#311
| ||
| ||
الفصـل الستـون *أزرق ضد أصفر* اكتسحت وجهه ابتسامة خبيثة تشي باستمتاعه و بحذر انحنى قليلا فوق جاستن و أضاف قائلا : "لم تمت مع كل أسف ! إذن .. هل تستطيع المشي ؟!" قطب المعني و قذفه بنظرة لاسعة ، ثم قال بنبرة حانقة أوهنها الألم : "كيف يمكنني التحرك و عظم كاحلي مكسور أيها العبقري ؟!" فما كان أمام آلويس غير أن تنهد و مد ذراعه ، و في اللحظة تشنجت عضلات وجهه إثر دفقة من أوجاع مبرحة سرت على طول ساعده ، لكنه تجاهل هذا النذير من جسده المصاب و بسط يده لجاستن : "هات يدك ! سأساعدك على الـ.. " "لست في حاجة لمساعدتك ، اذهب من هنا !" زمجر بهاتين العبارتين ، ثم انهار فوق ذراعيه يلهث في إنهاك شديد ، في حين أخذ الآخر يرمقه باستياء بارد. "يا لك من معتوه ! ستموت لا محالة إن بقيت هنا !" و اندفع صوت جاستن الهادر من بين ذراعيه : "موتي و حياتي ليسا من شؤونك ، اغرب عن وجهي ! أنت آخر شخص في العالم يمكن أن أطلب عونه !" "أحمق متحجر الرأس كما عهدتك دوما !" قال ذلك مغرقا لهجته بأشد أنواع الاشمئزاز إثارة للغيظ ، و هو يتوقع ردا أشد شراسة و عدائية من جاستن ، لكن الأخير كان من الإرهاق و التدهور بحيث تجاهل إهانة عدوه و استغرق في السعال. مكث الواقف يراقبه بعين البرود لدقيقة قبل أن يزفر و يهز كتفيه قائلا بغير كثير اهتمام : "حسنا .. لن أساعدك على النهوض !" و تحرك مبتعدا عن البقعة التي تحط رأس جاستن فوقها. كان الألم في قدم الأخير و ساعديه قاهرا يشل تفكيره و يشوش حواسه ، حتى أن قول الكونت الأخير لم يطرق سمعه. أما الدخان السام الذي تشرب الهواء و تسلل إلى أنفاس الراقد رغم حاجز ذراعيه فكان كابوسا آخر. أخذت الأصوات من حوله تبتعد ، و الرؤية تظلم ، و وعيه ينسحب شيئا فشيئاً. هل هذا .. ما يصنعه الانفجار ؟! هل هذا ما يواجهه من ساقه حظه السيء إلى التواجد داخل حقل التفجير ؟! هل قاسى .. ضحايا قنابله هذه الأوجاع أيضا ؟! إنها المرة الأولى التي يجرب فيها هذا الإحساس ، أن تفجر قنبلة على "المفجر" هذا ما لم يحدث .. لا .. الواقع أن ذلك حصل سابقا . هاجمه شخص -مجرد تذكر اسمه يجعل دماءه تفور- بقنبلة صنعها بيديه هو ! لكنه لم يضع تلك الحادثة في اعتباره بما أنه لم يصب على إثرها إلا بحروق طفيفة. و رغم آلامه تسللت إلى قسماته ابتسامة صغيرة ساخرة و مستمتعة في آن معا . لم يكن ما يعانيه من الألم مستحبا ، لكن فكرة أن يُضرَب بسلاحه المفضل جعلته يستشعر نوعا من الإثارة الهجينة. لطالما كانت القنابل رفيقته و مصدر تسليته في دربه الدامي ، لذلك فإنه لا يمانع أن يكون دخانها الحارق آخر ما يدخل رئتيه. أطبق جفنيه و ارتخى جسده في استسلام لأذرع الموت المفتوحة ، ثم أطلق صيحة ألم مخنوقة. ليس من سكرات الموت بل من قبضة تلمست كاحله المتورمة في غير ما إشفاق ! "أوه إنك تتألم ! إذن فعظامك فعلا مكسورة !" ففتح جاستن في سرعة عينين تنفثان النار ، و رفع رأسه نحو آلويس مرددا من بين أسنانه المطبقة سبابا قذرا. كان الآخر يجلس القرفصاء عند قدميه ، و قد افترت ثغره عن تكشيرة لا أخبث و لا أكثر استفزازا منها ، و صاح جاستن بصوت يرتعد غضبا و ضغينة : "اترك قدمي أيها السافل !" و لا ريب أنه لو كان به بعض من قوة في تلك القدم لما تردد لحظة في تهشيم وجه غريمه و تكسير ما استطاع من أسنانه. و من إدراكه لهذه الحقيقة جاء استمتاع الأخير و تلذذه بتعذيب خصمه و إثارة أعصابه. و قد بلغ الذروة حين أطلق ضحكة ماكرة متشفية و نهض حاملا معه ساق جاستن. و صاح هذا : "قلت لك أفلت .." لكن الآخر لم يفسح له مجالا للكلام و جره على الأرض من كلتا ساقيه. و شرع المسحوب المصاب في الصياح و إطلاق أشنع و أفظع اللعنات و المسبات الأمريكية الخالصة ، و التي لم يرد عليها آلويس بأكثر من ضحكة خافتة . كان بدوره يتألم و ربما أكثر من جاستن الذي يسحب فوق الأرض رغما عنه ، لكن شعوره العميق الشرير بالمتعة شغل انتباهه عن أوجاعه. و عاد جاستن يصيح و قد تحشرج صوته : "قلت اتركني أيها الحقير ! اتركني في الحال ! لا أريد منَّك !" "ليس منَّا و لا عونا ، أنا فقط أحب مخالفتك ، و لو أنك توسلت لمساعدتي لما كنت في الغالب سأستجيب !" و أتبع عبارته بضحكة لم يجد جاستن ما هو أكثر إغاظة منها . حاول أن يركله بقدمه السليمة ، لكن قبضة آلويس المحيطة بها كانت أقوى ، فعاد يسب و يلعن فيما الآخر يواصل جره بين الأروقة المحترقة بلا أدنى غضب أو انزعاج. "لو تدري كم أكرهك !" زمجر جاستن بحقد ، و جاءه رد آلويس مشاكسا : "مشاعر متبادلة يا عزيزي !" "انتظر فقط حتى أستعيد قليلا من قوتي ! عندها سأمحو معالم وجهك القبيح بقدمي هذه !" و أرجح ببطء رجله المصابة ، لكن المعني لم يساوره خوف أو تأثر و قال مبتسما في سخرية و استخفاف : "حقا ؟! أتطلع لأن أراك تحاول !" و أوشك جاستن أن يقذفه برد عنيف ، لكن الفكرة ما لبثت أن سقطت من ذهنه حين وجد انتباه الآخر ينشد لشيء أمامه ، ثم يتوقف تماما عن المشي و سحبه. و بعد برهة من إمعان النظر في الدرج العريض الممتد إلى الطابق الأسفل قال بهدوء تشوبه بعض الخيبة : "لقد انهار جزء من السقف فوق الدرج لذا لن نستطيع عبوره.. " و هتف جاستن في دهشة متناسيا غيظه لفترة : "انهار ؟!" و بدا عليه التفكير و محاولة محمومة للتذكر ، فأضاف آلويس بجدية متخليا بدوره عن لهجته المستفزة : "لقد لاحظت أن نصف الممر فقط - و هو الذي كان خلف مورفان - انفجر ، بينما ظل النصف الذي وراءنا سليما -سوى من سموم الدخان ، و بعض الشظايا الصغيرة ، و رذاذ النيران المتطاير- و في الواقع لولا ذلك ما كنا لننجو !" و انخفضت الحدة في صوت جاستن بشكل ملفت حين قال : "كان ملغوما بالقنابل أيضا ، لكني أزلتها و أنا أقطع طريقي !" "حقا ؟! لم ألحظ أي قنبلة عندما مررت مع أني كنت في غاية الحذر و اليقظة !" عندها و رغم ألمه المبرح ، و غضبه الهائل ، تبسم جاستن في غرور و تباه و قد أطربه كل الطرب أن ظهر أخيرا تفوقه على خصمه اللدود. و ظهرت غبطته و انتشاؤه واضحين حين تكلم : "كانت مخفية عن الأنظار ، لكني استطعت شمها ، فأنا -على خلافك أنت المفتقر للمواهب الفريدة- أستطيع أن ألتقط رائحة البارود مهما ضعفت أو خلطت !" كانت المهانة الانفة قد ذهبت عن باله كليا و هو يلفظ كلماته المفعمة بالفخر و الاعتزاز ، فنسي أنه قبل لحظات فقط كان شأنه لا يزيد عن شأن أي ممسحة منزلية ، و ثيابه التي جرفت نصف ما تكدس في الطابق من تراب و عفن تشهد على ذلك. و بدت دهشة آلويس عظيمة ، صادقة ، و ممزوجة بسخرية غير متعمدة : "تشم القنابل ؟! بربك ! هل أنت كلب بوليسي ؟!" و تقارب حاجبا جاستن من بعضهما ، و قد بدأ غيظه يعود ليستشيط و يتملك جوارحه ، و لم يكن قد أفلح في الوصل لرد مناسب يفحم به خصمه حين تحرك هذا الأخير و تابع جره منعطفا نحو ممر آخر. و صاح جاستن : "إلى أين تتجه أيها الغبي ؟! كف عن سحبي حالا !" و لم يجاريه المعني في الجدال و محاولة إغضابه كما هي عادته ، فقد بدا أن فكره مشغول بما هو أهم . كان يسير و يتلفت حوله بحثا عن إشارة ما . يسرع حينا ، و يبطء حينا آخر ليريح جسده المنهك ، و يسعل أحيانا كثيرة ، و يطفو الألم و الإعياء إلى وجهه ، لكنه رغم الإرهاق واصل خطاه بلا كلل متجاهلا بشكل تام إهانات جاستن و استفساراته الحانقة. "قلت لك توقف ! إلى أين تسير وسط هذا الدخان الكثيف يا ذا العقل الاجوف ؟! في الحقيقة بت أشك في امتلاكك عقلا من الأصل ، و لا أدري كيف انتهى أؤلئك الحمقى بضمك للمستوى السادس ، و لا كيف رضي أتباعك البلهاء بك قائدا . هيا أسرع و ارفع يديك القذرتين عن ساقي ! و إلا فلن .. " ثم اصطدم رأسه بالجدار عند انحراف آلويس نحو الرواق الأيمن ، فقطع استرساله في الصراخ ، و صار يفرك موضع الإصابة متمتما بضرب غير متناسق و لا مرتبط من اللعنات و الشتائم. كان الآخر يسير و هو بالكاد يعي -لشدة انشغال تركيزه- أن ما يجره خلفه إنسان و ليس كبشا ميتا فارقه الشعور. لكنه استعاد شيئا من انتباهه حين سمع تأوهات جاستن ، و التفت نحوه في تفاجؤ ما لبث أن أزاحته تكشيرة شريرة. "أوه .. آسف !" "سأقتلك أيها الحقيـ .. آه !" و ترك آلويس عندها ساقي جاستن بقدر من الرفق لم يكن كافيا ليجنب الأخير الألم الناتج عن اصطدام عظامه المكسورة بالأرض ، فأخذ يئن بصوت مخنوق ، بينما يخطو الآخر ، و يتجول بحذر بين مداخل الحجرات المشتعلة .. حتى توقف آخر الأمر أمام أحدها و تنهد و قد بدا عليه الارتياح. "هذه هي !" ثم عاد أدراجه نحو جاستن و هو يقول : "النار منتشرة بكثرة في هذه الناحية ، لذا سيكون عليك أن تقف و تحاول المشي معتمدا على قدمك السليمة . هيا انهض ! يمكنك الاستناد علي !" "ابتعد عني أيها الوغد !" و دفع يد آلويس الممدودة بحركة عنيفة تبدي اشمئزازه من لمسه و تعاليه عن قبول العون منه ، لكن الأخير لم يعد رائق المزاج ، صبورا و ميالا للشجار كما كان حاله قبل دقائق. و تردد صوته الراعد بين الجدار المحترقة : "لم أر في حياتي شخصا أحمق عنيدا كالثور مثلك !" "و أنا لم أقابل طيلة عمري شخصا كريها ، بغيضا ، مزعجا بقدرك !" "سيخنقك الدخان إن لم تغادر هذا المكان يا معتوه !" "أفضل هذه الميتة ألف مرة على حياة أكون مدينا لك بها !" "لن تكون يا أخرق ! يا إلهي ألهمني الصبر ! اسمعني يا عقل النملة لقد أنقذت حياتي بالفعل - و إن كان بغير قصد - عندما أزلت القنابل من الرواق ، لذا فإنني و مع كل أسف مدين لك بنجاتي ، و ما أقدمه إليك من مساعدة لن يكون أكثر من رد للجميل هل تفهم ؟! لن تدين لي بشيء !" و عند هذه الكلمات سكت جاستن ، عقد حاجبيه و أخذ يفكر بتركيز ، و يقلب العرض من جميع جوانبه ، و في الأثناء كانت النار تزداد اشتعالا و دخانها يزيد انتشارا و كثافة ، و بعد نوبة حادة من السعال كادت تفتت حنجرته عاد آلويس يمد يده لجاستن و يقول بصوت منهك خائر القوة : "هيا لا تضيع الوقت !" و لوى المعني فمه في امتعاض ، لكنه رفع الجزء العلوي من جسده أخيرا و وضع كفه في كف آلويس الذي غشيت وجهه غمامة من الألم المضني و هو يجر جاستن محاولا رفعه عن الأرض ، غير أن التعب لم يكن ليثني طباعه النزاعة للسخرية. "إنك ثقيل كالفيل ! و لا أعجب حقيقة من ذلك .. إذا كنت تحمل بين كتفيك ذاك الرأس .. المثقل بالغباء !" و كان جاستن عند تلفظ آلويس بكلمته الأخيرة قد وقف على قدم واحدة و أحاط عنق منافسه من الخلف بذراعه ، فقال محذرا و قد انعكس وهج النار في زرقة عينيه : "خير لك أن تبقي لسانك الكريه داخل فمك ، فإن في ميسوري خنقك الآن !" استغرق المعني في السعال لبرهة ، و كفكف دموعه التي سفحتها حرارة النار ، ثم بدأ يتحرك مع جاستن و كلاهما يلهث و يوشك على الإنهيار. و لما كانت الحجرة التي اتجهوا إليها خارج نطاق الأمان الذي أنشأه جاستن ، فلم يكن من الغريب أن يجدوها مكسوة بسجاد من اللهب يضيء أرجاءها ، و ينفث داخلها موجة من الهواء الحارق. و سأل الأمريكي بذهول يشوبه الحنق و شيء من الاستهزاء و هو يجتاز بمساعدة آلويس عتبة الباب المخلوع : "لماذا جئت بنا إلى هذا المكان ؟! إنه مشتعل كالفرن . هل تريد أن تشوينا يا ترى ؟!" و رد الآخر بابتسامة صغيرة : "سترى بنفسك !" و براحة كفه حمى المعني وجهه من فتات اللهب المتطاير في الجو و دلف الاثنان إلى الحجرة البركانية الواسعة. قطعوا طريقهم بحذر و تروي متفادين بصعوبة ألسنة النيران التي تمتد و تطول متلهفة للسلع جلودهم و إصابة شيء من ثيابهم. و توقف الكونت أخيرا أمام ما كان مرآة طويلة تهشمت بفعل الانفجار مخلفة وراءها حائطا حائل اللون ، و لم تبق وراءها سوى قطع صغيرة تعلقت بالحواف. هنا انتبه جاستن للمرة الأولى لشكل الجدران و نوع الأرضية .. هذا المكان لم يكن حجرة بل حماما. و ما كاد يطرح سؤالا حتى غلف آلويس يده بمعطفه ، ثم أمسك مقبضا فضيا مستديرا مثبتا بجوار المرآة ، و بقوة دفعه للداخل و أداره مرة عكس اتجاه عقارب الساعة. و لم يرفع يده إلا و القطعة المستطيلة متباينة اللون من الجدار تتحرك و تندفع إلى الداخل ، ثم تنزاح بسلاسة و هدوء للجانب فاتحة لهما ممرا مظلما. حدق جاستن أمامه في دهشة و عجب و انبهار ، و لم ينطق بحرف. "لنسرع !" قال آلويس و نفذ سريعا مع جاستن إلى العتمة التي لم تمكث طويلا بعدما أشعل الأول ضوء كشافه الصغير ، و لم يقطع خطوة قبل أن يضغط زرا في الجدار أغلق الباب حاجبا عنهم سحب الدخان الكثيفة. كان الممر غاية في القصر ينبسط لمتر واحد فقط ، ثم يتحول سلما حلزونيا ضيقا. عاد جاستن يتلفت حوله و يسأل باستغراب شديد : "ما هذا المكان ؟! لم يتواجد ممر سري في قصر غير عتيق كهذا ؟! و كيف عرفت بوجوده من الأصل ؟!" "إنه قصر عائلتي !" هكذا أجاب في اقتضاب ، ثم أضاف مادا له الكشاف : "أمسكه لبعض الوقت !" و في غمرة استغرابه و انشغال تفكيره استجاب جاستن و رفع ضوء الكشاف أمامهم و هم يهبطون الدرجات على مهل .. و ما كادوا يبلغون منتصف المسافة حتى بدأ يستفهم : "ماذا تعني بقولك أنه قصر عائلتك ؟! إنه يعود لأسرة .." و توقف هنيهة ، ثم عاد يستأنف و حلقات الحقيقة تتجمع و تلتحم مع بعضها في ذهنه : "هل يعود لأسرة أمك ؟!" "نعم !" "و أبوك هو مورفان ، و قد قتل والدتك في سبيل الانتقام من أسرة آيون و التي أخفت هويتك و أرسلتك إلى هولندا ؟!" فأجاب آلويس ببطء و قد طغت عليه الدهشة : "نعم !" و أضاف بعد لحظة : "كيف علمت ؟!" و تبسم جاستن في زهو و هو يقول : "سمعت بعضه من حديثكما و استنتجت الباقي بذكائي !" "أكنت تتنصت في الخفاء على حوارنا ؟!" و تحلت نبرة جاستن باللامبالاة : "يمكنك قول ذلك !" "و منذ متى و أنت موجود ؟!" "منذ وجودك أنت ! مذ غادرت قصر لامارك و أنا أتتبعك !" فزوى آلويس ما بين عينيه الذهبيتين ، و التزم الصمت بضع ثوان ليسرح في عالم أفكاره ، ثم يعود للواقع قائلا : "إذن .. فقد كنت داخل القصر بالفعل عند اتصالك بمورفان !" "هذا صحيح ، كنت متواريا في إحدى الحجرات القريبة !" "و بالنسبة لصورة لونا فقد التقطتها قبل مغيب الشمس ، و ادعيت أنك ما زلت متواجدا في كان لتخدع مورفان ، أليس كذلك ؟!" و رد جاستن ببرود و قد أصابه الضجر : "أجل .. " "لم قمت بتهديدي إذن إن كنت غير راغب في إيذائها ؟!" دارت نحوه عينا جاستن و قد انفرجت شفتاه مشكلتين تكشيرة واسعة مغرقة في الخبث : "لا لشيء سوى أني أحب اللعب بأعصابك !" فعقد آلويس حاجبيه ، و زم شفتيه كاتما غيظه في صدره . لو لم يكن مصابا و الوقت غير ملائم للعراك لقذف الأمريكي بلكمة تدفن رأسه في الجدار. عاد يسأل في هدوء و كأن منظر ضربته المتخيلة قد أخمد غضبه : "و هل امتنعت عن تنفيذ خطة مورفان .. من تلقاء نفسك ؟!" هنا تريث جاستن . تجعد جبينه و استغرق في التفكير لحظات . كانا قد وصلا حينذاك إلى نهاية الدرج و أصبحا وجه لوجه مع باب حديدي ثقيل أحال الغبار المتكدس لونه الأسود : "نعم .." أجاب بنبرة أقل ثقة و جزما و سرعة من سابقاتها . كان هو نفسه يشك في صدق جوابه . أكان فعلا من تلقاء نفسه ؟! من تفكيره الخاص ؟! أم أنه ناتج عن تأثير خارجي ؟! أي أن .. "مرحبا بك !" و أجفل جاستن حتى أن توازنه اختل ، و انزلق الكشاف من يده ، و كاد هو الآخر يقع أرضا لولا قبضة آلويس القوية الممسكة بذراعه. لقد تحدث شخص ثالث لا تبصره عيناه ! |
#312
| ||
| ||
الفصل الواحد و الستون *النصر المنتظر* بانطفاء الكشاف مصدر الضوء الوحيد ران الظلام على المكان ، ظلام حالك دامس حتى أن المحاصر داخله لا يكاد يبصر يده. بدرت عن آلويس على غير توقع ضحكة قصيرة لا تنم عن السخرية و الاستهزاء بقدر العجب و التفاجؤ. و على غير عادته أيضا سأل ببراءة : "ما بك ؟! هل أفزعك الصوت ؟!" اعتدل جاستن في وقفته ، و ضبط توازنه قبل أن يتأهب للرد ، و إذ لم يستشعر في نبرة آلويس رنة تهكم أو مسحة استخفاف ، و لم ير - أو بالأحرى لم يكن في مقدوره أن يرى جراء العتمة المطبقة - على وجهه أي تعبير يثير الاستفزاز ، فقد قال بشيء من الحدة الدفاعية لكن دون انفعال : "لقد فوجئت به فقط !" و أضاف بعد برهة من الصمت : "من كان ذلك على أية حال ؟!" لم يدر إن كان رفيقه قد تعمد تجاهله أم أنه لم يسمعه فقط . كان يحيط مقبض الباب بكفه ، لكنه لسبب ما تلكأ في إدارته ، و للحظات وقف ساكنا لا يتحرك و لا ينطق. ضاق جاستن ذرعا بصمته المثير للحنق ، و طاف ببصره في الزوايا المظلمة منقبا دونما جدوى عن الوافد الغريب. بيد أنه لم يجد شيئا . لم يلمح ظلا يتحرك ، و لم يتنامى إلى مسامعه لا وقع أقدام ، و لا همس ، و لا مجرد نفس. أين هو ؟! تردد السؤال مرارا في عقله الحائر ، و في اللحظة التي التفت نحو رفيقه مقررا تكراره بالحاح أكبر ، فوجئ بالباب الصلد يصدر صريرا حادا و يفتح ، ثم بالكونت يتقدم للأمام ساحبا إياه. و عاد جاستن يقول ببعض الغيظ و الحنق : "انتظر ! قل لي من كان ذلك الشخص ؟! لست أرى أو أحس بأي أحد سوانا !" صدرت عن المعني تنهيدة عميقة تطفح بالأسى ، و تريث لحظة قبل أن يجيب : "كان خالي .." "خالك ؟!" هتف جاستن بأشد نبرات العجب و الانشداه ، هل تراه يعبث كما هي عادته ؟! كيف بحق الله يكون ذاك المتكلم خاله ؟! أليس كل أفراد هذه الأسرة أمواتا ؟! عبر إلى ما وراء الباب سارحا ، مشغول البال ، متخبط الأفكار .. هل يعقل أن يكون .. شبحا ؟! أي أن روح خاله الميت ما زالت تسكن أرض القصر ؟! و سرعان ما طرد الفكرة الأخيرة من رأسه بنفور و عدم تصديق كامل ، فلم تكن الأشباح - و الخرافات عموما - موضع قبول أو اعتراف بالنسبة له ، و لطالما أبدى سخريته و استخفافه بكل من يولي أمرها أي اهتمام. بعد فترة غير طويلة من المشي الصامت عاد يتحدث : "ماذا تعني بأنه خالك ؟! كيف يتكلم إن كان ميتا ؟! هل تحاول السخرية مني ؟! هي .. مهلا ما الذي تفعله ؟!" فقد ترك آلويس إمساك ذراعه ، و ارتخت قبضته حول ظهره حين انحنى نحو الجهة المعاكسة .. و أنصت جاستن لتلمسات يده على الجدار قبل أن يسطع النور فجأة و يباغت أعينا ألفت الظلمة. بصورة تلقائية أحاط جاستن عينيه بكفه ، و كان أول سؤال تبادر إلى ذهنه هو : "ألم .. تفصل خطوط الكهرباء عن القصر ؟!" "بلى.. " و أخذ يزيح أصابعه ببطء تدريجي عن وجهه و هو يقول : "إذن .. فهذه الغرفة تستخدم مولدا خاصا ؟!" "صحيح .. " و بعد مدة وجيزة من تعريض بصره للنور أصبح قادرا على فتح عينيه جيدا و رؤية المكان . كان عبارة عن حجرة ، مستطيلة الشكل ، منخفضة السقف ، على الجهة اليمنى كراسٍ دوارة ، و منضدة خشبية طويلة تعلوها ثلاث حواسيب قديمة ، و تجاورها شاشة ضخمة مثبتة على الحائط بإحكام ، أما الجهة المقابلة فقد حوت أدراجا و خزائن مكدسة بالكتب و الملفات ، إضافة إلى طاولة محاطة بأريكتين مكسوتين بجلد أسود ناعم. نحو تينك الاريكتين اتجه آلويس و جاستن . كان الغبار يملأ المكان أرضا و جوا ، و مع كل خطوة يقطعها الشابان تثور موجة ترابية جديدة تعكر الهواء و تدمع العيون. بحذر و رفق أضجع آلويس رفيقه على إحدى الاريكتين بعد أن نفض عنها ما استطاع من الغبار ، ثم استلقى بدوره على الأخرى ، و أغلق عينيه مطلقا تنهيدة طويلة تشي بارتياح عظيم. كان الإرهاق قد بلغ حده و طال كل مفصل في جسده ، و بدا النعاس يتسلل إلى عينيه و يرخي جفونه ، لكنه قاومه بضراوة و دس إصبعيه في أذنه ، و أخرج سماعة إنزو ، و التي بحكم حجمها الصغير و موقعها الأمين لم تتأذ بنار الانفجار و لا بقوة السقطة. و بعد أن تفحصها و تيقن تماما من خلوها من الأضرار ، أعاد تثبيتها في أذنه ، و قال بصوت منهك : "هل تسمعني يا إنزو ؟!" و كرر سؤاله مرة ثانية قبل أن يأتيه الجواب : "نعم أسمعك جيدا .. أخبرني عنك سيدي ! هل أنت بخير ؟! لقد حاول آوتنبورغ و الآخرون الدخول إلى القصر بكل طريقة ممكنة ، لكن النيران سدت كل المداخل !" "أخبرهم بأن ينتظروا حتى يصل رجال الإطفاء ، نحن في مكان آمن الآن ، فلا داعي لأي مجافزة !" "هكذا إذن .. لقد أرحتني فعلا ! مع أني سمعت أغلب ما دار بينكم إلا أن هناك ما لم أفهمه .. مثلا أين أنت الآن بالضبط ؟!" "داخل حجرة سرية !" و بعد أن أطلعه بدقة على كيفية الوصول إليها أضاف : "سيكون عليكم أن تأتوا لإخراجنا بعد أن يخمد الحريق ، فليس بأي منا قوة على الحراك أكثر !" هنا أفلتت من إنزو ضحكة قاهرة أتبعها بقوله : "ما زلت غير قادر على تصديق أن ذلك العدواني الشرس في صفنا ، و أن علينا مد يد العون له !" انتقلت لآلويس عدوى الضحك لكن بسرية ، و همس ناظرا إلى جاستن من طرف خفي : "في صفنا ؟! لا أظنك وفقت في اختيار الوصف . لقد صدف فقط أن اتفقنا على عدو واحد و بعد زوال هذا الخصم لا أظنه سيتريث في مهاجمتي !" "رباه ! و أنا الذي ظننته سيعقل ! في هذه الحالة سيتعين علينا أن نحبسه في زنزانة انفرادية ، و نقيد أطرافه ، و نربط لسانه أيضا ، و هذا أهم جزء كيلا يصدع رؤوسنا بسبابه النتن !" و تبادل مع آلويس ضحكات خفيضة قبل أن يقطع الاتصال ، أما جاستن فقد أدار ناظريه نحو رفيقه ، و ضيق عينيه عليه في خليط من الحدة و الارتياب و الحذر ، و كأنما التقطت قرون استشعاره اللامرئية ذبذبات المؤامرة التي تحاك ضده ! تظاهر آلويس بالبراءة و عدم الانتباه . استرخى في مضجعه ، و عاد يغمض عينيه التماسا لغفوة قصيرة تخفف شيئا من حدة أوجاعه ، لكن مرافقه لم يكن ليسمح له بالراحة قبل أن يشبع فضوله بما يريد أن يعرف ، فقال عاقد الحاجبين : "كان ذلك الصوت مجرد تسجيل .. أليس كذلك ؟!" فتح المعني عينيه و تطلع إلى جاستن بهدوء غامض ، ثم هز رأسه أيجابا ، فأردف الآخر مبديا قدرا بسيطا من الامتعاض تجاه نفسه : "لم أضع هذا الاحتمال في بالي أول الأمر ، فالكهرباء حسبما رأيت كانت و ما تزال مقطوعة عن القصر ، لكن كان يجدر بي أن أتوقع وجود مولد احتياطي .. " أضاف عبارته الأخيرة ، و مط شفتيه في استياء ، و إحساس مزعج بالهزيمة يتملكه. و بعد لحظة عاد يقول في شك : "عندما قلت أنه خالك. .. هل قصدت والد وليام ؟!" و لم يتمالك آلويس نفسه من الابتسام و هو يجيب : "نعم .. إنه أبوه . نحن أقارب كما تعرف !" فانكمشت قسمات جاستن ، و تجعد أنفه في اشمئزاز و كراهية و هو يقول : "لا أعجب لذلك ، كان في مقدوري الإحساس بصلة قرابة بينكما ، فكلاكما يحمل الدم الكريه نفسه ، و يماثل الآخر في الطباع البغيضة !" فأضاف الآخر محادثا نفسه : (و كلانا أهان كبرياءك الغالي !) ، و ضحك في سره ، إذ لم تكن به طاقة لخلق شجار متعب مع رفيقه الشرس ، سريع الثوران. ****** استقبل الجميع خبر موت مورفان بفرح تعجز الكلمات عن وصفه . رقص غلبيرت ، سيباستيان ، روجر ، روبين ، و إلسا رغم مرضها و العديد من العقارب فرحا ، و قام آليكسي و لأول مرة في حياته بدعوة الجميع لتناول الكعك على حسابه الخاص احتفالا بهذه المناسبة .. و لو أنه اكتشف بعد ذلك أنه نسي محفظته في المنزل فاضطر سيباستيان للدفع كالعادة. و كان من أكثر الناس ارتياحا و اطمئنانا لنصر العقارب هم القادة الأربعة المنشقين عن المنظمة ، فذلك الفوز يضمن لهم الأمان و الحرية و نجاة مؤكدة من شرور مورفان و أتباعه. لكن يقينا لم يضاهي أحد إيلينا شقيقة مورفان في انشراحها لهذا الخبر ، إذ بكت بحرارة و كاد يغشى عليها من فرط السعادة. و بحكم وجود وليام آيون قريبا من العقارب ، فقد وصله الخبر بأسرع ما يكون ، و أغدق عليه بهجة و سرورا عظيمين جعلاه يستبشر خيرا بالمستقبل الذي ينتظره و أخته. ****** قال إيريك : "لا أصدق أننا انتصرنا أخيرا و قضينا على مورفان !" كان ينسق ورود النرجس البيضاء في الزهرية الصغيرة و ابتسامة مفعمة بسرور غير مألوف تتراقص على أطراف شفتيه. قال إنزو ببهجة مماثلة : "أجل أظنني سأظل أحتفل بهذا النصر إلى آخر عمري !" ابتسم الكونت دون تعليق ، و عاد يطالع الكتاب الذي يستقر بين راحتيه . مضى على نصرهم يوم واحد لا غير ، مع ذلك يشعر - و كذلك جميع من حوله - أن دهورا مرت عليه ، كما لو كانوا لم يخسروا يوما ، و كما لو كان مورفان لم يوجد قط. أطلق إنزو فجأة ضحكة انحنى لها ظهره ، و حالما تمالك نفسه قال مخاطبا الكونت : "ليتك رأيت آوتنبورغ قبل دخوله الحجرة السرية ! كان يحسب ذاك الصوت المسجل عائدا لمورفان ، فصار يدور حوله نفسه و يصيح "أين أنت أيها الجبان اللعين ؟! أظهر نفسك إن كنت تجرؤ !" و ظل على هذه الحال عشر دقائق قبل أن يقتنع أخيرا أنه مجرد تسجيل !" و عاد يضحك و هذه المرة شاركه إيريك من أعماق قلبه ، في حين اكتفى الكونت بقهقهة صامتة ، ثم قال بشيء من الجدية : "آمل أنكم دخلتم الممر وحدكم دون أن يراكم أحد !" فتوقف إنزو عن الضحك و استعاد هدوءه ليجيب : "بالطبع !" و أضاف إيريك مؤكدا : "لقد تأكدنا من خلو المكان كليا قبل أن نفتحه !" "جيد ، لأنه يحتوي أغراضا بالغة القيمة و الأهمية ، و لا أريد أن يعلم عنها أحد من خارج منظمتنا !" هز التابعان رأسيهما في طاعة ، و بعد فترة قصيرة من السكوت طرأ على ذهن إنزو سؤال أثار استغرابه ، و لم يتوانى في طرحه على الكونت : "بالمناسبة كيف عرفت بوجود ممر سري في القصر ؟! ألم تكن زيارتك الأولى له ؟!" حينئذ أطبق المعني كتابه . تنهد بعمق ، و أراح رأسه فوق وسادته فيما ارتفعت عيناه إلى السقف. "لا.. لقد زرته مرة من قبل . كان ذلك قبل أحد عشر عاما و تحديدا بعد أسبوع واحد من إعادة لم شملنا . وجدت في نفسي حاجة ماسة لرؤية مسكن عائلتي ، أو بالأحرى ما تبقى منه ، فطلبت من رفاييل أن يصحبني إلى باريس من أجل ذلك .. " لكن عقدة التفكير بين حاجبي إنزو ازدادت حدة و تشابكا ، و إذ غاب عن ذهنه ما يسببه الخوض في هذا الموضوع من غم و أسى لقائده فقد واصل أسئلته : "لكن هذا لا يفسر معرفتك الدقيقة بمكانه و كيفية الدخول إليه . لا أظن من الممكن التوصل إلى كل ذلك بمحض الصدفة !" "لم يكن ذلك ضربا من الحظ بكل تأكيد ، فقد تم إرشادي إليه و إن كان بغير إدراك مني !" "ماذا .. تقصد ؟!" طرح إنزو سؤاله هذه المرة ببعض التردد ، فلم يكن واثقا من أحقيته في طلب المزيد من التفاصيل. لكن الكونت لم يبد امتعاضا أو ضيقا من فضوله ، و بدلا من ذلك اعتلت شفتيه ابتسامة صغيرة يمتزج فيها الحنو و الأسى و هو يجيب : "عندما تعادلت مع خالي إدمون في لعبة الشطرنج في زيارته ما قبل الأخيرة ، قال لي : "الملك لا يحصل على هذه الأهمية المبالغ فيها إلا في هذه اللعبة الوهمية . أياد الجنود هي من ترفع عرشه ، و حين تسقط ينهار ملكه ، و لا يغدو لوجوده قيمة . يد الجندي المقاتلة أثمن من تاج الملك المرصع بالجواهر ، تذكر ذلك جيدا أيها الصغير !" ثم سكت ، و رفع ناظريه إلى تابعيه مترقبا تحليلهما ، غير أن أي منهما لم يبد عليه الفهم ، رفع إنزو حاجبيه و تبادل مع إيريك نظرات التساؤل و العجب قبل أن يرتسم العبوس على وجهه و يقول في يأس : "لم نفهم شيئا .. كيف دلك هذا الكلام على .. " و أجفل حين هتف إيريك بحماس مقاطعا كلامه : "هل يعقل أنه .. يقصد النافورة ؟!" ابتسم الكونت ، و حدق إليه رفيقه مقطب الجبين. "نافورة ؟! عن أي شيء تتكلم ؟!" "إنها النافورة في فناء القصر . أنت لم ترها يا إنزو ، إن في منتصفها تماثيل تصور ملكا إغريقيا محمولا عرشه على أيادي الجنود !" و فغر إنزو فاه في في اندهاش. "جديا !" و التفت الاثنان في ترقب نحو الكونت الذي جاء كلامه مؤيدا استنتاج إيريك : "نعم ، صحيح ، و لا شك أنك لاحظت ذلك الجندي الذي يرفع ذراعه و يبسط كفه أمامه في حركة دفاعية !" "أجل .. إنني أتذكره !" فتنهد الكونت و تابع كلامه في تأن و هدوء : "يوم قدمت إلى القصر أول مرة ، وجدت كل ما حولي خرابا ، لم يسلم من الدمار سوى مسرح لونا الصغير و تلك النافورة ، و حين نظرت إلى هذه الأخيرة ، و أبصرت يد الجندي المبوسطة أمامي و قسمات وجهه المغالية في الصلابة و العزم .. بدأت كلمات خالي تنبض في قلبي و تستحوذ على كل تفكيري.. "يد الجندي" ، "يد الجندي " ، "يد الجندي" ثم صرت أتحرك دونما إدراك كما لو كنت مُنوماً ، و أثب فوق النافورة و أدنو من الجندي ، ثم أجمع كفي بكفه أملا في شيئا من قوته و صموده .. و ما كدت أرفع خاصتي حتى أتاني عبر التمثال الحجري صوت حانٍ يقول : ”مرحبا بك في بيتك آلويس !“" لم يكن من داع لوصف حاله عند سماعه هذه العبارة ، و لا الوقوف على ما خلفت في قلبه من مشاعر ، فتلك الدموع التي ترقرقت في عينيه بعد مرور أحد عشر عاما أبلغ في التعبير عن دواخله من كل كلام الدنيا. صمت هنيهة ليسحب عبراته ، و في تلك الأثناء أشاح المنصتان بأعينهما بعيدا عنه . لم تكن بأي منهم لا القائد و لا تابعيه رغبة في رؤية قطرات الألم تلك. و بعدما تمالك نفسه ، و أعاد لعينيه جفافهما الطبيعي و لصوته نبرته الرصينة استأنف حديثه المجرد من العواطف : "إثر قوله ذلك دارت الدائرة الرخامية التي تستقر فوقها التماثيل و لم تتوقف حتى كشفت ممرا مخفيا تحتها . نزلت إليه دون تردد ، فقادني إلى الحجرة السرية .. حيث ترك لي خالي و جدي كل ما أمكنهما جمعه من معلومات عن سامويل مورفان ، و أدلة تدين منظمته و تشهد على المنتسبين إليها ، و كانت تلك أول مرة أعرف فيها عن انتمائي غير المشرف لأسرة مورفان و بُنُوَتي لأب كنت لأفضل كلاب الشوارع القذرة عليه .." ختم كلامه بتنهيدة ثقيلة مغمومة ، ثم أغمض جفنيه ، و غاص في وسادته ، و كاد النوم ينفذ إلى عينيه لولا أن زائرا آخر قد حضر ، فعاد شيء من النشاط يدب فيه. كان غلبيرت ، و قد دخل حاملا معه باقة زهور جميلة . سار بقامته الفارعة نحو الكونت و تبسم قائلا : "مساء الخير سيدي ! آمل أنك تشعر الآن ببعض التحسن !" بادله الكونت الابتسام. "مهما تكن حالتي فهي بكل تأكيد أفضل من ليلة أمس !" و عندما هم الوافد الجديد بوضع باقته فوق الطاولة رفع الكونت يده ناهيا ، ثم أشار بسبابته ناحية اليسار و غمز بعينه. فهم غلبيرت - و كذلك الاثنان الاخران - مقصده على الفور ، فاكتسحت الابتسامة وجهه ، و تحرك مبتعدا عن سرير الكونت في اتجاه السرير الآخر قرب النافذة و الذي حجبت ستارة بيضاء صاحبه عن الأنظار. أزاح الستارة و قال بوجه بشوش : "كيف حالك يا جاستن ؟! لقد جئت و أحضرت لك بـ.. " و ما كاد يتم عبارته حتى باغته المريض - أو من يفترض أن يكون كذلك - بعلبة مناديل أصابت منتصف جبهته. "اغرب عن وجهي أيها الغبي أنت و زهورك النتنة !" زمجر جاستن في شراسة ، و أوشك أن يرمي زائره بالزهرية الخزفية ، لو لم يقفز و يتراجع في الوقت المناسب. و عاد إلى أصحابه و هو يقول متقطع الأنفاس : "يا إلهي ! ما زال هذا الكلب مسعورا !" ضحك إنزو ملء فمه ، و كذلك فعل إيريك ، و شاركهما غلبيرت ، أما آلويس فلم يكن يضحك . كان إحساسه أكبر و أهم من مجرد ضحكة ، فها هو الآن قد حقق راحته المتمثلة في إغاظة جاستن و أصبح في ميسوره النوم مطمئن البال. |
#313
| |||
| |||
اقتباس:
اقتباس:
العفووووو يا الغالية من دواعي سرووووووري و فرحتي أنك استمتعت إن شاء الله دووووم حب4 (:6 جزاك الله كل خير اقتباس:
أنت الأحلى و الأروع غاليتي أشكرك من كل قلبي أسعدني ردك حقا حقا حب3 كل الود لك |
#314
| ||
| ||
السلام عليكم عزيزتي mygrace أسفة أسفة أسفة أسفة أسفة جدا على التأخير كانت انقطاعات الإنترنت مشكلة حقيقية 😤😤😤😤 المهم البارت 59 جميل فقد كانت ماضي جاستن أليمة لقد أحس بانه منبوذ من أغلى شئ و هي العائلة رغم هذا صمد و قرر الانتقام كان ذكيا بحق كنت أحس بالشفقة اتجاهه لكن فيما بعد عندما بدأ انتقاماته نسي هدفه و صار عديم الرحة الرحمة بقتله الأبرياء في ذلك لو كان أمامي لاوسعته ضربا ليحس بمعاناة الناس 😇😇😇 و الآن نرجع للبارت 60 كان مضحكا و استفزازيا بشكل كبير و هذا بالطبع بوجود آلويس فقد أعجبتني سخريته المتواصلة لجاستن و استمتاعه بغضبه ههههه هذا الآلويس شرير حقاً😈 وخاصة عندما كانوا في قبو القصر و صُدر صوت تسجيلي لادمون حقاً ههههههههه أحيانا أشك بان جاستن كان في المستوى السادس و بالنسبة للبارت 61 كان رائعا و مليئا بالبهجة و الفرح بسبب موت مورفان لكن فيه رشة من الحزن بسبب ذكر الكونت قصة القبو كانت على وشك نزول دمعة على خدي مسكين ألويس😢😢😢 و عند دخول غيلبيرت تبدد الحزن بفضل جاستن فحقا مازال مسعورا هههههه مثال رائع هههه 😀😀😀😄😄 و في الاخير ارجوا لك التوفيق لكن كم بقي من بارت فانا لا استطيع الصبر و كذلك بسبب المدارس اوووووف كم اكره هذه الكلمة مع السلامة |
#315
| ||
| ||
اقتباس:
تسلمييييي جميلتي بقي أربع فصول ، سأنشر اثنين اليوم و اثنين غدا إن شاء الله (:6 هههههههههه إي و الله كلمة تجيب الكآبة xd في رعاية الله |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |