12-24-2016, 02:27 PM
|
|
33
بعد مرور ثلاثة أيام
~ سايو ~
واقفة وسط مجموعة من الأطفال ، وأنا هنا كمتطوعة في رعاية أطفال الحضانة ..
كانت أنظاري مصوبة نحو التوأم الجالسين وحدهما على المقعد الخشبي في حديقة الحضانة ، وبريق الحزن يلمع في عينيهما ، وعلى الرغم من الألعاب التي تملأ المكان إلا أنهما لم يلعبا كما البقية ..
نظرت إلى معلمتهم التي تلاعب الأطفال وقلت بإستغراب : لو سمحت لدي سؤال ..
نظرت إلي معلمة الحضانة وقالت بإستغراب : ماذا هناك ؟؟
قلت وأنا أشير إلى الطفلين متسائلة : هذان التوأم يتصرفان بغرابة ، هل هما هادئان هكذا دوماً ؟؟
إبتسمت المعلمة وقالت : نعم هما هكذا منذ زمن ، لذا لا تشغلي بالك بأمرهما ..
لم يعجبني جوابها لذا قررت سؤالهما بنفسي ، لكن ليس الآن ، بعد أن تنشغل مع الأطفال سأحادثهما على انفراد ..
كل ما أفعله هو أوامر روك ، وبما أنني مساعدته فكان من الواجب أن أنفذ هذه المهمة بحذافيرها ..
عندما انشغلت المعلمة مع الأطفال استغليت الفرصة واقتربت من التوأم اللذان وفور أن رأياني أقترب منهما حتى التصقا ببعضهما بخوف ..
إبتسمت لهما إبتسامة مطمئنة وقلت هامسة : لا تقلقا يا عزيزاي لن أفعل شيئاً سيئاً لكما ..
كلماتي لم تزدهما إلا خوفاً ، ولذا كان يجب أن أغريهما بشيء يحبانه ، أخرجت شوكولاة كنت قد أعددتها سابقاً ، وناولتها لهما ، لكنهما لم يأخذاها ..
أدركت أنني سأجد صعوبة في التحدث معهما ، فهما يبدوان خائفين بشكل غريب ..
جلست أمامهما وأنزلت بجسدي لأصل إلى مستواهما وقلت : لماذا أنتما خائفان مني ؟؟
لم يجيباني وظلا صامتين ، قلت وأنا أنظر إلى الصغيرة التي تربط شعرها بشكل عشوائي : شعرك جميل من سرحه لك ؟؟
جملتي هذا جعل الدموع تتجمع في عينيها ، خشيت جداً من أن تبدأ بالبكاء ، فأنا لست بارعة في إسكات الأطفال ..
قلت بقلق : لا تبكي لا تبكي أرجوك ..
لم تفدني هذه الكلمات ، فقد انفجرت الطفلة بالبكاء ، وصوت نواحها مرتفع جداً جعل جميع الأطفال ينظرون إلينا ..
اقتربت المعلمة وقالت وهي ترمقني بنظرات حادة : ماذا كنت تفعلين مع هذين التوأمين ؟؟ ولماذا أبكيت كين يا آنسة سايو ؟؟
وقفت بإرتباك وقلت : لم أقل شيئاً مزعجاً ، هي انفجرت بالبكاء من تلقاء نفسها ..
ثم أنزلت ببصري نحو التوأمين لأجد الطفل يرمق المعلمة بنظرات حادة ويده تطبطب على ظهر أخته التي تخفي وجهها بين أحضانه ، تفاجأت من هذا كثيراً ، فأنا من أبكيت أخته ، إذاً لماذا ينظر إلى المعلمة هكذا ؟؟
قطع سلسلة أفكاري صوت المعلمة التي قالت بصرامة : إبتعدي عن الطفلين وإياك والإقتراب منهما ..
أومأت برأسي وذهبت مبتعدة لكن نظراتي مثبتة عليهما ، كانت المعلمة قد أدخلتهما داخل مبنى الحضانة ، وبقيت أنا خارجاً مع الأطفال ..
شعرت بأحدهم يقذفني بالرمل ، نظرت إلى الفاعل فإذا به ينظر إلي بكره وحاجباه معقودتان ..
صرخ في وجهي بعصبية : لماذا أبكيت كين أيتها العجوز الشمطاء ..
أغاظني كلمة العجوز الشمطاء لكنني تمالكت أعصابي وقلت بإبتسامة مصطنعة : لست أنا من أبكيتها ..
رد بغضب : أنت كاذبة ..
ثم إلتفت إلى مجموعة الأطفال الذين خلفه وقال وهو يشير نحوي : أهجموا عليها جميعاً يا أبطال ..
أخذ الجميع يقذفونني بالرمال من كل الجهات ، لكنها لم تكن لتصل إلى وجهي ..
قلت بهدوء : لماذا أنتم جميعاً غاضبون ؟؟
صاحت طفلة صغيرة وقالت : لماذا تؤذين كيم وكين اللطيفان ؟؟ أنت آنسة شريرة ..
لم أظن أن لهذان التوأم أصدقاء مثلهم ، أي أنهما ذا شعبية وليسا كما قالت المعلمة عنهما ..
سألتهم حينها : هل كانا لا يلعبان هكذا دائماً ؟؟ أم أنهما تغيرا قبل وقت قصير ..
سؤالي أوقفهم عن قذف الرمال نحوي ، وكست وجوههم ملامح الحزن ، ثم تحدث أحدهم : لقد كانا دائماً يشاركاننا في اللعب ، لكنهما تغيرا كثيراً مؤخراً ، أنا أريد لهما أن يعودا إلى ماكانا عليه ..
قلت بثقة : لا تقلقوا أختكم الكبرى ستعيد كيم وكين إلى ماكانا عليه ، لذا ثقوا بي ..
تحدثت إحدى الطفلات : كيف نثق بك وأنت أبكيت كين ؟؟
- ثقي بي أرجوك ، فأنا هنا من أجلهما ..
إستطعت إقناعهم بأنني سأعوض عن ذلك ، ووعدتهم بأن أحضر لهم جميعاً الحلوى في الغد ، شرط أن يتعاونوا معي ..
بعد أن انتهينا من الحديث عادت المعلمة لكن التوأم ليسا معها ، وحين سألتها عنهما قالت بأن المسؤول عنهما قد أخذهما وغادرا الحضانة ..
استغربت من كلامها ، فأنا كنت في الحديقة ولم أرى أحداً يدخل إلى هنا فكيف تقول أنهما قد غادرا ، لم أسألها كثيراً وأنا أدرك أن هذه المعلمة تخفي شيئاً ..
وقد كان من الصواب أن آتي إلى هنا ، روك فعلاً شخص لا يُستهان به ..
*** ~ ياماتو ~
فتحت هاتفي المحمول بعد أن وصلتني رسالة من سوبارو ، كان محتواها [ تعال إلى مدرستي أيها الجبان ، وإياك وتجاهلي كما فعلت في اليومين السابقين ]
محوت الرسالة وأعدت الهاتف إلى مكانه ، لا أستطيع مقابلته بعد الآن ، وعدت أبي بذلك وسأفي بوعدي هذه المرة ، لا أريد أن أتسبب له بالمزيد من المشكلات ، يكفي أنه كاد أن يفقد حياته بسبب كلماتي القاسية ..
وعدته بأن أكون صداقات جديدة مع أشخاص من مدرستي ، لكنني حتى الآن لم أختر صديقاً ، فالجميع لم يروقوا لي ، وليسوا متوافقين مع أفكاري ..
عندما كنت في المشفى كنت متردداً جداً في رؤيته ، فالذنب يقتلني ولا أستطيع النظر إلى وجهه بعد ما فعلته له ..
لكن أبي طلب رؤيتي ، فأصبح الجميع يحاول إقناعي بالدخول إلى الغرفة التي هو فيها ، لكنني لم أستطع ذلك ، وأتعذر بأعذار واهية ..
لكن في اليوم الثاني تم إخباري بأن والدي غاضب مني بشدة ، بعد أن تجاهلته ولم أزره ..
عندها حزمت أمري وذهبت لزيارته ، عندما دخلت كنت أنتظر منه أن يصرخ في وجهي ، لكنه كان هادئاً بشكل غريب ..
أشار إلي بالجلوس إلى جانبه ، وتحدثنا مع بعضنا قليلاً ، وكان ملخص الحديث أنه أمرني بترك أصدقائي وأنا وعدته بأني لن أتحدث إليهم مجدداً ..
وبعدها عادت علاقتنا إلى سابق عهدها ، وسوف يخرج أبي من المشفى اليوم ..
صحيح أن أصدقائي مهمين عندي ، إلا أن طاعة أبي أولى من كل شيء ، أنا أرغب حقاً بمساعدة سوبارو في إنقاذ جوليا وروز ، لكنني لن أستطيع ذلك بعد الوعد الذي قطعته ..
عندما أفكر في الأمر أرى بأن ما يقوم به أبي يصب في مصلحتي ، وهو لا يفعل هذا من أجل أن يغضبني ولا من أجل أن يجلب التعاسة إلى حياتي ، لكنني مع ذلك أشعر بأن طريقته في إسعادي خاطئة ..
لكنني لن أستطيع قول هذا في وجهه ..
شعرت بأحدهم يجلس أمامي ، رفعت رأسي لأجد ميزوكي ينظر إلي بإستغراب ..
قلت بحيرة : لماذا تنظر إلي هكذا ؟؟
قال وهو يضحك : في ماذا كنت تفكر يا ياماتو ، ملامحك كانت تتغير كثيراً ، لقد بدوت مضحكاً ..
إبتسم مجاملة له وقلت : لا شيء ، كنت أفكر في واجب الرياضيات فحسب ..
تكلم ميزوكي بتذمر : معلم الرياضيات شخص بغيض ، لا أعلم لماذا يكلفنا بمجموعة من الواجبات كل يوم ، أتمنى لو يأتي معلم آخر عوضاً عنه ..
كنت أستمع إلى كلماته المتذمرة والتي لا نهاية لها ، على الرغم من أن والده صاحب شركة لصناعة أدوات التجميل إلا أنه يبدو كشخص عادي جداً ، ولم يتفاخر يوماً بمكانة عائلته ، لكن مشكلته الوحيدة أنه زير نساء ، لا يستطيع العيش إلا والفتيات حوله ..
حسناً هو ليس وسيم جداً وملامحه عادية جداً ، لكن أسلوبه هو ما يجذب النساء فيه وروحه المرحة تحببه إلى الناس..
وضع ذراعه حول رقبتي وقال : سمعت أن والدك أصيب بسكتة قلبية كيف حاله الآن ؟؟
إبتسمت بهدوء مجيباً : هو بخير سيغادر المشفى اليوم ..
- هذا جيد ، أخبر والدك أننا سنأتي لزيارته في المنزل هذا اليوم فقد كان أبي منشغلاً في اليومين السابقين لذا لم يستطع زيارته في المشفى ..
- حسناً سأخبره بذلك ..
ابتعد عني عندما أتت فتاة لرؤيته ، الشيء الإيجابي في هذه المدرسة أن الفتيات هنا لا يلتصقن بي كما في المدرسة السابقة ، فهنا الأكثر ثراءً هو الأكثر شهرة بلا شك ، والجمال ليس له دور كبير في الشعبية ..
كل شخص هنا يقيم علاقات زائفة وصداقات مخادعة من أجل سمعتهم مستقبلاً ..
انتهى اليوم المدرسي ، وعدت إلى منزلي وأنا أفكر في سوبارو الذي سينتظرني بلا شك ، ترجلت من السيارة وأخبرت إحدى الخادمات بأن هناك من سيأتي لزيارتنا ، وأخبرتها بأن تخبر أبي بذلك ، ويجهزوا المكان لاستقبال الزوار ..
في الساعة الثامنة والنصف أخبرتني الخادمة أن الضيوف قد أتوا ، وأبي طلب مني النزول لمقابلتهم ..
ارتديت قميصاً مقلماً وبنطال أزرق ، وسرحت شعري جيداً ثم نزلت متوجهاً نحو المجلس ..
وقت دخولي قفز ميزوكي من مكانه وقال بحيوية : مرحباً ياماتو ، منزلك جميل حقاً ..
إلتفت إلي أبي وقال بإستغراب : ياماتو هل أنت وميزوكي صديقان ؟؟
إبتسمت إبتسامة طفيفة وقلت : نحن في الصف نفسه ..
تعرفت على والدته اللطيفة ووالده ، وكانت معهم أخته الكبرى والتي تبلغ العشرين من العمر ،استغربت من عدم رؤيتي لراي ، لكنني لم أسأل عنها ، فعدم وجودها أفضل ..
بينما كان أبي يتحدث مع والدا ميزوكي كنت أنا وميزوكي وأخته نتحدث مع بعضنا عن مواضيع عادية ، وكانت أخت ميزوكي لا تقل مرحاً عن أخيها ..
قضيت وقتاً ممتعاً بصحبتهما حتى أنني لم أشعر بالوقت إلا حين قرروا المغادرة بعد أن قاربت الساعة على الحادية عشرة ..
ودعت العائلة وأنا أشعر بسعادة غريبة ، هذا الشعور مختلف عن شعوري مع سوبارو وروز وجوليا ، لكنه شعور جيد ..
بعد أن غادرت سيارتهم مبتعدة ، سمعت أبي يقول : يبدو أنك استمتعت كثيراً اليوم ..
إلتفت إليه مبتسماً وأجبت : ميزوكي وأخته لطيفان للغاية ..
قال أبي حينها : هل رأيت يا ياماتو أن هناك من هم أفضل من أولئك الحثالة ..
تمتمت بضيق : أبي صحيح أنني و عدتك بتركهم ، إلا أنه لايجب أن تتحدث بسوء عنهم ..
نظر إلي أبي بسخرية دون أن ينطق بشيء ، قلت مغيراً الموضوع : أبي أين هي المعلمة راي ؟؟
- قالت بأنها ستذهب إلى منزل أخيها لإستعادة بعض الذكريات ، يبدو أنها متأثرة بما حصل لساي كثيراً ..
على الرغم من كل ما فعلته ، إلا أنني متعاطف معها قليلاً ، ليس من السهل أن يكون لك أخ في العناية المركزة ..
*** ~ جوليا ~
الشمس قارب على الغروب ، والمكان يصبح أشد ظلمة ودرجة الحرارة تبدأ بالإنخفاض والبرودة تتسلل إلى عظامنا ..
لقد تحسنت حالتي الصحية كثيراً ، فقد كانت تشرف الآنسة يومي على موعد تناول الدواء ، وكانت ترغمني على الأكل معها بحيث تجعل نصيبي من الطعام أكبر من نصيبها ..
حتى الآنسة يومي كانت أحسن حالاً من قبل ، والجروح التي في ظهرها بدأت بالالتئام قليلاً دون أن تتلوث ، فأنا كنت حريصة جداً على مسح ظهرها بالماء بشكل مستمر ..
قارب فصل الشتاء وأنا أحمل هم الآنسة يومي ، كيف سيكون حالنا إذا دخل الشتاء ؟؟ في الوقت الراهن نحن نكاد نتجمد من البرودة على الرغم من أن الشتاء لم يأتي بعد ، ويبدو إننا سنموت برداً فور حلول الشتاء ..
أنا أرتدي كنزة صوفية وبنطالاً قد يدفئني قليلاً ، لكن الآنسة يومي ترتدي ملابس بلا أكمام ، فكلتا أكمام قميصها كانت قد مزقتها من أجلي ، وأنا لا أستطيع تبديل ملابسنا ببعض بحكم أن جسدي أصغر من جسدها بكثير ..
الآنسة يومي لم تكن سمينة ، لكن جسدي هو الضعيف ولذا من المستحيل لها أن ترتدي ملابسي ..
كانت الآنسة يومي جالسة بالقرب من القضبان وهي متقوقعة على نفسها محاولة إدفاء نفسها بنفسها ، والشرود بادٍ عليها ..
بينما أنا أجلس في الجهة المقابلة لها أنظر إليها بهدوء ، دون أن أتفوه بكلمة ، نحن دائماً نظل صامتتين ، فليس هناك موضوع مشترك بيننا ، ووضعنا الحالي لا يسمح لنا بالاستئناس بالأحاديث التي لا معنى لها ..
سمعت صوت صرير الباب فإذا بي ألتفت بسرعة ، ظهر من خلف الباب الرجل الذي أتاني قبل ثلاثة أيام ، وخلفه الرجل المحروق برفقته آخر ضخم الجثة ..
لم أحب أن أبدأ بالكلام ، واكتفيت بتتبعهم ، اقتربوا من القضبان وأمروا الحارس بفتح الباب ، حينها نقلت بصري إلى الآنسة يومي لأجدها ترتعش من الخوف كما كنت أعتقد ..
بما أنني بالقرب من باب الزنزانة ابتعدت عن الباب وتوجهت نحو الآنسة يومي ووقفت أمامها ..
قلت بهدوء : ماذا تريدون منا ؟؟
فُتح الباب ليتقدم الرجل الذي زارني قبلاً ، والذي لازلت أجهل اسمه حتى الآن وقال لي بنبرة باردة : لقد أتينا لنتخلص منك ، فلا داعي لوجودك هنا أكثر ..
سأكون كاذبة إن قلت بأنني لم أتفاجأ ، لكنني حافظت على ملامح وجهي وأبقيتها طبيعية وأنا أقول : ماذا عن الآنسة يومي ؟؟
وقف أمامي مباشرة وأجاب : لم نجد طريقة جيدة للتخلص منها بعد ، لذا ستبقى هنا لمدة أطول ..
بينما كان هو أمامي سار الآخران بجانبي وامسكاني على حين غرة ، وأصبحت بين هذين الضخمين كقطة أسيرة ..
محاولة الهروب منهما لن تكون مجدية ، وسأكون حمقاء إن حاولت ذلك وهو يبدو مستحيلاً ، لذا يجب أن أتصرف بطريقة أكثر تعقلاً ..
تمتمت برزانة : قبل أن تأخذوني إلى أي مكان وتنهوا حياتي أليس بإمكاني طلب أمر بسيط ؟؟
رفع الواقف أمامي حاجبه بإستنكار قائلاً : طلب !! أأنت حمقاء أم ماذا ، لماذا قد نسمح لك بطلب أخير قبل موتك ؟؟
نظرت إلى الأعلى قليلاً بتفكير لأجيب ببساطة : لستم مجبرين ، لكن ربما تشفقون على فتاة مثلي وتنفذوا طلبها الأخير ..
تغيرت ملامح الرجل إلى ملامح منزعجة ، أمسك بفكي السفلي بيديه الضخمتين وقال وهو يصر على أسنانه : أنت لا تعجبينني البتة أيتها الخبيثة ، أدرك أنك تخططين لأمر ما ، لكنني لن أسمح لك بفعل ما يحلو لك ..
أصابعه التي تضغط على فكي آلمتني كثيراً ، لكنني جوليا البارعة في التصنع ، من المستحيل أن أظهر أية تعابير تدل على الألم ، كنت أنظر إليه بعينين بريئتين وكأنني لم أسمع ماقاله ، ويبدو أن حركتي استفزته أكثر ولهذا بدأ يضغط بأقوى من قبل ..
حينها أدركت أنه مختلف عن ساي الذي كان يستمتع ببرودي حتى لو أظهر العكس ، وكانت تصرفاتي تعجبه حتى لو حاول إخفاء هذا ..
لكن هذا الرجل لا يطيق هذا أبداً ، إذاً لا جدوى من التلاعب به كساي ، ويجب أن أتبع أسلوباً آخر ..
إن كنت بارعة في إخفاء تعابير الآلم ، فأنا بارعة كذلك في تزييف الدموع ..
وهذا ما قمت به ، فقد جعلت الدموع تتغرغر في عيني عن قصد ، وأظهرت تعابير تدل على الألم الذي أشعر به ، ما جعله يبتسم بإنتصار ويتركني قائلاً بنبرة تهديديه : إعرفي مكانتك جيداً يا جوليا ..
رمشت مرات عدة لأخفاء الدموع وقلت بجدية : أريد أن أرى أصدقائي للمرة الأخيرة ، وعندها سأموت دون أن أندم على شيء ..
أصدر صوتاً من حنجرته دلالة السخرية ، وأتبعها بقوله : أنت فتاة غريبة حقاً ، ماذا ستستفيدين من مقابلة أصدقائك قبل لحظات من موتك ؟؟ كنت أظن أنك ستطالبين بمقابلة عائلتك ..
لو كان الأمر بيدي لكنت طلبت مقابلة جميع من أسأت لهم لأعتذر إليهم ، لكن هذا يبدو مستحيلاً ، وبما أن هدفهم الحقيقي هما روز وسوبارو فأنا واثقة من أنهم سيقومون بأخذهما كما فعلوا معي ، فهم ليسوا من الأشخاص الذين يقتلون الآخرين بسرعة ، بل يستمتعوا بتعذيبهم قبل ذلك ..
وبما أنه سيتم جلبهما فأنا سأعتذر إليهما عن المشاكل التي سببته لهما ، فأنا واثقة من أنهم عانوا كثيراً حتى لو لم أتتبع أخبارهم ..
أما والداي فلا خوف عليهم ، صحيح أن أمي ضعيفة ولن تتحمل فراقي ، وجودي ستتأثر بهذا كثيراً لكنني أثق بأبي ، وأثقة بأنه سيساعدهما على تجاوز الألم ، فأبي متماسك دائماً حتى في أصعب المواقف ..
- إلى أين شردت أيتها المعتوهة ؟؟
صوت هذا الرجل قطع حبل أفكاري ، لأقول بهدوء : ماذا قلت عن طلبي ؟؟
وضع يده أسفل ذقنه وقال محدثاً نفسه بتفكير : ماذا قد أستفيد من ذلك ؟؟ لا أظن أن هذا سيصب في مصلحتي ..
تحدث الرجل الواقف يميني والذي كان يمسكني : إسمح لي يا يوما بأن أعطيك رأيي ..
قال المدعو يوما : وماهو رأيك ؟؟
- سيكون من الأفضل إبقائها حية ، وسيتم قتلها أمام عيني صديقيها ، فهذا سيؤثر على حالتهم النفسية كثيراً ، وسيبدو الأمر ممتعاً ..
إتسعت حينها إبتسامة يوما الذي صاح بسعادة : أنت محق فعلاً ، حسناً دعاها الآن ..
تركاني في حين أكمل ساي : تمتعي بلحظاتك الأخيرة يا جوليا ، صديقيك سيتم إحضارهما غداً بما أن الرقابة على سوبارو قد ألغيت ..
سألت بفضول : ولماذا كانت الشرطة تراقب سوبارو ؟؟
- لقد حصل العديد من الأمور لروز وسوبارو ، وتستطيعين سؤالهما عن ذلك في الغد ..
غادر المكان وأنا تمنيت لو أنه أشبع فضولي قليلاً ، أنا قلقة كثيراً بشأن روز ، فهي لن تتحمل ما قد يحصل لها ..
أشعر بالألم حقاً بمجرد التفكير في أن الغد سيكون اليوم الأخير لي ، الخوف من الموت يتملكني من الآن ، صحيح أنني أتظاهر بالقوة إلا أنني خائفة كثيراً ..
أنا مستعدة للموت في أي وقت لكنني أخشى تلك اللحظة ، لكنني أدرك أنني لو مت فسأكون حينها سعيدة لأن هذا ما يجب أن يحصل منذ زمن ، ولوريوس سيكون سعيداً بهذا بما أنني سبب موت أخيه شيبا ..
شعرت بأحدهم يحاوطني بين ذراعيه ، وتلك لم تكن سوى الآنسة يومي التي قالت بصوت مرتعش : لا بأس إن بكيت يا جوليا وأظهرت خوفك ، أنا لن أعايرك إطلاقاً ، لذا أرجوك أخرجي كل ما في قلبك ..
إبتسمت بهدوء متمتمة : لا بأس يا آنسة يومي ، لست خائفة إطلاقاً ..
ابتعدت عني الآنسة يومي وقالت بعد أن غطى الدموع وجهها تماماً : توقفي عن المكابرة يا جوليا أرجوك ، أنت لم تذرفي دمعة واحدة منذ قدومك إلى هنا ، لا تكبتي مشاعرك أرجوك ، أصرخي ابكي اغضبي لكن لا تكوني هادئة هكذا ..
أدرك أنها تقول هذا لأنها هي الأخرى خائفة ، فموعد موتي قد اقترب وهذا يعني أن دورها لن يكون بعيداً ، إذاً أنا من يجب أن أهدئها قبل أن أغادر العالم ..
جذبتها إلى حضني وأنا أهمس برقة : الموت سيكون مصيرنا جميعاً سواءً أكان الآن أم لاحقاً ، هو سيلاحقنا دائماً لذا لا جدوى من الإرتعاب بشأنه ، فهو قادم لا محالة ، ويجب أن نتقبل هذا الأمر بشجاعة ..
لا أعلم حقاً ما سر هذه الترهات التي تفوهت بها ، لذا فضلت الصمت واكتفيت بإحتوائها بكل حنان ، لتبدأ هي بالنفجار بالبكاء ، وأنا أحاول التماسك من أجلها ..
*** ~ سوبارو ~
لم تعد الشرطة تلاحقني منذ أمس ، فأنا تصرفت بطريقك سليمة في الأيام السابقة ، وبددت جميع الشكوك التي كانت تدور حولي ..
الشيء الذي يغضبني الآن هو تجاهل ياماتو لرسائلي ، لا أعلم ماذا أصاب ذلك المغفل وجعله يتجاهلني ، بقيت اليوم ساعة كاملة أنتظره بعد إنتهاء المدرسة ، لكنه لم يأتي في النهاية ..
سأذهب إلى منزله في الغد لمقابلته ، لكن اليوم يجب أن أذهب إلى روز للتحدث معها قليلاً ، فقد سمعت بأنها فكرت بالإنتحار ذات مرة ، سأذهب إليها لإلقاء بعض المحاضرات على تلك البلهاء ..
لقد طلبت من السيد روكاوا أن يقوم بمراقبتها عن كثب حتى لا تفكر بهذا مرة أخرى ، وقد كان يخبرني دائماً عن شرودها المستمر ، وتصرفاتها الغريبة ..
موت والدتها والقزم قد أثرا عليها كثيراً ، حتى لو كانا سيئا الطباع ويعاملانها بقسوة ، فهما في النهاية عائلتها ..
استقليت سيارة أجرة لإيصالي إلى هناك ، فلا يمكنني أن أطلب من روكاوا إيصالي وترك روز وحدها في المنزل ..
عندما وصلت ترجلت من السيارة بعد أن أعطيت السائق أجرته ، وتوجهت نحو المنزل الصغير الذي احتضن كل ذكرياتي القديمة ، والتي كان التعاسة هو عنوانها ..
دخلت المنزل بالمفتاح الذي بحوزتي ، لأتفاجأ بصراخ قادم من إحدى الغرف : ما شأنك بي أيها المزعج ؟؟ دعني أفعل ما أشاء فأنت حتى لا تعرفني ..
ركضت نحو مصدر الصوت فإذا بي أرى روز بوجهها المحتقن بالإحمرار وعينينها الممتلئتين بالدموع ..
وقد كان السيد روكاوا الذي يقف أمامها معطياً ظهره لي ، يقول بعصبية أكبر : أنت فتاة مجنونة حقاً ، توقفي عن التفكير بالإنتحار ، سوبارو لن يكون ساراً إذا ......
بتر عبارته عندما كانت روز تحدق فيني بتفاجؤ ، وهو قد إلتفت إلي ببطء وحين رآني قال بدهشة : سوبارو ماذا تفعل هنا !!
لم أجب عليه فقد كان نظري مثبتاً على المقص الذي كانت روز تحمله بين أصابعها ..
تجاوزت السيد روكاوا وجذبت المقص من بين يديها بوحشية ، وبيدي الأخرى وجهت إلى روز صفعة على خدها الأيمن ..
ثم أتبعت الصفعة بصرخة عالية : أجننت يا روز ؟؟ في ماذا كنت تفكرين ؟؟
لم تستطع روز منع دموعها من الهطول ، وقالت بصوت متحشرج : أنت لن تشعر بما أشعر به يا سوبارو ، لذا لا تتدخل ..
ألقيت بالمقص أرضاً وأنا أهتف بغضب : مهما كان الشعور الذي تشعرين به فهذا ليست مبرراً كافياً لتفكري بالإنتحار ..
- أنا لم أعد أستطيع العيش أكثر من هذا ، شعوري بالذنب لا يفارقني حتى وأنا نائمة ، لا أستطيع تحمل كل هذا بعد الآن ، حياتي بائسة ولا أستطيع أن أعيش بعد الآن ، أريد أن أرتاح من كل هذا ..
رؤيتها وهي تنطق بهذه الكلمات البائسة بهذا الوجه اليائس جعلني أتذكر نانا مباشرة ، نانا الفتاة الحمقاء التي انتحرت بعد أن أثقلها الهموم ، والتي لم أستطع إنقاذها ..
لكن الآن إنقاذ روز هو مسؤوليتي ، ولن أجعل الأمر يتكرر إطلاقاً ، لقد فشلت في إنقاذ نانا لكنني لن أفشل هذه المرة ، يجب أن أردع روز مهما كان الأمر مستحيلاً ..
صراخي العالي لن يعدلها عن قرارها ، ولهذا يجب أن أتصرف بطريقة أكثر لطفاً وفعالية ..
وضعت يدي على رأسها قائلاً بهدوء وبصوت غامر بالحنان والدفئ : روز لا تفكري بطريقة سلبية ، حاولي التفكير بالأمور الإيجابية ..
قالت بسخرية مريرة وسط دوامة بكائها : وما الشيء الإيجابي الذي يمكن أن يحصل لي ؟؟ أنا لست سوى مغناطيس أجذب المصائب دائماً ، لم أشعر بالسعادة في حياتي قط ، كل ما أعيشه هو العذاب والجحيم ..
قلت بذات النبرة السابقة : إذاً بقائك مع جوليا يعتبر جحيماً كذلك ، وتلك اللحظات التي كنت تستمعين فيها إلى مغنيك المفضل كان جحيماً كذلك ..
هزت رأسها نافية وقالت : هذان الآمران هما من كانا يخففا عني مصائبي ، لكن جوليا ليست هنا الآن ، وسماعي لأغاني ورابوس لن يفيدني بشيء ، أريد أن أغادر هذا العالم التعيس ..
قلت بصرامة : ماذا سيكون موقف جوليا لو رأتك تفكرين بهذا ؟؟ أتراها ستسعد بقرارك حقاً وستشجعك ؟؟ بالتأكيد لا ، بل كانت لتردعك بشتى الوسائل ، لذا فكري فيها وفي مشاعرها الذي سينتابها إذا سمعت بخبر إنتحارك ..
أنكست رأسها مجيبة بهدوء : ربما ستكون حزينة قليلاً ، لكنها سرعان ما ستنسى وتكمل حياتها ..
ثم صمتت لثواني قبل أن تكمل : هذا إن بقيت حية حتى الآن ..
نطقت بسرعة حينها : هي حية حتى الآن بلا شك ، وسيتم إنقاذها حتماً ، وإن حصل ذلك واكتشفت خبر إنتحارك هي .. هي ....
لم أستطع إكمال جملتي ، فقد علقت الكلمات والعبرة تخنقني ..
لكنني استجمعت قوتي وأكملت بصعوبة ، ونبرة الحزن تتخلل صوتي : هي حتماً ستشعر بالحزن الشديد ، فأنت صديقتها المقربة ، وستشعر بالذنب لأنها لم تستطع إنقاذك ، وستتمنى لو تمكنت من ردعك عن قرارك ، ستكمل حياتها والندم لن يفارقها ، فأنت لست كأي صديقة ، إنها حقاً تعزك وتحبك ، لذا إن كنت تحبينها كذلك فلا تفكري في القيام بشيء قد يؤذيها ..
لم أقل هذا الكلام عبثاً ، فهذا ما أشعر به حقاً بعد إنتحار نانا التي لم أستطع إنقاذها ، ولازلت أشعر بالذنب حتى هذا اليوم على الرغم من أنه قد مر على موتها ثلاثة سنوات ..
هذه المشاعر لا أريد لجوليا أن تشعر به ، فهو شعور مؤلم ، ومن المستحيل نسيانه ..
مشاعري قد وصلت إلى روز ، فقد انهارت إلى الأرض وأجهشت بالبكاء عالياً وهي تدفن وجهها بين كفيها ، اقربت منها وأخذت أربت على رأسها دون أن أتفوه بكلمة ..
أنا لا أعرف ما هي الكلمات المناسبة التي يجب أن أقولها الآن ، لذا فضلت التزام الصمت ..
مرت ربع ساعة وقد انخفض صوت نحيبها ، يبدو أنها قد بكت حتى أرهقت ، لذا أوقفتها برقة وقدتها نحو السرير لأدعها تأخذ قسطاً من الراحة ..
وفور أن وضعتها على السرير أغمضت عينيها ، توجهت نحو المقص الملقى والتقطته ، ثم غادرت الغرفة بعد أن أطفأت الاضواء ..
ذهبت إلى حيث كان السيد روكاوا يجلس منتظراً ، وفور أن رآني قال مبتسماً : كيف حالها الآن ؟؟
- إنها غارقة في النوم ..
ألقيت بثقلي على الأريكة السوداء وقلت وأنا أتأمل سقف الغرفة : أنا قلق عليها كثيراً ، فقد تفوهت بأمور لم يكن يجب علي التفوه بها ..
قال مستفسراً : مثل ماذا ؟؟
- الوحيد الذي بقي لروز والذي يجعلها متمسكة بالحياة حتى الآن هي جوليا ، لكنني حقاً لا أعلم ما إذا كانت حية أم لا ، فالرسائل قد انقطعت منذ أيام ، والمدير لم يتحدث إلي مطلقاً ولم يحاول التلميح لي بأي شيء حتى الآن ، أخشى أن تصاب روز بصدمة أكبر إذا اتضح لنا أن جوليا قد توفيت ..
إبتسم السيد روكاوا إبتسامة ذا مغزى وقال بنبرة مقصودة : هناك أشخاص آخرون يساندون روز ، لذا أنا واثق بأنها ستكون بخير ..
أنا أفهم تلميحاته المقصودة ، لكنني أتعمد تجاهلها ، فمهما أنكرت ما يدور في رأسه فهذا لن يجدي ..
***
~ روك ~
أشعر أنني أصبحت قريباً من الحقيقة شيئاً فشيئاً ، الكثير من الأمور بدأت تنقشع ، والكثير من الأمور المثيرة قد توصلنا إليها ..
منزل ساي هو المكان الذي يتجمع فيه مجموعة من الرجال والنساء ، وجميعهم كانوا ينكرون معرفتهم ببعض خارج جدران المنزل ..
عندما بحثت عن ماضي ساي وجدت أن ماضيه غامض ومظلم ، والحياة التي كان يعيشها مفاجئ كثيراً ، وأصبحت أستغرب كيف له أن يصل إلى هذه المرحلة من الثراء ، والآن أشعر أنني وصلت إلى جواب ..
مدير مدرسة جوليا لديه إبن وإبنة ، وقد كانوا يعيشون مع بعضهم في المنزل ، لكن وقبل عدة أسابيع الضجيج الذي كان يحدثانه التوأم قد اختفى ، وهذا ما أثار استغراب الجيران ، لنكتشف أن كازوما أصبح وحيداً ، ولا أحد يعلم أين ذهب طفليه ..
وبعد التحقيق إكتشفنا المكان الوحيد الذي بإمكاننا أن نجد فيه الطفلين ، وقد كانت الحضانة هو المكان المقصود ..
أرسلت مساعدتي سايو للتحقيق بشأنهما هن كثب ، وقد أخبرتني بتصرفات معلمة الحضانة المريبة ، وقد شهد بعض رجالي أنهم رأوها تدخل إلى منزل ساي عدة مرات ، إذاً ربما هي متواطأة معهم ..
أشعر بأنها منظمة كبيرة ، فيها مجموعة من الأعضاء ، لذا لا يجب أن أتهور وإنما يجب أن أتصرف برزانة ، أنا لست واثقة بعد من أن جوليا محبوسة هناك ، وإذا ما علموا بشأننا فأنا واثق من أنهم لن يترددوا في قتلها والهرب ..
أريد أن ألقي القبض على الجميع ، ولن أدع عضواً واحداً يفلت مني ، هذا هو أسلوبي ..
ياماتو لم يأتي إلي أبداً بعد تلك المرة ، مع أنني ظننته سيتعاون معي في هذه المهمة ، لكن يبدو وأنه قد انشغل بأمور أخرى ..
عملنا متواصل أربع وعشرين ساعة ، ولا وقت للراحة ، فأنا أشعر بأنهم منظمة خطيرة ، ويجب أن نخلص العالم منهم ..
نهاية الفصل .. |
|