كيف عرفتني ؟!" "من رعونتك !" "أها !" ثم ضحكت وهي تنظر إلى دانتون و أوربان و بالينغر يساعدانه على النهوض "لقد كنت متحمسة أكثر من اللازم !" في ذلك الوقت كان ثلاثة مقنعين قد هبطوا السلالم أيضاً ، و حالما رأوا قادة المنظمة الأربعة وجهوا أسلحتهم نحوهم فهتفت كوبرا : "إنهم تحت حمايتي !" استدار الثلاثة نحوها و قد أنزلوا أسلحتهم باستثناء واحد تقدم نحوها بعناد و قال : "هذا لا يعنينا في شيء !" لم تكن كوبرا في حاجة لسماع هذا الصوت حتى تعرف صاحبه ! تحدث أحد المقنعين مخاطبا رفيقه المتمرد : "لقد أوصانا الكونت بها يا ماريان هل علي أن أذكرك بذلك كل دقيقة ؟!" أخفضت ماريان سلاحها مكرهة و تراجعت للوراء و قد تعكر مزاجها أكثر من السابق. ضحكت ويندي ضحكة خافتة ثم استدارت نحو كوبرا لتلاحظ للمرة الأولى الإصابة في ذراعها.. "يا إلهي إن ذراعك تنزف بشدة !" "إنها لا.. " لكن ويندي أمسكت يدها الأخرى و جرتها لتمشي : "يجب أن نأخذك بسرعة إلى المشفى ! سيتسمم الجرح لو بقي فترة طويلة دون علاج !" غير أن كوبرا سحبت يدها منها و قالت : "أنا لن أذهب !" تلاشت البهجة من وجه ويندي : "لكن .." قالت بإصرار : "أنا لن أغادر هذا المكان ! خذوا هؤلاء الأربعة معكم ثم غادروا قبل أن ينهار السفح !" عقدت ويندي حاجبيها باستياء : "هناك الكثيرون ينتظرون عودتك ! ألا يهمك أمرهم ؟!" صرخت كوبرا و قد دمعت عيناها : "أنت لا تعرفين شيئا !" صرخت ويندي بصوت أعلى : "ما الذي لا أعرفه ؟! مرضك ؟!" ارتفع حاجبا كوبرا في تفاجؤ فأكملت ويندي : "ألهذا فقط تريدين الموت ؟!" قالت كوبرا بألم : "هل تحسبين الأمر هينا ؟!" ردت ويندي بحدة : "لا لكنه ليس مستحيلاً أبدا ! أنت لست وحدك من أصيبت بهذا المرض هناك الآلاف الذين يعانون أمراضا أشد و أقسى لكنهم نجوا ! نجوا لأنهم قدروا حياتهم و تمسكوا بها بقوة صمدوا في وجه آلامهم و آمنوا بقدرتهم على قهر المرض و مواصلة حياتهم !" أغمضت كوبرا عينيها و قد سالت دمعتان على وجنتيها : "إنني متعبة وقد نلت كفايتي من هذا العالم !" حدقت ويندي فيها بصمت أخذت نفسا عميقاً ثم قالت مشددة على كل حرف من حروف كلماتها : "حسنا .. إن كنت ترفضين الانصات إلي فلست بدوري مضطرة للاستماع إليك و تنفيذ رغبتك !" فتحت كوبرا عينيها متفاجئة : "ماذا تعنين ؟!" جلست ويندي متربعة على الأرض و وضعت سلاحها بجوارها : "أنا لن أغادر هذا المكان من دونك و ليس هناك ما يجبر العقارب على إنقاذ هؤلاء الأربعة !" حملقت كوبرا فيها : "ما الذي تقولينه ؟! هل جننت ؟!" أجابت ويندي مبتسمة : "ربما !" صاحت كوبرا مستنكرة : "ماذا عن والديك ؟! أصدقاؤك ؟!" قالت ويندي و هي تسرح بنظراتها الحالمة إلى السقف : "أوه نعم .. لدي الكثير من الأصدقاء المخلصين الذي يقفون إلى جانبي في كل الظروف جان ، ميليسا ، ليون ، بيكارت ، لدي أخ حنون يعطف علي ، و طفلان رائعان كأنهما شقيقان صغيران لي .." كان الجميع يشاهدون مسرحية ويندي العجيبة في اندهاش أما كوبرا فكانت مصدومة تماماً.. أكملت ويندي : "لدي رجل محب وفي لا يرى في الدنيا سواي ! و أب لا نظير له ضحى بحياته لأحيا أنا ! لدي أناس أثمن من الماس و الياقوت ، لكني مع ذلك سأقتل نفسي و أدوس كل المشاعر الصادقة التي قدموها لي !" جثت لونا على ركبيتها و أخذت تبكي .. كما لم تبك منذ سنوات ! "أنا آسفة .. أنا ..." اقتربت ويندي منها ثم عانقتها بحنان و دفء : "لا بأس يا صديقتي ! إن مستقبلك الجميل يناديك و يفتح ذراعيه لك فعيشي من أجله !" |
#208
| ||
| ||
اقتباس:
يا هلا و غلا ❤ إني كذلك و الحمد لله أرجو لك المثل و أكثر ^^ من دواعي سرووووووري أنه أعجبك لهذه الدرجة جميلتي شكرا لك حقا ❤❤❤ كيف لا أحتاج له عزيزتي ؟! الموهبة و حتى العبقرية عديمة النفع دون توفيق الله و تيسيره ❤ سأظل أحتاج دعاءكم و تمنياتكم الطيبة على الدوام 😊 أشكرك من كل قلبي على الإطراء المبهج المشرف ❤❤ للأسف كنت قد قررت - و ما زلت حتى هذه اللحظة - عدم نشرها على أي منتدى لعدة أسباب لن أصدع رأسك بذكرها .. و لا نية لي لتغيير هذا القرار. و كما قلت سابقا هي موجودة على الواتباد و يمكنك قراءتها في أي وقت تحبين ، الحق أن القراءة على هذا الموقع سلسة جدا و أسهل من القراءة على المنتديات بكثير ، كما أنك لست مضطرة للتسجيل فيه إن كنت تملكين حسابا على الفيسبوك أعتذر حقا على عدم تلبية طلبك عزيزتي ، لكني اتخذت قراري بعد تجربة طويلة و تفكير عميق ! أتمنى أن يكون فصل الأمس قد نال إعجابك ❤ |
#209
| ||
| ||
الفصـل الرابع و الثلاثـون ج1 *عودة بالزمن* (آذار/مارس 1988) رحل الشتاء البارد و أتى الربيع فارشا الأرض بردائه الأخضر الزاهي معيدا للأجواء دفئها و للناس نشاطهم و حيوتهم بعد أن جمدتها الثلوج لشهور عديدة. هبت الانسام العابقة بعطر الزهور و رحيقها على الحدائق الواسعة لقصر "الماسة الرمادية" ذلك القصر العريق الفخم الذي يدعوه الباريسيون بـ "توأم فيرساي" لشبهه الشديد بقصر الملوك الشهير فيرساي. أمام باب هذا القصر كانت ليليان آيون أو ليليان دي لا فونت - كما أصبح اسمها بعد الزواج - قد أوقفت سيارتها و نزلت منها لتدخل إليه برفقة ممرضتها التي كانت تلازمها معظم الوقت للعناية بصحتها و مراقبة نظامها الغذائي. و ما إن وضعت قدميها داخل البهو البهيج للقصر حتى وجدت امرأة قد أتت لاستقبالها .. كانت طويلة القامة ، جميلة الوجه ، بشعر بني قصير و عينين زرقاوين .. بدا عليها السرور بزيارة ليليان التي كانت تبادلها الشعور نفسه. قالت المرأة بصوتها الرقيق : "كيف حالك ؟!" ردت ليليان بمرح : "بخير ، كيف تسير أمورك أنت يا إيفا ؟! و كيف هو ويل الصغير ؟! هل بلغ عامه الثاني يا ترى ؟!" أجابت إيفا و هي تقود ضيفتها : "كل شيء على ما يرام معي ، أما ويل فقد بلغ عامه الثاني قبل شهرين !" "أوه نعم صحيح ، إنني دوما ما أنسى التواريخ !" أضافت بعدها : "ماذا عن باقي العائلة ؟!" "إنهم جميعاً في أحسن حال ، لقد حضرت العمة ماري من برلين مساء أمس و الجدة لويز عندنا منذ يومين ، و الكل الآن مجتمعون في غرفة الجلوس الكبيرة ينتظرون قدومك" قالت ليليان و على وجهها الطفولي الجذاب ترتسم ابتسامة عذبة : "هذا رائع ، لقد اشتقت إليهم كثيرا !" في ذلك الوقت وصلت إيفا مع ضيفتها إلى غرفة الجلوس الكبيرة ، كانت غرفة واسعة ، جميلة ، تغمر أشعة الشمس كل ركن منها ، و الأهم من ذلك كانت المكان المفضل لاجتماع العائلة. وزعت ليليان نظراتها الفرحة بين وجوه الجالسين .. العجائز الثلاث ، أمها السيدة كارولينا و الجدة لويز بينهما العمة ماري - كانت ليليان واثقة من بقايا تعابير الدهشة على وجوههم أن العمة ماري كانت تروي لصديقتيها إحدى قصصها العجيبة التي تحدث معها في ألمانيا - ، شقيقتها الصغرى سارة و التي كانت كعادتها ملولة و غير مبالية ، ثم أخوها الأكبر إدمون ذو النظرات الماكرة التي يعتليها قدر من الغرور كان يتناسب مع دهائه و شخصيته القوية ، ثم في الأخير والدها الحبيب و رئيس العائلة السيد جوزيف آيون ! كان هو أول من توجهت إليه .. عانقته بحرارة ثم استادرت لتعانق والدتها التي جاءت إليها بنفسها .. حيت الباقين ببعض الكلمات ثم جلست إلى جوار إيفا .. صديقتها منذ كانت في المدرسة الإعدادية. جلست الممرضة بدورها بجانب سيدتها بعد أن حييت الحضور بإيماءة مهذبة من رأسها. سألت ليليان باستغراب : "أين وليام ؟!" "لقد نام قبل وصولك بنصف ساعة" "هذا مؤسف ، أردت اللعب معه قليلاً .." انحنت إيفا للأمام قليلا ثم همست بلهفة : "إذن هل اخترت اسمه ؟!" تنهدت ليليان ثم هزت رأسها عابسة : "ليس بعد" أشارت للممرضة كي تناولها حقيبتها لتخرج منها دفتر ملاحظات صغيراً .. فتحت إحدى صفحاته ثم قالت : "إنني محتارة بين اثنين و عشرين اسما ! كلها تعجبني و هذا ما يزيد الاختيار صعوبة !" "دعيني أرى .." و مدت إيفا رأسها لتلقي نظرة على قائمة الأسماء ثم تنهدت في يأس : "أسماء يونانية أيضاً ؟!" دافعت ليليان عن اختيارها بحماس : "أريد أن يكون اسمه فريدا له وقع قوي في الذاكرة !" ثم تلاشت حماستها و قد عادت إليها الحيرة : "لقد حددت هذه الأسماء لكنني لا أعرف ما أختار من بينها .." تحدثت إيفا بنوع من الاستغراب : "و لم لا تسألين زوجك عن رأيه ؟! أليس ابنه أيضاً ؟!" تنهدت ليليان و وضعت يديها على خديها : "نيكول مشغول طوال الوقت و قد أوكل إلي أنا مهمة اختيار اسم ابننا الأول .. قال أن ذوقي يعجبه و أن أي اسم أنتقيه سيكون بلا شك جميلا !" تبسمت بحب و هي تتذكر كلماته .. "إن نيكول لطيف جدا و متفهم دائما ، لكنني أحس أن تعامله معي أصبح فاترا بعض الشيء بعد زواجنا !" "هذا طبيعي ، فقبل الزواج يظهر الرجل كل محاسنه - سواء كانت حقيقية أم زائفة - أمام المرأة و يغرقها بالقصائد الرومانسية و كلام الحب و أنه لا يستطيع العيش بدونها و أنه سيشنق نفسه إن لم تتزوجه .. إلى آخر ذلك من الكلام البالي ، و ما إن تستجيب له و تتزوجه حتى يتوقف كل ذلك فهو الآن قد حصل على ما يريد .. كل الرجال على هذه الشاكلة !" ضاقت عينا ليليان : "حتى أخي ؟!" ردت إيفا بسخرية : "أخوك أول واحد !" قالت هذا بصوت أعلى من كلامها السابق فالتفت إليها إدمون - الذي كان مشغولا بحديث محموم مع والده - بتقطيبة حادة جعلتها تضحك. "هل أنت نادمة إذن على الزواج بأخي ؟!" خفضت صوتها و هي لا تزال تضحك : "لا ، فالحياة معه مسلية ، كما أني كما تعلمين لا أهتم بالرومانسية مثلك !" زمت ليليان شفتيها لتبدو أشبه بطفلة صغيرة متذمرة : "آه .. نعم !" ربتت إيفا على كتف صديقتها مواسية : "لا تقلقي ، حين يولد طفلك لن يشغلك شيء في الدنيا سواه لا نيكول و لا غيره ، أنت تدللين زوجك كثيرا ، فربما لو أهملته قليلا سيشعر بقيمة وجودك معه و يحرص عليك أكثر !" حاولت ليليان أن تبتسم لكن محاولتها باءت بالفشل .. "لا أدري .. المشكلة تبدو أكثر من مجرد فتور في مشاعره تجاهي .." قطبت إيفا حاجبيها : "ماذا تقصدين ؟!" ألصقت ليليان نظراتها على الأرض تحتها و قد انتابها التوتر .. "أعني .. لست واثقة مما أظنه يا إيفا .. لكن كلامه معي قل للغاية .. إنه يسافر كثيراً في الآونة الأخيرة و كلما طلبت منه أن يأخذني معه يرفض متعذرا بمختلف الحجج .. إنني أخشى أنه ... " خمنت إيفا ما تريد قوله فقاطعتها : "زوجك من أسرة نبيلة و راقية بشهادة أبيك يا ليليان !" ازدادت ليليان ارتباكا "أعلم يا إيفا لكن .. " "لكن ماذا ؟!" "لا شيء !" قالت ذلك بنبرة حاسمة ثم نهضت لتجلس قرب سارة و التي كانت وحدها من لا تحادث أحدا. ***** "آغنيس تعالي إلى غرفتي !" قالت ليليان للممرضة عندما رأتها تهم بالخروج إلى الحديقة ، فردت الأخيرة بأدب : "كما تشائين سيدتي ها أنا ذا قادمة !" و انطلقت بلا تأخير خلف سيدتها. فتحت ليليان الباب و دخلت ثم أمسكت الباب حتى تدخل الممرضة .. أمعنت النظر في الممر حتى تتأكد من أن أحدا ليس هناك ثم أغلقت الباب .. جلست على سريرها و أشارت لآغنيس بالجلوس قبالتها. همست : "اسمعي يا آغنيس .. أنا في حاجة شديدة لمساعدتك !" قالت آغنيس بإخلاص : "أنا في خدمتك سيدتي !" "إنها ليس خدمة من ممرضة إلى مريضتها بل مساعدة من صديقة لصديقتها !" دهشت الممرضة إلى حد ما لكنها قالت : "أنا مستعدة لتقديم ما يمكنني من المساعدة لك !" تبسمت ليليان بامتنان : "شكرا لك يا آغنيس .." أخذت تفرك يديها في توتر ثم نطقت بعد وهلة من التردد : "الأمر يتعلق .. بزوجي !" لم تتفاجأ الممرضة كثيرا فهي كانت تعلم عن شكوك ليليان و إن لم تفصح لها هي عن ذلك بشكل مباشر. كان قد مضى أسبوع على زيارة ليليان لأسرتها و بعد أن يأست من مساعدتهم لها اتجهت إلى الشخص الوحيد المتبقي لديها لتطلب ذلك منه . قالت بصعوبة : "هل .. هل تعرفين متعقبا جيدا ؟!" فغرت الممرضة فاها لتظهر ذهولا لم يبد عليها من قبل ! و زادت ردة فعلها من ارتباك ليليان. "أعرف أن ذلك ليس تصرفا حسنا لكن .. إنه الحل الوحيد للقضاء على شكوكي !" دمعت عيناها و هي تقول : "أنت حرة و لن أجبرك على مساعدتي إن لم تريدي ذلك !" تحدثت الممرضة : "أعرف .. شخصا يمكنه القيام بهذه المهمة .." فوجئت ليليان لرؤية آغنيس الهادئة المتزنة قد استولى عليها الاضطراب والقلق فخمنت أن ذلك الشخص الذي تقصده مقرب منها .. تابعت الممرضة : "لكنه ليس مستقيماً !" هتفت ليليان وقد تهلل وجهها : "هذا ليس مهماً بما أنه يجيد هذا العمل أليس كذلك ؟!" "نعم إنه في الواقع متمرس به !" "ممتاز ! اتفقنا إذن ؟!" "نـ.. نعم ، لكن سيدتي .. ماذا ستفعلين لو كانت شكوكك في محلها ؟!" فتبخر كل السرور و الغبطة التي ظهرت على ليليان .. أطرقت رأسها و ابتسمت بحزن : "أنا أحب نيكول حبا لا يمكن وصفه ، إنه أروع رجل قابلته في حياتي وكان الزواج به أو حتى مبادلته إياي و لو شيئا بسيطا من المشاعر بمثابة حلم بعيد المنال بالنسبة لي ، لا يمكنك أن تتخيلي حجم السعادة التي شعرت بها حين تقدم ليطلب يدي كنت أرى نفسي المرأة الأكثر حظا في الدنيا ! لكن ... إن كانت مشاعره تجاهي قد تغيرت و لم يعد لي مكان في قلبه .. فلن أبقى ، سأرحل !" "و ماذا عن ابنك ؟!" "سآخذه معي بالطبع !" سكتت الممرضة .. فقالت ليليان : "متى ستكلفين ذلك الشخص بهذه المهمة ؟!" "سأذهب إليه غدا فهو يوم عطلتي !" ***** بعد ثلاثة أيام وصلت إلى ليليان رسالة من المتعقب و كانت تحمل تقريرا ليومين من المراقبة قرأتها ليليان بلهفة شديدة. و لم تكن تصدق عيناها ما تقرآن ! كان زوجها يقيم في فندق راق وسط العاصمة البريطانية لندن ، و يقضي جل وقته في لقاء رجال الأعمال و عقد الصفقات التجارية و لم تر إمرأة واحدة بالقرب منه طوال هذه الفترة ! كادت ليليان تقفز من فرط السعادة و أعطت آغنيس ضعف المبلغ المتفق عليه لتودعه في حساب المتعقب. و بقدر سرورها كان تأنيب ضميرها ، فكيف طاوعها قلبها و شكت في إخلاص زوجها لها ؟! لقد كانت إيفا محقة فنيكول رجل نبيل و شريف كان عليها أن تكون واثقة من هذا ! التفتت ليليان إلى الممرضة و تدافعت الكلمات من فمها : لا أصدق أنني فعلت ذلك ! اوه يا إلهي ! كيف سأنظر إلى عينيه بعدما قمت به ؟! قالت الممرضة بتؤدة : "ما حصل قد حصل يا سيدتي" هدأ ذلك من اضطراب ليليان ، فتنهدت قائلة : "صحيح ، ما حدث قد حدث و انتهى لذا لا فائدة من هذا الكلام !" طرق الباب فجأة فأخفت ليليان الرسالة في جيبها ، ثم أعطت إذنها ليدخل كبير الخدم .. انحنى باحترام و قال : "لقد اتصل السيد دي لا فونت قبل لحظات و أبلغنا أنه سيعود في الغد إلى باريس !" "حقا ؟!" هتفت ليليان بابتهاج عظيم "يجب أن نعد حفلة رائعة لاستقباله !" بادلتها آغنيس الابتسام : "سيسر السيد كثيرا بذلك" لكن ليليان استدركت و قالت : "لكن قبل ذلك علي زيارة إيفا !" فهمت آغنيس أن ليليان تريد أن تقص على صديقتها ما حدث .. قال كبير الخدم بوقار قبل انصرافه : "ستكون السيارة جاهزة خلال خمس دقائق يا سيدتي" سألت الممرضة بعد أن خرج الرجل : "ألن تتخلصي من هذه الرسالة يا سيدتي ؟!" "بلى يا آغنيس لكن في بيت عائلتي و ليس هنا فقد يراني أحد الخدم و يشي بي إلى نيكول !" "أنت على حق سيدتي" و كما قال كبير الخدم كانت السيارة جاهزة و مستعدة للانطلاق حينما نزلت ليليان و مرافقتها. ****** سارت السيدة كارولينا منتصبة القامة خلفها خادمتان في ممر واسع عالي السقف ثم توقفت أمام غرفة على جانبه الأيمن .. طرقت الباب مرتين قبل أن تدخل و هي تقول بصوت عال : هيا استيقظي ، سارة آيون ! الساعة الآن هي الواحدة ظهراً ، كيف يمكنك النوم كل هذا الوقت ؟! أجابها صوت ناعس متذمر من تحت اللحاف : "يا إلهي اليوم عطلة ! لم علي الاستيقاظ باكرا ؟!" تحدثت السيدة مبتسمة : "سيأتينا ضيوف على الغداء" أخرجت سارة رأسها من تحت الغطاء ، و قالت متجهمة : " و ما شأني أنا ؟!" رفعت السيدة حاجبيها مستنكرة : "أنت الآنسة الوحيدة في العائلة ! ومن غير اللائق ألا تنزلي لاستقبال الضيوف !" تأففت سارة : "غير لائق ! غير لائق ! لقد مللت من هذه الكلمة !" أزاحت غطاءها مع زفرة قوية و جلست في مكانها بخمول .. "ليت ليليان ظلت عازبة و لم تتزوج ! كنت سأرتاح من كل هذا الإزعاج !" "لا جدوى من هذا التذمر يا سارة ، هيا قومي و ستساعدك هاتان الخادمتان على تجهيز نفسك !" "ولماذا خادمتان لمساعدتي ؟! أستطيع القيام بذلك وحدي لم أعد طفلة يا أمي !" ابتسمت السيدة كارولينا : "أوه بالطبع لست طفلة ! لكنك ستعودين للنوم حالما أتركك وحدك ، هل أنا على خطأ ؟!" مطت سارة شفتيها و أحجمت عن الرد .. فقالت أمها قبل أن تدير ظهرها و تغادر : "لديك فقط نصف ساعة لتجهزي !" و ظلت تسمع تأففات سارة و اعتراضاتها حتى أغلقت الباب تماما ً، تنهدت السيدة بعمق و هي تعود من الطريق الذي جاءت منه ، كان هذا المشهد يتكرر مرارا كلما جاء ضيوف إلى القصر و الذي كان الاختلاط بهم يعد عقابا قاسيا بالنسبة لفتاة غير اجتماعية كابنتها الصغرى. كانت توشك أن تستدير يسارا قبل يستوقفها رنين الهاتف و يجبرها على تغيير وجهتها ، استدارت عائدة بضعة أمتار إلى طاولة مرتفعة وضع عليها الهاتف .. رفعت السماعة بخفة وقالت : ألو .. نعم هذا قصر الماسة الرمادية ، من يتكلم معي ؟! المشفى ؟!! ..." تسارعت دقات قلبها من الخوف "ما الذي حدث ؟! ماذا تقول ؟!" سقطت السماعة من يدها التي رفعتها إلى شفتيها المرتجفتين .. عليها أن تحافظ على رباطة شأجها و تتصرف بهدوء .. كل شيء سيكون على ما يرام .. نعم لن يحدث شيء سيء .. و سينتهي الأمر على خير ! أجل .. أجل .. كانت تسير بصعوبة و هي تتمتم بهذه الكلمات لتطمئن نفسها .. "ما بك يا عمتي ؟!" رفعت السيدة رأسها لتنظر إلى وجه إيفا القلق .. فلم تشعر بنفسها إلا وهي تمد يديها إليها باكية : "إنها ابنتي يا إيفا ... ليليان ! لقد تعرضت سيارتها لحادث .. وهي الآن راقدة في المشفى بين الحياة و الموت !!" ***** عمت المشفى الصغير جلبة شديدة جعلت عددا من المرضى يطلون برؤوسهم من أبواب غرفهم ليعرفوا ما يحدث .. كان جمع من الناس يركضون في الممرات و يتوقفون كل فترة ليسألوا عن مكان معين .. حتى توقفوا إلى جانب بعضهم البعض أمام غرفة العناية المركزة .. نظر أفراد أسرة آيون الخمسة عبر الزجاج الشفاف إلى الفتاة الشقراء النائمة و قد غطت الضمادات رأسها .. اقتربت سارة من الزجاج و عيناها اللتان دوما ما كانتا باردتين قد أغرقتهما الدموع حتى فاضت منهما و أخذت تنساب بصمت على خدين شاحبين .. "أختي .." كانت السيدة على وشك أن تنهار في أية لحظة ، أما إيفا فأخذت تبكي بصوت مكتوم على كتف زوجها .. الذي كان هو و أبوه فقط من حافظا على هدوء أعصابهما و التزما الصبر. استمر الوضع على هذه الحال .. حتى تحرك الطبيب في الغرفة المغلقة .. و غطى وجه ليليان بالغطاء الأبيض.. سقطت سارة على الأرض و هي تصرخ باكية ... بينما جاهدت إيفا لتسيطر على أعصابها و تنطلق نحو السيدة كارولينا التي كادت تسقط مغما عليها لولا أن أمسكها السيد جوزيف ، و أوقفها على قدميها بصعوبة ، وقفت إيفا إلى جوار عمتها تشاطرها المرارة و الألم ، فترك جوزيف آيون زوجته في عهدتها و سار نحو الطبيب الذي خرج لتوه من غرفة العناية المركزة .. أخذ جوزيف نفسا عميقاً ثم سأل برباطة جأش رهيبة : "ما الذي جرى للطفل ؟!" أجاب الطبيب دون أن يمكنه إخفاء دهشته : "لقد نجى ! السيدة و الممرضة و السائق كل من كان في السيارة مات إلا الطفل و هو بصحة تامة أيضا ً! يا لها من معجزة !" كان البكاء قد انقطع بصورة مفاجئة و اتجهت الوجوه نحو الطبيب و قد لاح عليها بصيص أمل ! فجزء من ليليان .. ما زال حيا !! |
#210
| ||
| ||
حتما موافقة على طرح بارت يوميا...سأتابعك..و عن قصتك الجديدة كمكافئة لي لمتابعتك بإخلاص ارسليها لي عالخاص ارجوكي.. |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |