..( 18 )..
~ يومي ~
نظرت إلى جوليا بخوف حين رأيت الحارس يقوم بأخذها خارجاً ..
صرخت بجزع وبنبرة متوسلة : جوليا لا تغادري أرجوك ، لا أريد أن أُعذب كما عُذبتِ ..
أعلم أن ما أقوم به هو تصرف أناني ، لكني مذهورة وخائفة كثيراً ، لن أتحمل أبداً مثل هذا النوع من التعذيب ..
شعرت بالأمل حين رأيتها قد توقفت في مكانها وبعدها استدارت إلي وقالت مبتسمة : وهل ظننتِ حقاً أنني سأتركك ؟؟ قلت أنني سأحميك يا آنسة يومي و أنا لا أغير كلمتي البتة ..
شعرت بقليل من السكينة بعد كلماتها لكن تأنيب الضمير يقتلني ، كيف لي أن أحتمي خلف فتاة ضعيفة وصغيرة مثل جوليا ؟؟ أنا الأكبر سناً هنا ، إذاً أنا من يجب أن أحميها ، لا العكس ..
سمعت الحارس كيتورا يقول مخاطباً جوليا بإنفعال : هل أنت جادة أيتها الحمقاء ؟؟ ألا زلت مصرة على حمايتها على الرغم من أنك علمت طبيعة التعذيب ؟؟
أجابت جوليا عليه : وما شأنك أنت ؟؟
لم يرد عليها الحارس وأخذ يتمتم بكلمات غاضبة ، كنت أنظر إلى جوليا بقلق ممزوج بالحزن أنا حقيرة فعلاً لقد ورطتها في أمر لا يعنيها ورغم معرفتي بمدى حقارتي إلا أنني أرفض أن تتركني هنا وحيدة ..
فأنا لا أملك الشجاعة الكافية لأتحمل هذا التعذيب كجوليا ..
سمعت جوليا تقول للحارس الأصلع : أعد الخيارات المتاحة أرجوك بشكل مفصل ..
رفع الحارس الأصلع أصبعيه السبابة و الوسطى ، ثم قال : لديك خياران ، الأول أن تغمسي يدك في هذا الزيت والمدة ستكون أربع دقائق تحديداً ، بعدها تخرجين يدك ، الثاني أن تقومي بإمساك جمرة مشتعلة وتبقي محتضنة له في كفك لمدة خمس دقائق ، ماذا ستختارين إذاً ؟؟
وضعت جوليا سبابتها على شفتها السفلي علامة التفكير ، ونحن ننظر إليها بترقب ماذا ستختار ؟؟
بعد ثواني من الصمت قالت مبتسمة : إذاً سأختار الخيار الثالث ..
احتدت ملامح الأصلع وصاح غاضباً : هل تمزحين معنا ؟؟
قال الحارس كيتورا بعده : لربما قصدت بالخيار الثالث الإنسحاب ..
هزت رأسها نافية وقالت : لا لم أقصد ذلك لكن الخيار الثالث هو أن تقوما أنتما بذلك ، ومن ثم سأختار لأرى أيهما أقل ألماً ..
- كفاك عبثاً ، إن لم تريدي الإختيار فسآخذ هذه المرأة و أصنع بها ما شئت ..
هذا ما صاح به الحارس الأصلع ، وبعدها قام بسحبي نحو القدر المليء بالزيت بينما كنت أصرخ مستنجدة جوليا ..
وأخذت أبكي خوفاً ، كان يحاول سحب ذراعي الأيمن ، وأنا أقاومه بكل ما أوتيت من قوة ..
وجهي المذعور قد غرق بدموعي ونظري أصبح ضبابياً ..
بدوت كالمجنونة حقاً ، لكن هذا لا يهم ، الأهم الآن هو أن لا أسمح له بالإمساك بذراعي ، وإلا أصبحت مقلية لا محالة ..
شعرت بأحدهم يجذبني إلى الوراء بقوة ، وبعدها تعالت صرخة الحارس الأصلع ..
مسحت دموعي بكفي بقوة لأستطيع الرؤية جيداً ، وما رأيته أذهلني ..
كان الحارس الأصلع يتلوى ألماً وصراخه قد ملأ المكان ، وكفيه تغطيان وجهه ، ويبدو أن الحارس كيتورا قد سكب الزيت الحار على وجهه ..
تيبست في مكاني بذهول ، ما أراه الآن مفجع حقاً لم أعتد على رؤية منظر كهذا ..
شعرت بيد جوليا تجرني خارجا ، ولم أعد أستطيع تمييز ما يحدث جيداً ، وبقيت في حالة صدمة ..
***
~ كيتورا ~
عندما أمسك الحارس الآخر المرأة المدعوة بيومي ، وحاول سحب يدها لوضعها في الزيت المغلي ، جن جنون جوليا وأخذت تحاول الإفلات مني لمساعدة يومي ..
كنت واثقاً من أنني إذا ما تركتها فقد تُدخل يدها في الزيت مباشرة لإنقاذ تلك المرأة ..
وأنا لا أريدها أن تؤذي نفسها ، لكن هذه الحمقاء لن تهتم بنفسها ..
قلت وأنا أمسكها بإحكام : إسمعيني عندما أفلتك قومي أنت بإنقاذ تلك المرأة وأنا سأتكفل بأمر الحارس .
بعدما انهيت جملتي أفلت يدها لتسرع هي إلى الآنسة يومي وتجذبها نحو حضنها ، لأقوم أن بسكب الزيت الحار على الحارس ..
عندها أخذ الحارس بالصراخ وهو يتلوى على الأرض من الألم ..
قلت مخاطباً جوليا بسرعة : لنخرج من هنا حالاً ..
خرجنا من تلك الغرفة تاركين ذلك الحارس في الخلف ، وكنا نسير في ذلك الممر الضيق ..
كنت أنا في المقدمة وخلفي جوليا التي تجر تلك المرأة المتيبسة في مكانها ..
كنت أركض بسرعة وبين حين وآخر ألتفت للوراء لأرى ما إذا كانت جوليا لا تزال خلفي ..
وعندما وصلت أخيراً إلى الباب المؤدي إلى الخارج ، إستدرت قائلاً : جوليا خلف هذا الباب منزل فخم مليء بالخدم لذا توخي الحذر ، ولنتسلل بخفة ..
سألتني جوليا : أين نحن الآن ؟؟
أجبت عليها وأنا أمسك مقبض الباب : نحن في قبو منزل السيد ..
قبل أن أدير المقبض فُتح الباب من تلقاء نفسه ، ليظهر خلفه وجه سيدي وعلى شفتيه تلك الإبتسامة الساخرة ..
ليقول بعدها وهو يحدق فيني : كما توقعت تماماً ، ستحاول إنقاذ هذه الفتاة المدعوة جوليا ..
جفلت في مكاني وعداد الخطر في ازدياد خصوصاً بعد أن نقل بصره إلى جوليا ..
ترجعت إلى الوراء خوفاً من أن يقوم بإيذائها ، وقع عيني على يده الأيمن لأدرك أنه يحمل مسدساً في كفه ، بلعت ريقي بصعوبة وأنا أشعر بالإختناق لقد أقدمت على شيء جنوني حقاً ..
تمتمت بضعف ونبرة مرتعشة : سيدي أنا لم أقصد .......
بتر عبارتي وهو يصوب مسدسه بإتجاهي قائلاً بحزم : أصمت آيها الخائن ، ألا زلت تريد الإنكار وقد أمسكت بك متلبساً ..
لم يكن هناك خيار أمامي سوى التوسل عله يغفر لي ..
انحنيت راكعاً بإذلال وأنا أقول : سيدي سامحني أرجوك ، أعدك أنني لن أكرر فعلتي ..
صاح سيدي : وهل تظنني سأسامحك على خيانتك لي بمجرد أنك ركعت أمامي ؟؟ لا وألف لا ..
جثوت على ركبتاي أمامه وأقبلت أقبل قدمه فقد يشفق على حالي ويسامحني لا بأس في أن أذل نفسي أمامه من أجل البقاء حياً ، فلو قتلني الآن أختي ستكون وحيدة ومشردة ، وربما قد يقتلها سيدي أيضاً ..
قلت وأنا أنهال على قدمه بالقبلات بصورة مثيرة للشفقة : أرجوك يا سيدي سامحني ، سأوافق على أي أمر تطلبه مني ، حتى لو طلبت مني أن أتصرف ككلب لك ، لكن أبقي على حياتي أرجوك ..
ركلني السيد بعيداً ليتبعها رصاصة استقرت على كتفي الأيسر ، صرخت متألما وأنا أضع يدي مكان الرصاصة والدماء تنزف دون توقف ..
بدأت دموعي بالإنهمار بغزارة وأنا أفكر بأختي الوحيدة شينا ، انتبهت لوجود جوليا بجواري والتي أخذت تقول بغضب موجهة خطابها إلى السيد : أيها السافل لماذا أطلقت النار عليه حتى بعد أن توسل إليك ؟؟
قلت وأنا أحاول دفعها بضعف : ابتعدي أيتها الشيطانة فأنت السبب فيما يحصل لي ..
نظرت إلي جوليا متفاجئة ، لم تعلم أنني منذ حضورها وأنا لا أفكر بأحد سواها ، جذبني هدوئها وصمودها العجيب في وجه المحن ، ولكم أعجبت بروح الفكاهة التي تتحلى بها رغم صعوبة الموقف الذي هي فيه ..
تلك الصفات الفريدة التي كانت تتحلى بها جعلني أرغب حقاً في إنقاذها ، وفي النهاية أدركت أن قلبي قد تعلق بها ، وسرت خلف ما يمليه علي قلبي دون أن أفكر بالعواقب ، والآن حان الوقت لأدفع الثمن ..
طوال حياتي وأنا لم أفكر في الحب فقد كان لدي العديد من المشاكل التي أشغلني عنه ، لكن لم أتوقع ولو للحظة أنني سأقع في الحب مع رهينة ، كم هذا مهين حقاً ..
***
~ جوليا ~
أخذت أتأمل الحارس كيتورا ، وأنا لا أفهم في ماذا يفكر ، لم يكن هناك وقت لأسأله فهناك شيء أهم الآن ..
لمحت الرجل وهو يرفع مسدسه مصوباً على الحارس كيتورا ، ليطلق بعدها رصاصة أخرى استقرت على كتفه الأيمن ..
ذعرت كثيراً وأنا أسمع صرخات الحارس المتألمة ، وفي الوقت ذاته ابتعدت عنه خشية أن يصيبني الرصاص ، لا أريد أن أموت الآن تاركة الآنسة يومي خلفي ..
عندما تراجعت أطلق عدة رصاصات أيضا اصابت عدة مناطق من جسد الحارس كيتورا ..
قلت بصوت مبحوح : توقف يا هذا ، أليس في قلبك أي رحمة ؟؟
أوقف الرجل إطلاق النار ، ونقل ببصره إلي ليقول بإبتسامة عريضة : نعم أنا كذلك ، هل لديك أي مشكلة ؟؟
أغاظني رده كثيراً مع تلك الإبتسامة التي يرسمها على شفتيه ، فجأة قطع نظراتنا صوت سعال الحارس كيتورا ، إلتفت إليه لأراه يسعل دماً ، ويبدو متألماً كثيراً ..
حزنت عليه كثيراً ، منظره وهو ملقى على الأرض وملابسه الغارقة في الدماء ، ووجهه الشاحب وصوت آهاته كل هذا يفطر القلب ..
رأيت الرجل يتقدم نحو الحارس وبعدها رفع قدمه ليضعها على صدر الحارس ويضغط عليه بقوة ، ليصدح صوت صراخه الذي يعبر عن مدى ألمه ..
قال الرجل للحارس وهو يزيد من الضغط على صدره بقدمه القذرة : هذا ما تستحقه لأنك فكرت في خيانتي ..
قال الحارس كيتورا بصعوبة : سيدي ... أرجوك ... لا تؤذي أختي ..
انطلق من ذلك الرجل صوت قهقهة عالية ، ليردف بعد أن هدأ قليلا : ولماذا يجب أن أستمع إليك وأنفذ ما تقوله ؟؟ أنا حر فيما أفعله بها ..
انفجرت البراكين في داخلي ، والغضب قد أعماني ، لم أعد قادرة على السيطرة على نفسي أكثر من هذا ..
تسللت نحوه بخفة لأمسك بيده التي يحمل فيها المسدس وألويها إلى الخلف ، ثم طرحته أرضا بضرب المنطقة الموجودة خلف الركبة لأجعله يفقد توازنه بسهولة ، وبعده جعلته ممدداً على الأرض وكلتا يديه ملويتان إلى الخلف ، وقدمي اليسرى موضوعة على ظهره ..
قلت بنبرة غاضبة : أيها اللعين السافل ، أنت تغضبني كثيراً بتصرفاتك ، سأقتلك هنا لأرتاح منك ..
قال وهو يحاول مقاومتي : اتركيني أيتها اللقيطة ..
سحبت يديه إلى الخلف قليلا وقلت بنبرة تهديدية : لا تتحرك وإلا خلعت كلتا كتفيك ، ابقى ساكناً..
هدأ قليلا بعد ان اطلق تلك الصرخة القصيرة التي عبرت عن ألمه ، أكملت كلامي : اسمعني إن أردت النجاة فأجب على اسئلتي بصراحة ، لماذا قمت بإختطافي أنا والآنسة يومي ؟؟
أجاب بفظاظة : ولماذا قد أخاف من تهديد فتاة صغيرة مثلك ؟؟
جوابه استفزني كثيرا، زدت من سحب يده ليطلق صرخة أعلى من سابقتها ، ثم قلت : هذه الفتاة التي تظن أنها صغيرة ستجبرك على الإجابة ، لكن ليس الآن بعد أن نخرج من هنا ..
قلت هذا بعد أن تذكرت حالة الحارس كيتورا ، التأخير ليس من صالحنا أبداً ، ولكن لأضمن عدم حرية هذا السافل ، ضغطت على ظهره بقدمي وجذبت كلتا يديه بقوة حتى سمعت صوت خلع كتفيه ..
لم آبه إلى صوت صراخه ، الأمر ليس وكأنني عديمة الرحمة ، لكن هذا الرجل يستحق هذا و أكثر ..
ثم أنه وبعد أن خلعت كلتا كتفيه اصبحت مطمئنة من أنه لن يشكل تهديداً لي ، وسأستطيع أخذه كرهينة لأستطيع الخروج من هنا دون أن يقرب مني أحد ..
التقطت المسدس الملقى على الأرض وتفحصته لألاحظ أنه قد بقي رصاصتان فقط ، إذا يجب أن أكون حذرة عند استعماله ، مع أنني أرجو أن لا اضطر إلى إستخدامه أبداً ، ليس لأنني لا أتقن استخدامه ، بل أنا بارعة كثيراً في استخدام الأسلحة وماهرة في التصويب لأن والدي قد علمني هذا مذ أن كنت طفلة ، لكنني لا أحب إيذاء الآخرين أبداً ..
إلتفت إلى الآنسة يومي والتي كانت تحاول إيقاف نزيف الحارس ، قلت لها : آنسة يومي سنغادر المكان ، هل الحارس بخير ؟؟
- لقد فقد الكثير من دمائه ، حالته سيئة للغاية ..
- هل تستطيعين إسناده ومساعدته في المشي ؟؟
- نعم استطيع فأنا معتادة عى هذا ..
بينما كانت الآنسة يومي تقوم بمساعدة الحارس ، أمسكت الرجل من ياقة قميصه وجذبته نحوي بعنف ، سمعته يشتمني بغضب لكنني تجاهلته ..
لاحظت أن الآنسة يومي تعاني كثيراً ، فالحارس لا يستطيع حتى الوقوف على قدميه ، والآنسة يومي لن تستطيع حمله ..
سمعته يقول بصوت ضعيف : لا بأس فلتذهبوا من دوني ، فأنا أشعر أن أجلي قد حان ..
ثم صمت قليلاً ودموعه تسيل بغزارة ، ليكمل بعدها : لكن أرجوكم اعتنوا بأختي شينا جيداً ، فهي ستكون وحيدة بعد موتي ..
قلت محاولة بث الأمل في قلبه : لا تقل هذا فأنت ستنجو بلا شك ، اصبر قليلاً فقط ..
هز رأسه نافياً بضعف وقال بصوت متهدرج : لا أظن ذلك ، لذا لا تنسيا أن تعتنيا ................
توقف فجأة عن الكلام وتهاوى جسده ، خشيت أن يكون قد مات شعرت بالدوار بمجرد التفكير في هذا ..
- لقد توفي الحارس يا جوليا ماذا سنفعل ؟؟
كان هذا صوت يومي التي انتشلني من شرودي ، أغمضت عيناي متألمة لما حصل له ..
أدخلت يدي في شعر الرجل وقلت بغضب وأنا أجر شعره : تبا لك ، أنت السبب في موته ..
سمعته يقول : صحيح أنني قتلته ، ولكنني لم أكن لأفعل ذلك لو أنه لم يفكر بخيانتي ويحاول إنقاذكما ، إذاً فأنتما السبب في موته ..
جثوت على الأرض عندما انتابني صداع فظيع ، أمسكت رأسي بكفاي وأنا أضغط عليهما ، هل أنا السبب حقاً في موت الحارس ؟؟
هززت رأسي محاولة نفي هذا من رأسي ، لا يمكن أن أكون السبب ..
لكن صوت في داخلي يقول ( ها هو ذا شخص آخر قد مات بسببك يا جوليا ، أنت لست سوى شؤم لمن حولك ) ..
ثم اندفع سيل من الذكريات المؤلمة التي حاولت تناسيها لكن عبثاً وأصوات عديدة متزاحمة في رأسي ..
أنت السبب يا جوليا
لقد مات بسببك
أنت من قتلته أيتها اللعينة
رغم أن الآنسة يومي تجلس إلى جواري لكن بدا لي وكأن صوتها بعيييد جداً عني لدرجة أنني لا استطيع تمييز ما تقوله ، وبعدها لم أعد أستطيع رؤية أي شيء ً وسقطت في ظلام دامس ..
***
( في اليوم التالي )
~ سوبارو ~
كنت أنتظر أمام بوابة المدرسة خروج روز ، أرجوأن ينقضي هذا الأسبوع سريعاً ، فأنا أرغب في العودة إلى المدرسة روز تواجه أوامر المختطف وحيدة ، وأنا أريد أن أكون معها ..
انتبهت لوجود طالب في المرحلة الإعدادية من زيه المدرسي يقف أمامي ، ثم قال وهو يحدق فيني طويلاً : تعال معي قليلا ، أريد أن أخبرك شيئاً مهما ..
نظرت إليه بإستغراب ، ماذا يريد مني طالب في الإعدادية ؟؟
قلت بهدوء : وماذا تريد مني ..
قال راسماً على شفتيه إبتسامة غريبة : تعال معي فالأمر سيهمك وأنا واثق من هذا ..
إبتسامته لم ترحني إطلاقاً ولا حتى طريقته في الحديث ، وشعرت بالقلق قليلاً مما سيقوله ..
هل يا تراه قد علم بأمري ؟؟
هززت رأسي نافياً هذه الفكرة ، من المستحيل أن يكتشف من أنا ، ولا أظن أن أحداً بإمكانه إكتشافي ..
تبعته والأفكار تتخبط في عقلي ، وفي النهاية توقفنا عند زقاقة ضيقة ..
قلت محاولا إخفاء توتري : ماذا تريد ؟؟
قال بإبتسامة ماكرة : الموضوع يتعلق بروز ..
شعرت براحة كبيرة عندما قال هذا ، إذاً الموضوع لم يكن متعلقاً بي وإنما بروز ..
لحظة !!
قلت بإستغراب : روز !! ماذا بها روز ..
قال الفتى : دعني أعرفك بنفسي أولاً ، أنا أدعى ماركو وأنا شقيق روز الأصغر ..
بعدها وضع كفه الإيمن في جيب بنطاله وأخرج منه هاتفاً خلوياً ..
قلت متفاجئاً : هذا هو الهاتف الذي أعطيته لروز ..
قال ماركو : نعم أعلم ذلك ، وقد سرقته منها صباح هذا اليوم ..
إذاً لهذا لم تجب علي عندما اتصلت بها ، هذا يفسر الأمر ،لكن ماذا يريد مني ماركو ؟؟ هل يريد إعادة الهاتف إلي ؟؟ أم أن هناك سبباً آخر ؟؟
تابع ماركو حديثه : أخبرني ماهي علاقتك بروز ؟؟ هل أنت حبيبها أم ماذا ؟؟
قلت بهدوء : نحن أصدقاء ..
صمت ماركو لثواني ليقول بعدها : اسمعني يا شبيه المومياء ، إذا كنت مهتم بسلامة أختي فمن الأفضل أن توافق على ما سأقوله الآن ..
قلت بملل : لا وقت لدي لأضيعه معك أيها المزعج ..
كنت سأدير ظهري عائداً إلى بوابة المدرسة ، لكن ما قاله أوقفني : إذا أيجب علي ضربها كما فعلت سابقاً !!
قلت بحدة : ماذا تقصد بكلامك أيها الفتى ؟؟
قال بمكر : قبل عدة أسابيع تعرضت روز لضرب مبرح من قبل أمي وعندما أرهقت أكملت أنا الضرب من بعدها ، لقد كانت الآثار واضحة جدا ، حتى أنني قمت بحرقها قليلاً ..
تذكرت حين كانت روز تضع كمامة تخفي خلفها وجهها ، الآن عرفت لماذا لم تخبرنا عن السبب ..
قلت بغضب : ولماذا قمتم بضربها ؟؟
أجابني بنبرة باردة : لأنها فتاة وقحة وعاقة وأمي تكرهها كثيراً ، لكن إن أردت مني إنقاذ أختي من الضرب فيجب أن تدفع لي اسبوعياً ، وسأقسم أنني لن أدع أمي تقرب منها ..
لم أحبذ فكرة الجدال معه ، لذا قررت الموافقة ، وبعدها اتفقنا على المبلغ الذي يجب أن أعطيه اسبوعياً ..
بعد أن انتهينا من عقد الصفقة قال لي مبتسماً : من كان ليظن أن لدى أختي شخص يحميها ، على العموم لقد قمت بالخيار الصحيح ، سنلتقي هنا كل أسبرع لأستلم النقود ..
قلت بحدة : لإن لمست شعرة من روز فالصفقة ملغية ..
- لا تقلق من المستحيل أن ألغي صفقة رابحة كهذه ، وداعا يا شبيه المومياء ..
غادر ماركو والسعادة بادية على وجهه ، كيف لا وهو سيستلم مني اسبوعياً مبغاً ليس بهين أبداً ، لكن هذا لا يهم المهم هو سلامة روز ..
لم أكن لأظن أن روز تعيش وسط عائلة كتلك ، أم تعامل ابنتها بقسوة وأخ يحرض الأم على ضرب اخته ، إنها حياة صعبة حقاً ..
أصدرت فجأة ضحكة قصيرة وساخرة ، أنا آخر من يجب أن يتفاجأ ، فحياتي معقدة كذلك أكثر منها ربما ..
انتبهت إلى روز الواقفة أمام بوابة المدرسة الرئيسية ، ومن الواضح أنها تبحث عني فهي تتلفت يميناً وشمالاً ..
اقتربت منها قائلاً : روز ماذا حصل اليوم ؟؟
نظرت إلي روز قائلة : لم أجد أي رسالة في درج طاولتي ..
قلت متفاجئاً : إذاً لم يطلب الخاطف أي أمر ، هذا غريب حقا !!
قالت روز : بل هو أمر جيد ..
قلت لها : روز لماذا لم تردي على الهاتف ؟؟ لقد كنت قلقاً عليك كثيراً ..
قالت بإبتسامة متوترة : في الواقع لقد أضعته صباح هذا اليوم أنا آسفة حقاً ..
نظرت في عينيها بعمق وقلت بهدوء : روز هل تذكرين ذلك اليوم الذي أتيت فيه إلى المدرسة ووجهك كان ممتلئ بالكدمات والجروح ، من هو السبب في هذا يا ترى ..
نظرت إلي متفاجئة ، يبدو أنها لم تتوقع أن أسئلها بشأن موضوع قديم ، وبعدها أخذت تشتت أنظارها هنا وهناك ..
قلت متظاهراً بأنني لا أعلم الفاعل : روز تحدثي أرجوك ، فقد يفيدنا هذا ..
قالت وهي ترخي عينها إلى الأرض : لا أظن ذلك ، لذا أرجوك لا تُعد السؤال ..
كنت أرغب حقاً في أن تتحدث معي قليلاً ، وتخرج ما في قلبها ، لا أريدها أن تكبت الحزن والهم ، فهذا سيؤثر عليها بصورة سلبية ..
لكن في الوقت ذاته لا أريد إجبارها ، فلو أرادت أن تفرغ عن ما في داخلها لشكت إلى جوليا ، فهي صديقتها المقربة ..
سرنا معاً على الطريق وكلانا لم ينطق بكلمة ، فجأة وقف أمامنا شاب بشعر أشعث ، يرتدي نظارات ضخمة ودائرية تغطي معظم ملامح وجهه ، ولديه شاربان مضحكان ولحية كثيفة ..
كان ينظر إلينا ويحرك يديه هنا وهناك بطريقة كوميدية ، كانت روز تسخر منه وتحاول المرور لكنه يعترض طريقها ، لفت نظري زيه المدرسي والذي كان مختلفاً عنا ، وينتمي إلى مدرسة مرموقة ..
سمعت روز تقول لي بغضب : سوبارو انظر إلى هذا المهرج السخيف ، إنه لا يسمح لي بالمرور ..
قلت مبتسما : يبدو أنه معجب بك ..
احتقن وجهها وقالت بصوت عاالي : ماذا !!! أشخص كهذا يعرف كيف يعجب بالآخرين ، لا تضحكني أيها الأحمق ..
قام هذا الشخص بسحبنا بعيداً بعد أن جذبت روز أنظار الجميع بصراخها ، وبعدها دخلنا إلى الزقاقة ذاتها التي كنت فيها أنا وماركو ..
قالت روز وهي تحاول إفلات يدها من قبضة يده : دعني أيها المعتوه اتركني ..
تركها الرجل لأقول لها : روز ألم تتعرفي إليه بعد ؟؟
قالت بغرور وهي تشير بسبابتها إلى الشخص الواقف أمامنا بإستصغار : وكيف لي أن أعرف معتوهاً مثله ؟؟ يبدو أنه قد هرب من مستشفى الأمراض العقلية ..
نزع الشاب الشعر المستعار وخلع تلك النظارة الكبيرة ، ويظهر وجه ياماتو الوسيم وهو يقول بإبتسامة : إنه أنا أيتها الحمقاء ..
نظرت إليه روز متفاجئة وقالت : ياماتو !! ولكن لماذا تتنكر بهذالشكل المضحك ؟؟
قال ياماتو وهو ينزع الشاربان المزيفان واللحية : فعلت هذا لأتسلل إلى هنا ..
ثم التفت إلي قائلا : ولكن كيف عرفت أنني ياماتو ؟؟ على الرغم من أن تنكري كان متقناً ، وسائقي لم يعرفني حتى ..
أجبت ببساطة : عرفت هذا فور رؤية زيك المدرسي ..
وأردفت بإستفسار : ولماذا يجب أن تخفي نفسك حتى تحضر إلى هنا ؟؟
قال بنبرة حزينة ممزوجة بقليل من الغضب : أبي منعني من مقابلتكما لذا لم أستطع القدوم يوم أمس ..
ثم صمت قليلا ليكمل بعدها وهو يحتضن روز : روز آسف لأنني لم .......
لم يكمل ماكان سيقوله لأن صوت صراخ روز العالي قاطعه ..
كانت تصرخ بطريقة هستيرية كالتي حصل معها سابقاً ، لتقع أرضاً وهي تتمتم بكلمات متقطعة ..
روز : اتركني ... ساعدوني ... لم أضربه .. لم أقصد فعل ذلك ...
كان ياماتو ينظر إليها بصدمة وهي تلتوي على الأرض ودموعها لم تتوقف عن الهطول ..
انحنيت وأخذت أحاول تهدئتها ، لكن من دون جدوى ..
هي ليست بوعيها ، جذبها ياماتو إلى حضنه وهو يمسح على ظهرها ، ويطمئنها بكلمات رقيقة ، لكن حركته هذه لم يهدئها ، وإنما زاد من رعشتها وصوت بكائها وصراخها ..
ظننت أن ياماتو سيدعها لكنني تفاجأت حين رأيته يزيد من احتضانها ، بعد دقائق هدأت روز واسترخت في أحضان ياماتو ..
نظر ياماتو إليها وقال : لقد فقدت الوعي ..
وقال وهو ينظر إلي : سوبارو هل لديك فكرة عن ما يحصل لها ؟؟
حدقت في وجهها طويلاً لأقول بعدها : لا أعلم ..
ثم أردفت بصوت منخفض : لكنني أعرف شخصاً قد يعلم ما بها ..
ياماتو : هل قلت شيئاً ؟؟
- لا لاشيء لا تشغل بالك ..
حاول ياماتو إيقاظها ، وبعد فترة قصيرة استعادت وعيها وبقينا نحن الثلاثة نتحدث معاً ..
ياماتو : روز أريد أن أعلم ، هل الإشاعة التي تقول أن جوليا قد هربت قد صدر منك ؟؟
طأطأت روز رأسها ولم تقل شيئاً ، لأجيب أنا عليه عوضاً عنها : لقد كانت روز تنفذ أوامر الخاطف ..
ثم أردفت بأستفسار : ولكن من أخبرك بالأمر ؟؟
شعرت بأن سؤالي قد وتره قليلاً ، وكان هذا واضحاً على وجهه ..
في النهاية قال : أمم لقد سمعت من إحدى الفتيات ..
علمت أنه يكذب لكني لم أقل شيئاً بينما أردف وهو ينظر إلى روز : أعلم أن الأمر كان صعباً عليك وخصوصاً أنك كنت وحيدة ..
آشاحت روز بوجهها قائلة : لم أكن بحاجة إليكما في الأصل ..
كانت روز تكابر وهذا واضح كالشمس ، ولكننا لم نعلق عليها ، فالمكابرة جزء لا يتجزأ من شخصيتها ..
قلت بهدوء : روز هل الوصلت الإشاعات إلى مسامع والدي جوليا ؟؟
هزت رأسها نافية وقالت : حتى الآن لا أظن أنهما قد سمعا شيئاً بشأن هذا ، لكن ما هي إلا مسألة وقت حتى يعلموا ..
ياماتو : وهل حصل شيء جديد هذا اليوم ؟؟
أجابت روز : لا لم يحصل أي شيء ، لأن الخاطف لم يرسل أي شيء اليوم ..
- هذا جيد ..
بعدها قررنا العودة إلى منازلنا فلا فائدة من البقاء معاً في هذا الزقاق الضيق ، ووعدنا ياماتو أنه سيأتي لمقابلتنا غداً كذلك ..
عندما كدنا أن نفترق سمعنا روز تقول : صحيح نسيت إخباركما بأمر مهم ..
إلتفت كلانا إليها وقلنا في آن معاً : وما هو ؟؟
قالت روز : سمعت أن الممرضة التي تعمل في مدرستنا قد اختطفت هذا الأسبوع ، فهي لم تأتي إلى المدرسة إلا اليوم الأول من هذا الأسبوع ..
نظر إلي ياماتو وقال وهو مقطب الجبين : هل تظن أن هذا من عمل الخاطف ذاته ؟؟
حركت كفتاي قائلا : لا أعلم ، قد يكون هو وقد لايكون ، ما رأيك أن نتحرى بهذا الشأن ؟؟
- أنا أفكر في ذلك أيضا ..
بعدها افترقنا وكلٌ منا سلك طريقاً مختلفاً عن الآخر ..
أثناء الطريق ، أخرجت هاتفي من جيب بنطالي ، أخذت أتأمل رقم أحدهم ، لم أظن أنني سأحتاج إليه مجدداً ..
زفرت بضيق وضغطت على زر الإتصال ، وبعد دقائق أتاني صوته الساخر : أوه لم أتوقع أن تتصل بي ..
قلت وأنا أحاول التظاهر بالبرود : إسمعني أريد أن تقضرني بعض المال ..
- طبعاً لا مشكلة لدي لكني لن أفعل ..
قلت بغضب : ولماذا ؟؟
-إن أردت المال فعد إلى العمل ..
شددت على قبضتي بغضب ، هذا أسوء خيار لكن لا مجال أمامي سوى إطاعته ..
تمتمت بإستسلام : سأعود لكن لوقت قصير فقط لا تظن أنني سأبقى في ذلك العمل المهين وقتاً طويلاً ..
عندها ارتفعت صوت ضحكاته المنتصرة لأقفل الخط في وجهه وأنا أكاد أنفجر غيظاً ..
أخذت نفساً عميقاً أحاول فيها إستعادة هدوئي ثم أخذت أنظر إلى السماء الملونة بألوان الغروب ،لأتمتم بعدها : نونا هذه المرة سأعود للعمل من أجل شخص آخر غيرك ، أرجو ألا تغضبي مني فأنا مجبر على هذا ..
أغمضت عيناي متألماً ، أنا خائن حقاً ، عندما شعرت بأن دموعي ستخونني وتبدأ بالنزول غطست في النهر ، وأخذت أرش الماء على وجهي ، وقلبي ينزف ألماً من جديد ..
نونا لن أنساك أبداً .. ستظلين في ذاكرتي دائماً وقلبي سيكون ملكك أنت فقط ..
***
~ ياماتو ~
استقليت سيارة أجرة وطلبت منه التوقف أمام البوابة الرئيسية للقصر ..
نزلت من السيارة بعد أن دفعت له ، ما إن رآني الحرس حتى فتح الباب لي ..
دخلت إلى حديقة القصر وأنا خائف قليلاً من ردة فعل والدي ، لا أظن أنه سيتغاضى عن الأمر ، رأيت آلبرت يقف أمامي فور رؤيته لي أدخل القصر ..
تشائمت من رؤيته ، هذا الشخص لا يحمل سوى الأخبار السيئة ، وبالفعل كنت مصيباً فقد سمعته يقول لي : والدك في إنتظارك يا ياماتو ..
قلت بإكتئاب : آلبرت ألا تستطيع أن تخفي أمر عودتي ..
قال بجدية : السيد في إنتظارك ..
زفرت بضيق ، لا فائدة من التحدث مع هذا المزعج ..
صعدت السلالم متوجهاً إلى مكتب والدي ، وقلبي يخفق بقوة من شدة التوتر ..
ماذا سيفعل بي ؟؟ أيمكن أنه سيقتلني ؟؟؟ لا لا أظن أن الأمر سيصل إلى هذا الحد ..
لربما سيصرخ في وجهي قليلاً ، وبعدها يغضب مني لأيام عدة ، ثم سنعود كما نحن ، على الرغم من أن علاقتنا ليست عميقة كثيراً ..
نفضت تلك الأفكار من رأسي عندما وقفت أمام مكتب والدي ..
أخذت نفساً عمييييقاً قبل أن أفتح الباب ، وأطل برأسي قائلا : سمعت أنك تريد رؤيتي ..
رفع أبي رأسه وأخذ ينظر إلي بهدوء ، أهذا ما يُسمى بالهدوء الذي يسبق العاصفة ؟؟
انتفض جسدي عندما ضرب الطاولة بقبضته الضخمة ، ويقف بعدها متوجهاً نحوي بسرعة كالثور الهائج ..
رفع يديه عالياً ليصفعني بكل ما أوتي من قوت، وقال أخيراً بعد صمت : كيف تجرؤ على عصياني ومخالفتي ؟؟
لم أرد عليه ففي النهاية لا أستطيع إخباره بأن صديقتي جوليا مختطفة ، وأن هذه لن تكون المرة الأخيرة التي أعصي فيها أوامره ، لذا فضلت الصمت ..
بينما أردف أبي بذات النبرة الغاضبة : إسمعني أمامك عشر دقائق لتجمع أغراضك المهمة وتغادر المنزل ، فأنا لا أريد رؤيتك هنا مرة أخرى ..
نظرت إليه متفاجئاً ، لم أصدق ما سمعته ، هل قام أبي بطردي من المنزل ؟؟ هل هو جاد ؟؟
قلت وأنا مشوش الذهن و على شفتاي إبتسامة بلهاء : هلّا أعدت ما قلته ؟؟
أجابني بحدة : قلت اجمع أغراضك واخرج من المنزل حالاً ، فأنا أكره أن يتم عصيان أوامري ..
قلت بتوتر : لكن ، ماذا عن المدرسة ؟؟ هل ستحرمني منها أيضاً ؟؟
قال بهدوء : كنت سأفعل هذا بسبب عصيانك ، لكنك إبني الوحيد وأنت من سيخلفني من بعدي ، لذا يجب عليك أن تدرس جيداً ، لكن عليك أن تبحث عن مكان تأوي فيه ، وطريقة لتكسب بها قوت يومك ، فأنا لن أعطيك قرشاً واحداً ..
ثم أكمل وعلى شفتيه إبتسامة ساخرة : فلتدع أصدقائك الحمقى يساعدونك بما أنهم السبب في عقوبتك ..
نظرت إليه بغضب ، لكنني لم أقل شيئاً ، لا فائدة من الإعتراض عليه ، كل ما يجب علي فعله هو الإنصياع لأوامره ، هذا هو خياري الوحيد وإلا زاد أبي من العقاب ..
جمعت حاجياتي الضرورية في حقيبة سفر متوسطة الحجم ، ونزلت إلى الأسفل وأنا أرى الخادمات ينظرن إلي بعينين حزينتين ..
قلت مبتسماً وأنا أخاطب الخادمات المتجمعات جميعاً أمامي : ماذا تفعلن هنا. ؟؟ هل جميعكن هنا لتوديعي ؟؟
تقدمت مدبرة المنزل التي تبلغ الأربعين من العمر ،وقالت وهي تمسح دموعها : سيدي الصغير جميع الخادمات سيشتقن إليك كثيراً ، وأنا أولهن ..
ضحكت بمرح قائلاً : سيدة ماكوندا لا تتصرفي وكأنني سأغادر البلاد ، سأعود لذا لا تقلقوا جميعاً ..
أخذت السيدة ماكوندا تلقي محاضرة طويلة عن الأمور التي يجب علي فعلها، والأمور التي لا يجب علي فعلها ، وتوصيني بأمور عدة ومتنوعة ..
السيدة ماكوندا كانت مدبرة المنزل مذ أن كنت طفلاً ، وكانت تعتني بي جيداً ، لذا أنا أحترمها كثيراً ..
ودعتهم جميعاً وخرجت من القصر لأجد الحراس والسائق يودعونني كذلك ، وقد كان الحارس يعتذر كثيراً ظناً من أنه السبب في طردي ..
أخبرتهم أنني سأعود حالما يهدأ أبي قليلا ، لذا لا داعي للقلق ..
بعدها خرجت من البوابة الرئيسية ، وأنا لا أعلم أين يجب أن أذهب ..
لقد سعدت كثيراً عندما رأيت الجميع يودعني ، شعرت بأنهم كالعائلة لي ، أنا أحبهم كثيراً ، وممتن لهم على خدمتهم وإعتنائهم بي ..
لكن هناك شخص واحد لم أره ، إنه رئيس الخدم آلبرت ..
هو الوحيد الذي شعرت بأنه يبغضني كثيراً ، رغم محاولاتي في تكوين صداقة معه ، عدم رؤيتي له اليوم يؤكد لي هذا ..
زفرت بضيق وأنا أنظر إلى الطريق بضياع ، إلى أين يجب أن أتوجه الآن ؟؟
فجأة سمعت صوتاً من خلفي يقول : تعال معي ..
^^ نهاية الجزء ^^