أغمضت عينيها بحقد و هي تجلس على العشب بجانبه ..و لسبب تجهله انصاعت لطلبه و هذا ما زاد غيضها .
بما أرادت معرفة القليل عنه و ما يفكر به ، فبالنسبة لها هو غامض كثيرا و صريح بزيادة و وقح جدا ..! قاطع تفكيرها صوته بنبرته المعتادة و درجة البرود نفسها "صريح جدا و ربما هذه وقاحة ..صحيح !"
التفتت اليه مصدومة تحدق بوجهه عله يحمل تعبيرا مختلفا ..و لكن ملامحه الجميله لم تظهر أي تعبير غير الهدوء و ربما استشعار للسكينة فوق هذا العشب و مع هذا الهواء العليل النقي . لقد خيل لها أنه قرأ جزءا من أفكارها للتو ، ربما قد توهمت ما سمعته فقط!!
و لكنه واصل بنفس الوضعية ليثبت لها انها سمعت بشكل صحيح ما قاله "أ ليست الصراحة أفضل ؟! ..ما حاجتك بشخص في قلبه عكس ما يظهره ! يرتدي ألف قناع ليرضيك و يكون كما تريد ! يوهمك بأشياء فتصدقه و تظن انه على حق ، في حين أنك على خطأ " > فتح عينيه الذهبيتين ليقابل عينيها الزمرديتين مع ابتسامة ساخرة قد زينت شفتيه "أ لن يكون كل شيء خاطئا و مبنيا على كذبة - المسايرة !"
مع كل كلمة كا يقولها يزداد مدى غموض هذا الذي أمامها بالنسبة لها ! كل ماقاله صحيح بشكل مؤلم ، انه بالتأكيد ليس كأي كلام يصدر من شفتي فتى في السادس عشرة من العمر..! صحيح أنها أكبر منه بسنة و لكنها لم تكن لتقوى على قول مثل هذا الكلام صحة و صدقا و عمقا ..!
لو كانت تستطيع التحدث فقط لسايرته في الحديث لعلها تكتشف جانبا منه ..معضلة خلقتها لها عدم مقدرتها على الكلام..! أنزلت رأسها بهدوء و هي تعاود النظر الى الامام ..الى الفراغ ..الى اي مكان غير عينيه..!
صوت عجلات السيارة التي دخلت القصر أجبرتها على الوقوف و الذهاب الى حيث البوابة الأمامية للقصر ، ألقت عليه نظرة قصيرة و هي تستدير الى مقصدها .. كان ذلك ايريك و جيسيكا التي كانت تبتسم على تذمر ايريك المزعج بالنسبة لها و قد اتسعت ابتسامتها فور رؤيتها لسيلا التي تقبل عليهم ، توقف ايريك على شكواه ملوحا بلطف لها و التي -بدورها- بادلت جيسيكا ابتسامتها و اريك تحيته بيدها !
تناولت العائلة - التي ازداد عدد افرادها واحدا - العشاء و ايريك يناقش مواضيع مختلفة مع والدته بتدخلات بسيطة من إليان وقت ما شاء و بالطريقة الهادئة الباردة و الثقة التي لا تليق بمن هم بعمره ..! عائلة لطيفة افرادها ذوات شخصيات متفاوتتة قد حوت سيلا ... هي لم تتوقع أن يكون الأمر بهذه البساطة للانسجام معهم..!
ربما كان قرارا صائبا بالفعل ..! جيسيكا لم تقصر ابدا و كانت خير مثال على تحمل المسؤولية ايريك.. رغم انها لم تتحدث معه منذ قدومها ..الا انه وسيم و لطيف و مرح أيضا
أما إليان فهو اللغز الذي بات يشكل صندوقا مغلقا تبحث عن مفتاحه لشغل وقتها .. و أيضا رغبة داخلية تحفزها على اكتشاف قليل منه .. فعندها ستحقق انتقامها منه بطريقتها الخاصة .. لقد ازعجها صباحا بسبب تلك الابتسامة ..! نطقت جسيكا منهية بذلك افكار سيلا "لقد جهزت غرفتك سيلا، انها عند الرواق الثاني على اليسار "
أومأت سيلا و نهظت متجهة الى غرفتها الجديدة ..وصلت حيث أخبرتها جيسيكا و ألقت نظرة على غرفة إليان قبل أن تدخل غرفتها ..! انها ليست بعيدة عن غرفتها..! فتحت الباب بترقب و فضول .. كانت غرفة جميلة أنثوية بلون أسود مع الوردي القاتم ، رغم انها ليست ممن يحبون الوردي كونه أصبح كموضة الفتيات ، إلا أنه راقها فهو ليس ذلك الوردي الفاتح المزعج بالنسبة لها ..!
أما الأسود فهو ما كانت تبحث عنه ..انها تعشق هذا اللون ، ربما يعكس ما أصبحت عليه ! و هو أيضا جزء من اسم فرقتها السابقة ..فهي لسبب أو لآخر لم تعد تحب الألوان ، فلا شيء أصبح جميلا في نظرها..! تتظاهر أنها بخير ، و لكنها عكس ذلك .. انها بحاجة لشخص يفهمها من غير البوح بما في داخلها ..فهي لا تستطبع ذلك أصلا ..!
خطت بضع خطوات للداخل لتتوقف أمام سريرها اﻻسود ذو الغطاء الوردي القاتم الذي حوى نقوشا سوداء مشابهة لما في الجدار و طاولة الزينة و الخزانة ..! سجاد منعزل قليلا أحيطت به بضع أرائك مقابلا للتلفاز الأسود ، توسطتهم طاولة خشبية جميلة ..!
ألقت نظرة على النافذة ذات الزجاج ذو الاطلالة الجميلة ، انسدل عليه ستارين اولهم حريري بحواف مزخرفة بنفس وردي السرير..! و الثاني عبارة عن قماش شفاف به ثقوب خفيفة مشكلة منظرا جميلا ..! كانت الحديقة الخلفية للقصر هي المنظر الذي تتطل عليه النافذه ..! ابتعدت عن للنافذة متجهة الى ذلك الحمام لتأخذ قسطا من الراحة و الانتعاش تحت مائه الدافئ ..!
انهت بسرعة حمامها الملكي و أخرجت ثوبا يصل الى منتصف فخذها ذو قماش قطني ناعم و طفولي -كباقي اثواب نومها- مرسوم عليه احدى شخصيات الرسوم المتحركة المعروفة ..! جففت شعرها و رفعته الى الأعلى على غير العادة .. بحثت عن مشبك شعرها الذي استعملته أمس فهو ذكرى من شخص غال جدا عل قلبها ، و لكنها لم تجده..! لم تكن تنوي استخدامه بل القاء نظرة عليه فقط كما تفعل كل ليلة ..!
تذكرت مكانه بعد مدة من التفكير و التوتر الذي سيطر عليها اثر ظنها انها فقدته ..! انه في غرفة إليان ..نزعته امس قبل نومها و نسته هناك ..! تنهدت بانزعاج لأنها مجبرة على الخروج من غرفتها فهي متعبة تريد النوم ، خرجت مرغمة متجهة الى غرفته ..طرقت الباب بهدوء مرتين و لكنه لم يرد ، لذا فتحت الباب ظنا منها أنه ليس في غرفته ..!
دخلت قاصدة المكان الذي وضعت فيه المشبك ليلية أمس ، ابتسمت بسعادة عندما وجدته على الطاولة بجانب السرير . و لكن صوته المستغرب قد قطع عليها سعادتها "آه ، هذه انت ؟! مذا تفعلين هنا ؟"
التفتت اليه مصدومة لتجده يجفف شعره بواسطة المنشفة التي بيده و هو يخرج كتابا من رف مكتبته التي حوت كتبا عديدة مختلفة المجالات ..! وجه عينيه الذهبيتين إليها في لحظة ذهول منها لذا استقامت في وقفتها محاولة التظاهر بالثقة .. ابتسم بهدوء رافعا حاجبه باستفسار مما أربكها ، نظر الى ما تحمله لذا استنتج انه سبب مجيئها ..!
تقدم ناحية السرير و جلس بالقرب من مكان وقوفها "يمكنك الجلوس .. لا تبقي واقفة هكذا فهـ.." لم تدعه يكمل -لأنها كانت تعلم أن تتمة الجملة ستكون مثل ما قاله في الحديقة - بل اتجهت الى مكتبته لتخرج كتابا أيضا .. نظرت الى العناوين علها تجد ما يستهويها ، و لكن جميعها كانت ذات عناوين لم تفهمها ، فكيف ستفهم محتواها .. ؟!
وجدت أخيرا كتابا معقولا ، و كان عبارة عن قصة طفولية تعجبت لوجودها مع هذا النوع من الكتب ..! نظر إليها باستغراب و لتغير ملامحها الجميلة من انزعاج الى ملل و هي تقرأ العناوين ، أعاد بصره الى الكتاب الذي بين يديه و انغمس في قراءته!
قطع هذا الاندماج جلوسها بجانبه و هي تحمل الكتاب الذي اختارته ، شده فضوله لمعرفة نوعه و لكن الغلاف كان كفيلا بايصال عنوانه الى ذهنه ، فهو لطالما أحب هذه القصة عندما كان صغيرا فقد حفضها عن ظهر قلب ..! ضحكته المستهزئة منعتها من بدأ القراءة ، بل نظرت اليه بغضب مستفسرة عن سبب ضحكه ..!
"الرحمة! ، هل هذه قصة تقرأها فتاة في الرابعة عشر؟! " نظرت اليه بغباء مما دفعه للتوقف عن الضحك و عقد حاجبيه بشك "مذا الآن؟"
ابتسمت بحقد و قالت محركة شفتيها "أنا في السابعة عشر يا هذا .."و أخرجت لسانها بطفولية لتغيضه ..! نظر إليها بصدمة "هل أنت جادة ؟! ، و لكنك تبدين قزمة ..! "
في تلك اللحظة و جراء قوله 'قزمة' امتلكت جرأة غريبة لترفع يدها و تشد خده بحقد.! ، أصدر تأوها ..دليلا على ألمه ! لتبعد سيلا يدها بسرعة منتبهة لما أقدمت عليه ..! نظرت اليه بأسف ممزوج بندم ، في حين بادلها نظرات بطرف عينيه ليقول باستهزاء و هو يغمض عينيه "لقد خدعت ! ان يدك هذه لن تقوى على ايذاء نملة ، فهي صغيرة و ناعمة و ضعيفة !"
ألا يعرف هذا غير التحدث باستهزاء او برود ، غير الضحك باستهزاء او استخفاف ..!؟ " سحقا لك" هذا ما حركت به شفتيها بغضب و لكنه فاجأها بوضع يده على وجنتها مما جعلها ترفع بصرها اليه بتردد و قد شعرت بتورد وجنتيها فوق توردهما الطبيعي ..!
ابتسم بشر ليشد وجنتها هو الآخر ..! أبعدت يده بصعوبة و هي تمرر يدها على وجنتها بألم مصطنع فلم يكن قد اراد ذلك لذا تعمد رد الدين بطريقة لطيفة رغم ان الأمر ليس من عادته ..! حملت القصة لتعيدها الى مكانها بغضب حاولت جاهدة اظهاره من خلال عقد حاجبيها الرفيعين ..!وجه بؤبؤ عينيه الذهبيتين اليها ليبتسم باستغراب..! نظرت اليه بطرف عينيها الزمرديتين بشك حاقدو حركت شفتيها الكرزيتين بسرعة"مذا ؟!"
"أنظري الى نفسك في المرآة و ستعرفين ..!" أعادت القصة الى مكانها غير مبالية لكلامه ..، و مرت بجانب المرآة ! لتتذكر ما ترتديه ، ذلك الفستان الطفولي القصير الذي يبرز جمال ساقيها و طفوليتها !
احست بحرج و هي تستدير ناحيته و توتر بسبب عينيه الساحرتين الموجهتين نحوها ..! أسرعت نحو الباب بخطوات رشيقة ..كانت ستغلقة و لكنها أعادت فتحه و أدخلت رأسها فقط مخرجة لسانها بمكر لتغلقه بسرعة بعدها..! ابتعدت و هي تسمعه صوت ضحكته القصيرة التي جعلتها تدرك مدى غباء فعلتها الأخيرة! غطت وجهها بيديها الصغيرتين حرجا .. و هي تتذكر ضحكته قبل قليل ، بطريقة ما قد ادخلت السرور الى قلبها ..!